عودد عران

مظاهرة "كلنا شارلي ايبدو" (AFP)
مظاهرة "كلنا شارلي ايبدو" (AFP)

الهجوم في باريس – مجرد غيض من فيض أم حادثة عابرة؟

الصدمة التي تلقتها فرنسا نتيجة العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها في ثلاث أماكن مختلفة، في باريس وضواحيها، في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني عام 2015، ستتلاشى مع الوقت ومعها أيضًا ستتلاشى الدافعية المُتعلقة بعلاج هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد الديموقراطيات الغربية

شكَّل الهجوم المُدمج، الذي شنته خلية إسلامية ضد الصحيفة الساخرة “شارلي ايبدو” وضد المتجر اليهودي، في قلب باريس والذي راح ضحيته 17 شخصًا، واحدًا من سيناريوهات العنف التي تُقلق راحة أجهزة الأمن المُختلفة في أوروبا في السنوات الأخيرة.

خيم خطر حدوث موجة عنف في سماء القارة منذ الهجوم على مدينة مومباي، والذي وقع في أواخر عام 2008 على يد خلية إرهابية إسلامية وحصد أرواح 166 شخصًا. تم تسجيل عدد من التهديدات بتنفيذ عمليات إرهابية في ألمانيا، فرنسا، وفي بريطانيا. ازدادت وتيرة التهديدات بشن عمليات إرهابية في أوروبا في العام الماضي، على خلفية عودة مئات المُسلمين والمتأسلمين في أوروبا من سوريا إلى مسقط رأسهم في القارة، بينما هم مفعمون برغبة الاستمرار بنشاطهم وصراعهم مُستلهمين ذلك من الدعوة للجهاد. حظي المتطوعون، خلال فترة مشاركتهم بالحرب الأهلية في سوريا، على التدريب ونالوا خبرة قتالية وتشبعوا بالعقائد الدينية المُتطرفة، التي تعتبر الغرب عدوًا للإسلام، ومن الواجب محاربته. وضعت هذه الظاهرة أمام الجهات الأمنية في أوروبا إشارة تحذيرية من هذا الخطر الفعلي وهو استيراد الإرهابيين من الشرق الأوسط إلى مدن القارة.

إن قًتل أعضاء جريدة “شارلي ايبدو” – الكريكاتيرية، الذين، حسب رأي المهاجمين، أهانوا شخص النبي محمد – ينافي القانون الأساس في الديمقراطية الغربية – حرية التعبير. ومن ثم تم الهجوم على هدف يهودي واضح حيث أن المهاجمين وضعوا أنفسهم في دور المدعي، القاضي والجلاد. ليس من المهم ما هي هوية التنظيم الجهادي الذي ينتمي إليه المهاجمون – قاعدة بلاد الحجاز، أو الدولة الإسلامية (داعش) – حيث أن المهاجمين مثّلوا وجهة نظر وأيديولوجية مُتطرفة، والتي تمتاز بها هذه التنظيمات.‎

أنا "شارلي ايبدو" (AFP)
أنا “شارلي ايبدو” (AFP)

تم، في إطار موجة الهجمات الإسلامية الإرهابية الحالية التي تعصف بدول غرب أوروبا، تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية على يد “ذئاب وحيدة” في مدن مُختلفة في فرنسا، وقبل نصف عام – في بروكسل. يُطرح سؤال مركزي، على هذه الخلفية، وهو: هل هذا غيض أم فيض لإرهاب من شأنه أن يتعاظم أكثر أم مجرد حادثة عابرة حيث أنه على الرغم من الصدمة التي خلّفتها تلك الحادثة في نفوس الناس في فرنسا والدول الأوروبية إلا أن ذلك الأمر لن يؤدي إلى تغيير السياسة الُمتبعة ضد الإرهاب الإسلامي لأنه سيتلاشى مع الوقت ذلك الأثر الذي سببته تلك الهجمات.

تضع تلك العمليات، التي نفذها أفراد هم “ذئاب وحيدة”، والذين يتماهون مع الجهاد العالمي، تحديًا أمنيًا أمام أجهزة المخابرات والأجهزة التنفيذية في أوروبا التي تحاول القضاء عليهم قبل أن يتسببوا بمجازر في أوروبا. من شأن فشل عملية وقف انتشار موجة الإرهاب الإسلامي في الدول الأوروبية أن يؤدي إلى ردة فعل عنيفة من قبل جماعات اليمين المُتطرف ضد المُسلمين. من المتوقع أن تستغل تلك الجهات مسألة الخوف من الإسلام المُتطرف لتبرير العمليات الإرهابية التي قد يقومون بها بدافع كراهية الأجانب، الخوف من الإسلام ومعاداة السامية. ستُعتبر العمليات التي ترتكبها جهات إسلامية مُتطرفة تبريرًا لهم للقيام بعملية عنيفة، والتي ستؤدي إلى موجة عنف في الدول الأوروبية، التي سيكون من الصعب على قوات الأمن إيقافها، وسيفاقم ذلك الأمر التحدي المُعقد الذي تواجهه الجهات السياسية الفاعلة في دول أوروبا، نتيجة التوتر المتواصل بين الكُتل المُختلفة.‎

سُجلت لصالح أجهزة المخابرات الأوروبية، خلال السنوات الأخيرة ولمدة عقد من الزمان تقريبًا، العديد من الإنجازات المتعلقة بإحباط عمليات استعراضية كان يخطط لها أن تكون مؤثرة جدًا والتي كانت تُعدها منظمة القاعدة وأعوانها. أثبتت تلك العمليات أنه يُمكن مواجهة محاولات الجهات الإرهابية للمس بالديموقراطية الغربية من خلال تلك العمليات الفعالة. إلا أنه، تتجلى صورة ما وهي أنه كانت في خلفية تلك الهجمات الأخيرة في باريس فشل مخابراتي. المعلومات المُسبقة الخاصة بالعمليات، التي تم توصيلها لأجهزة الأمن الفرنسية، لم تحظ بالاهتمام المطلوب. إلا أنه يجب الأخذ بالحسبان أنه ليس بإمكان أجهزة الأمن في فرنسا وفي دول الغرب كافة منع تنفيذ عمليات إرهابية بشكل تام.

نتنياهو وأبو مازن في الصف الأول مع قادة العالم في المسيرة الجمهورية في باريس ضد الإرهاب  (AFP)
نتنياهو وأبو مازن في الصف الأول مع قادة العالم في المسيرة الجمهورية في باريس ضد الإرهاب (AFP)

فضلًا عن ذلك، في مدن كثيرة في القارة هناك تردد وخوف دائم من اتخاذ إجراءات قاسية ضد عزل الأقليات، وعمومًا ضد ظاهرة العنف والإرهاب من جهة جماعات الأقليات المقاتلة. ربما كان هذا الميل يعكس خوفًا ما، لأن الصدام المُباشر مع هذه الجماعات سيتطور إلى فوضى واسعة، كتلك التي حدثت عام 2005 في باريس، عندما تحولت الضواحي النائية في باريس إلى ميادين حرب بين أبناء الأقليات، وتحديدًا أبناء شمال أفريقيا، وبين قوات الأمن الفرنسية. أيضًا هناك خوف من إطلاق نظام مُركب، يحمل أبعاد قضائية وبوليسية وثقافية ضد الأقليات، الأمر الذي سيبدو بالنسبة للكثيرين وتحديدًا بالنسبة لأبناء الأقليات على أنه مس بحرية الفرد وحقوقه. تسود في أوروبا، أساسًا، موجة كراهية للأجانب. حازت الأحزاب، التي تنادي بشعارات كهذه، في العام الماضي، على نجاح كبير في الانتخابات البرلمانية الأوروبية. علينا أن نتذكر، من جهة أُخرى، أن الأقليات في أوروبا، وبضمنها اللاجئون الذين أتوا في السنوات الأخيرة من مناطق تعصف بها أزمات اقتصادية وحروب في الشرق الأوسط، لا يشكّلون عالة على خدمات الرفاه فحسب، بل يُشكلون قوة عاملة رخيصة أيضًا. لذا فإن وجودهم في القارة، التي تُعتبر قارة عجوز، يُعتبر قيمة اقتصادية إيجابية.

يمكن اعتبار أن دولاً كثيرة في أوروبا تُفضل أن تبادر مؤسسات الاتحاد الأوروبي للقيام بخطوات قضائية وغيرها ضد أمور مُتعلقة بمسألة الهجرة، وخاصة الهجرة غير القانونية، وأن تتخذ إجراءات فعلية بهدف تقليص العبء الاقتصادي، المتعلق بالمهاجرين والأقليات. رغم أن جزءًا كبيرًا من إشكاليات الهجرة ما زال يقع ضمن مسؤولية الدولة لم ينتقل بعد إلى مسؤولية الاتحاد الأوروبي ومؤسساته. هاجمت المستشارة الألمانية، ميركل، الحركة التي تعارض الأقليات في بلادها وهذا بسبب الحساسية الخاصة المُتعلقة بألمانيا تحديدًا. ولا شك أن ألمانيا تُفضل تحركًا في نطاق الاتحاد الأوروبي وذلك للسبب ذاته.

ولكن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو، ما هو الإجراء، وضد من؟ الإجراءات المُتعلقة بمحاربة الإرهاب قائمة في الاتحاد الأوروبي منذ سنوات. من بينها هناك قرار المجلس الأوروبي من تاريخ 28 تشرين الثاني عام 2008، الذي عرّف ما هي النشاطات الإرهابية (وتم تعديل قرار سابق تم سنه في 2002)، أو الخطة الأوروبية من عام 2005 لمحاربة التطرف وتجنيد الإرهابيين. كذلك تم داخل المؤسَّسات الأوروبية في بروكسيل، تشكيل مجموعات لمواجهة الإرهاب. ماذا إذًا يمكن أن نضيف على ذلك، ما عدا إعلان النوايا؟ هل، في الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يتخذوا إجراءات لصالح تقليص الهجرة، بما في ذلك الهجرة القانونية، وهل ستقرر السلطات في دول أوروبا المختلفة أن تتعامل بيد من حديد ضد أبناء الأقليات، الذين سيطروا على مناطق في المدن الرئيسية والتي يُطبقون فيها القانون بأيديهم؟‎

الشرطة خارج متجر اغذية مطابقة للتعاليم اليهودية شرق باريس (AFP)
الشرطة خارج متجر اغذية مطابقة للتعاليم اليهودية شرق باريس (AFP)

 

سؤال مركزي آخر يتعلق بهذه الإمكانية، لأن العمليات القاسية داخل الأراضي الأوروبية ستؤدي إلى تغييرات فيما يتعلق بسياسة فرنسا ودول غربية مركزية أخرى، بما يتعلق بشكل وحجم التدخل في الحرب ضد داعش والقاعدة في سوريا والعراق. على الرغم من عبارات الاستنكار التي يُطلقها المسؤولون في فرنسا، ألمانيا، بريطانيا والولايات المتحدة، في هذه المرحلة، على إثر العمليات التي وقعت في باريس، من الصعب أن نتوقع أن تلك البلاغة الخطابية ستؤدي إلى إدخال جيش مشاة في العراق أو تغيير في سياسة التحالف الذي يحارب ضد داعش في سوريا. هناك تحدٍ آخر يتشارك فيه قادة الدول وممثلي الجمهور في الدول الغربية وأيضًا شركاؤهم في دول العالم الإسلامي وهو إدارة برنامج أيديولوجي قيمي مضاد من أجل تقويض وهدم الفكر الذي تتبناه منظمات الجهاد العالمي. يُفترض أن تكون هناك أهمية كُبرى، بالنسبة لرؤساء الطوائف الإسلامية ورجال الدين المسلمين في الغرب، بقيادة نضال مُمنهج، علني ومتواصل الذي من شأنه تقويض التفسير العنيف للدين الإسلامي والمناداة بمقاطعة أولئك الذين يحملون لواء الجهاد. فقط عملية نزع ثقة جارفة فيما يتعلق بالمسوغات الدينية والتي تحفز الشبان، من حول العالم، على الانضمام ودعم العمليات الإرهابية الإسلامية هو ما قد يساعد على تقليص عدد المتطوعين للقتال في صفوف منظمات الجهاد العالمية.

الصدمة التي تلقتها فرنسا نتيجة العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها في ثلاثة أماكن مختلفة، في باريس وضواحيها، في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني عام 2015، ستتلاشى مع الوقت ومعها أيضًا ستتلاشى الدافعية المُتعلقة بعلاج هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد الديموقراطيات الغربية، التي أساسها في ميادين القتال في سوريا والعراق. سيتأجل خوض هذا التحدي إلى موعد لا يتبقى فيه أمام قادة الدول الغربية أي مناص غير مواجهته مباشرة بشكل واسع وشامل وربما عنيف جدًا. بالإمكان أن نُقدر أن سلسلة أحداث استثنائية فقط، بما فيها عمليات استعراضية كبيرة تحصد أرواح كثيرة، يمكنها أن توضح حجم الخطر الذي يتمثل بعدم تفعيل دور عسكري أكبر ضد ذلك الخطر، الأمر الذي يضع تنظيم الدولة الإسلامية بمواجهة الدول الغربية. كانت العملية الإرهابية التي نفذتها القاعدة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 حدثًا هز المعمورة ودفع نحو عملية عسكرية واسعة وعنيفة ضد التنظيم. هكذا سيحدث، على ما يبدو، أيضًا في الحرب ضد داعش، القاعدة وأعوانهما في الغرب إلا إن تم اتخاذ إجراءات عسكرية مُسبقًا، إجراءات قانونية، قضائية وقيمية ضد مثل هذه التنظيمات.

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع مركز الأبحاث القومي INSS

اقرأوا المزيد: 1319 كلمة
عرض أقل
أسرى الدولة الإسلامية في تكريت قبل إعدامهم  (AFP)
أسرى الدولة الإسلامية في تكريت قبل إعدامهم (AFP)

العواقب الاستراتيجية لتفكّك العراق

جميع الدول المجاورة للعراق بما في ذلك الولايات المتحدة تتواجد في ائتلاف غير رسمي، ولكلّ منها أسبابها التي تجعلها متوترة وربما قلقة كثيرًا على ضوء التأثيرات المباشرة وطويلة الأمد للتطوّرات الأخيرة في العراق

إنّ سقوط مدن رئيسية في العراق بيد المتطرّفين السنّة، الذين ينتمون للتنظيم السنّي “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، قد يؤدي إلى تأثيرات تتجاوز حدود تلك الدول. في العراق نفسه، سيتعزّز اتجاه التقسيم الفعلي للبلاد، وهي عملية بدأت مع سقوط نظام صدام حسين في الغزو الأمريكي عام 2003. والكيان المستقلّ لكردستان هو حقيقة ثابتة تعترف بها جميع الجهات الإقليمية. إنّ سيطرة العناصر السنّية على المناطق في وسط العراق قد تؤدّي، إنْ لم تتوقف، إلى إقامة كيان سنّي مستقل حتى الوسط، بحيث يسقط جنوب العراق كثمرة ناضجة في يد إيران. في هذه الحالة، سيتحوّل العراق إلى مصدّر للإرهاب حيث ستستغلّ التنظيمات المختلفة فيه ضعف سوريا لتوسعة نشاطها في الشرق الأوسط.

العواقب الاستراتيجية لتفكّك العراق (AFP)
العواقب الاستراتيجية لتفكّك العراق (AFP)

ومن المفارقة، فجميع الدول المجاورة للعراق بما في ذلك الولايات المتحدة تتواجد في ائتلاف غير رسمي حيث أنّ لكلّ واحدة أسبابها للاهتمام وربّما للكثير من القلق على ضوء التأثيرات المباشرة وطويلة الأمد للتطوّرات الأخيرة في العراق. إنّ إضعاف قبضة الحكومة العراقية المركزية في أجزاء الدولة المختلفة يخدم ربّما المصالح الإيرانية في توسيع نفوذها وإمكانية إنشاء ارتباط برّي للسيطرة الإيرانية مع سوريا وحزب الله. ولكن هذا الانتصار للعناصر السنّية التي لم تعتمد على المساعدة الإيرانية لن يُعتبر إنجازًا في طهران. إنّ احتمال سقوط مدن مهمّة للشيعة كالنجف وكربلاء بيد التنظيم السنّي يبدو في طهران وكأنّه كابوسًا.

جميع الدول المجاورة للعراق بما في ذلك الولايات المتحدة تتواجد في ائتلاف غير رسمي حيث أنّ لكلّ واحدة أسبابها للاهتمام وربّما للكثير من القلق على ضوء التأثيرات المباشرة وطويلة الأمد للتطوّرات الأخيرة في العراق

تنظر تركيا هي أيضًا إلى التطوّرات بقلق حيث أنّ سيطرة العناصر الإرهابية على الأراضي المحاذية لحدودها، تزيد قلقها من نشوء مساحة في الجنوب منها، والتي تمتدّ على أجزاء من سوريا والعراق، من شأنها أن تشكّل مصدر إزعاج للأمن والذي قد يُنشئ حالات تجبر النظام في أنقرة على اتخاذ خطوات عسكرية قد امتنع عنها حتى الآن. ستضطرّ تركيا، مع طابعها المسلم السنّي، إلى متابعة تسلّل العناصر المنتمية إلى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إلى أراضيها.

وتراقب الأردن أيضًا التطوّرات في العراق بقلق. ولقد أدّت الحرب الأهلية السورية إلى ما يزيد عن مليون لاجئ سوري يبحثون عن مأوى في الأردن. وكذلك، أدّت الحرب في العراق عام 2003 إلى أن يقطع أكثر من نصف مليون مواطن في البلاد الحدود إلى الأردن. رغم أنّ بعضهم قد عاد بعد مرور عدّة سنوات، ولكن الشتات العراقي في الأردن لا يزال تعداده يبلغ أكثر من ربع مليون شخص. وسيزداد الشتات دون شكّ قريبًا على ضوء الهروب الجماعي الذي بدأ من المناطق التي احتِلّتْ من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. ولكن هذه التطوّرات هي مجرّد جزء من عوامل القلق في عمّان. تُنشئ حدود الأردن مع سوريا والعراق ضغطًا كبيرًا على الجيش والأجهزة الأمنية الأردنية. حتى لو استخدم اللاجئون من العراق معبر الكرامة فقط (الوحيد في الحدود المشتركة) واللاجئون من سوريا معبري الرمثا وجابر على الحدود مع سوريا – دون محاولة عبور الحدود – فستجد تلك الأجهزة صعوبة في أن تمنع تمامًا تسلّل الخلايا الخامدة بل والنشطة إلى داخل أراضي المملكة. ومن الجدير ذكره أنّ المعبر في الحدود مع العراق يتواجد في محافظة الأنبار التي حظي تنظيم “الدولة الإسلامية” فيها بنجاحات كبيرة منذ بداية العام 2014. لقد تعاملت السلطات الأردنية حتى الآن بنجاح مع المخاطر الناتجة عن مشاكل داخلية سياسية واقتصادية. من شأن التطوّرات الأخيرة في سوريا والعراق أن تغيّر التوازن الداخلي الراهن.‎ ‎

إعدامات جماعية” لجنود عراقيين في تكريت (AFP)
إعدامات جماعية” لجنود عراقيين في تكريت (AFP)

وتنظر دول الخليج هي أيضًا بقلق إلى التدهور الداخلي في العراق والرسوخ الإقليمي للتنظيمات المتطرّفة التي تفتقد الالتزام بالأنظمة المحافظة على الإطلاق، رغم كونها ذات انتماء ديني سنّي. إنّ إضعاف النظام المركزي في بغداد، رغم كونه شيعيّا في أساسه، والذي سيسمح بحرّية عمل أكبر في الجزء الشمالي من الخليج؛ لن يُمكن قبوله في دول الخليج، التي تعيش بالفعل في محنة على ضوء تراجع المصالح الأمريكية في المنطقة، وسيؤدي إلى قلق. من المبكّر أن نقيّم تأثيرات سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على منشآت النفط الرئيسية في العراق، بما في ذلك منشآت التكرير. قد يؤثّر هذا الأمر مع مرور الوقت على القدرة على تصدير النفط من العراق، وبشكل غير مباشر على استقرار أسعار الطاقة.

ستضطرّ الولايات المتحدة على أخذ دور الريادة، ولكن قبل ذلك ستحتاج إلى اتّخاذ بعض القرارات بخصوص المنطق من وراء تسليح الجيش العراقي بالسلاح المتطوّر

ومن المفارقات، أن ينشأ نوع من التحالف بين الدول التي لديها مصلحة في القضاء على توطيد وجود “الدولة الإسلامية” وهي لا تزال في بدايتها. في العراق نفسه، بدأ تعاون بين القوة العسكرية الكردية، “البشمركة”، مع الجيش العراقي بهدف منع تقدّم قوات “الدولة الإسلامية”. والمسألة الفورية التي تقف أمام الولايات المتحدة هي تسليح الجيش العراقي. إنّ جزء كبير من كمّيات السلاح، هو من صناعة الولايات المتحدة، والذي سقط في الأيام الأخيرة بيد التنظيم؛ ويُطرح السؤال بخصوص الخطر المتعلّق بتسليح الجيش العراقي أو الثوّار “الجيّدين” في سوريا بالأسلحة المتطوّرة.

جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)
جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)

تطرّق رئيس الولايات المتحدة أوباما في خطابه في ويست بوينت في 28 أيار عام 2014 طويلا لسؤال القتال بما أسماه الإرهاب الناشئ ليس من القاعدة وإنما من التنظيمات المتفرّعة عن القاعدة والتي لا تخضع للسيطرة المركزية لهذا التنظيم. وأوضح أوباما الذي لم يرفض في خطابه هذا عملية أمريكية من جهة واحدة فيما لو تعرّضت حليفة أمريكا للخطر، وأنشأ شعورًا بأنّه في حالة مثل هذه التي تجري في العراق، سيفضّل العمل مع شركاء آخرين. حظي تنظيم “الدولة الإسلامية” باهتمام واسع في خطاب مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، آن باترسون، الذي جرى في منتدى الولايات المتحدة: العالم الإسلامي في قطر بتاريخ 9 حزيران عام 2014 حيث قالت: “أعتقد أنّنا نستطيع فعل الكثير معًا، أن نحتوي وأن نصدّ التهديد الذي تضعه “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، والطموحات في الشام لإقامة دولة إرهابية غربيّ العراق وشرقيّ سوريا”. وأضافت، على الولايات المتحدة ودول المنطقة أن تعمل معًا للتغلّب على الخلافات وإيجاد حلول مستدامة للتهديد.

مقاتلون من داعش في العراق (AFP)
مقاتلون من داعش في العراق (AFP)

ستضطرّ الولايات المتحدة على أخذ دور الريادة، ولكن قبل ذلك ستحتاج إلى اتّخاذ بعض القرارات بخصوص المنطق من وراء تسليح الجيش العراقي بالسلاح المتطوّر. وهو سؤال صعب ويختلف تمامًا ويرتبط بتفكير إيران بطرق التعامل مع الوضع الجديد في العراق. قد تحاول إيران أن تخرّب الجهود المشتركة إنْ لم تشترك بها بطريقة أو بأخرى، وسترى نفسها جديرة بالحصول على مقابل في المجال النووي وعلى الأقل في كلّ ما يتعلّق بتخفيف العقوبات. إنّ مشاركة إيران، دون علاقة بتصرّف سوريا وتعاونها الوثيق مع حزب الله، تبدو غير ممكنة ومن الواضح من جميع وجهات النظر أن النظرة لإيران في السياق العراقي تنطوي على الكثير من المشاكل. والسؤال المثير للاهتمام هو: هل تمّ طرح الموضوع في المحادثات الثنائية التي أجرتْها الولايات المتحدة وإيران قبل بضعة أيام، أم إنّ هذه المحادثات تطرقت إلى القضية النووية فقط. وأيضًا فإنّ علاقة دول الخليج بتلك القضية غير واضحة، رغم أنّها من الممكن أن ترى في القضية العراقية فرصة أخرى لفحص القدرة على فتح صفحة جديدة في العلاقات مع إيران.

ليس هناك شك أنّ نوايا قادة  تنظيم “الدولة الإسلامية” وتوطيد تواجده في الأراضي وغيرها، تشكّل تهديدًا أمنيًّا محتملا لإسرائيل

إنجازات “الدولة الإسلامية في العراق والشام” هي علامة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط رغم عدم وجود سابقة مشابهة بشكل تامّ. ولقد سبقها نجاح حزب الله في التحوّل إلى قوة سياسية رائدة في لبنان وسيطرة حماس على غزة. وثمة خطر أن تتحوّل هذه الإنجازات لحالة من التدفّق الدائم لجميع المشاركين المباشرين وأيضًا للولايات المتحدة. ولذلك، هناك قلق في أن تتحوّل هذه الإنجازات إلى نصر باهظ الثمن، فإذا تجنّدت دول المنطقة، تحت قيادة أمريكا، لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” فسيجد مقاتلوه الأكثر حماسة صعوبة في الوقوف ضدّ ما سيوضع في الحملة ضدّهم سواء من ناحية نوعية الأسلحة أو من ناحية الخطوات التي سيتمّ اتّخاذها لقطع أنابيب تمويل هذا التنظيم.‎ ‎

تهتم إسرائيل بطبيعة الحال اهتماما كبيرًا بنجاح الحرب ضدّ إنشاء “الدولة الإسلامية” في أيّ منطقة في الشرق الأوسط. حتى لو كانت جهود التنظيم في هذه المرحلة غير موجّهة ضدّ إسرائيل، فليس هناك شك أنّ نوايا قادة هذا التنظيم وتوطيد تواجده في الأراضي وغيرها، تشكّل تهديدًا أمنيًّا محتملا لإسرائيل.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي ‏INSS‏

اقرأوا المزيد: 1228 كلمة
عرض أقل
قادة دول المجلس في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية (AFP PHOTO / SPA)
قادة دول المجلس في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية (AFP PHOTO / SPA)

الإسلام السياسي في موقف دفاعي

الصراع الحالي بين دول الخليج، والذي يعكس أحد التحديات الأكثر صعوبة لمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه 1981، يؤكّد مستوى الغضب والإحباط من السياسة القطرية في منطقة الخليج وخارجها. السعودية تعتقد أنّ السياسات والإجراءات القطرية تضعف مجلس التعاون الخليجي وأيضًّا دولا عربية مهمّة أخرى مثل مصر، والتي تحاول إجراء انتخابات للرئاسة والبرلمان وإنهاء العملية السياسية التي بدأت مع إسقاط الرئيس محمد مرسي في تموز الماضي. إنّ الانقسام بين دول الخليج، والذي يدور بطبيعة الحال حول مهمّة ومكانة الإسلام السياسي، قد تكون له عواقب أيضًا إزاء دور إيران ومكانتها

مع بدء الاضطرابات الإقليمية حظي الإسلام السياسي بإنجازات كبيرة. ولكن منذ ذلك الحين، تقف الحركات الإسلامية السنّية في العالم العربي، والتي اتخذت لنفسها طابعًا سياسيًّا؛ تقف موقفًا دفاعيًا، سواء كانت حركة “الإخوان المسلمون” والتي هي أقدم الحركات أو حركات أحدث. من تونس وحتى الخليج، أظهرت الأنظمة العربية تصميمًا ووقوفًا ضدّ محاولة فرض التفسير الإسلامي المتطرّف على أسلوب الحياة. إذا كان هناك أرضية مشتركة ما بين ظواهر الاحتجاج المعادية لرجال الدين فتلك هي السعودية التي تهدف إلى منع الاضطرابات، تحييد العناصر المهدّدة، تثبيت الأنظمة ومحاولة التأثير قدر الإمكان على العناصر الإسلامية في الخليج وخارجه.

إنّ دور الإسلام السياسي ومكانته، وخصوصًا الموقف من حركة “الإخوان المسلمين” والتنظيمات المرتبطة بها، بقيت حجر عثرة في العلاقات بين دول الخليج. وكدليل على ذلك، ففي 5 آذار 2014 أعلنت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والبحرين، عن سحب سفرائهم من قطر. وذلك بسبب دعم الأخيرة لحركة “الإخوان المسلمين”، وهي الحركة التي يعتبرونها هدّامة وتهدّد استقرارهم. بعد عدّة أيام من ذلك وضعت السعودية، أشبه بمصر، التنظيم على قائمة المنظمات الإرهابية بل واعتقلت، مع الكويت في وقت واحد، بعض أنصار الحركة.

ويشير تصرّف بعض الملوك بشكل واضح إلى القلق المتزايد الذي تشكّل خلال فترة حكمهم من تهديدات الإسلام السياسي. وكمثال على ذلك في المحاكمات ضدّ نحو مائة عضو لتنظيم “الإصلاح”، وهو التنظيم التابع للإخوان المسلمين، في الإمارات العربية المتحدة. وذلك بخلاف قطر التي تتعاطف وتدعم أفكار الحركة. ليس فقط أن يوسف القرضاوي يسكن في قطر، وهو المرجع الديني الأعلى للإخوان المسلمين، وإنّما تمكّنه من توجيه برنامج أسبوعي في قناة الجزيرة، حيث ينفّي هناك عن تعاليمه السامّة، بما في ذلك حول موقف بعض دول الخليج من الإخوان المسلمين. كانت العلاقة بين قطر والسعودية متوتّرة خاصّة بعد الاستيلاء على السلطة في قطر من قبل حمد بن خليفة 1995، وهو الأمر الذي أثّر سلبيًّا على أداء دول مجلس التعاون الخليجي (ونتيجة لذلك لم يكن للسعودية سفير في الدوحة بين السنوات 2002-2007). في الوقت الراهن أيضًا، فإنّ هذه السياسة إزاء العناصر الإسلامية تؤدي إلى توتر بين دول الخليج وتنشئ تصدّعات في الوحدة التي شكّلها “الربيع العربيّ” (والتي تمثّلت على سبيل المثال بالمعارضة المشتركة للقذافي والأسد).

القلق الخاص في السعودية من داعمي الإسلام السياسي مرتبط بحقيقة أن الأخير يقترح منهجًا بديلا للهياكل الحكومية القائمة، والتي توفّر إطارًا سياسيًّا إلى جانب الشرعية الدينية. إنّ الإسلام السياسيّ ليس فقط خيارًا لمنهج بديل – والديمقراطية الغربية كذلك – وهو ليس مجرّد منافس للمناهج القائمة التي تدمج الإسلام مع الدولة – كالعلاقة بين عائلة آل سعود وبين المؤسسة الدينية الوهابية – وإنما هو يعكس تهديدًا للنظام القائم. بكلمات أخرى، بسبب المكوّن الديني الذي فيه، ولأنّ الكثير من الحركات تدعم الانتخابات الديمقراطية وتشارك بها، فهو يقترح بديلا حقيقيًا وجذّابًا للقيادة القديمة، والتي أثبتت نفسها كقادرة على إسقاط حكومات في دول مثل مصر وتونس. فضلًا عن ذلك، ففي المجتمع القبلي، كالذي في دول الخليج، يعتبر الإسلام السياسي تقويضًا للنظام الاجتماعي وقواعده، وللتسلسل الهرمي ومجموعة النخبة التي تقود القبيلة.

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة ال ثاني (AFP)
أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة ال ثاني (AFP)

     أيضًا خارج الخليج هناك مجموعات تابعة للإخوان المسلمين في موقفها الدفاعي. اضطرّ حزب “النهضة” التونسيّ، الذي يمثّل الحركة الإسلامية المعتدلة والذي فاز بالانتخابات مباشرة بعد إزالة الديكتاتور زين العابدين بن علي، إلى نقل السلطة في شباط 2014 لحكومة تكنوقراط حتى الانتخابات التي سيتم إجراؤها في وقت لاحق هذا العام. فشلت الحكومة في قيادتها للمجالات الاقتصادية – الاجتماعية ولم تنجح في تحسين الحالة الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، فقد اتّهمت بالتساهل مع الحركة الإسلامية الأكثر تطرّفًا والتي حاولت ميليشياتها فرض نمط حياة إسلامي في تونس. تحت ضغوط أمريكية وأوروبية، وأيضًا من داخل المشهد السياسي التونسي، تخلّت “النهضة” عن هدفها في إقامة دولة إسلامية، والتي تُدار وفق قوانين الشريعة الإسلامية. في كانون الثاني 2014 تم اعتماد دستور ليبرالي بطابع يحفظ مكانًا للنمط الإسلامي والعربي للدولة.

كانت قبضة “الإخوان المسلمين” على مقاليد السلطة في مصر قصيرة الأجل (بين نهاية حزيران 2012 حتى بداية تموز 2013). أعاد الجيش المصري السلطة إلى يديه، في ما بدا وكأنه انتهاز للاحتجاجات الشعبية المدنية ضدّ “خطف” ثورة 25 كانون الثاني 2011 من قبل الحركات الإسلامية المصرية. وستقرّر الانتخابات القريبة في تموز فيما إذا كان الرئيس القادم سيأتي مجدّدًا من داخل الجيش، كما كان الحال بين 1952 حتى 2014 باستثناء السنة الوحيدة لرئاسة محمد مرسي. في مصر أيضًا، يعكس استعداد السعودية لدعم الجيش المصري، في تحدّ لواشنطن ومع تدفّق الأموال للحكومة المصرية، يعكس ذلك عامل مهمّ في الصراع على السلطة في دولة تضرّر اقتصادها بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

في الأردن، فإنّ مزيجًا من الأخطاء التكتيكية والاستراتيجية للفرع الأردني من “الإخوان المسلمين”، ابتداء من مقاطعة الانتخابات البرلمانية في كانون الثاني 2013، وإدارة معقّدة من جهة السلطة لجهود تقويض الاحتجاجات والهزيمة، المؤقتة على الأقل، للأخت الكبيرة في مصر، أدّى كل ذلك إلى تراجع حضور الحركة. مكّن المال القادم من دول الخليج وبشكل أساسي المال السعودي الأسرة المالكة في الأردن من منح إحساس بالاستقرار النسبي. لا يستطيع آل سعود، رغم مواقفهم التاريخية المتناقضة مع الأسرة الهاشمية، أن يتجاهلوا الأعباء الهائلة التي سقطت على الأردن كنتيجة للحرب الأهلية في سوريا، وهي الحرب التي يتغذّى فيها قسم من قوى المعارضة على التمويل السعودي الضخم.

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز (AFP)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز (AFP)

مقابل ما اعتبر في الرياض بأنّه تهديد إيرانيّ، ووقاحة قطرية أخرى وفقدان مسار واشنطن، قرّرت الأسرة المالكة العودة للقتال مرة أخرى. والسؤال هل تستطيع مواجهة الصعوبات الداخلية التي تشمل تغيّر الأجيال، تمرّد شيعي على “نار هادئة” في المنطقة الشرقية، تغيّرات في سوق الطاقة العالمي ودخول لاعبين كروسيا والصين إلى الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة وأن تأخذ على نفسها دورًا قياديًّا في المنطقة العربية.. لا يزال هذا السؤال مفتوحًا.

هناك بالطبع آثار فورية لإسقاط “الإخوان المسلمين” من السلطة في مصر أيضًا في غزة التي تسيطر عليها حركة قديمة؛ حماس. أغلقت الحكومة المصرية منذ صيف 2013 معظم الأنفاق وأضرّت بواردات حكومة حماس، التي كانت تجبي الضرائب من التجارة التي تمرّ في الأنفاق. إنّ نقص الميزانية (الناتج من إيقاف جزء من المساعدات التي تأتي من دول الخليج) جعل حكومة حماس تتأخر في دفع الأجور للموظّفين الحكوميّين والقوى الأمنية، وكلاهما من الآليات الضرورية للحفاظ على الدعم الشعبي. في الواقع، وفقًا لاستطلاعات الرأي فقد تراجع دعم حكومة حماس بشكل كبير، على الرغم من أن تقويض دعم حماس لا ينبئ بالضرورة بسقوط الحركة من إدارة القطاع.

الصراع الحالي بين دول الخليج، والذي يعكس أحد التحديات الأكثر صعوبة لمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه 1981، يؤكّد مستوى الغضب والإحباط من السياسة القطرية في منطقة الخليج وخارجها. تعتقد السعودية أنّ السياسات والإجراءات القطرية تضعف مجلس التعاون الخليجي وأيضًّا دولا عربية مهمّة أخرى مثل مصر، والتي تحاول إجراء انتخابات للرئاسة والبرلمان وإنهاء العملية السياسية التي بدأت مع إسقاط الرئيس محمد مرسي في تموز الماضي. إنّ الانقسام بين دول الخليج، والذي يدور بطبيعة الحال حول مهمّة ومكانة الإسلام السياسي، قد تكون له عواقب أيضًا إزاء دور إيران ومكانتها.

زيارة روحاني في كويت عام 2005 (AFP)
زيارة روحاني في كويت عام 2005 (AFP)

تسمح الأزمة لإيران، والتي تحاول فعلا الوقيعة بين الدول الستّ من أجل منع تشكيل جبهة موحّدة ضدّها، بتعميق الشرخ بين دول الخليج وعزل السعوديين عن جيرانهم الأصغر. ولذلك فإنّ هناك تأثير أيضًا على محاولة السعودية بالوصول إلى وحدة بين دول الخليج العربية (“إعلان الرياض”) الذي أعلنه الملك عبد الله في الرياض في كانون الأول 2011. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأزمة بالطبع لن تسهّل على الأمريكيين تحقيق الأهداف، والتي تلزم بتعاون أمني بين دول الخليج العربية الستّة، على سبيل المثال كنشر أنظمة الدفاع الصاروخي، والتي هي مخصّصة للمواجهة الجيّدة ضد أي تهديد من جهة إيران.

إسرائيل أيضًا مهتمّة بالطبع بتقوية الأنظمة المعتدلة وبشكل خاص في المحيط القريب، مصر، الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي. على الرغم من أنّ حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وإن كان جزئيًّا، لا يكفل استقرار هذه الأنظمة. ومع ذلك، فإنّ الاسترخاء في الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية سيسهّل عليهم التعامل بشكل أفضل مع مشكلاتهم الداخلية.

تمّ نشر المقال لأول مرة في موقع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي

اقرأوا المزيد: 1193 كلمة
عرض أقل