نمرود جورن

د. نمرود جورن هو رئيس متفيم – المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، ومحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية بالقدس.
رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان(AFP)
رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان(AFP)

كرة الثلج التركية

يدرك أردوغان أنه ملزم بمواجهة فضيحة الفساد، وأنه لا يمكنه تجاهلها، لأن خصومه من داخل حزب العدالة والتنمية أصبحوا التهديد الأكبر لسلطته

ذاب الثلج في إسطنبول، ولكن كرة الثلج السياسية المتدحرجة في أعقاب فضيحة الفساد في الدولة، تكتسب زخمًا جديدًا. حيث أن أردوغان أقال نصف وزراء حكومته، وواحد منهم طلب من رئيس الحكومة أيضا أن يستقيل، مدعيًا أنه كان على علم ببعض أعمال الفساد. لم يكن هذا النوع من المطالبات شائعًا في تركيا في العقد الأخير.

 عملت حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان في الأشهر الأخيرة على التعامل مع التحديات في مجال العلاقات الخارجية، وخصوصًا في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط، كالأزمة في العلاقات التركية – المصرية والفشل المستمر لتركيا في الإطاحة بالأسد. وعلى الرغم من استخدام هذه المشكلات من قبل المعارضة كوسيلة للمهاجمة، إلا أنه لم يكن الهدف منها زعزة قوة أردوغان السياسية بشكل حقيقي. الشعب التركي على استعداد أن يغفره لمثل مثل هذه الأمور.

حين يتعلق الأمر بفضائح فساد، فإن الوضع مختلف. هناك حكومات تركية أنهت طريقها سابقًا بسبب أعمال الفساد. وقد صعد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 بتصويت احتجاجي ضد النظام السياسي الفاسد والفاشل في أدائه. ولذلك ففي تلك الانتخابات لم يبلغ أيّ من الأحزاب التي كانت ممثلة في البرلمان السابق نسبة الحسم. وقد بدا أردوغان وحزبه أصحاب أيدٍ نظيفة ومحاربين للفساد. وتلك هي الصورة التي استمروا في تطويرها خلال عشر السنوات من حكمهم.

وقد تصدعت اليوم هذه الصورة بشكل كبير. وعلى الرغم من عدم وجود بديل حقيقي لحزب العدالة والتنمية، فإن فضيحة الفساد يمكنها أن تؤثر على النظام التركي الحالي. ففي شهر آذار القريب سوف يتقدم مواطنو تركيا إلى التصويت في الانتخابات المحلية. وسيكون هذا امتحانًا لقوة أردوغان قبل انتخابات الرئاسة في صيف عام 2014 الذي يفكر في الترشح لها. منذ عام 2002، فإن حزب العدالة والتنمية يزيد  قوته تدريجيًا. وإذا تم عكس هذا الاتجاه في الانتخابات المحلية القادمة، فستتضاعف علامات السؤال ليس فقط بخصوص الانتخابات الرئاسية، ولكن بخصوص الانتخابات العامة المخطط لها في 2015 أيضًا.

 ولذلك فهناك أهمية سياسية كبرى لطريقة تعامل أردوغان مع الأزمة الحالية. إنه يعمل على تأطير فضيحة الفساد بشكل مشابه للأحداث السابقة التي نجح خلالها في التملّص: فضيحة أرجنكون التي اعتقل فيها قادة في الجيش بتهمة التخطيط لانقلاب، والاحتجاجات في الشارع في صيف 2013. في تلك الحوادث، قام أردوغان بمهاجمة معارضيه بشدّة على المؤامرات التي حاكوها ضدّه، وألقى باتهاماته على مسؤولين في تركيا وخارجها ممن يتآمرون لإسقاط من الحكم. قام أردوغان هذه المرة أيضًا بالهجوم، وقد تلقت معظم هذا الهجوم حركة رجل الدين فتح الله كولن، والذي مقره في بنسلفانيا والذي كان سابقا حليف رئيس الحكومة أردوغان.

 ويمثّل كولن حركة دينية ليبرالية معتدلة، تدير شبكة واسعة من المؤسسات التعليمية في تركيا وحول العالم، والتي تركز على تدريس العلوم. وللحركة الكثير من الأنصار داخل تركيا، ولكن من الصعب معرفة عددهم. ولكنهم يتواجدون، من بين المناصب الأخرى، في مناصب رئيسية بخدمات الدولة، يشمل ذلك الشرطة والقضاء. ليس للحركة حزب خاص بها، ولذلك يرى الكثير من أنصارها في حزب العدالة والتنمية الديني والمحافظ بيتًا سياسيًا لهم.

 ولكن لم يمر كل شيء بسلاسة. فقد نشأت الخلافات بين أردوغان وكولن منذ 2010. كان كولن ضد قرار الحكومة التركية بالسماح لأسطول مرمرة في الإبحار صوب غزة، وأظهرت حركته موقفا أكثر اعتدالا من الحكومة فيما يتعلق بإسرائيل خلال الأزمة بين البلدين. ومع ذلك كانت تلك الخلافات في نطاق المقبول. أما شرارة الحرب السياسية بين أردوغان وكولن فقد بدأت مؤخرًا فقط؛ على شكل مبادرة مشروع قانون من قبل أردوغان يقتضي إغلاق الكثير من المدارس التابعة لحركة كولن في تركيا، وعلى شكل تسريب وثائق عن التحركات التي خططت لها القيادة التركية ضد حركة كولن.

 بعد أن استطاع أردوغان تقييد خطوات المؤسسة العسكرية والعلمانية، بدا أنه يتوجه كذلك إلى تقليص قوة حركة كولن، نظرا لموقفها السياسي الذي يشكّل تهديدًا سياسيًا محتملا. هذا هو السياق الذي ينظرون فيه الأتراك إلى قضية الفساد الحالية. وقد اتهم رجال الشرطة الذين قادوا التحقيق السرّي دون إبلاغ رؤسائهم أو القيادات السياسية، بأنهم من أنصار حركة كولن وكما لو أنهم تصرّفوا باسمها. وقد ادعى أردوغان نفسه بأن تحقيقات الشرطة تمت بدوافع سياسية غير شرعية، من خلال عملاء يعملون كـ “دولة داخل الدولة”، مشيرًا إلى حركة كولن. وكردة فعل على ذلك، غيّر رئيس حكومة تركيا وظائف الكثير من رجال الشرطة الذين تم التحقيق معهم.

 إسقاط الشرعية الذي يحاول أردوغان القيام به لتحقيق فضيحة الفساد يشبه إسقاط الشرعية الذي حاول القيام به للمتظاهرين في حديقة غازي في وقت سابق هذا العام. تضمّن خطاب أردوغان هذه المرة أيضًا اتهامًا لعناصر أجنبية تتدخل في الشؤون الداخلية لتركيا. وتم توجيه اصبع الاتهام هذه المرة ليس ضد معارضي النظام من الداخل فحسب، بل ضد الأمريكيين أيضًا، الذين يريدون كما يبدو معاقبة مسؤولين أتراك كانوا قد تعاونوا مع إيران رغم العقوبات المفروضة عليها. أدت هذه الاتهامات إلى ردود فعل غاضبة من واشنطن، ولم تساعد أردوغان كذلك على تهدئة الأمور في الداخل. ويزداد الضغط على أردوغان للتعامل بشكل مباشر وصادق مع فضيحة الفساد.

 وبشكل شبيه لاحتجاجات حديقة غازي، ففي هذه المرة أيضًا أخذ رئيس الدولة عبد الله غول (الذي ينوي أردوغان أن يرثه في الصيف المقبل) خطّا معتدلا وأكثر تصالحية. ادعى غول بأن دولة في وضع تركيا لا يمكن أن تسمح لنفسها ألا تتعامل بجدية مع مزاعم فساد كهذه، وهي ملزمة بالتحقيق فيها. وقد وضع غول نفسه مرة أخرى في موضع القيادي المسؤول، الذي يعكس القيم الأصيلة التي صعد حزب العدالة والتنمية باسمها إلى السلطة. ومن المرجح أن يكون الرابح الأكبر من الاضطرابات الداخلية التي شهدتها تركيا في الآونة الأخيرة.

 وفي ظل غياب قوة سياسية قادرة على أن تشكل تحديًا لحزب العدالة والتنمية، فإن الخطر القادم لأردوغان سيكون من داخل حزبه. فإن أعضاء حركة كولن متهمون بأن هدفهم هو تشكيل حزب العدالة والتنمية دون أردوغان. أي أن يقدم أردوغان استقالته ويحل محله أحد أعضاء الحزب الآخرين، أو على الأقل إضعافه بشكل ملحوظ. والطريق إلى ذلك لا زال طويلا، وقدرة أردوغان محدودة على اجتياز المسار السياسي الذي يرغب به. وغدت طموحاته في قيادة نظام سياسي رئاسي وفي أن يلج بخفة إلى مكتب الرئاسة أكثر صعوبة في التحقيق.

 ويدرك أردوغان أنه ملزم بمواجهة فضيحة الفساد، وأنه لا يمكنه تجاهلها. وفي هذا السياق، يمكننا أن نرى التغيير في موقفه من الوزراء المشتركين بالقضية وقراره بإنهاء مهامهم. وهكذا يأمل أردوغان بأن ينأى بنفسه عن القضية وأن يحافظ على صورته باعتباره فارس الحرب على الفساد. ولكن سيظل هناك من يحاول عكس ذلك؛ أي ربط اسمه بالقضية، والادعاء بأن مصيره يجب أن يكون مماثلا لمصير الوزراء المشتركين في القضية. وقد قام وزير البيئة بذلك فعليا. ومن المحتمل أن يكون هناك المزيد. وسوف تظل كرة الثلج التركية تتدحرج.

اقرأوا المزيد: 995 كلمة
عرض أقل
علم الاتحاد الأوروبي (MPD01605)
علم الاتحاد الأوروبي (MPD01605)

الحلم وتحطمه ـ 50 عاما على العلاقات التركية والاتحاد الأوروبي

فوز أنجيلا ميركل بالانتخابات في ألمانيا، لا يخدم تطلعات الأتراك إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ميركل تحاول، بدلا من ذلك، طرح نموذج "الشراكة المفضلة" بين تركيا وأوروبا.

من دون الحصول على دعم ألمانيا، وهي الدولة المركزية في الاتحاد الأوروبي حاليا، ليس هناك احتمال لقبول تركيا في النادي الأوروبي، الذي تطرق بابه منذ 50 عاما.

ليست ألمانيا وحدها ترفض ذلك. تُظهر الإحصائيات الدورية، أن الشعب الأوربي ليس متحمسا لقبول تركيا. وأظهر استطلاع إحصائي تم نشره اليوم أنه في ألمانيا، فرنسا وبريطانيا نسبة المستطلعين الذين يرون أن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي هي أمر إيجابي يستقر عند نسبة 15 ـ 18 بالمئة فقط. وفي غالبية الدول الأوروبية الأخرى، وضع تركيا ليس بأفضل أبدا.

في تركيا يقرأون الخارطة بشكل جيد. حلم الانضمام إلى أوروبا يتلاشى، وذلك الأمر صار يعبّر عنه في خطابات زعماء الحكم في تركيا. ربما كانت تركيا مرشحة رسميا إلى الانضمام إلى لاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، ولكنها وطوال أعوام ترى كيف أن دولة تلو الأخرى – بما فيها دول من الاتحاد السوفيتي سابقا – تُقبل عضويتها في النادي الأوروبي، بينما لا تزال هي في “قاعة الانتظار”.

على الرغم من الالتزام الرسمي التركي بمتابعة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، بين الحين والآخر، يوجه رئيس وزراء تركيا، أردوغان، نقدا لطريقة تعامل الأوروبيين مع بلاده. النفاق وعدم الصدق هما الانتقادان الشائعان في تركيا تجاه أوروبا. حتى أنه في شهر أيلول 2013 صرح الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي، أجمن باغيش، أنه يعتقد أن تركيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، وبالنهاية ستكون في وضع شبيه بدولة النرويج – دولة تتمتع بمعايير الاتحاد الأوروبي ولكنها خارجه.

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (AFP)
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (AFP)

على ضوء الأزمة الاقتصادية الأوروبية والازدهار التركي في السنوات الأخيرة، لم يعد الأتراك واثقون ما إذا كانوا بحاجة إلى أوروبا أم أن أوروبا هي التي بحاجة لهم. في استطلاعات رأي الجمهور التي نشرت هذا الشهر، وُجد أنه أكثر بقليل من 40 بالمئة من الأتراك يدعمون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بينما كانت النسبة 70 بالمئة قبل عقد من الزمن.

هذه المسألة بدأت قبل 50 عاما. في شهر أيلول 1963، حين كانت الجماعة الأوروبية لا يتعدى عددها الست دول، تم توقيع أول اتفاق بينها وبين تركيا. كان ذلك اتفاقا اقتصاديا، والذي تضمن أيضا ذكر إمكانية عضوية تركيا مستقبلا في النادي الأوروبي. الأتراك تعاملوا مع ذلك على أنه تعهد، بينما رأى الأوروبيون ذلك على أنه بمثابة تصريح تفاهمات عامة وغير ملزم.

على مر السنوات، تحوّلت الجماعة الأوروبية إلى الاتحاد الأوروبي، وتوسعت من ست دول إلى ثمان وعشرين دولة. طوال تلك السنين، تقدمت العلاقات التركية الأوربية تقدما بطيئا جدا، أدت بين الحين والآخر إلى توقيع اتفاقية هنا وأخرى هناك، ولكن من دون تقدم ملموس. على طول السنين كانت تركيا دولة ضعيفة وغير مستقرة، بوجود أزمات اقتصادية وانقلابات عسكرية، وكانت بهذا بعيدة عن المعايير الأوروبية. ولكن لا شك أن السبب الرئيسي للاعتراض الأوروبي هو الخشية من انضمام دولة مسلمة، وثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في أوروبا.

الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يعتبر وعلى مر السنين مشروعا قوميا يحتل أهمية عليا، والثاني من حيث أهميته بعد إقامة الجمهورية التركية عام 1923. ما عدا الأسباب الموضوعية في الموضوع، الأمر متعلق أيضا بمسألة الهوية. فبالنسبة للأتراك، انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو استكمال لما بدأه أتاتورك، مؤسس الجمهورية، وهو ربط تركيا بالعالم الغربي، وبالحداثة والتقدم.

الحكومات التركية التي أخذت بنهج أتاتورك وكانت مخلصة لمبادئه، لم تستطع أبدا دفع العلاقة مع الأوروبيين دفعا جديا. تركيا الكمالية (التي تتبنى مبادئ أتاتورك) ربما كانت علمانية، ولكنها كانت بعيدة جدا عن معايير الديموقراطية الأوروبية. التدخل السافر للجيش في السياسة ومشاكل كبيرة تتعلق بحقوق الإنسان (خاصة فيما يتعلق بالأكراد) جعلت تركيا في الخلف.

أردوغان حقق التغيير. بعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2002، وضع الحزب مسألة تقدم العلاقات الأوروبية التركية على رأس سلم اهتماماته. أدخلت حكومة أردوغان العديد من الإصلاحات الشاملة التي حسنت وبشكل كبير الديموقراطية في تركيا. تلك الإصلاحات ساعدت أردوغان على تأسيس حكمه وأيضا أوصلت العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي إلى ذروتها – القرار الأوروبي عام 2004 بخصوص بدء مفاوضات مع تركيا بشأن انضمامها إلى الاتحاد.

ذلك القرار أثار البهجة في تركيا وكان يُعتبر في ذلك الوقت أن تركيا اجتازت نقطة اللا عودة بطريقها إلى الاتحاد الأوروبي. في التاريخ الأوروبي، كل دولة مؤهلة وتم بدء مفاوضات كهذه معها، انضمت أخيرا إلى الاتحاد الأوروبي، حتى وإن استمر الأمر بضع سنين. في أوروبا رأوا الأمور بشكل مختلف، وأكدوا للأتراك أن المفاوضات مفتوحة وأن قرار انضمام تركيا هو إمكانية واحدة من بين عدة إمكانيات.

لرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز (AFP)
لرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز (AFP)

المفاوضات مكونة من ثلاثة وثلاثين فصلا، وفي كل فصل منها يجب على تركيا أن تلائم نفسها للمعايير الأوروبية. بعد ثماني سنوات من المداولات ـ اكتمل التفاوض على فصل واحد فقط، المتعلق بالعلم والأبحاث. وبخصوص العديد من الفصول فإن التباحث فيها لم يبدأ بعد، وهذا نظرا للخلاف المستمر بين تركيا وقبرص، التي هي عضو في الاتحاد. لا زالت الطريق طويلة جدا.

إضافة إلى المماطلة الأوروبية. الأتراك أيضا فقدوا الحافز للتقدم. عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تحدد أنه في حال استكمال كل فصول المفاوضات، سيكون على كل دولة في الاتحاد الأوروبي الموافقة على انضمام تركيا. الموافقة بالإجماع من الدول الثماني والعشرين الأعضاء، تجيز انضمامها فقط. فرنسا والنمسا أعلنتا عن نيتهما إجراء استفتاء حول المسألة، وعلى ضوء آراء المواطنين هناك – يدرك الأتراك أن الاحتمالات ضئيلة جدا.

إيقاع الإصلاحات التي بدأها أردوغان تراجع بشكل كبير. السياسة الخارجية التركية اتجهت للتركيز على مناطق نشاط أخرى وبدائل عن أوروبا. النقد التركي تجاه أوروبا آخذ بالازدياد. الديناميكية بين تركيا والاتحاد الأوروبي أصبحت أكثر سلبية. تشعر تركيا بالإهانة من التعامل الأوروبي تجاهها. وصلت العلاقات إلى مرحلة سيئة جدا خلال الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في تركيا هذا العام. النقد الأوروبي بخصوص الاستخدام المفرط للقوة من قبل السلطات التركية أدى إلى ردود فعل صارمة من قبل الحكومة التركية ضد أوروبا.

“تركيا ليست جمهورية موز” كتب الوزير باغيش لزملائه في أوروبا في حزيران 2013، بينما كان يوجه انتقاداته لهم على تصريحاتهم المتعلقة بالاحتجاجات في إسطنبول. تركيا لديها أقوى حكومة في كل أوروبا وهي القائد الأكثر تأثيرا في العالم ولا تزال ملتزمة بمسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حسب ادعائه. أوروبا أيضا صرحت أنه رغم الانتقادات ضد تركيا، فإنها ملتزمة بمتابعة المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا أيضا.

بعيدا عن هذه التصريحات، يدرك الطرفان أن العملية لن تؤدي إلى أي نتيجة. لا يريد أي طرف أن يكون هو من يكسر الأدوات. وربما، يبدو أن تلك العملية المتثاقلة أصبحت تحدث ضررا أكثر من النفع بما يخص العلاقات التركية الأوروبية. ربما يكون المطلوب لإخراج الدولاب من الوحل هو إعادة وضع تعريف جديد للهدف من كل العملية.

انتخاب ميركل لولاية جديدة ربما يشكل فرصة أمام تركيا للتفكير بجدية بنماذج بديلة للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي تدعمه ألمانيا. ليس على تركيا أن تهمل حلم الانضمام، إنما يمكنها أن تعمل على المدى القصير لكي تحقق أهدافا أكثر واقعية . في الماضي، رفضت تركيا النماذج البديلة تماما. واليوم، مع مرور 50 عاما على العلاقات التركية الأوروبية، يبدو أن هناك مكان للتفكير بهذا من جديد.

د. نمرود جورن هو رئيس متفيم – المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، ومحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية بالقدس.

اقرأوا المزيد: 1057 كلمة
عرض أقل
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (AFP)
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (AFP)

مطلوب لأردوغان شركاء جدد لإسقاط الأسد

خيبت بداية شهر أيلول آمال أردوغان: ففي السابع من أيلول، تبيّن أنّ إسطنبول لم يجرِ اختيارها لاستضافة الألعاب الأولمبية عام 2020، وبعد بضعة أيام، اتضّح أنّ الولايات المتحدة تراجعت عن نيّتها ضربَ سوريا

انتظر أردوغان، ترقّب، ووضع أمله في الهجوم الأمريكي. لأوّل مرة منذ فترة طويلة، ظهر مؤشر على أنّ خطاب أردوغان وحكومته المضادّ لسوريا سيحظى بدعم عسكري دولي هام، وهو دعم كان سيقلّص الفجوة بين التوق التركي الشديد لإسقاط الأسد والعجز عن فعل ذلك.

في الأيام التي بدا فيها الهجوم الأمريكي تحصيل حاصل، حرص المتحدثون باسم الحكومة التركية على نقل رسالة واضحة للأمريكيين. لا تكتفي تركيا بهجوم محدود أو موضعي. فهي معنيّة بعملية واسعة تؤدي إلى إسقاط الأسد.

ولكن في النهاية، لم يحدث أي هجوم، لا محدود، ولا واسع. تلقى الأتراك الاتفاق الأمريكي الروسي بمشاعر مختلطة. كانت خيبة الأمل واضحة، وعبّر عنها علنًا نائب رئيس الحكومة التركية، بولنت أرينتش، الذي عبّر عن أسفه للقرار الأمريكي بالامتناع عن الهجوم، داعيًا إيّاه خطأً.

بالإضافة إلى ذلك، تعبّر الحكومة التركية عن ارتيابها حيال جدية نوايا الأسد بتطبيق الاتفاق. وتدّعي تركيا أنّ الأسد لم ينفّذ التزاماتٍ سابقة طيلة فترة الحرب الأهلية السورية، لذا لا يجب توقّع انتهاجه سلوكًا مغايرًا هذه المرة. فضلًا عن ذلك، يقول الأتراك، مكّن الاتّفاق الأسد من ربح الوقت، مواصلة الإمساك بدفة القيادة، وذبح المزيد من أبناء شعبه.

وشدّد مسؤولون أتراك، على رأسهم أردوغان، أنّ الاتّفاق لا يحلّ الأزمة في سوريا ولا يوقف سفك الدماء فيها، الذي لا ينتج معظمه عن سلاح كيميائي. “على النظام السوري أن يدفع ثمن جرائمه ضدّ الإنسانية”، كرّر أردوغان في خطاب ألقاه في 11 أيلول.

لكنّ تركيا وجدت أيضًا بصيص أمل في الاتفاق الأمريكي – الروسي. فمنذ سنوات، تدعو تركيا إلى تجريد الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. لذا، رأت تركيا الاتفاق بخصوص تفكيك السلاح الكيميائي السوري خطوةً في الاتّجاه الصحيح، رغم أنها لا تحلّ الأزمة في سوريا، فهي تدعم سياسة تدعو إليها تركيا، كما تعزّز مصالح هامّةً لها.

لذلك، تطلب تركيا من الغرب بلورة برنامج واضح لاحتمال عدم تنفيذ الأسد الاتفاق الأمريكي – الروسي، وتوضيح ماهيّة العقوبات الجوهرية التي سيفرضها المجتمع الدولي على النظام السوري في حال خرق الاتفاق، من الآن. وقد تصدرت هذه المطالب اللقاءَ الذي عُقد في باريس في 16 أيلول بين وزراء خارجية الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وتركيا.

لكنّ الدبلوماسيةَ شيْءٌ، والواقعَ شيءٌ آخر. ففيما يجري القادة الأتراك محادثات مع نظرائهم الغربيين، فعلى أرض الواقع – يستمر الوضع بين سوريا وتركيا بالتدهوُر. فقد أسقط الجيش التركي مروحية سورية اخترقت الأجواء التركية. لم يمرّ يومان، حتى انفجرت سيارة مفخخة على معبر حدودي بين سوريا وتركيا، ما أدّى إلى مقتل سبعة أشخاص.

يؤدي تدهور العلاقات هذا إلى زيادة مأزق أردوغان حيال كيفية التصرف في الشأن السوري، إذ أزيحت إمكانية هجوم أمريكي عن الطاولة. يحظى أردوغان بدعم أمريكي للردود العسكرية التي يقوم بها على التحرش السوري. ربما ثمة من يأمل في الولايات المتحدة أن تقوم تركيا، في نهاية الأمر، بمهاجمة سوريا.

في هذا الشأن، الأتراك ثابتون. فمنذ بداية الأزمة السورية، أوضحت تركيا أنها ستدعم عملًا عسكريًّا دوليًّا ضدّ سوريا وتشارك فيه، لكنها لن تتصرف بمفردها. تدعم تركيا بثبات قوات المتمردين في سوريا، ويُتوقّع أن تزيد دعمها هذا في المستقبل، لكنها غير معنية بمغامرة عسكرية.

ليس هذا موقفَ أردوغان فحسب، بل معظم الشعب التركي أيضًا. ففي الاستطلاع الدولي السنوي الخاص بـ German Marshall Fund، والذي نُشرت نتائجه في 18 أيلول، يتبين أنّ 72 في المئة من الأتراك يعارضون تدخّل بلادهم عسكريًّا في تركيا. عام 2012، كان 57 في المئة يعارضون تدخلًا كهذا. فكلما تفاقمت الأزمة في سوريا، قلّت رغبة الأتراك في التدخل فيها.

وأظهر الاستطلاع أيضًا أنّ الأتراك يفضّلون الديمقراطية في الشرق الأوسط (57 في المئة) على الاستقرار (28 في المئة). وفيما سوريا بعيدة عن الديمقراطية والاستقرار على حدٍّ سواء، يستمرّ الشأن السوري في التحوّل إلى عامل مركزي أكثر فأكثر في السياسة الداخلية التركية. وهذا صحيح على الأخصّ مع اقتراب المعارك الانتخابية (الانتخابات المحلية، الرئاسية، والعامة) أكثر فأكثر.

وتزداد حدّة المواجهات الكلامية في هذا الشأن بين أردوغان والحزب الرئيسي في المعارضة (حزب الشعب الجمهوري). تدعو المعارضة أردوغان وحزبَه (العدالة والتنمية) محرضَين على الحرب، على ضوء دعمهما عملًا عسكريًّا أمريكيًّا. في العدالة والتنمية، بالمقابل، يتهمون المعارضة بدعم نظام الأسد والجرائم التي يرتكبها. “أين كُنتم حين قُتل 110،000 شخص؟”، هاجم أردوغان معارضيه، وشدّد على أنّ حزبه يدعم المعارضة السورية من صميم قلبه.

منذ مدة، يبحث أردوغان عن شركاء للسياسة التي ينتهجها ضدّ الأسد، ليس في الداخل فحسب، بل في الخارج أيضًا. فمنذ وقت طويل، يسعى إلى فهم هل إسرائيل حليف له في هذا الشأن أم لا. أرخى الغموض الإسرائيلي خلال السنتَين الماضيتَين ستارًا من الضباب، وصعّب ترميم العلاقات الإسرائيلية – التركية. لم تدرِ القيادة التركية إن كانت وإسرائيل تتشاطران مصلحة مشتركة في موضوع هامّ جدًّا هو الشأن السوري، أم إن كانت كلٌّ من الدولتَين على جانب مختلف من المتراس.

وإذا بسفير إسرائيل في الولايات المتحدة مايكل أورن، في مقابلة بمناسبة عيد المظال (سوكوت) مع صحيفة جيروزاليم بوست، يقول فجأةً، بكل وضوح، إنّ إسرائيل معنيّة بسقوط الأسد. وأضاف السفير أنّ إسرائيل كانت في الواقع معنية بذلك منذ بدء الحرب الأهلية السورية، وذلك بسبب علاقات الأسد بإيران.

لا بدّ أنّ أنقرة ستنظر إلى هذه التصريحات باستحسان، رغم النفي الذي سارع إلى نشره مكتبُ رئيس الحكومة. يمكن أن تُستبدَل خيبتا الأمل التركيتان بدايةَ هذا الشهر بآمال في تعاون استراتيجي قديم – جديد مع إسرائيل في مسعى لإسقاط الأسد. ربما يجري الآن دفع جهود إحداث خرق في المفاوضات بين إسرائيل وتركيا بشأن التعويضات لضحايا الأسطول قُدُمًا.

اقرأوا المزيد: 807 كلمة
عرض أقل
رجب طيب أرودغان  (AFP PHOTO/ADEM ALTAN)
رجب طيب أرودغان (AFP PHOTO/ADEM ALTAN)

ضوء أمريكي في نهاية نفق أردوغان

"سلام في البيت، سلام في العالم" هو شعار معروف في تركيا وضعه مؤسس الدولة أتاترك. يتم اقتباسه في أماكن كثيرة في الحيّز الجماهيري التركي، وهو يرمز إلى طموحات تركية السياسية طيلة عقود من الزمن.

في السنوات الأخيرة، لم يعد التطرق التركي يقتصر على البيت والعالم. فقد أضيف إليه الحي أيضا. أردوغان ووزير خارجيته داوود أوغلو وضعا المقولة “صفر مشاكل مع الجيران” كلبنة أساس إضافية في السياسة التركية.

وإذ به، مع انتهاء صيف 2013، لا يوجد لدى تركيا سلام في البيت، ليس لها سلام في العالم، وأما النزاعات مع الجيران فهناك الكثير منها. هذا الأمر يضع مصاعب جمة أمام أردوغان. للمرة الأولى منذ سنوات توليه العشر – يبدو أنه لم يعد زعيما قادرًا على كل شيء في الحلبة السياسية التركية. تصريحات أردوغان في الأشهر الأخيرة تؤكد أنه قد أصبح من الصعب عليه أن يتماشى مع الوضع الجديد. في هذه الأثناء، يأمل في أن يعيد له هجوم أمريكي على سوريا انطلاقته.

الاحتجاج الاجتماعي الذي جرى هذا الصيف في تركيا أظهر إلى أي مدى هناك معارضة لأردوغان بين أوساط قطاعات مختلفة في المجتمَع التركي، والتي ليس بينها أي شيء مشترك. شهد الاحتجاج على تيارات عميقة، من شأنها أن تترك أثرها في المعارك الانتخابية الثلاث التي سيتم إجراؤها في تركيا في السنتين المقبلتين – الانتخابات المحلية في شهر آذار 2014، الانتخابات للرئاسة في صيف 2014 والانتخابات للبرلمان في صيف 2015 (إذا لم يتم تقديم موعدها).

صحيح أن استطلاعات الرأي العام التي أجريت في تركيا مؤخرًا، تظهر أنه لا يوجد حاليًا زعيم معارضة يمكنه أن يقوّض سلطة أردوغان، إلا أن هناك رغبة آخذة بالتزايد بين أوساط الجمهور التركي لوجود حزب جديد يجسد روح الاحتجاج الجماهيري. لقد كانت هناك أسبقية في تركيا لحزب جديد تم تأسيسه قُبيل الانتخابات وجرف كل الأصوات. أردوغان يعرف هذه الأسبقية جيدًا. يجري الحديث عن حزبه هو، الذي تأسس في العام 2001 وحظي بأكثرية ساحقة في البرلمان في انتخابات 2002.

لا توجه إشارات بعد لتكرار هذه الأسبقية، ولكن الجمهور بدأ بالتأكيد يرمق النظر إلى الجوانب ويبحث عن زعماء جدد ليكونوا بديلا. مثل هؤلاء الزعماء يمكن أن ينشأوا من الحلبة المحلية وأن ينتقلوا من هناك إلى الحلبة الوطنية، كما كان أردوغان في البداية رئيسا لبلدية إسطنبول.

المعارضة الجماهيرية لأردوغان لم تقوّض حكمه بعد، ولكنها تمس بقدرته على تطبيق الخطوة الأساسية بكل القوة، التي كان يأمل في تحقيقها في فترة توليه الحالية – تغيير الدستور وتغيير نظام الحكم إلى رئاسي. كان من شأن هذه الخطوة أن تمهد طريق أردوغان في العام 2014 إلى منصب رئيس تركيا. في الجو الجماهيري الذي يحتج على مركزية أردوغان الآخذة بالتزايد، أصبح من الصعب عليه الآن أن يدفع مثل هذه الخطوة قدما، وأن يركّز المزيد من الصلاحيات بين يديه.

إضافة إلى ذلك، يُستشف من استطلاع للرأي العام الذي أجري في شهر آب 2013، أن الجمهور بالذات معني بأن يواصل الرئيس الحالي عبد الله غول، في فترة ولاية إضافية. غول، الذي تصرف باعتدال أيام الاحتجاج الاجتماعي وحاول أن يلعب دور العامل الموحّد، حظي بشعبية كبيرة أكثر من شعبية أردوغان كمرشح للمنصب. إذا لم تكن هناك معارضة من الخارج – يبدو أن معارضة بدأت تنمو لأردوغان من الداخل، وحتى وإن كانت محدودة.

مصاعب أردوغان على الحلبة الداخلية هي جزء فقط من الحكاية. الحلبة الخارجية، التي كانت ملاذ أردوغان في السنوات السابقة، تضع أمامه اليوم تحديات غاية في التعقيد. أردوغان، الذي عمل على إرجاع تركيا إلى مكانة اللاعب الرائد على الحلبة الشرق أوسطية، موجودة اليوم في موقع مثير للمشاكل مقابل كل جارات تركيا تقريبا. حتى أمواج التعاطف العربية التي حملت أردوغان على أجنحتها، بعد المواجهة مع شمعون بيريس في مؤتمر دابوس وبعد انطلاق الربيع العربي، قد تبخرت.

المواجهة بين سوريا وتركيا وبين مصر وتركيا تكاد تصل إلى السماء، في السلطة الفلسطينية ينظرون بتخوف إلى العلاقات الحميمة بين تركيا وحماس، الرئيس العراقي اختار مؤخرًا دعوة رئيس المعارضة التركي، قيليجدار أوغلو، بالذات مؤخرا لزيارة إلى العراق وليس رئيس حكومتها، عملية السلام مع الحركة السرية الكردية تتقدم أبطأ مما كان متوقعًا، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل لم يتم إحرازه بعد. قال أحد الدبلوماسيين من المنطقة مؤخرا أنه لا توجد أي دولة في المنطقة يمكن لأردوغان أن يزورها.

إن تصريحات أردوغان بالنسبة للتطورات في المنطقة هي تصريحات لاذعة وهجومية. هكذا تصرف أيضا حيال الاحتجاج الاجتماعي في بلاده. أردوغان يبحث عن مذنبين، وفي بعض الأحيان يتمادى إلى أماكن مستغربة جدا بهدف العثور عليهم. فلنأخذ على سبيل المثال تصريحاته ضد جهات يهودية تقف خلف الاحتجاج في بلاده، وإسرائيل التي تقف خلف استبدال السلطة في مصر.

داخل كل هذا الفيض، ها هي نقطة ضوء تلوح لأردوغان على شكل المبادرة الأمريكية لإنجاز عمل عسكري في سوريا. منذ بداية الأزمة مع سوريا، أردوغان هو المتحدث الرسمي ضد نظام الأسد. ولكن على ضوء عدم استعداد تركيا المبرر للعمل لوحدها ضد نظام الأسد، لم يكن بإمكان أردوغان أن يفعل الكثير بهدف إسقاط حكم الأسد بشكل فعلي.

سياسة أردوغان السورية بدأت تبدو كفشل وكتعبير عن التراخي، وهو يتوقع خطوة أمريكية ضد سوريا ترجح الكفة مرة أخرى لصالحه، سواء على الحلبة الإقليمية أو على الحلبة السياسية الداخلية. يعبّر أردوغان عن دعم متحمس، استثنائي مقابل كافة ردود الفعل في المجتمع الدولي، لهجوم أمريكي، ويتوقع أن يكون مثل هذا الهجوم أكبر مما هو متوقع وأن يؤدي إلى موجة من الأحداث التي ستؤدي إلى سقوط الأسد.

في هذه الفترة بالذات، تتحول مجالس النواب إلى عامل يصعّب على الزعماء دفع الهجمات العسكرية قدمًا، أما في تركيا فإن التوجه معكوس. في العام 2003 رفض البرلمان التركي طلب الولايات المتحدة الهجوم على العراق من الأراضي التركية. في هذه المرة، وفي الوقت الذي يجتمع فيه الكونغرس الأمريكي للتشاور، أعلنت الزعامة التركية عن ضوء أخضر. أعلنت الزعامة التركية بأنها ستضع قاعدة سلاح الجو إنتشرليك الموجودة في أراضيها تحت تصرف هجوم تشنه قوات حلف شمالي الأطلسي ضد سوريا.

لقد ركزت حملة أردوغان الانتخابية في العام 2011 على المستقبل ووضعت رؤيا طموحة لتركيا للعام 2023 (الاحتفال بمئة عام على تأسيس الجمهورية). لا يمكن لحملة أردوغان الانتخابية التالية أن تتجاهل مشاكل الحاضر. أردوغان بحاجة الآن إلى إنجاز إقليمي يساعده في التغلب على المشاكل الداخلية والخارجية، والولايات المتحدة بالذات هي التي يمكنها أن توفر له هذه البضاعة. ستكون طلقات النار الأمريكية على دمشق بمثابة طلقة افتتاح حملة أردوغان القادمة.

اقرأوا المزيد: 914 كلمة
عرض أقل
أردوغان يستقبل مرسي في أنقرا، أيلول 2012 (AFP)
أردوغان يستقبل مرسي في أنقرا، أيلول 2012 (AFP)

لو استمع مرسي لنصيحة أردوغان

سنتان بعد أن استقبله المصريون كنجم متألق، أصبح أردوغان ضيفًا غير مرغوب فيه في مصر

في أيلول 2011، هبط رئيس الحكومة التركية في القاهرة بكامل المجد والأبهة. واستقبلت الجماهير المصرية الحماسية أردوغان، ملوّحةً بالأعلام التركية، وهاتفةً دعمًا له. وقد شبّهت مجلة تايم ذاك الاستقبال باستقبال نجم روك. استقبال زعيم دولة ترى نفسها قوة عظمى إقليمية، وقدوة يُحتذى بها لدول الربيع العربي.

سنتان مرَّتا، ليصبح أردوغان ضيفًا غير مرغوب فيه في مصر، على الأقل من جانب السلطات. فبعد الإطاحة بمرسي، تفوّه أردوغان ووزراء في حكومته بتصريحات هجومية ضدّ الجيش المصري وسياسته. ووصف أردوغان الإطاحة بمرسي بأنها مسّ بالديموقراطية وخيانة لإرادة الشعب. وقال إنّ تركيا لا يسعها التزام الصمت حيال العنف الذي يُمارَس في مصر.

أثارت هذه الأقوال سُخطًا في مصر. فقد اعتُبرت تدخُّلًا في شؤون مصر الداخلية، وخروجًا عن الأعراف الدبلوماسية. ويتزايد التوتر الدبلوماسي بين الدولتَين، ما أدّى إلى إعلان مصر أنها لن تتيح لأردوغان أن يمرّ في أراضيها للقيام بزيارته المخطّط لها إلى غزة.

فهل هذه عقوبة أم خشبة إنقاذ؟ فمنذ 2011، يترقّب قياديّو حماس ومواطنو غزة زيارة أردوغان. حُدّدت المواعيد، أُسمعت التصريحات، حُدّدت البرامج – ولا زيارة إلى غزة. الأسباب منوَّعة، لكنّ عدم خروج الزيارة إلى حيّز التنفيذ تحوّل إلى رمز للفجوة بين أقوال أردوغان وأفعاله. هذه الفجوة واضحة أيضًا في قضايا أخرى متصلة بالشرق الأوسط، وعلى رأسها سوريا، تشهد على صعوبة تنفيذ السياسة الخارجية الإقليمية التركية.

يزعزع التوتر المتبلور بين مصر وتركيا منذ الإطاحة بمرسي أحد المحاور المثيرة للاهتمام التي بدأت تتبلور في الإقليم جراء أحداث الربيع العربي. فقد بدأت مصر وتركيا – دولتان حليفتان للغرب، حاولتا سابقًا أن تطوّقا الواحدة خطوات الأخرى في صراعهما على المكانة الإقليمية – في عهد مرسي بنسج علاقات تعاون وثيقة بينهما.

فقد بارك أردوغان ارتقاء الإخوان المسلمين السلطة في مصر، إذ رآهم شركاء له. فليس صدفةً أنّ مرسي دُعي إلى تركيا كضيف شرف في مؤتمر حزب العدالة والتنمية، الذي عُقد في أيلول 2012. “نحن بحاجة لمساعدة تركيا”، قال مرسي في خطابه. وكان من الواضح أنّ إنجازات حزب أردوغان كانت ملهِمًا له.

من جهتها، عبّرت تركيا عن سعادتها بتقديم المساعدة، وتعهّدت بتقديم مساعدة اقتصادية هائلة لمصر مرسي. كما وَثَّقَ جيشا البلدَين تعاونهما، وقام أردوغان بزيارة أخرى لمصر في تشرين الثاني 2012 – هذه المرة في سياق عملية “عمود السحاب”، حيث زار وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، غزة.

ووصف داوود أوغلو التعاون المتبلور بين تركيا ومصر بأنه “محور الديموقراطية”، مضيفًا أنه شراكة استراتيجية. لكن كما انهارت الشراكة الاستراتيجية بين أردوغان والأسد إثر اندلاع الحرب الأهلية السورية، كذلك لم تنجُ الشراكة التركية – المصرية من التغييرات في السلطة في مصر.

صحيح أنّ أردوغان اعتبر مرسي شريكًا وحليفًا، لكنه لم يمتنع عن انتقاد سلوكه في السلطة. فمنذ بداية المشوار، أشار أردوغان إلى الطريق التي يجب أن يسير فيها الإسلام السياسي في مصر، حسب رأيه. ففي زيارته إلى القاهرة عام 2011، أثار أردوغان امتعاض حركة الإخوان المسلمين هناك.

“آمل أن يكون النظام الجديد في مصر علمانيًّا”، قال أردوغان في مقابلة مع التلفزيون المصري. وأضاف أنه رغم كونه مسلمًا، فإنّ الدولة التي يتزعمها هي علمانية. على مصر تبني دستور علماني، أوضح أردوغان حينذاك، وتابع أنّ النموذج التركي يظهر أنّ العلمانية ليست عدوّ الدين.

وكانت خارطة الطريق التي عرضها أردوغان على الإخوان المسلمين المفتاح في نظره ليتمكن حزب ذو طابع ديني من السيطرة على دولة ترى فيها المؤسسة الأمنية وجزء كبير من الشعب الإسلامَ السياسي عدوًّا يجدر التخلّص منه. نجح أردوغان في فعل ذلك في تركيا. لكنّ مرسي لم ينجح في مصر.

رفض الإخوان المسلمون في مصر كلام أردوغان عام 2011، معتبرينه تدخلًا في الشؤون الداخلية المصرية. “لا يمكن استنساخ تجارب دول أخرى في مصر”، ردّ الناطق بلسان الحركة. ولذلك، رُفضت نصائح أردوغان. وكان للخط الذي اختار مرسي انتهاجه دور كبير في الإطاحة به.

ففي سنة حكمه كرئيس، سار مرسي على خطى نجم الدين أربكان – رئيس الحكومة الإسلامي في تركيا الذي أطيح به في إنذار عسكري عام 1997 بعد سنة فقط في السلطة. بدا مرسي رئيسًا ذا أجندة إسلامية واضحة، يعيّن رجال الإخوان المسلمين في مناصب بارزة، ويحاول أن يزعزع بسرعة مكانة المؤسسة العلمانية.

نُظر إلى مرسي على أنه يعمل أكثر لصالح حركة الإخوان المسلمين، وأقل لصالح مصر كلها. وهذه طريقة مختلفة عن تلك التي انتهجها أردوغان في سنواته الأولى كرئيس حكومة تركيا. يشتاق أردوغان لمرسي في هذه الأيام، لكنه يظنّ بالتأكيد أنه لو أصغى الرئيس المصري المعزول إلى نصائحه – لكان مصيره مختلفًا.

* د. نمرود جورن هو رئيس متفيم – المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، ومحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية بالقدس.

اقرأوا المزيد: 681 كلمة
عرض أقل