في بداية الشهر، عقدت قيادة حماس مؤتمرا صحفيا في الدوحة وأعلنت عن إطلاق مستند سياسي جديد، يهدف إلى تجديد فلسفة صراعها. استغرقت صياغة المستند عامين، ويبدو أنه تمت بلورته على خلفية التغييرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وفي ظل ضغوط مارستها الدولة المستضيفة قطر على القيادة الخارجية لحماس. قطر معنية في الحفاظ على مكانتها كوسيط في كل الترتيبات الإقليمية المستقبلة، لذلك تجبر حماس على التساهل في مواقفها وتبني سياسة خارجية أكثر اعتدالا وانفتاحا.
بتاريخ 17 أيار، نشر المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة كتابا لعزمي بشارة “ ”الجيش والسياسة – إشكاليات نظرية ونماذج عربية”، وبعد مرور ثلاثة أيام، نشر موقع ”العربي الجديد”، حيث أن بشارة هو أحد مديريه مقالا لعزمي تحت عنوان “نظرة إلى حرب حزيران 1967 – بعد مرور 50 عاما”. كما هي الحال مع السياسية القطرية، يكثر عزمي من انتقاد إدارة الأنظمة العربية من ناحية سياسية وعسكرية، لا سيّما الأنظمة في سوريا ومصر.
يتطرق بشارة إلى الزعماء العرب بشأن الخسارة التي لحقت بالدول العربية في حرب 1967، موجها الحوار من الحلبة الحضارية الأيدولوجية إلى الحلبة السياسية – العسكرية. وفق ادعائه، يُحظر نسب الهزيمة إلى ضعف الحضارة العربية، فشل أيديولوجي أو إلى أنظمة الحكم العربية غير الديمقراطية، بل يوضح أنه يجب بحث طريقة اتخاذ القرارات السياسة للحكام العرب بشكل عميق، وبحث الأهلية العملياتية والتكنولوجيا للجيوش العربية، ومدى عزمها على خوض حرب ضد العدو الصهيوني. في هذا السياق، يُذكر بشارة أن منظمات المقاومة في غزة ولبنان صمدت ضد إسرائيل حتى دون أن يكون لديها سلاح جو.
يعتقد بشارة بدعم تام من قطر، أن الزعماء العرب في يومنا هذا ليسوا ملائمين أو شرعيين، سواء لأنهم فقدوا رغبتهم في التعلم من إخفاقاتهم السياسية والعسكرية، أو لأنهم أصبحوا حلفاء إسرائيل من أجل التقارب من الولايات المتحدة الأمريكية أو محاربة إيران. يوصي بشارة لمَن معني في عرض قيادة لائقة باتباع استراتيجيتين كاملتين: التخلص من صورة الضحية وإدارة الدولة، الاقتصاد، السياسة الخارجية، والحرب بشكل مهني.
وافقت قطر على نشر مقال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف تحت عنوان ”مستعدون لإهداء السلام في المنطقة”، إلى جانب مقال بشارة. وفق ادعاء المسؤولين عن الموقع، إضافة إلى أن المقال يعكس موقفا رسميا لدولة هامة في المنطقة، يأتي نشره كجزء من سياسة الموقع تعبيرا عن حرية الرأي لأية جهة كانت.
هكذا يتيح بشارة وقطر لظريف التوجه إلى الرأي العام العربي وإقناعه بألا يعمل وفق محاولات ترهيب “الكيان الصهيوني” من إيران نووية، ويحث العرب على التعاون مع إيران لتجنب زيادة الكوارث الإنسانية في المنطقة. استغل ظريف الفرصة موضحا أن أمن إيران الداخلي لا يأتي على حساب أمن جيرانها، وأنها تلتزم باحترام السيادة الإقليمية لكل دولة في المنطقة. وأكد ظريف ضرورة العمل حل النزاع بطرق سلمية لنزاعات مستقبلية تنشأ بين إيران وجاراتها، ودليل على ذلك ذكر برامج الرئيس روحاني – “عالم خال من العنف”، “حل الأزمة السورية”، و “إقامة ناد للحوار الإقليمي”؛ المساعدة الإيرانية لإعمار العراق وأفغانستان وتحسين الحياة فيهما؛ والمساعدة الإيرانية للكويت أثناء اجتياح صدام حسين إلى أراضيها.
https://www.youtube.com/watch?v=AL2iCDdvDW0
كما واستغل ظريف الفرصة لنقل رسالة إلى السعودية والأمريكيين تشير إلى استعداد بلاده للتعاون في محاربة الإرهاب وإرساء السلام في المنطقة، بما في ذلك في السعودية. وفق أقواله، لتجنب تكرار أحداث الحادي عشر من أيلول، على الرئيس الأمريكي أن يطلب من زملائه السعوديين الكف عن دعم الإرهاب التكفيري في المنطقة بقيادة داعش.
يبدو أن القطريين، الإيرانيين، وجزء من منظمات المقاومة الفلسطينية (حماس) أصبحوا قلقين من اللاعب الجديد في البيت الأبيض، ويفهمون أن عليهم التفكير مجددا. مقابل رجل الأعمال غير المتوقع، العازم على دفع صفقات سلام إقليمية أو حرب، ربما من المجدي أكثر إدارة سياسة خارجية تستند إلى مصالح سياسة، اقتصادية، وعسكرية، وليس على أيدولوجية أو قيم أيا كانت.
يستخدم بشارة، من أجل مصلحة القطريين قدراته الفكرية، السياسية، والإعلامية لتعزيز مكانة الدولة الداعمة قطر وإزالة العقبات الممكنة من طريقها. فهو يساعد في صياغة فلسفة صراع حماس ليتلاءم مع الحوار الإقليمي والعالمي الجديد، يدير حملة توعية مكثّفة ضد الحكام العرب الذين تجاهلوا الشعب الفلسطيني، ويتوخى الحذر من إثارة غضب إيران وتركيا، اللتين تتعاونان أحيانا مع الراعية قطر.
ترامب مستعد للرقص “رقصة السيوف” بهدف كسب رضا السعودية، حليفة أمريكا، ولكن يؤكد على أنه لن يشهر سيفه إشارة إلى أنه منفتح لأي اقتراح. تعرب قطر الدولة الصغيرة عن استعدادها للرقص مع الذئاب في إيران وتركيا لتؤكد للسعودية الكبيرة أنها ليست فريسة سهلة. من جهتهم، الإيرانيون معنيون بالرقص مع الجميع – مع الشيعة والسنة، والعرب والمسلمين في الوقت ذاته.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي