يورام شفايتزر

استعراض عسكري لمقاتلي حزب الله (AFP)
استعراض عسكري لمقاتلي حزب الله (AFP)

مواجهة إسرائيل لحزب الله: بين الحرب السرّية والمعلنة

المنطق الرئيسي للحرب السرية بين حزب الله وإسرائيل هو إبقاء مساحة نفي لكلا الطرفين والسماح للطرف المتضرر بألا يردّ، دون أن يُنظر إليه نظرة "ضعيف" بسبب ذلك

جرت مؤخرًا حادثتان مرتبطتان بأسرة مُغنية. أولهما كانت عملية اغتيال جهاد مُغنية وأعضاء كبار في حزب الله وإيران والتي نُسبت لإسرائيل، وكان من بينهم جنرال إيرانيّ من الحرس الثوري، وقد جرت هذه الحادثة في هضبة الجولان. والأخرى كانت إعلانا في “واشنطن بوست”، بحسبه فإنّ إسرائيل والولايات المتحدة تعاونتا في اغتيال عماد مُغنية، والد جهاد، والذي كان رئيس الجناح العسكري لحزب الله.

يناقش هذا المقال طرق مواجهة إسرائيل لحزب الله، المدعوم من قبل الإيرانيين، ويدرس تأثير اختيار الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة التحدّي في الساحة الشمالية على ردود حزب الله.

المشيعون يحملون نعش عماد مغنية  (AFP)
المشيعون يحملون نعش عماد مغنية (AFP)

استنادا للتقارير المعلنة، يهدف الهجوم الذي جرى في الجولان إلى الإضرار القاسي بالبنى التحتية للإرهاب، والتي أقامها حزب الله هناك بالتنسيق مع الحرس الثوري، والتي كانت في مراحل متقدّمة من التوطيد. كانت القوة المهاجَمة من منظّمي هذه البنى التحتية. نسبت مصادر أجنبية هذه العملية لإسرائيل، بل وشهد أعضاء الأمم المتحدة بأنّهم رأوا طائرات دون طيار إسرائيلية وهي تحلّق في مكان الحادثة. أدت بعض القذائف التي تمّ إطلاقها ردّا على العملية من الأراضي السورية باتجاه جبل دوف إلى ردّة فعل إسرائيلية ضدّ قوات الجيش السوري، والتي كانت لا تزال في هضبة الجولان. ولكن جاء الرد الأكثر أهمية من قبل حزب الله بعد عدّة أيام من ذلك، وكان عبارة عن إطلاق عدد من الصواريخ المضادة للدبابات. باتجاه قافلة للجيش الإسرائيلي في جبل دوف، على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ونتيجة لذلك قُتل جنديّان إسرائيليّان وجُرح سبعة. ورغم إصابة جنود الجيش الإسرائيلي، اختارت إسرائيل الكبح وأيضا حزب الله نقل رسائل من خلال قوات اليونيفيل، بأنّه يعتبر الحادثة منتهية.

كان اغتيال عماد مُغنية، والذي حدث في 2008، نوعا آخر من العمليات. تمّ تحميل عماد مُغنية مسؤولية عمليات إرهابية بارزة ضدّ الولايات المتحدة في لبنان (ضرب السفارة الأمريكية في بيروت وقتل جنود المارينز، اختطاف طائرات واحتجاز مواطنين كرهائن لفترة طويلة)، وضرب أهداف إسرائيلية ويهودية في الأرجنتين، بالإضافة إلى بناء قوة حزب الله بعد حرب لبنان الثانية. نُشر مؤخرًا أنّه قد تمّ تنفيذ عملية اغتياله بعد تتبّع طويل، بالتعاون بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (‏CIA‏) وجهاز الموساد الإسرائيلي. أعلن زعماء حزب الله أكثر من مرة، بأنّ موته سيجرّ ردّ فعل مؤلم ضدّ إسرائيل، ولكن لم يتم تنفيذ هذا التهديد، على ضوء فشل عدة محاولات للإضرار ببعثات وممثّلي إسرائيل في الخارج، باستثناء العملية التي نُفّذت في بورغاس، بلغاريا، عام 2012. إنّ الكشف عن المسؤولية المباشرة لحزب الله عن العملية كما جاء في المحكمة كلّفه إدراج الجناح العسكري للتنظيم في قائمة التنظيمات الإرهابية التابعة للاتحاد الأوروبي.‎ ‎

وتبرز طريقة قتل أسرة مُغنية، الأب والابن، استراتيجيات إسرائيلية مختلفة لمواجهة التنظيمات الإرهابية. كانت الطريقة الأولى، التي استُخدمت في هضبة الجولان، هجوم منفّذ من الجوّ، بشكل علني تقريبا. ويتم تنفيذ هذا الهجوم عندما يتم الكشف عن هجوم حقيقي ضدّ إسرائيل أو عندما ترغب إسرائيل بنقل رسالة للطرف الآخر، حتى لو لم تتحمّل مسؤولية الهجوم. الطريقة الأخرى، هي الإضرار بالبنى التحتية وضرب قادة الإرهاب بشكل سرّي دون ترك بصمات إسرائيلية. يترك العمل السري لإسرائيل وللخصم مساحة نفي، أو يمكّنهما من الامتناع عن الردّ، أو الردّ بشكل محدود، لمنع التصعيد.

جنود حزب الله قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية قرب مدينة متولا الإسرائيلية (AFP)
جنود حزب الله قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية قرب مدينة متولا الإسرائيلية (AFP)

المنطق الرئيسي للحرب السرية بين حزب الله وإسرائيل هو إبقاء مساحة نفي لكلا الطرفين والسماح للطرف المتضرر بألا يردّ، دون أن يُنظر إليه نظرة “ضعيف” بسبب ذلك. في الواقع، لقد استغلّ حزب الله، سوريا بل وإيران في السنوات الماضية مساحة النفي هذه ولم يردّوا بشكل مباشر على عمليات نُفّذت ضدّهم، والتي تمّ نسبها لإسرائيل. وقد شملت تلك الهجمات التي نُفّذت تورط إسرائيل فيها بوضوح، بشكل أساسيّ في الأراضي السورية، لمنع نقل الأسلحة المتطوّرة من سوريا لحزب الله، والتي لم يتم العثور على دليل واضح عن المسؤول عنها. في المقابل، فقد صعّبت عملية القتل المستهدف في هضبة الجولان بشكل “صاخب” على حزب الله استغلال مساحة النفي و “اضطُرّ” إلى الردّ، لاستعادة صورته الرادعة، حتى لو كان معنى الردّ المخاطرة بإشعال المنطقة. لذلك، ردّ حزب الله بطريقة “مشروعة” بالنسبة له ويمكن تفسيرها، لأنّها كانت مشابهة للهجوم الذي نُسب لإسرائيل (“صاروخ مقابل صاروخ”، “جولة مقابل جولة”) وتم تنفيذها في منطقة مريحة نسبيًّا بالنسبة له؛ حيث هناك لديه فيها مطالب إقليمية تجاه إسرائيل. سعى حزب الله من خلال ردّه نقل رسالة، بأنّه سيرد في المستقبل على استهداف إسرائيل له أيضا في الأراضي السورية، بما في ذلك استهداف نقل الأسلحة. لو اختار ردّة فعل متطرّفة أخرى، على سبيل المثال، في الخارج، فقد كان من الممكن أن يخاطر بردّة فعل قاسية بل وبعقوبات ضدّه من قبل المجتمع الدولي، وخصوصا من قبل الدول الأوروبية، والتي خفّضت من تسامحها منذ عملية بورغاس تجاه نشاطه وكل عملية إرهابية في أراضيها.

ومن الجدير ذكره، بأنّه رغم قرار حزب الله وإسرائيل، بحكم الأمر الواقع، إنهاء الصراع العنيف الذي اندلع بينهما في أعقاب الهجوم في الجولان وردّ حزب الله، فلا يمكن أن نحدّد، إذا ما كانت إيران أيضًا، مع أو دون حزب الله، ستردّ في المستقبل من أجل انتزاع ثمن باهظ من إسرائيل، كما هدّد قادة في الحرس الثوري. على أية حال، يبدو، بأنّه في المواجهة مع حزب الله وإيران في الساحة الشمالية من المناسب إعطاء الأولوية، قدر الإمكان، لأسلوب الحرب السرّية ذات أثر منخفض، يسمح بمساحة مناورة ونفي لكلا الطرفين، فتقلّص بذلك من احتمالات التصعيد واندلاع حرب لا يرغب بها كلا الطرفين.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع INSS

اقرأوا المزيد: 805 كلمة
عرض أقل
مظاهرة "كلنا شارلي ايبدو" (AFP)
مظاهرة "كلنا شارلي ايبدو" (AFP)

الهجوم في باريس – مجرد غيض من فيض أم حادثة عابرة؟

الصدمة التي تلقتها فرنسا نتيجة العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها في ثلاث أماكن مختلفة، في باريس وضواحيها، في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني عام 2015، ستتلاشى مع الوقت ومعها أيضًا ستتلاشى الدافعية المُتعلقة بعلاج هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد الديموقراطيات الغربية

شكَّل الهجوم المُدمج، الذي شنته خلية إسلامية ضد الصحيفة الساخرة “شارلي ايبدو” وضد المتجر اليهودي، في قلب باريس والذي راح ضحيته 17 شخصًا، واحدًا من سيناريوهات العنف التي تُقلق راحة أجهزة الأمن المُختلفة في أوروبا في السنوات الأخيرة.

خيم خطر حدوث موجة عنف في سماء القارة منذ الهجوم على مدينة مومباي، والذي وقع في أواخر عام 2008 على يد خلية إرهابية إسلامية وحصد أرواح 166 شخصًا. تم تسجيل عدد من التهديدات بتنفيذ عمليات إرهابية في ألمانيا، فرنسا، وفي بريطانيا. ازدادت وتيرة التهديدات بشن عمليات إرهابية في أوروبا في العام الماضي، على خلفية عودة مئات المُسلمين والمتأسلمين في أوروبا من سوريا إلى مسقط رأسهم في القارة، بينما هم مفعمون برغبة الاستمرار بنشاطهم وصراعهم مُستلهمين ذلك من الدعوة للجهاد. حظي المتطوعون، خلال فترة مشاركتهم بالحرب الأهلية في سوريا، على التدريب ونالوا خبرة قتالية وتشبعوا بالعقائد الدينية المُتطرفة، التي تعتبر الغرب عدوًا للإسلام، ومن الواجب محاربته. وضعت هذه الظاهرة أمام الجهات الأمنية في أوروبا إشارة تحذيرية من هذا الخطر الفعلي وهو استيراد الإرهابيين من الشرق الأوسط إلى مدن القارة.

إن قًتل أعضاء جريدة “شارلي ايبدو” – الكريكاتيرية، الذين، حسب رأي المهاجمين، أهانوا شخص النبي محمد – ينافي القانون الأساس في الديمقراطية الغربية – حرية التعبير. ومن ثم تم الهجوم على هدف يهودي واضح حيث أن المهاجمين وضعوا أنفسهم في دور المدعي، القاضي والجلاد. ليس من المهم ما هي هوية التنظيم الجهادي الذي ينتمي إليه المهاجمون – قاعدة بلاد الحجاز، أو الدولة الإسلامية (داعش) – حيث أن المهاجمين مثّلوا وجهة نظر وأيديولوجية مُتطرفة، والتي تمتاز بها هذه التنظيمات.‎

أنا "شارلي ايبدو" (AFP)
أنا “شارلي ايبدو” (AFP)

تم، في إطار موجة الهجمات الإسلامية الإرهابية الحالية التي تعصف بدول غرب أوروبا، تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية على يد “ذئاب وحيدة” في مدن مُختلفة في فرنسا، وقبل نصف عام – في بروكسل. يُطرح سؤال مركزي، على هذه الخلفية، وهو: هل هذا غيض أم فيض لإرهاب من شأنه أن يتعاظم أكثر أم مجرد حادثة عابرة حيث أنه على الرغم من الصدمة التي خلّفتها تلك الحادثة في نفوس الناس في فرنسا والدول الأوروبية إلا أن ذلك الأمر لن يؤدي إلى تغيير السياسة الُمتبعة ضد الإرهاب الإسلامي لأنه سيتلاشى مع الوقت ذلك الأثر الذي سببته تلك الهجمات.

تضع تلك العمليات، التي نفذها أفراد هم “ذئاب وحيدة”، والذين يتماهون مع الجهاد العالمي، تحديًا أمنيًا أمام أجهزة المخابرات والأجهزة التنفيذية في أوروبا التي تحاول القضاء عليهم قبل أن يتسببوا بمجازر في أوروبا. من شأن فشل عملية وقف انتشار موجة الإرهاب الإسلامي في الدول الأوروبية أن يؤدي إلى ردة فعل عنيفة من قبل جماعات اليمين المُتطرف ضد المُسلمين. من المتوقع أن تستغل تلك الجهات مسألة الخوف من الإسلام المُتطرف لتبرير العمليات الإرهابية التي قد يقومون بها بدافع كراهية الأجانب، الخوف من الإسلام ومعاداة السامية. ستُعتبر العمليات التي ترتكبها جهات إسلامية مُتطرفة تبريرًا لهم للقيام بعملية عنيفة، والتي ستؤدي إلى موجة عنف في الدول الأوروبية، التي سيكون من الصعب على قوات الأمن إيقافها، وسيفاقم ذلك الأمر التحدي المُعقد الذي تواجهه الجهات السياسية الفاعلة في دول أوروبا، نتيجة التوتر المتواصل بين الكُتل المُختلفة.‎

سُجلت لصالح أجهزة المخابرات الأوروبية، خلال السنوات الأخيرة ولمدة عقد من الزمان تقريبًا، العديد من الإنجازات المتعلقة بإحباط عمليات استعراضية كان يخطط لها أن تكون مؤثرة جدًا والتي كانت تُعدها منظمة القاعدة وأعوانها. أثبتت تلك العمليات أنه يُمكن مواجهة محاولات الجهات الإرهابية للمس بالديموقراطية الغربية من خلال تلك العمليات الفعالة. إلا أنه، تتجلى صورة ما وهي أنه كانت في خلفية تلك الهجمات الأخيرة في باريس فشل مخابراتي. المعلومات المُسبقة الخاصة بالعمليات، التي تم توصيلها لأجهزة الأمن الفرنسية، لم تحظ بالاهتمام المطلوب. إلا أنه يجب الأخذ بالحسبان أنه ليس بإمكان أجهزة الأمن في فرنسا وفي دول الغرب كافة منع تنفيذ عمليات إرهابية بشكل تام.

نتنياهو وأبو مازن في الصف الأول مع قادة العالم في المسيرة الجمهورية في باريس ضد الإرهاب  (AFP)
نتنياهو وأبو مازن في الصف الأول مع قادة العالم في المسيرة الجمهورية في باريس ضد الإرهاب (AFP)

فضلًا عن ذلك، في مدن كثيرة في القارة هناك تردد وخوف دائم من اتخاذ إجراءات قاسية ضد عزل الأقليات، وعمومًا ضد ظاهرة العنف والإرهاب من جهة جماعات الأقليات المقاتلة. ربما كان هذا الميل يعكس خوفًا ما، لأن الصدام المُباشر مع هذه الجماعات سيتطور إلى فوضى واسعة، كتلك التي حدثت عام 2005 في باريس، عندما تحولت الضواحي النائية في باريس إلى ميادين حرب بين أبناء الأقليات، وتحديدًا أبناء شمال أفريقيا، وبين قوات الأمن الفرنسية. أيضًا هناك خوف من إطلاق نظام مُركب، يحمل أبعاد قضائية وبوليسية وثقافية ضد الأقليات، الأمر الذي سيبدو بالنسبة للكثيرين وتحديدًا بالنسبة لأبناء الأقليات على أنه مس بحرية الفرد وحقوقه. تسود في أوروبا، أساسًا، موجة كراهية للأجانب. حازت الأحزاب، التي تنادي بشعارات كهذه، في العام الماضي، على نجاح كبير في الانتخابات البرلمانية الأوروبية. علينا أن نتذكر، من جهة أُخرى، أن الأقليات في أوروبا، وبضمنها اللاجئون الذين أتوا في السنوات الأخيرة من مناطق تعصف بها أزمات اقتصادية وحروب في الشرق الأوسط، لا يشكّلون عالة على خدمات الرفاه فحسب، بل يُشكلون قوة عاملة رخيصة أيضًا. لذا فإن وجودهم في القارة، التي تُعتبر قارة عجوز، يُعتبر قيمة اقتصادية إيجابية.

يمكن اعتبار أن دولاً كثيرة في أوروبا تُفضل أن تبادر مؤسسات الاتحاد الأوروبي للقيام بخطوات قضائية وغيرها ضد أمور مُتعلقة بمسألة الهجرة، وخاصة الهجرة غير القانونية، وأن تتخذ إجراءات فعلية بهدف تقليص العبء الاقتصادي، المتعلق بالمهاجرين والأقليات. رغم أن جزءًا كبيرًا من إشكاليات الهجرة ما زال يقع ضمن مسؤولية الدولة لم ينتقل بعد إلى مسؤولية الاتحاد الأوروبي ومؤسساته. هاجمت المستشارة الألمانية، ميركل، الحركة التي تعارض الأقليات في بلادها وهذا بسبب الحساسية الخاصة المُتعلقة بألمانيا تحديدًا. ولا شك أن ألمانيا تُفضل تحركًا في نطاق الاتحاد الأوروبي وذلك للسبب ذاته.

ولكن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو، ما هو الإجراء، وضد من؟ الإجراءات المُتعلقة بمحاربة الإرهاب قائمة في الاتحاد الأوروبي منذ سنوات. من بينها هناك قرار المجلس الأوروبي من تاريخ 28 تشرين الثاني عام 2008، الذي عرّف ما هي النشاطات الإرهابية (وتم تعديل قرار سابق تم سنه في 2002)، أو الخطة الأوروبية من عام 2005 لمحاربة التطرف وتجنيد الإرهابيين. كذلك تم داخل المؤسَّسات الأوروبية في بروكسيل، تشكيل مجموعات لمواجهة الإرهاب. ماذا إذًا يمكن أن نضيف على ذلك، ما عدا إعلان النوايا؟ هل، في الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يتخذوا إجراءات لصالح تقليص الهجرة، بما في ذلك الهجرة القانونية، وهل ستقرر السلطات في دول أوروبا المختلفة أن تتعامل بيد من حديد ضد أبناء الأقليات، الذين سيطروا على مناطق في المدن الرئيسية والتي يُطبقون فيها القانون بأيديهم؟‎

الشرطة خارج متجر اغذية مطابقة للتعاليم اليهودية شرق باريس (AFP)
الشرطة خارج متجر اغذية مطابقة للتعاليم اليهودية شرق باريس (AFP)

 

سؤال مركزي آخر يتعلق بهذه الإمكانية، لأن العمليات القاسية داخل الأراضي الأوروبية ستؤدي إلى تغييرات فيما يتعلق بسياسة فرنسا ودول غربية مركزية أخرى، بما يتعلق بشكل وحجم التدخل في الحرب ضد داعش والقاعدة في سوريا والعراق. على الرغم من عبارات الاستنكار التي يُطلقها المسؤولون في فرنسا، ألمانيا، بريطانيا والولايات المتحدة، في هذه المرحلة، على إثر العمليات التي وقعت في باريس، من الصعب أن نتوقع أن تلك البلاغة الخطابية ستؤدي إلى إدخال جيش مشاة في العراق أو تغيير في سياسة التحالف الذي يحارب ضد داعش في سوريا. هناك تحدٍ آخر يتشارك فيه قادة الدول وممثلي الجمهور في الدول الغربية وأيضًا شركاؤهم في دول العالم الإسلامي وهو إدارة برنامج أيديولوجي قيمي مضاد من أجل تقويض وهدم الفكر الذي تتبناه منظمات الجهاد العالمي. يُفترض أن تكون هناك أهمية كُبرى، بالنسبة لرؤساء الطوائف الإسلامية ورجال الدين المسلمين في الغرب، بقيادة نضال مُمنهج، علني ومتواصل الذي من شأنه تقويض التفسير العنيف للدين الإسلامي والمناداة بمقاطعة أولئك الذين يحملون لواء الجهاد. فقط عملية نزع ثقة جارفة فيما يتعلق بالمسوغات الدينية والتي تحفز الشبان، من حول العالم، على الانضمام ودعم العمليات الإرهابية الإسلامية هو ما قد يساعد على تقليص عدد المتطوعين للقتال في صفوف منظمات الجهاد العالمية.

الصدمة التي تلقتها فرنسا نتيجة العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها في ثلاثة أماكن مختلفة، في باريس وضواحيها، في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني عام 2015، ستتلاشى مع الوقت ومعها أيضًا ستتلاشى الدافعية المُتعلقة بعلاج هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد الديموقراطيات الغربية، التي أساسها في ميادين القتال في سوريا والعراق. سيتأجل خوض هذا التحدي إلى موعد لا يتبقى فيه أمام قادة الدول الغربية أي مناص غير مواجهته مباشرة بشكل واسع وشامل وربما عنيف جدًا. بالإمكان أن نُقدر أن سلسلة أحداث استثنائية فقط، بما فيها عمليات استعراضية كبيرة تحصد أرواح كثيرة، يمكنها أن توضح حجم الخطر الذي يتمثل بعدم تفعيل دور عسكري أكبر ضد ذلك الخطر، الأمر الذي يضع تنظيم الدولة الإسلامية بمواجهة الدول الغربية. كانت العملية الإرهابية التي نفذتها القاعدة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 حدثًا هز المعمورة ودفع نحو عملية عسكرية واسعة وعنيفة ضد التنظيم. هكذا سيحدث، على ما يبدو، أيضًا في الحرب ضد داعش، القاعدة وأعوانهما في الغرب إلا إن تم اتخاذ إجراءات عسكرية مُسبقًا، إجراءات قانونية، قضائية وقيمية ضد مثل هذه التنظيمات.

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع مركز الأبحاث القومي INSS

اقرأوا المزيد: 1319 كلمة
عرض أقل
عمليات إرهابية ضد القوات المصرية في سيناء (AFP)
عمليات إرهابية ضد القوات المصرية في سيناء (AFP)

حرب الجهاديين في سيناء

تزايدت في الأسابيع الأخيرة العمليات الإرهابية لتنظيم "أنصار بين المقدس" في سيناء. يمكن التقدير، بأنّ زيادة نطاق عمليات التنظيم، التي تمتدّ إلى المدن المصرية، متأثّرة بتوثيق علاقاته مع تنظيمات إرهابية ليست مصرية وعلى رأسها داعش

تزايدت في الأسابيع الأخيرة العمليات الإرهابية لتنظيم “أنصار بين المقدس” في سيناء. يمكن التقدير، أنّ زيادة نطاق عمليات التنظيم، التي تمتدّ إلى المدن المصرية، متأثّرة بتوثيق علاقاته مع تنظيمات إرهابية ليست مصرية وعلى رأسها داعش بالإضافة إلى شركاء جهاديين سلفيين من غزة، وهو يشكّل تحديًا خطيرًا أمام الشعور بالأمن والاستقرار لدى نظام الرئيس السيسي. على هذه الخلفية نفهم أيضًا زيادة عمليات الجيش المصري في الآونة الأخيرة ضدّ الإرهاب في سيناء. وقد حدث من أجل ذلك تقارب متجدد بين الولايات المتحدة ومصر، ووفّرت الولايات المتحدة لجيش الرئيس السيسي مروحيّات هجومية من نوع أباتشي، كتعبير عن التعاون بين كلتا الدولتين في المعركة ضدّ الإرهاب.

تتركز العمليات الإرهابية المكثّفة التي يقوم بها تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء بشكل أساسي في شمال ووسط شبه الجزيرة، ومؤخرًا أيضًا على الحدود مع ليبيا، وتركّز على مهاجمة الجنود، الكمائن، زرع القنابل على جوانب الطرق ومهاجمة خطّ أنابيب الغاز. أصبحت هجمات التنظيم أكثر جرأة وفتكا، وتم تنفيذ بعضها بخصائص تذكّرنا بأسلوب داعش الوحشي، والذي يشمل الإعدام بدم بارد لمجموعة من الجنود المصريين وقطع رؤوس من يتم القبض عليهم كخونة ومرتدين.

ينبغي التأكيد على أنّ داعش تكشف في الآونة الأخيرة عن اهتمام كبير بما يحدث في ليبيا وتسعى لاستغلال الفوضى السائدة في تلك الدولة المقسّمة لتلقّي دعم من التنظيمات الجهادية، التي تعمل فيها واستخدامها كنقطة انطلاق لدول مجاورة لها وفي مقدّمتها مصر

وتبرز في هذا السياق العلاقات الوثيقة بين أنصار بيت المقدس وبين داعش في السنة الأخيرة. نقل التنظيم المصري، الذي عبّر في إعلان تأسيسه في أواخر العام 2011 علنًا عن ولائه للقاعدة وزعيمها الجديد الظواهري، كما يبدو ولاءه مؤخرًا لأبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، الذي نصب نفسه خليفة. وبذلك فهو يتحدى قيادة الظواهري، في استجابة لطلب رجال داعش. ظهر مؤخرًا بوضوح طبيعة ونطاق العلاقات بين التنظيمين في أعقاب الكشف عن مواد تحقيق نادرة أطلقتها السلطات المصرية، بعد اعتقال أحد كبار العناصر في التنظيم المصري. كان العنصر، عادل حبارة، في السابق قائدًا كبيرًا في تنظيم الجهاد الإسلامي المصري، من أتباع الظواهري، وكان من أعطى في آب 2013 أوامر مهاجمة وقتل نحو خمسة وعشرين جنديًّا مصريًّا، والذين تم إنزالهم من حافلة كانت تقلّهم وتمّ إطلاق النار عليهم بدم بارد من قبل مهاجميهم. ظهر في تفريغ المحادثات التي جرت بين مسؤولي كلا التنظيمين، أنّ عناصر أنصار بيت المقدس أخبروا زملاءهم من داعش عن المذبحة التي قاموا بتنفيذها وطلبوا منهم تمويلا مقابل الدعم اللوجستي، بما في ذلك الحصول على وثائق ليبية من أجلهم وتقديم يمين الولاء.

وينبغي التأكيد على أنّ داعش تكشف في الآونة الأخيرة عن اهتمام كبير بما يحدث في ليبيا وتسعى لاستغلال الفوضى السائدة في تلك الدولة المقسّمة لتلقّي دعم من التنظيمات الجهادية، التي تعمل فيها واستخدامها كنقطة انطلاق لدول مجاورة لها وفي مقدّمتها مصر. وهكذا، أمسك المصريون مؤخرًا بخلية من عناصر داعش، والتي حاولت التسلل من ليبيا إلى مصر. ويُذكر أنّ تنظيم أنصار بيت المقدس أيضًا يعمل في تلك المنطقة وفي هذا الإطار قام عناصره بتنفيذ هجوم على موقع عسكري مصري على الحدود الليبية راح ضحيّته 22 جنديًّا مصريًّا.‎ ‎

تساهم غزة أيضًا في التعاون بين تلك التنظيمات الجهادية في سيناء. رغم أنّ العلاقة بين أنصار بيت المقدس والتنظيمات الجهادية السلفية ليست جديدة، فقد تلقّى في الآونة الأخيرة دفعة هائلة حول عملية “الجرف الصامد”. عبّر تنظيم أنصار بين المقدس خلال العملية عن دعمه علنًا لنضال أهل غزة بل وأطلق صواريخ باتجاه البلدات: بني نتساريم، كتسيعوت وإيلات. وتم الإمساك بسيارة أخرى مليئة بصواريخ عناصر التنظيم من قبل قوات الأمن المصرية قبل أن يستطيعوا إطلاقها باتجاه إسرائيل. وقد أطلق التنظيم المصري أيضًا إرهابيًّا انتحاريًّا إلى معبر كرم أبو سالم ولكن تم اغتياله من قبل عناصر حرس الحدود المصريين قبل تنفيذ خطّته. وفي هذا السياق من الجدير أن نذكر، بأنّه تم مؤخرًا الإعلان في غزة عن تنظيم جهادي سلفي جديد باسم “أنصار الدولة الإسلامية في غزة”. وثق عناصر هذا التنظيم أنفسهم وهم يطلقون الصواريخ باتجاه أهداف مختلفة في إسرائيل خلال عملية “الجرف الصامد” في الوقت الذي ينقلون فيه أقوال أبي مصعب الزرقاوي، سلف تنظيم داعش، ويعبّرون عن تأييدهم لتنظيم الدولة الإسلامية.

https://www.youtube.com/watch?v=5RgWYCIwIWA

استُخدمت غزة أيضًا كمكان للاختباء وكممرّ لعناصر داعش الذين كانوا في طريقهم منها إلى سيناء. بهذه الطريقة على سبيل المثال قام المصريّون بالقبض على شبكة من عناصر داعش، بلغ تعدادها 15 عضوًا، من بينهم سوريّون، عراقيّون، مصريّون، والذين قاتلوا في صفوفها قبل أن يتمكّنوا من الانضمام إلى عناصر أنصار بيت المقدس في سيناء بهدف تنفيذ عمليات إرهابية مشتركة ضدّ قوات الأمن المصرية.

يعمل أعضاء أنصار بيت المقدس (إلى جانب تنظيمات محلّية أصغر مثل الفرقان، أجناد مصر وجيش الإسلام) في مصر أيضًا. وتشمل عملياتهم إطلاق نار باتجاه الشرطة والحواجز، اغتيال مسؤولين مصريّين ورجال الشرطة الذين ينتمون إلى قوات الأمن. ركّز التنظيم مؤخرًا على عمليات في مناطق مجاورة للقصر الرئاسي في القاهرة وفي مباني الوزارات الحكومية.

رغم أن تنظيم داعش حتى الآن لم يعمل على أرض مصر، ولكن في أعقاب تصريح الرئيس المصري بأنّ بلاده ستساهم في التحالف الدولي ضدّ داعش؛ دعا الناطق باسم التنظيم، العدناني، شركاءه في سيناء إلى زيادة حدة الهجمات ضدّ قوات الأمن المصرية – والذين وصفهم باليهود، وجنود فرعون مصر الجديد – ودعاهم إلى مهاجمة قواعدهم، السيطرة على منازلهم وقطع رؤوسهم.

تم مؤخرًا الإعلان في غزة عن تنظيم جهادي سلفي جديد باسم “أنصار الدولة الإسلامية في غزة”

على ضوء ذلك كله، شن الجيش المصري هجومًا كثيفًا على التنظيمات الإرهابية في سيناء. إنّه يقوم باعتقالات ضدّ نشطاء كثر، يقصف من الجوّ مواقع لهم ومواقع إطلاق الصواريخ تحت الأرض، ويدير معارك صعبة مع مطلوبين وقادة كبار في التنظيم.

استمرت الحرب ضد أنفاق التهريب من قطاع غزة دون هوادة، ورغم نجاح الجيش المصري في تدمير مئات الأنفاق منذ أن بدأت العملية لكشفها، يبدو أنّها ما زالت تشكّل تهديدًا حقيقيًّا على سلامة المصريين في سيناء. ولذلك يبدو أنّه في الأسابيع الأخيرة ستتكثّف الحرب التي يديرها الجيش المصري وقواها الأمنية ضدّ الإرهاب المتنامي في سيناء، والذي يضر أيضًا داخل مصر. إنّ حقيقة أنّ مصر مضطرة الآن إلى مواجهة التهديد الإرهابي الحادّ واليومي في مناطق مختلفة؛ داخلها، في سيناء، في الحدود الليبية والحدود مع غزة، كلّ ذلك يُلزمها بجهود مركّزة وتعاون مع حلفائها الإقليميين والدوليين. تعتبر إسرائيل دون شك حليفًا وشريكًا مخلصًا ضدّ الإرهاب الجهادي السلفي، وخصوصًا لكونها هدفًا لهجمات تلك التنظيمات.

جندي مصري على معبر رفح (AFP)
جندي مصري على معبر رفح (AFP)

أعرب ضباط كبار في إسرائيل مؤخرًا عن أنّهم يرون في داعش في هذه المرحلة عدوّا بعيدًا لا تبدو إسرائيل في نظره هدفًا أوليًّا وبالتأكيد ليس في المدى القصير. ومع ذلك، من الجدير الانتباه للتحالف الذي يتوثق بين داعش وأنصار بيت المقدس وتنظيمات جهادية سلفية في غزة. يجعل هذا التوجه من داعش هدفًا استخباراتيًّا فوريًا، للتتبع والوقاية مع التعاون الوثيق مع شركاء عرب وغربيين على حدّ سواء.

ورغم أنّه من المفضل لإسرائيل أيضًا عدم الوقوف في جبهة الحملة العالمية ضدّ داعش، فهذا أمر واضح لأنّ عليها تقديم قدراتها المثبتة في مجال الاستخبارات والعمليات لصالح الحملة العالمية من أجل منع توسع الإرهاب الجهادي السلفي، الذي يقف على حدودها في الجنوب، الشمال وفي المستقبل كما يبدو في الشرق أيضًا.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع INSS

اقرأوا المزيد: 1079 كلمة
عرض أقل
مقاتل من داعش في العراق (AFP)
مقاتل من داعش في العراق (AFP)

داعش- الخطر الحقيقي

هل داعش هو حقًا قوة إسلامية جهادية صاعدة مرشحة للسيطرة على مدن شرق أوسطية أو أن الحديث يدور عن تنظيم محدود الذي تتعدى طموحاته قدراته؟ من المفضل للائتلاف الدولي الواسع، الذي استُغيث به للتحرك ضدّ إرهاب القاعدة وشركائها وجاء متأخرًا كثيرًا أن يستيقظ في الوقت المناسب وأن يعود للعمل كي يقمع ظاهرة داعش وهو ما يزال في مهده قبل أن يضطر لفعل ذلك تحت تهديد الإرهاب في قلب مدنه

في الأشهر الأخيرة نجح داعش في أن يُشكل تهديدًا بارزًا على الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط. تحوّل التنظيم إلى علامة عالمية سيئة السمعة، وكلمة مرادفة لكلمة تطرف ورمزًا للقتل بلا هوادة. حالات الإعدام الجماعية التي نفذها رجاله في العراق وسوريا والتي وُثقت ونُشرت أمام الجميع، عبّرت أكثر من أي شيء عن استراتيجية الردع والمفاجأة والتي يتخذها سبيلا في المدن التي احتلها. بالمقابل، حظيت تهديداته باحتلال دول أخرى في الشرق الأوسط بصدى واسع ومنحته منبرًا إعلاميًّا لقوة عظمى تتكوّن. بهذا، جعل داعش نفسه بديلا عمليًّا للقاعدة، كجهة جهادية تنشر الإرهاب وتهدد السلام العالمي.‎ ‎

على ضوء هذه التطورات، يحاول هذا المقال فحص إذا كان الحديث فعلا عن قوة إسلامية جهادية صاعدة مرشحة للسيطرة على عدة دول في المنطقة، كجزء من برنامجها لتأسيس خلافة إسلامية، أو أن الحديث عن تنظيم محدود من حيث قدراته ووسائله، والذي تعلو طموحاتُه على قدراته ومشتقة من رؤياه للعالم الذي يدور في رأسه.

إن أعمال تنظيم داعش الوحشية في سوريا والعراق لا تشكل أي جديد لمن يتابع أفعاله منذ أن أعلن عن قيامه قبل سنة ونصف، لكن منذ شهرين بدأ يُذكر اسم التنظيم على لسان قواد العالم كتهديد جوهري. السبب في ذلك أن التنظيم في الأشهر الأخيرة نجح في احتلال مناطق واسعة من العراق بل وهدد بالهجوم واحتلال العاصمة بغداد، في طريقه نحو الاستيلاء على العراق كلها. اتّسمت خطواته هذه بجولات قتل مستنكَرة في حجمها وبشاعتها، والتي وصلت في الأسابيع الأخيرة إلى مستويات جديدة من الذبح الجماعي الذي نفذه رجاله مع الأقلية اليزيدية، فاقدة الحماية.‎

جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)
جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)

من غير استهتار بإنجازات داعش، يبدو أن سر قوة التنظيم الأساسية تكمن أولا وأخيرًا في ضعف خصومه. حتى الآن، حظي تنظيم داعش بإنجازات إقليمية في العراق فقط ومناطق سورية محدودة. ينبع الأمر من واقع كونهما دولتين فاشلتين، يعاني النظام الحاكم فيهما من فقدان شرعيته لدى مواطنيه وعدم السيطرة الفعلية  على أجزاء واسعة من المقاطعات في تلك البلاد. الجيش العراقي فاشل، وليست لديه روح القتال، بينما الجيش في سوريا منشغل بالأساس بالإبقاء على النظام في المدن الرئيسية في الدولة. يسمح هذا الفراغ السلطوي لداعش بحرية التحرك في المناطق والمدن الحدودية في هذه الدول. يبدو أن سبب المعارضة القليلة لطريقة داعش في المناطق التي احتلها، هو الإجبار وسياسة الإرهاب التي عمل بها ضدّ السكان المحتلين، لكن على الأمد الطويل من المتوقع أن تثير هذه الأعمال مناطق واسعة ضدّه. أغلب السنيين ليسوا معنيين بتفسير داعش المتطرف لأسلوب الحياة الإسلامية المطلوبة، لكن في هذه المرحلة ليس بيدهم من خَيار إلا الانصياع له ولو كان ظاهريًا. في حالة أنْ حاول التنظيم توسيع احتلاله لمناطق عراقية فيها فئة شيعية مقيمة هناك- بدءًا من مدينة بغداد ومرورًا بالمدن الشيعية المقدسة مثل النجف وكربلاء- من المتوقع أن يجابه فئة مقاتلة تحميها قوة عسكرية إيرانية وكذلك تدخل أعمق من دول غربية، كما حدث حين هدد التنظيم بالدخول إلى قلب المنطقة الكردية في العراق. يمكن أن يحدث أمر مشابه إن تجرأ على التوجه قبالة الأردن أو تركيا. لهذا السبب تظهر تهديدات داعش، لأن بيديه قوة إحراز إنجازات مشابهة في دول أخرى في المنطقة -الأردن، لبنان وطبعًا إيران وتركيا- فاقدة لأي أساس.

عمليًّا، الخطر الأساسي المتوقع من داعش لا يتعلق بسلامة دول المنطقة وإنما بقدرته على ضخ الأموال ووسائل القتال المتطورة للتنظيمات الإرهابية الناشطة في الشرق الأوسط وبالأساس تحويل المقاطعات التي يسيطر عليها، والتي توصل بين غرب العراق وشمال وشرق سوريا، إلى أرض حصينة. يمكن أن يشكل هذا أساسًا لتقدم النشاطات المقوّضة وناشرة الإرهاب، التي يمكن أن تعمق عدم الاستقرار في المنطقة. إن مساحة كهذه تحت سيطرة جهة متطرفة ذات ميول خلاصية مثل داعش، ستمكّن الجهات الإرهابية الجهادية السلفية في أرجاء العالم من أن تجد فيها ملجأ، واستخدامها كنقطة انطلاق للنشاط الإرهابي وملاذًا لما بعدها. ستُستخدم هذه المساحة للتدريبات، نقل المقاتلين ووسائل القتال منها وإليها وستُحّول حلم القاعدة منذ عقدين، إلى واقع مروّع في العقد الحالي.

لافتة لداعش وراء جنود الجيش العراقي (AFP)
لافتة لداعش وراء جنود الجيش العراقي (AFP)

‎نجح داعش، بطريقة إدارته، في تمييز نفسه عن عامة تنظيمات الجهاد العالمية، التي ما زالت تؤيد القاعدة حتى الآن في المواجهة الحادة التي تجري بين الظواهري، وبين أبي بكر البغدادي. بتعيين نفسه خليفة، جعل البغدادي كل من لا يعترف بلقبه الجديد ومن لا يطيعه، كافرًا. وهكذا يبدو أنّ في عملياته المتتابعة والمستمرة في المناطق التي احتلها داعش تظهر دلالة جديدة لمعنى التطرف الذي وبشكل متناقض يُسلط الضوء على القاعدة- النصير سابقًا والعدوّ لاحقًا- تسليطًا واقعيًّا نسبيًّا. لقد تجاوز رجال داعش الخطوط الحمراء ورفعوا سقف الوحشية، التي أظهرت القاعدة وشركاءها في الماضي، في مستويات عالية. يمكن أن تتحوّل هذه إلى عادة عادية في المواجهات المتوقع قدومها، ليس فقط من ناحية تنظيم داعش وإنما أيضًا من جانب التنظيمات الإرهابية الأخرى، التي تستقي الإلهام من منهجه، والتي ترتسم في هذه المرحلة بأنها ناجحة. وجود آلاف الشباب المسلم من أًصقاع العالم، ومنهم مواطنون عرب في مناطق القتال في سوريا، والذين يتنقلون بينها وبين العراق ويشاركون في الأعمال الفظيعة التي تجري في كلتا ساحتي الحرب، يمرون بمرحلة ترسيخ التنظير الجهادي ويكتسبون تجربة قتالية ومهارات في القتال الإرهابي وحرب الشوارع، وهذا يشكل تهديدًا عارمًا. هذه التجربة المتراكمة يمكن أن تترجم إلى أعمال إرهابية في مدنهم الأصلية. على ضوء ذلك، يجدر الانتباه للغاية “لرياح الشر” التي تثيرها داعش والرسائل التي يبثها بين مؤيديه فعلا وإكراها. يمكن لهذا أن يترك أثرًا سيئًا على أفعالهم، حتى بعد أن يُقمع صعود التنظيم في النهاية على يد قوات أكبر منه.

يبدو أن هناك للمخاوف التي أبداها مؤخرًا رؤساء بريطانيا، الولايات المتحدة وفرنسا من تصدير الإرهاب من منطقة الشرق الأوسط إلى دولهم، أساسًا صلبًا. يمكن التخمين أن صعود تنظيم داعش في العراق وسوريا سوف يُقمع، كما يتوقع، على يد قوات أكثر قوة وتنظيمًا منه، ويُتوقع لظاهرة الجهاد العالمي التي يمثلها بالأساس حتى الآن تنظيم القاعدة وشركاؤه والآن داعش وشركاؤها، أن تحظى بالتأييد من جانب جيل جديد من مناصري الجهاد. يبتغي هؤلاء محاولة تجديد منظومة الإرهاب الدولية التي كُبحت خلال العقد والربع الذي مر منذ الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة. تقريبًا لا يمكن الوقوف في وجه عودة آلاف الشباب من دول الغرب، الذين يساهمون في القتال بسوريا والعراق، إلى دولهم الأصل وينشروا بها تنظيرهم الجهادي السلفي العسكري، الذي تشرّبوه خلال قتالهم. سيسعَوْن إلى تطبيق تجربتهم القتالية التي اكتسبوها من العمليات الإرهابية على الدول الغربية، سواء أكانوا جزءًا من تنظيم داعش أو القاعدة أو بإقامة شبكات إرهابية مستقلة أو حتى أفرادا معدودين.

من المفضل للائتلاف الدولي الواسع، الذي استُغيث به للتحرك ضدّ إرهاب القاعدة وشركائها  وجاء متأخرًا كثيرًا- فقط بعد كارثة 11 أيلول 2001- أن يستيقظ في الوقت المناسب وأن يعود للعمل كي يقمع ظاهرة داعش وهي ما تزال في مهدها قبل أن يضطر لفعل ذلك تحت تهديد الإرهاب في قلب مدنه.

 

نشر المقال للمرة الأولى في موقع “INSS“.

اقرأوا المزيد: 1019 كلمة
عرض أقل
مقاتلو جبهة النصرة (AFP)
مقاتلو جبهة النصرة (AFP)

العودة الدمويّة: “خرّيجو” سوريا واستقرار السعودية

وجود المقاتلين في سوريا وعودتهم إلى بلادهم الأصلية قد يشكلان مشكلة أمنية بالنسبة لدول كثيرة في المنطقة وخارجها، وليس بسبب عدد المقاتلين الكبير وعدد الدول الكثيرة التي يصلون منها فحسب

وجود المقاتلين في سوريا وعودتهم إلى بلادهم الأصلية قد يشكلان مشكلة أمنية بالنسبة لدول كثيرة في المنطقة وخارجها، وليس بسبب عدد المقاتلين الكبير وعدد الدول الكثيرة التي يأتون منها فحسب. فهذه الظاهرة ليست جديدة بالنسبة للسعودية. وكان السعوديّون منخرطون في القتال في دول أجنبية منذ فترة الجهاد ضدّ السوفيات في أفغانستان في سنوات الثمانينات، بل وكانوا يشكّلون جزءًا كبيرًا فيما بعد بين أوساط خرّيجي أفغانستان من الجيل الثاني، والذين تدرّبوا في تلك البلاد من سنوات التسعينات، وهم يشكّلون اليوم إحدى المجموعات الأجنبية المقاتلة الكبيرة في سوريا.‎ ‎

أدّت المعركة بين نظام الأسد وحلفائه وبين مجموعات الثوّار المختلفة، والتي من بينها عناصر سلفيّة جهادية، تتواصل بشكل مباشر وغير مباشر مع تنظيم القاعدة، إلى تيّار من المتطوّعين الأجانب الذين طلبوا دعم الأطراف المتحاربة. بينما تجنّد رعاة النظام من الإيرانيين وحزب الله اللبناني لصالح قوى النظام، فتجنّد عدد كبير من المتطوّعين من الشرق الأوسط، شمال إفريقية، آسيا بل ومن أوروبا وأمريكا الشمالية، جميعًا لصالح المعارضة. وتأسست بمساعدة وتمويل الجمعيات الخيرية والداعمين من السعودية ودول الخليج فصائل المعارضة المختلفة في سوريا كقوى مقاتلة مستقلّة. يشكّل العدد الكبير نسبيًّا للشباب القادمين من شبه الجزيرة العربية للقتال في سوريا، وخطر عودتهم إلى بلادهم الأصلية، مشكلة أمنية كبيرة.

هل يعود خريجو سوريا الى منازلهم لمحاربة حكام بلادهم (AFP)
هل يعود خريجو سوريا الى منازلهم لمحاربة حكام بلادهم (AFP)

‎ ‎بينما كانت الفصائل تقاتل النظام وتقاتل بعضها البعض، استمرّ التوجّه لدخول المتطوّعين الأجانب لسوريا، بشكل أساسيّ من تركيا ولكن من لبنان والأردن أيضًا، بهدف تعزيز الجهود ضدّ نظام الأسد. من الممكن أن يشكّل هؤلاء المتطوّعون، الذين يقدّر عددهم بالآلاف، تهديدًا خطرًا على استقرار وأمن بلادهم الأصلية، حيث كان “خرّيجو أفغانستان” في سنوات التسعينات عاملا مقوّضا للاستقرار حين عادوا إلى شبه الجزيرة العربية. كانت تلك العناصر التي حاربت السوفيات إلى جانب قوات طالبان، كادرًا واسعًا من المجنّدين، الذين بنوا روابط اجتماعية، وراكَموا خبرة عملية كبيرة وشكلوا أساسا للتعاون الإقليمي الذي تطوّر ليصبح تهديدًا للأنظمة “المعتدلة” في الشرق الأوسط.

فهناك أدلّة على مشاركة “خرّيجي” سوريا في نشاطات إرهابية في بلادهم الأصلية وفي ساحات قتال في الشرق الأوسط، ومن بينهم عناصر تنظيمات الجهاد العالمي، الذين يستندون إلى التجربة القتالية التي راكموها في سوريا. هكذا على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن نشاطات “خرّيجي سوريا” في مصر بعد أن انضمّوا لتنظيم “أنصار بيت المقدس”، الذي يعمل في سيناء ضدّ قوى الجيش المصري وضدّ أهداف على الحدود الإسرائيلية والذي يضرب في مصر نفسها أيضًا؛ أهدافًا حكومية، أمنية واقتصادية. ساهم العنف الطائفي في لبنان بين الشيعة الداعمين للنظام والسنة الداعمين للمعارضة في عودة “المتطوّعين” من سوريا.‎ ‎

بعد الدعم المعنوي، الاقتصادي والتنظيمي، الرسمي وغير الرسمي، للمعارضة ضدّ الأسد؛ تواجه دول الخليج نتائج أعمالها وتخشى من حالة يتمرّد فيها المصنوع على صانعه

وحذّرت أجهزة أمنية غربية من الخطر الكامن في عودة المسلمين، من “خرّيجي” سوريا إلى بلادهم، حيث يملكون خبرة، وتدريب وعلاقات أكبر. في هذه المرحلة، لا يمكن الإشارة إلى عمليات إرهابية في الغرب من قبل أولئك العائدين من سوريا، ولكن استيضاح القلق من عمليات مستقبلية كهذه يقبع في مكانة مهمّة جدّا في سلّم الأوليات لدى الأجهزة الأمنية الغربية.

فتعيش السعودية ودول الخليج حالة أكثر تعقيدًا. فبعد الدعم المعنوي، الاقتصادي والتنظيمي، الرسمي وغير الرسمي، للمعارضة ضدّ الأسد؛ تواجه هذه الدول الآن نتائج أعمالها وتخشى من حالة يتمرّد فيها المصنوع على صانعه. وكما ذكرنا، فقد نشط في الماضي رجال القاعدة من “خرّيجي” أفغانستان الذين عادوا إلى المملكة ونفّذوا فيها سلسلة من الهجمات. وبعد صراع طويل، تمكّنت السلطات السعودية من إيقاف نشاط الكثير من قادة هؤلاء واعتقالهم. واستطاع القليل من تلك العناصر الهروب والانضمام إلى الفرع المحلّي للقاعدة في اليمن وأقاموا “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، وهو الفرع الذي يعتبر في الغرب الأخطر من بين شركاء القاعدة.‎ ‎

مراسم تشييع أحد مقاتلي حزب الله في سوريا (AFP)
مراسم تشييع أحد مقاتلي حزب الله في سوريا (AFP)

يقوم هذا التنظيم بتنفيذ عمليات إرهابية كثيرة وبشكل أساسي في اليمن، من بينها عمليات انتحارية كثيرة القتلى، وهو يعمل ضدّ قادة النظام اليمني والجيش. وقد ظهرت أدلّة المساهمة المحتملة للعائدين من سوريا مؤخرًا، حين نُشر أنّه تمّ الكشف في السعودية عن تنظيم إرهابي، والذي كان على تواصل مع عناصر من القاعدة في اليمن وفي سوريا وخطّط لسلسلة من الهجمات ضدّ أهداف حكومية، ومسؤولين في النظام وممثّلين أجانب في السعودية. ويبدو أنّ هذا التوجّه هو الذي كان يقف من وراء إعلان السلطات في الرياض أنّها تراجعت عن الدعم الكبير لقوى المعارضة، بل وحظرت بمرسوم ملكي أن يدعم مواطنيها أو ينظّموا أو يشاركوا في الحرب السورية، وفي مناطق أخرى.‎ ‎

ويعتبر هذا الحظر تغيّيرًا على ضوء دعم الأسرة السعودية المالكة الأول للمتطوّعين. فيخشى السعوديون من المشاركة المتزايدة لإيران في الساحة السورية، ولكنهم منزعجون بشكل لا يقلّ عن ذلك من تصاعد قوّة المعارضة الإسلامية المتطرّفة الداخلية لحكمهم بسبب عودة الشبان السعوديين إلى المملكة. إنّ الاستثمارات الكبيرة في الدعاية ضدّ المشاركة في الحرب السورية، والجهود لمكافحة المتطوّعين والمنظّمين وأيضًا إنشاء عقبات مادية لمنع خروج العناصر إلى خارج حدود المملكة، تعزّز هذا الافتراض. ومع ذلك، فإنّ الدعم السابق والعدد الكبير للعناصر التي خرجت من حدود المملكة (نحو 1000، ومن بينهم أكثر من 200 قُتلوا في المعارك)، قد يلعب دورًا ضدّ السلطات في الرياض.‎ ‎

وعلى ضوء المشاركة والدعم الكبير الذي أعطيَ لفصائل المعارضة المتطرّفة من السعودية ودول الخليج، فهناك مخاوف من أنّ تتواصل عناصر متطرّفة مع تنظيمات معارضة قائمة أو أن تنشئ منظّمات تخريبية جديدة في دول الخليج المختلفة. ونظرًا إلى أنّ قوات الأمن والشرطة لم تقم بوظيفتها إزاء المتطوّعين الذين خرجوا للقتال في سوريا، فهناك خطرًا بأن تتسلّل عناصر متطرّفة إلى داخل أجهزة السلطة والأمن في تلك الدول وأن تشكّل “طابورًا خامسًا” في الصراع ضدّ المعارضة الإسلامية المتطرفة والقائمة هناك.

مجاهد في صفوف جبهة النصرة في سوريا (AFP)
مجاهد في صفوف جبهة النصرة في سوريا (AFP)

هناك من يعتبر أنّ الجهاد ضدّ السوفيات في أفغانستان في سنوات الثمانينات هو المرة الأولى في العصر الحديث التي تحدث فيها ظاهرة المقاتلين الأجانب في السياق العربي السنّي. وفي الواقع، فإنّ معظم المتطوّعين العرب بين السنوات 1979 – 1992 قدِم من السعودية. واستمرّت هذه الظاهرة في سنوات التسعينات في الشيشان وفي وقت لاحق في البوسنة وفي العراق، مع كون السعوديين المجموعة الأجنبية الأكبر، والتي تقاتل إلى جانب المحلّيّين في تلك الدول. والأمر صحيح في كلّ ما يمكن أن يُقال عمّا يحدث اليوم في سوريا، حيث تضع التقديرات السعودية باعتبارها الدولة الأجنبية ذات عدد المصابين الأكبر في صفوف المتطوّعين.‎ ‎

بينما لم تقم الرياض بأي خطوة من أجل منع أولئك المقاتلين من السفر إلى سوريا بل قامت بتشجيعهم، تبذل الأسرة المالكة اليوم جهودًا كبيرة من أجل منع العنف لدى عودة هؤلاء إلى المملكة. في بداية شهر شباط عام 2014، أعلنت الحكومة عن مرسوم ملكي ينصّ على أنّ كلّ مواطن سعودي يقاتل في الصراعات التي هي خارج البلاد سيُسجن. بعد شهر من ذلك، تم إدخال بعض تلك التنظيمات إلى قائمة التنظيمات الإرهابية.

معظم المتطوّعين العرب بين السنوات 1979 – 1992 قدِم من السعودية. واستمرّت هذه الظاهرة في سنوات التسعينات في الشيشان وفي وقت لاحق في البوسنة وفي العراق

إنّ عودة “خرّيجي سوريا” إلى السعودية قد يطعن بالكفاءة النسبية التي أظهرتها عناصر الأمن السعودية في صراعها ضدّ الإرهاب. هذا هو الحال خصوصًا على ضوء ما يبدو أنّه محاولات متكرّرة للإضرار بكبار الشخصيات وبمرافق استراتيجية في المملكة. لقد تمّت مقاومة موجة الإرهاب التي ضربت المملكة في منتصف العقد الماضي، بواسطة عملية، ثمة جدل حول مدى نجاحها، وأساسها “تأهيل” العناصر الإرهابية. والآن ففي نيّة السعوديين أن يفتتحوا مراكز “تأهيل” أخرى إلى جانب المركز العامل في الرياض. إنّ حقيقة أنّ السعوديين، ومعهم دول أخرى من دول الخليج، يتّخذون خطوات إيجابية في هذه القضية تدلّ على مدى خطورة التهديد الذي تشكّله عودة “خرّيجي” سوريا على الأنظمة وعلى المصالح الغربية في أراضيها.‎ ‎

للخلاصة، فإنّ التهديد الذي تشكّله عودة المتطوّعين من “خرّيجي سوريا” إلى بلادهم الأصلية بشكل عام وإلى السعودية ودول الخليج بشكل خاصّ، يؤدّي إلى حدوث مراجعة على ضوء الأهمّية الاستراتيجية لتلك الدول، وهو أمر يُلزم بالتعاون الإقليمي، اليقظة والرقابة السياسية والاستخباراتية. إنّ “استيراد” معارضة مسلّحة، مدرّبة، لديها خبرة ومتطرّفة إلى شبه الجزيرة العربية قد يجلب معه تأثيرات إقليمية، دولية، اقتصادية وجيوسياسية كبيرة، ولذلك يلزم أن يكون هناك رصد دقيق من قبل الولايات المتحدة، إسرائيل وعناصر إقليمية ودولية أخرى.‎ ‎

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي ‏INSS‏

اقرأوا المزيد: 1225 كلمة
عرض أقل
مقاتلي حزب الله (AFP)
مقاتلي حزب الله (AFP)

الوضع السياسي والأمني لحزب الله: نقلة نوعية؟

حزب الله يحتاج أن يتعامل وقتيًّا مع تحديّات داخلية وخارجية في لبنان، المقسّمة أكثر من أي وقت كان. إن الصراع المستمرّ في سوريا يؤدي إلى ضغوط إضافية على لبنان وحزب الله، وعدم الاستقرار يستمرّ

منذ اندلاع الحرب الأهلية الدامية في سوريا، أصبحت البيئة السياسية والأمنية لحزب الله أكثر تركيبًا. رغم أن حزب الله بقي التنظيم العسكري الأقوى في لبنان، فإنّ اشتراك التنظيم اللبناني الشيعي بشكل عميق في الحرب الأهلية ولفترة طويلة مع الآثار الإقليمية المكثّفة؛ يؤدّي إلى تقويض تدريجي لمكانته داخل لبنان ويضرّ بحرية العمل وقدرته على إبراز قوّته تجاه أعدائه.

يحتاج حزب الله أن يتعامل وقتيًّا مع تحديّات داخلية وخارجية. في لبنان، المقسّمة أكثر من أي وقت كان بين داعمي بشار الأسد وبين معارضيه، يواجه حزب الله فقدان الاستقرار المستمرّ.

يؤدي الصراع المستمرّ في سوريا إلى ضغوط إضافية على لبنان والذي هو نابع من قدوم اللاجئين السوريين إلى أراضيه، والذين بلغ عددهم حتى نهاية عام 2013 إلى نحو مليون شخص؛ أكثر من 20% من مجموع سكّان لبنان، ومن المتوقع أن يزداد العدد ليصل إلى مليون ونصف حتى نهاية عام 2014.

على ضوء الوضع غير المستقرّ، فقد كانت لحزب الله مصالح واضحة في ملء الفراغ السياسي في لبنان، والذي استمرّ أحد عشر شهرًا والتي أديرت خلالها الدولة دون حكومة. انتهت هذه الأوضاع في منتصف شباط 2014، حين نجح رئيس الحكومة المكلّف، تمام سلام، في كسر الجمود السياسي وإعلان إقامة حكومة وحدة وطنية مؤسسة على اتفاق ائتلافي مقسّم وفق صيغة 8-8-8.

ووفقًا لهذه الصيغة فمن المفترض أن تحظى الحركتان الرئيسيّتان – معسكر الرابع عشر من آذار برئاسة سعد الحريري ومعسكر الثامن من آذار بقيادة حزب الله – بثمانية مناصب وزارية لكل واحدة منها، حيث يعيّن رئيس الحكومة مع الرئيس سليمان بقية المناصب الثمانية المتبقّية.

ولد سوري في مخيم عرسال في لبنان (AFP)
ولد سوري في مخيم عرسال في لبنان (AFP)

ألزم الاتفاق جميع الأطراف بإجراء تنازلات، وأُجبر حزب الله على الموافقة بأن تكون وزارات مهمة مثل وزارة الدفاع، القضاء والداخلية، بيد معسكر الرابع عشر من آذار. ومع ذلك، لم يخاطر حزب الله بشكل كبير بدخوله في الحكومة الجديدة، حيث إنّ لكلا الحركتين هناك حقّ النقض على قرارات الحكومة.

ففي الأشهر القادمة سيكون على الحكومة اتخاذ سلسلة من القرارات الحاسمة؛ إجراء إصلاح في قانون الانتخابات كجزء من التحضيرات للانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني 2014 والرئاسة، مواجهة العنف الداخلي المتزايد واستمرار مشاركة حزب الله في الحرب الأهلية السورية، وأيضًا الحاجة إلى التعاون مع المحكمة الدولية الخاصة في قضايا لبنان ضدّ المتّهمين في اغتيال رفيق الحريري والتي بدأت في 16 كانون الثاني 2014، فإنّ حقّ النقض المعطى للتنظيم يضمن عدم اتخاذ أي قرار وطني مصيري دون موافقته.

فضلًا عن ذلك، فإنّ استقلالية التنظيم في حمل السلاح وتراجعه عن المشاركة في الساحة السورية، تُناقش في نقاشات البرلمان الأولى للحكومة الجديدة في لبنان، وقد أعلن حزب الله بأنّه لا ينوي التنازل عنها. وهكذا، في المفاوضات الصعبة مع خصومه السياسيّين، نجح التنظيم في التأكد من إدخال بند يدعم “المقاومة” إلى برنامج الحكومة.

عناصر حزب الله (MAHMOUD ZAYYAT / AFP)
عناصر حزب الله (MAHMOUD ZAYYAT / AFP)

ومع ذلك، اضطر التنظيم إلى التنازل عن بند متعلّق بشكل واضح بالصيغة الثلاثية (تريبارتي) والتي وحّدت في الماضي كلّا من الجيش، الشعب والمقاومة، والاكتفاء بصيغة غامضة تعترف بحقّ كل مواطن لبناني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وبالإضافة إلى ذلك انتقد حزب الله دعوة الرئيس سليمان في الحفاظ على إعلان بعبدا؛ وهو وثيقة خُصّصت للحفاظ على حيادية لبنان إزاء الصراعات الإقليمية المستمرّة بشكل عامّ، وبإزاء الحرب الأهلية السورية بشكل خاص. ‎ ‎

وتمنح الحكومة الجديدة فرصة لحزب الله في دفع خصومه السياسيّين إلى التعاون في الصراع ضد ما يسمّيه التنظيم “التحدّي التكفيري”؛ أي صعود التنظيمات السلفية – الجهادية، التي تعمل من داخل لبنان.

أعلن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عن ذلك خلال خطاب ألقاه في يوم القدّيسين، بمناسبة وفاة عدد من الشخصيات البارزة في التنظيم، من بينها عماد مغنية واللقيس وآخرين. وقد تطرّق في خطابه إلى الخطر الذي جلبته التنظيمات التكفيرية العاملة في سوريا ولبنان، وحذر من أن تكون هذه التنظيمات مستغلّة من قبل إسرائيل و”داعمين عرب” آخرين (يقصد المملكة العربية السعودية) لزرع التقسيم والنزاع.

أمين عام حزب الله، حسن نصرالله (AFP)
أمين عام حزب الله، حسن نصرالله (AFP)

إن مشكلات حزب الله مع التنظيمات السلفية الجهادية المحلية ليست سياسية فحسب: ففي السنة الأخيرة حدث ارتفاع كبير بالهجمات ضدّ حزب الله، بما في ذلك الاغتيال الذي طال أحد مسؤولي التنظيم حسن اللقيس، والعمليات الإرهابية ضدّ أهداف متعاطفة مع حزب الله مثل العمليّة الانتحارية في سفارة إيران وأهداف مدنية في بيروت والبقاع.

لا شك أنّه من الناحية العسكرية فإنّ حزب الله منظّم، ومجهّز ومؤسّس بشكل أفضل من أعدائه في الجهاد السني، ولكن ارتفاع أعمال العنف الموجهة إليه وإلى جمهور منتخبيه الشيعة، هو إشارة تدلّ على تغيير في دوره السياسي وسمعة التنظيم “الذي لا يهزم” ومتأثرة بمشاركته في الحرب الأهلية السورية.

تجبر التهديدات الداخلية حزب الله على زيادة رقابته وحراسته لنقاطه القوية التي تحت حمايته وبالمقابل تلزمه بتكريس المزيد من الجهود لإثبات مشاركته وحضوره في المجتمع الشيعي بلبنان.

وهذا للحفاظ على هيبة ومصداقية التنظيم أمام المجتمع الشيعي، ومن أجل إقناع داعميه التقليديين بقدرته على حمايتهم والتقليل من الضرر الذي يحلّ بهم كنتيجة مباشرة لسياسته في سوريا.

اعتمد التنظيم طريقة أخرى في مواجهة الهجوم ضدّه وذلك من خلال التعاون مع القطاع الأمني في لبنان. فمساعدة كهذه لها أهمية كبيرة من ناحية العمليات الميدانية ومن الناحية السياسية، حيث إنّه من المهم لدى حزب الله أن يضمن بأن تشيع وتُعالَج الهجمات ضدّه وضد جمهوره على أنّها هجمات إرهابية ذات طابع وطني، وليست هجمات موجّهة بشكل خاص ضدّه بحيث تكون مشكلة محصورة به وعليه أن يقوم بحلّها بقواه الذاتية.

أصبحت التحدّيات الداخلية اللبنانية أمام حزب الله أكثر تعقيدًا بعد مشاركته العميقة في سوريا. فمشاركة التنظيم في عمليات الدفاع والهجوم حولته سوية إلى مضاعف لا يستهان به لقوة نظام الأسد.

بكلمات أخرى، فإنّ حزب الله “مُستَوعَب كلّه” في سوريا، ويبدو أنّه من غير المحتمل تغيّر ذلك في المستقبَل القريب. إنّ هذه الاعتبارات الاستراتيجية تساعد في تفسير سبب كون الحفاظ على قواعد هادئة في أرض الوطن بلبنان مصلحة عليا للتنظيم، وفي المقابل في منع، أو على الأقل تأخير تصاعد التوتّر الحالي مقابل عدوّه التاريخي؛ إسرائيل.‎ ‎

جنازة لأحد مقاتلي حزب الله في قرية خيام اللبنانية بعد مشاركته في الحرب السورية (ALI DIA / AFP)
جنازة لأحد مقاتلي حزب الله في قرية خيام اللبنانية بعد مشاركته في الحرب السورية (ALI DIA / AFP)

وفي هذا السياق فقد تم في الأسابيع الثلاثة الأخيرة تنفيذ أربع عمليات إرهابية مختلفة على الأقل من إطلاق القذائف ووضع العبوات الناسفة على الحدود الإسرائيلية في هضبة الجولان ومنطقة جبل دوف، وكانت أخطرها يوم الثلاثاء، 18 آذار 2014.

في جميع الأحوال فقد ظهر حزب الله باعتباره منفّذ ممكن، الذي يحاول من جهة تأكيد سمعته كزعيم للمقاومة الوطنية في لبنان وحاميها ضد العدوانية الإسرائيلية، ومن جهة أخرى منع التصعيد العسكري ضدّ إسرائيل.

من خلال التركيز في العمليات ضد إسرائيل بواسطة الجولان، يستطيع التنظيم الإشارة لإسرائيل بأنّ المجموعة قادرة على تقويض المشاكل على حدود إسرائيل من خلال سوريا دون توسيع ساحة المعركة إلى لبنان. المصلحة الإسرائيلية هي عدم الانجرار إلى الحرب الأهلية السورية وانعدام الاستقرار في لبنان. ستحسن إسرائيل الفعل لو حاولت منع التصعيد من خلال الحفاظ على ردود فعل عسكرية مركزة وموزونة.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي

اقرأوا المزيد: 1007 كلمة
عرض أقل