مردخاي كيدار

سوري يطلب النجدة وسط الحطام في حلب جراء قصف النظام لأحياء المدينة (AFP)
سوري يطلب النجدة وسط الحطام في حلب جراء قصف النظام لأحياء المدينة (AFP)

الاستنتاج المؤسف مما يحدث في سوريا: العالم يصمت دائمًا

ما هي الفائدة من كل الاتفاقات الموقعة طالما أن الأسد يستخدم الأسلحة الكيميائية مجددا؟ أين كان الغرب عندما اجتاحت روسيا أوكرانيا؟ ولماذا يتنازل العالم لإيران مرارًا وتكرارًا؟. يعرض د. مردخاي كيدار استنتاجا هاما، وربما الأهم

تدور منذ أكثر من خمس سنوات رحى حرب في أراضي كانت سابقًا تُسمى أراضي الدولة السورية. هناك اليوم نصف مليون قتيل، مليونا جريح، عشرة ملايين لاجئ- نصف عدد سكان الدولة – داخل سوريا وخارجها، وليس هناك بصيص ضوء في نهاية النفق. ينهار اتفاق الهدنة، ويتواصل قتل الأبرياء، وكأن سوريا في كوكب آخر، ولا أحد يرى أو يسمع ما يحدث فيها.

كل هذه ليست “أخبار” جديدة. الخبر الجديد هو ما أورده عاموس هرئيل ونشرته صحيفة “هآرتس” في عناوينها الأولى هذا الأسبوع يوم الاثنين، 2 أيار: “تصعيد في سوريا: الأسد يستخدم السلاح الكيميائي مجددا”. العنوان الفرعي: “استخدم الجيش السوري غازًا كيميائيًا خانقًا، وعلى ما يبدو، كان ذلك الغاز القاتل هو السارين، وذلك ضد مُقاتلي داعش الذين هاجموا ممتلكات تعود إلى النظام، قرب دمشق”. سلاح كيميائي؟ سارين؟ ألم يُوقع اتفاق في أيلول 2013 – قبل أقل من ثلاث سنوات – بين الولايات المُتحدة وروسيا ينص على إتلاف كل – وهنا أُشدد – الأسلحة الكيميائية التي بحوزة الأسد، بعد مقتل 1400 مواطن سوري بهذا السلاح في آب من العام 2013؟.

نجحت الإدارة الأمريكية بفضل هذا الاتفاق وإتلاف المواد السامة بالتملص من التزاماتها بالعمل ضد الأسد في حال تجاوز الأخير الخطوط الحمراء، أي إذا استخدم أسلحة كيميائية ضد مواطنيه. وقد خصص الأمريكيون سفينة خاصة لنقل الغازات والسوائل السامة وإتلافها في عمق البحر. ولكن، يبدو أنه على الرغم من ذلك الاتفاق احتفظ الأسد بكمية من السلاح الكيميائي، تُتيح له خوض حرب كيميائية ضد أعدائه. وربما احتفظ الأسد بوسائل تُتيح له إنتاج سلاح كيميائي. إذًا، ما قيمة كل تلك الاتفاقيات في عالم اليوم؟

والأكثر غرابة هو أن العالم لم يُحرك ساكنًا حتى بعد ظهور هذه المعلومات: أن الاتفاق ليس إلا ورقة لا قيمة لها، وذلك رغم أنه ينص أيضًا على أن مجلس الأمن سوف يفرض تطبيقه بالقوة إذا خرقه الأسد.

للأسف الشديد، ينضم هذا الاتفاق إلى العديد من الاتفاقيات التي وقعتها دول غربية هامة ولكنها لم تُنفَذ. مثال على ذلك هي مذكرة بودابست للضمانات الأمينة منذ كانون الأول 1994، التي اتفقت فيها الدول الكُبرى الغربية على ضمان استقلالية الأراضي الأوكرانية إذا تخلت عن السلاح النووي الذي كان يُفترض أن تحصل عليه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ماذا فعلت تلك الدول الموقعة على المذكرة عندما اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا وضمت نصف جزيرة القرم – جزء من الأرض الأوكرانية – إلى السيادة الروسية عام 2014؟. لم تفعل شيئا. ما هي قيمة مذكرة بودابست؟ لا قيمة لها. ما هي قيمة اتفاقيات والتزامات الدول الغربية؟ يعرف الجميع الإجابة.

الغرب ينطوي على نفسه

إن الأمر أكثر خطورة عندما يدور الحديث عن القتل الجماعي لمواطنين في الشرق الأوسط، وتحديدًا في الدول العربية. لا تفعل الدول الغربية شيء لوقف القتل الجماعي في سوريا، تمامًا كما لم تفعل شيئًا لوقف القتل الجماعي في السنوات الأخيرة في العراق، ليبيا، واليمن. مشكلة اليمن، معروفة والحل واضح: كان سيضع موقف صارم ضد إيران، التي تدعم المُتمردين، وضد السعودية التي تدعم الرئيس، حدًا نهائيًا لهذه الحرب لمدة ما. إلا أن العالم – العالم الغربي تحديدًا – سئم مشاكل العالم العربي، وانطباعي الشخصي هو أن الكثيرين في الغرب سيتنفسون الصُعداء إذا غرق العالم العربي، وحتى الإسلامي، في حرب إبادة جماعية.

أنشأت الحرب في سوريا “الدولة الإسلامية”، التي كانت سابقًا تُسمى داعش. وقد عرف العالم بأكمله أن آلاف المتطوعين، من المُسلمين المُتطرفين الحاقدين، يتوافدون إلى مناطق الجهاد في سوريا والعراق من خلال تُركيا. تُدرك كافة أجهزة المُخابرات في العالم أن أردوغان هو من ساعد على دخولهم إلى سوريا للقتال ضد بشار الأسد، الذي يكرهه. ماذا فعلت دول العالم لإقناع تُركيا أو منعها من القيام بذلك؟ لم تفعل شيئا. إذًا، من المسؤول عن التطور السريع لتنظيم “الدولة الإسلامية”؟ تُركيا وحدها؟ أم أن هناك مجموعة كاملة من الدول الغربية، التي كانت تعرف تمام المعرفة أن تُركيا تسمح بتسلل الجهاديين إلى سوريا، والتي عرفت أن تُركيا تشتري النفط من “الدولة الإسلامية” لأن بعض تلك الدول اشترت من ذلك النفط، والتي كانت تعرف أن تُركيا هربت معدات قتالية لصالح “الدولة الإسلامية” ولكن لم تفعل تلك الدول شيئًا ضد تُركيا وسلوكها؟

أنصار داعش
أنصار داعش

ولكن، الأسوأ من ذلك هو تعامل العالم مع الدولة المسؤولة الثانية عن المأساة في سوريا ألا وهي إيران. تدعم هذه الدولة الأسد، السفاح، بكل الطرق المُتاحة: مشاركة آلاف المُقاتلين الإيرانيين وآخرين غيرهم مشاركة فعّالة في القتال ضد قوات المُعارضة، نقل كميات كبيرة من الأموال منذ سنوات من إيران إلى سوريا لتمكين الأسد من شراء داعمين له في الدولة التي ليس هناك الكثير ما يمكن القيام به بهذه الأموال. ألقت إيران أيضًا في الحرب ذراعها العسكري في لبنان، حزب الله، الذي دفع آلاف المُقاتلين، كضحايا، حتى الآن على الأرض التي كانت تُدعى سوريا. لماذا هذا الصمت العالمي أمام الدعم الإيراني لعملية القتل الجماعية؟ لماذا هرع العالم لتوقيع اتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات عنها؟ لكي تُضيف مليارات الدولارات التي ستحصل عليها صب الزيت على نار الإرهاب التي تُشعلها إيران في سوريا، اليمن، العراق وفي كل مكان يُمكنها فيه شراء أصدقاء ومؤيدين لها؟

إن تعامل الدول الغربية، وأولها الولايات المُتحدة، مع القتل الجماعي الذي يحدث في الشرق الأوسط يجب أن يُشعل فينا ليس فقط ضوءًا أحمر – بل مسلاط ضوء كبير جدًا، وأن يفتح أعين الإسرائيليين ومن يدعمهم حول العالم. الاستنتاج الأهم هو أننا نحن، اليهود والإسرائيليون، لا يُمكننا الوثوق بأية اتفاقية أو التزام، موقعين أو شفهيين، فيما يخص قضايانا الأمنية. لأنه عندما تحين اللحظة الحاسمة، قد يتصرف “أصدقاؤنا” تمامًا كما فعلوا قبل 70 عامًا، عندما عرفوا عن إبادة ملايين اليهود ولم يحركوا ساكنًا لوقف ماكينة الإبادة النازية.

ليس بقوة الحق، بل بفضل القوة

لن يُفوت سياسيون، أكاديميون، فنانون، وشخصيات اجتماعية كثيرة في الغرب أية فرصة لمهاجمة إسرائيل إبان ما اضطرت إلى القيام به لمكافحة الإرهاب، ولكن، حلوقهم تكون وكأنها مليئة بالماء عند الحديث عن جرائم تُرتكب بحق البشرية في مناطق أُخرى في الشرق الأوسط. يجب أن تكون المعايير المزدوجة، التي يتعاملون فيها مع إسرائيل، في صُلب الإدارة الأمنية والسياسية في إسرائيل، وتحديدًا، عندما يدور الحديث عن “اتفاقيات السلام” التي تُوقع في الشرق الأوسط، والتي يتعاملون معها في أوروبا والولايات المُتحدة بجدية فقط.
تعرف إسرائيل فقط كيف تدافع عن نفسها. ويُحظر عليها أن تعتمد على أي صديق، سواء كان جيدا أم سيئا، لأن الخداع والنفاق هما ما يُميزان السياسة الدولية، وعندما تحين لحظة تفعيل الاتفاقيات، فقط القوة – كالتي تُمارسها روسيا في سوريا وأوكرانيا – تكون ذات تأثير. إن الاتفاقيات والالتزامات هي مجرد أوراق فقط، تتطاير في الهواء عندما تكون هناك حاجة إليها، في حال لا تتفق مع مصالح الأطراف الموقعة عليها.

القوي وحده هو الذي يعيش في عالم اليوم وليس بفضل الاتفاقيات التي يوقعها هو أو غيره بل من خلال الثمن الذي يُمكنه الحصول عليه ممن لا يُنفذ التزاماته. في الشرق الأوسط، هذه المنطقة الأكثر بؤسًا في العالم، يُمكن لإسرائيل أن تصمد ليس بفضل حقها بذلك بل بفضل قوتها، أو – الأفضل – بالدمج بين العاملين: حق شعب إسرائيل في الحياة على أرضه، بينما تكون إسرائيل مدعومة بقوة تتيح لها ممارسة ذلك الحق.

يجب أن تُعلّم الحرب السورية الإسرائيليين درسًا هامًا فيما يخص السياسة العالمية، وعليهم أن يستنتجوا من المأساة المُريعة في سوريا الاستنتاجات اللازمة، لضمان أمنهم.

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع “ميدا‎“‎

اقرأوا المزيد: 1093 كلمة
عرض أقل
هل يبقى بشار الأسد على قيد الحياة ? (AFP)
هل يبقى بشار الأسد على قيد الحياة ? (AFP)

رقصة الموت لنظام الأسد

أصبح نظام الأسد في هذه الأيام شيئًا من الماضي. درجة التشكّك والقلاقل تجاه الطاغية داخل طائفته أكبر من أيّ وقت مضى. وتظهر على حلفائه من حزب الله والدروز علامات التخلي. ومقابل الهزائم ضدّ داعش، لم يبقَ للنظام السوري الآن إلا خسارة السيطرة

تدهور ملحوظ في الأسابيع الأخيرة في سوريا والعراق. داعش تكتسب موجة من الانتصارات، والأسد وقوات الجيش العراقي يعانون من الهزائم ويرتبط معهم ما يبدو بأنّه فشل أمريكي.

في شرق سوريا، سقطت مدينة تدمر بيد “الدولة الإسلامية” وتسيطر داعش الآن على نحو نصف مساحة البلاد، بما في ذلك المناطق الحدودية مع العراق والأردن. نظام الأسد يخسر المعابر الحدودية مع العراق، المطارات العسكرية في الصحراء – مطار تدمر و “تي 4” – سقطا أيضا. تم ذبح مئات الأشخاص من سكان المدينة الذين تعاونوا مع النظام بسكاكين الجهاديين، وتم إلقاء جثثهم في الشوارع. يخشى العالم على آثار تدمر، بقايا ثقافات العالم القديم. سيكون مصيرها مثل تدمير الآثار في العراق، كما يبدو.

نظام الأسد يخسر المعابر الحدودية مع العراق، المطارات العسكرية في الصحراء – مطار تدمر و “تي 4” – سقطا أيضا

في غرب سوريا حيث يعيش معظم السكان وتتركّز الصناعة والزراعة، تدور عدة نقاط صراع بين النظام وتحالف من التنظيمات، معظمها إسلامية، والتي تطمح إلى إسقاط الأسد. النقاط الرئيسية هي جبال القلمون ومنطقة إدلب. في كلتا المنطقتين تدور معارك وحشية، وعلى مدى الأسابيع الأخيرة يخسر النظام وحزب الله الذي يقاتل معه المزيد والمزيد من الجنود، العتاد والأراضي.

ألزم تدهور الأوضاع في سوريا حسن نصر الله، زعيم حزب الله، الذي ورّط التنظيم في المستنقع السوري، بالظهور وإلقاء الخطابات ما لا يقل عن ثلاث مرات أمام أنصاره، حتى ولو لمقاومة سهام الانتقادات القادمة من الطائفة الشيعية في لبنان. رفع عدد القتلى في أوساط حزب الله من احتمال التجنيد العام لدى أبناء الطائفة. نتيجة لذلك، لم يعد أولياء أمور تلاميذ الصفوف العليا في المدارس الشيعية يرسلون أبناءهم إلى المدارس، خوفا من التجنيد القسري لهم.

بشار الأسد (AFP)
بشار الأسد (AFP)

أدخل الوضع الخطير الذي وصل إليه النظام الطائفة العلوية تحت ضغط كبير: حيث يعلم أبناء الطائفة جيّدا ماذا سيكون مصيرهم إذا سقطوا بأيدي الجهاديين. سيكون ذلك مجزرة فظيعة. تدفع الضغوط الناس إلى البحث عن المذنب، والمرشّح الطبيعي هو بشار الأسد. يتّهمه الكثير من أبناء الطائفة العلوية بتدمير البلاد والوضع الذي يعرّض كل الطائفة إلى خطر الإبادة؛ وتعدادها نحو مليوني إنسان. فهم يعلمون جيّدا ماذا تشعر الغالبية السنّية تجاههم، بعد 45 عامًا من حكم عائلة الأسد.

يخشى العلويون من اللحظة التي ستُفتح فيها قبور الجموع، والتي دُفن فيها نحو 20 ألف شخص، الذين “اختفوا” في سجن تدمر بين عامي 1981-1980. كان معظمهم من المدنيين المسالمين الذين اشتبهوا بكونهم نشطاء في تنظيم “الإخوان المسلمين”. الكشف عن القبور وعرضها أمام الكاميرات سيزيد من طموحات الانتقام والرغبة بالقتل في أوساط الغالبية السنّية.

رفع عدد القتلى في أوساط حزب الله من احتمال التجنيد العام لدى أبناء الطائفة. نتيجة لذلك، لم يعد أولياء أمور تلاميذ الصفوف العليا في المدارس الشيعية يرسلون أبناءهم إلى المدارس، خوفا من التجنيد القسري

يفرّ العلويّون من المدن والأحياء التي أقيمت في المدن الكبرى – دمشق، حلب، حمص، حماة – إلى منطقتهم الأصلية شمال غرب البلاد، ولكن الثوار يغلقون عليهم هناك أيضًا. وتستمر الشكوك بين أبناء الطائفة بالازدياد: هناك من يُشتبه بهم بالتعاون مع الثوار أو بالنيّة في الفرار إلى الخارج من أجل إنقاذ أنفسهم. في مدينة القرداحة، الموطن الأصلي لعائلة الأسد، تطوّر قبل عدة أيام شجار قُتل فيه اثنين من أبناء عمومة بشار الأسد.

العلويّون معرّضون لخطر الإبادة

الطائفة الدرزية أيضًا، التي كانت حليفا مخلصا للطائفة العلوية، بدأت بالتخلي عن الأسد وطائفته. قال الشيخ حمود الحنّاوي، من زعماء الطائفة الدرزية الروحانيين، هذا الأسبوع إنّه “بعد الأحداث الأخيرة، فإنّ الاعتماد على ما كان يُدعى في الماضي “الجيش السوري” لا يفيد على الإطلاق”. يئس الشيخ من قدرة الجيش السوري على حماية المناطق الدرزية جنوب سوريا، وخصوصا بعد أن نقل الجيش قواته إلى مناطق سيطرته في جبال القلمون ومحافظة إدلب، وبقي الدروز دون حماية ضدّ الثوار السنّة. ودعا الشيخ الحنّاوي إلى إعطاء الدروز أسلحة ثقيلة ومتوسطة كي يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم.

يتّهم الكثير من أبناء الطائفة العلوية الأسد بتدمير البلاد والوضع الذي يعرّض كل الطائفة إلى خطر الإبادة. فهم يعلمون جيّدا ماذا تشعر الغالبية السنّية تجاههم، بعد 45 عامًا من حكم عائلة الأسد

وقد أدّى فقدان السيطرة والهزائم بالنظام إلى فقدان ضبط النفس في عملياته: ففي الأسبوعين الأخيرين ازدادت حوادث قصف المدنيين ببراميل متفجّرة مع غاز الكلور، وإطلاق صواريخ سكود كثيرة لضرب مواقع البلدات التي سقطت بأيدي الثوار، حتى لو قتلت المدنيين الأبرياء. في المقابل، تجمّعت بعض تنظيمات الثوار تحت مظلّة قيادية ولوجستية واحدة، من أجل استخدام الزخم لضرب النظام حتى سقوطه.

وقد فقد بشار الأسد منذ زمن ثقته برجال أمنه، والقوة التي تحرسه لمدة أربع وعشرين ساعة على مدار الأسبوع مؤلّفة من الإيرانيين فقط، وهم رجال “قوة قدس” التابعين للحرس الثوري.

وقد حدثت في الساحة الإقليمية أيضًا تحولات دراماتيكية والشيء الرئيسي هو التعاون بين السعودية وتركيا بهدف إسقاط الأسد. وتعني هذه الوحدة أنّ السعودية ستموّل شراء الأسلحة، الذخيرة، أجهزة الاتصالات ووسائل القتال الأخرى، وسيتم إرسالها إلى تركيا وستُنقل من هناك إلى أيدي الثوار. وستُسهّل تركيا مرور المتطوّعين من جميع أنحاء العالم إلى سوريا، كي ينضمّ هؤلاء إلى تنظيمات الثوار ويعزّزوا من احتياطاتهم.

https://www.youtube.com/watch?v=0NgfKiuz55Y

وتنتشر في الأسبوعين الماضيَين أنباء عن المكان الذي قد يفرّ إليه بشار الأسد، ويتم الحديث عن روسيا، إيران وسويسرا. في روسيا وإيران هناك أصدقاء، وفي سويسرا هناك حسابات سرّية. تُمكّن الموارد المالية لعائلة الأسد أفرادها من البقاء على قيد الحياة لسنوات طويلة في المنفى.

ولكن من الواضح لدى الجميع أنّه إذا غادر الأسد أو قُتل فلن تنتهي مشاكل سوريا. لن يهدأ مستنقع الصراعات التنظيمية والطائفية، وستستمرّ أنهر الدماء بالتدفّق حتى يتم تقسيم سوريا إلى أقاليم متجانسة أهمّها: الأكراد في الشمال الشرقي، العلويّون في الشمال الغربي، الدروز في الجنوب، البدو في الشرق، دمشق وحلب. ومن المرجّح أن يسيطر حزب الله على المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان من أجل إنشاء منطقة آمنة للطائفة الشيعية. سيعزّز تفكّك البلاد الدولة الإسلامية، وقد تهدّد أيضًا الأردن والأسرة المالكة.

ستبقى إيران في دمشق حتى لو سقط الأسد

من المرجّح أن يسيطر حزب الله على المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان من أجل إنشاء منطقة آمنة للطائفة الشيعية (AFP)
من المرجّح أن يسيطر حزب الله على المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان من أجل إنشاء منطقة آمنة للطائفة الشيعية (AFP)

يقول الأسد في الأشهر الأخيرة إنّه حتى لو سقط هو ونظامه، فستصل الموجات الاهتزازية إلى الدول التي ساعدت في إسقاطه، الأردن، السعودية، تركيا، إسرائيل، الولايات المتحدة والناتو. فلن يهرب هؤلاء – كما يحذّر الأسد – من الجهاد الفاسد والقاتل. سيمنح سقوط الأسد دفعة كبيرة للجهاديين. سيزداد تيار المتطوّعين للمشاركة في السطو والنهب وبناء الجيش الإسلامي. سوف يتّجه المجهود الحربي تجاه بغداد من أجل السيطرة على العراق، وسيتطوّر أيضًا تهديد على تركيا وسائر البلدان الإسلامية التي تشكّلت من قبل الإمبريالية الغربية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية.

فقد بشار الأسد منذ زمن ثقته برجال أمنه، والقوة التي تحرسه 24/07 مؤلّفة من الإيرانيين فقط، وهم رجال “قوة قدس” التابعين للحرس الثوري

ستستمر الحرب في سوريا، تماما كما استمرت الحرب في ليبيا لأربع سنوات بعد مقتل القذافي. بشار الأسد هو فقط جزء من المشكلة، وسيترك خلفه خليطا قاتلا من التنظيمات والمجموعات الجهادية التي ستستمر في القتال على جسد الدولة السورية الميتة. وهناك بين تلك المجموعات القوة الإيرانية أيضًا، ويمكننا الافتراض بأنّ هذه القوة ستبقى في المنطقة كي تحرص على مصالح آيات الله في المنطقة. وقد تُسيطر قوة إيرانية على دمشق من أجل الحفاظ على الأماكن المقدّسة للشيعة والتي تقع حولها.

في النهاية، هناك احتمال أن تسيطر روسيا على مدينة اللاذقية وما حولها، “بشكل مؤقت” بطبيعة الحال، كي تحافظ لنفسها على ميناء آمن في البحر المتوسّط. إذا تحقّق هذا السيناريو، فقد يتضمّن مدنا ساحلية أخرى على الساحل السوري مثل طرطوس وبانياس.

ستستمر الحرب في سوريا، تماما كما استمرت الحرب في ليبيا لأربع سنوات بعد مقتل القذافي. بشار الأسد هو فقط جزء من المشكلة، وسيترك خلفه خليطا قاتلا من التنظيمات والمجموعات الجهادية التي ستستمر في القتال على جسد الدولة السورية الميتة

أصبح نظام الأسد في هذه الأيام شيئًا من الماضي. من الصعب أن نصدّق بأنّه بدلا من الاستبداد الشمولي الذي عرفناه، سوف تحتدم فوضى جهادية قاتلة. قد تتحوّل سوريا إلى أفغانستان على حدود إسرائيل، حاضنة إرهابية عالمية.

هل سيشتاق العالم يوما إلى أيام الأسد، كما يشتاقون في ليبيا اليوم إلى القذافي ويصلّون في العراق من أجل عودة صدّام حسين من القبر؟ يقترب الشرق الأوسط فعلا إلى أيام الإسلام الأولى مع كل الحروب القبلية، ربما أيضًا إلى أيام الجاهلية التي سبقت ظهور محمد. ستحلّ السكاكين، السيوف والجمال مكان المدافع الثقيلة، الصواريخ بأنواعها، وجميع السيارات المدرّعة.

من يرغب يمكنه أن يتخيّل استهداف قنبلة نووية إيرانية لكل هذه الغابة الصحراوية الدامية. حينذاك سيطلب من إسرائيل أيضا أن تساهم من أجل السلام والمصالحة الإقليمية من خلال إقامة آخر دولة عربية في العالم.

نشر هذا المقال لأول مرة على موقع ميدا

اقرأوا المزيد: 1271 كلمة
عرض أقل
الأسواق ومحلات البزار في إيران (AFP)
الأسواق ومحلات البزار في إيران (AFP)

الغرب في فخ البازار الفارسي

ممثّلو القوى العظمى في الغرب لم يفهموا شيئا أساسيا واحدا: هناك شيء واحد فقط يُدخل الإيراني في ضغوط وهو غير مستعد لدفعه: بقاء حكم آيات الله. الغرب لم يضع أبدا تهديدا حقيقيا على حكم آيات الله، إذن فلماذا يقومون بالتنازلات للتوصل إلى اتفاق؟

في وقتنا الحاضر يُدار نوعان من الأسواق: السوق الغربي والبازار الشرقي. في السوق الغربي الأسعار معروفة مسبقا لأنه يتم تضمينها – وفقا للقانون – على البضائع، وكل زبون يدفع ثمنا مساويا، سواء كان حريصا على شراء البضاعة أو كان بإمكانه تنظيم أموره جيّدا دونها.

الرئيس الإيراني حسن روحاني مبتسماً (AFP)
الرئيس الإيراني حسن روحاني مبتسماً (AFP)

في المقابل، في الشرق الأوسط تُسيطر ثقافة البازار. في هذه الثقافة يجري التفاعل بين البائع والمشتري على أساس مختلف تماما. فهنا يتم تحديد السعر في كل لحظة وفقا لعدة متغيّرات: إلى أي مدى يحتاج البائع المال الذي سيحصل عليه من البيع، إلى أي مدى يحرص المشتري على شراء البضاعة، إلى أي مدى يشعر البائع بالقلق من أن يتركه الزبون ويبحث عن بائع آخر.

يذهب ابن الغرب إلى البازار الشرق أوسطي، يثمل من الروائح، يرتبك من المرايا، يدوخ من الألوان، يتحمّس من الموسيقى ويشمئز من الزحام. يتجوّل في البازار وهو مضغوط في الوقت يركض من متجر لآخر ليستطيع شراء أكبر كمّ من الأشياء. إنه لا يساوم لأنّه لا يملك الوقت ولأنّه ليس معتادا على القيام بذلك في أمريكا. إنه يظن أصلا أنّه ليس من الاحترام أنّ يقف ويحاول تخفيض السعر.

بضائع تالفة بسعر مرتفع

 

الرئيس الإيراني روحاني ووزير خرجيته جواد ظريف (AFP)
الرئيس الإيراني روحاني ووزير خرجيته جواد ظريف (AFP)

تعكس المفاوضات التي جرت في 16 عاما الأخيرة بين إيران والغرب تماما الفروق بين هاتين الثقافتين. الإيرانيون، هم سحرة ثقافة البازار، حيث التقية والخدعة هي عنصر أساسي في ثقافتهم الشيعية. جلبت الفروق بين ثقافة السائح الأجنبي وثقافة البازار الفارسي النتيجة المريرة، حيث حصل الإيرانيون على العملة الأهم بالنسبة لديهم: الوقت، ودفعوا القليل من العقوبات، والآن هم يرون كيف أن هذا الدفع يتبدّد، وفي الأساس: وفّروا القليل جدا من البضاعة من حيث القيود المفروضة على برنامجهم النووي العسكري.

لعب الإيرانيون كل الوقت دور البائع الذي لا يريد بيع بضاعته إطلاقا، والذي لديه كل الوقت الذي في العالم. لقد باعوا بضاعة تالفة مرة تلو أخرى بطريقة الاتفاقات التي لم ينفذوها، ولم يستنتج الغرب الاستنتاج الوحيد الواضح: أنهم يستخدمون الكذب بخداع متطور. السبب هو أنه لا يوجد سواهم بائع آخر في السوق، ومن الواجب على الغرب – هكذا يشعر قادتنا – أن يصل إلى اتفاق مع إيران بأي ثمن. لم يشعر الإيرانيون أبدا بأن الغرب قادر أو يرغب بإعطائهم – لآيات الله – ضربة واحدة ملحمية تطردهم من البازار إلى الصحراء من أجل جلب بائع آخر مكانهم. إذن فلماذا سيتصرّفون بطريقة أخرى؟

لعب الغرب دور السائح المغفّل في طرق البازار: بثّ قادة القوى العظمى القيود الزمنية، لأنهم ملزمون بأن يأتوا لشعوبهم باتفاق قبيل الانتخابات القريبة بحيث يمكنهم التباهي به والقول: “لقد جلبت السلام في عهدي”. شعر الإيرانيون بالضغط ورفعوا من السعر، خفّضوا جودة البضاعة وباعوا في النهاية اتفاقات لم ينفذوها.

لقد لجأوا إلى تكتيك الاستنزاف: إعطاء الغرب طرف خيط على شكل تنازل ما، أمسك الغرب به حتى يكتشف فقط أنّه غير مربوط بشيء. ولكن الشيء الأساسي، المركزي، هو ابتسامات روحاني. تلك التي أسرت قلوب المفاوضين الذين بحثوا فقط عن الغمّازات في ابتساماته. لقد كانوا سعداء من الارتياح قائلين: إنه ليس أحمدي نجاد، إنه رجل جديد، لطيف، مبتسم، ومن غير الممكن أن يكون قد ضحك علينا لأنه ليس من المتطرفين. إنه رجلنا لأنه يتحدث الإنجليزية، يتصفّح في الإنترنت ويستخدم هاتفا ذكيا جديدا.

احتيال القرن

كاثرين اشتون تتوسط وزراء الخارجية الالماني (يمين) والبريطانيي والاميركي والفرنسي (يسار) في فيينا (AFP)
كاثرين اشتون تتوسط وزراء الخارجية الالماني (يمين) والبريطانيي والاميركي والفرنسي (يسار) في فيينا (AFP)

لقد نجح البازار الإيراني بشكل كبير، وسقط السائح الغربي مجدّدا: ودفع أيضًا الثمن على شكل وقت إضافي للإيرانيين، وأيضا لم يحصل على البضاعة لأنه لا يملك اتفاقا، وغير واثق إطلاقا بأنّه سيحصل على ما يريد يوما ما لأنّ إيران قادرة على التوصل إلى القنبلة قبل الاتّفاق الذي بعد سبعة أشهر.

لم يفهم ممثّلو القوى العظمى الغربية شيئا واحدا أساسيا: هناك شيء واحد فقط يُدخل الإيراني في ضغوط وهو غير مستعد لدفعه: بقاء حكم آيات الله. لم يضع الغرب أبدا تهديدا حقيقيا على حكم آيات الله، إذن فلماذا يقومون بالتنازلات للتوصل إلى اتفاق؟

الخطير أنه كان هناك أشخاص حذّروا القوى العظمى الغربية من السقوط في حفرة البازار الإيراني، ومن بينهم بنيامين نتنياهو، حتى في الفترة التي سبقت انتخابه كرئيس لحكومة إسرائيل. كتب هارولد رود أمورا صريحة، ونشر كاتب هذه السطور أيضًا كلاما بهذا المعنى. مشكلة أولئك الذين جلسوا مع الإيرانيين هي أنّهم ظنّوا بأنّهم يعرفون كيف يتصرف الإيراني، وصدّقوا كذبات أبطال التقية، واحتيال خبراء الخدعة.

سيتحدّث التاريخ بابتسامة حزينة كيف خدعت دولة مارقة وعازمة رجالا أذكياء ومتعلّمين، أصحاب قوة كبيرة ولكنهم غير مستعدين نفسيا لاستخدامه، وقام بإسقاطهم في فخّ البازار الفارسي، والذي ينجو منه فقط من تعلّم كيف يتصرف فيه.

نُشرت مقالة الرأي هذه للمرة الأولى في موقع ميدا

اقرأوا المزيد: 672 كلمة
عرض أقل
المتظاهرون التونسيون يظهرون محاكاة عملية إعدام خلال مظاهرة ضد الدولة الإسلامية (AFP)
المتظاهرون التونسيون يظهرون محاكاة عملية إعدام خلال مظاهرة ضد الدولة الإسلامية (AFP)

هل تونس هي هدف داعش القادم؟

القوى الأمنية التونسيّة غارقة حتّى رأسها في الصراع ضدّ نحو ألفَي إرهابيّ، محسوبين على القاعدة بشكل غير رسميّ، لكنّ كثيرين منهم محسوبون على داعش

كان عُقبة بنُ نافع أحدَ القادة العسكريين البارزين في مستهلّ الحقبة الإسلامية، إذ قاد جيش الإسلام حين غزا شمال إفريقيا في سبعينات وثمانينات القرن السابع. اشتُهر عُقبة بشجاعته، فضلًا عن مهارته في استخدام السيف، وكان قدوةً تُحتذى لجنوده وضبّاطه في تقنيّة فصل رؤوس مُقاتِلي الشعوب المغزوّة عن أكتافهم. منحته بطولته هذه مكانة شرف في قائمة أبطال الإسلام.

منذ نحو عامَين، تنشط مجموعة جهاديّين في المناطق الحدودية بين تونس وليبيا، إذ تستهدف بين الفينة والأخرى آليّات تستخدمها القوى الأمنية التونسيّة. وقد وقع ضحايا تونسيّون كُثر في هذه المعركة المستمرّة. تدعو المجموعة نفسها “كتيبة عُقبة بن نافع”. جدول الأعمال الجهاديّ للمجموعة معروف منذ بدأ عملُها، شأنه شأن قدرتها على تجنيد المُقاتلين، التزوّد بأسلحة متنوّعة، وفرض الرعب على مناطق شاسعة. من الشائع نسب الكتيبة إلى مجموعة جهاديّة كبيرة ومعروفة، “القاعدة في المغرب الإسلامي” – فرع القاعدة في شمال إفريقيا.

لكنّ سؤالًا طُرح مؤخرا يتعلق بولاء الكتيبة، إذ انتشرت أنباء أنّ قيادتها تميل إلى مبايعة الخليفة أبي بكر البغدادي، زعيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وتكتسي هذه المسألة أهمية خاصّة إثر الانقسام المتواصل بين القاعدة وزعيمها أيمن الظواهري من جهة، وبين “الدولة الإسلامية” وزعيمها البغدادي من جهة أخرى.

زعيم القاعدة أيمن الظواهري (SITE INTELLIGENCE GROUP / AFP)
زعيم القاعدة أيمن الظواهري (SITE INTELLIGENCE GROUP / AFP)

تجدُّد التحالُف الكردي الإيرانيّ

يطرح الهجوم الغربي على “الدولة الإسلامية” بقوّة كبيرة مسألة الانقسام منذ إنشاء “داعش” عام 2004 كفرع للقاعدة في العراق. فالآن، في ظلّ الهجوم الغربي، تعلو أصوات تدعو التنظيمَين الجهاديَّين السنيَّين إلى الاتّحاد في وجه هجوم الكفّار.

من الجدير ذكرُه أنّ إحدى القوى التي تحارِب “الدولة الإسلامية” هي قوّات البشمركة الكرديّة. مُني هذه القوّات ببعض الهزائم في حربها ضدّ “الجيش الإسلامي” التابع لداعش في الأشهر الأخيرة، لكنّ محاربيها حقّقوا انتصاراتٍ ميدانيّة في الأيام الأخيرة، بفضل سلاح جديد وفتّاك – لا سيّما الصواريخ المضادّة للدبّابات، التي وصلت من إيران.

يُثير هذا الواقع الاهتمام إذ إنّ إيران دولة شيعيّة، فيما البشمركة جيش سنيّ، لكنّ الجانبَين كلَيهما ينظران حاليًّا إلى الخطر المشترك، ويتعاونان في هذه المرحلة. من المحتمَل جدًّا، أن يكون أحد في الغرب، وربما في واشنطن أيضًا، قد “شجّع” إيران على تزويد الأكراد بسلاح متقدّم، على أساس أنّه حين يأتي وقت النقاش في الملفّ النووي الإيراني، ستُذكَر المشاركة في الحرب على “الدولة الإسلامية” (داعش) لصالح الإيرانيين.

مقاتل من قوات البشمركة الكرديّة (AFP)
مقاتل من قوات البشمركة الكرديّة (AFP)

توغُّل متوقَّع من الحُدود إلى مراكز المُدن

كما ذُكر آنفًا، افتُتحت الآن جبهة على الحُدود التونسيّة. فقد اكتشف وزير الداخلية، لُطفي بن جدّو، أنّ القاعدة أوعزت إلى رجالها في شمال إفريقيا بالقضاء على كلّ من تخوّل له نفسه جلب فكرة “الدولة الإسلامية” إلى تلك المنطقة، التي كانت حتّى الآن ضمن منطقة نفوذ القاعدة دون أيّ مُنافس. يذكَر هذا الاكتشاف السامعين بالصراع الدموي الدائر على الأراضي السورية بين “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، صراع ضحاياه هم أيضًا المواطنون البسطاء الذين يسعى كلّ طرف – بوسائله العنيفة – أن يجتذبهم إلى جانبه. وتخشى الحكومة التونسية، وكذلك داعمو الحركات الجهاديّة، حدوث صراع مشابه على الأراضي التونسية يؤدي إلى مجازر جماعيّة كما يجري في سورية، وليس فقط في المناطق الحدودية – شرقًا على حدود ليبيا وغربًا على حدود الجزائر، بل أيضًا في الأحياء الفقيرة في ضواحي المُدن، وهي أحياء يُعتبَر سكّانها متديّنين جدًّا.

من أبرز أسماء داعمي القاعدة في تلك المنطقة اسما الجزائري عبد المالك درودكال، والتونسي لقمان أبو صخر. ويسرهّما حاليًّا أنّ تنظيم “الدولة الإسلامية” لم يُعلَن عنه بشكل رسميّ في تونس بعد، لكنّ ثمة مؤشّرات على تعاظُم وجود أشخاص يميلون إلى ذلك التنظيم. ويظهر الأمر في مواقع التواصُل الاجتماعيّ، على شكل مديح وفخر بأعمال “الدولة الإسلامية” في سورية والعراق، وتضامُن معها، مع أهدافها، ومع الوسائل التي تستخدمها.

لكنّ الخطر الملموس أكثر في تونس يتجلّى في مئات التونسيين الذي عادوا من حقل الجهاد في سورية والعراق، بعد أن اكتسبوا خبرة كبيرة في وسائل الإرهاب والذبح، وبعد أن اجتازوا تدريبات مكثّفة في المخيّمات الجهادية في ليبيا. فإذا انضمّ هؤلاء إلى “كتيبة عُقبة بن نافع”، يُمسون الفرع التونسي لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وقد يكون ذلك حدث فعلًا، إذ شاعت أنباء أنّ الكتيبة باعت الخليفة أبا بكر البغدادي، ودعته إلى “التقدُّم، اجتياز الحدود، وتحطيم عروش الطغاة الكافرين في كلّ مكان”.

جيش الدولة الإسلامية (AFP)
جيش الدولة الإسلامية (AFP)

ألفا إرهابي، ربعهم قادمون مِن سوريّة

تُطارِد الدولة في تونس الكتيبةَ منذ بدأت العمل في المناطق الجبلية على الحُدود التونسية – الجزائرية، لا سيّما في جبل الشعانبي، بعد أن نجحت الكتيبة في قَتل عشرات الجنود والشرطيين. وتكتسب ملاحقة التنظيم أهمية مضاعَفة إثر تخطيط الحكومة إجراء انتخابات برلمانيّة ورئاسية خلال شهرَي تشرين الأول وتشرين الثاني هذا العام.

تُعتبَر حرب تونس على الجهاديّين صراع حياة أو موت، خصوصًا في ظلّ ما يجري في سورية والعراق. العام الماضي، جرى اعتقال أكثر من ألفَي إرهابي، وفق ادّعاء وزير الداخلية التونسيّ، نحو ربعهم عائدون من الجهاد في سورية والعراق. حسب ادعائه، ثمّة حضور مكثّف للأجهزة الأمنية التونسية بين السكّان، وقد اكتشف رجالُها محاولات تنفيذ عمليات إرهابية في البلاد خلال عيد الأضحى، الذي يُحتفَل به حاليًّا. فقد نفّذت القوى الأمنية اعتقالات جماعيّة بين المشتبَه فيهم في أحياء الفقر في المُدن، التي تشكّل خلايا إرهابية نائمة.

لكنّ المشكلة الأساسية في تونس هي كون حدودها مع ليبيا والجزائر موجودة على الخريطة فقط، وهي مناطق جبليّة لا أفضلية فيها للآليّات العسكرية على الحمير، البغال، أو الأشخاص المحُمّلين بالسلاح والذخيرة، الذين يسيرون آمِنين في سُبل ضيّقة، ملتوية، وشديدة الانحدار، “بين الجبال وبين الصُّخور”. وهناك مثال سيناء، حيث يعجز الجيش المصري عن السيطرة على الجهاديّين.

ليس النظام في تونس دكتاتوريًّا، بل يجري خوض اللعبة السياسية الديمقراطية إلى حدّ بعيد، إذ تشارك الأحزاب، التي بعضها ذات طابع علماني ليبراليّ، وبعضها الآخَر دينيّ إسلاميّ. كما أنّ كثيرين من السياسيين فاسِدون. لذلك، تُعتبَر المنظومة هشّة، ولم تفارق الأزمات السياسية البلاد منذ الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في كانون الثاني 2011.

الاقتصاد التونسيّ غير مستقرّ، وثمة قطاعات عديدة تشعر أنّ الديموقراطية لم تحسّن وضعها الشخصيّ والاقتصاديّ. لا يزال الجمهور العلماني يؤيّد الدولة إلى حدّ بعيد، فيما الشرائح التي تميل إلى الإسلام أقرب إلى قبول الحلّ الإسلاميّ لمشاكل المجتمَع والدولة. تأخذ الفجوة بين الحلّ الإسلامي وبين جدول أعمال القاعدة والدولة الإسلامية في التقلُّص كلّما تواصلت الأزمات السياسية التي تعاني منها تونس دون التوصُّل إلى حلول.

صورة زين العابدين بن علي, الرئيس السابق لتونس, في القمامة (Wikipedia)
صورة زين العابدين بن علي, الرئيس السابق لتونس, في القمامة (Wikipedia)

حُقوق مقاتِل داعش

لا يُعلَم في هذه المرحلة إن كان في وسع الغرب أن يُساعد النظام التونسي، بما يتعدّى الدعم الاستخباريّ السريّ حول التجمّعات والمجموعات الجهاديّة، إذ إنّ أيّ دعم غربي علَنيّ من شأنه هزّ الشرعية المحدودة للنظام في نظر الأولياء للإسلام. لكن من الجليّ أنّه إذا أخفق النظام التونسيّ في الصراع ضدّ الجهاديين، سيُدفَع الغرب إلى الفوضى الإرهابية، كما غرق في المستنقع في العراق وسورية.

الخطر المنظور من تونس على أوروبا أقرب بكثير من الناحية الجغرافيّة، إذ يمكن لسفينة إرهابيين مُسلَّحين اجتياز المسافة بين تونس وإيطاليا بحرًا خلال ليلة واحدة. سيحدث التدخُّل الأوروبي في تونس في مرحلةٍ أبكر بكثير من التدخُّل في سورية والعراق، ولذا يمكن أن يكون الميدان التونسي أكثر قابلية للاشتعال حتّى من سورية والعراق.

ثمّة آثار للانتشار المتوقَّع للحرب على “الدولة الإسلامية” من الناحية القانونية. فقد آن الأوان لإعادة صياغة قواعد الحرب والمعاهدات الدولية التي يستند إليها القضاء الدولي المتعلّق بإدارة النزاعات. وُضعت هذه القواعد حين كان الحديث عن جيوش ودُول، ولكنها لا تنطبق على الحرب الحاليّة، التي تجد فيها الدولة العصرية نفسها تحارب ميليشيات تعمل بمنهجيّات مستوحاة من القرن السابع.

ليست مفاهيم مثل “إبعاد الحرب عن المدنيين”، “حقوق الإنسان للمحاربين”، و”التعامُل مع الأسرى”، جرى التوصل إليها في أوروبا بعد الحربَين العالميّتَين، ذات معنى اليوم. فمعظم الحروب التي خيضت في السنوات العشرين الأخيرة كانت ضدّ تنظيمات لا يعني لها القضاء الدوليّ شيئًا. وتقتصر مهامّ هذه الميليشيات على شلّ قوى الجيوش النظاميّة التي تُضطرّ إلى محاربة مقاتلين يرتدون ملابس مدنيّة يختبئون في مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة بهدف استخدام السكّان دُروعًا بشرية ضدّ الهيئات العسكريّة الحديثة.

في تونس، قد تكون المفاهيم الغربيّة المتعلّقة بإدارة الحرب بين أوائل ضحايا المعركة.

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع ميدا

اقرأوا المزيد: 1179 كلمة
عرض أقل
مقاتل في صفوف "داعش" (لقطة شاشة من يوتيوب)
مقاتل في صفوف "داعش" (لقطة شاشة من يوتيوب)

الأردن في المرمى

أهمية غور الأردن كرصيد استراتيجي لم تكن أبدًا أكثر وضوحًا: التنظيم الجهادي داعش لا يترك مكانًا في تصدر عناوين الصحف، وهو الآن يحدّد الهدف التالي: المملكة الأردنية. كيف ستتصرف إسرائيل إذا اندلعت حرب جهادية لدى جارتها في الشرق؟

تعتبر مدينة معان جنوب الأردن مدينة بدوية، والتي تسبّبت دومًا بالصداع للسلطة. سكّانها تقليديّون جدّا، وفيها الكثير من الأشخاص المنتمين للتيار السلفي. اندلعت في المدينة مظاهرات في الماضي، بعضها انزلق للعنف؛ وحدثت بسبب أسعار الغذاء، وأسعار الوقود، ولأن السلطة لا توفّر احترامًا كافيًّا لرؤساء القبائل الذين يعيشون فيها. وتحوّلت معان مع الوقت إلى “مقياس حرارة” للأردن، وهي التي كشفت للعالم عن التيارات الكامنة تحت السطح للحالة المزاجية في المملكة.

في ظهيرة يوم الجمعة الماضي، 20 حزيران 2014، انطلقت في معان مظاهرة رُفعت فيها رايات داعش السوداء. كانت التسمية التوضيحية المرفوعة على اللافتات لا لبس فيها: “جمعة نصرة الدولة الإسلامية في العراق والشام – معان فلوجة الأردن – تنصر دولة الإسلام”، “نبارك للأمة الإسلامية بالفتوحات العمرية التي منّ الله على الدولة الإسلامية في العراق والشام”.

وقد أُطلقتْ في المظاهرة دعوات عالية وتاريخية. بعضها معروف أكثر، مثل: “الله أكبر”، “الجهاد”، “الموت ولا المذلّة”، “بالروح بالدم نفديك يا إسلام”، و”الدولة الإسلامية باقية”. وبعضها الآخر أكثر تميّزًا، ويعطي الطابع الفريد للمتظاهرين: “لا إله إلا الله والشيعي عدوّ الله”، “والمجاهد حبيب الله”، “والسنة أحباب الله”، “الله مولانا ولا مولى لهم” (يقصدون الشيعة)، “مولاهم الطاغوت”، “يا حكّام الشيعة جينا”. وقد عبّر إطلاق النار نحو السماء بشكل جيّد عن جدّية نوايا المتظاهرين.

https://www.youtube.com/watch?v=IQERKn2EEM4&feature=youtu.be

في الفيلم: توثيق المظاهرة المؤيّدة لداعش في مدينة معان

ولكن الجزء الأهم هو حقيقة أنّه فيما عدا أفراد قلائل، فكان جميع المشاركين في المظاهرة مكشوفي الأوجه، أي لا يخشون من الحكومة الأردنية، من المخابرات والشرطة. وقد رأى المُتظاهرون أيضًا الرجل الذي قام بتصوير المظاهرة ولم يقوموا بشيء ضدّ توثيقه، رغم أنّهم يعرفون جيّدا أنّ النظام قد يستخدم هذه الأفلام من أجل الكشف والإمساك بالمشتركين في المظاهرة. وحين يختفي الخوف من الدولة، فإنّ كلّ عمل قد يصبح متوقّعًا.

لم يخف تنظيم داعش – “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – أبدًا نواياه تجاه الأردن، والتي أُنشئت هي أيضًا كالعراق والشام من قبل الاستعمار الأوروبي، ولذلك فحكمها الهلاك. بل إنّ اسم التنظيم يدلّ على هذه النوايا، حيث أنّ منطقة “الشام” تشمل في الواقع سوريا، لبنان، الأردن وفلسطين (أرض إسرائيل).

ولتوضيح نواياه تجاه الأردن وسّع التنظيم من مساحة سيطرته في العراق باتجاه الغرب، وصولا إلى الحدود بين العراق والأردن، واحتلّ المدينة الحدودية طرابيل. تثير انتصاراته في العراق وسوريا “الأدرينالين الجهادي” لدى السكان المهمّشين في الأردن، وتعكس المظاهرة في معان ما هو معروف للجميع: يجذب انتصار داعش الحشود، وخصوصًا أولئك المتواجدين في الهوامش، والحريصون على الانتماء أخيرًا إلى تنظيم ناجح. وإذا كان هذا الشيء الناجح سيضع حدّا للحكم القمعي، فبالتأكيد يجب الانضمام إليه.

مقاتلون من داعش في العراق (AFP)
مقاتلون من داعش في العراق (AFP)

الزعيم والجدل

الرجل الذي يُعرّف كزعيم التيار السلفي الجهادي في الأردن هو عصام البرقاوي، الذي يكنّى أبو محمد المقدسي. وُلد في قرية برقة قرب نابلس في 3 تموز عام 1959 (سيحتفل بعد نحو أسبوع بيوم ميلاده)، ودرس الدراسات الإسلامية في الموصل والمدينة. نشر في الماضي كتابًا ادعى فيه أنّ النظام السعودي يفتقد إلى الركيزة الشرعية. وهو الأب الروحي لأبي مصعب الزرقاوي، الذي أسّس عام 2004 “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، وهو التنظيم الذي أصبح فيما بعد “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – داعش. مكث البرقاوي فترة من حياته في باكستان وأفغانستان، والتقى هناك بزعماء القاعدة ومرشديها. حاكمه النظام الأردني لفترة طويلة في السجن، وينشر من داخله تعليماته لمؤيديه.

هناك من يدّعي في التيار السلفي الجهادي في الأردن  أنّ المقدسي يؤيّد سيطرة “الدولة الإسلامية” على العراق، ولكنه لا يؤيّد توسيع نشاط التنظيم إلى داخل الأردن. أيد هذا الادعاء ناشط بارز آخر، وهو محمد الشلبي المكنّى “أبو سياف”، والذي أدان مظاهرة معان وادعى أنها “مشبوهة” (مؤامرة من الحكومة التي تريد تدمير الحركة الجهادية) واشترك بها فقط عشرين أو ثلاثين شخص، بما في ذلك خمسة شبان (وليسوا من المسؤولين) والذين تمّ “غسل عقولهم”، وهي لا تمثّل التيار السلفي ولا تخدمه”. ومع ذلك، فإنّ أبي سياف أيضًا يخفي تأييده لداعش وللمذابح الجماعية التي ينفّذها التنظيم بالشيعة في العراق، وخصوصًا بجنود النظام. وبالنسبة للأردن فالوضع يختلف، حيث نعم – وفق كلامه – هناك جزء من رجال التيار السلفي الجهادي في الأردن يؤيّدون داعش وبالمقابل يؤيد جزء تنظيم جبهة النصرة، ومن المعروف أنّ هذين التنظيمين السلفيين الجهاديين – الذين يعملون ضدّ نظام الأسد في سوريا – يقاتلان بعضهما البعض أيضًّا.

ولكن، سيزول  الجدل داخل الأردن حين تبدأ داعش بعملياتها العسكرية ضدّ الأردن. ستبدأ هذه الخطوة حين تتسلّل مجموعة من مقاتلي داعش، ممّن يتحدّثون باللهجة الصحراوية الأردنية، من العراق إلى داخل الأردن، وتظهر بوجوه مغطاة أمام الكاميرات وتعلن عن “بيعة”- حلف القسم- لأبي بكر البغدادي، وتبدأ بمهاجمة دوريات الجيش الأردني، حواجز الطرق التابعة للقوات الأمنية، مواقع الجيش الصغيرة والسيارات المدنية.

رئيس الوزراء نتنياهو يجتمع مع العاهل الأردني الملك عبد الله (Flash90/Avi Ohayon)
رئيس الوزراء نتنياهو يجتمع مع العاهل الأردني الملك عبد الله (Flash90/Avi Ohayon)

طريقة العمل

طريقة عمل التنظيم معروفة: يكتسب قوة مكوّنة من بضع عشرات من المركبات 4×4 السريعة، والتي تُركّب عليها رشاشات ثقيلة. يشغّل بعض المقاتلين صواريخ آر بي جي، وبعضهم أسلحة خفيفة، وبشكل عام بنادق هجومية من نوع AK-47 كلاشينكوف. وقد انضمّت إلى ترسانة التنظيم مؤخرًا كمية كبيرة من السلاح الأمريكي الجديد والفتّاك، مباشرة من مخازن الجيش العراقي التي سقطت بأيدي التنظيم. تداهم هذه القوة الكبيرة والعدوانية فجأة الموقع العسكري، نقطة التفتيش أو الدورية، في وضع يكون لها فيه ميزة تكتيكية كبيرة عن القوة المهاجَمة بسبب عدد مقاتليها، قوة النيران التي تملكها، التنقّل الكبير للقوة وعنصر المفاجأة.

يهتمّ التنظيم بتوثيق المعارك ونتائجها بالفيديو والصور، وبشكل أساسي القتل الجماعي للجنود والمواطنين الذين سقطوا بيديه، وذلك لزرع الخوف في أوساط معارضيه. تكون وجوه مقاتلي التنظيم مغطّاة بشكل عام بعناية، حيث لا يمكن لأحد أن يتعرف على هويتهم في المستقبَل وأن يقدّمهم للمحاكمة والمحاسبة على أعمالهم. تشكل الصور المخيفة التي ينشرها التنظيم أحد العوامل التي أدت بالجيش العراقي، الذي كان يُفترض به الدفاع عن مدينة الموصل، أن يهرب ويغادر المدينة تحت رحمة داعش.

وفي الأردن “نرى أصوات” داعش، وهناك عدد لا بأس به من الأشخاص الذين ينتظرون بفارغ الصبر انجذاب روح الجهاد إلى المملكة، والتي تهبّ بقوة كبيرة من الشرق (العراق) والشمال (سوريا) باتجاه الصحراء الأردنية. حتى لو كانت هناك اليوم معارضة لداعش في الأردن، فمن المرجح أنه حين يبدأ التنظيم بنقل عملياته إلى أراضي الأردن فإنّ المعارضة ستختفي، وخصوصًا إذا حقّق الجهاد انتصارات ضدّ الأردن. “تُقنع” الانتصارات القبائل والأفراد للانضمام إلى التنظيم، تمامًا كما يحدث في سوريا والعراق، سواء من الخوف أو من رغبة المشاركة في النصر. من الواضح للجميع أنّ الأردن لن يكون الهدف النهائي لداعش وإنما نقطة انطلاق يستمر من خلالها في الجهاد ضدّ الكيانات غير الشرعية الأخرى والتي أنشأها الاستعمار الغربي واتفاقيات سايكس – بيكو؛ إسرائيل والسعودية.

منطقة غور الأردن (Flash90/Yossi Zamir)
منطقة غور الأردن (Flash90/Yossi Zamir)

غور الأردن: رصيد استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه

في مثل هذه الحالة، فسيكون الخيار الذي يلبّي مطالب كلّ من إسرائيل والغرب بقوة واضحًا وحادّا كالشفرة: من جهة، سيكون هناك من يقول إنّ الشأن الأردني لا يمسّ بنا، وإذا حُكم على النظام الهاشمي في الأردن بالسقوط تحت أقدام الجهاد فنحن لا نستطيع إنقاذه، أيضا حتى مقابل دفع ثمن دماء الجنود الإسرائيليين. ولذلك، فمن غير المجدي أن نحاول على الإطلاق. علينا أن ننتظر حتى يصل الجهاديون إلى حدودنا وهناك سنتعامل معهم كما يجب. إلى جانب ذلك، فلو قامت دولة أخرى بعد سقوط الأردن، نستطيع أن نقول إنها دولة فلسطينية وإنّه ليست هناك أهمية لإقامة دولة فلسطينية أخرى في الضفة الغربية (بالإضافة إلى تلك القائمة منذ سبع سنوات في غزة).

من جهة أخرى، من المحتمل جدّا أن يهرع العالم – والولايات المتحدة خصوصًا – إلى إنقاذ الأسرة الهاشمية المالكة، حتى لا تسقط هي أيضًا بيد الجهاد. في مثل هذه الحالة فسيتوقع البيت الأبيض من إسرائيل أن تشارك في العملية. ورغم كلّ شيء، فإنّ المملكة الأردنية ما زالت تمثّل من وجهة نظر إسرائيل نوعًا من الحماية من رياح الجهاد الشرقية القادمة من العراق، وربما في المستقبَل من إيران أيضًا. هل تستطيع إسرائيل أن تجلس مكتوفة الأيدي، حتى لو تجنّد أصدقاؤها في الولايات المتحدة وربما في أوروبا أيضًا لمساعدة الأسرة الهاشمية المالكة؟

شيء واحد واضح كالشمس في أواخر أيام حزيران الدافئة: غور الأردن – في الأراضي الأردنية وفي جانبنا – سيكون ساحة المعركة بين الجيش الإسرائيلي والجهاد من الشرق، إذا لم يتوقف الجهاد في شرق غور الأردن. من يظنّ أنّ دولة فلسطينية في الضفة الغربية ستحمي إسرائيل من الجهاد، عليه أن يُثبت ذلك قبل أن يدعو إسرائيل إلى ترك غور الأردن. هل الجيش الفلسطيني، الذي تمّ تسليحه وتدريبه من قبل الأمريكيين (“قوات دايتون”)، سيكون أقوى وأكثر حماسة من الجيش العراقي الذي سلّحته ودرّبته أيضًا الولايات المتحدة؟

إن ما يحدث اليوم في سوريا والعراق، وقد ينزلق إلى داخل الأردن، يثبت لإسرائيل مرة أخرى صحّة المثل العربي: “ما حكّ جلدك مثل ظفرك”. أما في العبرية يعبّرون عن ذلك بمقولة الحكماء المعروفة من أخلاقيات الآباء: “إذا لم أكن لنفسي، فمن سيكون لي؟” ومنها عليكم التعلم بنفسكم.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع ميدا.‏

اقرأوا المزيد: 1318 كلمة
عرض أقل
لافتة انتخابات للمرشح الرئاسي، عبد الفتاح السيسي. أرشيف (MOHAMED EL-SHAHED / AFP)
لافتة انتخابات للمرشح الرئاسي، عبد الفتاح السيسي. أرشيف (MOHAMED EL-SHAHED / AFP)

مصر السيسي: الديموقراطية في عطلة

الانتخابات المصرية على الأبواب والفائز الأكبر تم الإعلان عنه من مدة. آمال كثيرة معلّقة على الجنرال السيسي ولكن الفوز بتاج الرئاسة هو البداية فقط

تمّ نشر المقال لأول مرة في موقع ميدا

الانتخابات المصرية على الأبواب والفائز الأكبر تم الإعلان عنه من مدة. آمال كثيرة معلّقة على الجنرال السيسي ولكن الفوز بتاج الرئاسة هو البداية فقط. التحدي الأكبر الذي سيقف أمامه هو مجموعات المعارضة، فمن جهة، يقاطع  الإخوان المسلمون، الذين لا يزالوا يحظون بدعم واسع، الانتخابات ويصعّدون من نشاطات الإرهاب ضدّ الحكومة، ومن جهة أخرى الشباب الليبرالي، الذي هو غير مستعد لقبول أوضاع ديكتاتورية أخرى.

في 26 و27 من هذا الشهر، ستُجرى انتخابات الرئاسة في مصر، ومن المتوقع أن يفوز الجنرال عبد الفتّاح السيسي بمنصب الرئيس بأغلبية ساحقة. يعتقد الكثيرون أنّه سيكون منقذ مصر، وسينشلها من المشاكل الخطرة التي تواجهها.

خلال السنوات الثلاث الأخيرة تقريبًا، منذ أن اندلعت المظاهرات ضدّ مبارك في ميدان التحرير، في 25 يناير 2011، تعثّر الاقتصاد المصري، وتجري في سيناء حرب ضدّ المجموعات الإرهابية المتطرّفة والسدّ الذي تبنيه إثيوبيا يهدّد شريان حياة مصر، وهو نهر النيل.

ولكن، تشكل المعارضة من الداخل، أو – من المفضّل أن نقول – المعارضات، المشكلة الأكبر التي سيضطر السيسي لمواجهتها تحديدًا.

مقاطعات وإرهاب: “الإخوان المسلمونيقودون المعارضة

تترأس جماعة “الإخوان المسلمين” المعارضين لقيام الانتخابات. يزعم نشطاؤها أنّ الرئيس الشرعي والقانوني لمصر هو محمد مرسي، الذي تمّ انتخابه في الانتخابات الديمقراطية في شهر حزيران عام 2012، وأنّ عزله في تموز 2013 كان انقلابًا عسكريًا بكل معنى الكلمة، دون أيّ مبرّر، وأيّة قانونية أو سبب مشروع. وفقًا للإخوان، فالحكومة ليس لديها سلطة، وقراراتها غير سارية وبالتالي فإنّ عملية الانتخابات التي ستُقام في الأسبوع القادم باطلة ولاغية، ونتائجها لا معنى لها. ولذلك، فمن المرجّح أنّ الكثير من داعمي “الإخوان” سيمتنعون من الاشتراك في الانتخابات ليعبّروا بذلك عن موقفهم بأنّ الانتخابات غير قانونية. وقد أصدر بعض المفتين منذ الآن فتاوى شرعية تعبّر عن هذا التوجّه، وتحظر بتحريم شرعي الذهاب إلى صناديق الاقتراع والتصويت.

عبد الفتاح السيسي خلال عرض عسكري (AFP)
عبد الفتاح السيسي خلال عرض عسكري (AFP)

لا تنحصر المشكلة التي يضعها “الإخوان” أمام السيسي في الاشتراك بالانتخابات، حيث أنّه من بين ملايين المواطنين الذين يؤيّدونهم هناك الكثير ممن هم مستعدّون لاتخاذ أي وسيلة، حتى لو كانت عنيفة، من أجل الانتقام من السيسي ومساعديه بسبب استيلائهم على الحكم بدلا من الرئيس المنتخَب مرسي ووضعه في قفص المتّهمين. خلال السنة الأخيرة، شهدنا زيادة كبيرة في أعمال التخريب، العمليات الإرهابية والتفجيرات في أماكن كثيرة بمصر. يفجّر معارضو السيسي السيارات، ويهاجمون مراكز السلطة، الجيش والاستخبارات، ويقتلون رجال الشرطة والجنود ويحرقون سياراتهم. الاتجاه آخذ بالازدياد، وتبدو العمليات الإرهابية أكثر فأكثر مثل الواقع الفظيع لبغداد في العراق، وكمثال لما يمكن توقّعه في القادم.

من أجل مكافحة معارضي السلطة بشكل فعال، أعلنت الدولة أن تنظيم “الإخوان المسلمين” هو تنظيم غير قانوني، إرهابي، عصابة مجرمة وأوصاف جنائية أخرى. وفي الوقت نفسه، تشدّد الأجهزة الأمنية المصرية من تكميم الأفواه، الاضطهاد، المحاكمات المنظّمة وأحكام الإعدام الجماعية، التي اتّخذت بإجراءات قضائية محيّرة جدّا، وتلقّت انتقادات سلبية شديدة في جميع أنحاء العالم الغربي.

يظهر، بالتالي، أن الصراع بين السيسي و”الإخوان المسلمين” سيشكّل جزءًا مهمّا من الحياة العامّة في مصر في السنوات القادمة، حيث يؤيد عشرات الملايين من المصريين، ومعظمهم من سكان الأحياء العشوائية، الذين يعيشون من دون مياه جارية، مجارٍ، كهرباء أو اتصالات، “الإخوان” ويتماهون مع مطالبهم.

لا للدكتاتورية

لا ينحصر الصراع الذي يلاحق السيسي على الإخوان المسلمين. فمن المتوقع أن تكون هناك معارضة أيضًا من الجانب العلماني، الليبرالي، في المجتمع المصري. في هذه الأيام تنتظم مجموعة من التنظيمات الشابّة، بين 20-30 عامًا، تحت مسمّى “ضدّك”، وتهدف إلى إفشال عودة مصر إلى أوضاع الدكتاتورية العسكرية، تلك الدكتاتورية التي نجح هؤلاء في إزالتها في 25 يناير عام 2011، مع دفع ثمن باهظ من الدماء.

متظاهر مصري (PEDRO UGARTE / AFP)
متظاهر مصري (PEDRO UGARTE / AFP)

من بين تلك التنظيمات، يمكننا أن نجد “جبهة طريق الثورة”، “حركة شباب 6 أبريل”، “جبهة أحمد ماهر”، “الجبهة الديموقراطية”، و”الاشتراكيين الثوريين”؛ جميعهم ينسّقون جهودهم للعمل ضدّ السيسي – بالطرق السلمية بطبيعة الحال – لأنّه ليس سوى “مبارك 2.0”. وهم يدعون أيضًا إلى تنظيف بقايا الدولة من “فلول” (“الأذناب” بتعبيرهم) “الحزب الوطني الديمقراطي”، الفاسدين والمُفسدين، الذين أفسدوا القطاع العام بالرشاوى، نجوا عند سقوط مبارك ويحاولون اليوم تجديد وجودهم في القطاع العام.

صعّدت “حركة شباب 6 أبريل” من نشاطها وقامت بتنظيم مظاهرة بالقرب من ميدان التحرير في مركز القاهرة لتحذير الشعب من الأخطار المحدّقة به من قبل النظام الذي لا يختلف عن نظام مبارك، وربّما أكثر سوءًا منه، “حامي اللصوص والفاسدين” كما يقول أحمد مصطفى، أحد زعماء التنظيم.

ويتّهم هيثم محمّدين، أحد رؤساء مجموعة الاشتراكيين الثوريين، السيسي صراحةً بـ “الكذب والنفاق”، وأنّه ليس لدى السيسي أي فكرة عن كيفية التعامل مع المشكلات الدولية التي تواجهها مصر. ستسوّق حركته فكرة مقاومة السيسي بواسطة المظاهرات تمامًا في نفس المواقع التي نجح فيها ومن خلالها ملايين المصريين، قبل ثلاث سنوات، في إسقاط مبارك، بعد أن كافحوا ضدّه معًا، متكاتفي الأيدي، وعلى استعداد لمواجهة دبابات النظام بأيديهم العارية.

يعلم أعضاء هذه التنظيمات من الناحية الموضوعية بأنّه ليس لديهم فرصة في إسقاط السيسي، والذي على ما يبدو سيتمّ انتخابه بنسبة تأييد عالية. كلّ ما يريدونه هو القدرة على التعبير عن احتجاجهم دون أن تنفصل يتم قتلهم.

الاستقرار على حساب الديمقراطية

ومن المهمّ أن نشير إلى أنّ المعلومات حول الحركات العلمانية ضدّ السيسي تصل إلى الجمهور العريض ليس عن طريق النظام، الادّعاء، النظام القضائي، وإنما بواسطة قناة الجزيرة، التي تخصّص وقتًا للبثّ ومساحة في الصحافة حول الخطر الكبير في أن يصبح السيسي نسخة أخرى عن مبارك. وينبع سبب ذلك بأنّ هذه القناة تعكس رؤية “الإخوان المسلمين” وتهاجم السيسي أيضًا من الجانب العلماني، وذلك لوضع إسفين بين السيسي والشريحة العلمانية في مصر.

مصريون يحتفلون في ميدان التحرير مع صورة عبد الفتاح السيسي (AFP)
مصريون يحتفلون في ميدان التحرير مع صورة عبد الفتاح السيسي (AFP)

يبدو أنّه في فترة السيسي سيستقرّ الوضع الاقتصادي في مصر، وأيضًا سيتميّز النظام السياسي باستقرار نسبي. وبالمقابل، فإنّ الصراع بين السلطة و”الإخوان المسلمين” سيكون دمويّا في كلا الجانبين، وسيتم إسكات تنظيمات المعارضة – المتديّنة وغير المتديّنة – وستوقف وتتم ملاحقتها. إذا كانت هناك إنجازات اقتصادية وأمنية فيبدو أنّها ستأتي على حساب حقوق الفرد، الحريّات السياسية، الحقّ في التنظيم، التظاهر والتعبير عن الرأي. حتى لو تحسّنت مصر تحت حكم السيسي من الناحية الاقتصادية، فستهبط إلى حدّ كبير في مؤشر الديموقراطية. سيضطّر جميع المحلّلين الذين شاهدوا الديمقراطية النامية من داخل ميدان التحرير، وخصوصًا أولئك الذين يكتبون في نيويورك تايمز، إلى أن يفسّروا لقرّائهم أين أخطأوا ولماذا.

البروفسور مردخاي كيدار هو مستشرق ومحاضر في قسم العربية في جامعة بار إيلان، وباحث زميل في مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، تخصّص من بين أمور أخرى بدراسة نظام حافظ الأسد في سوريا.

اقرأوا المزيد: 964 كلمة
عرض أقل