عيدان برير

قوات كردية توقف شخصا يشبته بأنه منتسب لتنظيم الدولة داعش (AFP)
قوات كردية توقف شخصا يشبته بأنه منتسب لتنظيم الدولة داعش (AFP)

داعش ضد الأكراد في كركوك: نقطة تحوّل

وفرت معركة الموصل دراما جانبية عندما سيطرت خلايا نائمة لداعش على أحياء في "جوهرة التاج" الكردي، كركوك. نجت البشمركة من الإخفاق بفضل مقاتلي حزب العمّال الكردستانيّ (PKK) - الذين هرعوا لمساعدتهم من تركيا

“انتهت الهجمة على مدينتنا وعادت الحياة إلى طبيعتها”، كما أنهى حاكم كركوك، الكردي نجم الدين كريم، البيان الموجز الذي قدّمه للصحفيين أول البارحة مساء. ولكن الأمر لم ينتهِ في الحقيقة، لا في مدينة كركوك ولا في سائر جبهات قتال القوات العراقية والكردية ضدّ داعش. فقد أصبحت كركوك رغما عنها الهدف الأول الذي نشطت فيه داعش كما توقّع الكثيرون: نقل جبهة القتال إلى الجبهة المدنية.

بدءًا من ساعات الصباح الباكرة، منذ يوم الجمعة الأخير، سيطرت عدة خلايا نائمة لداعش على مباني حكومية، مساكن ومساجد في كركوك وشنّت قتال شوارع ضدّ قوات البشمركة الكردية التي تحرس المدينة. سيطرت قوات داعش المتحصّنة في مساجد المدينة على مكبّرات الصوت وبثّت من المآذن نداءات لسكان المدينة للانضمام إليها ومبايعة التنظيم. في يوم الثلاثاء بعد الظهر، نُشرت أنباء حول سيطرة عناصر داعش أيضًا على بلدة الرطبة في محافظة الأنبار القريبة من الحدود العراقية الأردنية. ويبدو هذا الحدث، الذي ما زال في ذروته، كما لو كان المرحلة الثانية من تحويل جبهة القتال إلى الجبهة العراقية من خلال خلايا داعش النائمة.

إنّ المسّ بكركوك هو مسّ بـ “جوهرة التاج” بالنسبة للأكراد في العراق. تعتبر هذه المدينة، التي تسمى في أحيان كثيرة “قدس الأكراد”، بالنسبة للأكراد عاصمة الإقليم الكردي في العراق. في حزيران 2014، بعد يوم من سيطرة داعش على مدينة الموصل وعلى خلفية انسحاب الجيش العراقي من المنطقة كلها، سيطرت قوات البشمركة على كركوك قبل ساعات من وصول عناصر داعش إليها. منذ ذلك الحين، تخضع المدينة وآبار نفطها الغنية، للسيادة الكردية بحكم الأمر الواقع، ممّا أثار استياء السلطات في بغداد.

في البيان الموجز للصحفيين أول البارحة قال حاكم كركوك إنّ معظم الإرهابيين الذين تسلّلوا إلى المدينة في يومي الجمعة والسبت قد قُتلوا في المعارك ضدّ القوى الأمنية وإنّ معظم مناطق كركوك قد أصبحت تسيطر عليها القوى الأمنية مجددا. بحسب كلامه، فإنّ عناصر داعش قد فشلوا في جهودهم لصرف الانتباه عن فشلهم في جبهة القتال بالموصل، رغم أنهم يملكون خلايا نائمة أخرى في المدينة وسيفعّلونها في المستقبَل. وبعد وقت قصير من ذلك تجددت المعارك في المدينة، وكان عدد الجرحى كبيرا على الأقل كعدد الجرحى في اليوم الأول من القتال. قُتل نحو مائة كردي، معظمهم من عناصر البشمركة والشرطة، وداهم نحو 75 من بين 100 مسلّح من داعش المدينة وفقا للتقديرات.

كانت الأحداث في كركوك “إخفاق يوم الغفران” بالنسبة للبشمركة. كان ضرب المكان الذي أقسموا على حمايته أكثر من أي مكان خطيرا ليس فقط من حيث الخسائر البشرية، ولكن أيضا من الناحية الأخلاقية. في الأيام الأولى من المعارك انسحبت قوات البشمركة من عدة أحياء من المدينة (وهي تقارير تذكرنا بأحداث سنجار في آب 2014)، وقد عمل على إنقاذهم من الحصار في حينها مقاتلون ومقاتلات من حزب العمّال الكردستانيّ (PKK) من كردستان التركية، التنظيم الذي صرّح مسؤولو الإقليم الكردي مرارا وتكرارا أنّه الخطر الأكبر على الأمن القومي للأكراد في العراق.

إنّ استدعاء قوات حزب العمّال الكردستانيّ إلى كركوك يمثّل إهانة ذاتية كبرى للسلطات الكردية في العراق، ومن الواضح أنّها لم تتخذ خطوة كهذه لولا أنّ قوات البشمركة كانت في مأزق في كركوك. ينسى حاكم المدينة والرئيس مسعود برزاني، اللذان أثنا على بطولة (بطولة حقيقة) قوات البشمركة والشرطة في المدينة، الإشارة إلى المقاتلين الذين هرعوا لمساعدتهم من كردستان التركية. إنّ تجربة الماضي القريب تعلّمنا أنّ قادة البشمركة المسؤولين عن هذا الإخفاق لن يتعرّضوا للمحاكمة على فشلهم، ولكن من المحتمل أن يتم الحديث كثيرا في الإقليم الكردي وفي العراق عن الإخفاق الكردي في كركوك.

الأحداث في كركوك ذات أهمية أيضا من جهة داعش. فكلّما تقلّصت الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، وموارده الاقتصادية والبشرية، يبتعد عن فكرة “الدولة الإسلامية” عودة إلى صورته الأصلية – تنظيم إرهابي، رغم أنه فعّال ومنظّم، ولكنه يفتقد إلى القوة، الزخم و”السحر” التي حظي بها بفضل غزواته للأراضي وإقامة الخلافة الإسلامية.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في منتدى التفكير الإقليمي (موقع باحثين إسرائيليين)

اقرأوا المزيد: 585 كلمة
عرض أقل
نادية مراد (صورة من فيس بوك)
نادية مراد (صورة من فيس بوك)

جائزة نوبل لنادية مراد؟

نادية مراد، شابة يزيدية اختطفتها داعش وعذبتها، فأثارت وعيا عالميا وإقليميا كبيرا حول معاناة النساء اليزيديات منذ صيف 2014. والآن تُرشحها الحكومة العراقية لجائزة نوبل للسلام

أعلنت وزارة الهجرة والمهاجرين العراقية، أمس، أنّ الحكومة العراقية ستُرشح، في الأيام القادمة، نادية مراد طه لجائزة نوبل للسلام. مراد هي شابة يزيدية من قرية كوشو جنوب سنجار، اختطفتها داعش واستعبدتها طوال ثلاثة أشهر حتى نجحت في الفرار. شرحت الحكومة العراقية سبب ترشيحها للجائزة موضحة مساهمتها الكبيرة في نشر المعلومات حول العالم عن معاناة النساء العراقيات بشكل عام، واليزيديات بشكل خاص، تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية.

وصل خبر مراد إلى حكومتها في أعقاب جولة طويلة شهدت خلالها بشجاعة وصراحة مثيرين للإعجاب أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبعد ذلك في ظهور دراماتيكي أمام جلسة مجلس الأمن في نيويورك. بعد ذلك فورا أجرت زيارة لعدة أيام إلى مصر. التقت خلالها بالرئيس عبد الفتّاح السيسي وشيخ الأزهر، أحمد الطيب، الذي طلبت منه أن تنشر بين الشباب الوعي حول خطر الانضمام إلى داعش. وكشفت مراد، في كل ظهورها العلني في الإعلام والمنتديات العالمية، عن معلومات أولية حول ممارسات الاستعباد، العنف الجنسي والتجارة بالبشر لدى التنظيم الإرهابي الجهادي. وقد شددت في قصتها على حياة الأسيرات المستعبدات اليومية وتحدثت، مرارا وتكرارا، عن قصة قريتها الصعبة، كوشو، التي كانت، كما يبدو، القرية الأكثر معاناة من أية بلدة أخرى بسبب قبضة داعش القوية في سنجار.

وفي مقابلة مطوّلة في برنامج مقدّم البرامج المصري، عمرو أديب، حكت نادية القصة المأساوية التي حلّت بكوشو. لم يستطع 1700 من سكان القرية، المحاطة بقرى عربية سنية، الفرار مع بداية غزو داعش فحوصروا في منازلهم. وقد وعدتهم عناصر داعش بأنّه لن يحدث لهم أي مكروه إذا اعتنقوا الإسلام. وبعد عدة أيام قيل لهم إن عليهم إخلاء بلدهم والتوجه إلى جبل سنجار، ومجددا وُعدوا بألا يتم المساس بهم. ومن ثم تم جمعهم في مدرسة القرية، وهناك تم فصل الرجال عن بقية السكان ومن ثم قُتلوا. أخِذَ الأطفال والنساء إلى قرية مجاورة لسنجار. فأرسلوا الأطفال من سن الثالثة فما فوق إلى معسكرات تدريب داعش، وأُخِذَت النساء إلى مدن الموصل، تلعفر والحمدانية الواقعة تحت سيطرة داعش، حيث تم بيعهنّ هناك كإماء للجنس في أسواق العبيد التي افتتحها التنظيم.

https://www.youtube.com/watch?v=f1zOTc2wbpY

نادية مراد في برنامج عمرو أديب في التلفزيون المصري، 26 كانون الأول 2015

تحدثت نادية بصراحة عن أيام أسرها من قبل داعش. أخِذَت إلى التجمّعات في مدينة الموصل حيث احتُجزت فيها آلاف الإماء، وبيعت بمزادات علنية نظّمها قاض في المحكمة الشرعية في المدينة من أجل مقاتلي التنظيم وسكان المدينة. وقد نُشرَت صور النساء في المحكمة الشرعية وكان الناس يأتون لشراء أو استجار الإماء لأنفسهم، حيث كانوا يُتمّمون الصفقة مع عنصر من داعش كان “مالك” تلك الأَمة. وفي وقت لاحق كان يأتي المشترون إلى منزل “المالك”، حيث تم أخذ الأمَة إلى هناك وتأجيرها لمقاتلي داعش ورعاياها لفترة محدودة، وأحيانا حتى لساعة أو ساعتين. لم يكن لدى النساء خيار للاعتراض، وكنّ يعطين بشكل تام لأتباع المشتري أو المستأجر. في أحيان عديدة كان يتم ضربهنّ، إهانتهنّ والتحرش بهنّ جنسيا خلال البيع أو الإيجار وبعد ذلك يتم اغتصابهنّ في منازل المشترين، وفي بعض الأحيان مرات عديدة في اليوم.

طلب عمرو أديب، المقرب من دوائر الحكم المصري، مرارا وتكرارا، من مراد الكشف عن معلومات إضافية عن التجربة الفظيعة التي مرت بها، معتذرا عن تطفّله. ورغم الموقف الصعب أجابت مراد عن أسئلته بشجاعة وأثارت إعجابا جماهيريا كبيرا. وتدريجيا كسبت لنفسها مؤيدين كثر في المجتمع اليزيدي وفي الرأي العام العراقي، العربي والعالمي. كان اليزيديون الذين وصفوها بـ “الأميرة الجديدة للشعب اليزيدي” هم الذين طرحوا فكرة منحها جائزة نوبل. في أعقاب ذلك فُتحت عدة مجموعات فيس بوك في العراق لطلب مماثل، وقد اكتسبت شعبية هائلة في أوساط عشرات آلاف المتصفحين. وتوافقت الحكومة العراقية، في الواقع، مع التأييد الجماعي والشعبي الكبير الذي اكتسبته مراد في الأسابيع الماضية، وقامت بذلك بخدمة مهمة لقضية النساء المختَطَفات، التي تم إهمالها في وسائل الإعلام ومن قبل الحكومة منذ سقوط سنجار.

ومن الممكن تماما أنّ تقديم ترشّح مراد لجائزة نوبل يهدف إلى “الركوب” على ظهر تلك الشعبية التوافقية، العراقية العامة، ومحاولة امتلاك القضية اليزيدية وقضية النساء المختطفات للعراق. وكذلك تسعى الحكومة العراقية إلى الإشارة بأنها لا تزال المسؤول الأول عن سلامة مواطنيها من جميع الأصول والأجناس. وكخطوة صورية فهي خطوة ذكية جدا، ولكن إذا لم تفز مراد بتلك الجائزة فستتبدّد شعبيّتها بسرعة، في حين ستنتظر إعلانات الدعم وتصريحات التضامن اليوم لتسديدها من قبل الحكومة العراقية.

نشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 657 كلمة
عرض أقل
الكاتب والمسرحي المصري، علي سالم
الكاتب والمسرحي المصري، علي سالم

رحلة علي سالم الأخيرة

دعم المسرحي وكاتبُ الهجاء المصريّ الشهير، علي سالم، الذي رحل يوم الثلاثاء الماضي، للسلام مع إسرائيل، رغمَ كلّ الثورات السياسيّة ما هو إلا دليل على قدرته على السباحة ضدّ التيار

توفّيَ علي سالم، المسرحيّ وكاتب الهجاء المصريّ الشهير، في القاهرة يومَ الثلاثاء المُنصرِم، عن عمر يناهزَ الـ 79 عاما. أصيب سالم في السنوات الأخيرة بمرض السرطان حيثُ باتت أعراض المرض ظاهرةً للغاية على وجهه وجسده. عُرِفَ في العقود الماضية على أنّه واحد من أبرز مؤيّدي السلام الإسرائيليّ-المصريّ وأكثرهم تماسُكا وثبوتا على الرأي. إذ تشبّث بموقفه هذا رغمَ دفعه ثمنا باهظا على ذلك على الصعيدين المهنيّ والشعبيّ.

وُلِدَ سالم عام 1936 لعائلة فقيرة في مدينة دمياط الواقعة في الدلتا. دخلَ مهنة الكتابة تقريبا بالصدفة، وغَدَا أولا وقبل كلّ شيء خلال حياته ناقِدا اجتماعيا وسياسيا. فقد كان رجلَ مُعارضةٍ فذا، ذا عامود مشحوذ بالأقوال في عدة صحف مصريّة وفي صحيفة لندن “الشرق الأوسط” أيضا، وأسس صحيفة المُعارَضة اليومية “نهضة مصر” عام 2003. وكتب سالم مُسبقا في أواخر الثمانينات الكثيرَ تنديدا بالحاكم مُبارك. كان من أوائل المُفكّرين الذين وقفوا مع المُتظاهرين في ميدان التحرير عام 2011، ولكنّه كان أيضا بين أوائل الذين خرجوا علنا ضدّ بلوغ “الإخوان المسلمين” الحكم إثرَ إقالة مُبارك.
https://www.youtube.com/watch?v=zlhfr7WTKks
لقد كانت النزاهة والصدق من ميزات سالم البارزة. فقد أشار إلى نفسه على أنّه لم يكن مؤيّدا بارزا لعملية تحقيق السلام مع إسرائيل منذ بدايتها (سقط أخوه ضحية حرب 1976)، لكنّه رأى في اتفاق أوسلو استمرارا لاتفاق السلام الإسرائيليّ-المصريّ وإتمامَ إقامة دولة فلسطينيّة وتسوية عربية-إسرائيليّة، ووفقا لذلك غيّر رأيه وبات مؤيّدا مُتحمّسا ومُناديا للسلام مع إسرائيل.

رحلة إلى إسرائيل
رحلة إلى إسرائيل

وفي عام 1994 وصلَ سالم في سيارته الخاصة إلى إسرائيل وتجوّل بها بشكل مستقل لبضعة أسابيع، كمُحاولة للتخلص من خوفه السابق ومن أجل التعرف على إسرائيل والمجتمع الإسرائيليّ عن كثب. التقى في رحلته هذه أشخاصا مثقفين من اليهود والعرب، كما وانكشف على جهات أخرى في إسرائيل والتي كان يعرفها سابقا. حصرَ سالم مهمّات وتفاصيل زيارة إسرائيل في كتاب “رحلة إلى إسرائيل”، إذ حظي في أعقابه على شهرة وشعبية كبيرة في إسرائيل والغرب، لكنّه أثار موجة من النقد اللاذع في بلاده. ومنذ ذلك الوقت، قام بزيارة إسرائيل مرتّين إضافيّتين، حتّى نعته مُفكّرون وكُتّاب كثيرون بأنه خائن لمصر وعميل للمؤسسات الإسرائيليّة. في سنة 2001، إثر ثباته على ذات الآراء حول العلاقات مع إسرائيل رغمَ انتفاضة الأقصى، نجحَ مُعارضوه، أخيرا، بإقصائه خارجَ جمعية الكُتاب المصرييّن. روفقت هذه العمليّة بشطب اسمه من أعماله المعروفة، وحتّى اليوم تُباع في العالم العربيّ أفلامٌ لمسرحياته مع حذف اسمه منها.

علي سالم يجسد المثل المعروف “لا كرامة لنبيّ في قومه”. لم تكن الأوسمة والجوائز، التي حاز على الكثير منها في إسرائيل وفي العديد من الدول الأخرى، لصالحه في مسقط رأسه، إذ لم ينل جائزة أو اعترافا علنيا لعظمته في مصر ذاتها. في حين أنّ أعماله الهجائية ما زالت، حتّى بعد تلطيخها بالتسوية مع إسرائيل، معروفةً ومحبوبة ومحلّ تقدير في العالم العربيّ. إذ يصعب التفكير عن شخص ناطق بالعربيّة لا يعرف عمله الأكثر شهرة، “مدرسة المُشاغبين”، الذي صدر في منتصف السبعينات. سيترك موته فراغا كبيرا في الثقافة والأدب، وليس ما دون ذلك في مجال النقد الاجتماعيّ والسياسي أيضا في مصر. لن يجرؤ الكثير من زملائه على الاعتراف بوجود هذا الفراغ، لكنّ أحد مُعجبيه قد لخّص الأمر بصورة جميلة في مديح نشره في صفحته على تويتر: “رحلَ صاحبُ المدرسة، ولم يبقَ سوى المُختلّينَ”.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 490 كلمة
عرض أقل
البابا شيخ، المرجعية الدينية اليزيدية الأعلى، إلى جانب جمال وأسمهان وقت الإعلان عن زواجهما (صورة من الإعلام اليزيدي)
البابا شيخ، المرجعية الدينية اليزيدية الأعلى، إلى جانب جمال وأسمهان وقت الإعلان عن زواجهما (صورة من الإعلام اليزيدي)

حبّ الأزواج والدين اليزيدي أقوى من داعش

مرونة رجال الدين اليزيديين، بالإضافة إلى الحبّ الكبير بين الأزواج من الشبان والفتيات اللواتي اختُطفن واغتُصبن من قبل مسلحي داعش، تمكّن من زواج الفتيات المتضررات بأحبابهنّ

في الأسبوعين الماضيَين، تجري في المجتمع اليزيدي ظاهرة مهمة وغير مسبوقة، والتي تساهم في فهم جزء من الحساسية في الواقع اليزيدي اليوم، بعد عام وأكثر من الأحداث في سنجار. وهي ظاهرة النساء المختطفات اللواتي نجين من أسر داعش، ربما هي القضية الأكثر اشتعالا على جدول الأعمال اليزيدي، والتي تجعل الجالية اليزيدية تواجه التحدّي المعقّد لاستيعاب النساء وإعادة تأهيلهن.

قبل نحو أسبوعَين، أعلن زوجان شابان يزيديان، علي وفيان، عن زواجهما القريب في ألمانيا. ولكنهما ليسا زوجا عاديا. كلاهما من سكان سنجار، كانا زوجين في السنتَين الماضيتَين، ولكن في آب عام 2014 اختُطفت فيان من منزلها في سنجار من قبل عناصر داعش، مباشرة بعد غزو التنظيم للمنطقة، وبيعت كرقيق للجنس لمسلّحي التنظيم. في نفس الوقت كان يقيم علي في كردستان كعامل في شركة البناء أفرو سيتي (‏Avro City‏) في مدينة دهوك. عندما سمع عن اختطاف محبوبته انضمّ فورا إلى القتال؛ في البداية إلى قوات البيشمركة، ولكن بعد أن رفض هؤلاء العودة للقتال في سنجار تركهم وانضمّ إلى قوات YPG في روجابا (كردستان السورية). وقد عاد مع تلك القوات الأخيرة إلى سنجار وانضم هناك إلى “قوات حماية سنجار”، وهي الميليشيا اليزيدية المقاتلة ضدّ داعش في المنطقة. تحدث مع زملائه المقاتلين عن محبوبته فيان وعن اختطافها، وعُرف بينهم كمقاتل حازم يسعى إلى الانتقام من خاطفيها.

في بداية شهر كانون الأول الماضي قد فرّت فيان، مع 24 امرأة وفتاة يزيدية أخرى، من أسر داعش، ووجدت ملجأ في جبل سنجار. حدّد علي مكانها وهربا معا عائدين إلى كردستان وقرّرا الانتقال إلى ألمانيا والتزوج هناك. انتقلت فيان إلى ألمانيا في إطار برنامج إعادة تأهيل لمنظمة الناشط اليزيدي الدكتور ميرزا ديناي وتم أخذها إلى لقاءات علاجية طبية ونفسية. ومع استكمال العلاج في ألمانيا نجح علي أيضًا في الوصول إليها، وقبل نحو أسبوعَين أعلن الاثنان عن نيّتهما بالزواج.

علي وفيان في يوم الإعلان عن زواجهما في ألمانيا (صورة من الإعلام اليزيدي)
علي وفيان في يوم الإعلان عن زواجهما في ألمانيا (صورة من الإعلام اليزيدي)

نُشر هذا الأسبوع في الشبكات اليزيدية خبر عن زواج زوجين آخرين جمال فير خضر وأسمهان فير إبراهيم. وصل الاثنان إلى المعبد في لالش، وهو المكان الأكثر قداسة لليزيديين شمال مدينة الموصل، وأعلنا هناك عن خطوبتهما وعن زفافهما القريب. ولم تصل بعد تفاصيل كاملة عن الزوجين وخططهما، ولكنها هي أيضًا تم اختطافها من قبل عناصر داعش من قرية في منطقة سنجار وتم إطلاق سراحها مؤخرا من آسرها.

تُعرف الجالية اليزيدية كجالية محافظة ومغلقة، والتي يُعتبر شرف العائلة والمرأة فيها من الركائز الأساسية الحيوية لتجمّعها، وحدتها وبقائها. ولهذا السبب قدّرت ناشطات نسويات من كردستان، وأخريات من جميع أنحاء العالم، أن اليزيديين سيستنكرون النساء المختَطَفات عندما يتم إطلاق سراحهنّ من الأسر. وكان هناك من ذهب بعيدا إلى درجة التحذير بأنّ مصير النساء اليزيديات اللواتي سيُطلق سراحهنّ سيكون الموت أو الحبس من قبل مجتمعهنّ وأسرتهنّ، بسبب الاعتداء الجنسي الذي مررنَ به من قبل آسريهنّ وبسبب المسّ بـ “شرف العائلة”.

ومنذ بداية المأساة في سنجار نفى نشطاء يزيديون هذه الدعاوى وواجهوا النشاطات الكردية والأوروبية التي طُرحت. عندما بدأت موجة إطلاق سراح المختطفات في أيلول عام 2014 اجتمع “المجلس الروحي اليزيدي الأعلى”، والذي يتألف أعضاؤه من رجال دين يزيديين كبار وشخصيات بارزة في المجتمع، وصدر بيان علني، والذي هو بمثابة حكم شرعي، يقضي أنّ المحرّرات لسن “وصمة عار” أو “خزيًا” على المجتمع، وإنما اختُطِفنَ واغتُصبنَ ضد إرادتهنّ وبقين “يزيديات طاهرات”. وحثّ المجلس اليزيديين من جميع أماكن سكناهم على استيعاب المحرّرات ليعدنَ إلى حضن أسرهنّ ومجتمعهنّ والحرص على علاجهنّ الطبي والنفسي المناسب، من أجل إعادة تأهيلهنّ، وتمكينهنّ من الزواج لاحقا أيضًا. وقد تمت المصادقة على هذا البيان العلني في شهر شباط الأخير خلال بيان نشره البابا شيخ، وهو المرجعية الدينية العليا في الدين اليزيدي.

تصريح البابا شيخ في شأن إعادة تأهيل المحررات في المجتمع اليزيدي في شهر شباط 2015
تصريح البابا شيخ في شأن إعادة تأهيل المحررات في المجتمع اليزيدي في شهر شباط 2015

لاحقا تطلّب من رجال الدين اليزيديين التطرق الخاص إلى احتمال عودة المختطفات إلى أسرهنّ وهنّ حوامل بعد اغتصابهنّ. وحتى الآن ليست هناك تقارير ذات مصداقية عن وجود حالات كهذه، ولكن رجال الدين اليزيديين أقروا على أية حال أنّ الحظر الواضح الذي يمنع الإجهاض سيُلغى في هذه الحالات. وذلك من أجل تسهيل اندماج المحرّرات داخل أسرهنّ وداخل المجتمع المحلي.

إن إعلانات الزواج لرجال يزيديين من محبوباتهم المحرّرات، واللواتي اغتُصبن مرات عديدة في السجن ومررن باعتداءات قاسية، هي تصريح أولي أمام العالم الخارجي، ولكن قبل كل شيء أمام المجتمع اليزيدي المحافظ، بأنّ مرونة رجال الدين والتجديد التاريخي للتقاليد اليزيدية قد آتت ثمارها. إنّ هذه المؤشرات الأولى هي بمثابة تصريح بأنّ المجتمع اليزيدي لن يتنازل عن المختطفات ولن يتخلّى عنهنّ خارج حدوده. تدل التعليقات الحماسية لناشطات ونشطاء يزيديين في مواقع التواصل الاجتماعي عن حفلات الزفاف القريبة على أنّ المجتمع يدرك أهمية التوقيت، ويعتني بالمحرّرات ويحتضنهنّ. من الممكن تماما أن يستمر الدين اليزيدي في التحلي بالمرونة إزاء تحديات إعادة التأهيل الطويلة من الصدمة المجتمعية والصدمات الشخصية.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 710 كلمة
عرض أقل
فرقة DAM الفلسطينية (Twitter)
فرقة DAM الفلسطينية (Twitter)

عزباء، عاقر، أغسل، أكوي، أنا كل شيء ولست بشيء، فمن أنت؟

تبدو أغنية "مين أنت"؟ لفرقة دام-فلسطين جذابة وخفيفة، ولكنها مليئة بالاحتجاج الشديد والصريح على المجتمع الأبوي بشكل عام، والعربي بشكل خاص، وعلى قمع المرأة والتمييز ضدّها، قولا وفعلا

في نهاية شهر آذار الماضي، نشرت فرقة الهيب هوب الفلسطينية DAM فيديو كليب للأغنية الجديدة المسماة “مين إنت”؟، من إخراج المخرج الفلسطيني اسكندر قبطي. تبدو الأغنية جذابة وخفيفة، ولكنها مليئة بالاحتجاج الشديد والصريح على المجتمع الأبوي بشكل عام، والعربي بشكل خاص، وعلى قمع المرأة والتمييز ضدّها، قولا وفعلا. ولا تنتقد الأغنية القامعين فحسب وإنما أولئك الذين يعرّفون عن أنفسهم بأنهم نسويّون ولكنّهم يتصرّفون كآخر المميِّزين. إنها مواجهة أخرى مثيرة للإعجاب للفرقة مع بعض القضايا الاجتماعية الحساسة والتي تتعلق بالمجتمع الفلسطيني في إسرائيل وعلاقات اليهود مع العرب في إسرائيل.

في واقع تتقاضى فيه النساء في جميع المجتمعات في العالم 25%-40% أقل من الرجال في أعمال مماثلة، لا يمكن أن نزعم بأنّ التمييز ضدّهن، استغلالهنّ وإذلالهنّ، جميعها أمور خاصة بالمجتمع العربي وحده. إن وضع إسرائيل بعدة مقاييس من الإحصاءات الكئيبة ليس أفضل بكثير مما يحدث في الدول العربية المجاورة، والعنف ضدّ النساء منتشر في الوسط اليهودي كما هو منتشر في الوسط العربي في إسرائيل. يتم التمييز ضدّ النساء في القطاع العام والخاص بل وفي المجال العام في إسرائيل.

إليكم كلمات الأغنية الاحتجاجية:

انا العانس العاقر بالتلاتة طالق

ظل راجل ولا ظل حائط

الجلي الكوي انا كلشي انا ولا شي،

بس قلي، مين انت؟

 

انا حكي نسوان

في 100 زلام

انا الضعيفة ما بجيب صبيان

الشرف وعار انا كلشي انا ولا شي،

بس قلي، مين انت؟

عندي ثلاثية أحلام مستغانمي

بقدر اقتبس نوال السعداوي

بقدر انتقد عقيد الحارة

بضل فيمينيست عايش ع-طبيخ الماما

 

مش عنيف – مش ح-سوي عينيها زرق

بس كعريس- بفضل عينيها زرق

مش محلك تأقرر، مش محلك بس حجرب

مش محلك لو محلك كنت بحرض

 

يا حرية وعدل لكل طرف هينا

يا بنبلش نقتل شباب على شرف عيلة

احنا عم نتحشر فيها بمصر ونضطهدها باللد

بنتاجر فيها في امريكا وبنغتصبها بالهند

 

وبنرجعها، تتطعم الولاد وتربي البنت

بنحكي سوبر وومان ولا بنحكي عن انس

مش الامرأة الخارقة، انا هو الخارق

خارق قانون، خارق حقوق، وحقها تعارض

 

انا العانس العاقر بالتلاتة طالق

ظل راجل ولا ظل حائط

الجلي الكوي انا كلشي انا ولا شي

بس قلي، مين انت؟

 

انا حكي نسوان

في 100 زلام

انا الضعيفة ما بجيب صبيان

الشرف وعار انا كلشي انا ولا شي

بس قلي، مين انت؟

 

اول مرة ضربت اختي اهلي زقفولي

حكولي اني زلمة كبير

اعطوني تضخيم هي اصبحت مسالمة

واقفة قدام كارتية كيد

من اختي، لنساء العالم

بدي كل شي، حالا، فش اشي

بفش غلي بلبسك بوكسي

بشتريلك مكياج، عشان تبيني قدام العالم

المساواة لاقيها عند دار ابوكي

طفشت حكت اكيد بيحموني

 

الدم ولا عمره بصير مي

بس الخلفوها طلعو مثل الخلفوني

زقفولي، ورجعولي اياها

دفشتها حلبة المصارعة

وبديت ارقص معها

انا شريك حياة بس اغلب الاحيان انا مجرم معها

 

انا العانس العاقر بالتلاتة طالق

ظل راجل ولا ظل حائط

الجلي الكوي انا كلشي انا ولا شي

بس قلي، مين انت؟

 

انا حكي نسوان
في 100 زلام

انا الضعيفة ما بجيب صبيان

الشرف وعار انا كلشي انا ولا شي

بس قلي، مين انت؟

 

انا كتبت القصائد

انا بنيت المدافع

انا ممكن اني اكرهك

ما اسمح لغيري انه يحبك

مانعك تروحي للشاطئ

لحالي بدي اواجه عواصف

مش راسي على بر آمن

انا فشلت, محتاجك

 

انا العانس العاقر بالتلاتة طالق

ظل راجل ولا ظل حائط

الجلي الكوي انا كلشي انا ولا شي

بس قلي، مين انت؟

 

انا حكي نسوان
في 100 زلام

انا الضعيفة ما بجيب صبيان

الشرف وعار انا كلشي انا ولا شي

بس قلي، مين انت؟

 

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع ‏Can Think

اقرأوا المزيد: 469 كلمة
عرض أقل
الاخ رشيد (Facebook)
الاخ رشيد (Facebook)

الدولة الإسلامية: سؤال جريء

"الأخ رشيد"، مغربي مسلم تَنصَر ويقدم برنامجا مشهورا في العالم العربي، يُشهّر بالدين الإسلامي تشهيرًا معمما وشديدا

وُلد رشيد الحمامي سنة 1971 لعائلة مسلمة ملتزمة شمال لواء دوكالا- عبدا في المغرب، غير بعيد عن مدينة الدار البيضاء. كان أبوه إماما معروفا بين الناس وحصل رشيد نفسُه على تربية إسلامية تقليدية. لكن، حين كان تلميذا في الثانوية تَنصَر وسرعان ما أصبح منتقدا حادا وصارخا لدين الإسلام.

في السنوات الأخيرة، يُقدم الحمامي تحت اسم ” الأخ رشيد” برنامج “سؤال جريء” في القناة الفضائية المسيحية- التبشيرية “الحياة” التي تُبث من مصر. هذا هو البرنامج الرائد والأكثر مشاهدة في القناة، ويخصصه رشيد للنقد المنهجي، وأحيانا الهجومي الشديد، على دين الإسلام. إنه يستغل المنصة التي يعطيه إياها البرنامج كي “يُثبت” العنف، الكراهية، التمييز وعدم التسامُح وأنها متجذرة كما يقول في دين الإسلام.

يُلقي رشيد سلسلة من الأسئلة الإنكارية التي تُظهر “الدولة الإسلامية” كما هي: عصابة من الإرهابيين لا قيم لديهم، داسو بأقدامهم وتجاوزوا كل الحدود الإنسانية

نحن لا نشاطر “الأخ رشيد” آراءه عن الإسلام ونعترض بشدة على قسطها الأكبر؛ لا نرى معنى لتشهير دين متكامل وتحويله إلى كتلة واحدة، ذات بعد واحد، كله كراهيةٌ وعنف. مثل كل دين آخر، الإسلام هو ما يُطبّق منه المؤمنون به ورجال الدين الذين يرشّدونهم. لكن بودنا أن نفحص فيما يلي نقده المخصص “للدولة الإسلامية”.

الهجوم الإجرامي ضد حرّية الصحافة في باريس (دون علاقة بتحفظنا من الرسومات المسيئة)، ألقى الرعب في قلوب الصحفيين، الناشرين، الساخرين، وباقي الناقدين للثقافات في أرجاء العالم. كان “للأخ رشيد” ما يقوله، بهذا الخصوص، عن إرهاب “الدولة الإسلامية”، والتنظيمات الجهادية الأخرى، ونظن أن من المناسب أن تُسمع هذه الأمور وتُثير النقاش. لذلك قررنا أن نضع بين أيديكم هذه المقالة.

في المقطع الذي أمامكم، يقوم الأخ رشيد بما امتنع الكثير من الجيدين والمعتدلين أكثر منه عن فعله حتّى الآن في الحديث العام العربي، وبالطبع بلغة عربية وبصوت هادر. يُلقي رشيد سلسلة من الأسئلة الإنكارية التي تُظهر “الدولة الإسلامية” كما هي: عصابة من الإرهابيين لا قيم لديهم، داسو بأقدامهم وتجاوزوا كل الحدود الإنسانية، الرأفة والتسامح، وجلبوا لأنفسهم، مؤيديهم وأتباعهم الجدد كوارث هائلة سيعانون من ويلاتها على جلودهم لأجيال عديدة مستقبلا.

http://youtu.be/wRLCh6r2Wpo

النبرة التهكمية للأخ رشيد، الكراهية المتقدة للإسلام والإحساس بالصدق والأقوال من مثل “قلنا لكم”، تتجلى بين السطور. لكن رغم الانتقاد الواجب لكل هذه الأمور، لا ينبغي تجاهل جوهر الأمر. ليست الدولة الإسلامية، كتنظيمات سلفية أخرى، مثالا للإبداع، التقدم والتطور؛ إنها تعدُ بالخراب، الدمار والقمع، من خلال السيطرة على إنجازات الحضارة المحتلة واستعمال أدواتها ومواردها لتحقيق رؤياها العنيفة والمدمرة.

رغم الإنجازات الإقليمية والعسكرية الجارفة للدولة الإسلامية، يبدو أن رؤيا التنظيم في الحكم المطلق تزجه في طريق لا مخرج له. عدد المتجندين في العالم العربي والإسلامي ليس بلا نهاية، ودون رؤيا تجمع بين التعمير، التعليم، التطوير الاقتصادي، البنى التحتية والإنسانية، التعايش مع فئات غير سنية- سلفية والسعي نحو الشرعية الدولية، ستفقد الدولة الإسلامية قوتها على البقاء بلا رجعة.

استمعوا للأخ رشيد. حاولوا أن تفكروا بالأسئلة المهمة التي يطرحها، واسألوا أنفسكم هل التهديد المتمثل “بالدولة الإسلامية” في صورتها الحالية هو بهذا الحجم الكبير. هل من أفق حقا لدولة هي في جوهرها ضد الدولة، التي تطالب بالقضاء على جاراتها والدول الأخرى في العالم، وتقاتلها ضد قيامها وكيانها؟

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع ‏‎ Can Think‏

اقرأوا المزيد: 478 كلمة
عرض أقل
قوات البشمركة الكردية دخول المدينة سنجار بعد الانتصار العسكري ضد قوات الدولة الإسلامية (AFP)
قوات البشمركة الكردية دخول المدينة سنجار بعد الانتصار العسكري ضد قوات الدولة الإسلامية (AFP)

الأكراد يشكلون خطرا على الأقليّة اليزيدية وعلى نصرهم العسكري

الجولات القتالية التي ربحتها القوات الكردية في حربها ضد قوات الدولة الإسلامية في سنجار لا تساهم في دفع حلم كردستان الحرة قدما. زد على ذلك، سيزيد وضع الأقلية اليزيدية في العراق سوءا ، وما زالت لا ترى في الأفق أملا مع بداية عام 2015

لقد صعّدت القوات الكردية التي انتصرت على الدولة الإسلامية في سنجار الأسبوعَ الماضي من حملتها الإعلانية التي رافقت الحملة العسكرية. بعد استكمال السيطرة على الإقليم، في منتصف الأسبوع الماضي، حضر إلى سنجار فورًا سياسيون، صحفيون وشخصيات عامة من كردستان العراقية. كان على رأسهم الرئيس مسعود البرزاني، الذي شرّف بحضوره الاحتفال بالنصر عندما زار قبر الشيخ شرف الدين الذي يقدسه اليزيديون. نجح كذلك يزيديون نازحون بالعودة لأول مرة إلى قراهم في المناطق التي حُررت، كي يبحثوا عن جثث أقربائهم ويجمعوا ما بقي من ممتلكاتهم.

بعد الاستيلاء على سنجار، سارع ضباط الإعلام النشطون من البشمركة (القوات العسكرية لكردستان العراقية)، الـ PPK (المليشيات الكردية من تركيا) والـ YPG (المليشيات الكردية من روجابا، الشريط الكردي المستقل شمالَ سوريا، والتي ترى نفسها فرعا محليا من PPK) إلى إحضار صحفيين أجانب، من بينهم إسرائيليون، للمشاركة في جولات الانتصار في المناطق التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين من الدولة الإسلامية لمدة خمسة أشهر.

بواسطة الجولات في المدن المُدمّرة في إقليم سنجار، في مناطق المعارك وقبور اليزيديين التي اكتشفت في المنطقة، يعرض ضباط الإعلام وضباط القوات الكردية للعالم همجية الجهاديين. إنهم يصفون المعركة البطولية في سنجار كمعركة تُسطر في التاريخ في محاربة الدولة الإسلامية ويعتبرونها عودة القدر إلى جانب “الخيّرين”.

الصحفي ايتاي أنجل مع المقاتلين الأكراد في سوريا (لقطة شاشة)
الصحفي ايتاي أنجل مع المقاتلين الأكراد في سوريا (لقطة شاشة)

لكن من خلف الغطاء الرقيق للتوحد وتآلف القوى الكردية تثور عاصفة كبيرة يمكن لها أن تغرق سريعا كل الإنجازات في الميدان. كانت نهاية المعارك مع الدولة الإسلامية الطلقة الأولى في الحرب بين القوات الكرديّة المختلفة، التي توترت العلاقات بينها في السنوات الأخيرة، بداية بسبب الحرب السورية وتعاون الحكومة الكردية العراقية مع السلطات التركية.

على هذه الخلفية، ينبغي أن ندرك القصة العجيبة، لا أقل، التي نُشرت قبل أيام معدودة. طلبت البشمركة بناء مركز طبي في سنجار من أجل معالجة جنودها والنازحين اليزيديين، الذين احتاجوا علاجا طبيا عاجلا. قام رجال YPG، بمنعها من إقامة المركز والذين يؤمنون أن السماح للبشمركة بإقامة مؤسسات ومراكز سيشير إلى سيادة حكومة كردستان العراقية في الإقليم. تقوي بعض الشواهد الميدانية التقارير الأخرى عن حواجز الطرق التي كثيرا ما تنصبها قوات YPG والبشمركة حول إقليم سنجار، كي تراقب حركة القوات المنافسة وتقيدها.

لم يُستكمل تحرير سنجار بعد، وما زال مبكرا الظن أن YPG ينوي المطالبة بالسيطرة على المنطقة وضمها إلى مقاطعة روجابا. من الواضح تماما، مع هذا، أن الصراعات التي بدأت بين الأطراف هي صراعات على السمعة الحسنة، الشرف والشهرة، وتهدف للحصول على دعم من المجتمع الدولي لاستمرار القتال.

نازحون يزيديون يفرون من القتال (AFP)
نازحون يزيديون يفرون من القتال (AFP)

يتصارع كلا الجانبين على لفت الانتباه الإعلامي العالمي إليهما، وهذا هو سبب لفت النظر من وسائل الإعلام المحلية كثيرا إلى ما يجري في سنجار. من الواضح أيضا لمَ كان ينبغي من أجل الجميع أن تجتاز كل ذرة معلومات خرجت عن المنطقة مصفاةَ فروع الاتصالات للقوات المختلفة. مع ذلك، لا ننسى أنه في غمرة الصراعات حول الأفضلية الكردية، تضيع الضحية الأصلية وتنسى، أصحاب الإقليم؛ وأغلبيتهم الساحقة من اليزيديين الذين طردوا من بيوتهم، وأغلبهم تحت وضع إنساني عسير. أولئك المحتاجون للخدمات التي ينبغي على القوات الكردية أن تزوّدهم بها، أولئك المحتاجون للخدمات الصحية الطارئة، وعلى غرار القوات المقاتلة، هم أولئك المحتاجون للتنقل بحرية في الإقليم.

إن جولات التفوق القتالية التي ربحتها القوات الكردية على قوات الدولة الإسلامية لن تؤدي بأي طرف إلى أي إنجاز، ولن تُقدم قيدَ أُنملة حلم كردستان الحرة. بل يُخشى أن تؤدي إلى الإضرار بالأقلية اليزيدية المنكوبة، وموت عشرات النازحين بسبب حالتهم الطبية المزرية. على أعتاب 2015 تزداد الأزمة العامة التي يمر بها اليزيديون عُسرا، ولا يبدو بعد أنه سيُشرق حلا في الأفق.

نُشر المقال للمرة الأولى في موقع Can Think

اقرأوا المزيد: 536 كلمة
عرض أقل
عائلة يزيدية تفرهرباً من القتال (AFP)
عائلة يزيدية تفرهرباً من القتال (AFP)

مأساة منسية وأمل في العراق

استمرار المعاناة اليزيدية على الجبهات المختلفة والفراغ القيادي عندهم يمكن أن يؤدي للتغيير المنتظر بشدة في داخل المجتمَع اليزيدي

مرت ثلاثة أشهر منذ وقوع الأحداث المأساوية للطرد من سنجار، الذي أدى إلى قتل آلاف من أبناء الطائفة اليزيدية، إلى خطف آلاف آخرين وإجلاء أغلب أبناء الطائفة من بيوتهم ومناطق عيشهم. لقد تحولت أنظار الإعلام العالميّ في الوقت الراهن إلى الاهتمام بالقضايا الأكثر “اشتعالا”، ونُسي اليزيديون في غمرة الأخبار المتواردة من جبهة الجهود العسكرية ضد قوات الدولة الإسلامية في المدينة الكرديّة كوباني شمال سوريا، التفجيرات الكبيرة في شبه جزيرة سيناء والإعلان عن حالة الطوارئ والانتخابات المثيرة في تونس.

بقي وضع اليزيديين سيئا كما كان. إذا كانت قد قُدّمت لهم مساعدة دولية ما بعد الحصار الذي علقوا فيه على جبل سنجار وإخلائهم المأسوي إلى مخيّمات اللاجئين في كردستان العراقية، فالآن منذ أن تبدد الاهتمام الإعلامي بهم واعتبروا عالميا أنهم كمن وصل إلى مكان آمن في وسط إخوانهم الأكراد، توقفت هذه المساعدة تماما. هكذا بقي اليزيديون، الذين كانوا يحسون بداية بالعزلة، منسيين متروكين ومشاكلهم. لكن مع ضعفهم هذا، ينشغل نشطاء ومفكرون يزيديون في هذه الأيام بعدة قضايا رئيسية، محاولين حشد العالم مجددا لحلها.

عائلة يزيدية تفر هرباً من القتال (AHMAD AL-RUBAYE / AFP)
عائلة يزيدية تفر هرباً من القتال (AHMAD AL-RUBAYE / AFP)

القضية الأولى هي استمرار القتال في جبل سنجار. قبل أسبوع جددت قوات داعش إطلاق النار على الجبل وفتحت نار المدفعية الثقيلة على معاقل “قوات الدفاع السنجارية”، وهي مليشيات يزيدية يصل عددها إلى 5000 آلاف مقاتل بقوا في جبل سنجار، والتي تعمل على حماية الجبل والبلدات اليزيدية المحيطة به. وجهت نيران داعش بالأساس إلى المزار (القبر المقدس) للشيخ شرف الدين، وهو قديس يزيدي في الجزء الشرقي من إقليم سنجار. لقد أدت هجمات داعش الكثيفة إلى ضرب حصار جديد على القوات الموجودة في الجبل وسكان عدة قرى يزيدية أخرى، التي نجحت حتى الآن في الإفلات من قبضة داعش. تشير دلائل كثيرة إلى أنه أيضا خلال المعارك الدائرة على الجبل مرت طائرات التحالف في سماء المنطقة وامتنعت عن الهجوم، ما عدا القيام بهجوم واحد مركّز على قوات داعش في المدينة اليزيدية (الخالية) سنوني، البعيدة عن مركز المعركة.

القضية الثانية، المتعلقة بالذات بالنازحين اليزيديين الماكثين في كردستان العراقية، هي انهيار مخيّمات اللاجئين. انهارت أغلب الخيام في مخيّم اللاجئين الأكبر في المنطقة، خانك، قرب مدينة دهوك، فوق رؤوس ساكنيها خلال عاصفة المطر الشديدة التي ضربت المنطقة يوم الخميس قبل نحو أسبوعَين. إن الكثير من اللاجئين، من بينهم أطفال، مسنون، مرضى ومعاقون معرضون الآن للجرف، الفيضانات الوحلية، والحياة في ظروف صحية وأمنية لا تُطاق، تحت رحمة حالة الطقس السيئة في الجبال العالية لكردستان بلا مُعين. لقد أدى الإهمال الذي يمر به النازحون في المخيّمات الآيلة للسقوط إلى موت عدة نازحين بسبب مضاعفات بعض الأمراض، دهس سيارات الإنقاذ للأطفال واشتعال الخيم التي اختلت فيها أنظمة التدفئة. أدى كل ذلك إلى تعزيز الشعور بالتخلي والخيانة، والذي تحول إلى شعور شائع في دوائر آخذة في الاتساع بين اليزيديين منذ الأحداث أول آب.

نازحون يزيديون يفرون من القتال (AFP)
نازحون يزيديون يفرون من القتال (AFP)

الانزواء في الزاوية، حتى النسيان التام، لمأساة المخطوفين اليزيديين، تُعمّق أكثر فأكثر الإحساس بالنبذ. في الأسابيع الأولى بعد الإخلاء من سنجار، والوصول لكردستان العراقية، وثق نشطاء يزيديون أكثر من 7000 يزيدي مفقود، والذين مات قسم منهم خلال الأسبوعين القاسيين في جبل سنجار، وقُتل آخرون خلال المعارك مع داعش ولم يعرف مكان موتهم أو أين قبورهم. حوالي 4000 ممن ضمتهم القائمة، وخاصة النساء ومنهم فتيات صغيرات لم تتجاوزن عمر عشر سنوات، قد خطفتهم داعش. لقد بيعت المخطوفات في الأشهر الأخيرة لمقاتلي التنظيم كجاريات للجنس في أسواق العبيد في المدن التي تسيطر عليها داعش في العراق وسوريا. ليس الأمر تقديرا ولا تخمينا، حيث يفتخر تنظيم “الدولة الإسلامية” بهذا العمل في مقال رسمي قام بنشره.

تتواجد أغلب البنات المخطوفات في المدارس وفي المخازن في مدن الموصل وتلعفر، وفي حالات كثيرة تعرف عائلاتهم أماكن وجودهم الدقيق. يتصل عدد من المخطوفات سرا بعائلاتهن، بواسطة هواتف نقالة نجحن في تهريبها، ويطلبن منهم أن ينقذوهن أو على الأقل أن ينسقوا هجوما لقوات التحالف على المواقع، بحيث تتوقف معاناتهن من تنكيل مقاتلي داعش الواقعات بين أيديهم. يشمل التنكيل بالنساء المخطوفات، حسب شهادات نساء هربن من الأسر، عمليات اغتصاب كثيرة (وأحيانا مرات كثيرة في اليوم)، عنفا جسديا وكلاميا قاسيا، وظروف احتجار غير إنسانية. إن التجاهل التام من العالم للمخطوفات وعدم الاهتمام الواضح للتحالف في مهاجمة سجون الأسر لداعش، يفهمه اليزيديون على أنه إهانة جديدة لهم ولبناتهم، وتذكير بضعف القوى السياسية، لا مبالاتها وانعدام حيلتها، والتي أظهرت نفسها من قبل كداعمة اليزيديين.

عائلة يزيدية تفر هرباً من القتال (AFP)
عائلة يزيدية تفر هرباً من القتال (AFP)

أدى استمرار معاناة اليزيديين في مخيّمات اللاجئين وسنجار وعدم الاهتمام الإعلامي والسياسي بالقضية، إلى تعميق مشاعر عدم الحيلة، التهميش والخيانة في أوساط الطائفة اليزيدية. تتسارع هذه العمليات بسبب تغيّب القيادة السياسية والدينية للطائفة اليزيدية بعد أحداث سنجار. الأمر ظاهر جدا في المقابلة المرتبكة والمتعثرة التي أجراها الأمير اليزيدي تحسين بك لقناة “العربية”، وفي هذه المقابلة تنكر، وسط استياء كل الجبهات العاملة في أوساط اليزيديين، سواء للهوية الكردية لليزيديين، أو من علاقة مختاري الطائفة اليزيدية في الحلبة السياسية العراقية والكردية، أو سواء من العلاقات التي يحاول اليزيديون إنشاءها هذه الأيام مع إسرائيل.

يرجى أن يؤدي استمرار المعاناة اليزيدية على عدة جبهات والفراغ القيادي إلى إحداث التغيير المرتقب بشدة في المجتمَع اليزيدي، والذي يمكن رؤية بوادره منذ اليوم. يسود صفوف العامة اليزيدية اتفاق يتعدى الحدود والانتماء السياسي حول الحاجة إلى تشكيل قيادة عامة جديدة مستقلة. يُسمع هذا الطلب بالذات من جيل الشباب اليزيدي، في العراق، الذي يطالب بالانتفاض من قيود القيادة الجماهيرية القديمة وخاصة القيادة الدينية للأمير “والمجلس اليزيدي الروحي الأعلى”. ربما تبزغ من بين صفوف جيل الشباب قيادة يمكنها أن توصل اليزيديين لمستقبل أفضل في أي مكان يختارونه.

نشر المقال للمرة الأولى في موقع Can Think

اقرأوا المزيد: 833 كلمة
عرض أقل