ميّز اللقاء بين رئيس حكومة الهند نرندرا مودي وبين أبو مازن في نهاية شهر أيلول في نيويورك بشكل واضح علاقة الهند بالشرق الأوسط. بعد شهرين من تسبّب الهنود بصدمة للفلسطينيين لدى امتناعهم عن التصويت على تقرير عميلة “الجرف الصامد” للجنة التحقيق في الأمم المتحدة، جلس مودي وأبو مازن وتحدّثا عن – لن تصدّقوا – أزمة المختطفين الهنود في العراق. وعد أبو مازن بالمساعدة، ولكن مودي قال شكرا، أما موضوع ازدهار العلاقات بين الهند وإسرائيل، والتوتّر المتصاعد بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، فلم يُطرح إطلاقا.

فضلا عن ذلك، فقد أعطت الهند للفلسطينيين تفسيرا تقنيا للتصويت، وقالت للفلسطينيين إنّه في الواقع لم يتغيّر شيء. كل ما تبقى للفلسطينيين هو قبول ذلك بتفهّم.

وهكذا بدا أنّ الهند قد توقفت عن الاعتذار عن علاقتها مع إسرائيل، وقد شهد أبو مازن ذلك بنفسه.

رئيس حكومة الهند نرندرا مودي (AFP)
رئيس حكومة الهند نرندرا مودي (AFP)

صعد نرندرا مودي إلى الحكم في نيسان عام 2014، وأصبح رئيس الحكومة الأقوى في الهند في الثلاثين عاما الأخيرة. في شهر أيار الأخير، اكتسح حزب الشعب الهندي – BJP – أكثر من نصف مقاعد البرلمان وأهان حزب المؤتمر الذي أسّس الهند وحكمها في معظم فتراتها. ارتفعت سوق الأسهم الهندية بنسبة 30% في أعقاب انتخاب مودي، وحتى لو ماطل في تنفيذ وعده الاقتصادي، وحتى لو تلقّى ضربة موجعة في الانتخابات المحلية في نيودلهي، فليس هناك لمودي الآن منافس كبير يمثّل بديلا لدى الشعب الهندي.

أصبح رئيس حكومة الهند نجما عالميا، ظهر أمام عشرات آلاف المعجبين في الهند والخارج، بل وحتى أن بن شاليف من صحيفة “هآرتس” غفر لمودي كما يبدو على مشاركته في مجزرة لألف مسلم في فترة ولايته، وبحسب معارضين – بتخطيطه. سوى ذلك، من الصعب أن نشرح لماذا نشر الصحفي مقالا مليئا بالإعجاب بذوقه الممتاز في اللباس. نجم أم ليس نجما؟

في الانتخابات المحلية أشرق مودي بشكل أكبر. لقد فاز في الولايات الهندية المختلفة، بل وحتى في كشمير، وهي منطقة نزاع تعيش فيها غالبية مسلمة، واكتسح حزب الشعب أصواتًا أكثر من أي حزب آخر. بل وأهم من ذلك، أن نسبة التصويت في كشمير كانت الأكبر منذ عقدين، بسبب اليد الحديدية للهند على إقليم كشمير واندماج سكان كشمير مع حكمها.

ورغم أن الزيارة التاريخية التي أجريت لإسرائيل هي لرئيس الهند براناب مخرجي، والذي دُعي من قبل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، بشكل رسمي، ولكن وقود الزيارة هو سيطرة اليمين على السياسة الهندية.

نرندرا مودي مع بنيامين نتنياهو (GPO)
نرندرا مودي مع بنيامين نتنياهو (GPO)

عندما يقول سفيرنا في الهند إنّ هذه الزيارة التاريخية هي خروج من الخزانة لكلتا الدولتين، فهو يبالغ قليلا – إذ إن إسرائيل لم ترغب أبدا بأن تكون في الخزانة، وسعت وراء الاعتراف والصداقة الهندية، دائما. والهند هي التي تعاملت ببرود. الهند هي التي وضعت القضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال الشرق أوسطي.

ومنذ الحكم البريطانيّ كانت هي من عارض قرار تقسيم فلسطين، وكانت هي الدولة غير العربية الأولى التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثّل الوحيد للشعب الفلسطيني. حتى عندما أقامت الهند علاقاتها الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل عام 1992، فقد حافظت على الخطاب المؤيّد للفلسطينيين بوضوح.

ومنذ ذلك الحين تمّت خطوات تقارب مستمرّة مع دولة إسرائيل، حتى عندما حكم البلاد حزب المؤتمر، الذي أقام الهند والذي ينتمي إلى منهج اليسار-الوسط، بين عامي 1991-1996 و2004-2014. حتى وصول مودي إلى الحكم، كانت الفجوة بين الحقيقة والخطاب من نصيب حكومة اليمين أيضًا والتي حكمت بين عاميّ 1998-2004، وصوّتت في الأمم المتحدة ضدّ حقّ إسرائيل في إقامة جدار الفصل مع الفلسطينيين.

صلاة التراويح في "المسجد الجامع" – المسجد الأكبر في دلهي، عاصمة الهند (Thinkstock)
صلاة التراويح في “المسجد الجامع” – المسجد الأكبر في دلهي، عاصمة الهند (Thinkstock)

ويقلّل السفير كرمون أيضًا من أهمية الحقيقة القائلة إنّ مخرجي قد جاء للزيارة، وليس مودي بنفسه. وقد أعلنت وزيرة خارجية الهند سواراج أيضًا في شهر أيار أنّ مودي سيأتي لزيارة إسرائيل، ولا شكّ أن التبديل لم يكن خطوة ساذجة. بطبيعة الحال، فإنّ التفسير الشائع لتغيير الشخصية الهندية التي ستأتي للزيارة هو أنّ الهند تحاول إسكات الانتقادات حول ربيع العلاقات مع إسرائيل، ومودي ونتنياهو ينتميان أكثر من اللازم إلى الخطاب المعادي للإسلام – حيث حُرم مودي من تأشيرة الدخول الأمريكية حتى انتخابه لرئاسة الحكومة الهندية بسبب مشاركته في مجزرة جماعية للمسلمين في ولاية الإقليم الذي كان يحكمه عام 2002.

مخرجي هو الأرنب الذي تم سحبه من القبعة، وليست هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها مودي هذه الخدعة.

تبديل الشخصيات: خطوة براغماتية

مودي هو طائرة غريب حتى داخل اليمين الهندي. فهو يبني أكثر على الطبقة الوسطى الهندية التي تريد الفخر الوطني والسياسة البراغماتية، ويبني أقل على اليمين التقليدي الذي خطابه هو ديني ورمزي أكثر. على سبيل المثال اعتمد مودي في حملته الانتخابية ساردار باتل كنموذج للإلهام، “الرجل الحديدي” لحزب المؤتمر وكرمز بارز في الحزب في فترة الاستقلال، وتجاهل مؤسسي الهند اليمينيين. عمل ذلك بشكل ممتاز وجذب الأصوات الطافية، وفي الوقت نفسه أغضب اليمين المتطرّف المتعصّب لأبطاله التاريخيين. إنّ خدمة مودي بسيطة: اختر سياسيا متشدّدا وشعبيّا من المعسكر المنافس، واعتمده في صفوف معسكرك.

مثل باتل الراحل، أيضًا مخرجي هو مرشّح مثالي بالنسبة لمودي البراغماتي. إنه جزء لا يتجزّأ من حزب المؤتمر، ولولا المحسوبية المستشرية في الحزب، لكان هو – وليس ابنها الفاشل راجيف – من سيحلّ مكان أنديرا غاندي كرئيس للحكومة الهندية في أواسط الثمانينيات.

كان مخرجي وزيرا للدفاع في حكومة المؤتمر مع ميول مؤيدة للأمريكيين بوضوح، وكان شريكا لازدهار العلاقات الأمنية مع إسرائيل. وبطبيعة الحال فإنّ مهاجمة زيارة رئاسية هي خطوة غير شعبية بالنسبة للمعارضة المهزومة في الهند، وخصوصا أنه رئيس يحرص أيضًا على زيارة السلطة الفلسطينية والأردن، والأهم من كل ذلك أنّه رئيس تم انتخابه من قبلهم.

وتعكس زيارة الرئيس الهندي هذا الأسبوع إلى إسرائيل التقارب والثقة بين رئيس الهند ورئيس حكومتها، والطابع البراغماتي والمؤيد لأمريكا لدى كليهما، وتفهّم مودي بأنّه أيضًا دون زيارة رسمية لإسرائيل في تشرين الأول 2015، فإنّ عملية الخروج من الخزانة لا رجعة فيها طالما أنّ اليمين يحكم الهند. ولذلك، حتى لو تم تأجيل الزيارة الحقيقية التي توقّعتها الحكومة الإسرائيلية، فإنّها ستأتي.

________

عمل ليف أران كمركّز للمعلومات في جمعية الصداقة البرلمانية الهندية – الإسرائيلية بين عاميّ 1996-1998

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع “ميدا” الإسرائيلي

اقرأوا المزيد: 886 كلمة
عرض أقل