عميرة هاس

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (Issam Rimawi/FLASH90)
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (Issam Rimawi/FLASH90)

السلطة لا تتوقع كثيرا من ترامب – فهي تأمل ألا يمس بحكمها الذاتي

نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة تُفسّر كحقنة تعزيز لسياسة إسرائيل في الأراضي، ولكنها كما يبدو لن تغيّر كلا التوجهين المتعاكسين في المجتمع الفلسطيني: انتفاضة الشباب والهروب من السياسة

أصدرت فلسطين الرسمية، مكتب محمود عباس، التصريح المفترض: “سنعمل مع كل رئيس اختاره الشعب الأمريكي، في إطار مبدأ تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط المستند إلى حل الدولتَين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 مع القدس الشرقية كعاصمتها”. لا نتوقع مفاجآت من دونالد ترامب في المكان الذي تخلى فيه باراك أوباما تماما – أي أن يضغط على إسرائيل ويوقف بناء المستوطنات – حتى لو لم يصرّح كمستشاره أنّ المستوطنات قانونية. هناك افتراض أو أمل أنّ لدى دخول ترامب إلى البيت الأبيض، لا يمكن أن يتجاوز كثيرا قواعد العمل وأسس السياسة الخارجية المتبعة منذ عشرات السنين، لأنّ في النهاية الولايات المتحدة هي دولة ذات مؤسسات وقوانين، وليست دولة رجل واحد.

إحدى تلك الأسس هي تعزيز الاحتلال الإسرائيلي، من خلال صفقة تتضمن الحفاظ على وجود الحكم الذاتي الفلسطيني. ويتمثّل ذلك بأموال التبرعات من قبل الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية [(وخصوصا للأجهزة الأمنية وبناء الطرق التي تسهّل المواصلات بين الجيوب في المنطقة “أ” (والأونروا، والولايات المتحدة هي المتبرع الرئيسي في وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين)]. وهكذا، عندما يتحدث الفلسطينيون الرسميون عن حل الدولتَين الذي يبدو بعيدا أكثر من أي وقت مضى، فهم يقصدون في الواقع في البداية الحل على الأمد القريب: إنهم لا يريدون أن تنهار العدالة السياسية – كما يفترض – والتي اعتمدوها لأنفسهم وينسبها لهم السلك الدبلوماسي. ولا يريدون أن تنهار شبه السيادة التي حققوها في جيوب المنطقة “أ” الصغيرة – والتي اعتاد عليها الشعب الفلسطيني أكثر مما هو مستعد أن يعترف.

هل سيقرر ترامب، بتصريحاته المتعرجة وبسبب جهله في المجال السياسي، من خلال التعاون مع مجلس الشيوخ ومجلس النواب تحت سيطرة الجمهوريين، تقليص التبرعات للسلطة الفلسطينية أو حتى إيقافها؟ هل سيتعامل، من خلال بلطجيته المنتصرة، مع القيادة الفلسطينية كتنظيم إرهابي معادٍ، أم سيكون هناك من يشرح له أنّ السلطة الفلسطينية تعمل تحديدًا لصالح إسرائيل وسياسة حزبه؟ من جهة أخرى، كيف سيؤثّر عدم الوضوح بخصوص السياسة الخارجية لدى ترامب في الدبلوماسية الفلسطينية، والعلاقات داخل فتح؟ هل يمكن أن يتوقّع ترامب أساسا تغييرات ما أم لا، طالما أن عباس يقف في أعلى الهرم؟.

دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو (GPO)
دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو (GPO)

على المستوى الشعبي الفلسطيني لا حاجة لغطاء دبلوماسي يخفي المشاعر الحقيقية تجاه ترامب. لقد عززت فعلا الانتخابات المجنونة في الولايات المتحدة، والتي تنافس فيها مرشّحان يتميزان بالعدد الكبير من الأمريكيين الذي يكرههما، شعارا فلسطينيا شعبيا شائعا: ها هو الجيل آخذ بالتناقص في الولايات المتحدة، تفقد كل قوة عظمى عظمتها، وهكذا الولايات المتحدة أيضًا. ومع ضعفها – ستضعف إسرائيل أيضًا. بعد الصدمة الأولية، تم تفسير انتخاب مالك مسابقات الجمال الكاره للنساء، كاستمرار لعملية التدهور.

هذا تحليل منطقي ولكنه ليس سياسيا، لأنّه يأتي في العادة كذريعة للجلوس دون اتخاذ أية خطوة حتى تؤدي السنين وعجلة الاضطرابات التاريخية دورها. يتنبأ نوع من الصيغة العلمانية لعادة اقتباس آيات من القرآن بمعاقبة بني إسرائيل لأنّهم أخطأوا ولم يقوموا بالصواب في نظر الإله.

يُفسّر انتصار ترامب، بشكل مؤكد على المدى المتوسط، كحقنة تعزيز لسياسة إسرائيل في الأراضي. ربما يعزز من شعور اليُتم الفلسطيني، ولكن كما يبدو ليس على المستوى الدراماتيكي. إنه لن يغير ولن يوقف التوجهين المعاكسين اللذين يميّزان سلوك الشعب الفلسطيني اليوم: من جهة، الانتفاضة المخصخَصة، عمليات الانتحار بواسطة الشباب، الذين تختلط لديهم الدوافع السياسية والشخصية. ومن جهة أخرى، الهروب من السياسة، وخيار التمرد الشعبي الشامل، بهدف عيش حياة شبه عادية في الجيوب، حياة ثقافية، تحقيق الطموح للتعليم الأفضل للأولاد، تحسين الأجور المتدنّية، والتغلب على المشاكل في الجهاز الصحي الفاشل وغيرها – كما لو أنه لا يمارس احتلال إسرائيلي.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 537 كلمة
عرض أقل
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (Yonatan Sindel/Flash90)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (Yonatan Sindel/Flash90)

أبو مازن يُسمم البئر

"الظواهر الخطيرة الحقيقية التي تُميز القيادة الفلسطينية العُليا: الانقطاع وعدم الإصغاء للواقع الحقيقي اليومي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني"

محمود عباس يُحرج نفسه ثانيةً. كرر أبو مازن، خلال خطابه أمام البرلمان الأوروبي، الترهات ذاتها التي وردت في “الخبر” الذي انتشر في وسائل الإعلام الفلسطينية قبل أيام، والذي جاء فيه أن ” رئيس مجلس المستوطنات” أمر بتسميم مياه الشرب وآبار الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد غيّر الرئيس الفلسطيني العبارة لتُصبح “قبل أسابيع فقط، طلب بعض الحاخامات في إسرائيل من حكومتهم أن تُسمم المياه لقتل الفلسطينيين”.  بعد يوم واحد فقط تراجع عن تصريحاته من خلال بيان صدر عن ديوانه.

ولكن، ضرر قد حدث: اتُهِم عباس بالترويج والتحريض معاد للسامية – تُهمة مُستهلكة ومتوقعة تُبعد الأنظار عن الظواهر الخطيرة الحقيقية التي تُميز القيادة الفلسطينية العُليا: الانقطاع وعدم الإصغاء للواقع الحقيقي اليومي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، غياب التنسيق وتبادل المعلومات والأفكار بين وزارات السلطة والسلطة التنفيذية، الاعتماد على مُقربين مُتملقين وعلى الإعلام المحلي، الذي لا يتحقق من المعلومات، وفي أحيان كثيرة لا يُدقق في معلوماته، ويُبالغ أيضًا عندما تكون الحقيقة عن سياسة إسرائيل وذات طابع تجريم كبير.

ووفق وكالة “رويترز” للأنباء، لم تكن الجُملة التي قالها مُتضمنة في النسخة الرسمية لخطابه (المُمل وغير الواضح)، الذي وزعه ديوانه مُسبقًا. يبدو أن ذلك كان مُرتجلاً، كما الحال في اجتماعات حركته أو لقاءاته مع الطلبة الجامعيين الإسرائيليين، عندما صرح أن “التنسيق الأمني مُقدس”. وفق ما ورد في “نيويورك تايمز”، فإن ذلك “الخبر” قد ظهر في موقع أحد مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية (لم يُذكر أي واحد منها) ومن هناك وصل إلى موقع وكالة الأنباء التركية الرسمية “أناضول” وإلى صحيفة في دبي. رصد مركز متابعة وسائل الإعلام الفلسطينية تقريرًا بثه التلفزيون الفلسطيني الحكومي بتاريخ 20 حزيران، جاء فيه أن جمعية حقوق المواطن في إسرائيل “كشفت” عن فتوى أطلقها حاخام اسمه شلومو ملمد. ولكن ليس هناك مجلس اسمه مجلس المستوطنات، ولا يوجد حاخام اسمه شلومو ملمد، وحتى أن جمعية حقوق المواطن في إسرائيل لم “تكشف” ما قيل إنها كشفت عنه- هذا ما توصلت إليه صحيفة “جيروزاليم بوست” (كما أورد مركز مُتابعة وسائل الإعلام الفلسطينية).

لو كان عباس على اطلاع على الواقع، لتحدث في بروكسل عن الماء، المشكلة المُلحّة التي يواجهها شعبه في فصل الصيف، كتوضيح للواقع اللامعقول الذي يعانيه الفلسطينيون: كان يمكن أن يقول “نحن (ومعنا أوروبا)”، “مُتمسكون باتفاق أوسلو بعد 17 سنة من انتهاء مدته، كممر لإقامة دولة فلسطينية. ولكن، انظروا كيف تستغل إسرائيل صبرنا لتستمر بفرض سياسة الخصخصة غير الإنسانية لمصدر المياه الوحيد الذي لدينا” (أصبح الإسرائيليون اليوم يستغلون 86% من مخزون المياه الجوفية في الجبل. الكمية القليلة المُتبقية – 14% – تُرمى للفلسطينيين). كان يُمكن أن يتحدث عن شركة “مكوروت”، التي تُقنن من كمية المياه المُخصصة لمنطقة سلفيت من أجل تأمين الطلب المتزايد على الماء في المستوطنات، بدلا من التحدث عن تسميم المياه.

صحيح، هناك الكثير من الحاخامات الذين قالوا أقوال مريعة عن العرب أو عن غير اليهود عموما. وكذلك، في إطار تنكيل مواطنين إسرائيليين يهود في القرى الفلسطينية في الضفة الغربية – في الماضي أيضًا واجهنا هذه الطريقة المُتمثلة بإلقاء الجيف في آبار الماء (سواء كان فيما يخص مُجمع مياه الأمطار في قرية خروبة في جنوب جبل الخليل، أو في بئر مياه الينبوع، في مادما، جنوب نابلس). ولكن، يكفي القليل من المنطق لإدراك أن ذلك “الخبر” خال من الصحة. يشرب اليهود والفلسطينيون من مجمع المياه ذاته. إن “تسميم المياه” معناه الإضرار بالجميع. يُمكن للقليل من الوعي التاريخي أن يفيد هنا، ويجعل عباس ينتبه عندما يستخدم الكلمات ماء، تسميم، يهود.

ولكن، هكذا الحال عند الاعتياد على مفهوم الحاكم الواحد الذي هو الآمر الناهي، الذي يخرق قرارات القيادة العامة (وغير المُنتخبة)، التي ترفض المرة تلو الأخرى إجراء انتخابات في فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، والذي يستفيد من صمت البرلمان والذي لا يسمح بوجود عملية ديمقراطية لانتخاب وريث أو ورثة، ليوفر على شعبه فراغًا خطيرًا في السلطة عندما يرحل.

تم نشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

 

اقرأوا المزيد: 583 كلمة
عرض أقل
مواجهات في جامعة بيرزيت مع الجيش الإسرائيلي خلال الإنتخابات (بيرزيت فيس بوك)
مواجهات في جامعة بيرزيت مع الجيش الإسرائيلي خلال الإنتخابات (بيرزيت فيس بوك)

لماذا أخرجوني من جامعة بيرزيت؟

تُثبت موجة الاحتجاجات التي أثيرت وقت استبعادي الأسبوعَ الماضي أنّ الكثيرين يعارضون المنطق من وراء مقاطعة كل يهوديّ-إسرائيليّ. هذا ليس شخصيّا، وأيضا ليس منطقيّا

بادرت مؤسسة “روزا لوكسمبورغ” إلى جانب مركز التنمية في بيرزيت بعقد مؤتمر بعنوان: “بدائل للتطوير الليبرالي-الجديد في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة”. وفي يوم الثلاثاء، خلال المحاضرة الأولى، توجّهت إلي في غضون عشر دقائق مُحاضِرتان من المركز، وطلبتا مني الخروج لأنهما تريدان محادثتي. طلبت الانتظار حتى حلول وقت الاستراحة، ولكنني خرجت عندما طُلب مني ذلك للمرة الثالثة وبإلحاح شديد. “إذن ماذا، أممنوع لي أن أكون هنا؟”، سألتُ بشبه مزاح، فأجابت المُحاضِرة أنّ هناك مشكلة بالفعل.

عندما سجّلت أثناء الدخول قمتُ، إلى جانب تسجيل اسمي، بكتابة اسم “المؤسسة” التي أنتمي لها: هآرتس. وهنا، قالت المُحاضِرة إنّ هناك منذ حوالي 20 عامًا قانونا في الجامعة ينصّ على منع الإسرائيليّين (اليهود الإسرائيليّين) من البقاء في حدودها.

إذ لاحظت الطالبات عند مكتب التسجيل أنّه قد كُتِب “هآرتس” في النموذج، وتسابقْنَ من أجل إبلاغ سلطات الجامعة. فقد قالت إنّ وزارة الدفاع قد توجّهت إلى منظّمي المؤتمر. حيث قالت لي أيضا، إنّنا قلقتان من أن يشنّ الطلاب احتجاجاتٍ في المؤتمر بسبب وجودي.

لم أرَ من مكان وقوفنا، في قاعة الدخول للمبنى، جماهيرَ طلابية تهرع نحوي. ولكن عندما اتصل بي أصدقاء (بما في ذلك مُحاضرون) بعد ذلك، من أجل توضيح ما حدث – أيقنتُ حينها أنّ هذه هي الإشاعة المنتشرة: الطلاب قاموا بمهاجمتي. لذلك، وبهدف التوضيح: هذا ليس ما جرى. طلبت كلتا المُحاضرتيْن منّي أن أغادرَ المكان. فغادرتُ.

أوضحت إحداهما أنّه من المهم للطلاب أن يكون هناك مجال أو مساحة آمنة واحدة من غير المسموح للإسرائيليّين (اليهود الإسرائيليّين) الدخول إليها؛ وأنّ هناك إشكاليّة في القانون ولكن هذا ليس الوقت أو المكان المناسب لمناقشة إجراء التغييرات؛ وأنّها تستطيع أيضا أن تقلّني على سبيل التساهل والهبة، كما يستطيع محاضر آخر القيامَ بذلك من أجل يوسي بيلين؛ الذي دُعيَ لإلقاء محاضرة عندهم، ولكن مُحاضرته أقيمت خارج الحرم الجامعي وذلك تماشيا مع القانون.

قالت مُحاضِرة أخرى بأنّني لو لم أكتب “هآرتس” لاستطعتُ البقاءَ. محاضِرة أخرى أعرفها مذ 40 عاما أوضحت قائلة: “هذا من أجل حمايتك” (من الطلاب). حينها خطرَ على بالي التصوّرُ الإسرائيليّ الشائع عن الفلسطينيّين: متهوّرين وغير عقلانيّين. وغادرتْ مواطنة فلسطينيّة إسرائيليّة أخرى، حضرت إلى المُؤتمر، وذلك بسبب شدة اشمئزازها، على حد تعبيرها، من استبعادي.

صور تخريج طلبة الفصل الصيفي (Facebook)
صور تخريج طلبة الفصل الصيفي (Facebook)

حاليا تمّ إعلام كاتيا هيرمان، مديرة مؤسسة روزا لوكسمبورغ في الأراضي المحتلة، عن هذه الفوضى التي جرت. على الرغم من موافقتها على أهمية المساحة الآمنة، كما هو قائم في حركة النضال للمساواة بين الجنسين، إلّا أنّ هيرمان استصعبت إدراك سبب عدم إمكانية الشرح والتوضيح للطلاب المُحتجّين (“الذين لا أراهم أبدا”، مُشدّدةً) أنّ التطهير هنا يُخطئ الهدف.

يتمّ استدعائي على نحو ثابت إلى المناسبات الخاصة بـ”روزا”، كما يُطلق على المؤسّسة بكل مودّة. حيث قالت هيرمان، التي أصيبت بصدمة، إنّها لم تعلم بهذا القانون وبقرار استبعادي عن المؤتمر (كما سمِعَت)، وبأنها لا توافق على تنفيذه في نطاق الحرم الجامعي.

في العشرينَ عام التي مضت، دخلتُ عشرات المرات إلى بيرزيت. جئتُ كشاهدة ومُصغية للمُؤتمرات الأكاديميّة المُختلفة. أجريْتُ مُقابلات مع مُحاضِرات ومُحاضِرين داخل الحرم الجامعي وخارجه. على سبيل المثال حول تاريخ المُجتمعات في بقعة التي تعمل إسرائيل على التخلص منها وإقصائها.

وقبل عام، رفض مُحاضرٌ في مجال الاقتصاد إجراءَ مُقابلة، وقال لي: “الأمر ليس شخصيّا. لكنكِ تعرفين القوانين”. لم أكن أعلم أنّ هناك قانون يمنع إجراء مقابلات لصحيفة “هآرتس”.

معروف أنّ الجامعة ترفض قبول يهود-إسرائيليّين إلى طاقمها، حتى لو كانوا من اليسار المُناهض للصهيونيّة. ففي عام 1998 تمّ رفض طلبي للتعليم في فرع اللغة العربيّة. (قال حينها إياد “المتهكم” من غزة: كيف سيقبلونكِ ولديكِ لهجة غزاويّة كهذه؟).

جامعة بيرزيت (Facebook)
جامعة بيرزيت (Facebook)

لكن لم يتمّ إعلامي قط بوجود قانون جامعيّ يمنع وجودي في الحرم الجامعي، كيهوديّة إسرائيليّة. حُجّة إخلاء المكان التي طُبّقت عليّ بصفتي مُمثّلة لمؤسسة إسرائيليّة (“هآرتس”) كانت صاعقة. حيث أنّ أمر كهذا لا يُطبّق على فلسطينيّين من مواطني إسرائيل يُدرّسون في جامعات إسرائيليّة. لوعلمتُ بوجود هكذا قانون لما هممتُ بالمجيء إلى المؤتمر. فكما هو معروف، أنا أقوم باستثمار طاقاتي الهدّامة في مسارات وأفق أخرى.

أنا أقوم بالكتابة عن هذه الواقعة خصوصا لأنّني لم أعتبر استبعادي وحقيقة وجود مُحاضِرين يختبئون وراء طلاب غاضبين بشدّة، ووراء قانون لا يدري الكثيرون عن وجوده، أمرًا شخصيّا. حسبَ رأيي، كان من اللائق أكثر أن يتمّ إخباري بشكل صريح: لا نفرّق بين معاضدين ومناهضين للاحتلال، بين مَن تنقل تقريرا عن سياسة ترحيل البدو ومَن يطبّق ذلك على أرض الواقع. بالنسبة لنا، كل يهوديّ-إسرائيليّ مكانه في الخارج.

طالبَت في جلسة مُلخّص المُؤتمر يومَ الأربعاء مُحاضِرةٌ (من فرع دراسيّ آخر) النقاشَ بقضية استبعادي ومقاطعة ناشطي اليسار في إسرائيل. أبدَت هي وآخرون، لم يكونوا حاضرين وقتَ وقوع الحادثة، صدمةً واحتجاجا. فعندما قيل إنّ الأمر بهدف “حمايتي”، خرجَ البعضُ من القاعة غاضبين.

وفي موقع التواصل الاجتماعي – الفيس بوك – قامت ثورة غضب كبيرة. هناك معارف يتّصلون بي ويعتذرون. إذ طالبَ صاحب البقالة “الاعتذارَ لي باسم الشعب الفلسطينيّ أجمع”. وفي يوم السبت تمّ نشر بلاغ رسميّ من الجامعة كُتب فيه، إلى جانبِ ما كُتب: “ليس هناك أيّ معارضة من قِبل الإدارة لوجود الصحفيّة هاس. فإنّ الجامعة كمؤسسة وطنيّة تُفرّق بين رِفاق الشعب الفلسطينيّ وأعدائه… وتتعامل مع كلّ شخص ومؤسسة يُناهضون الاحتلال”.

أنا أتفهّم الحاجة العاطفيّة للشعب الفلسطينيّ في إقامة مساحات لا تطؤها أرجل المواطنين التابعين للدولة التي سلبت حقوقهم وتُجرّدهم من أراضيهم. وكامرأة ذات مبادئ يساريّة، فأنا أتحفّظ على منطق المُناهضَة للاستعمار الذي يقضي بمُقاطعة ناشطين يساريّين يهوديّين-إسرائيليّين. على أيّ حال، هؤلاء المذكورون أخيرا لا يبحثون عن مُذكّرة سماح من أجل مُعارضة الاحتلال ونظام الامتيازات اليهوديّ والعمل على إقصائه.

نُشر المقال أولا في موقع “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 825 كلمة
عرض أقل