وفقًا لبعض التقارير التي نُشرت في نهاية شهر نيسان 2014، فمن المرتقب أن توقّع مصر على صفقة سلاح كبيرة مع روسيا، وهي شراء 24 طائرة مقاتلة من طراز MiG-35‎.‎ ‎ وقد ظهرت أخبار الاتصالات بين مصر وروسيا في الشهرين الأخيرين عدّة مرات. وخصوصًا، في شهر تشرين الثاني الأخير، على خلفية زيارة وزير الخارجية لافروف ووزير الدفاع شويجو للقاهرة، وبعد ذلك، في شهر شباط عام 2014، على خلفية زيارة عبد الفتاح السيسي لموسكو.

وتتحدّث أخبار تشرين الثاني وشباط عن صفقة سلاح على نطاق أوسع بكثير، والتي كان من المرتقب أن تشمل أيضًا أنظمة دفاع جويّ، وأنظمة دفاع ساحلي، ومروحيّات هجومية من طراز Mi-35‎ وطائرات مقاتلة من طراز Mig-29.‎ ‎وقد ذكرت التقارير أيضًا، أن الصفقات ستُموّل من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة.

عُرضت طائرة MiG-35‎ للمرة الأولى في معرض بالهند عام 2007. وهي طائرة من مجموعة MiG-29 القديمة. وتُعرّف من قبل مطوّريها بوصفها طائرة من الجيل “++‏4‏” والتحسينات التي فيها، مقارنة بالطراز السابق (MiG-29M/M2‎) تشمل منظومة معلومات حديثة، تتماشى مع منظومات الأسلحة الروسية وأيضًا الغربية، ومجموعة متنوعة من المنظومات الدفاعيّة الذاتية المدمجة. وقد تمّ تصميم الطائرة لتكون متعدّدة المهامّ، ولها قدرات جيّدة سواء في المهامّ الجوّية – الجوّية وكذلك في مهامّ مهاجمة أهداف أرضية دقيقة في جميع الأحوال الجوّية. سيتمّ تجهيز Mig-35 برادار من طراز Zhuk-AE والذي هو رادار يشكّل مرحلة نشطة (AESA) أكثر تقدّمًا مقارنةً برادار Mig-29M/M2‎، وأيضًا بمحرّكات مطوّرة بالنسبة لهذا الطراز. لم تدخل الطائرة بعد للتصنيع وقد تمّ تأجيل التوقيع على العقد الأول لتوفيرها لسلاح الجوّ الروسي حتى عام 2016.‎ ‎

طائرة "فانتوم" أمريكية في سلاح الجو المصري
طائرة “فانتوم” أمريكية في سلاح الجو المصري

منذ العام 1979 تجّهز الجيش المصري بشكل أساسيّ بمعدّات من صنع الولايات المتحدة التي تمنح مصر معونة تبلغ 1.3 مليارات دولار في العام. ومع ذلك، لم تكفّ مصر تمامًا عن شراء سلاح أو معدّات أمنية من دول أخرى بل ومن روسيا (والتي اشترت منها في العقد الأخير ترقية لأنظمة الدفاع الجوّي القديمة التي تملكها مصر. ولكن العلاقة مع الولايات المتحدة فترتْ منذ بداية أحداث “الربيع العربي” في مصر. منذ شهر آب عام 2011 ألغت الولايات المتحدة مشاركتها في التدريب العسكري النصف سنوي “النجم الساطع” (Bright Star)، “بسبب الحالة السياسية التي نشأت في مصر بعد الإطاحة بالرئيس مبارك. ومع ذلك في عام 2012 استمرّت بإعطاء المعونة السنوية لمصر.

تغيّر هذا الوضع بعد الإطاحة بمرسي، في بداية شهر تموز عام 2013. رغم أنّ الولايات المتحدة قد وفّرت لمصر أربعة طائرات F-16 في تموز 2013 (ضمن صفقة من أربعين طائرة تمّ توقيعها في 2010)، أعلنت الإدارة بعد ذلك، أنّها ستؤجل تسليم أربعة طائرات F-16 أخرى. في تشرين الأول عام 2013 أعلنت الإدارة، بأنّه تم إصدار قرار “إعادة تقدير” المعونة الأمنية لمصر وتجميد جزء من معونة الولايات المتحدة لمصر بسبب القانون الأمريكي الذي يحظر توريد الأسلحة لأنظمة نشأت عن انقلاب عسكريّ. وقد تم إصدار قرار إضافة إلى قرارات أخرى، بإيقاف توريد طائرات F-16‎، مروحيّات أباتشي، منظومات دفاع جوّي ودبّابات أبرامز.

وقد ألغت الولايات المتحدة مرّة أخرى مشاركتها في تدريب “النجم الساطع”. ومع ذلك، ففي نيسان 2014، سمحت الإدارة بتوريد مروحيّات أباتشي إلى مصر، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ أول سفينة من طراز “أمبسدور” (من بين أربعة تمّ التوصية عليها) قد سُلّمت لسلاح البحرية المصري في شهر تشرين الثاني 2013 كما كان مخطّطًا.

قد تفسّر هذه الصعوبات في تلقّي السلاح من الولايات المتحدة توجّه مصر إلى روسيا. فضلا عن ذلك، ففي هذا التوجه إلى روسيا تظاهر صارخ بعدم رضا القيادة المصرية من السياسة الأمريكية تجاه مصر. ومع ذلك، تثير الأنباء عن العملية الأخيرة بعض الأسئلة.

أوباما يلقي بيان حول الوضع في مصر، في آخر زيارة لزعيم أمريكي في مصر، عام 2009 (ِAFP)
أوباما يلقي بيان حول الوضع في مصر، في آخر زيارة لزعيم أمريكي في مصر، عام 2009 (ِAFP)

بدايةً، من الناحية التقنية، فعلاوة عن حقيقة كون الطراز لم يدخل للتصنيع بعد؛ فالحديث هو عن ثقافة تكنولوجية مختلفة تمامًا عن تلك الأمريكية. جيش مصر، وخصوصًا سلاح الجوّ الخاص بها، مرّ خلال سنوات الثمانينات وما بعدها بعملية مركّبة، مستمرّة، وباهظة الثمن في الانتقال من تكنولوجيا وعقيدة قتالية سوفييتية إلى تكنولوجيا وعقيدة قتالية أمريكية.

رغم أنّ المصريين لا زالوا يشغّلون بعض الأنظمة من الصناعة الروسية (وخصوصًا في مجال الدفاع الجوّي)، ولكن التجهّز بطائرات حديثة من الصناعة الروسية سيتطلّب إنشاء خدمات لوجستية جديدة ومنفصلة عن تلك التي تخدم الطائرات أمريكية الصنع. والحديث ليس فقط عن شراء طائرات، وإنما أيضًا عن شراء منظومات أسلحة حديثة ومختلفة عن المألوف (بما في ذلك صواريخ جوّ – جوّ، جوّ – أرض وغيرها)، حيث إنّ كلّ منظومة سلاح كهذه تتطلّب خدمات صيانة خاصّة بها، وأيضًا خدمات تدريب وإرشاد الأفراد بشكل مستمرّ ومُكلف، وهناك شكّ إنْ كان في هذا منطق.

ثانيًا، إن الوضع الاقتصادي في مصر منذ اندلاع الأحداث عام 2011 هو الأسوأ. وهناك شكّ إنْ كانت تستطيع تمويل صفقات سلاح مكلفة. رغم أنّ التقارير ذكرت أنّ هذه الصفقات ستموّل من قبل السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، ولكن هناك مجال للشكّ أيضًا بهذا الاحتمال حيث إنّ للسعودية والإمارات ادعاءات خطيرة تجاه الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة. إنّ مساعدة هاتين الدولتين لمصر على خلفية تهديدات الولايات المتحدة بإيقاف المساعدة الممنوحة لمصر من المتوقع تمامًا أن يُنظر إليه كتحدٍّ ضدّ الولايات المتحدة. ولكن من هنا حتى الاستعداد لتمويل صفقة مصر مع روسيا، والتي توجد تجاهها ادعاءات خطيرة من قبل السعوديين (وخصوصًا على خلفية دعم نظام بشار الأسد)؛ فإنّ الطريق طويل.

ثالثًا، رغم الغضب من الولايات المتحدة وخصوصًا من الرئيس أوباما، ورغم الرغبة في تحدّيها، فهناك شكّ إنْ كانت مصر مستعدّة فعلا لقطع علاقاتها بالولايات المتحدة والاستغناء عن المساعدة الأمنية التي تمنحها إياها الولايات المتحدة وعن شراء الأسلحة منها.

من الجدير بالذكر أنّه لم يتمّ تأكيد الأنباء عن صفقة السلاح، والتي نُشرتْ لأول مرّة في إسرائيل، حتى بداية هذا الشهر أيار 2014، لا من مصادر روسية ولا من مصادر مصرية، ويبدو أنّ وسائل الإعلام البارزة في أوروبا والولايات المتحدة أيضًا لم تنضمّ لتغطية القصّة.

مقابلة السيسي وبوتين (AFP)
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)

البُعد الروسي

رغم أنّ هناك قيمة كبيرة لصفقة السلاح بحدّ ذاتها، فإنّ المصلحة الروسية الأساسية هي بالذات في المجال السياسي – الاستراتيجي. تنسجم هذه الصفقة كمكوّن ضمن الجهود الروسية الرامية لاستعادة مكانتها في المنطقة، والتي تقوّضت بشكل كبير خلال سنوات “الربيع العربي”، وأصبحت، حسب رأي الروس، بمساعدة غربية نشطة، جزءًا من الصراع العالمي المستمرّ. إزاء هذا الواقع، بدأت روسيا خلال العام الأخير بجهود متزايدة للتقارب من جديد مع دول المنطقة، بما في ذلك تلك التي كان لديها معها في السابق علاقات تعاون ودول أخرى. في إطار هذا التقارب تبرز العودة الروسية لدبلوماسية تزويد الأسلحة. ومن الجدير في هذا العموم أن نذكّر العراق، والتي أجريت معها منذ زمن مفاوضات بخصوص شراء أمني شامل؛ الاتصالات مع لبنان والأردن (والتي جرى معها مناقشة إمكانية التزوّد بمفاعل نووي)؛ الاتصالات بين روسيا والمملكة العربية السعودية، والتي على الرغم من الخلاف الأساسي بينهما، جرى معها مناقشة صفقة سلاح كبيرة وأيضا تمويل سعودي لشراء محتمل من روسيا والذي ستقوم به بلدان أخرى في المنطقة.

ومع ذلك، فنحن نشهد في الآونة الأخيرة تغييرًا إضافيّا في سلوك روسيا في الشرق الأوسط. وذلك على خلفية أحداث الأزمة الأوكرانيّة، والتي كانت في مركز جدول الأعمال الدولي وأصبحت قضية الصراع الأساسي بين القوّتين العظميَيْن. في هذه الأثناء، اختيرت منطقة الشرق الأوسط من قبل روسيا، كجبهة إضافية في صراعها العالمي ضدّ الغرب، من بين أسباب أخرى من أجل إحداث توازن في الضغط الممارَس عليها في أوروبا الشرقية. وفي هذا العموم، يمكننا أن نشير إلى زيادة النشاط الروسي في القضية السورية وأيضًا النشاط الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ روسيا توسّع من نشاطها في كلّ قضيّة ممكنة في المنطقة لتنقل رسائل تحدٍّ تجاه الغرب.

وفي هذا السياق، تتّضح مصلحة روسيا وحرصها على تنفيذ صفقة الشراء مع مصر، والتي بإمكانها أن ترفع مكانتها الدولية وتشكّل قدوة جديرة لدى بلدان المنطقة الأخرى بهدف توسيع التعاون المتنوّع معها.

تلخيص

إذا تمّ تنفيذ صفقة الأسلحة بين مصر وروسيا، فسيكون هذا حدثًا ذا أهمية كبيرة في الصورة الاستراتيجية للشرق الأوسط؛ – خطوة أخرى في عملية تراجع مشاركة الولايات المتحدة ودورها في المنطقة. سيكون هذا بالنسبة لروسيا إنجازًا استراتيجيًا مهمّا في صراعها العالمي مع الغرب.
بالنسبة لإسرائيل، فإنّ الأهمية التكتيكية لسرب من الطائرات من طراز MiG-29 أو سربين؛ ليست كبيرة. ومع ذلك، قد تكون لها أهمية استراتيجية حاسمة، مع تفاقم الصراع بين روسيا والغرب، وموطئ القدم الجديد لروسيا في مصر.

لم يتمّ توقيع الصفقة بعد وهناك عقبات كثيرة في طريق تحقيقها؛ سواء كانت تقنية، تنفيذية،  اقتصادية، وبشكل أساسي سياسية واستراتيجية. ولا يزال لدى الولايات المتحدة الكثير من الأدوات التي يمكنها استخدامها للضغط على مصر من أجل منع تنفيذ الصفقة مع روسيا. وبناء على ذلك، تعتبر هذه الأنباء عن الصفقة جرس إنذار لصنّاع القرار في واشنطن وليس إشارة لتغيير استراتيجي حقيقي.‎ ‎

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي (‏INSS‏).

اقرأوا المزيد: 1295 كلمة
عرض أقل