إن الاختلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة في قضية الإجابة على التحدي النووي الإيراني خرج هذا الأسبوع من الغرف المغلقة ليتصدر عناوين الصحف وليشكّل تضاربًا واضحًا على محطات التلفاز. ثمة هدف استراتيجي مشترك للولايات المتحدة وإسرائيل وهو منع تسلح إيران بالسلاح النووي. مع ذلك يوجد بينهما فارق ضخم في من حيث السؤال كيف يمكن التوصل إلى هدف توقيف تسلح جيش إيران بالسلاح النووي ؟، ما هي الاستراتيجية السليمة في هذه اللحظة ؟، وإلى أين ستؤدي الاتفاقية الأولية التي ستقف في مركز الجولة الثانية من المحادثات في العشرين من تشرين الثاني من عام 2013.

توافق الدولتان على أنه فقط يدان ضاغطتان يمكنهما تغيير الاستراتيجية الإيرانية، الموجهة نحو القدرات النووية العسكرية: ذراع العقوبات وذراع التهديد الجاد بالهجوم العسكري. رغم ذلك، توجد بين الدولتين فوارق كبيرة في تقديرهما حجم، نجاعة وتوقيت تشغيل الذراعين.

أولا، من المهم التوضيح أن هدف المفاوضات في جنيف في هذه الأيام، هو التوصل إلى “اتفاقية خطوة أولى”، وليس للاتفاقية “النهائية الشاملة” التي يجب التوصل إليها في المستقبل بعد ستة أشهر أخرى من المفاوضات.

يرى الأمريكيون في “الاتفاقية الأولية” ممرًا للمفاوضات حول الاتفاقية الكاملة والنهائية واختبارًا جديًا لتغيير السلوك الإيراني بعد انتخاب روحاني. من وجهة نظرهم، هنالك أهمية لتحسين الجو وتشجيع القوى “المعتدلة” في إيران. هنالك أيضًا تقدم في حقيقة توقيف تأسس وتقدم البرنامج النووي الإيراني، للمرة الأولى منذ عام 2003. إن البديل لعدم التوصل إلى اتفاقية، بنظر الأمريكيين، هو استمرار التقدم الإيراني نحو القنبلة. وفقًا لأقوال كبار المسؤولين في الإدارة فإن الثمن الذي سيدفعونه في تخفيف العقوبات هو منخفض. وفق تقديراتهم، فإن ذراع العقوبات ستبقى أيضًا بعد التخفيف: ستبقى العقوبات المركزية حول تصدير النفط وعلى القطاع المالي سارية المفعول وستستمر في كونها ذراعًا حقيقية، كذلك بعد تخفيف العقوبات، وقبيل تشكيل الاتفاقية النهائية.

محادثات جنيف بين إيران والدول العظمى (AFP)
محادثات جنيف بين إيران والدول العظمى (AFP)

من جهة أخرى، من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، فإن الخطوة الأمريكية خطيرة وخاطئة. تلاحظ إسرائيل طموحًا أمريكيًا للتوصل إلى اتفاقية بأي ثمن تقريبًا، وإمكانية إضاعة فرصة تاريخية لرفع تحصيلات ضغط العقوبات الشاملة، التي تم فرضها على إيران في السنة الأخيرة. إضافة إلى ذلك، يخشى الإسرائيليون من أن تخفيف العقوبات هو أمر هام وسيقلل الضغط على إيران وربما سيسبب حتى في انهيار نظام العقوبات، لأن “الكثير من الدول الأعضاء ستسارع في إقامة مشاريع في إيران”. والأسوأ من ذلك كله هو التقدير بأنه في هذا السيناريو سيبقى الأمريكيون دون ذراع في المفاوضات التالية لتحصيل “الاتفاقية النهائية”. من وجهة نظر الإسرائيليين، هنالك خوف كبير من أن لا تتوصل الدول العظمى إلى “اتفاقية نهائية” مع إيران، كذلك بعد مرور ستة أشهر. إن الإيرانيين، متحررون من ضغط العقوبات، وسيعودون إلى النشاط الكامل في الشأن النووي الخاص بهم على جميع جوانبه، ومنها مستويات تخصيب متوسطة وحتى أعلى من 20%، إضافة الآلاف من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، تشغيل الفرن بأراك وحتى تطوير مركبات في البرنامج النووي.

المنشأة النوويّة في أراك (مصدر الصورة: ويكيبيديا)
المنشأة النوويّة في أراك (مصدر الصورة: ويكيبيديا)

يثير تحليل الموقف الأمريكي لدي قلقًا كبيرًا، لأن الأمريكيين لن يكونوا مستعدين للتوصل إلى إمكانية تشغيل أذرعهم في حال فشل المحادثات بعد ستة أشهر. زيادة على ذلك، يبدو أنهم لن يعلنوا عن فشل عملية المفاوضات مع إيران حتى لو لم يتوصلوا إلى اتفاقية. هنالك خوف أن تتحوّل الاتفاقية الأولية إلى اتفاقية ثابتة التي يجدر تعريفها بشكل قاطع على أنها اتفاقية سيئة للغاية. إن معنى الاعتراف بفشل المفاوضات هو الاختيار ما بين إمكانية تشغيل الإمكانية العسكرية وهي خطوة يبعد عنها الأمريكيون منذ البداية حتى الآن، وبين إمكانية تقوية منظومة العقوبات، بحيث “تدفع” إيران، ما يخشونه، إلى المضي نحو القنبلة. التخوف من حرب ثالثة في الشرق الأوسط، صدمة الحروب الطويلة وغير الناجحة في العراق وأفغانستان وعدم ثقة الأمريكيين بالإمكانية العسكرية لخطوة جوية، مركزة وجراحية، يخفض بشكل مقلق موثوقية الذراع العسكرية أمام إيران. الجدالات المقبولة اليوم في واشنطن هي: “ستؤدي العملية العسكرية، على أية حال، إلى عملية دبلوماسية، حيث أنه من الصواب الانتقال مباشرة إلى الدبلوماسية” و”ستؤجل العملية العسكرية البرنامج فقط ولن توقفه”. تعزز هذه الادعاءات القلق في إسرائيل من توطيد الميل إلى قبول إيران نووية وتقوية الداعمين لاستراتيجية “التخفيف والردع”. يمكن التقدير أنه إذا لم يتم تجسير عدم الثقة بين الدولتين وإذا استمرت موثوقية الأذرع الأمريكية للتوصل إلى حلول دبلوماسية في التآكل، فإن الاحتمال العسكري الإسرائيلي، كالرد الوحيد على تحدي البرنامج النووي الإيراني، سيعود ليصبح ذا صلة.

وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ويندي شيرمان (AFP)
وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ويندي شيرمان (AFP)

ثمة أهمية كبيرة لإعادة الملائمة الاستراتيجية والتكتيكية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل بلوغ الهدف المشترك لإيقاف امتلاك إيران للسلاح النووي. إنه في غاية الأهمية، أن يتم إرجاع الثقة بين الدولتين على مستوى الرقابة رفيعة المستوى، الرئاسي وخاصة على مستوى القيادة. فيما يلي سبع توصيات لسياسة في حال تم تنفيذها سيكون لها إسهامًا فعليًا لبلوغ الهدف المشترك:

  1. من المهم أن توضح الولايات المتحدة وإسرائيل الاختلاف الذي بينهما بشأن تفاصيل “الاتفاقية الأولية”. على الولايات المتحدة أن توضح لإسرائيل ما هي التسهيلات في العقوبات، التي يتم تداولها الآن، وهل تتجاوز بشكل ملموس تلك التي تم عرضها أمام إسرائيل. إن التوضيح مهم لإعادة الثقة بين الطرفين. إن تبادل الاتهامات حول السؤال فيما إذا كانت إسرائيل تعرف الاتفاقية لا يعزز الثقة بين الدولتين ولا يساهم بإجراء محادثات موضوعية في مسألة الاتفاقية الأولية وتأثيرها على الاتفاقية النهائية. الشفافية في العمل وإعلام إسرائيل بتفاصيل المفاوضات ضرورية لتحويل الحديث من محطات الأخبار إلى غرف صناعي القرار وإلى خطوط الاتصال السرية.
  2. يجب التأكد من أنه في الاتفاقية الأولية المقترحة، يتم شمل كحد أدنى، تحويل كل اليورانيوم المخصب إلى نسبة 20% بحيث لا يمكن للإيرانيين استخدامه لتحويله إلى سلاح؛ إيقاف إنشاء الفرن البلوتوني؛ عدم تشغيل الأجهزة الطاردة من المراكز المتطورة؛ وتعزيز التفتيش وفق البروتوكول الإضافي. من دون هذه المركبات، ليست هنالك أهمية “لتوقيف الساعة النووية” الإيرانية. كذلك من المهم التأكد أن تخفيف العقوبات، الممنوح للإيرانيين في نطاق الاتفاقية، قابل للانقلاب، وأنه لا ينهك بالفعل نظام العقوبات ولا يضعف الذراع المركزية المتبقية، مما سيتيح تغيير الاستراتيجية الإيرانية في المستقبل.
  3. من المهم أن توضح الولايات المتحدة أن “الاتفاقية الأولية” لا تمنح إيران شرعية لنشاطاتها النووية. هنالك خوف كبير أن الاعتراف باستمرار النشاطات الإيرانية يشكل انسحابًا من متطلبات المجتمع الدولي، كما تجسد في قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة 1773، طلب فيه من إيران إيقاف نشاطها النووي بكامله فورًا.
  4. من المهم أن توضح الولايات المتحدة أن “الاتفاقية الأولية” سارية المفعول فقط لستة أشهر ولن تستمر العملية دون قيد زمني. من الضروري أن تعرف إسرائيل وواشنطن معايير “النجاح” أو “الفشل” في الاتفاقية النهائية، وهي اتفاقية يصح أن يتم توجيه كل الاهتمام والطاقة الدبلوماسية نحوها. من المهم أن نبقى على “الصفحة ذاتها” في القضايا المركزية السبع للاتفاقية النهائية: مستوى التخصيب في البرنامج الإيراني، عدد الأجهزة الطاردة من المركز، مخازن المواد التي ستخرج من إيران، مستقبل فوردو، عدم تفعيل الفرن البلوتوني في أراك، مدى التفتيش المستقبلي على البرنامج وإغلاق الملفات المفتوحة في قضايا السلاح. وكذلك من المهم التوصل إلى اتفاق حول مؤشرات صفقة جيدة، مقبولة أو سيئة.
  5. الموافقة مع الإدارة على برنامج “ب”، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاقية وذلك بعدة سيناريوهات: عدم تحقيق الاتفاقية الأولية، خرق إيران الاتفاقية؛ عدم التوصل إلى اتفاقية كاملة في نهاية الأشهر الستة من المفاوضات.
  6. من المهم أن تعود الولايات المتحدة وتمنح موثوقية للتهديد بأن “جميع الإمكانيات مطروحة على الطاولة” من أجل تقوية ذراع الضغط العسكري على إيران. “فن الحرب”، هو بلوغ أهداف استراتيجية بأقل ما يمكن من الموارد والوقت وبتقليص المخاطر. التهديد باستخدام القدرات العسكرية الأمريكية، والتي هي أكثر القدرات تأثيرًا في العالم، يمكنه في نهاية الأمر أن يمنع الحاجة إلى تشغيلها. من أجل تقوية التهديد الأمريكي، على الولايات المتحدة أن تشعر بجاهزيتها للعمل، وليس فقط في التصريحات (التي ضعفت كثيرًا في الأشهر الأخيرة)، وأن الاحتمال العسكري ذو موثوقية وساري المفعول.
  7. من المهم أن توضح الولايات المتحدة أنه إذا فشلت المحادثات فإن دورة أخرى من العقوبات سوف تبدأ. كذلك تتطلب أيضا الموثوقية بالحزم الأمريكي لتقوية العقوبات. ويستطيع الكونغرس الأمريكي قيادة خطوة أخرى من العقوبات بنجاعة. هذه الخطوة ستكون قائمة وسيكون تشغيلها مشروطًا في حال فشلت المحادثات.

للإجمال – ثمة مصلحة وطنية واضحة ومعلنة للولايات المتحدة وإسرائيل، كما هو الأمر بالنسبة لبقية الدول العظمى وقسم من الدول العربية، وهي إبعاد إيران عن القدرة على صنع سلاح نووي. من المهم جدًا الحفاظ على التعاون والتنسيق قبل المفاوضات حول الاتفاقية النهائية، وعدم فقدان الثقة بين الطرفين في مرحلة “الاتفاقية الأولية”. من المهم أيضًا إعادة الثقة والتفاهم المتبادل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والموافقة على شروط “اتفاقية نهائية وكاملة” مقبولة. على الولايات المتحدة أن تضمن أن الاتفاقية الأولية لا تتحوّل إلى اتفاقية نهائية، تبقي إيران فيها بجميع قدراتها النووية وجاهزة للتوصل إلى قنبلة ذرية في وقت قصير. تقوية الموثوقية على عزم الولايات المتحدة والدول العظمى على تشغيل جميع الأذرع التي بحوزتها، من أجل إيقاف البرنامج النووي الإيراني، إنها شرط أساسي للنجاح في المفاوضات المستقبلية بشأن الاتفاقية النهائية مع إيران.

نشر المقال لأول مرة على موقع المعهد لأبحاث الأمن الوطني في إسرائيل الـ INSS

اقرأوا المزيد: 1330 كلمة
عرض أقل