نعوم ريدان

صورة للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله (AFP)
صورة للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله (AFP)

سلخ حزب الله عن لبنان صعب جداً

لو كان المسؤولون اللبنانيون يمتلكون القدرة على إحياء الدولة اللبنانية وإنهاء هيمنة حزب الله، لكانوا فعلوا ذلك منذ زمن طويل

لو كان اللبنانيون المعارضون لـحزب الله قادرين على إضعاف الحزب، لكانوا فعلوا ذلك منذ زمن طويل. ففي أيار/مايو 2008، قام سياسيون في الحكومة اللبنانية، التي كانت آنذاك مدعومة من الغرب، بتحدي حزب الله، مطالبين بتفكيك شبكة الاتصالات الخاصة به. إلا أن الحزب رفض هذا المطلب واندلعت اشتباكات دامية بين مسلحين موالين للحكومة من جهة وآخرين موالين للحزب من جهة أخرى في مناطق مختلفة من بيروت وجبل لبنان. والأهم من ذلك، لو كان المسؤولون اللبنانيون يمتلكون القدرة على إحياء الدولة اللبنانية وإنهاء هيمنة حزب الله، لكانوا أيضًا فعلوا ذلك منذ زمن طويل.

في الوقت الراهن، يبدو أن قدر اللبنانيين هو العيش مع حزب الله. بالنسبة إلى الكثيرين، هذا الواقع مروع جدًا لدرجة أنهم يشدّدون على اقتراب زوال الحزب. من جهة أخرى، تقبل البعض الآخر هذا الأمر، على مضض بالتأكيد، مثل تيار المستقبل الذي يعقد حاليًا سلسلة من جلسات الحوار مع حزب الله.

هذا وصرّح سعد الحريري، الزعيم السني لتيار المستقبل، خلال اجتماع عُقد في بيروت في 21 شباط/ فبراير، قائلًا بأن حوار تياره مع حزب الله يهدف إلى “توفير الحد الأدنى من مقومات الاستقرار الأمني والسياسي.” يُشار إلى أنه منذ كانون الأول/ ديسمبر 2014، عقد الجانبان ستة جلسات حوارية، التي لا تهدف إلى تقليص ترسانة حزب الله العسكرية، ولا تسوية قضية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ولا معالجة تورط الحزب الخطير في الحرب الأهلية السورية. بدلًا من ذلك، يهدف الحوار بين الفريقين إلى منع أي فتنة طائفية من النشوب في لبنان، وإلى تسهيل انتخاب رئيس مسيحي للجمهورية، علماً أن هذا المنصب لا يزال شاغراً منذ أيار/ مايو 2014.

منذ العام 2008، والعديد من الأحزاب اللبنانية تتعامل بحذر مع حزب الله وذلك لسببين. أولًا، لا يمكن للبنان أن يتحمل خوض مغامرة لإضعاف أقوى حزب مسلح على أراضيه لأن هذا سيؤدي إلى نزاع داخلي. فـحزب الله هو عبارة عن جماعة شيعية لبنانية، ولا يمكن تحديه بنفس الطريقة التي تحدى فيها اللبنانيون النظام السوري في العام 2005 وأجبره على الانسحاب من لبنان. حتى وإن كان الحزب يمثل في نظر العديد اللبنانيين إيران لا لبنان، إلا أنه لا يمكن إنكار حقيقة أنه طرف مؤثر تمكن من تعزيز تحالفات سياسية مختلفة مع المسيحيين والدروز، وحتى مع بعض الجماعات السنية. ونظرًا إلى تأثيره وسلاحه وشعبيته في صفوف الشيعة اللبنانيين، لا يمكن للبنان معاملة حزب الله بنفس الطريقة التي تتبعها الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ففي لبنان، حزب الله، أو حتى جناحه العسكري على الأقل، ليس مصنفاً كمجموعة إرهابية.

ثانيًا، جميع الأحزاب المعارضة لـحزب الله تتمتع بالحق في توجيه النقد اللاذع إلى الحزب على مدار الساعة، لكنها لا تستطيع محاربته عسكريًا. لهذا السبب اعتمد بعض اللبنانيين، وبشكل خاطئ، على البلدان الأجنبية، مثل إسرائيل، لتركيع حزب الله، وخاصة بعد حرب العام 2006. لكن في حال قررت إسرائيل في المستقبل القضاء على حزب الله فإن كل اللبنانيين، وليس الشيعة فقط، سيعانون من أثار الحرب الجديدة التي ستكون أسوأ من الحرب الأخيرة بين الطرفين.

حزب الله ليس قوة لا تُقهر. فهو عانى من خسائر عديدة في سوريا، كما تم اختراق صفوقه من قبل جواسيس إسرائيليين. لكن لا يبدو بأن الحزب سيزول في المستقبل القريب. وقال الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، في مقابلة أجراها في 15 كانون الثاني/يناير إن “المقاومة اليوم أفضل مما كانت عليه في أي وقت من حيث قدراتها وسلاحها النوعي. ولدينا كافة [الأسلحة] التي يمكن تخيلها، وبكميات كبيرة. ونحن الآن أقوى من أي وقت مضى كحركة مقاومة.” وأتى ذلك قبل ثلاثة أيام من استهداف إسرائيل لقافلة تقل أعضاء من حزب الله وجنرالًا إيرانيًا بالقرب من هضبة الجولان. وبعد بضعة أيام رد حزب الله من مزارع شبعا المحتلة، وليس من الأراضي اللبنانية، من خلال ضرب قافلة عسكرية إسرائيلية، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من الجنود.

إضافة إلى تعزيز ترسانته العسكرية، اكتسب حزب الله خبرة قتالية مهمة خلال الحرب السورية، وتمكن من تحسين قدراته على مستوى الاستطلاع العسكري والاتصالات، وذلك وفقًا لصحيفة ” كريسشان ساينس مونيتور.” حتى إن بيني غانتز، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي السابق، أقر في العام 2014 بأن حزب الله هو حاليًا “أقوى من أي جيش عربي.”

لا يزال لبنان محافظاً على تماسكه على الرغم من الاضطرابات الداخلية الخطيرة والناتجة عن الأزمة السورية وعن تورط حزب الله فيها. والجيش اللبناني، بدعم من غالبية الشعب اللبناني، يحارب حالياً مجموعات متطرفة على طول الحدود مع سوريا، ولا يزال يحصل على الأسلحة الضرورية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحتى الأردن، لمساعدته على منع تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وجبهة النصرة من الاستيلاء على أراض لبنانية.

في الوقت الحاضر، تُعتبر التهديدات على الحدود الشمالية والشرقية للبنان مقلقة أكثر من تلك التي يشكلها حزب الله. لذا فإن معركة لبنان اليوم ليست مع حزب الله، بل مع المتطرفين القادمين من سوريا.

لبنان أشبه ببرج بيزا المائل في ايطاليا. لكن الفارق بينهما هو أن ميلان لبنان لن يستقر بشكل تام.

نشر هذا المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة

اقرأوا المزيد: 746 كلمة
عرض أقل
وليد جنبلاط في زيارة بعض القرى الدرزية المجاورة للحدود السورية (AFP)
وليد جنبلاط في زيارة بعض القرى الدرزية المجاورة للحدود السورية (AFP)

الدروز يرصون صفوفهم مع استعار الحرب السورية

بما أنه لا يمكن للدروز السوريين الاعتماد على أي قوة خارجية لحمايتهم، فهم لا يزالون يتمسكون بنظام الأسد. فبالنسبة لهم، هناك أمر واضح جدّاً: لا يمكنهم أن يكونوا مع الطرف الخاسر في الحرب الأهلية الدموية في سوريا

لقد زادت تداعيات الحرب السورية على استقرار لبنان من قلق المجتمع الدرزي. مع استعار نار الفتنة الطائفية، حاول الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط تخفيف واحتواء التوتر الذي نشب مؤخراً بين الدروز والسنة. ويدرك جنبلاط أن خطوته هذه من شأنها أن تساعد أبناء طائفته السوريين، لاسيما في جنوب سوريا، حيث تحرز الجماعات السنية المتطرفة، كـ”جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة،” تقدمًا وباتت تشكل تهديدًا على المجتمعات الدرزية في تلك المنطقة.

في الواقع، مخاوف وليد جنبلاط نابعة من حدثين غير مسبوقين في المجتمعين الدرزيين السوري واللبناني في شهر أغسطس الماضي. فللمرة الأولى منذ 2011، حصلت مواجهة قصيرة في أغسطس 16 بين الدروز السوريين وبدو سنة مسلحين، يُقال إنهم كانوا مدعومين من “جبهة النصرة” في الجنوب حيث تسيطر هذه الأخيرة إلى جانب فصائل إسلامية قتالية أخرى على مدينة القنيطرة وعلى المعبر الحدودي بين سوريا وإسرائيل.

وبعد أسبوعين على تلك الحادثة، هاجم سكان قرية عين عطا الدرزية-اللبنانية والقريبة من الحدود السورية حافلة ركاب اشتُبهت بنقلها مقاتلين سوريين متطرفين. فتدخل القادة الدروز اللبنانيون سريعاً قبل أن يزداد الوضع سوءًا علمًا أن العواقب كان من شأنها أن تكون وخيمة ليس فقط على دروز لبنان بل أيضاً على الدروز في جنوب سوريا، حيث تقع محافظة السويداء الدرزية التي لا تزال تُعتبر من معاقل نظام الرئيس السوري بشار الأسد ولا يرجَّح أن تسقط في أيدي الجهاديين السنّة.

الجيش اللبناني يقوم بحراسة بلدة عرسال الحدودية من جماعات الدولة الإسلامية (AFP)
الجيش اللبناني يقوم بحراسة بلدة عرسال الحدودية من جماعات الدولة الإسلامية (AFP)

في أواخر شهر سبتمبر وبعد حادثة عين عطا، زار الزعيم الدرزي جنبلاط عددًا من القرى السنية والمسيحية والدرزية في لبنان، لاسيما تلك المجاورة للحدود السورية كعين عطا وشبعا. وركز على أهميّة الوحدة بين كافة عناصر النسيج اللبناني بغض النظر عن الانتماء الطائفي أو السياسي. كما أنه سلّط الضوء على ضرورة تجنب المواجهات مع المليون لاجئ سوري الموزعين في كافة أنحاء لبنان.

تجدر الإشارة إلى أن عين عطا تقع على تلة قريبة من جبل الشيخ الاستراتيجي الممتد بين لبنان وسوريا وإسرائيل. ويقع على السفح الشرقي للجبل عددا من القرى السورية الدرزية، كقلعة جندل وخضر ومغر المير وعرنة، وقد شهدت هذه القرى مواجهات بين قوات النظام ومجموعات الثوار، من بينها “جبهة النصرة،” بالإضافة إلى عمليات خطف. ومع أن “الجيش السوري الحر” نشر شريطًا مصورًا يطمئن الدروز في مغر المير إلى أنه يحميهم، يقال إن “جبهة النصرة” اختطفت بعض الشباب الدروز من القرية.

وقد أتت زيارة وليد جنبلاط إلى بلدة شبعا اللبنانية ذات الأكثرية السنية في وقت ملائم. فالوضع هناك حساس جدًّا لاسيما وأن البلدة استقبلت عددًا هائلاً من اللاجئين السوريين، كما إنها مجاورة لقرى درزية كحاصبيا. ويقال إن حافلة الركاب التي هاجمها السكان الدروز في عين عطا كانت قادمة من شبعا ومتوجهة إلى سهل البقاع في لبنان حيث دارت معارك بين مقاتلين متطرفين من سوريا والجيش اللبناني، وبشكل خاص في جرود بلدة عرسال الحدودية وذات الغالبية السنية. وأثار ذلك الحدث أسئلة حول إمكانية قيام المتطرفون السوريون بزعزعة الوضع في شبعا كما حصل في عرسال. ويدرك جنبلاط إمكانية عودة الفتنة الطائفية من جراء عدّة أزمات في لبنان من بينها أزمة المخطوفين في عرسال حيث اختطف مقاتلون من تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” و”جبهة النصرة” عددًا من الجنود اللبنانيين (سبعة منهم دروز). وتُعتبر الزيارة إلى شبعا خطوة لتجنب أن تصبح هذه القرية السنية “عرسال ثانية.”

وعلى الأغلب، يتفق وليد جنبلاط مع القادة الدروز الآخرين بمن فيهم خصمه السياسي طلال إرسلان. فهم يدركون أنهم كأقلية في لبنان كما في سوريا لا يمكنهم أن ينجروا أكثر إلى الحرب الأهلية السورية أو الفتنة الطائفية في لبنان. فكل ما يمكن للدروز فعله الآن هو تجاوز أزمتهم بشكل براغماتي. وقال جنبلاط في هذا السياق مؤخرًا إن “مسؤوليتنا تقضي بحماية الجيش والمؤسسات الحكومية كما يجب أن نضع خلافاتنا السياسية جانبًا لحماية لبنان.” موقفه هذا يذكّرنا بالشعار الذي كان يردّده المعارضون الدروز في المظاهرات قبل ان تخفت الثورة: “سوريا واحدة”.

وبما أنه لا يمكن للدروز السوريين الاعتماد على أي قوة خارجية لحمايتهم، فهم لا يزالون يتمسكون بنظام الأسد. فبالنسبة لهم، هناك أمر واضح جدّاً: لا يمكنهم أن يكونوا مع الطرف الخاسر في الحرب الأهلية الدموية في سوريا.

نشر هذا المقال لأول مرة على موقع “منتدى فكرة”

اقرأوا المزيد: 616 كلمة
عرض أقل