في الخمسينيات من القرن الماضي دخلت القصص المصوّرة إلى العالم الإسلامي عندما تكيّف ميكي ماوس، عائلته وأصدقاؤه، و “اعتنقوا الإسلام”. أصبحت القصص المصوّرة حلالا ووافقت عليها السلطات، الوزراء والمفوّضون المشرفون على شؤون الثقافة والدين في الدول ذات الغالبية المسلمة. في الغالب كانت تهدف إلى التسلية ووُجهت إلى عموم السكان. وكانت بمثابة أداة تخدم المؤسسة الحاكمة من أجل نشر الأيديولوجية القومية وترسيخها في وعي مواطنيها. ولكن سخرتها المعارضة أو المجموعات المتنافسة سريعا لإنشاء خطاب مضاد وتقويض السلطات وجدول أعمالها.
سرّعت عمليات 11/9، وآثارها على الغرب وخارجه، إحياء القصص المصوّرة الإسلامية. أنشأ فنانون مسلمون شخصيات لأبطال خارقين، أو رجال ونساء مسلمات عاديات، تعيد قصصهم التاريخ الإسلامي. انتشرت القصص المصوّرة الإسلامية في الغالب على المنصّات عبر الإنترنت بالعربية والإنجليزية، كردّة فعل على القصص المصوّرة التي أنتِجت في الغرب وعُرض فيها أبطال خارقون يقاتلون قوى الشر التي تتجسّد، في نهاية المطاف، بمتعصّبين مسلمين. ويذكر رسامو القصص المصوّرة المسلمون، من ناحية أخرى، أنّ الصراع الحقيقي بين قوى النور وقوى الظلام يجري دائما داخل نفس الإنسان.
يحاول رسام القصص المصوّرة الإسلامي إعادة تعريف علاقة الإسلام السني مع “الآخر” في العالم ما بعد 11/9. لقد أخرجت محاولات المصالحة بين السنة والشيعة الأخيرين من فئة “الآخر”. في إحدى القصص المصوّرة يظهر ثلاثة أشخاص، أحدهم يحذّر صديقه من الشيعي الذي يخفي هويته (وفقا لمبدأ التقية). يحتجّ الصديق على هذا الرأي المسبق، وحينها يتوجه الثالث إلى الأول ويحذّره من الشيعة القادرين على قتله بشعاع ليزر يخرج من أعينهم. فيشكره الأول والخوف يظهر في عينيه. في نهاية القصص المصوّرة يتم عرض التحذيرات من الشيعة باعتبارها سخيفة وبعيدة عن الواقع.
تأسست مجلة الـ 99 (التسعة وتسعون) على يد نايف المطوع، أخصائي نفسي ورجل أعمال من أصول كويتية. يقاتل الأبطال الخارقون التسعة وتسعون الذين في المجلة، والمسمّين على اسم أسماء الله الـ 99 والقادمين من 99 دولة مختلفة، ضدّ كل قوى الشرّ في العالم. هناك صفة خاصة لكل بطل تنبع من اسمه: الرحمن، القوي، أو نورة ملكة النور التي تقاتل أعداءها بكرات من نور. تبدأ الرواية عام 1258 للميلاد عندما يحاول هولاكو، حفيد جنكيز خان، السيطرة على بغداد، عاصمة الحضارة حينذاك. يسارع الأبطال الخارقون إلى إنقاذ بغداد ومن هناك تبدأ مغامراتهم، التي تمر بأحداث مهمة في التاريخ الإسلامي.
قال المطوع إنّه طالع في المصادر الإسلامية ووجد أن الإسلام يعارض العنف ويطمح إلى السلام وإلى إقامة العلاقات الجيّدة مع الآخر. بحسب رأيه، فهي ليست قصصا مصوّرة “دينية”: فلا أحد من أبطالها يصلّي أو يدخل إلى المسجد ولا أحد يتحدث عن الإسلام، حتى لو كان هناك بطلات خارقة يرتدين الحجاب على رؤوسهنّ. يقاتل الأبطال الخارقون ضدّ الآراء المسبقة والمتطرّفة، لا يقعون في خطيئة الغطرسة بل ومستعدون للانضمام إلى مجموعة العدالة الأمريكية التي فيها باتمان، سوبرمان، وأبطال خارقون “غربيّون” آخرون.
وفقا للمطوّع، فإن الرسالة التي تهدف إليها المجلة هي التسامُح مع الآخر والاستعداد للتعاون ضدّ كل منتهكي الهدوء والسلام في العالم. في المقابلات معه يقول إن في العالم الإسلامي في عصرنا هناك معسكران. المعسكر المحافظ الذي يعتمد على تفسير تقليدي للمصادر الإسلامية، وفي المقابل المعسكر الثاني، الذي ينتمي المطوع إليه، يلائم تفسير المصادر مع تغيرات الزمان والمكان. يقاتل أبطاله الخارقون من أجل هذا المعسكر، ويأمل المطوع أن يتبنى أبناؤه هذا النهج كنموذج للمحاكاة.
إنّ القصص المصوّرة الإسلامية الحالية تتبنى نهج المساواة بين النساء والرجال في العالم الإسلامي. يروّج الرسّامون والرسّامات لنقل رسالة احترام المرأة وتشجيع الأبناء في الأسرة على المساعدة في المهامّ المنزلية. كُتب في إحدى الرسومات أن النبي محمد نفسه قام بمهام البيت ومن هنا لا ينبغي تركها للأمهات والأخوات.
القصة المصوّرة “القاهرة” هي موضوع رسالة مثير للاهتمام. البطلة الخارقة، التي يتوافق اسمها مع اسم العاصمة المصرية ، هي امرأة مصرية بلباس محافظ تدافع عن النساء وعن الضعفاء. في الحلقة الأولى تشاهد فقيها في الدين يعظ جمهورا من الرجال أنّ “المرأة الجيدة هي المرأة المطيعة”. ردّا على ذلك تقوم المرأة بتعليقه على حبل غسيل وتقول “يجب على المرأة الجيّدة أن تتفوّق في مهامّ المنزل، وخصوصا في تعليق الغسيل”. عندما تسمع محاضرة لامرأة غربية تشرح للنساء مثلها أنّ “هذا هو السبب الذي نحتاج من أجله إلى إنقاذ النساء المصريات” تردّ عليها البطلة الخارقة، بارتجال، قائلة إن النساء المصريات قادرات على تنفيذ ما يردن من دون مساعدة خارجية.
في حلقة أخرى تنقذ القاهرية امرأة مصرية توجّهت إلى محطة الشرطة واشتكت من تحرّشات متكررة من قبل رجال في شوارع المدينة. يصدّق قائد الشرطة شكواها، ولكنه يقترح عليها أن تنظر أولا إلى ملابسها – بلوزة وبنطلون – غير المحتشمة. تغادر المرأة محطة الشرطة يائسة، وفي طريقها إلى منزلها تواجه رجالا آخرين يتحرّشون بها. تهرع البطلة الخارقة إلى مساعدتها، تعلّق الجميع على أعمدة عالية وجدتها في محطة الشرطة وتعد بتعليم المرأة الدفاع عن نفسها.
القصص المصوّرة الإسلامية هي بديل للثقافة العلمانية والأبطال الخارقين الذين يقترحهم الغرب. في نظر المنتجين، فإنّ صناعة الترفيه، السينما الهوليوودية والموسيقى “الغربية” تنشر الكراهية ضدّ الإسلام وتحطّم كل فرصة للسلام والتسامح بين الأديان. بمساعدة القصص المصوّرة يحاول أولئك المنتجات والمنتجين عرض صراع عالمي مشترك بين الجميع: صراع ضد الآراء المسبقة، التعصّب والظلم القائم في كل العالم.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي