ميدا

حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)
حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)

صراعات الأنابيب: المحرّك وراء الأخطبوط القطري

تناور بين الولايات المتحدة وروسيا وتغازل إيران • ولكن ليس كل شيء ورديّا: فقد أدخلت ثورة الصخر الزيتي في أمريكا القطريين في ضغوط، بالإضافة إلى الانخفاض الحادّ في أسعار النفط

يمكن تسمية مدينة رأس لفان الواقعة على الشاطئ الشمالي الشرقي لقطر المدينة التي لا تنام بالتأكيد. ولكن بخلاف تل أبيب أو باريس فلن تجدوا فيها روّادا. بدلا من المطاعم والمتاحف هناك مصافٍ وميناء، المجمّع الأكبر في العالم لتصنيع وتصدير الغاز المسال. بفضل هذا المكان، الذي يتم فيه سنويّا إنتاج كمية من الغاز أكثر مما تحتاجه كندا كلها.

ولكن أيضًا إنْ أردتم أن تنفقوا الوقت وتتمتّعوا بالمناظر الخلابة في الخليج العربي، فستكون هناك صعوبات في إثارة الانطباع. فالدخول لمن ليس عاملا في الموقع مقيّد وإذا كنتم قد حصلتم على تصريح للزيارة فهناك منع تامّ لتصوير أي تفاصيل محلية.

جعلت رأس لفان من سكان قطر الأغنى في العالم مع معدّل دخل للفرد يزيد عن 100,000 دولار. عندما دخل العالم في ركود عميق عام 2008 نما الناتج المحلي الإجمالي في قطر بنسبة 17%. بعد عام من ذلك فكّر رئيس حكومتها، حمد بن جاسم، بصوت عال معبّرا عن نظام عالمي جديد “لا يكون الغرب هو اللاعب الوحيد فيه”.

وأصبحت قطر بالتأكيد لاعبا مهمّا في السياسة العالمية. وقد تلقّينا تذكيرا مفيدا لذلك مؤخرا، عندما تردّدت تركيا، المتعطّشة للطاقة، كثيرا إذا كانت ستشتري الغاز من حقل “الحوت” الإسرائيلي في فترة ما بعد عملية “الجرف الصامد”، حينها قررت قطر أن توفّر لصديقتها الطيبة 1.2 مليار متر مكعب من مخزونها من الغاز. وقد مُنحت الهدية، كما ذكرت التقارير، كتعبير عن الامتنان على موافقة أنقرة لاستقبال قادة “الإخوان المسلمون” الذين تمّ ترحيلهم من قطر.

وتساهم مكانة قطر المحترمة أيضًا في سيطرتها على موارد اقتصادية في الغرب. عام 2009 بدأت الشحنات الأولى في الوصول من رأس لفان إلى محطة التحويل إلى غاز في منطقة ويلز، والتي بنتها قطر نفسها. بعد مرور عامين، أصبحت بريطانيا تعتمد في طاقتها على الغاز القطري. في تلك الفترة وما بعدها، اشترى صندوق الاستثمار القطري أيضًا عقارات استراتيجية في لندن، بل وأصبحت المستثمر المهيّمن في سوق العقارات المحلّي.

وترغب قطر في الحفاظ على مكانة التأثير التي تملكها بأي ثمن، ولذلك فإنّ رأس لفان مغلقة أمام الزائرين. فهم يخشون من المنافسين.

متكدّس في خطّ الأنابيب

حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)
حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)

والمنافسة صعبة حقّا. رغم أنّ قطر تسيطر بما لا يقبل الجدل على سوق الغاز المُسال، إلا أنّه في قائمة عموم منتجي الغاز في العالم، فإنّ روسيا وإيران والولايات المتّحدة تتقدّم عليها.

وفقا للتقديرات، ستتقدّم أستراليا على قطر عام 2018 أيضًا في سوقها المحلّي، وذلك عندما يتضاعف حجم إنتاج الغاز في أرضها ثلاث مرات ويصل إلى نحو 85 مليون طنّ سنويّا. ولكن التهديد الأكبر الذي تشكّله أستراليا هو سيطرتها المتزايدة على أسواق آسيا، الساحة الرئيسية لقطر. حتى اليوم فإنّ حجم شراء الغاز من قبل اليابان موزّع بالتساوي بين قطر وأستراليا. ومن المتوقع أن تزيد أستراليا من ميزتها في السوق اليابانية وذلك بسبب انخفاض تكاليف النقل الناجم عن القرب الجغرافي بينهما نسبيّا. إنّ ارتفاع تكلفة اليد العاملة المرتفعة في أستراليا وقوة دولارها توازن الصورة في الوقت الراهن. كذلك، تتنافس شركات الغاز الأمريكية بشكل قويّ مع قطر. فقد وقعت تلك الشركات مؤخرا على نحو 40 عقد مع مستوردين من الهند، أوكرانيا واليابان. يعيد المستوردون من آسيا بالتأكيد هذه المحبة على شكل استثمارات في مصانع الغاز المُسال في أستراليا وأمريكا الشمالية.

الاستثمارات الآسيوية موجّهة أيضًا لصالح القدرات الجديدة لدى الولايات المتحدة في مجال الطاقة: تنتج أمريكا الغاز من الصخور الزيتية، وهي ثورة أدّت إلى فقدان السوق الأمريكية بالنسبة للقطريين. ستُغيّر هذه الثورة قواعد اللعبة في المستقبل عموما في الصناعة، كما اعترف مؤخرا محمد حسين عدلي الذي يترأس GECF، منتدى مُصدّري الغاز، والذي يقع مقرّه في قطر. ويمكن ملاحظة البوادر الأولى لتغيير قواعد اللعبة في سوق الغاز من الآن. تتحدث الإمارات العربية المتحدة صراحةً عن استيراد الغاز الأمريكي الرخيص والمنتَج من الصخر الزيتي من أجل تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء. ستكون هذه ضربة أخرى لقطر التي توفر معظم الغاز الذي تستورده الإمارات.

ونحن أيضًا على الخارطة: وقّعت شركة الكهرباء الأردنية التي تُعتبر من زبائن قطر مؤخرا على اتفاقية مع الشركاء في مخزون “الحوت” الإسرائيلي لشراء الغاز، بسعر أقلّ بنسبة 50% من السعر القطري.

الصدع السوري

حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)
حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)

اختارت قطر تقنية التسييل المكلفة لأنّها لا تملك وسيلة أخرى لنقل الغاز من احتياطاتها إلى خارج حدودها القريبة. حاول القطريون حلّ هذه المشكلة عام 2009، وفقا للتقارير في الغرب وفي الخليج العربي، حينذاك اقترحوا على سوريا بناء خطّ أنابيب للغاز يمرّ عن طريقها ويصل إلى تركيا وأوروبا. رفض الرئيس الأسد، كما قالت بعض التقارير، حيث كان الاعتبار الأساسي هو الحفاظ على مصالح حليفه فلاديمير بوتين. لدى روسيا مصالح غالبة في مسألة توريد الغاز إلى أوروبا.

وفقا لنافذ أحمد، وهو محلّل كبير في شؤون الأمن من لندن، كان هذا هو السبب الرئيسي لأن تعمل قطر بكامل قدراتها مع اندلاع الحرب الأهلية السورية على المساعدة للإطاحة ببشّار الأسد. وقف بوتين، مع ذلك، على طول الطريق كسور محصّن إلى جانب الأسد، حيث هدّد تحقيق أحلام قطر بتدمير أعمال “غازبروم” في أوروبا نظرا للتكلفة المنخفضة للغاز المنتَج في المملكة.

ولكن حسب رأي إيلي أفيدار، الذي عمل كممثل لإسرائيل في قطر بين عاميّ 1999 – 2001، فهناك جهة أخرى تقف في طريق قطر إلى أوروبا. “وفقا لما أعلمه”، قال أفيدار في محادثة مع “ميدا”، “فإنّ الذي يعرقل هذه العملية هم السعوديّون وليس السوريّون. تحتاج قطر من أجل وضع خطّ الأنابيب إلى موافقة السعودية التي تحيطها من كلّ الجهات، ولكن الجارة الكبرى والخصمة لا ترغب بذلك”.

“أما سبب معاداة سوريا”، يقول أفيدار، “يكمن في دعم الاستخبارات السورية لمحاولة انقلاب فاشلة عام 2006 والتي نفّذها عمّ الأمير الحالي من الدرجة الثانية. أعلن الأمير السابق لقطر عن العفو عن قريبه بل ودعاه إلى العودة للديار، ولكنه اعتقله لدى وصوله ورزح في السجن. تحسّنت العلاقات لاحقا مع بشّار الأسد، ولكن في العالم العربي لا شيء يُنسى!”.

ولكن تقف إيران في طريق قطر في سوريا، والتي لديها طموحاتها الخاصة. يرغب حكّامها في تحويلها من دولة لا تصدّر الغاز تقريبا، باستثناء توفير كميات محدودة لتركيا وأرمينيا، إلى لاعب مهمّ في الأسواق. ولذلك خطّطت إيران لتعزيز إقامة خطّ أنابيب خاصّ بها يمرّ من أراضيها عن طريق العراق إلى سوريا، ومن هناك عن طريق البحر المتوسّط إلى أوروبا. وبالطبع فإنّ الحرب في سوريا تمنع الأطراف من تحقيق أحلامهم. وتعرض إيران في الوقت الراهن صفقات على عُمان والإمارات العربية المتحدة، وهي من كبار عملاء قطر.

إلا أنّ قطر بدأت تستوعب أنّ الإطاحة بالأسد ليست مهمّة سهلة. وهناك رؤية أخرى اتضحت لدى الدوحة وعواصم أخرى في الخليج، وهي أنّ الكتلة التي زرعوها بصورة داعش قد تقوم على ما أنشأوه. أيضًا الحديث عن إطلاق مشاريع الطاقة في إيران في أعقاب تخفيف العقوبات أدى بالقطريين إلى البحث عن مسارات حوار مع قادتها، وفي الخلفية – كما يعتقد البعض – تطفو رغبتهم في الانضمام إلى خطّ الأنابيب الذي يريد الإيرانيون نشره في سوريا. تعتقد تيتانيا ميتروبا، وهي من رؤساء معهد بحوث الطاقة في موسكو، أنّ السبب مختلف: فخطّة وضع خطّ أنابيب في سوريا غير مربحة إطلاقا. “إنّ خطّ الأنابيب من سوريا إلى أوروبا”، كما توضح ميتروبا في محادثة مع “ميدا”، “يجب أن تنقل ما لا يقلّ عن 30 مليار متر مكعّب من الغاز من أجل استرجاع قيمة الاستثمار المطلوب له. وإذا أضفنا إلى ذلك عدم الاستقرار على طول المسار المخطّط له، فنحن نتحدث عن خطّة خيالية”.

إذن فما الذي يحرّك القطريين؟ وصف إيلي أفيدار في كتابه “الهاوية” محادثته مع مسؤول قطري اشتكى حينذاك أمام سمعه قائلا: “أنا لست راضيًا… عن الطريقة التي تتصرّف بها حكومتنا. فمرة نحن إلى جانب إيران وفي اليوم التالي نكون في الجانب الأمريكي. مرة نعلن عن مشروع وطني ما وفي اليوم التالي عن مشروع آخر”. هناك أيضا اعتقاد بأنّ الاهتمام المشترك لقطر وإيران بالأسواق الأوروبية يؤدي إلى تقارب حقيقي بينهما. وإثباتا لذلك، فقد عرضت قطر قبل نحو عام على الإيرانيين المساعدة في تطوير حصّتهم في حقل الغاز المشترك. يتصل ذلك الجزء المسمى “جنوب فارس” بحقل يدعى “حقل الشمال” والذي يُنتج منه معظم الغاز القطري ومن هناك يتمّ نقله إلى منشأة في رأس لفان من أجل تسييله ونقله إلى الأسواق.

ولكن بحسب رأي كمال الحرامي، وهو محلّل في شؤون الطاقة من الكويت، لم تكن هذه الخطوة القطرية أكثر من تدريب على العلاقات العامة. تستند صناعة الغاز القطرية إلى المعرفة والخبراء من الولايات المتحدة. تقاسم المعرفة هذا مع إيران يضرّ بنظام العقوبات ولن ينخدع أحد بأنّ الممثّلين الأمريكيين سيتجاوزون قوانين دولتهم.

الغاز شيء والإرهاب شيء آخر

حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)
حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)

في الوقت الراهن تصل قطر إلى الأسواق الأوروبية أيضًا دون خطّ الأنابيب السوري. نحو ربع الغاز المُسال الذي يتم توريده للقارّة مصدره قطر. وكما ذكرنا فإنّ سوق الطاقة في المملكة المتحدة متعلّق بهذا التوريد. ويمكن أن نعدّ من بين العملاء الآخرين: بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا وفرنسا. وقد أجرت مؤخرا أيضًا دول أخرى في أوروبا الشرقية محادثات لشراء الغاز القطري، أثمر بعض هذه المحادثات بتوقيع عقود بل وبإنشاء مرافق لاستقبال وتكرير الغاز المُسال في بعض تلك الدول. ستفرح تلك الدول كثيرا بخلاصها من الاعتماد على روسيا. وقّعت الدول الأوروبية مع “غازبروم” الروسية صفقات طويلة الأجل وترتبط أسعارها بأسعار النفط في الأسواق. ولكن يلعب اليوم في القارة أيضًا لاعبون صغار يبيعون هنا والآن بأسعار مرنة. وتنشط قطر في أوروبا بشكل أساسي في هذه السوق. ربما لا تشكّل السوق الجديدة تهديدا استراتيجيا على روسيا التي هناك لعملائها أيضًا مصالح في أمن الطاقة على المدى الطويل، ولكنها تضعفها لتأثيرها على أسعار الغاز.

وبحسب رأي ألدر كسييف، وهو محلّل استثمارات في الشرق الأوسط يقيم في موسكو، وعمل في الماضي في المكتب التمثيلي الروسي في الدوحة، فإنّ المنافسة بين القوّتين العظميين في الغاز لا تهدّد بلاده. ووفقا لتقرير صادر عن مصرف قطر المركزي، فإنّ العقود طويلة الأجل التي وقّعتها المملكة مع بعض الدول في آسيا وأمريكا الجنوبية، ستؤدي إلى انخفاض في الإمدادات إلى أوروبا. من المفترض لهذه الديناميكية، كما يعتقد كسييف، أن تفيد روسيا لأنّ التنازل القطري في المنطقة سيؤدّي إلى زيادة الطلب بحيث ستكون “غازبروم” سعيدة لملء الفراغ. تتوافق هذه التقديرات مع تصريحات وزير الطاقة القطري محمد السادة مؤخرا، بأنّه على الرغم من التوترات المنتشرة في أوروبا حول الحرب في أوكرانيا، فإنّ بلاده لا تنوي الإطاحة بأقدام روسيا من القارة، بل وأضاف أنّ جميع اللاعبين في السوق يكمّل كلّ منهم الآخر.

وبدا مؤخرا أنّ روسيا تحديدًا قد تمسّ بسيطرة قطر على أسواق آسيا عندما وقّعت على صفقة توريد غاز للصين. ولكن الصين كبيرة جدّا وتوريد الغاز إلى منطقة معيّنة لا يشكّل منافسة لتوريد الغاز إلى منطقة أخرى. حيث أنّ ذلك في رأي الخبراء لا يُعتبر تهديدًا حقيقيّا.

وخلاصة القول أنّه قد نتج وضع تتقاسم فيه روسيا وقطر الأسواق وتتعاونان بحكم الواقع. إنّ الحاجة لتعاون كهذا تصبح ملحّة على ضوء ثورة الصخور الزيتية في الولايات المتحدة والتي تشكّل كما ذكرنا تحدّيا مشتركا لقوى الغاز الكبرى. إنّ خطوات أوروبا، وخصوصا ألمانيا، في تقليل استهلاك الغاز وتبديله بزيادة استخدام الفحم وبناء محطّات الطاقة النووية، تحمّل كليهما المزيد من الصداع. إنّ انخفاض الأسعار في أسواق النفط مؤخرا يضع هو الآخر كلتا الدولتين في جبهة واحدة، حيث إنّ عقود قطر طويلة الأجل في آسيا وعقود روسيا في أوروبا مرتبطة بأسعار الذهب الأسود. ولكن وفقا للمحلّلين، فغالبا ستكون ردّة فعل أسواق الغاز التأخر لمدّة نصف عام بسبب هذه التغييرات في الأسعار وحتى ذلك الحين الله أكبر.

على أية حال، يعتقد ألدر كسييف بأنّ كلتا الدولتين قادرتان تماما على التعاون ولكنه يعدّد عقبات كثيرة تقف أمام هذا التقارب المحتمل. بدايةً، ثمة توتر سياسي كبير حول القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط، وخصوصا فيما يتعلق بما يحدث في سوريا. بالإضافة إلى أنّ روسيا غاضبة جدّا من المساعدات القطرية للإرهابيين في الشيشان. ولكن مع السنين، تشكّل في موسكو وفي الدوحة أيضًا إدراك إلى أنّه بخلاف شؤون الإرهاب والأمن، فإنّ شؤون الغاز هي تجارة اقتصادية وينبغي فصلها عن مكافحة الإرهاب والسياسة.

كما أنّ الخلافات العميقة في العقلية التجارية تصعّب، بحسب رأي كسييف، التقارب بين روسيا وقطر. وتشهد المحادثات التي جرت منذ عام 2001 بين البلدين حول خطة بناء GECF، منتدى مصدّري الغاز، والتي انتهت فقط بعد مرور 7 سنوات، تشهد هذه المحادثات إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الثغرات صعبة. وشملت هذه المحادثات أيضًا ضلعا ثالثا حيويّا، وهو إيران. ويجمع المنتدى اليوم 11 من كبريات مصدّري الغاز في العالم، وعلى رأسها المؤسسون الثلاثة الذين يحتلّون مناصب رئيسية في المنظّمة: يقع المقرّ في الدوحة، الرئيس هو محمد حسين عدلي الإيراني، أما الأمين العام فهو ليونيد بوكانوبسكي الروسي.

أمريكا خلفهم

حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)
حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)

لكن قطر لا تكتفي بالتفاهمات مع روسيا. فقد استثمرت الدوحة مؤخرا ملياري دولار في صندوق الاستثمار الروسي، وهي هيئة حكومية تسيطر على العديد من مشاريع البنية التحتية في البلاد. وتمّ في أعقاب الصفقة ضمّ رئيس هيئة الاستثمار القطرية أحمد السيد إلى المجلس الاستشاري للصندوق الروسي.

وبينما تعمل قطر في روسيا مع بعض الحذر، فإنّها تمدّ أذرعها مع منافسات أخريات مباشرة باتجاه بذور السيطرة. اشترت قطر في السنوات الماضية أسهما في حقول غاز في البرازيل، كندا والكونغو. كما أنّها تملك حصّة بنسبة 70% من السيطرة على شركة “جولدن باس” في هيوستن والتي تمتلك محطة التسييل في ولاية تكساس.

من جهة أخرى، يقول إيدي أفيدار: “إنّ أنشطة قطر التجارية في مجال الغاز الطبيعي تتمّ من خلال شركات أمريكية وهي التي تدير تصدير الغاز إلى العالم”. “هناك مصالح مشتركة”، كما يؤكّد أفيدار. هذه الشركات، كما يوضّح، أعضاء في مجلس الأعمال الأمريكي القطري، والذي هو بمثابة لوبي لقطر في واشنطن.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدا

اقرأوا المزيد: 2013 كلمة
عرض أقل
مظاهرات لمنظمات مقاطعة إسرائيل (AFP)
مظاهرات لمنظمات مقاطعة إسرائيل (AFP)

السلطة الفلسطينية: منظمات مقاطعة إسرائيل (BDS) تضر بالفلسطينيين

يبدو أن السلطة الفلسطينية بدأت باستيعاب ما ذُكر في إسرائيل منذ زمن: لا يطمح نشطاء مقاطعة إسرائيل إلى رفاهية الفلسطينيين بل إلى الإضرار بإسرائيل، والفلسطينيون هم الأوائل تحديدًا الذين سيتضررون. والآن: هناك دعوة إلى مقاطعة السلطة الفلسطينية أيضًا‎

في سابقة أولى، اعتقلت السلطة الفلسطينية نشطاء حركة مقاطعة إسرائيل.

اعتقلت الشرطة الفلسطينية أربعة نشطاء وهم زيد شعيبي، عبد الجواد حمايل، فادي كوران وفجر حرب، قبل أسبوعين في رام الله بتهمة انتهاك النظام العامّ. تزعم الشرطة، أن الأربعة قد أعدّوا مظاهرة غير قانونية وصاحوا صيحات استنكار لعرض فرقة رقص هندية، بدعوى أن الفرقة تعرض عروضها أيضًا في تل أبيب. لقد اعترض المعتقلون على التطبيع” مع إسرائيل، وأغضبوا رجال السلطة الفلسطينية الذين اهتموا بإحضار الراقصين إلى رام الله. “تجعل منظمة المقاطعة الفلسطينيين يبدون وكأن هدفهم هو مقاطعة ونقض شرعية إسرائيل”، قال مسؤول رفيع في السلطة للصحفي خالد أبو طعمة. “هذه حركة تتعارض مع المصلحة الفلسطينية في السعي نحو اتفاق سلام مع إسرائيل المؤسس على حل الدولتين”.

جعلت الكراهية المتقدة لإسرائيل زعماء المقاطعة يغيّرون رأيهم، وقد ذموا أبا مازن على الاتصالات التي تجريها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل

وسيُقدّم الأربعة للمحاكمة في الرابع عشر من تموز فقط، لكن منظومة الحملة اللاسامية لمنظمة حقوق الإنسان، “أمنستي إنترناشيونال”، قد بدأت العمل جاهدةً. وبدأت “تضغط منظمة العفو الدولية على السلطة الفلسطينية من أجل إلغاء التهم المنسوبة إلى نشطاء المقاطعة المعتقلين”، ذلك ما كُتب في بيان أصدرته المنظمة، “نعتقد أن أربعة المعترضين لا يحظَون بمحاكمة عادلة ومعاقبتهم تنبع فقط من دوافع سياسية”.

مقاطعة السلطة الفلسطينية أيضًا

لقد اتخذت الأحداث منحى ساخرًا حين دعا مؤسس منظمة المقاطعة، عمر البرغوثي، بعد اعتقاله إلى ضم الهيئة التي تمثل الشعب الفلسطيني إلى قائمة الجهات المقاطَعة. “إن مثُلَ المعتقلون الأربعة للمحاكمة”، حذّر البرغوثي، “علينا أن نلاحق السلطة الفلسطينية بأنها تساعد على الاحتلال الإسرائيلي”. لا يكتفي البرغوثي، الذي حاز على لقبه الأول في مؤسسة أكاديمية تقبع على خرائب قرية الشيخ مونّس (جامعة تل أبيب)، بوَصمِ رجال السلطة بالخونة المبغَضين، بل يكيل الثّناء، على نحو غير مباشر، على حملة التوضيح الإسرائيلية. “قرار السلطة بملاحقة نشطاء المقاطعة الأربعة هو وليدُ الحملة الضارية لإسرائيل ضدّ المنظمة”.

بالمناسبة، جعلت الكراهية المتقدة لإسرائيل زعماء المقاطعة يغيّرون رأيهم، وقد ذموا أبا مازن على الاتصالات التي تجريها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل. لا يحبذ رئيس السلطة فيما يبدو، والذي يهدد بالتوجه إلى الأمم المتحدة بهدف فرض عقوبات على إسرائيل، محاولةَ ضمه إلى مجموعة المقاطَعين، وفي كانون الأول الأخير انتقد انتقادًا لاذعًا منظمات المقاطعة وحتى صرح أنه “لا يدعم مقاطعة إسرائيل“.

وضعت منظمات المقاطعة في السنوات العشر الأخيرة، منذ تأسيسها، لها هدفًا لجعل إسرائيل دولة محتقرة ومنبوذة من بين الأمم. ونجحت الصورة المعسولة للمنظمة كمحاربين للحرية والتحرر، والمعنيين فقط بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في حدود 67، في تسميم معروفين كثيرين في العالم، مثل عازف فرقة بينك فلويد السابق روجر ووترس والفيزيائي ستيفن هوكينج. في إسرائيل يقع الكثيرون في الفخ، وقد حذّر صحفي يديعوت أحرونوت، نحوم برنياع، قبل سنة أن المفاوضات العالقة مع الفلسطينيين “ستثمر في مقاطعة إسرائيل”، وطالب زعيم ميرتس ووزير التربية سابقًا يوسي سريد، بدعم المقاطعة الدولية لمنتجات المستوطنات.

الفلسطينيون هم المتضررون الأوائل

لا تتعامل منظمة المقاطعة مع قضية “إطلاق الأسرى الفلسطينيين”، بل مع محو إسرائيل، حتى وإن كان ثمن ذلك الإضرار بالفلسطينيين. ويوضح رؤساء منظمات المقاطعة علنًّا أن المنظمة تهدف إلى “وضع حد للدولة اليهودية وتشجيع نصر فلسطين”، وتحقيق حق العودة إلى دولة إسرائيل. إذًا يبدو، أن مصلحة الفلسطينيين ليست نُصب أعينهم.

وفي كانون الأول الأخير انتقد انتقادًا لاذعًا منظمات المقاطعة  وحتى صرح أنه “لا يدعم مقاطعة إسرائيل”

ويعرف الفلسطينيون جيدًا ما هو حجم الإضرار بهم المحتمل، إذا تحققت مطامع المقاطِعين. حسب المعطيات، يعمل في المصانع الإسرائيلية في الضفة الغربية- 14 منطقة صناعية وزراعية تشمل 788 مصنعًا ومصلحة- حوالي 11,000 عامل فلسطيني، إلى جانب 6,000 عامل يهودي. عدا عن ذلك، حسب دائرة الإحصاء الفلسطينية، فإن العاملين في المناطق الصناعية في الضفة الغربية يتقاضَوْن أجورًا مضاعفة أو حتى ثلاثة أضعاف من أجور الفلسطينيين المتوسطة، ويحظون بظروف اجتماعية كاملة حسب القانون الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، يفضّل رجال الأعمال الفلسطينيين الاقتصاد الإسرائيلي الثابت والحر نسبيًّا، على الأساليب الفاسدة للسلطة الفلسطينية. وحسب البحث الذي أجري في جامعة القدس، فإن حجم الاستثمارات الفلسطينية في الجانب الإسرائيلي أعلى بضعفين وأكثر منها في الجانب الفلسطيني، ويختار 16,000 من رجال الأعمال الفلسطينيين الذين بحوزتهم تصريح دخول لإسرائيل، استثمار أموالهم فيها.

مظاهرات لمنظمات مقاطعة إسرائيل (AFP)
مظاهرات لمنظمات مقاطعة إسرائيل (AFP)

إذًا، سيضر النضال لمقاطعة إسرائيل إضرارًا بالغًا بالاقتصاد الفلسطيني المتعلق بالدولة اليهودية الجارة. وسيحوّل الإسرائيليون فقط مكان المصنع، لكن الفلسطينيين سيبقون دون شيء.

لقد تنبّه الإسرائيليون لذلك منذ زمن، والآن، وأفاق الفلسطينيون أخيرًا على الواقع.

نشرت المقالة للمرة الأولى في موقع ميدا.

اقرأوا المزيد: 659 كلمة
عرض أقل
جون بولتون (BRENDAN SMIALOWSKI / AFP)
جون بولتون (BRENDAN SMIALOWSKI / AFP)

السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة يدعو إسرائيل لمهاجمة إيران

يحذر جون بولتون، في مقابلة خاصة مع الموقع الإلكتروني ميدا، من أن الولايات المتحدة والغرب على وشك الخضوع لإيران. ويرى أن إسرائيل تقف اليوم وحيدة في مواجهة تقدم إيران نحو القدرة النووية العسكرية، محذرًا من أن كل يوم انتظار سيزيد فرص تحوّل إيران إلى دولة نووية، ويرى أن إدارة أوباما بدأت تفقد أصدقائها العرب.

قال “وينستون تشرتشل” ذات مرة، أن الدبلوماسي هو الذي يفكر مرتين قبل أن لا يقول أي شيء. من المؤكد أن تشرتشل كان صادقًا، ولكن لكل قاعدة استثناء. سواء كنا نتحدث عن بنيامين نتنياهو، حاييم هرتسوج أو هنري كيسنجر، فإن الدبلوماسيين الذين يتركون تأثيرًا على العامة، هم أولئك الذين يخرجون عن التقاليد المتبعة.

حاول جون بولتون، الذي تولى عدة مناصب على مدار 30 عامًا، أن يُحدث بعض التغيير ويترك بعض العلامات المؤثرة، وهو لم يعمل كدبلوماسي متخصص في “إطفاء الحرائق” كما هي العادة. وهذا الأسلوب الذي يتبعه بولتون، جعله محبوبًا في أوساط اليمين الأمريكي، ولكن جعله، في نفس الوقت، يتعرض إلى لكثير من الانتقادات من جانب الحزب الديمقراطي.

وتبنى بولتون في المناصب والوظائف التي تولاها ومن بينها: مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الدولية (1989ـ1993)، نائب وزير الخارجية لمراقبة التسلح (2001ـ2005)، سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة (2005 ـ 2006)، أسلوبًا متشددًا فيما يتعلق بالموضوع الإيراني والكوري الشمالي. وكذلك بالنسبة للموضوع السوري والعراقي، ولم يخف تأييده غير المحدود لإسرائيل. وكان بولتون خلال عمله في إدارة الرئيس يوش الأب، من العناصر المركزية التي ساهمت في إلغاء قرار الأمم المتحدة من العام 1975 والذي يساوي الصهيونية بالعنصرية. وكانت تخشى إسرائيل في حينه أن لا تستطيع تجنيد الأكثرية المطلوبة للتصويت على القرار. لكن بولتون أعتقد بأنه بالإمكان ضمان أكثرية تصوّت لصالح إلغاء قرار الأمم المتحدة حول الصهيونية. وبالفعل وبعد حملة استمرت عدة أشهر، صادقت الأمم المتحدة على قرار يلغي القرار السابق حول الصهيونية، وذلك بأغلبية 111 من المؤيدين مقابل 25 معارضًا وامتناع 13 وعدم حضور 15 دولة.

ومع بداية المفاوضات في جنيف بين ممثلي الدول العظمى وإيران حول البرنامج النووي الإيراني والعقوبات الدولية التي فُرضت على طهران، أجرينا لقاءً، الأسبوع الماضي، مع السفير بولتون للتعرف على موقفه من المفاوضات وبرنامج إيران النووي وسياسة إدارة أوباما في الشرق الأوسط. وكذلك التعرف على الطريقة التي يجب على إسرائيل اتباعها في تعاملها مع المشروع النووي الإيراني. وفيما يلي نص المقابلة:

السفير بولتون، ما هي توقعاتك حول المفاوضات التي بدأت خلال الأسابيع الأخيرة في جنيف بين ممثلي الدول الست العظمى وإيران؟

أعتقد أن إدارة أوباما تعتقد أن باستطاعتها دفع إيران نحو وقف المشروع النووي من خلال المفاوضات. وقد تبنى أوباما هذا الموقف، حتى قبل وصوله إلى الرئاسة. وهو موقف أعلنه أوباما بصراحة في خطاب التنصيب، عندما أكد أن الولايات المتحدة ستمد يدها لإيران وكوريا الشمالية في حال أظهر الطرفان الإيراني والكوري الشمالي رغبة في ذلك. وعلى ما يبدو فإن أوباما ما زال يؤمن بإمكانية التوصل إلى اتفاق مقبول. ولكن الحقيقة هي أنه يمكن دائمًا الوصول إلى اتفاق في حال خضع أحد الأطراف لموقف الطرف الآخر، وأنا أخشى أن ذلك ما سيحدث وأن الولايات المتحدة وأوروبا ستخضعان لإيران.

الرئيس الإيراني روحاني (شمال) بجانب وزير الخارجية جواد ظريف (AFP)
الرئيس الإيراني روحاني (شمال) بجانب وزير الخارجية جواد ظريف (AFP)

هل تلاحظ أي تراجع في الموقف الغربي تجاه مشروع إيران النووي؟

منذ أن بدأت أوروبا بالتفاوض مع إيران حول برنامجها النووي قبل حوالي 10 سنوات، كان الموقف الأوروبي الواضح والمعلن في هذه المفاوضات، هو ضرورة أن تقوم إيران بتجميد كل نشاط ممكن يتعلق بتخصيب اليورانيوم. وهذا الموقف والمطلب ما زالا قائمان حتى اليوم ووردا أيضًا في العديد من القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن. لكن، أوباما والدول الأوروبية باتوا اليوم يوافقون على فكرة أن تمتلك إيران ما يطلقون عليه اسم “البرنامج النووي غير العسكري” [“peaceful nuclear program”]. وبهذا الطرح الجديد يتراجعون عن مطلبهم السابق، وأعتقد أن إيران تدرك ذلك. على سبيل المثال، تدرك إيران، أن تخصيب اليورانيوم إلى مستوى الانصهار يجعلها تقطع ما نسبته 70% من الطريق نحو تخصيب اليورانيوم إلى مستوى الاستخدام العسكري. وأعتقد أنه لا يوجد ما يمكن تسميته بالتفاوض حول تخصيب اليورانيوم إلى درجة 20%، لأن ذلك خارج الإطار المهم. ولا يوجد شيء اسمه يورانيوم شبه مخصب، فإن الإيرانيين على استعداد للتنازل عن ذلك، مقابل الاعتراف بحقهم في تخصيب اليورانيوم إلى مستوى انصهار بنسبة 3.5%، وهذا سيكون انتصارًا كبيرًا للإيرانيين.

وأعتقد أن ما دفع وشجع إيران للتفاوض، هو رغبتها في تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. لم تؤثر العقوبات على برنامجها النووي، كما أن جيمس كلافر، مدير الاستخبارات الوطنية في إدارة أوباما، تحدث عن ذلك في وقت مبكر من هذا العام. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكثر من مرة، أن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على إيران، لم تساهم في تعطيل البرنامج النووي الإيراني. لكن كان لهذه العقوبات تأثيرًا سلبيًا كبيرًا على الاقتصاد الإيراني. ولهذا السبب تسعى طهران إلى تخفيف العقوبات المفروضة عليها، ويبدو أن الغرب سيكون مستعدًا للاستجابة لهذه الرغبة الإيرانية. ونحن نرى كيف أن البريطانيين متحمسون للغاية لإعادة فتح السفارة البريطانية في طهران ويتجهون نحو استئناف استخراج النفط من حقول النفط المشتركة مع إيران والتي يمتلكونها في البحر الشمالي. وعلى ما يبدو فإن الجانب الأوروبي متحمس للتنازل عن العقوبات المفروضة عليه.

هل تعتقد أن الغرب اختار أن يمنح إيران مكاسب دراماتيكية دون أن يحصل على أي شيء بالمقابل؟

ماذا يجب على الإيرانيين أن يقدموا بالمقابل؟ هل سيكون عليهم أن يتعهدوا للمرة الألف أن برنامجهم النووي ليست له أهداف عسكرية، وأن يوافقوا على زيادة متواضعة في الرقابة والإشراف الدولي. أعتقد أنه في حال تمخضت الاتصالات الدائرة بين إيران والغرب عن مثل هذا الاتفاق، فإنه سيكون عبارة عن اتفاق مصالحة لا أكثر. وأعتقد أن إدارة الرئيس أوباما التي تواجه انتكاسات في سياستها الخارجية في العديد من الأماكن في الشرق الأوسط: سوريا، ليبيا وأماكن أخرى، باتت تبحث اليوم عن أي إنجاز يمكن أن تصفه انتصارًا ونجاحًا.

لذلك، أعتقد أن التأثير العام لمثل هذا التوجه تجاه إيران، سيكون تأثيرًا سلبيًا جدًا بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل ولأصدقاء الولايات المتحدة من العرب. وإذا أردت مثالا على هذا التأثير السلبي، يكفي أن نشير إلى موقف السعودية التي رفضت الحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن. وأنا لا أعرف سابقة مشابهة أقدمت فيها دولة من الدول على رفض مقعد من المقاعد غير الدائمة في مجلس الأمن. وأعتقد أن هذا الموقف السعودي يأتي ردًا على فشل مجلس الأمن وبشكل واضح فيما يتعلق بالأزمة السورية. وكذلك بالنسبة لإيران، حتى لو لم تتحدث السعودية بصورة واضحة بالنسبة لإيران. كما أن القدرات النووية العسكرية الإسرائيلية والقائمة منذ وقت طويل، لم تُغضب السعودية، وإنما الشيء الذي يُغضب السعودية هو البرنامج النووي الإيراني. وهناك أيضًا التقرير الإعلامي الذي تحدث عن أن السعودية ترغب في الابتعاد عن الولايات المتحدة.

وبهذا الشكل، فإن إدارة الرئيس أوباما تفقد صداقتها مع العرب، وهذا سيفتح الباب أمام الروس. وبات التأثير الروسي في الشرق الأوسط أكبر بكثير من التأثير الذي كان قائمًا قبل أن يقوم أنور السادات بطرد المستشارين الروس من مصر. وسنشهد خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس أوباما مزيدًا من التأثير الروسي في الشرق الأوسط. وهذا الأمر سيؤثر سلبًا على المصالح الأمنية للولايات المتحدة وإسرائيل وعلى أصدقاء أمريكا من العرب.

مفاعل بوشهر النووي (AFP PHOTO/ATTA KENARE)
مفاعل بوشهر النووي (AFP PHOTO/ATTA KENARE)

إلى أين تتجه الأمور حسب رأيك؟

أعتقد أنه في حال لم يتم توجيه ضربة عسكرية وقائية ضد برنامج إيران النووي، فإن إيران ستتمكن من امتلاك قدرات نووية عسكرية، وستحصل على هذه القدرة العسكرية في الوقت الذي تختاره. كما أن إيران لا ترغب في بناء سلاح نووي واحد أو سلاحين، وإنما تسعى إلى بناء بنية تحتية نووية واسعة وعميقة، وخاصة أنهم يعتقدون أن لديهم الوقت الكافي لتحقيق ذلك. كما أن الإيرانيين لا يؤمنون بتهديدات أوباما، عندما نتحدث عن أن جميع الخيارات على الطاولة. بالإضافة إلى أن الجميع يدركون جيدًا أن فرص لجوء أوباما إلى الحلول والقوة العسكرية هو أمر غير وارد على الإطلاق.

حضرة السفير بولتون، إذا ما افترضنا أن ضربة أمريكية ضد إيران أمر غير وارد، هل على إسرائيل العمل بصورة مستقلة؟

أعتقد أن الشيء الوحيد الذي يقف أمام امتلاك إيران للسلاح النووي، هو الخوف من أن تتعرض لهجوم إسرائيلي. وقد لا تمانع إدارة الرئيس أوباما في قبول إيران كدولة نووية. كما أن نظرة النظام الإيراني إلى الأمور تختلف عن نظرة السوفييت في أيام الحرب الباردة. وهناك أيضًا الاقتباس المشهور عن برنارد لويس، والذي استعان به نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة في العام 2012، هذا الاقتباس الذي يقول بأنه في حال كنت تتطلع إلى الحياة بعد الموت أكثر من الحياة على وجه الأرض، فإن التهديد بالرد يعتبر ذريعة وليس أمرًا رادعًا. وأعتقد أن هذا ما يؤمن به النظام الإيراني أيضًا.

وأنا لا أرى أي رادع ضد إيران النووي حيث يمكن الاعتماد عليه. وحتى لو كنت مخطئا، في هذه النقطة، وحتى لو كان بالإمكان ردع إيران وحتى استيعاب فكرة تحوّلها إلى دولة نووية، فإن الحقيقة أن هذا الأمر لن يتوقف عند إيران. وهذا ما أكدته أيضًا هيلاري كلينتون قبل حوالي عام، عندما أكدت بأن امتلاك إيران للسلاح النووي سيدفع السعودية نحو البحث عن امتلاك القدرة النووية. وهذا سينطبق أيضًا على مصر وتركيا بالإضافة إلى العديد من الدول الأخرى. وهذا سيؤدي مؤكدًا إلى سباق تسلح نووي ينتهي وخلال فترة قصيرة نسبيًا، لا تتجاوز الـ 5 أو 10 سنوات، إلى تحوَل نصف الدول في المنطقة إلى دول نووية. وسيجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر خطورة وسيضاعف حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها هذه المنطقة. لذلك، من المهم العمل وكخطوة أولى على منع إيران من تجاوز الخط الذي يُسمح لها بامتلاك القدرات النووية العسكرية وإلا ستتحوّل هذه المسألة والمشكلة إلى أمر أكثر خطورة وصعوبة.

هل يجب على إسرائيل أن تقوم بكل ما بوسعها؟

نعم، وإلا سيتعيّن على إسرائيل التعامل مع إيران نووية. على الرغم من أنني لا أعتقد أن النظام الإيراني سيبادر إلى التسبب بمحرقة نووية، وهو الوصف الذي أطلقه شارون، إلا أن الحقيقة أن إيران نووية ستساهم في تغيير موازين القوى في المنطقة. فإيران نووية يمكنها أن تملي ما ترغب به على الدول في الخليج، على سبيل المثال، ماذا يمكن أن تفعل دولة مثل الكويت في حال طلبت منها دول نووية كإيران بتقليص إنتاج النفط إلى 50% نزولا عند رغبة طهران في رفع أسعار النفط.

صحيح أن العديد من الأطراف يشعر بالقلق ـ وهو قلق مبرر ـ حيال التأثيرات التي يمكن أن تكون لهجوم وقائي إسرائيلي أو أمريكي (ارتفاع أسعار النفط والعديد من التأثيرات الأخرى)، لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح، ماذا سيحدث في حال لم تُتخذ خطوات حقيقية ضد إيران ولم يتم مهاجمتها، وبالمقابل في حال تمكنت من امتلاك سلاح نووي؟ والاختيار هو ليس بين العالم الذي نعيشه اليوم وبين العالم بعد هجوم وقائي ضد إيران. وإنما يجب أن يكون الاختيار بين العالم كما هو عليه بعد هجوم وقائي واستباقي تقوم به إسرائيل مقابل العالم الذي تكون فيه إيران صاحبة قدرات عسكرية نووية. صحيح أن هذا الاختيار ليس جذابًا ولكن الحقيقة أن هذا هو الاختيار.

لو كنت صاحب القرار في إسرائيل، هل كنت ستؤيد مهاجمة المواقع النووية الإيرانية؟

نعم بالتأكيد، كنت سأدعم القيام بهجوم استباقي ووقائي، وهذا ما كان يجب أن يحدث منذ 5 سنوات، لأنه كلما طالت مدة الانتظار، كلما ازدادت فرص وإمكانية إيران على امتلاك قدرات لا يعلم أحد عنها شيئا. وإذا ما أردنا أن نتعلم شيئًا من العشر سنوات الماضية، فهو أنه علينا أن نتعامل بتواضع مع قدراتنا الاستخبارية. على سبيل المثال، لا أحد يعلم ما طبيعة التعاون بين إيران وكوريا الشمالية في الموضوع النووي. نحن نعلم أن هناك بعض التعاون الذي كان بين كوريا الشمالية وإيران في موضوع الصواريخ البلاستية وهناك لدى الطرفين الإيراني والكوري الشمالي تكنولوجيا صواريخ سوفيتية، وهي صواريخ سكاد، وترغب الدولتان في امتلاك صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. ومن الطبيعي أن نفترض أنه في حال كان هناك تعاون في موضوع الصواريخ فإن من البديهي أن يكون هناك تعاون في الموضوع النووي.

ويجب أن أشير هنا، على سبيل المثال، أنه ليس هناك من سبب يمنعنا من الاعتقاد بأن إيران ساهمت في تمويل المفاعل النووي السوري الذي قامت كوريا الشمالية ببنائه وتم تدميره في شهر أيلول من العام 2007. وحتى لو أعتقدنا بأن إسرائيل تمتلك قدرة استخبارية عالية في إيران فإنها تفتقر إلى مثل هذه القدرة في كوريا الشمالية. فهناك الكثير من الضبابية وعدم الوضوح في الرؤية بالنسبة لما يتعلق بما تقوم به إيران، وكل يوم يمر يزيد من خطورة وإمكانية نجاح إيران في تجاوز السقف الذي يفصلها عن امتلاك القدرات النووية. وهذا يعني أن الرد الإيراني على أي هجوم إسرائيلي لن يكون عبر اطلاق صواريخ من جانب حماس أو حزب الله على إسرائيل، وإنما قد يكون ردًا نوويًا إيرانيًا، وهو أمر لا يرغب أحد في رؤيته.

وهذا يعني أن الانتظار سيكون له ثمن كبير، كما أن هذا الانتظار سيضاعف بصورة كبيرة المخاطر بالنسبة لإسرائيل.

*موقع ميدا

اقرأوا المزيد: 1860 كلمة
عرض أقل