شاؤول يناي

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (AFP)
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (AFP)

ولي العهد الأمير بن سلمان وحملته ضد الفساد

الملك سلمان وابنه محمد، ولي العهد القوي، يرفعان مبلغ الرهان في المملكة السعودية. وقد انضمت إلى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الآن حملة التطهير والإقالة من المؤسسة الدينية والسياسية، بما في ذلك الأسرة المالكة. هل سينجح ذلك؟

أمس الأول، قُبِض على أحد عشر أميرا، وأربعة وزراء حكومة حاليين، وعشرات الوزراء السابقين في السعودية، في إطار التحقيق في “قضايا فساد” كشفتها لجنة مكافحة الفساد التي أقامها محمد بن سلمان، ولي العهد والرجل الأقوى في المملكة قبل أيام فقط. ومن بين المعتقلين الأمير متعب بن عبد الله، قائد الحرس الوطني وحليف محمد بن نايف، الوريث المخلوع وخصوم ولي العهد الحالي.

ومن المتوقع أن تستمر هذه الإجراءات لعدة أشهر: فهي تشكل جزءا من عملية التتويج القريبة للأمير سلمان. وكذلك، من المتوقع أن تستمر الإصلاحات في الاقتصاد ومكانة المرأة، والحد من سلطات الشرطة الأخلاقية، والأضرار التي لحقت بمركز النخب المخضرمة، بما في ذلك الأسرة المالكة نفسها. يعلم بن سلمان أن وضعه وربما حياته يعتمدان على قدرته على التصرف بحزم ضد أي مركز قوة محتمل قد يُعرّض طموحه أن يكون الملك القادم للخطر.

إن التداعيات المحتملة لهذه الخطوات وتلك التي ستتبعها ليست متوقعة. ومن أجل فهم الهزة التي باتت تضرب أصداؤها في المملكة العربية السعودية مؤخرا، يمكن النظر في الاتفاقات التي تعتمد عليها “الدولة السعودية الثالثة”.

دُمّرت “الدولة السعودية الثانية” في نهاية القرن التاسع عشر لثلاثة أسباب رئيسية وهي: مواجهة علنية ومستمرة مع القوة الإقليمية في ذلك العصر – الإمبراطورية العثمانية، الحرب الطويلة وغير المحسومة ضد التحالف القبلي الذي تقوده قبيلة شمر، وحرب الخلافة داخل الأسرة السعودية.

استوعب مؤسس الدولة السعودية الثالثة، ابن سعود، الدروس الثلاثة عندما أعاد تأسيس المملكة. وكان حذرا جدا من المواجهة مع القوة العظمى البريطانية التي كانت مهيّمنة في الخليج في النصف الأول من القرن العشرين، وكان مستعدا لكبح جماح طموحاته الإقليمية من أجل كسب تعاطف البريطانيين. خلال توسيع حكمه في شبه الجزيرة، فضّل التحالفات مع القبائل، لا سيّما عن طريق الزواج من بنات رؤساء القبائل الرئيسية التي وعد من خلالها “حصة” في الأسرة الحاكمة. وأخيرا، قام بتحديث ترتيبات الخلافة: يرث أبنائه، حتى ابنه الأخير المؤهل، السلطة لمنع الحروب الداخلية بسبب الخلافة. وقد عملت هذه الترتيبات بشكل جيد منذ وفاة ابن سعود (1953)، بعد بضع سنوات فقط أصبحت فيها الولايات المتحدة راعيا بدلا من بريطانيا.

اعتقد الملك سلمان، أو أن هناك من اعتقد، أن هذه الترتيبات قد أكل عليها الدهر وشرب. على الرغم من أنه لا يزال هناك العديد من الإخوة على قيد الحياة (حتى لو كانت حالتهم الصحية سيئة)، فقد قرر أنه قد حان الوقت للانتقال إلى جيل الأحفاد. لهذا أقال، أخيه غير الشقيق مقرن بن عبدالعزيز آل سعود، من منصب وريث العرش، لصالح ابن أخيه محمد بن نايف. وقد قبلت النخب، قوى الأمن، القبائل، والمؤسسة الدينية الاختيار بسبب سن بن نايف (56 عاما)، ونجاحه في قمع المنظمات الإرهابية وطبيعته المحافظة. مع ذلك، سرعان ما أصبح واضحا أن نائب ولي العهد، بن سلمان، تحديدًا كان السبب في التغيير في ترتيبات السلطة. وقد أسنِدَت إليه صلاحيات متزايدة، كما أنه طغى تدريجيا على وريث العرش، حتى إقالته المتوقعة.

إن اعتقال الأمراء والوزراء وفصل قائد الحرس الوطني يكشفان عن أن هناك معارضة كبيرة لبن سلمان وتغييرات أدخلها في المجتمع والاقتصاد السعودي. بالنسبة للمعارضة، لم يتعلم بن سلمان دروس التاريخ السعودي أبدا، ولا الدروس المستفادة من الهزة الإقليمية الحالية في الشرق الأوسط. فُسّرَت رغبته في تأسيس حكمه في دولة المؤسّسات الحديثة، والتنويع في تركيبة النخب التقليدية في السلطة، وإبعاد أفراد أسرته والمؤسسات القبلية والدينية عن مواقع التأثير كوصفة مؤكدة لتدمير المملكة السعودية وتطوير ديكتاتورية شخصية بدلا من عائلية.

ومن المرجح أن يفضي انقسام الأسرة الحاكمة إلى دعم علني من جانب فصائلها المختلفة للمرشحين الآخرين لإرث الملك سلمان. قد تؤدي إطاحة الأمير متعب بن عبد الله، القائد الشعبي للحرس الوطني، إلى معارضة القبائل، ومن بينها عشرات الآلاف من المقاتلين الذين يشكلون هذه القوة العسكرية المدربة والخبيرة. ومن المثير للاهتمام أن متعب هو آخر أبناء قبيلة شمر في مراكز السلطة، وهي القبيلة التي دمرت “المملكة السعودية الثانية”. وإذا نجحت المعارضة في تجنيد المؤسسة الدينية، فسوف يتطور صراع شامل بين النظام القديم والنظام الجديد في المملكة، الذي يعتمد على الجيل الشاب والجهاز البيروقراطي.

ويبدو أن السعودية تدخل حقبة طويلة من عدم الاستقرار الداخلي. في حين أن التاريخ يعلم فقط، ولا يعود، يبدو أن مجموعة من الصدمات الداخلية والتهديدات الخارجية المتزايدة، وخاصة من إيران وحلفائها، هي وصفة مشكوك فيها لبقاء الدولة القبلية التي تمر بعملية التحوّل إلى دولة المؤسسات، والأكثر من ذلك عندما يقودها الأمير الشاب، يفتقد الخبرة ولكنه يتمتع بالجرأة والطموح الكبيرين.

المقالة مترجمة من موقع منتدى التفكير الإقليمي حيث ظهرت لأول مرة

اقرأوا المزيد: 669 كلمة
عرض أقل
صراع العروش.. النسخة السعودية (النت)
صراع العروش.. النسخة السعودية (النت)

صراع العروش.. النسخة السعودية

لعب ولي العرش السعودي الجديد، الأمير محمد بن سلمان، دورا هاما في عدم استقرار السعودية في السنوات الماضية. هل سيجتاز قرار الملك المفاجئ الاختبار أو أنه سيؤدي إلى حالة غليان داخلية في الأسرة الحاكمة وإلى إقالة الملك وولي العهد؟

كانت تقاليد الخلافة السعودية حتى وقتنا هذا محافظة ومنحت أولوية لأبناء مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود. كان يُفترض أنه طالما هناك احتمال أن يحظى الأبناء بالعرش، حتى وإن كانوا في سن متقدم، ويعانون من مشاكل صحية و/أو نفسية معقولة، فيمكن الحفاظ على الاستقرار في المملكة. في العقدين الماضيين، بدأ جيل الأحفاد يطور أحلاما، ولكن بما أن جيل الأبناء ما زال موجودا احترم الأحفاد ترتيبات الخلافة وهكذا حافظوا على صورة العائلة المالكة ذات العلاقة المتينة.

في شهر نيسان 2015، قرر الملك سلمان إقالة أخيه مقرن، من منصب ولي العهد، وتعيين أبناء جيل الأحفاد، بما في ذلك اختيار ولي العهد محمد بن نايف ونائب ولي العهد، محمد بن سلمان (ابن الملك). زعزعت هذه الخطوة أحد شعارات الاستقرار في المملكة السعودية: تزعزع مبدأ الخلافة الذي كان يستند إلى فكرة أن البالغ ذي المسؤولية والخبرة أفضل من شاب عديم الخبرة. أكمل أمس الملك الخطوة وعين نجله ولي العهد بدلا من محمد بن نايف، وبدأت وسائل الإعلام فورا بحملة مديح حول قيادة الملك وابنه عسكريا ودينيا. ولكن قرار الملك قد يؤثر في استقرار المملكة.

ألقيَت على بن سلمان عديم الخبرة حتّى الآن مسؤولية مجالين هامين في المملكة: الدفاع والاقتصاد. عندما شغل بن سلمان منصب وزير الدفاع، بادر إلى خوض الحرب في اليمن ضد الحوثيين في آذار 2015، مؤكدا على أن الجيش السعودي، الذي بحوزته أفضل الوسائل القتالية العصرية، سيهزم مليشيات الثوار بسهولة. لم تؤدِ مبادرته إلى تورط المملكة في الحرب الطويلة، الباهظة وغير الناجعة فحسب، بل إلى تعرض الحدود السعودية الجنوبية إلى هجمات متواصلة على يد الثوار الحوثيين. هكذا كشف بن سلمان عن ضعف المملكة عسكريا مثيرا احتمال حدوث مواجهة مباشرة بين السعودية وإيران، راعية الحوثيين.

فضلًا عن ذلك، خلال عام 2015، حاول بن سلمان، عندما شغل منصب وزير الدفاع، أن يسيطر على الحرس الوطني السعودي، قوة سيادية، من خلال تجاهل صلاحية ضابطه، الأمير متعب بن عبد الله، حليف بن نايف. أدت خطوته هذه إلى أزمة خطيرة بين الملك سلمان وبينه وبين القبائل التي تخدم في الحرس الوطني (مثل زهران والحمادي). أدى أبناء هذه القبائل الولاء لضابطهم، في خطوة مثيرة للغضب ضد الملك وابنه. خشي الملك من تفاقم الغضب ضده، فأعاد إلى الأمير متعب كافة صلاحياته لتهدئة رجال الحرس الوطني. ولكن الطريقة التي عرض فيها بن سلمان الجيش المنتظم كقوة وطنية سعودية مركزية، أثناء الحملة على اليمن في ذلك العام، ظلت خالدة في ذاكرة أفراد الحرس الوطني.

تقريبا، منذ أن بدأ بن سلمان بشغل منصبه وجه انتقادا لاذعا ضد دور ولي العهد حول عمليات الإرهاب في المملكة والحوادث التي ألحقت ضررا بالحجاج في مكة عام 2016، ويتحمل مسؤولية هذين المجالين بشكل مباشر الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية. استغل بن سلمان الذي يحظى بتشجيع كبير من الجيل الشاب بسبب انفتاحه بشأن الإصلاحات، بما في ذلك مكانة المرأة، عداوة الشبان للأمير محمد بن نايف. دفع بن سلمان حرية التعبير عن الرأي قدما في مواقع التواصُل الاجتماعي في حين أن خصمه “أمير الظلام” كان يعمل جاهدا ضد المجتمعات الافتراضية الكثيرة التي أعربت عن معارضتها للمؤسسة التقليدية. فهم الكثيرون من أبناء الأسرة المالكة في ذلك الحين أن بن سلمان يطمح إلى تعزيز مكانته كولي العهد الحقيقي.

في المنتصف الثاني من عام 2016، انتشرت في أوساط الأسرة السعودية المالكة رسالة تطالب بإعفاء الملك من منصبه بحجة أن صحته الجسمانية والنفسية تشكل خطرا على استقرار السعودية. كانت الرسالة مجهولة الهوية ولكن اعتقد الكثيرون أن أحد الأمراء قد كتبها. الانتقاد المركزي الذي ورد في الرسالة هو تركيز الصلاحيات في أيدي بن سلمان، رغم أنه عديم الخبرة والثقافة. من بين داعمي هذا الانتقاد هناك إخوة غير أشقاء للملك بن سلمان وهم الأمير سلطان، الأمير فيصل، وعبد العزيز. لقد كانوا غاضبين بسبب تعزيز مكانة أخيهم الشاب وادعوا أن والدته هي التي أثرت في والدهم الذي يعاني من الخرف، وأدت إلى أن يختاره بدلا منهم رغم أنهم يتمتعون بخبرة أكبر وهم أكبر منه سنا.

شوهدت علامات عدم الاستقرار في إطار الغضب المتزايد في أوساط القيادة الحاكمة ضد خطوات اتخذها الملك سلمان لدفع ابنه قدما رغم أنه شاب ويفتقد إلى الخبرة، ورغم تجارب الماضي (تدمرت المملكة السعودية الثانية بسبب نزاعات الخلافة بين الإخوة). تشكل هذه العوامل، إضافة إلى أزمات اقتصادية، اجتماعية، وإقليمية واقعا قابلا للانفجار في المملكة.

هناك تفسيران أساسيان لفهم الخطوات التي اتخذها الملك. الأول هو التحديات الاقتصادية التي تتعرض لها المملكة. ومن بينها، هبوط سعر النفط ، وارتفاع ميزانية الأمن بشكل غير مسبوق، بالمقابل هناك توقعات لدى الجيل الشاب لإحداث إصلاحات، تمنع من نظام الحكم متابعة منح المواطنين مزايا اعتادوا عليها وما زالوا ينتظرونها. بهدف تمويل احتياجات المملكة هناك تخطيط لإجراء تقليص جذري في التمويل، رفع الضرائب، وتطوير القطاع الخاصّ، بهدف إجبار الطبقة الوسطى المثقفة على الانخراط في المملكة والتخلي عن حلم تولي وظائف حكومية مريحة.

أصبح يدرك بن سلمان جيدا الواقع الجديد، ووعد بأن يعمل على خلق ستة ملايين أماكن عمل جديدة، لا سيّما للشبان حتى عام 2030. توصل الملك إلى قناعة لا سيما على يد والدة ابنه، أن ابنهما يفهم أفضل من الآخرين التحديات التي تتعرض لها المملكة السعودية، عند الأخذ بعين الاعتبار أن معظم السكان في المملكة هم شبان (معدل العمر في السعودية هو 28.6). تحمل ولي العهد الجديد، بن سلمان مسؤولية “رؤية السعودية 2030”. في حال قام بأمور استثنائية ونجح فيها، فإن الشرعية التي سيحظى بها قد تدفع الملك نحو الاستقالة لأسباب صحية ضامنا أن يكون ابنه ولي العهد حقا.

أما التفسير الثاني يعود إلى تأثيرات الهزة الإقليمية (المعروفة أيضًا باسم الربيع العربيّ). تتصدر المملكة السعودية في يومنا هذا جبهة الصراع بين الدول العربية السنية وبين إيران وحلفائها الشيعة. يشهد لبنان، سوريا، العراق، اليمن، وقطر صراعا، حيث سيحسم مستقبل المنطقة ومستقبل السعودية أيضا. يتولى بن سلمان معظم هذه الصلاحيات الكبيرة. عليه أن يضمن سقوط الدول العربية الحليفة لإيران، أو بدلا من ذلك أن تقتنع هذه الدول بأن السعودية ستعارض بشكل فعال “المحور الشيعي”.

حقق بن سلمان مكاسب في تصريح مشترك له مع رئيس حكومة العراق، حيدر العابدي، حول تعزيز التعاون بين الدول، بما في ذلك التعاون ضد المنظمات الإرهابية، الصراع ضد الشرخ الطائفي الإسلامي (الشيعة والسنة)، وفي التصريح عن استثمار اقتصادي سعوديّ من أجل إعادة إعمار البنية التحتية المدمّرة في العراق. يدور الحديث عن نقطة أخرى لصالح السعودية في صراعها ضد إيران حيث يدور في العراق، وفي حال نجح بن سلمان في تحقيق هذه الخطط سيعزز مكانته كولي العهد. يشكل الائتلاف العربي ضد قطر مهمّة صعبة أيضا تقف أمام ولي العهد الجديد.

إحدى النتائج المتوقعة وراء تعيين بن سلمان هي تشكيل ائتلافين ضده وضد الملك سلمان. قد يتضمن الائتلاف الأول ولي العهد الذي تمت الإطاحة به، محمد بن نايف، الأمير متعب بن عبد الله، ضابط الحرس الوطني، والبنى التحتية الدينية، والقبائل التي ينتمي إليها جنود الحرس الوطني السعودي. يفهم جميع هؤلاء جيدا أن مكانتهم تزعزعت. في السنتَين الماضيتَين، عزز بن نايف شبكة تحالفاته في أوساط أبناء القيادة، وقد يستغلها ضد ولي العهد الجديد.

بالمقابل، يتضمن الائتلاف الثاني أبناء عائلة الأسرة الموسعة المالكة. أعرب الأمير طلال، ابن 85 وأخ الملك سلمان، علنا عن استيائه من خرق ترتيبات الخلافة. قد يتوحد الكثير من الأمراء إلى جانب الأمير محمد بن نايف لأن ليس لديه أبناء بل بنات فقط، لذلك في حال تعيينه ملكا فسيُعين أميرا آخر وليا للعهد وهكذا يستعيد ترتيبات الخلافة المرغوب فيها في نظر الكثيرين من أبناء الأسرة المالكة.

لعب ولي العهد السعودي الجديد، الأمير محمد بن سلمان، دورا هاما في زعزعة الاستقرار السياسي في السعودية منذ عام 2015. الجهة الوحيدة القادرة على إلغاء قرار الملك هي مجلس العائلة المالكة السعودية. فهو قادر على الإطاحة بالملك بادعاء أن حالته الصحية لا تسمح له باتخاذ قرارات واعية لصالح المملكة. في مثل هذه الحال، ستتم إقالة الأمير بن سلمان وحتى أنه سيُرسل إلى المنفى لفترة طويلة.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 1194 كلمة
عرض أقل
محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، نائب ولي العهد ووزير الدفاع السعودي (AFP / FAYEZ NURELDINE)
محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، نائب ولي العهد ووزير الدفاع السعودي (AFP / FAYEZ NURELDINE)

الأسرة المالكة السعودية تلعب بالنار

بات المجتمَع السعودي في العقود الثلاثة الماضية يجتاز خطوتين متناقضتين: العصرنة والتطرف. يقترح نائب ولي العهد ضدهما دولة مؤسّساتية تستند إلى الجيل الشاب والمثقف. هل اقتراحه هذا يهز أركان الأسرة المالكة؟

بات المجتمَع السعودي في العقود الثلاثة الأخيرة يجتاز ثلاث عمليات، تخفي واحدة منها على الأقل إمكانية إجراء تغييرات جذرية في المجتمَع السعودي تحمل في طياتها تأثيرات في استقرار نظام الحكم.

خطوة واحدة هي العصرنة. في السعودية، هناك كشف أكثر من الماضي على العولمة عبر وكلاء العصرنة المحليين الذين يعودون من تعليمهم الأكاديمي في الغرب وعبر وسائط التواصل الاجتماعي. إن المعضلة بين النموذج الغربي والنموذج التقليدي ذي النظام الأبوي السعودي، والتي تمت تسويتها، من بين أمور أخرى، في الماضي من خلال العصرنة المادية مقابل الحفاظ الديني، آخذة في الازدياد في السنوات الأخيرة. يتبنى الجيل الشاب أحيانا بشكل عصري قيما عصرية ويبدي معارضته ضد السياسة المحافظة في المملكة، القيم القبلية وأحيانا ضد العائلة الحاكمة. لذلك يزداد الشك حول قدرة النظام الملكي في إدارة الدولة بشكل ناجح.

الخطوة الثانية هي التطرف. المملكة العربية السعودية هي الدولة المصدّرة الأكبر للإسلام المسلح في العالم السني. فهي استثمرت نحو مليار دولار في العقود الأخيرة محاولة منها لتحويل المبدأ الوهابي للمذهب الحنبلي (المذهب الأكثر تشددا من بين المذاهب الفقهية الأربعة في الإسلام) ليصبح الأكثر هيمنة في أوساط المسلمين في كل مكان، بما في ذلك في الغرب.

فرع ماكدونالدز في السعودية (AFP)
فرع ماكدونالدز في السعودية (AFP)

لذلك، ولسوء حظ نظام الحكم في السعودية اليوم، بدأ التطرف الديني ينتشر في أوساط الشبان في الدولة. يتهم الكثير من الشبّان الآن نظام الحكم في المملكة بالنفاق، بسبب توجيهه نحو التشدد الديني الذي لا يحرص عليه النظام بنفسه، ويتهمون المؤسسة الدينية بكونها وسيلة تخدم النخبة الفاسدة. يتجند عشرات آلاف الشبان للتنظيمات الجهادية المختلفة، ومن بينها تنظيمات تدعو إلى إحداث ثورة في المملكة السعودية ذاتها.

رغم ذلك، فإن وزير الداخلية وولي العهد، محمد بن نايف، يتخذ خطوات صارمة تتضمن السجن، الجلد، والإعدام في الكثير من الأحيان. بهدف محاربة التطرف، فهو يُجند رجال الدين، أئمة المساجد، وأجهزة التربية. نجحت كل هذه الخطوات في التغلب إلى حد ما على ظواهر العنف، ولكن لم تتغلب على مشاعر الشبان لأن النموذج الديني السياسي لا يتماشى مع المعايير التي وضعت من أجله تحديدا. اختار رجال دين وشبان كثيرون متطرفون كثيرون التخلي عن المملكة، من خلال تنازلهم بشكل واع عن وظائف ربحية. فهم يشكلون صلاحية روحانية غير رسمية في نظر الكثيرين، ويشجعون داعميهم على إقامة وصايا الجهاد ضد الكفار مهما كانوا.

إن العصرنة والتطرف هما عمليتان مماستان، لأنهما تتميزان باستخدام تكنولوجية عصرية اجتماعيّة من الصعب مراقبتها. يطمح اللاعبون الرئيسيون الذين يدفعون هذه الخطوات قدما إلى تبديل الدولة الحالية بدولة أخرى: دولة حرة أكثر من أجل الكثيرين، أو دولة أكثر تشددا وصرامة، تطبق أحكام الشريعة بشكل متطرف (على غرار نموذج طالبان أو الدولة الإسلامية) وتوسيع تطبيق وصايا الجهاد خارج حدودها.

في مقابل هاتين الخطوتين يحاول الأمير محمد بن سلمان نائب ولي العهد ووزير الدفاع، أن يقترح اقتراح جريء: دولة مؤسساتية عصرية تعتمد على الجيل الشاب المثقف والمعتدل. قدم الأمير “خطة 2030″، وفق تسميته لها في الحوار الجماهيري خلال عام 2016. تستند الخطة بشكل أساسي على اتفاق اجتماعيّ حديث تلتزم الدولة بموجبه أكثر تجاه المواطنين وأقل تجاه المجموعات. إن تحققت الفكرة، ستقلل كثيرا من أهمية الحكم الجماعي للأسرة المالكة وقدرتها على المحافظة على تحالفها التاريخي مع القبائل والمؤسسات الدينية.

أكثر من ذلك، فإن الانتقال إلى منظومة اقتصادية عصرية سيعزز بشكل ملحوظ مكانة الأشخاص من الطبقة المتوسطة والمثقفين. هكذا يمكن أن يتنافس أصحاب المكانة المتوسطة على السيطرة أمام المجموعات والنخب القبلية والتقليدية، وأمام نظام الحكم ذاته. مثلا، انهارت الأنظمة الملكية في مصر وليبيا خلال القرن السابق، من بين أمور أخرى، بسبب عملية شبيهة. يبدو أن الأسرة المالكة السعودية، كما يحدث لدى عائلات مالكة أخرى في شبه الجزيرة العربية تؤمن بقدرتها على منع حالة شبيهة.

نُشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي.

اقرأوا المزيد: 554 كلمة
عرض أقل
السياسي اللبناني السيد سعد الحريري في زيارة الى السعودية (AFP)
السياسي اللبناني السيد سعد الحريري في زيارة الى السعودية (AFP)

عقاب لبنان هو رسالة لكل الشرق الأوسط

السعودية تعاقب لبنان على عدم وقوفها بشكل واضح بجانب القوى السنية وضدّ إيران. الرسالة موجهة إلى جميع الدول السنية في الشرق الأوسط، وإن كانت تتضمن أيضًا رهانا يمكن أن يتضح أنه غير محسوب

في مطلع الشهر، أعلنت السعودية وحلفاؤها في الخليج عن حركة حزب الله بصفته تنظيما إرهابيا، وأعلنت أنها ستوقف دعمهما الاقتصادي اللبناني الذي يعادل مليارات الدولارات. لم يمنع الصراع الطويل بين حزب الله والسعودية من الأخيرة، حتى الآن، دعم لبنان. كانت القشة التي قصمت ظهر البعير السعودي هي عدم استعداد الحكومة اللبنانية للانضمام إلى المقاطعة الدبلوماسية ضد إيران بعد ضرب السفارة السعودية في طهران. وأضاف وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، خطيئة على ذلك عندما رفض طلب السعودية الصريح بقطع علاقات بلاده الدبلوماسية مع إيران.

تميل الحكومة اللبنانية إلى الوقوف بجانب إيران في حربها التي تشنّها بهدف الهيمنة على الشرق الأوسط.‎ ‎وقد تأثر موقفها، من بين أمور أخرى، بتهديدات حزب الله المستمرة أنّه سيستخدم قوته العسكرية ضدّ جهات داخلية لبنانية، بشكل مماثل لإظهار القوة لدى الحركة في أيار عام 2008. جعل هذا الواقع لبنان، في نظر معظم دول الخليج العربي على الأقل، مواليا للشيعة وإيران. يدور الحديث عن تهمتين ثقيلتين في قاموس الصراع السني الشيعي والسعودي الإيراني في الشرق الأوسط، الذي يجعل الكثير من الدول في المنطقة ساحة معركة مدمّرة ودموية.

يعلم السعوديون منذ سنوات كثيرة أنّ إيران تسيطر على لبنان من خلال حزب الله. ومع ذلك، وربما لسبب آخر، سلّحت السعودية الجيش اللبناني (بما في ذلك اللواء الشيعي في الجيش). وقد أمل السعوديون أنّهم سيساعدون بذلك حلفاءهم من ائتلاف 14 آذار، بقيادة سعد الحريري، في إيقاف اتجاه الهيمنة الإيرانية على لبنان. ولكن خاب أملهم، وتقع لبنان الآن أكثر من أي وقت مضى تحت وطأة الهيمنة الشيعية – الإيرانية، التي تهدد دول الخليج. اتهم أحمد العسيري، رئيس الدعاية في الائتلاف العربي في اليمن، حزب الله بالتدخل العسكري في سوريا، الكويت، البحرين، واليمن، مدعيا أنّ الحركة تشكّل تهديدا مباشرا على المصالح الأمنية لدول الخليج.

الجيش اللبناني (AFP)
الجيش اللبناني (AFP)

ورفض أيضًا وزراء في الحكومة اللبنانية والمحسوبين على السعودية، مثل وزير الداخلية نهاد المشنوق، تأييد الإعلان عن حزب الله أنه تنظيم إرهابي. مصلحتهم واضحة: الحركة قادرة على جرّ لبنان إلى حرب أهلية ثالثة قد تكون نتائجها مدمّرة على الأقل مثلما يحدث في سوريا. ويفضّل خصوم حزب الله في لبنان مواجهة آثار الغضب السعودي على المخاطرة بتدمير بلادهم.

ويشير الإعلان السعودي إلى تغييرات عميقة في سياسة هذه القوة السنية.‎ ‎إنها تنتج تمييزا واضحا أكثر من أي وقت مضى بين “نحن” السنة وبين “أعدائنا” الشيعة، وقد انتقل لبنان، الذي لا يريد أو يستطيع مواجهة حزب الله، إلى معسكر العدو. يكتسب المبدأ السعودي في أعقاب الهجوم على السفارة في طهران زخما، والرسالة هي أنّ الدول التي لا تقف بشكل واضح إلى جانب السعودية ستعاني من مصير مماثل لما حدث للبنان: إيقاف المساعدات، طرد مواطنيها من السعودية، عدم تجديد عقود العمل، تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، إلغاء اتصالات الطيران وغير ذلك.

ومع ذلك، تظهر السعودية بذلك أيضًا ضعفًا وخشية. فحربها ضدّ إيران تتعثّر في جميع الساحات: في اليمن، العراق، سوريا، والآن في لبنان، رغم الموارد الهائلة التي تستثمرها السعودية فيها.‎ ‎ورغم أن حالة إيران في لعبة الشطرنج الإقليمية ليست أفضل، وهي أيضًا تدفع ثمنا باهظا على كل خطوة، فهي تنجح حتى الآن في الحفاظ على حلفائها بشكل أفضل من السعوديين. على هذه الخلفية من غير الواضح إذا ما كانت التضحية بلبنان ستساعد المصالح السعودية على الأمد القريب والمتوسط، أم سيتضح لاحقا أنها تحديدا إحدى نقاط تدهور السعودية في حربها الباردة الطويلة ضدّ إيران.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 513 كلمة
عرض أقل
أطفال في صفوف "داعش"
أطفال في صفوف "داعش"

أطفال الحرب في الشرق الأوسط

طرحت الثورات العربية على السطح من جديد ظاهرة الأطفال المقاتلين في الشرق الأوسط. ليس المجتمع التقليدي الذكوري هو المسؤول عن ذلك، وإنما تحديدا تفككه

السكان المدنيون هم ضحية الحروب غالبا. وهم الجهة الأضعف في كل الصراع، الواقعة تحت رحمة المقاتلين المتدنية. وقد قُتل بعضهم، ونزح بعضهم الآخر من منزله وأصبح لاجئا لا يملك شيئا، ولكن بعضهم مجنّد قسرا في الجيوش، المليشيات، والعصابات. يشكل الأطفال جزءا من هذا التجنيد.

ظاهرة الأطفال الجنود ليست جديدة. طوال التاريخ البشري تم تجنيد الأطفال في وظائف تدعم القتال بل وفي القتال نفسه. في الحرب العالمية الثانية جنّد النازيون عشرات آلاف الأطفال في إطار “الشبيبة الهتلرية”، وكانوا جزءا كبيرا من المدافعين عن برلين، ومن قتلاها عام 1945. ومع تأسيس الأمم المتحدة تم التوقيع على عدة معاهدات تحظر استخدام الجنود الأطفال تحت سنّ الخامسة عشرة.

في العقود الأخيرة اختُطف عشرات آلاف الأطفال وضُموا إلى المليشيات في مناطق الصراع في القارة الإفريقية. تعرّض الغرب إلى هذه الظاهرة في فيلم “الألماس الدموي”. جنّدت منظمة اليونيسيف، المسؤولة عن رفاه الأطفال في مناطق الحرب، الرأي العام العالمي ونجحت في تقليص هذه الظاهرة تقليصا كبيرا وفي إطلاق سراح عشرات آلاف الأطفال الجنود في إفريقيا.

أعاد الاضطراب الإقليمي في الشرق الأوسط والأزمات الصعبة في دول مثل سوريا، العراق، واليمن من جديد ظاهرة الأطفال الجنود إلى الشرق الأوسط. في اليمن، يظهر الأطفال في سنّ 10-11 وهم مسلّحون بالكلاشينكوفات، بل وهناك من يدّعي أنّ ثلث مقاتلي الدولة هم أطفال في سنّ 14-15. في مناطق خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق يجتاز الأطفال تدريبات عسكرية كمقاتلين، انتحاريين، وقاطعي الرؤوس. وتجنّد الكتائب المقاتلة في ليبيا، بل تختطف أحيانا، الأطفال وتحوّلهم إلى مقاتلين في ميليشياتها. منذ شهر تشرين الأول عام 2015 نفّذ عشرات الأطفال من البنين والبنات الفلسطينيين، وبعضهم تحت سنّ 15، عمليات إرهابية ضدّ اليهود، بل وكانوا يعلمون بأنّهم سيدفعون حياتهم ثمنا لذلك.

هناك من يدعي أنّ ظاهرة الأطفال الجنود، الأطفال الإرهابيين، مفهومة في مجتمع تقليدي – ذكوري مثل المجتمع العربي الإسلامي، والذي يعتبر سنّ 13 هو سنّ البلوغ الجنسي، الديني، والاجتماعي ولذلك فهو لا يعتبر هؤلاء الشبيبة أطفالا وإنما بالغين. ولكن هذا الادعاء بعيد عن الواقع. إنّ عمليات الحداثة في الشرق الأوسط مستمرّة منذ نحو مائتي عام، وخلالها يوافق أيضًا المجتمع التقليدي – الديني الافتراض الذي ينظر إلى الأطفال في سنّ 13 أنهم ليسوا بالغين. وكدليل على ذلك فقد تم تغيير سنّ الزواج القانوني ليصبح بين 16 إلى 18 عاما. وسنّ التجنيد في معظم الدول العربيّة هو 18 عاما أيضا.

هناك تفسير أكثر إقناعا لظاهرة الأطفال الجنود في الشرق الأوسط وهو الإضرار الشديد في المجتمع الذكوري في العالم العربي. تقوّضت صلاحية الإطار الأسري الذي حمى أبناءه وبناته لأسباب عديدة، ومن بينها توفّر التعليم العالي والانفتاح على البيئة العالمية وتدفّق المعلومات في مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن أكثر من كل شيء فقد ثار الجيل الشاب على خضوع أهله للأنظمة الاستبدادية، وفي نهاية المطاف قام بإسقاطها – حتى ولو على حساب تدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي لبعض هذه الدول.

إنّ سلطة العائلة الذكورية وصلتها بما يحدث كانت من بين ضحايا الثورات العربية. لقد تفككت الأطر الأسرية التي وفرت شبكة آمنة لأعضائها وتركت خلفها حرية ولكن أيضًا مخاطر كبيرة. إحداها هي قدرة التنظيمات الإرهابية على تجنيد الأطفال الجنود، إراديا أو قسرا. وهناك خطر آخر وهو شعور التحرّر لدى الشبان الصغار جدا من عبء صلاحية الأهل ورعايتهم. وهكذا فهم مستعدّون للمخاطرة بحياتهم بل والتضحية بها، حتى لو كان الثمن هو تعريض أسرهم لخطر كبير.

نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 513 كلمة
عرض أقل
رؤوس العائلة المالكة السعودية  (تويتر)
رؤوس العائلة المالكة السعودية (تويتر)

لماذا يصمت السعوديون؟

لا تستطيع السعودية الاستمرار في صمتها الإعلامي في ظلّ العنف المتجدد بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن سترتكز الأولوية في مركز اهتمامها حول تجنيد الرأي العام العربي في محاربة أذرع إيران في أنحاء الشرق الأوسط

في الماضي، كانت المملكة العربية السعودية من أول من يدين إسرائيل كلما بدأت جولة جديدة من الصراع مع الفلسطينيين. وجدت المملكة في ذلك واجبا سياسيا عربيا، وأكثر من كل شيء، واجبا دينيا لدولة هناك في أراضيها الأماكن الأكثر قداسة في الإسلام – مكة والمدينة. بل اعتاد السعوديون على مساعدة الفلسطينيين في تضخيم حوادث هامشية من خلال سيطرتهم على العديد من وسائل الإعلام في العالم العربية والإسلامي. وذلك، بطبيعة الحال، غير تزويد الصراع العربي – الإسرائيلي “بالوقود” من قبل السعودية على مدى السنين، من خلال الدعم الكبير لتسليح الجيوش العربية ومختلف التنظيمات الإرهابية.

ولكن السعودية تصمت الآن في ظلّ موجة العُنف الجديدة في إسرائيل – فلسطين. نُشر في الصفحة الأولى لصحيفة “الشرق الأوسط”، وهي الصحيفة اليومية الأهم في العالم العربي والتي تملكها السعودية، بتاريخ 11 تشرين الأول 2015، أنّ ما يهمّ النظام السعودي هو اليمن، سوريا والتدخّل الروسي في سوريا. لم يظهر ما يحدث في الأراضي وفي القدس في الصفحة الأولى من الصحيفة، ولا في الصفحة الرئيسية من الموقع الإخباري السعودي “العربية” وفي الصفحة الأولى من صحيفة ‏Gulf News‏، وهي إحدى صحف الخليج الأكثر أهمية. إنّ الصمت السعودي يدوّي في ظلّ التغطية الواسعة (والمنحازة كالعادة) التي تمنحها الجزيرة للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

لماذا يتجاهل السعوديون، على الأقل حتّى الآن، اضطرابات يرى العديد من “الخبراء” من كلا الطرفين بأنّها قد تشعل المنطقة (المشتعلة منذ عشرات السنين)؟ هل هذا هو نوع من الموافقة من خلال الصمت على شائعات عن تحالف سرّي تشكّل بين الدول السنية في المنطقة وبين إسرائيل بهدف إيقاف الطموح الإيراني بهيمنة إقليمية شيعية؟ هل هناك لدى السعودية مصالح في منع التغطية الإعلامية في الشأن الفلسطيني بسبب المنافسة بين الطرفين على المسؤولية عن الأقصى، أم من باب رغبة التركيز على اهتمام العالم العربي في محاربة “الأخطبوط” الإيراني في لبنان، سوريا، العراق واليمن؟

هناك خلافات سياسية ودينية شديدة بين رجال الدين الوهابيين – السعوديين وبين خصومهم من الإخوان المسلمين. أحد أهم هذه الخلافات هو معارضة الوهابية لمركزية، أو حتى لقداسة الأقصى. في المقابل، يقدّس الإخوان المسلمون القدس، من بين أسباب أخرى، لأنّهم لم يستطيعوا ادعاء قداسة القاهرة. وتعتبر حماس فعلا، بل حتى جبهة النصرة في سوريا (والتي هي فرع من الإخوان المسلمين أكثر من كونها من إنشاء مدرسة القاعدة) المسجد الأقصى المركز الديني والعبادي الأكثر أهمية خارج الحجاز. تسوّق هذه الفروع وغيرها التابعة للإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي بين الجمهور منذ سنوات الشعار الجذاب “الأقصى في خطر”.

يعارض علماء دين سنّة آخرون، وبشكل أساسي من الوهابيين السعوديين، قداسة المساجد، القبور والأماكن التي تقع خارج مكة والمدينة بل وحتى قداسة العديد منها داخل المدينتين المقدّستين. تم تدمير مئات الأماكن المقدّسة، بما في ذلك في مكة والمدينة، خلال العقود الأخيرة من قبل السعوديين، بادعاء أنه باستثناء الكعبة ليس هناك في القرآن أي ذكر لعبادة الأماكن المقدّسة. هناك مساجد وأضرحة لرجال دين مسلمين وغيرهم يتم تدميرها من أساسها في أفغانستان، العراق وسوريا من قبل تنظيمات وهابية حديثة مثل الطالبان وداعش بناء على نفس الادعاء تماما.

الأمير محمد بن نايف (يمين) والأمير محمد بن سلمان قبيل اجتماع مع ضباط عسكريين لمناقشة العمليات ضد الحوثيين في اليمن (AFP)
الأمير محمد بن نايف (يمين) والأمير محمد بن سلمان قبيل اجتماع مع ضباط عسكريين لمناقشة العمليات ضد الحوثيين في اليمن (AFP)

ويشكك الوهابيون في قداسة الأقصى أيضا. لو كانت القدس مقدّسة، يتساءلون، لماذا لم يتشجّع النبي وخليفته الأول للقيام بفتحها؟ لماذا تفرّع الخليفة الثاني، عمر، لفتح القدس فقط بعد فتوحات أخرى عديدة؟ بكلمات أخرى، هناك صعوبة دينية-سياسية لدى القيادة السعودية بأن تعتبر الاضطرابات حول الأقصى سببا كافيا لتحويل انتباه الرأي العام عن الكفاح من أجل كبح الإمبراطورية الفارسية – الشيعية في الشرق الأوسط.

السبب الرئيسي للصمت السعودي كما يبدو، في الواقع، هو رغبة التركيز على انتباه الرأي العام العربي نحو الصراع ضدّ إيران. تقف الحرب ضد الشيعة، والتي تمتدّ في دول عربية عديدة وتهدّد تكاليفها بانهيار الاقتصاد السعودي وتشكل خطرا على استقرار النظام، في قمة سلم الأولوية أمام أعين جيل القيادة الحالي في النظام السعودي. في هذا السياق يعتبر السعوديون أنفسهم الورثة المعاصرين لصلاح الدين الأيوبي منذ القرن الثاني عشر، والذي كرّس جهود جيشه العسكرية لكبح الشيعة الفاطميين قبل فترة طويلة من توجّهه للقضاء على المملكة الصليبية وفتح القدس مجددا.

هناك شكّ حتى متى يمكن للسعودية أن تصمت في ظلّ العنف المتجدّد بين إسرائيل والفلسطينيين. العالم العربي بحاجة كبيرة إلى صرف انتباهه عن المجزرة الداخلية – الإسلامية في أنحاء الشرق الأوسط، وفي اضطرابات الأقصى هناك، مع الأسف الشديد، جميع مكوّنات الدراما اللازمة لحشد الاهتمام الإقليمي. إذا استمرّ العنف، فلن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي يتخلى فيه السعوديون عن صمتهم مطالبين كلا الطرفين بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وليس فقط كي تستطيع السعودية التفرّغ من جديد للدراما الإقليمية الحقيقية.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع “Canthink” الإسرائيلي

اقرأوا المزيد: 689 كلمة
عرض أقل
إيران - الأخ الأكبر قادم
إيران - الأخ الأكبر قادم

إيران ودول الخليج: الأخ الأكبر قادم

تدرك دول الخليج أنّ إيران أصبحت الآن عنوانا رسميا لأي اتفاق في لبنان، سوريا، العراق، اليمن، البحرين وفي الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ويرافق ذلك ثمن باهظ

غيّر اتفاق فيينا قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. ليس بالضرورة بسبب مضمونه أو بسبب إعادة إيران، من الناحية الاقتصادية على الأقل، إلى حضن المجتمع الدولي؛ يبدو أنه ليست هناك أية دولة ستخدع نفسها أنّ إيران تعتزم الالتزام بشروط الاتفاق. ولكن الاتفاق يوضح نهائيا أنّ القوى العظمى لا تحسب مصالح وآراء حكومات الشرق الأوسط العربي، الذي يشمل من الآن إسرائيل.

بالنسبة لمعظم دول الخليج فليست هناك أهمية للاتفاق النووي بحد ذاته، لأنّ حكامها أدركوا منذ وقت طويل أنّ الجهة الوحيدة التي تمنع قنبلة نووية من إيران هي حكامها. قرّر هؤلاء بأنّه من الملائم لهم ترؤس دولة ملاحقة على عتبة النووي من أن يترأسوا دولة نووية معزولة وفاشلة مثل كوريا الشمالية. ومع ذلك، فقد أدركوا في الشرق الأوسط الآن بأنّ إيران هي عنوان أي اتفاق في لبنان، سوريا، العراق، اليمن، البحرين والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ويرافق ذلك ثمن باهظ.

“دعوهم يموتون من الغيظ”، كما قال آية الله محمد علي كرماني في بداية الأسبوع. وقد ادعى أن الغضب الإسرائيلي – السعودي، هو دليل على أنّ إيران قد نجحت جدّا في تحقيق عنصر أساسي في استراتيجيتها الإقليمية: إنشاء أزمة ثقة عميقة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، السعودية وإسرائيل.

إيران - الأخ الأكبر قادم
إيران – الأخ الأكبر قادم

منذ أكثر من عقد “توضح” إيران للدول العربية في الخليج بأنّها هي، وليس الولايات المتحدة، يجب أن تكون راعيهتا الحقيقية. بصبر وعزيمة لا حدود لها يدعي الإيرانيون بأنّ الولايات المتحدة هي مسند قابل للكسر، وغريبة عن نظام القوى الإقليمية ومن بقايا الواقع الإمبريالي المختفي. ولكن دول الخليج لم تقبل ادعاء إيران لأنّ قدراتها النووية ستستخدمها أيضًا ضدها، وانتقدوها بأنها هي المعتدي وبأنّ سياستها النووية تهدف إلى إخضاعها، تماما كما أن الأسلحة النووية والمظلة العسكرية الأمريكية التي تتمتع بها إسرائيل تأتي على حساب الدول العربيّة.

من المفارقات، التي تلائم الشرق الأوسط جدّا، أنّ إيران – العدو الأكبر لـ “الشيطان الأكبر” الأمريكي – هي الكاسب الأكبر، وربما الوحيد، من سياسات الولايات المتحدة في المنطقة في الخمس وعشرين سنة الأخيرة. عام 1991 دمرت الولايات المتحدة الأمريكية معظم قدرات صدام حسين العسكرية، وقامت بما فشلت فيه إيران في حرب “الثماني سنوات” (حرب الخليج الأولى) التي سبقت ذلك. في كانون الأول عام 2001 أزالت الولايات المتحدة تهديد الطالبان المؤيد للسعودية من الحدود الشمالية لإيران، وبعد ذلك بعامين قضت على النظام الأبغض لدى إيران ومنحت العراق للشيعة على طبق من ذهب أسود. في شباط عام 2011 ساهمت الولايات المتحدة في إسقاط نظام مبارك، أحد مراكز القوة الأهم في الشرق الأوسط، والذي كان حليفا مخلصا للولايات المتحدة، السعودية وإسرائيل ومعارضا شديدا لإيران. في نفس الوقت امتنعت الولايات المتحدة عن اتخاذ موقف مشابه تجاه بشار الأسد، المحبوب لدى النظام في طهران.

إيران نجحت في تحقيق عنصر أساسي في استراتيجيتها الإقليمية: إنشاء أزمة ثقة عميقة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، السعودية وإسرائيل

إنّ اتفاق فيينا هو، في الواقع، الكرز المغطى بالقشدة بالنسبة لإيران. كل ما كان عليها فعله هو تنفيذ تصريحاتها منذ سنوات طويلة بأنها لن تصنع سلاحا نوويا، وبكلمات أخرى أن تعمل وفقا لمصالحها الأساسية بألا تكون دولة نووية. يمكن للأمريكيين، من ناحيتهم، أن يرفرفوا بقطعة الورق وأن يقولوا بحقّ إنّنا منعنا قنبلة نووية إيرانية في عهدنا.

جرّ الاتفاق سلسلة من الردود الرسمية الخائفة في الخليج العربي. سارع معظم زعماء الدول، باستثناء السعوديين، إلى دفع الضريبة المقبولة بالنسبة للقوة القابضة الجديدة: برقيات تهنئة بالاتفاق. هنّأ ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، والذي يقوم حكمه بفضل السعوديين الذين يمنعون الغالبية الشيعية المؤيدة لإيران من إسقاطه وأسرته، بالاتفاق وأعرب عن استعداده لإعادة “علاقات حسن الجوار التقليدية بين البلدين”. وغني عن القول إنّ مثل هذه العلاقات لم تكن منذ الثورة الإيرانية عام 1979. أرسل وزير الخارجية القطري برقية تهنئة وأعرب فيها عن سعادته بهذا الإنجاز الإيراني. وذهب أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، إلى أبعد من ذلك وهنأ بشكل شخصي على الإنجازات التاريخية لـ “الجمهورية الإسلامية الإيرانية الصديقة”. وهنّأ رئيس الإمارات العربية المتحدة، الشيخ خليفة بن زايد، الرئيس الإيراني حسن روحاني، وصرّح أنّ “الاتفاق قد ساعد في تعزيز أمن المنطقة”.

لم يجرؤ قادة الخليج على القول، كما فعل نظراؤهم في سوريا وحزب الله، إنّ الولايات المتحدة قد استسلمت لإيران، ولكن علامات الضائقة والفزع واضحة في تصريحاتهم. وللإضافة على الذعر الذي يشعرون به، أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية، مرزية أفخم، بأنّ “إيران عازمة على توسيع علاقاتها مع دول الجوار، وسيذهب وزير الخارجية الإيراني بجولة إلى دول الخليج العربي بعد انتهاء عيد الفطر”. بكلمات أخرى: الأخ الأكبر قادم. استعدّوا…

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع Can Think

اقرأوا المزيد: 680 كلمة
عرض أقل
لافتة للعاهل السعودي ولجندي سعودي (AFP PHOTO / FAYEZ NURELDINE)
لافتة للعاهل السعودي ولجندي سعودي (AFP PHOTO / FAYEZ NURELDINE)

الحرب السعودية – الإيرانية الأولى

تظهر اليمن كاختبار حقيقي للطموح السعودي في الهيمنة على الشرق الأوسط. سيمكّن الانتصار السعودية من توجيه جيش الوحدة العربية الذي تؤسسه في اليمن ضدّ دول أخرى متأثرة بالنفوذ الإيراني، ولكن الفشل سيجلب نتائج عكسية ضدّها. في الواقع، فإنّ الاحتمال الأرجح، على ضوء تعقيد المستنقع اليمني، هو أنّ استقرار السعودية في حدّ ذاته سيُقوّض

كان سقوط صنعاء، عاصمة اليمن، بأيدي الحوثيين في أيلول عام 2014 هو وتر البداية للحملة السعودية – العربية في اليمن. يحارب في اليمن اليوم تحالف عربي فضفاض من عشر دول: دول الخليج العربي ومعها عُمان، الأردن، مصر، السودان، المغرب وباكستان. هذا التحالف هو في الواقع جيش الوحدة العربية الأول في العصر الحديث، ويرجع نطاقه إلى عمليّتين: القلق المتزايد لدى الدول العربيّة من قدرة إيران على إملاء ما يحدث لها، كما فعلت في لبنان، سورية، العراق، وبشكل أقلّ في البحرين وقطاع غزة، والقوة السياسية المثيرة للإعجاب التي اكتسبتها السعودية.

تقود المملكة العربية السعودية اليوم في الواقع الدول العربية السنّية. قوّتها المالية الهائلة هي التي أكسبتْها هذه المكانة، ولكن أيضًا حربها الثابتة والمستمرّة ضدّ الطموح الإيراني في الهيمنة السياسية، العسكرية والدينية في الشرق الأوسط. هكذا أخذت السعودية على نفسها مهمّة قيادة العالم السُّني، والتي تمّ التخلّي عنها منذ عهد عبد الناصر.

إنّ جميع عناصر انهيار النظام السياسي القديم في الشرق الأوسط، والسعي لتصميم نظام جديد من داخل الفوضى، تجتمع معًا في الساحة اليمنية. منحت الميليشيات الحوثية، المصابة بحالة سكر من إنجازاتها وخصوصا منذ سيطرتها على صنعاء، قبل نحو ثلاثة أسابيع، إدارة ميناء الحُديدة، الثاني في حجمه باليمن، لشركة إيرانية. قبل يوم من ذلك، أجرى الحوثيون مناورة عسكرية واسعة على الحدود مع السعودية، كإشارة إلى استعدادهم لقتال السعوديين إذا قاموا بغزو اليمن. فهم السعوديون من ذلك أنّه فيما لو لم يرغبوا برؤية دولة أخرى تحت السيطرة الشيعية – الإيرانية على حدودهم، فعليهم أن يخرجوا للقتال. في 21 آذار، عقدت القيادة الأمنية السعودية اجتماعا سرّيّا مع ممثّلين من دول الخليج من أجل تنسيق تفاصيل العملية العسكرية في اليمن. بالنسبة لهذه الدول، فقد كانت الحجّة الحاسمة لصالح هذه العملية هي سيناريو التهديد بالسيطرة الإيرانية على مضيق باب المندب، والذي يسيطر على الدخول إلى البحر الأحمر والذي يمرّ من خلاله جزء كبير من صادرات النفط العربية.

ومع ذلك، كان قرار العملية العسكرية أيضًا كنتيجة لصراع قوى داخلية سعودية. فقد افتتحت وفاة ملك السعودية، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، من جديد حرب التوريث السعودية. يُعتبر سلمان، الملك الجديد، ووليّ عهده، مقرن، آخر أبناء عبد العزيز ابن سعود، مؤسس المملكة والذي توفي عام 1953. لا يبدو متوسط العمر المتوقع للملك الجديد كبيرا بشكل خاصّ (يبدو أنّه مصاب بمرض الزهايمر)، وجيل الأحفاد يقوم بصقل السيوف. في الوضع الأفضل هناك الأمير محمد، نجل سلمان ووزير الدفاع في المملكة. سيضعه الانتصار في حرب اليمن في مكانة مفضّلة لخلافة مقرن. يمكننا الافتراض أنّ عشرات الأمراء الكبار في العائلة السعودية المالكة يتمنّون سرّا هزيمة بلادهم في حربها ضدّ إيران في اليمن، ممّا يمنع وزير الدفاع من أن يصبح خليفة لمقرن.

في الواقع اليمني المعقّد فإنّ احتمال فشل العملية العسكرية أكبر بالفعل من نجاحها. بداية، لم يخض الجيش السعودي معركة شاملة منذ 80 عاما، وهو يواجه ميليشيات معتادة على القتال تدافع عن منازلها وعائلاتها. ثانيًا، ستُدمّر الهجمات الجوّية للتحالف السعودي التي أودتْ وستودي بحياة الكثير من المدنيّين، بشكل نهائي البنى التحتيّة الموجودة في اليمن وستعيده عشرات السنين إلى الخلف. ليس بهذا الشكل سيتّحد معارضو الحوثيين خلف السعودية.

لم ترحّب اليمن بالسعوديين في الماضي. دعم السعوديون النظام الملكي في ستّينيّات القرن العشرين، ولكن انتصر الجمهوريون. دعم السعوديون عام 1994 مطالبة الحزب الشيوعي في اليمن بالحكم، وخسروا مرّة أخرى. في ثورة 2011، دعمت السعودية الإطاحة بالرئيس القديم، علي عبد الله صالح، لصالح الرئيس الحالي عبد الله ربه هادي منصور. ورغم أنّ السعوديين قدّموا علاجا طبّيا لإنقاذ حياة الرئيس المخلوع بعد محاولة اغتياله، ولكنّه لم يعترف بجميلهم: حيث يقاتل أنصاره اليوم، بقيادة نجله، إلى جانب الحوثيين. ويعتمد الحوثيون على العداء الذي يشعر به الكثير من اليمنيّين تجاه السعودية، التي عملت على إحباط ثورتين، في الستّينيّات وعام 2011، واللتين كانتا تهدفان بالنسبة لهم إلى بناء دولة يمنية أقوى من جميع مكوّناتها القبلية.

بعد عشرات السنين من الاستثمارات المالية الهائلة في اليمن، والتي كانت تهدف إلى تحقيق نفوذ حاسم للسعودية لدى جارتها الجنوبية، تعلّم السعوديون اليوم أنّه في دولة مثل اليمن قد يؤدي المال إلى استئجار النفوذ والأنصار مؤقّتا، وليس إلى شرائهم للأبد. قد يكتشف السعوديون أنّ أنصارهم اليوم سيصبحون أعداءهم اللّدودين غدًا، متقوّين بالمال والسلاح الذي منحته السعودية بنفسها لهم. ولكن الإيرانيين أيضًا قد يكتشفون أنّ اليمن هي مستنقع مُغرِق: فلا يُعتبر الحوثيين من المؤمنين بالمذهب الشيعي الحاكم في إيران. حتى لو نجحت إيران في مهمّتها المستحيلة للسيطرة على اليمن فستُضطرّ إلى التوصل لاتفاقات مع القبائل السنّية التي ستقلّص كثيرًا من نفوذها في البلاد. فضلًا عن ذلك، فإنّ حليف الحوثيين الرئيسي، صالح، لن يتردّد في توجيه أنصاره ضدّ الحوثيين عندما يتوقف هؤلاء عن خدمة أهدافه. وتعمل في الساحة اليمنية قوى أخرى. كل قبيلة كبيرة (وهناك الكثير منها) تمتلك ميليشيا مسلّحة، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ما زال نشطا. في بداية الشهر حرّر عناصره 300 أسير، معظمهم من أعضاء التنظيم ذوي الخبرة، من السجن المركزي في حضرموت. وقد دمّر مقاتلو القاعدة أيضًا العديد من منشآت الحكومة، وأوضحوا للجميع بأنّهم أعداءهم الرئيسيون، يتقاتل الحوثيون والسعوديون الآن على الحكم، وستكون نهاية المنتصر الذي ضعُف واستنفد طاقته أن يقاتل القاعدة للسيطرة على اليمن.

تظهر اليمن كاختبار حقيقي للطموح السعودي في الهيمنة على الشرق الأوسط. سيمكّن إنشاء نظام سعودي جديد في اليمن السعوديةَ من توجيه جيش الوحدة العربية ضدّ دول أخرى متأثرة بالنفوذ الإيراني، ولكن الفشل سيجلب نتائج عكسية ضدّها. في الواقع، فإنّ الاحتمال الأرجح، على ضوء تعقيد المستنقع اليمني، هو أنّ استقرار السعودية في حدّ ذاته سيُقوّض.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع Canthink

اقرأوا المزيد: 837 كلمة
عرض أقل
السعودية ونموّ الدولة الإسلامية
السعودية ونموّ الدولة الإسلامية

السعودية ونموّ الدولة الإسلامية

أنشأت السعودية الأساس الأيديولوجي، السياسي والعسكري لنموّ تنظيم الدولة الإسلامية. إنّ انضمام السعودية للتحالف ضدّ التنظيم لا يتناقض مع استمرار دعمها لتنظيمات الجهاد السنية، ما دامت الأخيرة تفهم مصالح الراعي

إنّ نجاحات تنظيم الدولة الإسلامية ضدّ الجيش العراقي، وقوات الجيش السوري بل وبعض الوحدات من البشماركة الكردية أدت إلى اختراقه السريع للوعي العالمي. ويتمحور الاهتمام بشكل خاص حول آلاف المقاتلين في التنظيم الذين جاؤوا من أنحاء أوروبا، الولايات المتحدة وتركيا. تم تخصيص اهتمام أقلّ لتحالف التنظيم مع قبائل سنية في العراق وجنوب سوريا. هذه التحالفات هي المفتاح لنجاح التنظيم، لكونها وضعت تحت تصرفه مقاتلين وقادة ذوي خبرة خدموا في جيش صدام حسين العراقي بالإضافة إلى سبيل للحصول على التمويل، التسليح والمتطوّعين من المملكة العربية السعودية. وسندرس أدناه العلاقة بين السعودية والتنظيم، والتي في رأيي هناك شكّ في وصول التنظيم لإنجازاته الأخيرة دونها.

إنّ الإعدامات الجماعية للشيعة، والتدمير الواسع لمساجدهم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، تتفق تمامًا مع الموقف السعودي

ترتكز الاستراتيجية السعودية لتحقيق الهيمنة في الشرق الأوسط على اعتقادين، الأول: القناعة الراسخة بأنّ الإسلام الوهابي هو وحده الاعتقاد الحقيقي وينبغي أن يكون المذهب الوحيد لجميع المسلمين. الثاني: الشيعة هم أعداء الإسلام ولذلك لا يجوز المساومة معهم. إنّ الإعدامات الجماعية للشيعة، والتدمير الواسع لمساجدهم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، تتفق تمامًا مع الموقف السعودي. وتعتبر مقولات أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية الذي عيّن نفسه خليفة جديد للأمة الإسلامية، مأخوذة من كتابات المنظّر السعودي ابن القرن الثامن عشر ابن عبد الوهاب، والتي يرتكز عليها أيضًا المذهب الديني في المملكة السعودية. يتم نشر تلك الكتابات وتعليمها في أنحاء الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم. وقد عبّر الكثير من السعوديين مؤخرًا، بما في ذلك مسؤولون حكوميين، عن تأييدهم ودعمهم وفرحهم إزاء المذابح التي تنتهج بحق الشيعة وإزاء احتمال قيام دولة إسلامية سنية – وهابية في سوريا والعراق تقاتل حتى الموت المرتدين الشيعة الذين يسيطرون على دمشق وبغداد، العواصم التاريخية للخلافات الإسلامية الأولى.

قررت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، عام 2009 أنّ المملكة السعودية بقيت هي المموّل والداعم الرئيسي للتنظيمات الإرهابية كالقاعدة، لشكر طيبة الباكستاني وتنظيمات إرهابية أخرى. وقد كشف ريتشارد ديرلاب، الرئيس السابق للاستخبارات البريطانية (MI6) أن الأمير السعودي بندر بن سلطان، الذي عمل سفيرًا للسعودية في الولايات المتحدة، وأحد رؤساء النظام الأمني السعودي، قال له إنّ “السنة تعبوا من الشيعة. فليساعدهم الله. نحن سنعتني بذلك”.

بندر بن سلطان (HASSAN AMMAR / AFP)
بندر بن سلطان (HASSAN AMMAR / AFP)

 

لقد سحب عزل بن سلطان عن منصبه من تنظيم الدولة الراعي الأهم بالنسبة له، واليوم، تكافح السعودية بشكل رسمي التنظيم الذي ساهمت في إنشائه

عمل بن سلطان كثيرًا على تشكيل تحالف ضدّ الشيعة وضدّ إيران في أوساط القبائل السنية في العراق، وحرص خلال عدة سنوت على تمويلهم وتسليحهم كمعارضة مقاتلة للنظام الشيعي في بغداد وراعيه الإيراني. إلى جانب ذلك موّل وشغّل من مصر قناة تلفزيونية فضائية حرّضت تحريضًا كبيرًا ضدّ الشيعة. تمّ عزل بن سلطان من منصبه في بداية عام 2014 وتم إغلاق قناته التلفزيونية في نهاية شهر حزيران الأخير، ولكنه وضع خلال توليه لمنصبه أسس قيام تنظيم الدولة الإسلامية وقوته. وقد جاء عزله بناء على ضغوط أمريكية على النظام السعودي ولكن أيضًا كنتيجة لصراعات القوة الداخلية داخل العائلة السعودية المالكة حول سؤال الوريث المستقبلي للملك عبد الله. وقد خشي معارضو بن سلطان من أن تمنحه مركزيّته في الصراع ضدّ الشيعة دعمًا كبيرًا في أوساط المؤسسة الدينية والنخبة السعودية.

ويبدو أنّ القبائل السنية في العراق ارتبطت بتنظيم الدولة الإسلامية بتعليمات من بن سلطان، وهكذا أصبح التنظيم التهديد الأكبر اليوم على العراق، سوريا والدول التي تحدّها. لقد سحب عزل بن سلطان عن منصبه من تنظيم الدولة الراعي الأهم بالنسبة له، واليوم، تكافح السعودية بشكل رسمي التنظيم الذي ساهمت في إنشائه.

تنظيم الدولة الإسلامية يخدم بشكل جيّد الإرادة السعودية في نشر الإسلام الوهابي، قتال الشيعة وإضعاف مكانة إيران في الشرق الأوسط

ومع ذلك، يقع النظام السعودي في معضلة حقيقية؛ تنظيم الدولة الإسلامية هو الأكثر “نجاعة” من بين جميع التنظيمات الجهادية السنية في الحرب ضد الشيعة وراعيهم الإيراني. وهو بذلك يخدم بشكل جيّد الإرادة السعودية في نشر الإسلام الوهابي، قتال الشيعة وإضعاف مكانة إيران في الشرق الأوسط. ولكن فقدان السيطرة عليه والتأييد الهائل الذي يحظى به زعيم التنظيم في أنحاء الدول العربية والإسلامية يقوّض مطالب العائلة المالكة السعودية في قيادة العالم السني.

بطريقة أو بأخرى، فإنّ انضمام السعودية للتحالف ضدّ التنظيم لا يتناقض مع استمرار دعمها لتنظيمات الجهاد السنية، ما دامت الأخيرة تفهم مصالح الراعي. وكالعادة في الشرق الأوسط، فإنّ الواقعية السياسية تنال الأسبقية على الأيديولوجية والمذهب الديني.

نُشر المقال للمرة الأولى في موقع ‏Can Think

اقرأوا المزيد: 656 كلمة
عرض أقل
تفجير عبوة ناسفة بالقرب من مسجد للطائفة الشيعية في بغداد (AFP)
تفجير عبوة ناسفة بالقرب من مسجد للطائفة الشيعية في بغداد (AFP)

الدولة الإسلامية واللغز الإيراني

تشير الأحداث الماضية ومؤشرات الوقت الراهن إلى أن الجيش الإيراني سيمتنع عن شن حملة شاملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبالتالي فإن الضحايا الشيعية ستزداد ارتفاعا في الشرق الأوسط

لقد قام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بذبح آلاف الشيعة في العراق وسوريا، حتى الآن، وسيطر على إقليم مماثل بمساحته لبريطانيا. أما بالنسبة للموارد الاقتصادية الّتي اغتنمها، فتحوّله إلى التنظيم الإرهابي الأغنى في العالم. إن إعجاب عشرات آلاف الشباب من دول الشرق الأوسط وخارجه بهذا التنظيم، الانخراط في القبائل السنية في العراق وسوريا والفكر السني المتطرف- لذلك، كان من المفترض لكل هذه الأمور حث الجيش الإيراني على شن حملة عسكرية شاملة على الفور. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تحفز إيران، القوة الشيعية العظمى في العالم، بعض كتائبها لاجتثاث تنظيم الدولة الإسلامية من جذوره؟

هددت قيادات سياسية وعسكرية إيرانية، مرارا، أن تستخدم قوتها أمام تنظيم الدولة الإسلامية بسبب “أعمال الذبح بحق الشيعة وتدمير المساجد”. لم يكن لهذه التصريحات أي صدى على أرض الواقع: لكن قامت إيران بإرسال وحدات من الحرس الثوري للدّفاع عن مواقع مقدسة للشيعة، وقد مدّت الجيوش العراقية والسورية بالأسلحة، لكنها تستبعد استخدامها “لكافة قوتها”. إضافة إلى ذلك، فإن عمليات الذبح بحق المسلمين الشيعة، والأقليات الأخرى، ما زالت مستمرة ولم تتوقف بعد، وهذا الخطر يتهدد المناطق الحدودية الإيرانية مع العراق.

إيران، التي تهدف إلى أن تصبح زعيمة العالم الإسلامي، وعلى الأقل العالم الإسلامي الشيعي، لا تستغل فرصة استعداد تنظيم الدولة الإسلامية لاجتياحها، من أجل إنقاذ حلفائها الأكثر أهمية في الشرق الأوسط- سوريا والعراق. ولو فعلت ذلك، لأسعدت القوى الغربية، التي تبغي منع أية تعقيدات عسكرية إضافية في مستنقع الشرق الأوسط. التفت الطوائف الشيعية، من لبنان حتى الخليج الفارسي، حول إيران تحت ما يسمى المواجهة السنية- الشيعية الأكثر احتداما في عصرنا الحاضر، وكان يمكن للنظام، الذي يعاني من انخفاض شعبيته، أن يحارب هذا التنظيم حتى يجعل الجمهور يلتف حوله من جديد. وإضافة إلى ذلك، إنَّ الدخول في معركة مفتوحة وشاملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، من شأنه أن يمنح إيران فرصة ذهبية من أجل استقرار موقف حلفائها في العراق وسوريا، ولمساعدتهم لسحق التمرد المستمر ضدهم، حيث دفعت إيران، إثر ذلك، ثمنا باهضا بعد مقتل الكثير من الجنود والمتطوعين، وكذلك الأمر بالنسبة للموارد الاقتصادية الّتي يصعب على النظام الاقتصادي الإيراني أن يتحمل كلفتها.

ميليشيات شيعية بعد معارك ضارية  ضد مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش) قرب تكريت العراقية (AFP)
ميليشيات شيعية بعد معارك ضارية ضد مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش) قرب تكريت العراقية (AFP)

يمكن فهم الأزمة الإيرانية من خلال عاملين اثنين. الأول، منذ انطلاق الثورة الإيرانية عام 1979، تصادمت كل المصالح الثورية والوطنية مع بعضها البعض، وتغلبت المصالح الوطنية. فهذا ما حصل في الصراع بين أرمينيا المسيحية وأذريبجان الشيعية (1988-1994) في معركة بسبب منطقة “نغورينو-كارباغ”، التابعة للمنطقة التي تسيطر عليها أذريبجان، المسكونة من قبل الأرمن، في حين قامت إيران بدعم الأرمن بصرف النظر عن موت آلاف الشيعة في الصراع (المستمر لغاية اليوم). خشيت إيران من أن يقوم الأذربيجانيون الإيرانيون، والذين يمثلون 20% من عدد أفرادها، بالاتحاد مع أصدقائهم الموجودين خلف الحدود. أضف إلى ذلك العصيان الشيعي ضد صدام حسين في بداية سنوات الـ 90 من القرن الماضي. بالرغم من ذبح ما يقارب ربع مليون شيعي عراقي وتدمير أكثر المواقع قدسية للشيعة، فإن إيران لم تحرك ساكنا من أجل مساعدة الشيعة، من منطلق أن الاهتمام الذي تصبو إليه هو اهتمام قومي في الدرجة الأولى وهو إقامة الدولة بعد الحرب الطويلة التي خاضتها ضد العراق (1980-1988) وقد كان ذلك بالنسبة لها أهم من الاهتمام الديني. ومن هنا، يمكن أن نستنتج أن إيران لن تقبل أن تضع اهتمامها الديني في الأولوية على حساب اهتمامها الوطني.

كما ويمكن تفسير معضلة إيران في عدم تدخلها عسكريا ضد الدولة الإسلامية من خلال الصراع المستمر بين إيران والمملكة السعودية. التدخل العسكري الإيراني من خلال حملة شاملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، من شأنها أن تخلق صراعا على التنافس من أجل السيطرة في مناطق الشرق الأوسط بين الدولتين، ويمكن أن تؤدي إلى نشر قوات إيرانية- عراقية مشتركة على الحدود الغربية للمملكة السعودية، من أجل منع تسلل آلاف الجهاديين السعوديين وكذلك منع تهريب السلاح إلى العراق، ومن هناك إلى سوريا. هذه القوات العسكرية، من شأنها أن تهدد السعوديين، ويمكنها أن تضطر إلى تدهور الحرب بين الدولتين إلى مواجهة عسكرية مباشرة.أثبتت إيران، في الماضي، أنها استطاعت أن تتجنب، قدر المستطاع، مما يمكن أن يجرها إلى الدخول في حرب كهذه، إلّا أنها تبارك العمل عبر وكلاء لها مثل حزب الله في لبنان، الحوثيين في اليمن وحماس في المنطقة.

في الختام، ليس منطقيا أن تشن إيران حملة عسكرية واسعة النطاق ضد تنظيم الدولة الإسلامية، انطلاقا من الأحداث الماضية والاعتبارات الحالية في الوقت الراهن، وكذلك فإن الضحايا الشيعية، في الشرق الأوسط، سترتفع حصيلتها. ومن المفارقات أن تتلاقى المواقف المختلفة في الشرق الأوسط، حيث أن القوة الشيعية المعادية للغرب، تفضل، ولو لم يكن قرارها علانية، أن تقوم القوى الغربية الكافرة بإنقاذ حلفائها والشيعة. ومن هنا نلحظ أن الفكر والواقع السياسي سيصطدمان مع بعضهما البعض حتى ينتصر الأخير في النهاية.

نُشر هذا المقال، لأول مرة، في موقع “Can Think”

اقرأوا المزيد: 714 كلمة
عرض أقل