هذا الأسبوع، أعلن رئيس بلدية تل أبيب، رون حولدائي، أنه لن يسمح بالعزل بين النساء والرجال في المناسبات العامة في تل أبيب، لهذا ألغى حفلا دينيا جماهيريا للحركة الدينية “حباد” بسبب الفصل بين الرجال والنساء المشاركين فيه، الذي كان مخطط إجراؤه في ميدان رابين المركزي في تل أبيب.
خلافا لسلطات محلية أخرى ومكاتب حكومية مختلفة تستجيب لمطالب الفصل بين النساء والرجال في المناسبات ذات الطابع التقليدي للحفاظ على “الحشمة والتواضع” أو بهدف “الملاءمة الثقافية” مع المجتمع الديني المحافظ، يعتقد المواطنون في تل أبيب أن المطالب الدينية تشكل أعمالا قهرية دينية يجب محاربتها بكل الوسائل. يدعي المواطنون أن إقامة حفل كهذا في مكان عام تابع لكل مواطني المدينة، دون مشاركة النساء فيه ومن خلال الفصل الجندري بين المشاركين، “يمس بقيم المساواة ويعدّ تمييزا بحق النساء”.
أشار رئيس بلدية تل أبيب، رون حولدائي، عندما أعلن عن إلغاء الحفل إلى العلاقة بين الحفاظ على حقوق الإنسان وبين المساواة الجندرية. “حقوق النساء هي جزء من حقوق الإنسان” – تُطرح هذه النقطة في نقاشات كثيرة حول أهمية النضال من أجل مكانة المرأة ودفعها قدما. ترى تل أبيب أن الدين يشكل وسيلة لقمع النساء، ولكن هذا ليس السبب الوحيد وراء النضال العلماني لمدينة الأضواء الإسرائيلية ضد الدين.
“دولة تل أبيب” مقارنة بدولة إسرائيل
ينظر الإسرائيليون الذين يعيشون خارج مدينة تل أبيب الكبيرة إلى المدينة بصفتها “دولة قائمة بحد ذاتها”، نظرا إلى الاختلاف الاجتماعي للمدينة عن دولة إسرائيل. يظهر الاختلاف في خاصتين اجتماعيتين أساسيتين لمدينة تل أبيب عن كل بلدة أخرى في إسرائيل – الطابع السياسي، والهوية الدينية. تل أبيب هي قوة اقتصادية لا منافس لها في إسرائيل. فهي إحدى أغلى المدن في العالم، ومستوى الحياة فيها هو الأعلى في إسرائيل. عمليا، تشكل المدينة مركزا اقتصاديا وثقافيا إسرائيليا، بينما تشكل القدس رمزا دينيا.
في حين يبدو أنه في السنوات الماضية تتجه الحياة العامة في إسرائيل نحو اليمين – كما تجسد ذلك في القوة السياسية المتصاعدة للأحزاب اليمينة منذ الانتخابات للكنيست ورئاسة الحكومة، نلاحظ في استطلاعات الرأي حول قضايا سياسية، أن مواطني تل أبيب يتجهون إلى اليسار أكثر فأكثر. فجامعة تل أبيب، مؤخرا، رفضت عزف النشيد الوطني الإسرائيلي في جزء من احتفالاتها، خوفا من الإضرار بمشاعر الطلاب الجامعيين العرب الذين يتعلمون فيها، وفي يوم ذكرى ضحايا الإرهاب تُجرى في تل أبيب مراسم ذكرى مشتركة بحضور عائلات فلسطينية، وإذا تطرقنا إلى توزيع التصويت في تل أبيب في الانتخابات الأخيرة، فإن حزب اليسار المركز “المعسكر الصهيوني”، والحزب اليساري “ميرتس” كان يفترض أن يشكلا الحكومة الآن، وليس حزب نتنياهو وسائر الأحزاب اليمينيّة.
شاطئ البحر في تل أبيب (Miriam Alster/FLASH90)
في إسرائيل بشكل عام، %43 من المواطنين اليهود، يعرفون أنفسهم كعلمانيين، ولكن معظم مواطني تل أبيب هم علمانيون. يتجسد هذا الفارق في الحياة اليومية في المدينة، ولكن يظهر بشكل خاصّ في نهاية الأسبوع. تل أبيب معروفة بتشكيلتها الواسعة نسبيا بأماكن الترفيه والمطاعم المفتوحة في أيام السبت أيضا خلافا لسائر الأماكن في الدولة، التي تغلق فيها مراكز المشتريات والترفيه في نهاية الأسبوع لأسباب دينية. تقدّم أكثرية المطاعم في تل أبيب أطعمة ليست حلال وفق الديانة اليهودية.
لماذا يغضب مواطنو تل أبيب من الرموز الدينية في الأماكن العامة؟
تتصدر الهوية الدينية وربما يجدر القول – الهوية المعادية للدين، مركز الخلاف المستمر بين مواطني تل أبيب وسائر المواطنين الإسرائيليين في الدولة. يعتقد مواطنو تل أبيب أن مدينة تل أبيب تشكل مركز العلمانية الفخورة والليبرالية اللتين تتعرضان لتهديدات متزايدة من المجتمع الإسرائيلي، لهذا يبذلون قصارى جهودهم للحفاظ عليهما.
مشاركات في “مسيرة العاهرات” في تل أبيب (Miriam Alster/Flash90)
“يشكل النضال حربا ثقافية”، كتب صحفي من تل أبيب، مثير للجدل، يدعى روجيل ألفر، في عيد الحانوكاه (عيد التدشين) اليهودي الماضي. أكثر ما يثير غضبا لدى ألفر هو 66 شمعدانا تم وضعها في المدينة، لأنها تشكل رمز عيد الحانوكاه، وقد وضعتها المنظمة اليهودية الدينية المذكورة أعلاه “حباد” في مدينة تل أبيب في مواقع مختلفة.
كتب ألفر أن المنظمة الدينية “سيطرت على المجال العام في تل أبيب، وأضفت عليها طابعا دينيا بشكل لا يمكن تجاهله. هذه السيطرة عدوانية. طابع مدينة تل أبيب هو علماني بشكل واضح. إضفاء الطابع الديني على المدينة مرفوض، ويعرض نمط حياة مواطني تل أبيب وطابع المدينة العلماني إلى الضرر. على مواطني تل أبيب العلمانيين أن يعملوا معا لمنع أعضاء حركة “حباد” من التصرف كما يحلو لهم، وكأن المدينة ملكهم. على الليبراليين أن يفهموا أن “حباد” أعلنت الحرب ضد قيمهم”.
من جهة، يبدو أن مخاوف العلمانيين في تل أبيب مبالغ بها – هل الفصل بين النساء والرجال في احتفال عام يشكل كارثة ثقافية؟ هل ستسعى منظمات دينية حقا إلى “السيطرة” على تل أبيب وجعلها مدينة دينية؟ يبدو أن الإجابة سلبية، ولكن هناك سبب جيد لدى العلمانيين للقلق – نسبة العلمانيين في المجتمَع الإسرائيلي آخذة بالانخفاض، وتأثيرهم أيضا.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني