أشعر من الصعب عليّ أن أكتب هذا المقال ردًا على مقال للكاتبة الإسرائيلية، رافيت هيخت، نشر بتاريخ 26.08.16 (على صحيفة هآرتس)، تحت عنوان “إرهاب البوركيني”. استهلت هيخت مقالها قائلة: “إن الميل التلقائي، الخالي من المُراعاة والاحترام، هو دعم الفكرة أو على الأقل المنطق ورائها”. إذا أحسنت فهم أقوالها جيّدًا، وفق وصفها الذي جاء بعد زيارتها إلى شاطئ مدينة تل أبيب، وكتبت أن “غالبية قاصديه هم عرب”، فإنها تؤيد تحرير المرأة من قيود “آداب الشريعة”. إلا أن المشكلة لا تكمن في الاحتشام.

لدي ميل لدعم الفكرة أيضا، ولكن ليس تلقائي ولا فظ. إنه يستند إلى مبدأ مقدس أكثر: إذا كانت النساء ترتدين البوركيني نزولا عند رغبتهن، فإن رغبتهن تفوق كل اعتبار آخر، تقريبا. وقبل أن أتابع أقوالي، أعترف: ترتدي زوجتي لباسا إسلاميا تقليديا (حجابا وغطاء الرأس) خلافا لرغبتي، ولكن تفوق رغبتها رغبتي في هذا الموضوع.

ولكن السؤال الكبير الذي يُطرح هنا فيما يتعلق بمعظم النساء اللواتي يرتدين اللباس الشرعي التقليدي، بأنماط مختلفة، والتي سأتطرق إليها لاحقا، هل ارتداء هذا اللباس هو نزولا عند رغبتهن؟ بصفتي وُلدتُ في هذا المجتمع، والذي لم يكن مجتمعا متديّنا في ذلك الحين، ولأنني أعيش فيه ويقظ للأحداث التي تطرأ عليه، أعرف أن الإجابة سلبية، لمزيد الأسف، لأن النساء يعملن وفق رغبة الرجال. يجدر الذكر أن جزءا من الرجال الذين يفرضون رغبتهم على النساء، يخضعون بأنفسهم لسطوة الضغط الاجتماعي بأشكال مختلفة، بدءا بصديق صاحب نفوذ في العائلة الموسّعة، والذي من المرجح أنه كان غالبا شابا منبوذا في شبابه، وقد ارتد إلى الدين، وبدأ يدبُّ الإرهاب من حوله، وانتهاء بممارسة الضغط الاجتماعي عامة.

يمكن أن نستعرض هنا دلالتين مؤكدتين من دون إجراء استطلاع واسع حول رغبة النساء. الدلالة الأولى: يبدأ جزء من النساء اللواتي يرتدين لباسا “محتشما” في الفرصة الأولى التي تُسنح لهن بارتداء الملابس وفق النمط الغربي. يظهر ذلك بشكل خاص في أوساط الطالبات الجامعيات اللواتي ينحدرن من بلدات يُمارس فيها ضغط اجتماعي قوي مثل مدينة أم الفحم. ولا شك أن كل من سافر إلى مدينة أنطاليا قد لاحظ العشرات من هؤلاء النساء الإسرائيليات اللواتي أصبحن يرتدين، على نحو سحري، بنطال الجينس الملتصق بجسدهن بدلا من العباءة النسائية. الدلالة الثانية: هناك صرعة أصبحت دارجة في أوساط النساء وهي اللبس وفق نمط يتيح التمتع بكافة أنماط اللباس في الوقت ذاته: تغطية كل الجسم بلباس ملتصق بالجسم جدا، وتغطية الرأس بوشاح. العقلية عقلية الدكتور عمر خالد والجسم جسم عمرو دياب.

تعمل النساء والرجال الذين يسيّطرون عليهن على حد سواء، للوهلة الأولى، وفق نمط اللباس المحتشم هذا بموجب الوصايا الدينية الإسلامية، ولكن ليست هناك كذبة أكبر من هذه الكذبة: إن هذا اللباس بعيد جدا عن أن يستوفي معايير الاحتشام وفق الدين. تتطرق أحكام الشريعة الإسلامية إلى اللباس في سورة الأحزاب (33) الآية 59 في القرآن الكريم، والتي تفرض لبس الجلباب بهدف ستر جسد المرأة. وهذا هو الهدف تماما. يحظى غطاء الرأس بأهمية أقل وفق أحكام اللباس المحتشم في الشريعة.

يُنظر إلى هذا اللباس في جزء من المجتمع العربي الإسلامي على أنه تستر على سلوك يُعتبر منبوذا. إذا طُرِح السؤال حول ظاهرة سفاح القربى في المجتمع العربي، فستكون الإجابة أنها تحدث قليلا. ولكن الظاهرة منتشرة بشكل خاص لدى النساء اللواتي يرتدين لباسا مثل البوركيني، فإن الزوجة الشابة ابنة العشرين عاما، المتزوجة من عجوز عمره ثمانين عاما، قد تُمارس الجنس مع أولاده من نسائه الأخريات. ولكن يجب عدم التصريح عن هذه الظاهرة بصراحة.

كلما كان المستوى الثقافي والاجتماعي – الاقتصادي أعلى، يكون ارتداء اللباس التقليدي أقل. في ثمانينات القرن الماضي، عندما غمرت الحركة الإسلامية البلدات العربية المسلمة في إسرائيل، بدأ الكثير من النساء بارتداء اللباس التقليدي “وفق رغبتهن” أو رغبة الآخرين”. وفي تلك الفترة، سُكبت مادة حامضية على أقدام النساء من مدينة أم الفحم اللواتي كشفت التنانير التي كنّ يرتدينها عن جسدهن وهو أمر محظور. ولكن لمزيد من الدهشة، فقد تم التعامل في أجزاء معيّنة من المدينة، في أوساط العائلات المرموقة، مع ذلك “التزمت” بتسامح، وكان يُمكن أن نلاحظ في أحياء معينة إقامة حفلات زفاف تشارك فيها نساء وهن يرتدين لباسا مكشوفا يليق بفتيات غربيات أن يرتدينه.

وقد وقع اختيار النساء ذات مكانة اجتماعية عالية على ارتداء لباس تقليدي، فقط للـ “تظاهر” – ارتدت النساء تنانير قصيرة مع شق في الجهة الخلفية، وغطاء رأس يغطي الشعر جزئيا، وإذا كان يكشف الجزء العلوي من الملابس عن جسد المرأة فلا بأس. نادرا ما ترتدي النساء المستقلات اقتصاديا، الحاصلات على تعليم عال، وذوات شخصية قوية لباسا تقليديا.

إن الجزء الأخطر في “إرهاب البوركيني” الذي يمارسه الرجال على النساء اللواتي يخضعن لرغباتهم، هو ما اقتبسته الكاتبة هيخت من أقوال طالبتها التي اختارت ارتداء اللباس التقليدي لأنها قد عانت من ممارسة “قمع متواصل وتربية متخلّفة”. يمكن ممارسة قمع كهذا بسهولة في الأحياء التي تعيش فيها أقلية مسلمة في أوروبا والتي وصلت إليها من خلال المخاطرة الكبيرة بحياتها، من أجل العيش في مجتمع حر ذي أمان اقتصادي. لماذا ترغبون في العيش في الأحياء الخاصة ولا ترغبون في الانخراط في المجتمع العام؟ لماذا تريدون أن تحضروا ثقافة أفغانستان إلى باريس، فأنتم قد هربتم من الجحيم؟ لماذا تتجاهلون حق المجتمع الغربي في الحفاظ على طبيعته وقيمه؟ فأنتم قد وصلتم إليه بمحض إرادتكم، وعليكم أن تعملوا وفق المثل القائل: “من عاشر قوما 40 يوما صار منهم”.

الكاتب هو كيميائي وصاحب عامود رأي في صحيفة “هآرتس

اقرأوا المزيد: 805 كلمة
عرض أقل