في الأسابيع الأخيرة تستمر الأوضاع في لبنان بالتدهور والسلطة لا زالت تفقد السيطرة في مجالات عديدة وواسعة. الحرب في سوريا تؤثر بشكل مباشر على مستوى الأمن داخل لبنان، وهذا الأمر يتراجع تدريجيا لدرجة إطلاق تحذيرات من بعض الدول لمواطنيها تطالب عدم السفر إلى لبنان.
تجاوزت مؤخرا أحداث العنف، وللمرة الأولى، الخطوط التي لم يتم تجاوزها من قبل في إطار الصراع بين مؤيدي نظام الأسد ومعارضيه في لبنان. تسريع وتيرة العنف كان بسبب إعلان أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في شهر أيار الأخير، أن حزبه متورط بالحرب في سوريا وسيستمر بذلك “بقدر ما يتطلب الأمر”، خلافا لموقف جميع التيارات في لبنان. منذ ذلك التاريخ دأب نصر الله على التأكيد بأن مقاتليه يحاربون في سوريا وحتى أنه قال أنه مستعد للمشاركة في الحرب هناك بشكل شخصي.
موقفه هذا أثار حفيظة ليس فقط الشخصيات اللبنانية السياسية من كافة الأطياف في لبنان فحسب، بل أيضا رجال دين مرموقين خارج لبنان. الأبرز بينهم هو يوسف القرضاوي، العلامة الأكثر تأثيرا اليوم بين طائفة السُنة، والذي طالب كل سني بالذهاب إلى سوريا ولبنان لمحاربة نظام الأسد وحزب الله. على هذه الخلفية زاد الخلاف والانشقاق السني ـ الشيعي في لبنان، والذي لا يتمثل فقط بالانقسام بين التيارين السياسيين المركزيين (“الثامن من آذار” الشيعي “والرابع عشر من أذار” السني)، بل كذلك النزاع المسلح في مدينة طرابلس، عمليات الاختطاف المتبادلة، إطلاق القذائف على لبنان من قبل الجيش السوري والمعارضة، ومؤخرا التفجيرات التي لحقت بأهداف تخص معاقل حزب الله احتجاجا على مشاركة الحزب بالقتال في سوريا.
بعد أشهر طويلة من التهديدات الكلامية ضد حزب الله من جانب جهات من المعارضة السورية وتنظيمات سنية سلفية في لبنان، ترجمت تلك التهديدات في الأسابيع الأخيرة إلى تفجيرات داخل معقل حزب الله في منطقة الضاحية الجنوبية في بيروت العاصمة. في شهر أيار الأخير أطلقت قذائف تسببت بإتلاف ممتلكات، في تموز، ليلة رمضان، انفجرت سيارة مفخخة قرب سوبر ماركت وأدى ذلك إلى إصابة العشرات، وفي آب انفجرت سيارة مفخخة أخرى وقتلت 25 شخصا وجرحت المئات. استنادا إلى إحصائيات لبنانية، تلك التفجيرات أدت إلى تغيير كبير بالإحساس بالأمن لدى الشيعة في الضاحية الجنوبية والاحتياطات الأمنية المشددة المتبعة هناك تؤثر على سير الحياة اليومية. قال مواطنون أن الإحساس أشبه بالوضع في العراق عند زيارتهم للأماكن المقدسة ـ انعدام الأمان وتوقع حدوث انفجار في أي لحظة. الرد لم يتأخر في نهاية الأسبوع الماضي ، مع انفجار سيارتين مفخختين وقت صلاة الظهر يوم الجمعة قرب مسجدين في مدينة طرابلس، والذين يعتبران من معاقل التيار السلفي في لبنان. ذلك التفجير كان هو الأعنف في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، والذي حصد 45 قتيلا ومئات الجرحى.
حدث آخر غطى هذا الشهر على سلسلة الأحداث الأمنية اليومية في لبنان وهو اختطاف قائد طائرة وطيار مساعد تابعين لشركة الطيران التركية. يبدو أن هذا الاختطاف يشكل محاولة ثانية من قبل الشيعة في لبنان للضغط على الحكومة التركية للقيام بإطلاق سراح الشيعة التسعة المختطفين من قبل أحد تنظيمات المعارضة السورية منذ 2012. تركيا، كما يذكر، كانت الراعي الأساسي لمعارضي نظام الأسد في سوريا، ولهذا تشكل هدفا لممارسة ضغط من قبل عائلات المخطوفين اللبنانيين.
لهذه الأحداث، وأحداث أخرى لا تتسع هذه الورقة لذكرها، قاسم مشترك واضح – ضعف سلطة النظام المركزي في لبنان. الحوادث التي ذكرت أعلاه تقع في خضمّ أزمة سياسية تحول دون قدرة السلطة المركزية في لبنان من القيام بوظيفتها. استقالت حكومة لبنان في آذار الأخير ومنذ ذلك الحين لا يوجد أي توافق على إقامة حكومة جديدة. مجلس النواب لم ينعقد بشكل منتظم منذ شهرين بسبب عدم اتفاق أعضائه على جدول أعمال المجلس. الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في حزيران تم تأجيلها إلى شهر تشرين الثاني 2014 بسبب عدم وجود اتفاق على طريفة الانتخابات. جهاز الأمن الداخلي اللبناني يدار من قبل قائم بالأعمال منذ شهر نيسان، وولاية رئيس الأركان تم تمديدها في اللحظة الأخيرة، وسط تجاذبات سياسية، بقرار إداري. هذا الوضع يجعل من الصعب وجود حكم فعال، والذي يشكل أيضا مشكلة مفهومة حسب الطريقة اللبنانية، لأن هناك حاجة لوجود توافق مذهبي كشرط أساسي لمشاركة الطوائف في اللعبة السياسية.
غياب “رب البيت” في لبنان يعجل عدم الاستقرار الأمني ويخدم مصلحة حزب الله. تعتبر مكانة رئيس الحكومة أو رئيس الدولة كمكانة أي جهة أخرى في الحلبة السياسية. لذلك، “بيان بعبدا” من حزيران 2012، والذي اتفقت عليه كل التيارات السياسية المركزية والذي تمحور حول عدم التدخل وحيادية لبنان بكل ما يتعلق بالأحداث في المنطقة وخاصة الأزمة السورية – لم يعد صالحا. لا يوجد “رب بيت” يمكنه إحلال النظام ومعاقبة من وافقوا على البيان ولكنهم يتصرفون بخلاف ماهية ذلك الاتفاق تماما.
هذا التحليل المثير هو لأحد الكتاب الأكاديميين العاملين في موقع “Can Think”، والمختص في شؤون الشرق الأوسط. ونضيف أن الموقع “Can Think” هو مشروع مستقل، لا يمت بصلة إلى أي جهة سياسية أو اقتصادية، ويعمل بموجب نموذج اشتراكي. الكُتاب والعاملون في الصحيفة هم أكاديميون، يقدمون تحليلات موضوعية من منظور بحثي.