يوسي ميلمان

يوسي ميلمان هو أحد أهم الصحفيين ومحللي الأمن القومي الإسرائيلي. ميلمان هو زميل سابق لمؤسسة نيمان للصحافة في جامعة هارفارد، والحائز على جائزة سوكولوف في العام 2009، وهي الوسام الأرفع وذو الاعتبار الأكبر للصحفيين في إسرائيل، وقد كان على مدى 27 عامًا مراسلًا وكاتب عمود يغطي شؤون الأمن القومي والاستخبارات للصحيفة اليومية الإسرائيلية هآرتس.
ضحايا الأسلحة الكيماوية في ريف دمشق (AFP PHOTO / HO/ SHAAM NEWS NETWORK)
ضحايا الأسلحة الكيماوية في ريف دمشق (AFP PHOTO / HO/ SHAAM NEWS NETWORK)

يعلون: “ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها الأسلحة الكيميائية”

أقوال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون في اجتماع في تل أبيب مع صحفيين إسرائيليين

محلّلو الاستخبارات الإسرائيليون واثقون أنّ الجيش السوري هو الذي استخدم الأسلحة الكيميائية ضدّ أحياء عدة في ضواحي دمشق.‎ ‎وقال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون يوم الأربعاء إنها “ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها الأسلحة الكيميائية”، مشيرًا إلى تقارير سابقة في السنة الماضية عن هجمات مشابهة، ولكن على نطاق أضيق.‎ ‎ويُظنّ أنّ صواريخ تحتوي على غاز الأعصاب “السارين” قد استُخدمت في الهجوم.

وقال وزير الدفاع، واصفًا الحرب الأهلية كصراع حياة أو موت بين العلويين والسنة، إنه لا نهاية منظورة للصراع.‎ ‎”لا أرى نهاية لهذا الوضع، فحتى سقوط الأسد لن يؤدي إلى انتهائه”، أضاف في اجتماع في تل أبيب مع صحفيين إسرائيليين.‎ ‎ولاحظ وزير الدفاع تشكّل كيانات إثنية ومذهبية في سوريا. وتشمل هذه الكياناتُ الأكراد شمال شرقيّ البلاد، ذوو الصلة بالأكراد العراقيين، العلويين في المنطقة الساحلية المتصلة بدمشق عبر ممرّ ضيّق، والسنة في الشمال.

وذكر يعلون أنّ “نظام الأسد فقد السيطرة على سوريا، وهو حاضر حاليًّا في أربعين في المئة فقط من البلاد”.‎ ‎ورأى أنّ الصراع السوري ليس إثنيًّا – مذهبيًّا فحسب.‎ ‎”فقد أصبح صراعًا إقليميًّا ودُوليًّا طويلَ الأمد”.‎ ‎
وشدّد على أنّ إسرائيل آثرت عدم التدخّل، بل الالتصاق بالخطوط الحمراء التي وضعتها للدفاع عن مصالحها الأمنية الحيوية.

وثمة ثلاثة خطوط إسرائيلية حمراء، وفقًا لوزير الدفاع:
أوّلًا: عدم السماح بنقل أسلحة متطورة إلى عناصر “غير مسؤولة”، في إشارة إلى حزب الله والمجموعات المؤيدة للقاعدة بين الثوار على النظام السوري.‎ ‎ثانيًا: عدم السماح بنقل أسلحة كيميائية إلى هذه المجموعات غير المسؤولة. وثالثًا: الدفاع عن سيادة إسرائيل.

وبما أنّ لبنان متّصل بالمحور المدعوم من إيران، فإنّ الحرب السورية تتسلل إليه، وفق يعلون.

وتعليقًا على الأحداث في مصر، قال وزير الدفاع إنّ “إسرائيل تنظر إلى الأحداث هناك بعين القلق، لا سيّما ما يختصّ بتجمّع الشبكات الإرهابية في سيناء، وخصوصًا قرب الحدود مع إسرائيل.‎ ‎لكنّ السياسة الإسرائيلية هي عدم التدخّل في ما يحصل في الجارة الجنوبية أيضًا، و”احترام” السيادة المصرية”.

اقرأوا المزيد: 288 كلمة
عرض أقل
رابعة العدىية، اليوم (AFP)
رابعة العدىية، اليوم (AFP)

مصر: نظرة من القدس

كيف تتصرف إسرائيل إزاء الأحداث المصرية الأخيرة؟

تراقب التوليفة السياسيّة والعسكرية الإسرائيليّة بقلق عميق الأحداث المأساوية الجارية في مصر مع إدراك محبط بأنها لا تستطيع فعل إلاّ ما هو قليل جدّا. وأفضل مسار، لإجراء ممكن أن تتخذه إسرائيل هو أن تخفّض بروفيلها وتجلس ولا تفعل شيئا مع أمل ضعيف بأن القانون والنظام نوعا ما سيعودان وعلى الأقلّ اتفاقية السّلام المبرمة بين البلدين والتي صمدت حتى الآن (34) عاما – البعض منها كان مع مشاكل – ستبقى نوعا ما على الأقلّ في المستقبل المنظور، غير أنّ هذا قد يكون نوعا من التمنّي لا أكثر.

في الحقيقة هناك مساران لإجراءات تستطيع إسرائيل اتخاذها، بل في الواقع اتخذتها. أحدهما على الجبهة الدبلوماسيّة. لقد لعبت إسرائيل دورا معيّنا في الإستشارات التي تدور خلف الكواليس مع مسئولين أمريكيين ومن الإتحاد الأوروبي محاولين تقييم الخيارات التي بقيت لهم. وقد حاول المسئولون الإسرائيليون في عمليات تبادل التقديرات هذه أفضل ما لديهم لإقناع نظرائهم الأمريكيين والأوروبيين ألاّ يكونوا شديدي اللهجة في إدانة أعمال العنف التي تحدث في مصر. ومنذ قيام وزير الدفاع المصري ورئيس الأركان العامة فتحي السيسي بتاريخ 3 يوليو (تموز) 2013 بإقالة حكومة الرئيس محمد مرسي التي يقودها الإخوان المسلمون بسبب عدم كفاءتها لوقف التدهور الاقتصادي وإخفاقها في حفظ الأمن العام في الشوارع ونظرا أيضا لمجهودات الرئيس لأسلمة الدستور لتطهير القضاء والجيش وتنصيب أتباعه، عمل المسئولون الإسرائيليون جاهدين لتليين نقد الإدارة الأمريكية الحاد للجنرال السيسي وإجراءاته. وكان هذا نجاحا جزئيا. لقد وافقت إدارة الرئيس أوباما على الأقل جزئيا في الوقت الحاضر على عدم تعليق مساعدة ال 1.5 مليار دولارالمقدمة لمصر والجزء الأعظم منها مساعدة عسكرية. ولقد عبّر المسئولون الإسرائيليون الذين طلبوا عدم ذكر اسمهم بسبب حساسية الوضع عن خيبة أملهم للإدانة شديدة اللهجة الصادرة يوم الثلاثاء عن الحكومة الأمريكية ضد إجراءات الحكومة المصرية لإزالة متظاهري الإخوان المسلمين من شوارع القاهرة.

لقد قتل مئات الأشخاص في الصدامات التي وقعت بين الشرطة وقوات الأمن من ناحية والمتظاهرين من ناحية أخرى. وفي حين لم يتفوه المسئولون الإسرائيليون بشيء قام الأستاذ يوسي شائين من جامعة تل أبيب وجامعات جورج تاون بالإعراب عن رأيه. قال “لقد فشل الرئيس أوباما بسياساته في المنطقة، وأن مصر مثال حديثٌ فقط لذلك. ليس لديه توجه وأن ردّ فعله دائما متأخرة جدا ولا يظهر قيادة”.

قلق إسرائيل هو أنّ الإدانة والافتقار إلى سياسة أمريكية متماسكة وواضحة سيزيد من إضعاف الحكومة الهشة التي يسيطرعليها الجنرال السيسي ويقوّي شوكة الإخوان المسلمين ويعزز إرادتهم في منع أي حلّ سياسي. ويخشى المسئولون الإسرائيليون في نهاية المطاف أن تقوّض معاهدة السلام والترتيبات الأمنية بين البلدين. تشترك إسرائيل ومصر بحدود، تمتد 270 كيلومترا من البحر الأبيض المتوسط إلى منتجع إيلات على البحر الأحمر. وللحفاظ على السلام والهدوء، فقد تعاونت إسرائيل ومصر في مجال الاستخبارات. ويجب أن يبقى هذا التعاون سرا لتجنب استغلاله من قِبل المناهضين للجنرال السيسي وتقديمه على أنه “عميل لإسرائيل”.

لقد سمحت إسرائيل أيضا للجيش المصري حديثا بإحضار تعزيزات عسكرية لمنطقة سيناء المعزولة السلاح بما في ذلك مركبات مدرّعة وطائرات مروحية حربية في محاولة، لاجتثاث أوكار الإرهابيين التابعين للقاعدة وأنصارها وكذلك الخلايا التي وجدت ملجأ في الصحراء الواسعة والغير مأهولة بالسكان. تتراوح أعدادهم حسب التقديرات المختلفة ما بين بضع مئات إلى ثلاثة ألاف. ومعظم الإرهابيين وأعوانهم هم من البدو المحليين ولكنهم كانوا مدعومين “بِمتطوعين” من اليمن والصومال والعراق “والمنشقين” من حماس ومن منظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في غزة.

لقد كانت إسرائيل دوما حريصة جدا على سلوك سياسة سلبية غير فعالة في الحرب ضد إرهابيي جهاد سيناء وذلك عن طريق تبادل الاستخبارات مع مصر وانتشار بطاريات القبة الحديدية المضادة للصواريخ لاعتراض الصواريخ التي تُطلق باتجاه إيلات. إن المنطق الإسرائيلي لا يقوم على انتهاك السيادة المصرية وأن يقوّض بذلك جهود الجنرال السيسي على كلا الجبهتين، بالتحديد في الداخل ضد جهود الإخوان المسلمين الهادفة لخلق فوضى ودمار وفي سيناء ضد ما يسمى بالجهاديين. غير أن إسرائيل قد انحرفت مرتين عن هذه السياسة في العام الماضي. المرة الأولى في شهر أغسطس (آب) 2012 أثناء مطاردة ساخنة ضد الإرهابيين اللذين تسللوا لإسرائيل وقامت مروحية إسرائيلية باختراق مجال سيناء الجوي وأطلقت صاروخا قتل الإرهابيين ولكن معهم أيضا خمسة جنود مصريين واعتذرت إسرائيل عن ذلك.

والمرة الثانية كانت قبل أسبوع عندما قامت طائرة إسرائيلية بدون طيار حسب تقارير وسائل الإعلام الأجنبية بإطلاق صواريخ وقتلت أربعة إرهابيين على الجانب المصري من رفح وهي جزء من مدينة صغيرة واقعة ما بين مصر وقطاع غزة الذي تحكمه حماس. كان الإرهابيون على وشك إطلاق صواريخ ضد المناطق الإسرائيلية واعتبرت إسرائيل هؤلاء الإرهابيين “قنبلة موقوتة” وشعرت أن من حقها الدفاع عن نفسها باستباقها ضربهم. غير أن وزير الدفاع موشيه يالون، دون أخذ المسئولية على عاتقه قال “إسرائيل تحترم وستحترم السيادة المصرية”.

هذه الجملة تجسّد باختصار السياسة الإسرائيلية المخيّم عليها في الوقت الحاضر خوفٌ متزايد بأن إسرائيل ليست جالسة فقط على حافة بركان في حدودها الشمالية المواجهة لحزب الله وللحرب الأهلية في سوريا ولكن أيضا أن الحمم تنتشر ببطء باتجاهها من مصر.

اقرأوا المزيد: 745 كلمة
عرض أقل
طائرة ال F16 لسلاح الجو الإسرائيلي (Flash90/Ofer Zidon)
طائرة ال F16 لسلاح الجو الإسرائيلي (Flash90/Ofer Zidon)

هل تخشى أمريكا هجومًا إسرائيليًّا وشيكًا على إيران؟

نتنياهو يؤمن أنّ روحاني ذئب في ثياب حمَل سيواصل السياسة النووية لسلفه المتشدد، محمود أحمدي نجاد

ترسل الولايات المتحدة هذا الأسبوع أبرز مسؤوليها العسكريين لفحص وتقييم حقيقة النوايا الإسرائيلية بخصوص البرنامج النووي الإيراني. فمن المتوقع أن يزور رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارتن دمبسي، إسرائيل هذا الأسبوع، ليحل ضيفًا على رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال بيني غنتس، ويلتقي برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبوزير الدفاع موشيه يعلون. وكان قائد سلاح الجو الأمريكي الجنرال مارك ويلش قد استقبله الأسبوع الماضي نظيره الإسرائيلي اللواء أمير إيشل. والتقى الجنرال ويلش كذلك بالجنرال غنتس.

ويأتي كل هذا النشاط المحموم وسط مخاوف وتقارير إعلامية أمريكية تفيد بأنّ إسرائيل ستنفذ قريبًا هجومًا على البرنامج النووي الإيراني. فإسرائيل قلقة من أنّ الإدارة الأمريكية ستتحاور مع إيران، وتنسى وعدها بعدم السماح لتلك الدولة بحيازة أسلحة نووية. وتأتي في الخلفية بداية عهد الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، الذي يراهن بعض الخبراء الدوليين على كونه معتدلًا نسبيًّا، قد يحاول فتح نافذة إلى الغرب.

ويؤمن نتنياهو أن لا جديدَ في القيادة الإيرانية، وأنّ روحاني ذئبٌ في ثياب حمَل سيواصل السياسة النووية لسلفه المتشدد، محمود أحمدي نجاد. وعلى أية حال، فإنّ البرنامج يحدده المرشد الأعلى علي خامنئي.

وسار نتنياهو في السنوات الأربع الأخيرة في الدرب نفسه، ما أعطى الانطباع بأنه سيطلق عنان سلاح الجو الإسرائيلي لتدمير المواقع النووية الإيرانية. ففي أيلول 2012، قبل نحو عام، وقف على المنصة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، راسمًا “خطوطه الحمراء” وجدوله الزمني. وحذّر نتنياهو العالم من أنّ إيران ستبلغ بحلول ربيع 2013، أو أوائل صيف 2013 كحد أقصى، العتبة التي تمكّن البلاد من إنتاج موادّ انشطارية كافية وتركيب قنبلتها النووية الأولى.

الجنرال بيني غنتس برفقة الجنرال مارتن دمبسي (Flash90/Gideon Markowicz)
الجنرال بيني غنتس برفقة الجنرال مارتن دمبسي (Flash90/Gideon Markowicz)

بعد العديد من “الخطوط الحمراء” و”نقاط اللاعودة” و”السنوات الحاسمة” التي أعلنها المسؤولون الإسرائيليون في العقد الماضي، مرت السنون وما زالت إيران لا تمتلك أسلحة نووية. لذلك فإنّ من يجرؤ أن يعلن أنّ 2014 هي “السنة الحاسمة” سيجعل نفسه أضحوكة.

مع ذلك، فوفقًا لمعظم المؤشرات والخبراء، فإنّ سنة 2014 أو أوائل سنة 2015 هي فعليًّا الإطار الزمني المطلوب لإيران لتحقيق طموحها. فبحلول ذلك الوقت، ستمتلك إيران ثلاث أدوات نووية هامّة. فهي ستشغّل مفاعلًا نوويًّا في أراك، سيكون قادرًا على إنتاج البلوتونيوم. كما ستمتلك المعرفة اللازمة لتجهيز رأس صاروخ نووي على صاروخ شهاب، وستمتلك عددًا كافيًا من نابذات الطرد عن المركز المعقدة لتخصيب يورانيوم بالدرجة المطلوبة لإنتاج سلاح.

لذلك، فإنّ قرار تركيب القنبلة النووية الأولى سيكون إيرانيًّا محضًا، إلا إذا جرى منعهم من ذلك. والوسيلة الوحيدة لثني إيران، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين بارزين، هي مواصلة الضغط. فإذا أرادت إدارة أوباما تجنّب هجوم إسرائيليّ على إيران، يتوجب عليها فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على طهران. فعليها تنفيذ قرار الكونغرس الأخير الهادف إلى إيقاف صادرات إيران النفطية.

على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مفاوضة إيران من موقع قوة، مرتديَين قفّازًا حديديًّا، لا بطريقة الترضية لأنّ الرئيس الجديد يبتسم ويتكلم كلامًا عذبًا.

تعاني إيران الآن بشدة من العقوبات. فقد انخفضت صادراتها من النفط إلى أدنى مستوياتها بـ 700 ألف برميل يوميًّا. ويؤدي الوقف الكامل لصادرات النفط إلى جعل الزعماء الإيرانيين يجثون على ركابهم. قد يؤدي هذا وحده إلى إقناع علي خامنئي بأنّ إبطاء، أو حتى هجر، حلم تصنيع أسلحة نووية، أفضل من مواجهة انهيار اقتصادي.

اقرأوا المزيد: 472 كلمة
عرض أقل
زعيم القاعدة, أيمن الظواهري (AFP)
زعيم القاعدة, أيمن الظواهري (AFP)

الاستخبارات اللأمريكية والقاعدة

مرة أخرى، تبرهن أن لا بديل عن الاستخبارات بشكل عامّ، والاستخبارات الإعلامية "SIGINT" التي تعترض محادثات هاتفية ووثائق فاكس، تدخل الحواسيب، تقرأ البريد الإلكتروني، تصحّح برامج تجسّس، وتفكّ شِفرات

كان ذلك صدفةً، لكن يصعب إيجاد وقت مفيد أكثر للإدارة الأمريكية ولاستخباراتها. فحين حصل إدوارد سنودن، مسرّب أسرار الإن إس إيه (وكالة الأمن القومي) على لجوء سياسي في روسيا، لبهجة منظمات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة والعالم، برهن المستمعون إلى المعلومات ومحلِّلوها LISTENERS AND ANALYSTS) ‎‏)‏‎ في وكالة الأمن القومي أنّ عملهم ضروري جدًّا ومنقذ للحياة. فقد أدى اعتراض إشارات بثّ وتحليلها إلى القرار الدراماتيكي بإغلاق ممثليات الولايات المتحدة في المنطقة بين باكستان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإخلاء عمّال ومواطنين أمريكيين من اليمن. وقد احتذت ممثليات غربية أخرى في اليمن بالولايات المتحدة.

ثمة من ادّعى أنّ الإدارة تصرفت بهستيريا وذُعر. لكنّ ذلك يمكن أن يكون مفهومًا. فثمّة مثل بأن من يُلذع من الحليب يخاف من اللبن. فشلت الإدارة في حماية القنصلية في بنغازي بليبيا.

توفرت معلومات عن إمكانية هجوم إرهابي، لكنّ تأويلَها وفهمها لم يكونا جيدَين. ولذلك، لم يتعاملوا معها بالجدية المطلوبة، وحاولوا لاحقًا التمويه وطمس الحقائق وعرضَ ما حدث على أنه “تظاهرة”، تدهورت إلى عنف غير مضبوط. هذه المرة، تقرّر عدم المخاطرة بلا لزوم.

لم تكن المعلوماتُ دقيقة وموضعيّة، لذلك قرر مسؤولو الأمن والاستخبارات اتّباع قاعدة “إبقاء الهوامش الأمنية واسعة” جدًّا. لكن مرة أخرى، تبرهن أن لا بديل عن الاستخبارات بشكل عامّ، والاستخبارات الإعلامية “SIGINT” التي تعترض محادثات هاتفية ووثائق فاكس، تدخل الحواسيب، تقرأ البريد الإلكتروني، تصحّح برامج تجسّس، وتفكّ شِفرات.

فقد أتاحت هذه الوسائل، وفقًا لما نشرته لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأمريكي، تعقّب محادثة أو أكثر بين مَن يُعتبر اليوم زعيم القاعدة، المصري د. أيمن الظواهري، وقائد التنظيم في اليمن، ناصر الوحيشي.

ويُعتبَر الوحيشي قائدًا داهية. فقد كان من المعاونين المقرَّبين إلى أسامة بن لادن، وعمل إلى جانبه في أفغانستان. وفرّ عائدًا إلى بلاده، اعتُقل، لكنه نجح في الهروب عام 2006. ومنذ ذلك الحين، جمع حوله مجموعة من الأتباع. قبل فترة، سجّل إعلانًا بصوته نُشر على الإنترنت، أقسم فيه الولاء للظواهري، ووعد بأن يكون “جنديًّا” أمينًا في خدمته.

إنّ الخوف الأمريكي من القاعدة في اليمن مبرّر لأنّ أسابيع قليلة فقط مرت على نجاح طائرات أمريكية دون طيّار باغتيال نائب الوحيشي بعد التنصت على إحدى محادثاته.

ومع ذلك، ثمة أسئلة وأمور غير واضحة في القصة. فكيف تجرأ الظواهري والوحيشي على إجراء اتصال بينهما، وهما على دراية بالقدرات الكبيرة لوكالة الأمن القومي الأمريكية على اعتراض المحادثات الهاتفية؟ وقضية أخرى لا تقل شأنًا عن ذلك هي: كيف وصلت معلومات حسّاسة وسرّية إلى هذه الدرجة إلى الإعلام في الولايات المتحدة؟ صحيح أنّ بعض المعلومات التي نقلتها وكالات الاستخبارات في الماضي كبيانات موجزة إلى أعضاء الكونغرس قد تسربت للإعلام، لكن الحدث هذه المرة حسّاس للغاية. ليس ذلك واضحًا، إلّا إذا كان لأحد في الإدارة مصلحة بتسريب المعلومات لإثبات مدى أهمية وكالة الأمن القومي وعملياتها للأمن القومي، إثر موجة الاحتجاجات بُعيد ما أفشى به سنودن.

على أية حال، قبل نحو شهر من مرور13 عاما على أحداث 11 أيلول، يمكن للولايات المتحدة والعالم الغربي وكل شريك في الحرب على الإرهاب، بما في ذلك حكومات في الشرق الأوسط، أن تستمدّ التشجيع. صحيح أنّ مجموعات محلية لناشطين إسلاميين مسلّحين يستلهمون أفكارهم من نظرية “الجهاد العالمي” ومن أفكار بن لادن يستمرّون في الترتيب والتخطيط لعمليات، لكنّ العالم اليوم مجهّز بشكل أفضل ممّا كان حينذاك. تحسّنت القدرات الاستخبارية. وقد تعزّز التعاون بين وكالات الاستخبارات في العالم، وتبدي قوى خاصة من الولايات المتحدة، بتعاون وثيق مع جيوش محلية ثباتًا وقدرةً عمليّاتيّة جيدة، مدعومة بمعلومات محدّثة.

اقرأوا المزيد: 520 كلمة
عرض أقل
متظاهر تركي في سيليفري (OZAN KOSE / AFP)
متظاهر تركي في سيليفري (OZAN KOSE / AFP)

انتصار كبير للإسلاميين

قرار المحكمة ضد المتّهمين بمحاولة الانقلاب على أردوغان يزيد من الاستقطاب التركي

بعد طول انتظار، انتهت يوم الإثنين المحاكمة، التي كان يبدو أن لا نهاية لها، لمئات المتهمين بالتآمر للانقلاب على الحكومة المنتخبة ديموقراطيًا في تركيا بصدور أحكام أحدثت صدمة. فبعد خمس سنوات، أصدرت المحكمة التركية في سيليفري – وهي بلدة واقعة في ضواحي إسطنبول- حكمًا على 17 شخصا من بينهم اللواء إيلكر باسبيرج، القائد السابق للقوات المسلحة، بالسجن المؤبد. ويقول باحث في الاستخبارات الإسرائيلية في الشؤون التركية “إن هذا يعد نصرا كبيرًا آخر لرئيس الوزراء وحزبه الإسلامي، حيث يمضيان قدمًا لترسيخ سلطتهم الممتدة فعلا”.

تم القبض على 275 متهمًا من التيارات الرئيسية العلمانية في تركيا – بينهم ضباط حاليون وسابقون في الجيش وسياسيون وأساتذة جامعيون وصحفيون- عام 2008 واتهامهم بتهم خطيرة.

تضمنت هذه التهم التآمر لإسقاط حكومة الحزب الإسلامي الحاكم، حزب العدالة والتنمية، برئاسة رجب طيب أردوغان، والتخطيط لإحداث اضطرابات لتبرير التدخل العسكري ضد الحكومة، والتخطيط لاغتيال السيد أردوغان وقتل زعماء الأقليات فضلًا عن تفجير مساجد.

وقد تلقى ستون متهمًا أحكامًا أخف بينما تمت تبرئة الآخرين.

استنادًا على الأسس التي وضعها مصطفى كمال (أتاتورك) مؤسس الجمهورية التركية الحديثة منذ ما يقارب 100 عام؛ وتمّ تفويض الجيش بمهمة الدفاع عن المجتمع الحر الديموقراطي العلماني في تركيا . منذ ذلك الحين، قام الجيش بانقلابات أعوام 1960 و 1971 و 1980، وضغط على الحكومة لتقديم استقالتها عام 1997 بنيّة الحفاظ على روح الدستور، أو كذريعة للاستيلاء على السلطة.

تعد هذه المحاكمة علامة فارقة في تاريخ البلاد. وفي حين أن كثيرًا من مواطني تركيا البالغ عددهم 80 مليون مواطن يؤمنون بتآمر المتهمين ضد الحكومة، ثمة قطاع كبير أيضًا من السكان يعتقد بأن ما نشأ كان بمثابة “محاكمة استعراضية” وصورة زائفة للعدالة ومثال آخر على النمط الاستبدادي لرئيس الوزراء الذي أجرى عمليات اصطياد لخصومه.

في حزيران، خرج الآلاف من المواطنين، معظمهم من الشباب، في المدن التركية الكبرى في مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة ولتدخلها الاستبدادي في الحياة اليومية العادية للمواطنين. يزعم بعض المراقبين أن أحد تداعيات المحاكمة يمكن أن يكون جولة أخرى من الاحتجاج الشعبي.

وما لا يقل أهمية هو خروج تركيا من هذه القضية بوصفها مجتمعًا أكثر استقطابًا بين الشريحة العسكرية العلمانية الليبرالية من السكان التي تتمسك بميراث أتاتورك القديم، والجماهير الإسلامية الصاعدة التي تنشُد تحويل البلاد إلى نظام ثيوقراطي خفيف.

تزيد المحاكمة أيضًا من جهود حكومة أردوغان النظامية لتطهير الجيش والدوائر الأمنية والقضاء والمؤسسات السياسية والاجتماعية الأخرى المهمة وتعيين الذين تثق بهم.

ما يتضح الآن لأغلب المراقبين هو قيام أردوغان وحزبه بمزيد من الترسيخ والتوسيع لقبضته على السلطة وتمديد احتكاره السياسي مع إدارة ظهورهم الآن إلى الغرب وقيمه.

اقرأوا المزيد: 384 كلمة
عرض أقل
بشار الأسد في زيارة للجيش السوري في داريا بضواحي دمشق (AFP PHOTO / HO / SANA)
بشار الأسد في زيارة للجيش السوري في داريا بضواحي دمشق (AFP PHOTO / HO / SANA)

هل استعاد الأسد زمام الأمور في سوريا؟

قال مصدر عسكري إسرائيلي بارز يتتبع الأحداث، إلى "المصدر"، إنّ "معركة حمص يمكن أن تمثّل بداية نهاية" الصراع المسلَّح في سوريا

بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب الأهلية السورية، قدّر خبراء عسكريون واستخباريون إسرائيليون، على رأسهم وزير الدفاع السابق إيهود باراك، أنّ الرئيس بشار الأسد سيسقط “خلال ثلاثة أسابيع”. ثلاثون شهرًا مرت على بدء الحرب الأهلية الدموية التي أودت بحياة أكثر من 100 ألف مدني ومقاتل، وأجبرت 3 ملايين سوري على النزوح عن بلادهم إلى مخيمات اللاجئين في لبنان، تركيا، والأردن، ولا تبدو نهاية النظام الوحشي في الأفق.

على النقيض من ذلك، تحقّق الآلة العسكرية للرئيس الأسد تقدُّمًا، ويبدو أنّ لها اليدَ الطولى. فقبل أقل من شهر، استعاد الجيش من قوات الثوار السيطرة على بلدة القُصَير الحيوية في محافظة حمص على الحدود اللبنانية – السوريا. والأسبوع الماضي، حقق نصرًا هامًّا آخر في ضواحي حمص، ثالث أكبر مدينة سوريا، إذ كانت تَعُدّ 700 ألف نسمة.

وسيطرت القوات النظامية على حيّ الخالدية، وطردت المتمردين من مركز حمص. ويخوض الثوار الآن معركة دفاعهم الخلفية في المدينة القديمة في حمص. ولحمص والقصير أهمية استراتيجية إذ تصلان دمشق بعرين المجتمع العلوي الذي ينتمي إليه الرئيس بشار الأسد، على ساحل المتوسط. ويعتقد المراقبون العسكريون أنّ الجيش سيسيطر قريبًا على مدينة حمص بأكملها.

كما في القُصَير، فإنّ المعركة على حمص تخوضها قوة مشتركة من الجيش السوري وحزب الله، وهي تثبت أنّ دور المجموعة الإرهابية اللبنانية الشيعية المدعومة من إيران لا غنى عنه في إنقاذ نظام الأسد من الهزيمة.

وتُخبر مصادر عسكرية إسرائيلية أنّ كل هذا يحدث فيما تستمر أمارات الانحلال بالظهور على المعارضة، إضافةً إلى العجز عن تشكيل قيادة مركزية سياسية وعسكرية موحَّدة، وخيبة الأمل من تردّد الولايات المتحدة والدول الغربية بتزويدها بأسلحة ذات أهمية. فالولايات المتحدة والغرب يخشيان من وصول الأسلحة المطلوبة في النهاية إلى أيدي الميليشيات والعصابات الإسلامية المتشددة، التي تسير على هدى عقيدة أسامة بن لادن المتعلقة بـ”الجهاد” (الحرب المقدسة). ويُبرهن الإسلاميون، ولا سيّما “جبهة النصرة” التي يدعمها ويسلّحها النظام القطري، أنهم القوة الأكثر تنظيمًا وتصميمًا بين داخل المعارضة الممزَّقة.

وفيما يتردد الغرب، تستمر روسيا وإيران في تزويد الجيش السوري بأسلحة متطورة، ذخيرة، نفط، وخطوط ائتمان.

وفور سيطرة جيش الأسد على حمص بأكملها، فإنه سينقل هجومه إلى شمالي البلاد، حيث حلب هي الهدف الرئيسي. فحلب، التي يقطنها أكثر من مليون، هي ثاني أكبر مدينة سورية، ومركز تجاريّ هام.

وتحدّث مصدر عسكري إسرائيلي بارز يتتبع الأحداث، إلى المصدر، قائلا إنّ “معركة حمص يمكن أن تمثّل بداية نهاية” الصراع المسلَّح. ووفقًا للمصدر، فإن السؤال الأبرز الآن هو إن كانت الولايات المتحدة والقوى الغربية ستدرك أنّ تزويد السلاح إلى الثوار هو مسألة لا تحتمل التأجيل. فحتى لو وصلت شحنات أسلحة كبيرة إلى الثوار في الأسابيع القليلة القادمة، قد تكون متأخرة جدا.

مع ذلك، حتى لو نجحت القوات النظامية في استعادة السيطرة على المدن الكبرى والطرق الرئيسية التي تصل بينها، فإنها لا تزال تفتقر إلى الموارد البشرية المطلوبة لمطاردة الثوار في مخابئهم الصحراوية، الجبلية، والريفية.
من السابق لأوانه حقُّا التنبؤ متى ستعود سوريا إلى طبيعتها، وتعود إلى العمل كدولة منتظمة.

اقرأوا المزيد: 442 كلمة
عرض أقل
دبابة مصرية في رفح (Abed Rahim Khatib / Flash 90)
دبابة مصرية في رفح (Abed Rahim Khatib / Flash 90)

نهاية الفوضى في سيناء؟

الجيش المصري يكثُف عملياته العسكرية في سيناء لاجتثاث مظاهر العنف هناك، وإسرائيل توافق على هذه العمليات على أمل أن يكف تهديد الإرهاب لها من شبه الجزيرة...

يمثل القول إن عدم الاستقرار في مصر هو مصدر قلق لإسرائيل تقليلًا من خطورة الأمر. إن القلق الإسرائيلي المتزايد هو أن يصبح شبه جزيرة سيناء الخاضع للحكم المصري منطقة مشاعة. فقد رأينا مؤشرات على سيناريو مقلق كهذا منذ أطاح الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي وحكومة الإخوان المسلمين في الثالث من تموز.

أصبح شبه الجزيرة الصحراوي، البالغة مساحته 60.000 كيلومتر مربع، والذي يمثل موطنًا لنحو نصف مليون شخص معظمهم من البدو الرحَّل، مصدر صُداع أمني لمصر وجيرانها. فلسيناء، الكبيرة والفارغة، حدود مع إسرائيل وقطاع غزة. ولها امتداد ساحلي طويل على البحر الأحمر وخليج العقبة (إيلات)، حيث تشرف على الأردن والسعودية، وتطوّق قناة السويس، التي تصل آسيا بأوروبا.

في الأسبوعَين الأخيرَين، هاجم إرهابيون وجماعاتُ مسلحةُ مواقع الجيش المصري في شمال سيناء، قرب الحدود مع إسرائيل، قاتلين جنودًا مصريين. في 15 يوليو (تموز)، قُتل أربعة جنود مصريين في العريش، عندما هوجمت حافلتهم ب “آر بي جي” (RPG). في بعض هذه الحوادث، جرى إطلاق النار على الدوريات الإسرائيلية أيضًا.

ردًّا على ذلك، شن الجيش المصري هجومًا رئيسيًّا بواسطة المشاة والكتائب المدرّعة بدعم جوي من أربع مروحيات أباتشي أمريكية لاجتثاث أوكار العنف. جزء من المهمة هو هدم الأنفاق الأرضية التي تصل غزة بسيناء، والتي يجري عبرها تهريب الأسلحة والإرهابيين المطلوبين. هذا الهجوم منسَّق مع الجيش والمخابرات الإسرائيلية.

تُحدّد معاهدة السلام الموقعة بين البلدَين عام 1979 عدد الجنود، الأسلحة الثقيلة، المركبات المدرعة، والطائرات التي يُسمَح لمصر بنشرها في سيناء، لا سيّما قرب الحدود مع إسرائيل. عبر قناة الاتصال المباشرة بين الجيشَين، طلبت مصر نشر المزيد من قواتها العسكرية ووافقت إسرائيل على ذلك. وقد قال الجنرال بيني غنتس، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع إنّ إسرائيل، مصر، والسعودية، لديها مصلحة مشتركة بالحفاظ على السلام والاستقرار في سيناء.

وتنعكس المخاوف الإسرائيلية بشكل بارز في التغييرات البنيوية والتنظيمية التي حدثت مؤخرا في أجهزة الاستخبارات. فهي تشير إلى تغيير الأولويات وإلى إعادة النظر الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سيناء.

لقد لعبت سيناء، لعقود، دورًا مزدوجًا في الاستراتيجية الإسرائيلية. الأول كمنطقة تمتص الصدمات، والثاني كساحة معركة للحروب السابقة والمستقبلية (غير المرغوب فيها) بين جيشَي البلدَين. نتيجةً لذلك، كانت سيناء حلبة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، التي تُعنى بشكل أساسي بجمع المعلومات حول القدرات العسكرية والنوايا الحربية لدى الجيوش العربية عامَّةً، والجيش المصري، وهو الأقوى بينها، خاصة.

وجنّدت الاستخبارات العسكرية عملاء واعترضت سبيل الاتصالات الخاصة بالجنود المصريين في سيناء، للتأكد إن كانت معاهدة السلام والترتيبات الأمنية الملحقة تُنفَّذ، ومن أنّ مصر لن تستخدم شبه الجزيرة الصحراوي كمنصة لإطلاق ضربة عسكرية مفاجِئة أخرى كما فعلت في حرب تشرين (يوم الغفران).

اوتوبيس عمال شركة الأسمنت في سيناء يعد إصابته بقذيفة أر بي جي (AFP)
اوتوبيس عمال شركة الأسمنت في سيناء يعد إصابته بقذيفة أر بي جي (AFP)

لكن مسؤولية مراقبة سيناء انتقلت من الاستخبارات العسكرية إلى جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، والذي يعنى بشكل أساسي بإحباط ومنع الهجمات الإرهابية. يُظهر ذلك أنّ إسرائيل منشغلة اليوم بالتهديد الإرهابي المتزايد من سيناء، لا بالتهديد المصري العسكري.

لذلك، شكَل الشاباك وحدة خاصة تُدعى “لواء سيناء” بلغة المنظمة. مسؤوليات الوحدة هي جمع معلومات بكل الوسائل الاستخبارية عن المجموعات المتعددة التي تعزز وجودها في سيناء.

فضلًا عن ذلك، تواصل إسرائيل بناء جدار إلكتروني طوله 200 كم على طوال الحدود الإسرائيلية – المصرية من غزة على البحر الأبيض المتوسط حتى إيلات على البحر الأحمر. كان الهدف الأصلي لبناء الجدار منع تسلل اللاجئين وطالبي العمل الأفريقيين، لا سيّما من السودان وأريتريا. لكن الجدار برهن أنه أداة فعالة في الحرب على الإرهاب أيضًا.

يصنّف خبراء الشاباك المجموعات الإرهابية والعنيفة العاملة في سيناء في ثلاث فئات. الأولى تتألف من العصابات البدوية، والتي توجّه معظم عنفها نحو النظام المصري، ودافعها اقتصادي. وتعتاش العصابات والمجموعات المحلية البدوية على تهريب المخدرات، الأسلحة، والبضائع الأخرى، وهم حاقدون على السلطات التي تحاول إعاقة عملهم. ليست لهذه المجموعات أية أيديولوجية، وليس لها علاقة بإسرائيل.

في الفئة الثانية، يمكن إيجاد تشكيلات منشقين من أعضاء سابقين في حماس والجهاد الإسلامي (الفلسطيني). وهم يدّعون أن قيادات حركتَيهما الأصليتَين قد لانت وفقدت الحماسة لمحاربة إسرائيل. لذلك، هربوا من غزة ووجدوا ملجأً في سيناء للتخطيط لعملياتهم ضد إسرائيل. هذه المجموعات مسؤولة عن بعض الحوادث ضد المواقع الإسرائيلية على الحدود، وعن بعض إطلاق الصواريخ على إيلات. أبرز تنظيم في هذه الفئة هو “جماعة أنصار بيت المقدس”. وانشغالهم الرئيسي هو إسرائيل.

مع ذلك، ففوق جهودهم لإلحاق الأذى بالمجتمعات القروية والمواقع العسكرية الإسرائيلية على المثلث الحدودي غزة-سيناء-إسرائيل، يحاولون أيضًا دفع إسرائيل إلى محاربة حماس، حليفتهم سابقًا وعدوتهم الرئيسية حاليًّا.

أما في الفئة الثالثة والأشد خطورة، فيمكن إيجاد المجموعات الجهادية التي تتبع نهج القاعدة ومبدأ الجهاد العالمي. كبرى هذه المجموعات هي “التوحيد والجهاد”. في المجموعة بين 300 و 400 عضو فاعل ومساعد، وقد أسسها داعية فلسطيني – أردني جذبت رسالته بدوًا محليين متطرفين، وفلسطينيين مقيمين في غزة. وقد أعلنت مسؤوليتها عن بعض الهجمات ضد إسرائيل ومصر كلتَيهما.

“أومن أنّ التعاون والتنسيق الاستخباريَين والعسكريَين السريَين بين إسرائيل ومصر”، يقول الباحث والخبير السابق للشاباك في شؤون المجموعات الإسلامية المتشددة، رؤوفين باز، “يثبت إلى حد بعيد أنه ناجع، والوضع تحت السيطرة”. لكنه يضيف: “إذا لم يقمع الجيش المصري المجموعات الإرهابية، فستصبح سيناء مشاعًا، ما سيؤدي إلى استقرار المزيد من مجموعات القاعدة هناك. كما شهدنا في أفغانستان، العراق، اليمن، والصومال، يحسّ هؤلاء الفتية بالفراغ، ويسارعون إلى الشعور به”.

 

اقرأوا المزيد: 773 كلمة
عرض أقل
(ATTA KENARE / AFP)
(ATTA KENARE / AFP)

انتخاب روحاني يثبت أن العقوبات فعّالة. شددوا هذه العقوبات الآن.

يأمل المرشد الأعلى بأن يقوم رئيسه الجديد بسحر الولايات المتحدة والغرب، وبأن يقنعهم برفع العقوبات دون التخلي عن البرنامج النووي الإيراني

عندما سئل كيف يمكن أن يستمر التفاوض مع ياسر عرفات في الوقت الذي يتواصل فيه الإرهاب ضد المدنيين الإسرائيليين، أصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين في عبارته الشهيرة “يتعين علينا التفاوض على السلام كما لو لم يكن هناك إرهاب، وأن نكافح الإرهاب كما لو لم يكن هناك سلام”.

سيكون من الحكمة أن تتبنى إدارة أوباما وحلفاؤها الغربيين الموقف ذاته تجاه إيران: مواصلة المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، ولكن عدم رفع العقوبات التي تستهدف إجبار الإيرانيين على إيقافه. وفي الواقع، سيكون تشديد العقوبات لإظهار أن الغرب بدأ يفقد صبره خطوة حكيمة.

إن تخصيب اليورانيوم الإيراني، الذي تواصل طيلة فترة الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة والمؤتمرات الصحفية الودية في طهران التي تلت ذلك، يتواصل من دون هوادة. هذا ما تعلن عنه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد ومحللو الاستخبارات الأوروبية والعربية. الجميع قلق للغاية من هذا الأمر.

لقد رحّب البيت الأبيض بانتصار حسن روحاني بأنه علامة يُحتمل أن تكون واعدة، ولكن الشخص الذي يصف نفسه بأنه إصلاحي لديه باع طويل في دعم برنامج بلاده النووي والتستر عليه. فقد كان له دور، بصفته مسؤول كبير، قبل عقد من الزمن في تعليق تخصيب اليورانيوم – على ما يبدو خوفًا من أن إدارة بوش سوف تتابع غزوها لأفغانستان والعراق بضرب إيران – لكن محللي المخابرات يقولون أنه تم استئناف العمل السري عام 2005.
ويقول المحللون أيضًا أن كتابات روحاني ذاتها تشير إلي أن استراتيجية إيران كانت مواصلة التفاوض مع الغرب كخطوة تكتيكية للتأخير، في حين أنها أبقت أجهزة الطرد المركزي تعمل، وذلك من أجل تكديس كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب.

إن وكالات الاستخبارات – بما فيها وكالات بعض من دول الخليج العربية، التي تحاول هي أيضًا تقييم ما إذا كان العالم على وشك مواجهة إيران الأكثر لطفًا أو الأكثر مكرًا – تشير إلى دلائل على أن روحاني مخلص للغاية للمرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي. وتشمل الأدلة ما يقال بأنه رسالة انتحار تركها قبل 21 عامًا نجل روحاني انتقد فيها والده بسبب “تقبيل يد خامنئي”، بالإضافة إلى دوره كممثل المرشد الأعلى في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

يربط مراقبو إيران الإسرائيليون والأمريكيون والأوروبيون فوز روحاني في الانتخابات بتدهور الاقتصاد الإيراني. ويأتي هذا التدهور في المقام الأول نتيجة للعقوبات الدولية المفروضة على إيران منذ عام 2005 والتي تم تعزيزها في العامين الماضيين.

تعتمد متطلبات إيران النقدية بشكل كبير على إنتاج النفط وتصديره. وقد انخفضت صادرات النفط في العام الماضي إلى مستوى متدن جديد وصل إلى مليون برميل يوميًا بعد أن كان في العام السابق 3.3 مليون. وقد كلفت العقوبات إيران ما يقارب 100 مليار دولار، وتظهر الأزمة الاقتصادية بشكل واضح من خلال المؤشرات كافة: تعدى معدل البطالة نسبة 30٪ (وهو أعلى من ذلك بكثير لدى الأجيال الشابة)، انخفاض كبير في احتياطيات العملات الأجنبية، انخفاض قيمة العملة الإيرانية بنسبة 50٪ وزيادة تجارة السوق السوداء. من الممكن أن تكون إيران على حافة الإفلاس.

يأمل المرشد الأعلى بلا شك بأن يقوم رئيسه الجديد – ذو الوجه البشوش والنبرة الناعمة – بسحر الولايات المتحدة والغرب، وبأن يقنعهم برفع العقوبات دون التخلي عن البرنامج النووي الإيراني.

وبالتالي، فقد آن الأوان لتعزيز العقوبات، جنبًا إلى جنب مع الجهود الرامية إلى تعزيز وتيرة المفاوضات. لقد أثبتت الانتخابات بأن هذه العقوبات فعّالة. في حال هبوط صادرات النفط إلى الرقم السحري 500،000 برميل يوميًا، من الممكن أن تكون إيران مستعدة لتقديم تنازلات حقيقية بشأن برنامجها النووي. وهناك بالتالي العديد من الصياغات الممكنة التي يمكن وضعها لإبطاء أو إيقاف تخصيب اليورانيوم، إرسال اليورانيوم متوسطة التخصيب وعالي التخصيب إلى خارج إيران، وفتح المنشآت أمام مفتشي الأمم المتحدة.

اقرأوا المزيد: 539 كلمة
عرض أقل