يوئيل غوجنسكي

مظاهرة في اليمن تأييداً لمساعي الملك سلمان في حربه على الحوثيين (AFP)
مظاهرة في اليمن تأييداً لمساعي الملك سلمان في حربه على الحوثيين (AFP)

الحرب في اليمن: اختبار للإجماع العربي

لدى خروج السعودية إلى المعركة أخذت على نفسها مستوى من المقامرة، حيث إنها غير قادرة الآن على أن تسمح لنفسها بالخروج خاسرة في صراع على عتبة بابها. من المرتقب أن تستدعي عمليّاتها العسكرية ردّا إيرانيّا مؤلمًا - من قبل الحوثيين أنفسهم أو من قبل غيرهم

قد تكون عمليات التحالف العربي في اليمن لا تزال في بدايتها، ولكن يمكن من الآن فعلا أن نستنتج نتائج أولية وأن نقيّم دلالاتها.‎ ‎بدايةً، وجدت الدول العربيّة صعوبة منذ سنوات في التوحّد لعملية حقيقية، وخصوصا في عملية عسكرية، للدفاع عن مصالحها. ولكن اليوم، فإنّ جهود إيران لاختراق الساحات المختلفة في أنحاء المنطقة وتوسيع نفوذها فيها، هي التهديد الأخطر على الإطلاق – على الأقل بالنسبة لجزء من الدول العربيّة. وفقًا لذلك، يمكن من الآن فعلا الحديث عن إنجاز للإجماع العربي على ضوء قدرته على التكتّل بسرعة وبفاعلية غير مسبوقة لإزالة التهديد المتأصّل، وفق رؤيته، بتزايد النفوذ الإقليمي الإيراني. إذا تُوّجت العملية العسكرية ضدّ الحوثيين وأنصارهم في اليمن بالنجاح، فمن الممكن أن تُشكّل بداية لعمليات عسكرية مشتركة في المستقبَل أيضًا.

ثانيًا، كشف الإجماع العربي عن الاستعداد في تنفيذ عملية عسكرية كبيرة أيضًا دون القيادة الأمريكية، كما حدث في الماضي حتى عندما كان الأمر دفاعا عن المصالح العربية. واليوم، خرجت الحكومات العربية لعدم وجود خيار آخر على رأس المعسكر عندما تشكّل في نظرها تهديد حقيقي وخطير على أمن بلدانها. ونؤكّد مع ذلك، على أنّه ما زال الحديث عن صراع ضدّ تنظيم غير دولي ولا يملك قوة دولة، وفي ساحة قريبة ومعروفة للسعوديين (رغم أن الحوثيين يتمتّعون بالمساعدات الإيرانية الكبيرة، ولكنّهم بعيدون بمسافة كبيرة عن القدرات التي وصل إليها حزب الله على سبيل المثال).

إنّ جهود إيران لاختراق الساحات المختلفة في أنحاء المنطقة وتوسيع نفوذها فيها، هي التهديد الأخطر على الإطلاق – على الأقل بالنسبة لجزء من الدول العربيّة

ثالثًا، انتقلت الولايات المتحدة هذه المرة أيضًا إلى المقعد الخلفي. وذلك، بسبب رغبتها في عزل المفاوضات التي تجريها مع إيران في الشأن النووي عن الصعوبات الأخرى والتوصل إلى إنهائه قريبًا. ولذلك أعلنت الإدارة بأنّها لن تطرح قضية الأحداث في اليمن والتدخّل الإيراني فيها أمام الإيرانيين خلال المحادثات النووية. ورغم ذلك، يمكننا أن نلاحظ تدخّل إدارة أوباما من وراء الكواليس في العملية، وبشكل أساسي بسبب طموحه في تقليص التدخّل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. ولكن تصريحات الإدارة بخصوص ما يحدث في اليمن كانت ضعيفة نسبيّا، وكان التدخّل العسكري واهنًا: تقديم مساعدة استخباراتية ولوجستية (عمليات البحث والإنقاذ) للقوات العربية. من جهة أخرى، نظرا لأن الإدارة أوضحت أنّها لا ترغب بالربط بين قضية اليمن والمحادثات النووية، يمكننا الافتراض، أنّ هذه المحادثات لن تؤثّر بشكل ملحوظ على التوتّر الإقليمي، الذي نشأ عقب التطوّرات في اليمن وتجدّد الاهتمام في التدخل الإيراني بالدول العربية. رغم ذلك، فالإدارة تواجه حالة غير مريحة، حيث إنّ عليها أن تُفسّر جهودها في التقدّم بسرعة باتجاه اتفاق في الشأن النووي، في الوقت الذي ينكشف فيه مجدّدا التدخّل الإيراني العميق في دول أخرى وفي الوقت الذي يصطفّ فيه جزء كبير من العالم العربي ضدّ إيران.

مقاتلو الائتلاف ضد الحوثيين (AFP)
مقاتلو الائتلاف ضد الحوثيين (AFP)

فضلًا عن ذلك، فقد أثبتت العملية القوة الاقتصادية والسياسية لدى دول الخليج في الفضاء العربي. إنها لا تزال بحاجة إلى مساعدة عسكرية ودعم سياسي لدول عربية أخرى، وعلى رأسها مصر، من أجل الحصول على الشرعية والدعم العسكري لعمليّاتها، ولكن وزنها في الشرق الأوسط بعد الاضطرابات العربية قد ازداد. لا يزال الجيش المصري هو أقوى الجيوش العربية، ولكن في أعقاب الصدمة التي مرّت بها مصر في السنوات الأخيرة اضطرّ نظام السيسي إلى الحصول على مساعدات مالية كثيفة تُنقل إليه من دول الخليج – وحيث إنّ لديه هو أيضًا مصالح حيوية في إبقاء مضيق باب المندب، الذي هو الممرّ المائيّ الاستراتيجي الأبرز لقناة السويس، مفتوحا وبعيدا عن النفوذ الإيراني.

لدى مصر مصالح حيوية في إبقاء مضيق باب المندب، الذي هو الممرّ المائيّ الاستراتيجي الأبرز لقناة السويس، مفتوحا وبعيدا عن النفوذ الإيراني

يجب أن نضيف إلى النشاط والتماسك العربي تطوّرا آخر، يتعلّق بفاعلية المملكة السعودية نفسها. في الواقع، فمنذ بداية الاضطرابات التي اجتاحت العالم العربي في السنوات الأخيرة كان بالإمكان أن نميّز الحيوية في السياسة الخارجية السعودية، بعد أن تميّزت هذه الأخيرة على مدى سنوات بالسلبية نسبيّا. تمثّلت هذه الحيوية، من بين أمور أخرى، بدخول قوة سعودية إلى البحرين عام 2011. علاوة على ذلك، يجلس في الرياض الآن ملك جديد، أكثر نشاطا من سابقه، وهو يحاول بطرق مختلفة أن يوحّد الفضاء العربي وأن يجرّ وراءه الدول الإسلامية الرائدة بهدف إيقاف تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة. حقّق الملك إنجازات كبيرة، وكدليل على ذلك، فقد نجح في جلب أطراف متخاصمة إلى المعسكر السنّي، تركيا ومصر، لدعم عمليّاته في اليمن.

الملك سلمان يستقبل السيسي في الرياض  (AFP)
الملك سلمان يستقبل السيسي في الرياض (AFP)

من الناحية السياسية والاقتصادية فليست اليمن دولة عربية مهمّة بشكل خاصّ، ولكن أهميّتها نابعة من موقعها؛ قربها من المملكة العربية السعودية، التي تربطها بها حدود على طول 1,800 كيلومتر، ومضيق باب المندب (البوابة الجنوبية لقناة السويس ولإسرائيل أيضًا). واليمن هي أيضًا واحدة من عدّة ساحات، التي وُجد فيها صراع على طابع الشرق الأوسط بين إيران وأتباعها وبين الكتلة السنية الملكية. بحسب رؤية السعوديين، إذا رسّخت إيران نفوذها في اليمن، فسيكونون محاطين من كلا الجانبين من قبل إيران، والتي بإمكانها بسهولة أن تحرّض الشيعة الزيديّين في المملكة العربية السعودية نفسها. فضلا عن ذلك، فاليمن هو ساحة دولية للحرب على الإرهاب السنّي المتطرّف، بعد أن أقامت فيه القاعدة قاعدتها الرئيسية في شبه الجزيرة العربية.‎

[mappress mapid=”16″]

‎وتلك هي أيضًا الأسباب التي جعلت إيران تبذل جهودا على مدى سنوات في إنشاء بؤرة نفوذ في اليمن، حيث إنّ قاعدتها هي العلاقة الشيعية للمتمرّدين الحوثيين. بعد أن أقامت إيران مركزَيّ نفوذ في منطقة البحر المتوسّط: في لبنان، بواسطة حزب الله، وفي قطاع غزة، بواسطة حماس، من المهم بالنسبة لها أن تنشئ مركزا مماثلا في اليمن في منطقة البحر الأحمر. من المفترض أن يُستخدم هذا المركز لتشكيل ضغط على السعودية، ليس فقط من جهة الشمال الشرقي، وإنما أيضًا من جهة الجنوب الغربي. في الواقع، فإنّ نموذج التدخّل الإيراني في اليمن يشبه ذلك الذي أسّسته في العراق: الدعم بالمال، السلاح والتدريبات العسكرية للميليشيات المسلّحة المحلّية، من أجل جعلها عامل قوة رئيسي في البلاد، ويكون معتمدا عليها. وفقًا لذلك، فمن الواضح أنّ العملية العسكرية بقيادة السعودية وبمشاركة الدول العربيّة الأخرى غير مرغوبة بالنسبة لإيران، لأنّها موجّهة بشكل كبير ضدّ تدخّلها في اليمن وقد تجرّ وراءها عمليات جماعية أخرى، ليس عسكرية فقط، في مراكز نفوذ إيرانية في الفضاء العربي.

رجل انقاذ في احد المواقع التي استهدفتها الغارات السعودية على مراكز للحوثيين في صنعاء (AFP)
رجل انقاذ في احد المواقع التي استهدفتها الغارات السعودية على مراكز للحوثيين في صنعاء (AFP)

في النهاية، أخذت السعودية على نفسها مستوى من المقامرة لدى خروجها إلى المعركة، حيث إنها غير قادرة الآن على أن تسمح لنفسها بالخروج خاسرة في صراع على عتبة بابها. من المرتقب أن تستدعي عمليّاتها العسكرية ردّا إيرانيّا مؤلمًا – من قبل الحوثيين أنفسهم أو من قبل غيرهم. لم تتردّد إيران في السنوات الأخيرة في محاولة الإضرار بالمصالح السعودية في المملكة نفسها أو خارجها. (نذكر في هذا السياق محاولة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة عام 2011، بالإضافة إلى الهجمة الإلكترونية الإيرانية التي شلّت نظام الكمبيوتر لشركة أرامكو السعودية عام 2012). تسعى السعودية في عمليّتها هذه أن تقطع التدمير الإيراني على حدودها الجنوبية بالإضافة إلى ردع النشاطات الإيرانية الأخرى.

الاختبار اليمني لدى المملكة العربية السعودية يتلخّص بالتالي: تحقيق إنجاز عسكري يقود إلى تسوية سياسية، تستطيع المملكة أن تتعايش معها. حتى التسوية، التي سيخرج الحوثيون بحسبها مع تلبية نصف تعطّشهم فحسب، ستكون ضربة لإيران

لا يمكن الانتصار على الحوثيين من الجوّ. وليس هذا هو الهدف أيضًا. الهدف الرئيسي للمملكة السعودية هو إعادة الحوثيين إلى طاولة المفاوضات على مستقبل اليمن بواسطة رافعة الضغط العسكرية. والهدف الثانوي للمملكة السعودية، هو منع استخدام الوسائل القتالية المتقدّمة – كالطائرات الحربية وصواريخ أرض-أرض -من قبل الحوثيين ضدّها، بالإضافة إلى منع سقوط المدينة الساحلية الاستراتيجية، عدن، بأيديهم، حيث سيكملون بذلك في الواقع سقوط اليمن كلّه.

يبدو أنّ الحوثيين، في فتوحاتهم السريعة، قد ألّبوا عليهم قوى أكثر قوّة منهم، والتي ستؤدّي إلى الإضرار بقوّاتهم وإلى انسحابهم للوراء. يبدو أنّهم لو لم يكونوا “جشعين” إلى هذه الدرجة، فقد كان بإمكانهم أن “يهضموا” اليمن بشكل أسهل. احتمالات السعودية بأن تدفع الحوثيين للتراجع إلى الوراء أكبر من قدراتها على التعامل مع فروع إيران في ساحات أخرى، حتى لو كانت فقط بسبب وجود الألفة الحميمة مع عناصر مختلفة في المجتمع والسياسة اليمنية وقرب اليمن الجغرافي منها. ومع ذلك، على السعوديين أن يستغلّوا بسرعة وكفاءة الزخم العسكري والسياسي الذي حقّقوه من أجل محاولة التوصّل إلى تسوية سياسية؛ أيضًا مع إعطاء تأثير أكبر للحوثيين بالمقارنة مع الماضي. إذا لم ينجحوا في القيام بذلك، فمن المرتقب أن يجدوا أنفسهم غارقين في الوحل اليمني.

استنفار أمني عند الحدود السعودية-اليمنية (AFP)
استنفار أمني عند الحدود السعودية-اليمنية (AFP)

الاختبار اليمني لدى المملكة العربية السعودية يتلخّص بالتالي: تحقيق إنجاز عسكري يقود إلى تسوية سياسية، تستطيع المملكة أن تتعايش معها. حتى التسوية، التي سيخرج الحوثيون بحسبها مع تلبية نصف تعطّشهم فحسب، ستكون ضربة لإيران بل وربّما تعطي دفعة للقوات التي تقاتلها في الساحات الأخرى.

في النهاية، يكمن في العملية الجماعية بقيادة السعودية جانب إيجابي كبير لإسرائيل. تلفت هذه العملية الانتباه إلى التدخّل الإيراني في الدول الأخرى في الشرق الأوسط ونفوذها المتزايد في المنطقة، وهي تدلّ على أنّ التهديد النابع من إيران غير متعلّق فقط بجهودها في الحصول على السلاح النووي، وإنما أيضًا في سعيها الواضح لتصبح القوة الإقليمية الرائدة في المنطقة. من غير المستبعد، أن تساعد هذه العملية في إنشاء مصالح مشتركة بين إسرائيل والدول الأعضاء في التحالف السعودي.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع INSS

اقرأوا المزيد: 1370 كلمة
عرض أقل
الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود (AFP)
الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود (AFP)

المملكة العربية السعودية بعد عبد الله

وفاة ملك المملكة العربية السعودية عبد الله بن عبد العزيز، حارس النفط والأماكن المقدسة للمسلمين، يثير القلق بخصوص استقرار هذه الدولة الهامة وسياستها المستقبلية أمام كم التحديات التي تواجهها من الداخل والخارج

يسود في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها المفهوم أن الاستقرار السياسي فيها مُرتبط، بشكل وثيق، بصحة وحياة الحاكم الواحد الذي يترأسها. لذا، وفاة ملك المملكة العربية السعودية عبد الله بن عبد العزيز، حارس النفط والأماكن المقدسة للمسلمين، يثير القلق بخصوص استقرار هذه الدولة الهامة وسياستها المستقبلية أمام كم التحديات التي تواجهها من الداخل والخارج.

تكمن المصلحة العليا للعائلة المالكة في أن تبقى السلطة في يدها. لذا فهناك أهمية كُبرى لمسألة نقل السلطة في المملكة بشكل سلس، بقدر الإمكان. وربما، خلال أقل من عام واحد تم تعيين ثلاثة أولياء عهد – وهذا إثبات على أهمية هذه المسألة وضرورتها: طالما لا يتم تعيين ولي عهد من بين أحفاد ابن سعود، الوريث، وهذا يعني، ترك جيل جديد من القادة يهتم بقضايا المملكة المُعقدة، هذا الأمر سيهدد استقرارها.

ولي العهد السعودي الثاني مقرن بن عبد العزيز (AFP)
ولي العهد السعودي الثاني مقرن بن عبد العزيز (AFP)

العادة المُتبعة منذ عهد ابن سعود، والد عبد الله ومؤسس المملكة العربية السعودية العصرية، هو أن يورث الحكم بين أبنائه – بما في ذلك الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، ولي العهد ووزير الدفاع سلمان. تمت عملية انتقال الإرث حتى الآن بشكل سلس. وبالفعل، حقيقة أن الملك عبد الله لديه ولي عهد خبير مثل سلمان من شأنها أن تخفف القلق من حصول صراع على السلطة، الأمر الذي سيخلق فراغًا فيها. إلا أن سلمان، ابن الـ 80 عامًا، الذي يُفترض أن يتولى إدارة شؤون المملكة ليس معافى بشكل تام. تعرض لسكتة دماغية ويبدو أنه يُعاني من الخرف. عندما يتم تنصيب سلمان ملكًا، على ما يبدو، ستكون تلك أقصر ولاية لملك سعودي حتى الآن.

عيَّن الملك عبد الله في أذار من العام 2014، ولضمان استقرار الحكم في المملكة، الأمير مقرن، اليد اليُمنى للملك، البالغ 70 عامًا، وهو أصغر أبناء آل سعود، الذي لا يزال على قيد الحياة، وليًا ثانيًا للعهد. أجّلَ هذا التعيين، الذي دل على الرغبة بالاستمرارية بدل الاختيار الاستباقي والتغيير، انتقال القيادة في المملكة إلى جيل أحفاد ابن سعود.

كان مقرن، وهو طيار حربي، حاكم منطقة في المملكة ورئيس المخابرات، لكن طريقه إلى العرش مليئة بالعقبات: يعارضه الكثير من إخوته غير الأشقاء، خاصة كونه ابنًا لعائلة من أصل يمني. يُفترض، بسبب الوضع الصحي للأمير سلمان، أن يقوم الأمير مقرن بمهام الملك فعليًا. يمكن للأمير مقرن، في حال استطاع التغلب على المعارضة الداخلية له في العائلة وبفضل عمره الصغير نسبيًا وصحته الجيدة، أن يحكم لسنوات طويلة. إلا أنه، ليس هناك ما يمنع الأمير سلمان وهو ملك أن يُعيّن بدل مقرن ولي عهد آخر.

تريد العائلة المالكة، تفادي التأثير السلبي المُتعلق بالصراع على السلطة منعًا لتأثير ذلك على الاستقرار في المملكة. “قانون الأساس للحكم” من عام 1992، الذي حدد، بأن العرش ممكن أن ينتقل لجيل أحفاد ابن سعود، وأيضًا إقامة “مجلس البيعة” عام 2006، التي يكمن دورها في مساعدة الملك باختيار وريث العهد وترتيب إجراءات نقل السلطة – هذان الأمران وضعا البنية التحتية لعملية انتقال السلطة إلى الجيل القادم من الأمراء، ولكن ذلك كله من ناحية رسمية فقط. قد تكون هذه العملية مُعقّدة وتتخللها صراعات قوة مُتجددة داخل العائلة.

الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في جدة (AFP)
الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في جدة (AFP)

تبدو مسألة انتقال السلطة، في المملكة العربية السعودية، وكأنها حلقة من حلقات مسلسل تلفزيوني طويل، إلا أنه وفق هذه المفارقات التاريخية تُدار هذه المملكة، التي تسيطر على أكبر احتياطي للنفط في العالم والتي تضم بين حدودها أكثر الأماكن المقدسة بالنسبة للمسلمين. تم وضع قوانين انتقال الحكم في السعودية من قِبل الملك ابن سعود، بما يتلاءم مع الاحتياجات الخاصة للملكة، وبما يناسب الظروف والتركيبة السياسية التي تبلورت فيها. ساهم نقل السلطة بين أبناء الجيل الواحد على استقرار الحكم لسنوات طويلة، ولكنه ترك مشكلة، تنبع بالأساس من كبر سن المرشحين المُؤهلين. هكذا أدى الصراع على السلطة، الذي يحدث خلف الكواليس، إلى تورط الكثير من الأُمراء فيه.

إلى أي حد مهمة هوية الملك القادم؟ يبدو، بشكل عام، أنه ليس هناك خلاف جوهري بين الأُمراء بموضوع الأمن القومي. إلا أن السياسة السعودية كانت في الماضي مُرتبطة بشكل كبير بشخصية وتوجهات الملك. رغم أن القرارات عادة تُتخذ بعد المشاورات والتوافق بين المسؤولين الكبار في عائلة آل سعود، إلا أن الملك هو الآمر الأخير. سيُنهي رحيل الملك عبد الله مرحلة هامة في تاريخ المملكة العربية السعودية. صحيح أن عبد الله تسلم الحكم في عام 2005 إلا أنه يُدير الأمور فعليًا منذ آخر 20 عامًا منذ أن أُصيب شقيقه، الملك فهد، بسكتة دماغية جعلته لا يستطيع تأدية مهامه. قام الملك عبد الله بإدخال الكثير من الإصلاحات (حسب المفهوم السعودي)، وخاصة في مسألة مكانة المرأة. جدير بالذكر أن مبادرة السلام العربية، التي تم تقديمها لإسرائيل (مقابل تنازلات) “علاقات طبيعية” مع العالم العربي والإسلامي، هو الذي قام بتقديمها. ليس معروفًا إلى أي حد يمكن لإسرائيل أن تتبنى هذه المبادرة أو أن تكون قاعدة للتفاوض، وإلى أي حد يمكن للعالم العربي، بوضعه الحالي، الالتزام بهذه المبادرة. إلا أن الملك عبد الله، أكثر من سابقيه، أجاز إقامة علاقات مُعيّنة، طالما ظلت سرية، مع إسرائيل.

ولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز (AFP)
ولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز (AFP)

فضلًا عن ذلك، استطاع عبد الله أن يقود المملكة في بحر التقلبات والفوضى التي تعصف بالعالم العربي في السنوات الأخيرة. قام عبد الله تدريجيًّا، منذ بداية الأزمة في المنطقة، بتعيينات هامة، وربما ذلك كان نتيجة خوفه من تأثير ذلك على استقرار المملكة. قام بترقية ابنه متعب، المسؤول عن الحرس الوطني، ليتولى منصب وزير في المجلس الحكومي المُصغر (طلب عبد الله، على ما يبدو هذا الأمر من مقرن لقاء تعيينه، لكي يقوم مُستقبلاً بتعيين متعب وليًا للعهد). كذلك قام الملك عبد الله بتعيين ابنه الثالث، عبد العزيز، نائبًا لوزير الخارجية، سعود الفيصل. يعاني الفيصل أيضًا، الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 1975، من وضع صحي سيء وتُشير التقديرات إلى أن عبد العزيز سيشغل هذا المنصب بعد رحيل الفيصل. كذلك قام الملك بتعيين ابنه مشعل حاكمًا لأهم منطقة بالنسبة للمسلمين وثاني أهم منطقة بالنسبة للمملكة، مكة، وابنه السابع، تركي، حاكمًا للعاصمة الرياض.

تضع هذه التعيينات في مصلحة العائلة المالكة مُرشحين مناسبين ذوي خبرة، من جيل أحفاد ابن سعود، الذين يمكنهم مُستقبلاً تسلم مناصب هامة. إلا أن هذه محاولة من قِبل عبد الله لمنح أبنائه أفضلية في الصراع المُستقبلي على العرش. هناك مرشح آخر يتم التحدث عنه على أن لديه فرصة وفيرة ليحظى بالعرش، إلى جانب متعب، هو محمد بن نايف، وزير الداخلية السعودي. رغم أن إنجازاته في مسألة محاربة الإرهاب هي أمر خلافي، إلا أن لديه علاقات جيدة ويحظى باحترام كبير من نظرائه في الغرب.

يبدو أن العالم العربي يعيش أصعب ظروف له وسيكون للاستقرار السياسي في المملكة العربية السعودية أثر على كامل الوضع العربي. شكّل النفط والغاز إلى هذا الحين أداتين استخدمتهما دول الخليج من أجل تصميم شكل الشرق الأوسط: حيث تقوم حكومات تلك الدول بدعم نظام وزعزعة نظام آخر. هذا إضافة إلى المصلحة الجيو – استراتيجية (وأحيانًا – الطائفية) الخاصة بهم. إن بقيت أسعار النفط كما هي الآن لفترة طويلة، سيبدأ بالتدريج اللعب بالاحتياطي السعودي (750 مليار دولار تقريبا) ومعه القدرة على منح لاعبين آخرين – مثل مصر والأردن ولكن، أيضًا للمواطنين السعوديين أنفسهم – دعامة اقتصادية.

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع مركز الأبحاث القومية INSS

اقرأوا المزيد: 1061 كلمة
عرض أقل
أسرى الدولة الإسلامية في تكريت قبل إعدامهم  (AFP)
أسرى الدولة الإسلامية في تكريت قبل إعدامهم (AFP)

العواقب الاستراتيجية لتفكّك العراق

جميع الدول المجاورة للعراق بما في ذلك الولايات المتحدة تتواجد في ائتلاف غير رسمي، ولكلّ منها أسبابها التي تجعلها متوترة وربما قلقة كثيرًا على ضوء التأثيرات المباشرة وطويلة الأمد للتطوّرات الأخيرة في العراق

إنّ سقوط مدن رئيسية في العراق بيد المتطرّفين السنّة، الذين ينتمون للتنظيم السنّي “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، قد يؤدي إلى تأثيرات تتجاوز حدود تلك الدول. في العراق نفسه، سيتعزّز اتجاه التقسيم الفعلي للبلاد، وهي عملية بدأت مع سقوط نظام صدام حسين في الغزو الأمريكي عام 2003. والكيان المستقلّ لكردستان هو حقيقة ثابتة تعترف بها جميع الجهات الإقليمية. إنّ سيطرة العناصر السنّية على المناطق في وسط العراق قد تؤدّي، إنْ لم تتوقف، إلى إقامة كيان سنّي مستقل حتى الوسط، بحيث يسقط جنوب العراق كثمرة ناضجة في يد إيران. في هذه الحالة، سيتحوّل العراق إلى مصدّر للإرهاب حيث ستستغلّ التنظيمات المختلفة فيه ضعف سوريا لتوسعة نشاطها في الشرق الأوسط.

العواقب الاستراتيجية لتفكّك العراق (AFP)
العواقب الاستراتيجية لتفكّك العراق (AFP)

ومن المفارقة، فجميع الدول المجاورة للعراق بما في ذلك الولايات المتحدة تتواجد في ائتلاف غير رسمي حيث أنّ لكلّ واحدة أسبابها للاهتمام وربّما للكثير من القلق على ضوء التأثيرات المباشرة وطويلة الأمد للتطوّرات الأخيرة في العراق. إنّ إضعاف قبضة الحكومة العراقية المركزية في أجزاء الدولة المختلفة يخدم ربّما المصالح الإيرانية في توسيع نفوذها وإمكانية إنشاء ارتباط برّي للسيطرة الإيرانية مع سوريا وحزب الله. ولكن هذا الانتصار للعناصر السنّية التي لم تعتمد على المساعدة الإيرانية لن يُعتبر إنجازًا في طهران. إنّ احتمال سقوط مدن مهمّة للشيعة كالنجف وكربلاء بيد التنظيم السنّي يبدو في طهران وكأنّه كابوسًا.

جميع الدول المجاورة للعراق بما في ذلك الولايات المتحدة تتواجد في ائتلاف غير رسمي حيث أنّ لكلّ واحدة أسبابها للاهتمام وربّما للكثير من القلق على ضوء التأثيرات المباشرة وطويلة الأمد للتطوّرات الأخيرة في العراق

تنظر تركيا هي أيضًا إلى التطوّرات بقلق حيث أنّ سيطرة العناصر الإرهابية على الأراضي المحاذية لحدودها، تزيد قلقها من نشوء مساحة في الجنوب منها، والتي تمتدّ على أجزاء من سوريا والعراق، من شأنها أن تشكّل مصدر إزعاج للأمن والذي قد يُنشئ حالات تجبر النظام في أنقرة على اتخاذ خطوات عسكرية قد امتنع عنها حتى الآن. ستضطرّ تركيا، مع طابعها المسلم السنّي، إلى متابعة تسلّل العناصر المنتمية إلى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إلى أراضيها.

وتراقب الأردن أيضًا التطوّرات في العراق بقلق. ولقد أدّت الحرب الأهلية السورية إلى ما يزيد عن مليون لاجئ سوري يبحثون عن مأوى في الأردن. وكذلك، أدّت الحرب في العراق عام 2003 إلى أن يقطع أكثر من نصف مليون مواطن في البلاد الحدود إلى الأردن. رغم أنّ بعضهم قد عاد بعد مرور عدّة سنوات، ولكن الشتات العراقي في الأردن لا يزال تعداده يبلغ أكثر من ربع مليون شخص. وسيزداد الشتات دون شكّ قريبًا على ضوء الهروب الجماعي الذي بدأ من المناطق التي احتِلّتْ من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. ولكن هذه التطوّرات هي مجرّد جزء من عوامل القلق في عمّان. تُنشئ حدود الأردن مع سوريا والعراق ضغطًا كبيرًا على الجيش والأجهزة الأمنية الأردنية. حتى لو استخدم اللاجئون من العراق معبر الكرامة فقط (الوحيد في الحدود المشتركة) واللاجئون من سوريا معبري الرمثا وجابر على الحدود مع سوريا – دون محاولة عبور الحدود – فستجد تلك الأجهزة صعوبة في أن تمنع تمامًا تسلّل الخلايا الخامدة بل والنشطة إلى داخل أراضي المملكة. ومن الجدير ذكره أنّ المعبر في الحدود مع العراق يتواجد في محافظة الأنبار التي حظي تنظيم “الدولة الإسلامية” فيها بنجاحات كبيرة منذ بداية العام 2014. لقد تعاملت السلطات الأردنية حتى الآن بنجاح مع المخاطر الناتجة عن مشاكل داخلية سياسية واقتصادية. من شأن التطوّرات الأخيرة في سوريا والعراق أن تغيّر التوازن الداخلي الراهن.‎ ‎

إعدامات جماعية” لجنود عراقيين في تكريت (AFP)
إعدامات جماعية” لجنود عراقيين في تكريت (AFP)

وتنظر دول الخليج هي أيضًا بقلق إلى التدهور الداخلي في العراق والرسوخ الإقليمي للتنظيمات المتطرّفة التي تفتقد الالتزام بالأنظمة المحافظة على الإطلاق، رغم كونها ذات انتماء ديني سنّي. إنّ إضعاف النظام المركزي في بغداد، رغم كونه شيعيّا في أساسه، والذي سيسمح بحرّية عمل أكبر في الجزء الشمالي من الخليج؛ لن يُمكن قبوله في دول الخليج، التي تعيش بالفعل في محنة على ضوء تراجع المصالح الأمريكية في المنطقة، وسيؤدي إلى قلق. من المبكّر أن نقيّم تأثيرات سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على منشآت النفط الرئيسية في العراق، بما في ذلك منشآت التكرير. قد يؤثّر هذا الأمر مع مرور الوقت على القدرة على تصدير النفط من العراق، وبشكل غير مباشر على استقرار أسعار الطاقة.

ستضطرّ الولايات المتحدة على أخذ دور الريادة، ولكن قبل ذلك ستحتاج إلى اتّخاذ بعض القرارات بخصوص المنطق من وراء تسليح الجيش العراقي بالسلاح المتطوّر

ومن المفارقات، أن ينشأ نوع من التحالف بين الدول التي لديها مصلحة في القضاء على توطيد وجود “الدولة الإسلامية” وهي لا تزال في بدايتها. في العراق نفسه، بدأ تعاون بين القوة العسكرية الكردية، “البشمركة”، مع الجيش العراقي بهدف منع تقدّم قوات “الدولة الإسلامية”. والمسألة الفورية التي تقف أمام الولايات المتحدة هي تسليح الجيش العراقي. إنّ جزء كبير من كمّيات السلاح، هو من صناعة الولايات المتحدة، والذي سقط في الأيام الأخيرة بيد التنظيم؛ ويُطرح السؤال بخصوص الخطر المتعلّق بتسليح الجيش العراقي أو الثوّار “الجيّدين” في سوريا بالأسلحة المتطوّرة.

جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)
جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)

تطرّق رئيس الولايات المتحدة أوباما في خطابه في ويست بوينت في 28 أيار عام 2014 طويلا لسؤال القتال بما أسماه الإرهاب الناشئ ليس من القاعدة وإنما من التنظيمات المتفرّعة عن القاعدة والتي لا تخضع للسيطرة المركزية لهذا التنظيم. وأوضح أوباما الذي لم يرفض في خطابه هذا عملية أمريكية من جهة واحدة فيما لو تعرّضت حليفة أمريكا للخطر، وأنشأ شعورًا بأنّه في حالة مثل هذه التي تجري في العراق، سيفضّل العمل مع شركاء آخرين. حظي تنظيم “الدولة الإسلامية” باهتمام واسع في خطاب مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، آن باترسون، الذي جرى في منتدى الولايات المتحدة: العالم الإسلامي في قطر بتاريخ 9 حزيران عام 2014 حيث قالت: “أعتقد أنّنا نستطيع فعل الكثير معًا، أن نحتوي وأن نصدّ التهديد الذي تضعه “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، والطموحات في الشام لإقامة دولة إرهابية غربيّ العراق وشرقيّ سوريا”. وأضافت، على الولايات المتحدة ودول المنطقة أن تعمل معًا للتغلّب على الخلافات وإيجاد حلول مستدامة للتهديد.

مقاتلون من داعش في العراق (AFP)
مقاتلون من داعش في العراق (AFP)

ستضطرّ الولايات المتحدة على أخذ دور الريادة، ولكن قبل ذلك ستحتاج إلى اتّخاذ بعض القرارات بخصوص المنطق من وراء تسليح الجيش العراقي بالسلاح المتطوّر. وهو سؤال صعب ويختلف تمامًا ويرتبط بتفكير إيران بطرق التعامل مع الوضع الجديد في العراق. قد تحاول إيران أن تخرّب الجهود المشتركة إنْ لم تشترك بها بطريقة أو بأخرى، وسترى نفسها جديرة بالحصول على مقابل في المجال النووي وعلى الأقل في كلّ ما يتعلّق بتخفيف العقوبات. إنّ مشاركة إيران، دون علاقة بتصرّف سوريا وتعاونها الوثيق مع حزب الله، تبدو غير ممكنة ومن الواضح من جميع وجهات النظر أن النظرة لإيران في السياق العراقي تنطوي على الكثير من المشاكل. والسؤال المثير للاهتمام هو: هل تمّ طرح الموضوع في المحادثات الثنائية التي أجرتْها الولايات المتحدة وإيران قبل بضعة أيام، أم إنّ هذه المحادثات تطرقت إلى القضية النووية فقط. وأيضًا فإنّ علاقة دول الخليج بتلك القضية غير واضحة، رغم أنّها من الممكن أن ترى في القضية العراقية فرصة أخرى لفحص القدرة على فتح صفحة جديدة في العلاقات مع إيران.

ليس هناك شك أنّ نوايا قادة  تنظيم “الدولة الإسلامية” وتوطيد تواجده في الأراضي وغيرها، تشكّل تهديدًا أمنيًّا محتملا لإسرائيل

إنجازات “الدولة الإسلامية في العراق والشام” هي علامة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط رغم عدم وجود سابقة مشابهة بشكل تامّ. ولقد سبقها نجاح حزب الله في التحوّل إلى قوة سياسية رائدة في لبنان وسيطرة حماس على غزة. وثمة خطر أن تتحوّل هذه الإنجازات لحالة من التدفّق الدائم لجميع المشاركين المباشرين وأيضًا للولايات المتحدة. ولذلك، هناك قلق في أن تتحوّل هذه الإنجازات إلى نصر باهظ الثمن، فإذا تجنّدت دول المنطقة، تحت قيادة أمريكا، لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” فسيجد مقاتلوه الأكثر حماسة صعوبة في الوقوف ضدّ ما سيوضع في الحملة ضدّهم سواء من ناحية نوعية الأسلحة أو من ناحية الخطوات التي سيتمّ اتّخاذها لقطع أنابيب تمويل هذا التنظيم.‎ ‎

تهتم إسرائيل بطبيعة الحال اهتماما كبيرًا بنجاح الحرب ضدّ إنشاء “الدولة الإسلامية” في أيّ منطقة في الشرق الأوسط. حتى لو كانت جهود التنظيم في هذه المرحلة غير موجّهة ضدّ إسرائيل، فليس هناك شك أنّ نوايا قادة هذا التنظيم وتوطيد تواجده في الأراضي وغيرها، تشكّل تهديدًا أمنيًّا محتملا لإسرائيل.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي ‏INSS‏

اقرأوا المزيد: 1228 كلمة
عرض أقل
مقاتلو جبهة النصرة (AFP)
مقاتلو جبهة النصرة (AFP)

العودة الدمويّة: “خرّيجو” سوريا واستقرار السعودية

وجود المقاتلين في سوريا وعودتهم إلى بلادهم الأصلية قد يشكلان مشكلة أمنية بالنسبة لدول كثيرة في المنطقة وخارجها، وليس بسبب عدد المقاتلين الكبير وعدد الدول الكثيرة التي يصلون منها فحسب

وجود المقاتلين في سوريا وعودتهم إلى بلادهم الأصلية قد يشكلان مشكلة أمنية بالنسبة لدول كثيرة في المنطقة وخارجها، وليس بسبب عدد المقاتلين الكبير وعدد الدول الكثيرة التي يأتون منها فحسب. فهذه الظاهرة ليست جديدة بالنسبة للسعودية. وكان السعوديّون منخرطون في القتال في دول أجنبية منذ فترة الجهاد ضدّ السوفيات في أفغانستان في سنوات الثمانينات، بل وكانوا يشكّلون جزءًا كبيرًا فيما بعد بين أوساط خرّيجي أفغانستان من الجيل الثاني، والذين تدرّبوا في تلك البلاد من سنوات التسعينات، وهم يشكّلون اليوم إحدى المجموعات الأجنبية المقاتلة الكبيرة في سوريا.‎ ‎

أدّت المعركة بين نظام الأسد وحلفائه وبين مجموعات الثوّار المختلفة، والتي من بينها عناصر سلفيّة جهادية، تتواصل بشكل مباشر وغير مباشر مع تنظيم القاعدة، إلى تيّار من المتطوّعين الأجانب الذين طلبوا دعم الأطراف المتحاربة. بينما تجنّد رعاة النظام من الإيرانيين وحزب الله اللبناني لصالح قوى النظام، فتجنّد عدد كبير من المتطوّعين من الشرق الأوسط، شمال إفريقية، آسيا بل ومن أوروبا وأمريكا الشمالية، جميعًا لصالح المعارضة. وتأسست بمساعدة وتمويل الجمعيات الخيرية والداعمين من السعودية ودول الخليج فصائل المعارضة المختلفة في سوريا كقوى مقاتلة مستقلّة. يشكّل العدد الكبير نسبيًّا للشباب القادمين من شبه الجزيرة العربية للقتال في سوريا، وخطر عودتهم إلى بلادهم الأصلية، مشكلة أمنية كبيرة.

هل يعود خريجو سوريا الى منازلهم لمحاربة حكام بلادهم (AFP)
هل يعود خريجو سوريا الى منازلهم لمحاربة حكام بلادهم (AFP)

‎ ‎بينما كانت الفصائل تقاتل النظام وتقاتل بعضها البعض، استمرّ التوجّه لدخول المتطوّعين الأجانب لسوريا، بشكل أساسيّ من تركيا ولكن من لبنان والأردن أيضًا، بهدف تعزيز الجهود ضدّ نظام الأسد. من الممكن أن يشكّل هؤلاء المتطوّعون، الذين يقدّر عددهم بالآلاف، تهديدًا خطرًا على استقرار وأمن بلادهم الأصلية، حيث كان “خرّيجو أفغانستان” في سنوات التسعينات عاملا مقوّضا للاستقرار حين عادوا إلى شبه الجزيرة العربية. كانت تلك العناصر التي حاربت السوفيات إلى جانب قوات طالبان، كادرًا واسعًا من المجنّدين، الذين بنوا روابط اجتماعية، وراكَموا خبرة عملية كبيرة وشكلوا أساسا للتعاون الإقليمي الذي تطوّر ليصبح تهديدًا للأنظمة “المعتدلة” في الشرق الأوسط.

فهناك أدلّة على مشاركة “خرّيجي” سوريا في نشاطات إرهابية في بلادهم الأصلية وفي ساحات قتال في الشرق الأوسط، ومن بينهم عناصر تنظيمات الجهاد العالمي، الذين يستندون إلى التجربة القتالية التي راكموها في سوريا. هكذا على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن نشاطات “خرّيجي سوريا” في مصر بعد أن انضمّوا لتنظيم “أنصار بيت المقدس”، الذي يعمل في سيناء ضدّ قوى الجيش المصري وضدّ أهداف على الحدود الإسرائيلية والذي يضرب في مصر نفسها أيضًا؛ أهدافًا حكومية، أمنية واقتصادية. ساهم العنف الطائفي في لبنان بين الشيعة الداعمين للنظام والسنة الداعمين للمعارضة في عودة “المتطوّعين” من سوريا.‎ ‎

بعد الدعم المعنوي، الاقتصادي والتنظيمي، الرسمي وغير الرسمي، للمعارضة ضدّ الأسد؛ تواجه دول الخليج نتائج أعمالها وتخشى من حالة يتمرّد فيها المصنوع على صانعه

وحذّرت أجهزة أمنية غربية من الخطر الكامن في عودة المسلمين، من “خرّيجي” سوريا إلى بلادهم، حيث يملكون خبرة، وتدريب وعلاقات أكبر. في هذه المرحلة، لا يمكن الإشارة إلى عمليات إرهابية في الغرب من قبل أولئك العائدين من سوريا، ولكن استيضاح القلق من عمليات مستقبلية كهذه يقبع في مكانة مهمّة جدّا في سلّم الأوليات لدى الأجهزة الأمنية الغربية.

فتعيش السعودية ودول الخليج حالة أكثر تعقيدًا. فبعد الدعم المعنوي، الاقتصادي والتنظيمي، الرسمي وغير الرسمي، للمعارضة ضدّ الأسد؛ تواجه هذه الدول الآن نتائج أعمالها وتخشى من حالة يتمرّد فيها المصنوع على صانعه. وكما ذكرنا، فقد نشط في الماضي رجال القاعدة من “خرّيجي” أفغانستان الذين عادوا إلى المملكة ونفّذوا فيها سلسلة من الهجمات. وبعد صراع طويل، تمكّنت السلطات السعودية من إيقاف نشاط الكثير من قادة هؤلاء واعتقالهم. واستطاع القليل من تلك العناصر الهروب والانضمام إلى الفرع المحلّي للقاعدة في اليمن وأقاموا “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، وهو الفرع الذي يعتبر في الغرب الأخطر من بين شركاء القاعدة.‎ ‎

مراسم تشييع أحد مقاتلي حزب الله في سوريا (AFP)
مراسم تشييع أحد مقاتلي حزب الله في سوريا (AFP)

يقوم هذا التنظيم بتنفيذ عمليات إرهابية كثيرة وبشكل أساسي في اليمن، من بينها عمليات انتحارية كثيرة القتلى، وهو يعمل ضدّ قادة النظام اليمني والجيش. وقد ظهرت أدلّة المساهمة المحتملة للعائدين من سوريا مؤخرًا، حين نُشر أنّه تمّ الكشف في السعودية عن تنظيم إرهابي، والذي كان على تواصل مع عناصر من القاعدة في اليمن وفي سوريا وخطّط لسلسلة من الهجمات ضدّ أهداف حكومية، ومسؤولين في النظام وممثّلين أجانب في السعودية. ويبدو أنّ هذا التوجّه هو الذي كان يقف من وراء إعلان السلطات في الرياض أنّها تراجعت عن الدعم الكبير لقوى المعارضة، بل وحظرت بمرسوم ملكي أن يدعم مواطنيها أو ينظّموا أو يشاركوا في الحرب السورية، وفي مناطق أخرى.‎ ‎

ويعتبر هذا الحظر تغيّيرًا على ضوء دعم الأسرة السعودية المالكة الأول للمتطوّعين. فيخشى السعوديون من المشاركة المتزايدة لإيران في الساحة السورية، ولكنهم منزعجون بشكل لا يقلّ عن ذلك من تصاعد قوّة المعارضة الإسلامية المتطرّفة الداخلية لحكمهم بسبب عودة الشبان السعوديين إلى المملكة. إنّ الاستثمارات الكبيرة في الدعاية ضدّ المشاركة في الحرب السورية، والجهود لمكافحة المتطوّعين والمنظّمين وأيضًا إنشاء عقبات مادية لمنع خروج العناصر إلى خارج حدود المملكة، تعزّز هذا الافتراض. ومع ذلك، فإنّ الدعم السابق والعدد الكبير للعناصر التي خرجت من حدود المملكة (نحو 1000، ومن بينهم أكثر من 200 قُتلوا في المعارك)، قد يلعب دورًا ضدّ السلطات في الرياض.‎ ‎

وعلى ضوء المشاركة والدعم الكبير الذي أعطيَ لفصائل المعارضة المتطرّفة من السعودية ودول الخليج، فهناك مخاوف من أنّ تتواصل عناصر متطرّفة مع تنظيمات معارضة قائمة أو أن تنشئ منظّمات تخريبية جديدة في دول الخليج المختلفة. ونظرًا إلى أنّ قوات الأمن والشرطة لم تقم بوظيفتها إزاء المتطوّعين الذين خرجوا للقتال في سوريا، فهناك خطرًا بأن تتسلّل عناصر متطرّفة إلى داخل أجهزة السلطة والأمن في تلك الدول وأن تشكّل “طابورًا خامسًا” في الصراع ضدّ المعارضة الإسلامية المتطرفة والقائمة هناك.

مجاهد في صفوف جبهة النصرة في سوريا (AFP)
مجاهد في صفوف جبهة النصرة في سوريا (AFP)

هناك من يعتبر أنّ الجهاد ضدّ السوفيات في أفغانستان في سنوات الثمانينات هو المرة الأولى في العصر الحديث التي تحدث فيها ظاهرة المقاتلين الأجانب في السياق العربي السنّي. وفي الواقع، فإنّ معظم المتطوّعين العرب بين السنوات 1979 – 1992 قدِم من السعودية. واستمرّت هذه الظاهرة في سنوات التسعينات في الشيشان وفي وقت لاحق في البوسنة وفي العراق، مع كون السعوديين المجموعة الأجنبية الأكبر، والتي تقاتل إلى جانب المحلّيّين في تلك الدول. والأمر صحيح في كلّ ما يمكن أن يُقال عمّا يحدث اليوم في سوريا، حيث تضع التقديرات السعودية باعتبارها الدولة الأجنبية ذات عدد المصابين الأكبر في صفوف المتطوّعين.‎ ‎

بينما لم تقم الرياض بأي خطوة من أجل منع أولئك المقاتلين من السفر إلى سوريا بل قامت بتشجيعهم، تبذل الأسرة المالكة اليوم جهودًا كبيرة من أجل منع العنف لدى عودة هؤلاء إلى المملكة. في بداية شهر شباط عام 2014، أعلنت الحكومة عن مرسوم ملكي ينصّ على أنّ كلّ مواطن سعودي يقاتل في الصراعات التي هي خارج البلاد سيُسجن. بعد شهر من ذلك، تم إدخال بعض تلك التنظيمات إلى قائمة التنظيمات الإرهابية.

معظم المتطوّعين العرب بين السنوات 1979 – 1992 قدِم من السعودية. واستمرّت هذه الظاهرة في سنوات التسعينات في الشيشان وفي وقت لاحق في البوسنة وفي العراق

إنّ عودة “خرّيجي سوريا” إلى السعودية قد يطعن بالكفاءة النسبية التي أظهرتها عناصر الأمن السعودية في صراعها ضدّ الإرهاب. هذا هو الحال خصوصًا على ضوء ما يبدو أنّه محاولات متكرّرة للإضرار بكبار الشخصيات وبمرافق استراتيجية في المملكة. لقد تمّت مقاومة موجة الإرهاب التي ضربت المملكة في منتصف العقد الماضي، بواسطة عملية، ثمة جدل حول مدى نجاحها، وأساسها “تأهيل” العناصر الإرهابية. والآن ففي نيّة السعوديين أن يفتتحوا مراكز “تأهيل” أخرى إلى جانب المركز العامل في الرياض. إنّ حقيقة أنّ السعوديين، ومعهم دول أخرى من دول الخليج، يتّخذون خطوات إيجابية في هذه القضية تدلّ على مدى خطورة التهديد الذي تشكّله عودة “خرّيجي” سوريا على الأنظمة وعلى المصالح الغربية في أراضيها.‎ ‎

للخلاصة، فإنّ التهديد الذي تشكّله عودة المتطوّعين من “خرّيجي سوريا” إلى بلادهم الأصلية بشكل عام وإلى السعودية ودول الخليج بشكل خاصّ، يؤدّي إلى حدوث مراجعة على ضوء الأهمّية الاستراتيجية لتلك الدول، وهو أمر يُلزم بالتعاون الإقليمي، اليقظة والرقابة السياسية والاستخباراتية. إنّ “استيراد” معارضة مسلّحة، مدرّبة، لديها خبرة ومتطرّفة إلى شبه الجزيرة العربية قد يجلب معه تأثيرات إقليمية، دولية، اقتصادية وجيوسياسية كبيرة، ولذلك يلزم أن يكون هناك رصد دقيق من قبل الولايات المتحدة، إسرائيل وعناصر إقليمية ودولية أخرى.‎ ‎

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي ‏INSS‏

اقرأوا المزيد: 1225 كلمة
عرض أقل
قادة دول المجلس في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية (AFP PHOTO / SPA)
قادة دول المجلس في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية (AFP PHOTO / SPA)

الإسلام السياسي في موقف دفاعي

الصراع الحالي بين دول الخليج، والذي يعكس أحد التحديات الأكثر صعوبة لمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه 1981، يؤكّد مستوى الغضب والإحباط من السياسة القطرية في منطقة الخليج وخارجها. السعودية تعتقد أنّ السياسات والإجراءات القطرية تضعف مجلس التعاون الخليجي وأيضًّا دولا عربية مهمّة أخرى مثل مصر، والتي تحاول إجراء انتخابات للرئاسة والبرلمان وإنهاء العملية السياسية التي بدأت مع إسقاط الرئيس محمد مرسي في تموز الماضي. إنّ الانقسام بين دول الخليج، والذي يدور بطبيعة الحال حول مهمّة ومكانة الإسلام السياسي، قد تكون له عواقب أيضًا إزاء دور إيران ومكانتها

مع بدء الاضطرابات الإقليمية حظي الإسلام السياسي بإنجازات كبيرة. ولكن منذ ذلك الحين، تقف الحركات الإسلامية السنّية في العالم العربي، والتي اتخذت لنفسها طابعًا سياسيًّا؛ تقف موقفًا دفاعيًا، سواء كانت حركة “الإخوان المسلمون” والتي هي أقدم الحركات أو حركات أحدث. من تونس وحتى الخليج، أظهرت الأنظمة العربية تصميمًا ووقوفًا ضدّ محاولة فرض التفسير الإسلامي المتطرّف على أسلوب الحياة. إذا كان هناك أرضية مشتركة ما بين ظواهر الاحتجاج المعادية لرجال الدين فتلك هي السعودية التي تهدف إلى منع الاضطرابات، تحييد العناصر المهدّدة، تثبيت الأنظمة ومحاولة التأثير قدر الإمكان على العناصر الإسلامية في الخليج وخارجه.

إنّ دور الإسلام السياسي ومكانته، وخصوصًا الموقف من حركة “الإخوان المسلمين” والتنظيمات المرتبطة بها، بقيت حجر عثرة في العلاقات بين دول الخليج. وكدليل على ذلك، ففي 5 آذار 2014 أعلنت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والبحرين، عن سحب سفرائهم من قطر. وذلك بسبب دعم الأخيرة لحركة “الإخوان المسلمين”، وهي الحركة التي يعتبرونها هدّامة وتهدّد استقرارهم. بعد عدّة أيام من ذلك وضعت السعودية، أشبه بمصر، التنظيم على قائمة المنظمات الإرهابية بل واعتقلت، مع الكويت في وقت واحد، بعض أنصار الحركة.

ويشير تصرّف بعض الملوك بشكل واضح إلى القلق المتزايد الذي تشكّل خلال فترة حكمهم من تهديدات الإسلام السياسي. وكمثال على ذلك في المحاكمات ضدّ نحو مائة عضو لتنظيم “الإصلاح”، وهو التنظيم التابع للإخوان المسلمين، في الإمارات العربية المتحدة. وذلك بخلاف قطر التي تتعاطف وتدعم أفكار الحركة. ليس فقط أن يوسف القرضاوي يسكن في قطر، وهو المرجع الديني الأعلى للإخوان المسلمين، وإنّما تمكّنه من توجيه برنامج أسبوعي في قناة الجزيرة، حيث ينفّي هناك عن تعاليمه السامّة، بما في ذلك حول موقف بعض دول الخليج من الإخوان المسلمين. كانت العلاقة بين قطر والسعودية متوتّرة خاصّة بعد الاستيلاء على السلطة في قطر من قبل حمد بن خليفة 1995، وهو الأمر الذي أثّر سلبيًّا على أداء دول مجلس التعاون الخليجي (ونتيجة لذلك لم يكن للسعودية سفير في الدوحة بين السنوات 2002-2007). في الوقت الراهن أيضًا، فإنّ هذه السياسة إزاء العناصر الإسلامية تؤدي إلى توتر بين دول الخليج وتنشئ تصدّعات في الوحدة التي شكّلها “الربيع العربيّ” (والتي تمثّلت على سبيل المثال بالمعارضة المشتركة للقذافي والأسد).

القلق الخاص في السعودية من داعمي الإسلام السياسي مرتبط بحقيقة أن الأخير يقترح منهجًا بديلا للهياكل الحكومية القائمة، والتي توفّر إطارًا سياسيًّا إلى جانب الشرعية الدينية. إنّ الإسلام السياسيّ ليس فقط خيارًا لمنهج بديل – والديمقراطية الغربية كذلك – وهو ليس مجرّد منافس للمناهج القائمة التي تدمج الإسلام مع الدولة – كالعلاقة بين عائلة آل سعود وبين المؤسسة الدينية الوهابية – وإنما هو يعكس تهديدًا للنظام القائم. بكلمات أخرى، بسبب المكوّن الديني الذي فيه، ولأنّ الكثير من الحركات تدعم الانتخابات الديمقراطية وتشارك بها، فهو يقترح بديلا حقيقيًا وجذّابًا للقيادة القديمة، والتي أثبتت نفسها كقادرة على إسقاط حكومات في دول مثل مصر وتونس. فضلًا عن ذلك، ففي المجتمع القبلي، كالذي في دول الخليج، يعتبر الإسلام السياسي تقويضًا للنظام الاجتماعي وقواعده، وللتسلسل الهرمي ومجموعة النخبة التي تقود القبيلة.

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة ال ثاني (AFP)
أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة ال ثاني (AFP)

     أيضًا خارج الخليج هناك مجموعات تابعة للإخوان المسلمين في موقفها الدفاعي. اضطرّ حزب “النهضة” التونسيّ، الذي يمثّل الحركة الإسلامية المعتدلة والذي فاز بالانتخابات مباشرة بعد إزالة الديكتاتور زين العابدين بن علي، إلى نقل السلطة في شباط 2014 لحكومة تكنوقراط حتى الانتخابات التي سيتم إجراؤها في وقت لاحق هذا العام. فشلت الحكومة في قيادتها للمجالات الاقتصادية – الاجتماعية ولم تنجح في تحسين الحالة الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، فقد اتّهمت بالتساهل مع الحركة الإسلامية الأكثر تطرّفًا والتي حاولت ميليشياتها فرض نمط حياة إسلامي في تونس. تحت ضغوط أمريكية وأوروبية، وأيضًا من داخل المشهد السياسي التونسي، تخلّت “النهضة” عن هدفها في إقامة دولة إسلامية، والتي تُدار وفق قوانين الشريعة الإسلامية. في كانون الثاني 2014 تم اعتماد دستور ليبرالي بطابع يحفظ مكانًا للنمط الإسلامي والعربي للدولة.

كانت قبضة “الإخوان المسلمين” على مقاليد السلطة في مصر قصيرة الأجل (بين نهاية حزيران 2012 حتى بداية تموز 2013). أعاد الجيش المصري السلطة إلى يديه، في ما بدا وكأنه انتهاز للاحتجاجات الشعبية المدنية ضدّ “خطف” ثورة 25 كانون الثاني 2011 من قبل الحركات الإسلامية المصرية. وستقرّر الانتخابات القريبة في تموز فيما إذا كان الرئيس القادم سيأتي مجدّدًا من داخل الجيش، كما كان الحال بين 1952 حتى 2014 باستثناء السنة الوحيدة لرئاسة محمد مرسي. في مصر أيضًا، يعكس استعداد السعودية لدعم الجيش المصري، في تحدّ لواشنطن ومع تدفّق الأموال للحكومة المصرية، يعكس ذلك عامل مهمّ في الصراع على السلطة في دولة تضرّر اقتصادها بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

في الأردن، فإنّ مزيجًا من الأخطاء التكتيكية والاستراتيجية للفرع الأردني من “الإخوان المسلمين”، ابتداء من مقاطعة الانتخابات البرلمانية في كانون الثاني 2013، وإدارة معقّدة من جهة السلطة لجهود تقويض الاحتجاجات والهزيمة، المؤقتة على الأقل، للأخت الكبيرة في مصر، أدّى كل ذلك إلى تراجع حضور الحركة. مكّن المال القادم من دول الخليج وبشكل أساسي المال السعودي الأسرة المالكة في الأردن من منح إحساس بالاستقرار النسبي. لا يستطيع آل سعود، رغم مواقفهم التاريخية المتناقضة مع الأسرة الهاشمية، أن يتجاهلوا الأعباء الهائلة التي سقطت على الأردن كنتيجة للحرب الأهلية في سوريا، وهي الحرب التي يتغذّى فيها قسم من قوى المعارضة على التمويل السعودي الضخم.

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز (AFP)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز (AFP)

مقابل ما اعتبر في الرياض بأنّه تهديد إيرانيّ، ووقاحة قطرية أخرى وفقدان مسار واشنطن، قرّرت الأسرة المالكة العودة للقتال مرة أخرى. والسؤال هل تستطيع مواجهة الصعوبات الداخلية التي تشمل تغيّر الأجيال، تمرّد شيعي على “نار هادئة” في المنطقة الشرقية، تغيّرات في سوق الطاقة العالمي ودخول لاعبين كروسيا والصين إلى الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة وأن تأخذ على نفسها دورًا قياديًّا في المنطقة العربية.. لا يزال هذا السؤال مفتوحًا.

هناك بالطبع آثار فورية لإسقاط “الإخوان المسلمين” من السلطة في مصر أيضًا في غزة التي تسيطر عليها حركة قديمة؛ حماس. أغلقت الحكومة المصرية منذ صيف 2013 معظم الأنفاق وأضرّت بواردات حكومة حماس، التي كانت تجبي الضرائب من التجارة التي تمرّ في الأنفاق. إنّ نقص الميزانية (الناتج من إيقاف جزء من المساعدات التي تأتي من دول الخليج) جعل حكومة حماس تتأخر في دفع الأجور للموظّفين الحكوميّين والقوى الأمنية، وكلاهما من الآليات الضرورية للحفاظ على الدعم الشعبي. في الواقع، وفقًا لاستطلاعات الرأي فقد تراجع دعم حكومة حماس بشكل كبير، على الرغم من أن تقويض دعم حماس لا ينبئ بالضرورة بسقوط الحركة من إدارة القطاع.

الصراع الحالي بين دول الخليج، والذي يعكس أحد التحديات الأكثر صعوبة لمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه 1981، يؤكّد مستوى الغضب والإحباط من السياسة القطرية في منطقة الخليج وخارجها. تعتقد السعودية أنّ السياسات والإجراءات القطرية تضعف مجلس التعاون الخليجي وأيضًّا دولا عربية مهمّة أخرى مثل مصر، والتي تحاول إجراء انتخابات للرئاسة والبرلمان وإنهاء العملية السياسية التي بدأت مع إسقاط الرئيس محمد مرسي في تموز الماضي. إنّ الانقسام بين دول الخليج، والذي يدور بطبيعة الحال حول مهمّة ومكانة الإسلام السياسي، قد تكون له عواقب أيضًا إزاء دور إيران ومكانتها.

زيارة روحاني في كويت عام 2005 (AFP)
زيارة روحاني في كويت عام 2005 (AFP)

تسمح الأزمة لإيران، والتي تحاول فعلا الوقيعة بين الدول الستّ من أجل منع تشكيل جبهة موحّدة ضدّها، بتعميق الشرخ بين دول الخليج وعزل السعوديين عن جيرانهم الأصغر. ولذلك فإنّ هناك تأثير أيضًا على محاولة السعودية بالوصول إلى وحدة بين دول الخليج العربية (“إعلان الرياض”) الذي أعلنه الملك عبد الله في الرياض في كانون الأول 2011. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأزمة بالطبع لن تسهّل على الأمريكيين تحقيق الأهداف، والتي تلزم بتعاون أمني بين دول الخليج العربية الستّة، على سبيل المثال كنشر أنظمة الدفاع الصاروخي، والتي هي مخصّصة للمواجهة الجيّدة ضد أي تهديد من جهة إيران.

إسرائيل أيضًا مهتمّة بالطبع بتقوية الأنظمة المعتدلة وبشكل خاص في المحيط القريب، مصر، الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي. على الرغم من أنّ حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وإن كان جزئيًّا، لا يكفل استقرار هذه الأنظمة. ومع ذلك، فإنّ الاسترخاء في الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية سيسهّل عليهم التعامل بشكل أفضل مع مشكلاتهم الداخلية.

تمّ نشر المقال لأول مرة في موقع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي

اقرأوا المزيد: 1193 كلمة
عرض أقل
أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة بن حمد آل ثاني (AFP)
أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة بن حمد آل ثاني (AFP)

قطر تخسر مكانتها

أمست قطر في السنوات الأخيرة دولة مركزية في الشرق الأوسط وذات تأثير شديد خارجه. لكنّ كل ذلك يمكن أن يتغيّر. أدّت القوة الاقتصادية الهائلة والاستعداد لاستخدامها لأهداف سياسية، إلى جانب ضعف عدد من مراكز القوى الإقليمية جرّاء "الربيع العربي"، إلى إبراز السياسة الخارجية المميّزة للإمارة. تُتيح الدعامة الأمنية الأمريكية النشاط الدبلوماسي للإمارة، إذ تثق بأنّ أمنها مضمون (تستضيف قطر مقر القيادة المركزية الأمريكية، وعلى أرضها قاعدة سلاح الجو الأمريكي الأكبر في الشرق الأوسط). لكنّ قوّة الإمارة ليست غير محدودة. فكثيرون غير راضين عن السياسة الخارجية "المتهوّرة" وعن النشاط العنيف، إن لم نقل الانتهازي، القطري في المنطقة.

يمكن أن يؤثر عدد من التطورات الداخلية والخارجية بشكل سلبي على مكانة قطر. أوّلًا، انتقال السلطة في قطر. ففي حزيران الماضي، وفي خطوة غير مألوفة، نقل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني السلطة لابنه، الشيخ تميم، ابن الثالثة والثلاثين، الذي أضحى أصغر زعماء العالم العربي. وثمة مؤشرات إلى أنّ الأمير الجديد ينوي التركيز تدريجيًّا على الشؤون الداخلية ومشاريع التطوير قبل استضافة كأس العالم في كرة القدم عام 2022 – على حساب السياسة الخارجية المبذّرة التي انتهجتها الدولة، والتي بدأت تحصد الانتقاد الداخلي. فثمة من يُطالب في الإمارة (في محادثات مغلقة) أن يُستخدم الثراء الطائل الذي يتمتعون به لتطوير “شوارع في الدوحة، لا في لبنان”.

في السياسة الخارجية، تبيّن أنّ عددًا من رهانات الإمارة كان فاشلًا. فقبل بداية الحرب الأهلية السورية، كانت قطر مقرّبة من النظام السوري. بعد بداية الأحداث في آذار 2011، وظنًّا منهم أنّ أيّام النظام باتت معدودة، أدار آل ثاني ظهرهم لنظام الأقلية العلوية وحليفَيه، حزب الله وإيران، وبدأوا يدعمون المعارضة. أدّى دعم قطر للمتشددين بين الثوار في سوريا (كما سبق أن فعلت في ليبيا) إلى الانتقاد وإلى المسّ بعلاقاتها بالولايات المتحدة، التي تخشى، بشكل مبرّر، من عواقب تعزيز قوة تلك العناصر. مذّاك، خفضت قطر بشكل ملحوظ تدخّلها في الأزمة ودعمها للمتمردين عامةً، لتصبح جارتها الكبرى غربًا، المملكة العربية السعودية، الداعم الأساسي لهم (مثلًا، عُيّن أحمد الجربا، المقرب من السعودية، مؤخرا رئيسًا لائتلاف قوى الثورة في سوريا بدلًا من مصطفى صباغ، المقرب من قطر).

ثمة انتقاد دوليّ متزايد أيضًا للإمارة بعد كشف النقاب عن ظروف عمل العمّال الأجانب على أراضيها (لا سيّما النيباليين والهنود) على خلفية أعمال التطوير استعدادًا لكأس العالم في كرة القدم. فكل سنة، يموت 600 عامل أجنبي في الإمارة. كذلك يمكن أن تمسّ إمكانية نقل البطولة إلى الشتاء بسبب الظروف القاسية في أشهر الصيف في الخليج بهيبة الإمارة، التي ترى أهمية في إجراء البطولة في موعدها الأصلي. اقترحت قطر في السنة الماضية “خدماتها الجيدة” في الاستضافة، وكذلك في التوسُّط في المفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان. وعلقت هذه المفاوضات أيضًا عقب إغلاق مكتب طالبان في الدوحة في وقت مبكر من هذا العام، ما مسّ بهيبة الإمارة والقدرة على الاستعانة “بخدماتها” مستقبلًا.

ميّزت قطر صعود الإسلام السياسي، رغمًا عن أنف جيرانها العرب في الخليج، وحاولت كعادتها ركوب الموجة الإسلامية والتحالف مع ممثلها الأبرز – مصر مرسي. كانت علاقات قطر بمصر متوترة عبر السنين. وتُذكَر في هذا السياق كلمات الرئيس المصري الأسبق مبارك، الذي قال: “لماذا عليّ أن أولي اهتمامي دولةً عدد سكانها كفندق صغير في القاهرة؟”. لكنّ شهر العسل الذي طرأ على علاقات قطر – مصر في عهد الإخوان المسلمين انتهى.
فمع سقوط مرسي، خسرت قطر حليفًا مركزيًّا (قدّمت له 8 مليارات دولار قروضًا وهبات) وقدرتها الكبيرة على التأثير في القاهرة، وعبرها في المنطقة. وسعيًا منها لتحسين العلاقات، ولو قليلًا، حاولت قطر، فاشلةً حتى الآن، في أن تقدّم نفسها بعد الانقلاب في مصر على أنها كانت تدعم دائمًا “الشعب المصري”، لا نظامًا بعينه.

لم يتأثر النظام المصري الجديد بهذه الكلمات، فجمّد المحادثات حول استيراد الغاز الطبيعي من الإمارة، أغلق فرع قناة الجزيرة المحلي، سجن صحفيين عملوا فيها، رفض طلب قطر زيادة وتيرة الرحلات الجوية بين القاهرة والدوحة، حتّى إنه أعاد بشكل احتجاجي هبة بقيمة مليارَي دولار أودعت في البنك المركزي المصري وأعطيت للنظام السابق، ما يشهد على عُمق الأزمة وعلى العلاقات المعكّرة بين البلدَين. في نهاية أيلول 2013، أصدرت السلطات المصرية أمر اعتقال بحق الشيخ يوسف القرضاوي، المقيم في قطر والمحسوب على الإخوان المسلمين، بتهمة التحريض على قتل رجال شرطة مصريّين. وخسرت القناة التلفزيونية القطرية الشديدة التأثير بعضًا من سمعتها في قسم كبير من العالم العربي، إثر تغطيتها للأحداث في مصر، تغطية لا تزال تتميز بالانتقاد للنظام العسكري.

وكان لقطر تأثير ما في إسرائيل أيضًا، إذ حافظت على علاقات مفتوحة معها، أشبه بتطبيع فعليّ، على مدى السنوات. لكنّ عملية “الرصاص المسكوب” في غزة عام 2009 وعلاقات قطر بعناصر مثل إيران وحماس (التي قدّم لها الأمير السابق شيكًّا بقيمة 400 مليون دولار في زيارة حظيت بتغطية إعلامية واسعة “اخترقت” الحصار الإسرائيلي على القطاع) أدّت في نهاية المطاف إلى قطع علاقات البلدَين، وهي علاقات تباهت بها الدوحة، وساهمت في فرادتها في المشهد العربي. رغم ذلك، لا تخفي قطر استعدادها لإقامة علاقات علنية مع إسرائيل شرط أن “تبرهن عن جديتها في العملية السياسية”، سقف أكثر انخفاضًا من الشروط التي يضعها العالم العربي لإقامة علاقات علنية مع إسرائيل.

كدولة صغيرة، على قطر أن تميّز المسارات والاتجاهات وأن تسبق جيرانها الأكبر منها في التأقلم معها، حتى تعزّز أجندتها الخاصة، التي تحركها مصلحة البقاء ليس إلّا. فليس غريبًا أنّ الإمارة الصغيرة استنفدت قوتها وحصدت ردّ فعل عكسيًّا واسعًا على الخطّ السياسيّ الذي تبنّته. وسيكون عليها أن تعدّل سياستها الإقليمية عامةً، وفي مصر على وجه الخصوص، إذا كانت تريد الحفاظ على مكانتها في العالم العربي وعلى مقدار من التأثير. ما دام النظام في مصر لم يرسّخ أقدامه، فقد يستصعب الاستغناء كاملًا عن الدعم القطري. لكن إذا استقر الوضع في مصر دون تغيير في العلاقات بين البلدَين، فسيفضّل نظام العسكر في مصر المساعدة السخية التي سارعت إلى تقديمها جارات قطر، منتجات النفط: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، والكويت.

حتّى بداية الأحداث في سوريا، تميّزت السياسة الخارجية القطرية بالحفاظ على أكبر عدد ممكن من الأبواب مفتوحة، ونسج علاقات مع جميع العناصر في الشرق الأوسط كـ “وثيقة تأمين” من القوى الراديكالية في الإقليم. كان إظهار السياسة المستقلة هذه معاكسًا للحجم الجغرافي لقطر، ونبع عن رغبة قطر في تعزيز أهميتها الإقليمية وحماية الثروات الطبيعية التي بوركت بها.

لعبت الإمارة التي تعُدّ 300 ألف نسمة (فضلًا عمّا يزيد عن مليون عامل أجنبي)، في السنوات الأخيرة في ملعب الكبار، وابتعدت أكثر من اللازم. على ضوء قدراتها الاقتصادية، سيكون صعبًا تجاهلُها لفترة طويلة. لكنّ الضعف (المؤقت؟) للإسلام السياسي في المنطقة قد يجبر الإمارة على التركيز على شؤونها الداخلية، تبني سياسة أكثر حذرًا، وترقّب الفرص. وبالفعل، كانت زيارة تميم الأولى خارج قطر إلى السعودية، كشهادة ربمّا، على محاولة خفض التوتُّر مع الرياض، وربما تبني سياسة خارجية أكثر انضباطًا.

نُشر بالأصل في موقع INSS

اقرأوا المزيد: 941 كلمة
عرض أقل