رونيت مرزان

دكتوراة في تاريخ الشرق الأوسط، تدرّس في كلية العلوم السياسية في جامعة حيفا. خدمت لمدّة 32 عاما في الأمن والاستخبارات
ترامب يرقص رقصة السيوف (AFP)
ترامب يرقص رقصة السيوف (AFP)

مَن يرقص مع مَن في الشرق الأوسط

رقص ترامب "رقص السيوف" في السعودية موقعا على صفقة سلاح باهظة، بالمقابل ما زالت قطر تعزز قدراتها وترقص أيضًا مع تركيا وإيران. تُذكر إيران العرب بحربها القاسية ضد الجهاد السني

في بداية الشهر، عقدت قيادة حماس مؤتمرا صحفيا في الدوحة وأعلنت عن إطلاق ‏‎ ‎‏مستند سياسي‏‎ ‎‏ جديد، يهدف إلى تجديد فلسفة صراعها. استغرقت صياغة المستند عامين، ويبدو أنه تمت بلورته على خلفية التغييرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وفي ظل ضغوط مارستها الدولة المستضيفة قطر على القيادة الخارجية لحماس. قطر معنية في الحفاظ على مكانتها كوسيط في كل الترتيبات الإقليمية المستقبلة، لذلك تجبر حماس على التساهل في مواقفها وتبني سياسة خارجية أكثر اعتدالا وانفتاحا.

بتاريخ 17 أيار، نشر المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة كتابا لعزمي بشارة “‏‎ ‎‏‏‎”‎الجيش والسياسة – إشكاليات نظرية ونماذج عربية‎”‎‏‏، وبعد مرور ثلاثة أيام، نشر موقع ‎ ‎‏‏‎”‎العربي الجديد‎”‎‏‏، حيث أن بشارة هو أحد مديريه مقالا لعزمي تحت عنوان “نظرة إلى حرب حزيران 1967 – بعد مرور 50 عاما”‎‏‏‎‏‎.‎‎ ‎كما هي الحال مع السياسية القطرية، يكثر عزمي من انتقاد إدارة الأنظمة العربية من ناحية سياسية وعسكرية، لا سيّما الأنظمة في سوريا ومصر.

يتطرق بشارة إلى الزعماء العرب بشأن الخسارة التي لحقت بالدول العربية في حرب 1967، موجها الحوار من الحلبة الحضارية الأيدولوجية إلى الحلبة السياسية – العسكرية. وفق ادعائه، يُحظر نسب الهزيمة إلى ضعف الحضارة العربية، فشل أيديولوجي أو إلى أنظمة الحكم العربية غير الديمقراطية، بل يوضح أنه يجب بحث طريقة اتخاذ القرارات السياسة للحكام العرب بشكل عميق، وبحث الأهلية العملياتية والتكنولوجيا للجيوش العربية، ومدى عزمها على خوض حرب ضد العدو الصهيوني. في هذا السياق، يُذكر بشارة أن منظمات المقاومة في غزة ولبنان صمدت ضد إسرائيل حتى دون أن يكون لديها سلاح جو.

يعتقد بشارة بدعم تام من قطر، أن الزعماء العرب في يومنا هذا ليسوا ملائمين أو شرعيين، سواء لأنهم فقدوا رغبتهم في التعلم من إخفاقاتهم السياسية والعسكرية، أو لأنهم أصبحوا حلفاء إسرائيل من أجل التقارب من الولايات المتحدة الأمريكية أو محاربة إيران. يوصي بشارة لمَن معني في عرض قيادة لائقة باتباع استراتيجيتين كاملتين: التخلص من صورة الضحية وإدارة الدولة، الاقتصاد، السياسة الخارجية، والحرب بشكل مهني.

وافقت قطر على نشر مقال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف تحت عنوان ‎‏‏‎ ‎‏‏‎”‎مستعدون لإهداء السلام في المنطقة‎”‎‏، إلى جانب مقال بشارة‏‎.‎‎ ‎وفق ادعاء المسؤولين عن الموقع، إضافة إلى أن المقال يعكس موقفا رسميا لدولة هامة في المنطقة، يأتي نشره كجزء من ‏‎ ‎‏سياسة الموقع‏‎ ‎‏ تعبيرا عن حرية الرأي لأية جهة كانت‎.‎

هكذا يتيح بشارة وقطر لظريف التوجه إلى الرأي العام العربي وإقناعه بألا يعمل وفق محاولات ترهيب “الكيان الصهيوني” من إيران نووية، ويحث العرب على التعاون مع إيران لتجنب زيادة الكوارث الإنسانية في المنطقة. استغل ظريف الفرصة موضحا أن أمن إيران الداخلي لا يأتي على حساب أمن جيرانها، وأنها تلتزم باحترام السيادة الإقليمية لكل دولة في المنطقة. وأكد ظريف ضرورة العمل حل النزاع بطرق سلمية لنزاعات مستقبلية تنشأ بين إيران وجاراتها، ودليل على ذلك ذكر برامج الرئيس روحاني – “عالم خال من العنف”، “حل الأزمة السورية”، و “إقامة ناد للحوار الإقليمي”؛ المساعدة الإيرانية لإعمار العراق وأفغانستان وتحسين الحياة فيهما؛ والمساعدة الإيرانية للكويت أثناء اجتياح صدام حسين إلى أراضيها.

https://www.youtube.com/watch?v=AL2iCDdvDW0

كما واستغل ظريف الفرصة لنقل رسالة إلى السعودية والأمريكيين تشير إلى استعداد بلاده للتعاون في محاربة الإرهاب وإرساء السلام في المنطقة، بما في ذلك في السعودية. وفق أقواله، لتجنب تكرار أحداث الحادي عشر من أيلول، على الرئيس الأمريكي أن يطلب من زملائه السعوديين الكف عن دعم الإرهاب التكفيري في المنطقة بقيادة داعش.

يبدو أن القطريين، الإيرانيين، وجزء من منظمات المقاومة الفلسطينية (حماس) أصبحوا قلقين من اللاعب الجديد في البيت الأبيض، ويفهمون أن عليهم التفكير مجددا. مقابل رجل الأعمال غير المتوقع، العازم على دفع صفقات سلام إقليمية أو حرب، ربما من المجدي أكثر إدارة سياسة خارجية تستند إلى مصالح سياسة، اقتصادية، وعسكرية، وليس على أيدولوجية أو قيم أيا كانت.

يستخدم بشارة، من أجل مصلحة القطريين قدراته الفكرية، السياسية، والإعلامية لتعزيز مكانة الدولة الداعمة قطر وإزالة العقبات الممكنة من طريقها. فهو يساعد في صياغة فلسفة صراع حماس ليتلاءم مع الحوار الإقليمي والعالمي الجديد، يدير حملة توعية مكثّفة ضد الحكام العرب الذين تجاهلوا الشعب الفلسطيني، ويتوخى الحذر من إثارة غضب إيران وتركيا، اللتين تتعاونان أحيانا مع الراعية قطر.

ترامب مستعد للرقص “رقصة السيوف” بهدف كسب رضا السعودية، حليفة أمريكا، ولكن يؤكد على أنه لن يشهر سيفه إشارة إلى أنه منفتح لأي اقتراح. تعرب قطر الدولة الصغيرة عن استعدادها للرقص مع الذئاب في إيران وتركيا لتؤكد للسعودية الكبيرة أنها ليست فريسة سهلة. من جهتهم، الإيرانيون معنيون بالرقص مع الجميع – مع الشيعة والسنة، والعرب والمسلمين في الوقت ذاته.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 687 كلمة
عرض أقل
(AFP)
(AFP)

ما بين المسار السياسي والجهاد الإسلامي

على خلفية الصراع على السيطرة داخل المناطق الفلسطينية وعلى قيادة السلطة الفلسطينية وحماس، بتدخل إقليمي، يقترح قائد حركة الجهاد الإسلامي العودة إلى الصراع المُسلح

ألقى قائد حركة الجهاد الإسلامي رمضان شَلَح، بتاريخ 21 تشرين الأول، خطابًا في الذكرى الـ 29 لتأسيس الحركة. لم يكن خطابه مختلفًا عن خطاباته السابقة، ولكن قد تغير فيه السياق التاريخي والجيوسياسي. يمكن لشلَح، بعد مرور 23 عاما على فشل اتفاقيات أوسلو وعلى ضوء التغييرات في الداخل الفلسطيني وفي الساحة العربية الإسلامية والدولية، ألا يعير اهتمامًا بالسؤال “ماذا سيحدث بعد رحيل أبو مازن” وأن يهتم بالسؤال الأهم: “ماذا سيحدث بعد ضياع فلسطين؟!”.

تم إبعاد حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي تأسست في أواسط الثمانينات وكانت من الحركات البارزة في الانتفاضة الأولى، إلى هامش الساحة السياسية بعد توقيع اتفاقيات أوسلو.  كانت الحركة طوال عقدين وأكثر حركة عسكرية مُتطرفة عملت على إفشال كل هدنة لم تتم بالاتفاق معها. لم تؤسس الحركة بنى تحتية مدنية لها ولم تشارك في الانتخابات للسلطات المحلية، السلطة التشريعية أو الرئاسية، ولهذا بقيت حركة هامشية في اللعبة السياسية الفلسطينية.

يُطالب قائد الجهاد الإسلامي رمضان شَلَح، قبل أن يجد هو ذاته وحركته أنفسهم أمام ترتيبات سياسية جديدة يكون فيها مروان البرغوثي رئيسًا لفلسطين وخالد مشعل رئيسًا لحكومتها، بأن تُعاد الأمور إلى نِصابها. طالب شلَح في خطابه إلغاء اتفاق أوسلو، سحب الاعتراف بإسرائيل، إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بلورة استراتيجية وطنية للنضال المُسلح المُشترك تضم كل مكوّنات الشعب الفلسطيني (في الضفة الغربية، غزة، وداخل حدود أراضي 48 وفي الشتات)، وتعزيز حركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل. وقد جّه انتقادات حادة ضد الأنظمة العربية التي تخلت عن النضال من أجل تحرير فلسطين وقامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

تُهدد ثلاثة عوامل بإخراج القضية الفلسطينية من الأجندة العربية والعالمية، ومن شأن تلك العوامل إفراغ استراتيجية النضال الفلسطيني من أدواتها. العامل الأول هو محاولة الأنظمة في تركيا، إيران، وقطر قيادة المنطقة بدلا من الأنظمة العربية القمعية و “العلمانية” وإنقاذ فلسطين من براثن إسرائيل. العامل الثاني هو تجاهل اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية لما يحدث في الميدان، بسبب مشاكل تعصف بالمنطقة والعالم بأكمله. فمن جهة يعتبر تنفيذ عمليات “سكين المطبخ” وإطلاق القذائف من الجانب الفلسطيني بين الحين والآخر، والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، عاديا أمام القضايا الأكثر اشتعالاً، بكل ما في الكلمة من معنى.

بينما العامل الثالث هو أزمة الحكم داخل السلطة الفلسطينية واستمرار عدم الثقة بالقيادات السياسية في غزة والضفة الغربية، والتي ظهرت تداعياتها بشكل واضح من خلال الاستطلاع الجماهيري الذي أُجري مؤخرًا في المناطق الفلسطينية. يزيد هذا الواقع من تعاون منظمات المُجتمع المدني في المناطق الفلسطينية، وحتى أنه في العام الأخير تم تأسيس جهة واسمها “وطنيون من أجل إنهاء الانقسام”، تضم شخصيات معروفة في الحركة الوطنية العالمية العلمانية والإسلامية الفلسطينية وكانت قد قُوبلت بالتشكيك من قبل السلطة الفلسطينية. تُعتبر مبادرات التعاون غير جديدة على نطاق الساحة الداخلية الفلسطينية وهي تظهر دائمًا في ظل أزمة سياسية ما.

يُشير هذا الصراع الدائر بين فتح وحماس حول مسألة من يرث أبو مازن كرئيس السلطة الفلسطينية وخالد مشعل كرئيس للجناح السياسي في حركة حماس، وتدخل جهات عربية في الموضوع، إلى التعلق الفلسطيني المتزايد باللاعبين الإقليميين. لا شك أن طرق أبواب القادة العرب، المسلمين، والدوليين، من قبل أبو مازن ، خالد مشعل، محمود الزهار، موسى أبو مرزوق، جبريل الرجوب، محمد دحلان وأيضًا مروان البرغوثي، للحصول على شرعية لقيادتهم الحالية أو المستقبلية، هو أكبر تعبير على المستوى المنحط الذي وصلت إليه القيادة الفلسطينية بعد موت ياسر عرفات. يضطر، في الواقع، الساعون للتربع على عرش القيادة الفلسطينية إلى طلب المساعدة من الخارج لكي تتم التوصية بأن يتولوا السلطة على من ضاقوا بهم ذرعًا في الداخل.

ألقى شَلَح خطابه على خلفية وطنية – فلسطينية ودينية وروح إسلامية جهادية تهدف إلى بعث الروح في الشعب الفلسطيني المتشائم ولوضعه أمام سؤال “ماذا سيكون بعد فلسطين”. في المقابل، اختار أبو مازن التحدث عن المسار السياسي والمدني الذي اختاره: خطابات من على منصة الأمم المتحدة، دعم المبادرة الفرنسية قدما، المُشاركة في جنازة ضحايا الإرهاب في باريس، وحتى المشاركة في جنازة شمعون بيريس، آخذًا بذلك مُخاطرة سياسية كبيرة.

هل سيختار الشعب الفلسطيني اليائس طريق أبو مازن، التي لم تساعده حتى الآن على مستوى الساحة الدولية وفي إسرائيل، أو سيختار طريق رمضان شلَح والعودة إلى نقطة البداية في الصراع والنضال المُسلح ضد إسرائيل؟

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 636 كلمة
عرض أقل
متظاهرون مصريون في القاهرة يهتفون "يسقط حكم العسكر" احتجاجا على صفقة بيع جزيرتين مصريتين للسعودية (AFP)
متظاهرون مصريون في القاهرة يهتفون "يسقط حكم العسكر" احتجاجا على صفقة بيع جزيرتين مصريتين للسعودية (AFP)

الشباب القلقون في أوروبا والشرق الأوسط

الاغتراب بين الأجيال، بين المركز والهامش، بين النخبة صاحبة الامتياز وبين الشعب البسيط والمهمَل في الهامش، يُشكل وصفة ثابتة للسخط الاجتماعي، الاقتصادي، والسياسي ويتجاوز الثقافات والدول

في الشهر الماضي فرضت الطبقات الاجتماعية المهملة والفقيرة في الهامش البريطاني على المركز اللندني الكوسموبوليتي والمرتوي مغادرة الاتحاد الأوروبي، والتجمع داخليا إلى داخل الوطن القومي. وذلك بهدف حماية بريطانيا من موجات الهجرة الأجنبية التي تهدد بدفع الطبقات الفقيرة نحو هامش النظام الاقتصادي والاجتماعي بشكل أكبر.

قبل خمس سنوات من ذلك انتفض عشرات المضطهدين في الدول العربيّة على الحكم المركزي الفاسد في القاهرة، تونس، دمشق، طرابلس، صنعاء، وبغداد وطالبوا بكسب الرزق، الحرية، والعدالة الاجتماعية.

تشير نظرة إلى مجريات الأحداث في أوروبا والشرق الأوسط إلى موجات معاكسة من التفكيك والتجميع. تظهر في أوروبا بوادر أولى لتفكك البيت القومي الأعلى المشترك، والذي يجد صعوبة في أداء المهمة السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية التي قام من أجلها، والاجتماع داخل الأوطان القومية بهدف حمايتها من التغييرات الديمغرافية وفقدان الهوية.

بريطانيون يطالبون البقاء في الاتحاد الأوروبي (AFP)
بريطانيون يطالبون البقاء في الاتحاد الأوروبي (AFP)

في المقابل، في الشرق الأوسط تظهر بوادر تفكك بعض الدول القومية العربية، والتي لم تؤدِ دورها في عقدها الاجتماعي مع مواطنيها، لصالح وطن مشترك. في حين أن داعش تسعى إلى أن يرتكز هذا الوطن على الإسلام، يسعى ناشطون شباب آخرون إلى تأسيسه ليرتكز على دولة مدنية تضمن مساواة الحقوق للجميع.

ورغم أن النيوليبرالية قد عُرضت كسياسة تهدف، بشكل ثانوي على الأقل، إلى الرخاء الاقتصادي للجميع، فإنّ مصير المواطن البسيط، سواء في الغرب أو في الشرق الأوسط، بات تحت رحمة أصحاب رؤوس الأموال. لقد حرصوا على مصالحهم الاقتصادية ومصالح نخب أخرى، ولذلك نمت فجوات في الدخل في كل البلدان كانت ذات معدّل ينذر بالخطر.

يصف باحثون وباحثات مسلمون وعرب في أبحاثهم التغيير الذي طرأ في أوساط الشباب في الشرق الأوسط، والذين سئموا من الأيديولوجيات القومية والدينية ويطالبون بقومية عربية مؤسسة على الثقافة المشتركة وقيم التسامُح، الاحترام المتبادَل، الحرية، العدالة الاجتماعيّة، وحقوق الإنسان. وقد ادعى طارق رمضان، حفيد حسن البنا (مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر) ومحاضر دراسات الإسلام في جامعة أوكسفورد، باستمرار أنّ ليس هناك تناقض بين الإسلام وبين الديمقراطية والتعددية، وأنّ الدين الإسلامي يمكن ويجب أن يكون إطارا يشكّل هوية تربي على الليبرالية والتعددية وليس على العنف والطائفية.

تصف الدراسات شبانا عربا يذكرون أن الدولة تنتمي لمواطنيها، وعليها أن تضمن لهم عيشا كريما ومساواة في الحصول على الموارد. يتحرك هؤلاء الشبان بشكل طبيعي بين نسيج من الهويات: العربية، الدينية، العائلية، الحديثة والغربية. بالنسبة لهم فالإسلام هو تقاليد وتراث ولكنه أيضًا بوصلة قيمية وأخلاقية للمجتمع العادل والمنصف. إنهم يرفضون محاولات الحكام العرب لإنشاء مظهر لمجتمع متقدم، علماني، وحديث معرّض لتهديد الإسلام السياسي، بل ويتزايد لديهم الشعور بالاغتراب عن هذه الأنظمة نتيجة لذلك. إنهم لا يرغبون في الوحدة ضدّ الإمبريالية، بل يرغبون في الوحدة ضدّ غياب العدالة في الوطن.‎ يفر الكثير منهم إلى الغرب بسبب تهديد قمع هذه الأنظمة من جهة، والدولة الإسلامية من جهة أخرى، حيث يسعون هناك إلى تحقيق أحلامهم.

في حين أن الجيل الأوروبي الأكبر سنّا قلق من أن تأتي هذه الأحلام على حسابه، وبشكل مماثل للجيل الأكبر سنّا في الشرق الأوسط، والذي يحفزه الانغلاق والانفصالية القومية، الثقافية والدينية، فإنّ الشباب البريطانيين سكان المدن تحديدا (في سن 18-34)، الذين يواجهون أيضا آثار النيوليبرالية، قد فضّلوا الحدود المفتوحة. وعلى غرار أبناء جيلهم في الدول العربيّة فهم يفضّلون التضامن الثقافي المتجاوز للقومية والتعددية الاجتماعية. في الواقع، فهم وشباب كثيرون في الشرق الأوسط يتشاركون بينهم الأحلام واللغة المشتركة، ويمكّنهم الحيّز الافتراضي من إنزال الأسوار المادية وأسوار الوعي والحدّ من الشك والخوف المتبادل.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 514 كلمة
عرض أقل
مظاهرة في الخليل للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين (Flash90Wisam Hashlamoun)
مظاهرة في الخليل للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين (Flash90Wisam Hashlamoun)

الإرهاب في إسرائيل: تورط سكان الخليل

تشكل الحمائل عاملا في تشكيل أنماط احتجاج الشباب من الخليل. إنها متورطة، في أعداد آخذة بالتزايد، في الإرهاب ضد إسرائيل وتشكل تحديا سواء على فتح أو على حماس

في تشرين الثاني عام 2013 اغتالت وحدة يمام (وحدة قتالية لمكافحة الإرهاب) خلية ذات 3 مطلوبين: محمود النجار، موسى محمد موسى مخامرة من يطا، ومحمد فؤاد نيروخ من الخليل. كان الثلاثة أعضاء في “مجلس شورى المجاهدين”، الذي عمل على بناء بنية تحتية عسكرية لتنفيذ العمليات ضدّ السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، بما في ذلك عمليات الاختطاف. قال شقيق محمد نيروخ إنّ أخيه كان عضوا في حماس ولكنه انسحب من الحركة وانضم إلى تنظيم سلفيّ جهادي منذ أن كان في السجون الإسرائيلية.

مروان القواسمي وعامر أبو عيشة
مروان القواسمي وعامر أبو عيشة

بعد شهر من ذلك نشر تنظيم “مجلس شورى المجاهدين أكناف بيت المقدس” بيانا عن بدء تبلوره وقيامه في الضفة وعرّف أهداف الكفاح: اليهود الكفار والسلطة الفلسطينية. قيل في البيان إنّ العناصر الثلاثة الذين اغتالتهم قوة الجيش الإسرائيلي في منطقة الخليل في تشرين الثاني كانوا من عناصره الذين قُتلوا في “كمين نصبه اليهود الكفرة الذين تلقّوا معلومات من عملاء السلطة الفلسطينية”. بل أعلن فرع الضفة الغربية لتنظيم الدولة الإسلامية في حزيران 2014 عن مسؤوليته عن اختطاف الشبان الإسرائيليين الثلاثة انتقاما على اغتيال المطلوبين الثلاثة. خرج الخاطفون، مروان قواسمي وعمر أبو عيشة، من مدينة الخليل.

وكما يبدو فإنّ أبناء العمومة محمد وخالد مخامرة من يطا، اللذين نفّذا عملية سارونا (في تل أبيب) هذا الأسبوع، هما أقرباء موسى مخامرة الذي اغتيل في تشرين الثاني 2013. على خلفية المكتوب أعلاه يُطرح عدد من الأسئلة.

أولا، هل منفذا العملية في سارونا هما جزء من شبكة سلفية جهادية أقيمت من قبل موسى مخامرة؟ هل العملية هي جزء من نمط سلوك ثابت للحمائل في الخليل وما حولها، والتي تُخرِج عمليات عدوانية كلما ازداد الاحتمال لمصالحة فلسطينية وتجديد العملية السياسية؟ إنّ استعداد قادة مصر، الأردن، والسعودية للانضمام إلى تجديد العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين كان خطيرا، في نظر المعارضين للتسوية، وقد تثير العملية في مجمع سارونا رد فعل عاطفي إسرائيلي وبالتالي قد تحبط استئناف العملية السياسية.

محمد وموسى مخامرة
محمد وموسى مخامرة

ثانيا، هل العملية هي تحدّ لإجراءات الاعتدال في حماس وفتح وانحرافهما عن طريق الجهاد، لإيقاف الفصائل العسكرية الإسلامية والعلمانية، وتحد لتعاون السلطة الفلسطينية وحماس مع إسرائيل؟

في دراسة منذ العام 2012 من قبل باحثات وباحثين من معهد راند، شارك فيها 600 مشارك بين أعمار 18-30 – كان 50% منهم تقريبا من الخليل، و 25% تقريبا من رام الله، و 25% تقريبا من جنين. كان سؤال البحث المركزي حول ما إذا كان العامل المحفز للتطرّف العنيف في أوساط الشباب هو الأخلاق، فعالية العنف وتكلفته، أو غياب العلاقة الاجتماعي والأسرية مع العناصر العسكريين.

جانب من مسرح الاعتداء الإرهابي في تل أبيب، الذي أودى بحياة 4 إسرائيليين ( Ben Kelmer/Flash90)
جانب من مسرح الاعتداء الإرهابي في تل أبيب، الذي أودى بحياة 4 إسرائيليين ( Ben Kelmer/Flash90)

أجاب نحو 80% من المستطلَعة آراؤهم أنّ هناك تأثير كبير أو تأثير معين لأفراد أسرهم على القرارات الرئيسية في حياتهم، ونحو 90% أجابوا أنّهم يلتقون أقل من مرة واحدة في الشهر مع الأصدقاء أو الجيران. بكلمات أخرى، الأسرة ذات تأثير أكبر على سلوك الشبان مقارنة بأصدقائهم وجيرانهم. وقد وُجد أيضا أن المستطلَعة آراؤهم الذين لم يكن أفراد أسرهم متورطين في احتجاج عنيف، ولم يكونوا مطلوبين أو معتقلين بسببه، كانوا يميلون إلى عدم المشاركة في مثل هذا الاحتجاج، والعكس. أي إنّ الخوف من عوامل القمع من شأنه أن يجعل المواقف معتدلة، ولكن مشاعر الالتزام للأسرة من شأنها أن تدفع الخوف جانبا.

وجد الدكتور هرئيل حوريف من جامعة تل أبيب، والذي درس العلاقات الأسرية في الخليل، أنّ الحمائل الخليلية تكرّس القيم الجماعية للأسرة والمؤسسة القضائية العشائرية لاعتبارات أيديولوجية، سياسية، اقتصادية واجتماعية. إنّ التماسك الاجتماعي الكبير لديها وصعوبة اختراقها يُجبر السلطات الحكومية في كثير من الأحيان على طلب مساعدة رؤساء الحمائل من أجل فرض النظام في المنطقة.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 535 كلمة
عرض أقل
حزب الوفاء والاصلاح الجديد
حزب الوفاء والاصلاح الجديد

تعرّفوا: الحزب الإسلامي الجديد في إسرائيل

هل سيتبنى حزب "الوفاء والإصلاح" الجديد خطابا إسلاميا راديكاليا أم سيشقّ طريقا جديدا وبديلة عن الأحزاب العربية المتآكلة في إسرائيل؟

في مؤتمر إطلاق حزب “الوفاء والإصلاح” والذي عُقد في فندق بالناصرة في بداية الأسبوع تم عرض خمسة مؤسسين: الشيخ حسام أبو ليل، رئيس الحزب وعضو سابق في الشق الشمالي للحركة الإسلامية، والذي تم إخراجه عن القانون، هبة عواودة، حسن صنع الله، إبراهيم أبو جابر، ومحمد صبحي جبارين. قدّم المتحدثون الحزب كسياسي، غير برلماني ومؤسس على القيم الإسلامية، وحدّدوا له عدة أهداف أولية: الحفاظ على المبادئ الوطنية، تعزيز الإصلاح الاجتماعي، إحباط محاولات الترحيل ومصادرة الأراضي، تعزيز أداء لجنة المتابعة، والقضاء على العنف في المجتمع العربي.

حظيت شريحتان من جمهور الهدف بتعامل خاص في كلام المؤسسين: النساء والشباب، وهما مجموعتان تعانيان من الإقصاء والتهميش وقد تجدان في الحزب الجديد إنعاشا جديدا وبديلا جيّدا عن الأحزاب العربية الآخذة بالتآكل.‎ تمثل أزمة الأجيال، الأزمة الأخلاقية – القيمية وأزمة القيادة التي تضرب المجتمع العربي في إسرائيل أرضية مريحة لظهور حزب جديد يدمج بين الخطاب القومي العلماني والديني الإسلامي، وبين الخطاب الاجتماعي والخطاب القومي السياسي. تحدثت هبة عواودة، وهي من مجال التربية وقد وُضعت في منصب نائب رئيس الحزب، عن أهمية مشاركة المرأة كأحد عوامل التغيير الرئيسية على المستوى القيمي، الاجتماعي، والتربوي، وأكّد جبارين على أهمية مشاركة الشباب في العمل الحزبي.

وتدرك قيادة الحزب أنّ هوية الرئيس وبعض الأعضاء قد تربط بينه وبين الشق الشمالي، ولذلك عادت وأكّدت أنه حزب مستقل وعضو في لجنة المتابعة العليا للعرب في إسرائيل وكشريك لجميع الأحزاب العربية في تمثيل مجموع السكان العرب في إسرائيل. كان ينبغي لوجود محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة، في المؤتمر الصحفي في الفندق أن يمنح الحزب مشروعية سياسية وأن يرسل رسالة واضحة إلى السلطات في إسرائيل.

إنّ المواقف التي عبّر عنها مؤسسو الحزب بخصوص مشاركة الحزب في انتخابات الكنيست وشروط القبول للحزب من شأنها أن تسلّط الضوء على توجّهاته السياسية. بخلاف الشقّ الشمالي للحركة الإسلامية، والذي نفى جملةً وتفصيلًا المشاركة في الانتخابات، يحافظ الحزب الجديد على مساحة مناورة سياسية ويصرّح أنّه لا يستبعد المشاركة المستقبلية في انتخابات الكنيست. ويسعى الحزب إلى تمرير رسائله إلى الجمهور خارج الكنيست، ولكن موقفه حول الموضوع سيُدرس من وقت لآخر تبعًا للظروف. ويوضّح التفريق الذي طرحته عواودة بين الحزب “غير البرلماني” و “المعادي للبرلمان” جيّدا بأنّ الحزب لا يستبعد مبدئيا المجال البرلماني الإسرائيلي. ربما تعلّم من كان في الشقّ الشمالي من الحزب شيئا من أخطاء الجيل المؤسس للحركة الإسلامية، وهم يعتمدون قواعد أخرى للخطاب السياسي بحيث لا تثير ضدّهم المؤسسة السياسية (والأمنية) في إسرائيل وربما أيضًا يكونون أكثر فاعلية في العلاقة مع المجتمع العربي.

بخلاف الشق الشمالي للحركة الإسلامية، والذي كان أعضاؤه مسلمون متديّنون، يفتح الحزب الجديد أبوابه أمام كافة السكان العرب- المسلمين والمسيحيين، المتديّنين والعلمانيين – شريطة أن يعلن المنضمون التزامهم بالموقف الوطني الفلسطيني العربي. هنا أيضًا يبدو أنّه توجد عبرة دروس ناتجة عن انعدام شعبية الأحزاب الإسلامية في إسرائيل، في الكنيست وخارجه، منذ الثمانينيات، والذي نبع من أسلوب الحياة الديني الذي فرضه الحزب على أعضائه. وأوضحت عواودة، التي ترتدي حجابا على رأسها، أنّه يمكن للنساء غير المتحجّبات أيضًا الانضمام إلى الحزب، وأبرزت الطابع الوطني والاجتماعي – الأخلاقي له.

وسواء كان سليلا للشق الشمالي أو حزبا جديدا، فمن المهم ملاحظة تطورّ الأيديولوجية والممارسة لدى “الوفاء والإصلاح” على مدى الزمن. يبدو أنّ تجريم الشقّ الشمالي قد حقق أهدافه، وستعمل قيادة الحزب الجديد داخل حدود الخطاب السياسي الإسرائيلي من دون تجاوز الخطوط الحمراء كما فعلت سابقتها. ربّما يتنازل رئيس الحزب، أبو ليل، عن الخطاب الإسلامي لصالح خطاب أكثر تعددية. إنّ نظرة خاطفة إلى الساحة الشرق أوسطية تشهد جيّدا أنّ الإسلام، وأكثر من ذلك الراديكالي منه، غير قادر على أن يكون حلّا للأزمة السياسية، أزمة الأجيال، الأزمة الاجتماعية، الاقتصادية، الطائفية، والجنسانية التي تضرب المجتمعات العربية وخصوصا الشباب العرب.

نشر هذا المقال لأول مرة في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 569 كلمة
عرض أقل
خالد مشعل يلتقي بالشيخ يوسف القرضاوي في قطر (AFP)
خالد مشعل يلتقي بالشيخ يوسف القرضاوي في قطر (AFP)

تسخير قوة قطر من أجل تسوية سياسية مع الفلسطينيين

تعطي موارد قطر وسياساتها الذكية قوة نادرة لها وقدرة على التأثير على الاستقرار الإقليمي. من المهم تسخيرها لتعزيز تسوية سياسية مع القيادة الفلسطينية، لأنّ الأمر سيزداد سوءًا

الثورات في العالم العربي، والتي أدت إلى إسقاط بعض الأنظمة العربية، وحركة المقاطعة العالمية ضدّ إسرائيل (BDS) هما وجهات لنفس العملة القطرية. تدير الدولة الأصغر في الشرق الأوسط منذ نحو عقد من الزمن حملة منظّمة ومنهجية لبناء نظام جديد في الشرق الأوسط يمزج بين القومية العربية والإسلام السياسي.

تحقّقَ استقرار دولة قطر الداخلي بفضل تركيبتها السكانية: نحو 300 ألف مواطن ونحو مليون من العمال الأجانب المهاجرين؛ سياسة رعاية اجتماعية سخيّة جدّا؛ تعزيز الثقافة والهوية الوطنية (من بين أمور أخرى، من خلال توفير حوافز للرجال القطريين فيما يتعلق بالزواج من النساء القطريات وحظر الزواج من الأجانب على النساء المحلّيات) وبالطبع دعم الإسلام السياسي. ولكن، يسعى حكام قطر إلى مكانة مركزية ونفوذ إقليمي، وقد قاموا بذلك من خلال علاقات خاصة نسجوها مع ثلاثة شخصيات: الشيخ يوسف القرضاوي، عزمي بشارة وخالد مشعل.

منح القرضاوي، الذي يعتبر أكبر الفقهاء الناشطين اليوم في عالم الفقه السنّي، إذنًا دينيّا لإسقاط الأنظمة الاستبدادية العربية وأُرسِل إلى ميدان التحرير في مصر من أجل دعوة الثوار المسيحيين والمسلمين إلى توحيد القوى. وكان عزمي بشارة، عضو الكنيست السابق والفيلسوف والمفكّر العربي، بوصلة للثوار الشباب في تونس، مصر، سوريا وليبيا وشجّعهم على الانتقال من خطاب الغضب إلى خطاب الثورة. انفصل خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عن “محور المقاومة” الذي يمتدّ بين إيران، سوريا وحزب الله، وانضم إلى قطر وأصبح أحد شركائها الرئيسيين، إلى جانب مصر، في جهود الوساطة بين حماس وإسرائيل.

المفكر العربي عزمي بشارة (AFP)
المفكر العربي عزمي بشارة (AFP)

إنّ الخطاب الفلسفي والسياسي لدى عزمي بشارة، الذي يروّج له في كتبه، مقالاته ومقابلاته الإعلامية، والخطاب السياسي الجديد الذي يقوده خالد مشعل في الساحة الفلسطينية الداخلية والساحة الدولية، والخطاب السياسي الذي يقوده أمير قطر متشابه جدّا. الصورة المتشكّلة هي سعي متكامل لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: بناء جيل جديد من المثقّفين العرب الذين سيلعبون دورا رئيسيًّا في الأنظمة الجديدة وسيمزجون بين العروبة، الإسلام والليبرالية؛ نزع الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي للمناطق وإضفاء الشرعية على إقامة دولة فلسطينية مستقلّة؛ وتعزيز الخطاب العربي – الإسلامي الفخور والذي لا يخنع أمام الغرب.

من المفترض أن يتم تأسيس قناة الجزيرة وقناة أخرى في المستقبَل، وصحيفة باسم “العربي الجديد” ومواقع مختلفة على الإنترنت والتي هي إمبراطورية إعلامية قطرية قوية جدّا، يلعب بها عزمي بشارة دورا رئيسيا. تؤسس نشاطات عزمي بشارة الحثيثة في موضوعات التعليم والثقافة، من بين أمور أخرى، للأصالة الثقافية العربية، لقطر وقادتها، وتمكّنها من تمهيد الطريق إلى قلوب ملايين الشباب العرب الذين يتوقون لخطاب ليبرالي جديد.

ينسجم القرضاوي ومشعل جيّدا في هذه الصورة. إنّ النشاط الحثيث للقرضاوي في تعزيز نهج “الوسطية”، والذي يدعم التماسك الإسلامي الداخلي ويسمح بالانفتاح على الغرب انطلاقا من مكانة الأنداد لا التابعين، يمنح أمير قطر بنية تحتية دينية لاعتماد مسارين سياسيَين متوازيين: الاحتماء بالغرب ضدّ التهديدات الخارجية، وإظهار التعاطف والدعم للحركات الإسلامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

أمير قطر مع خالد مشعل ومحمود عباس (AFP PHOTO/ PPO / THAER GHANEM)
أمير قطر مع خالد مشعل ومحمود عباس (AFP PHOTO/ PPO / THAER GHANEM)

وقد حدث تغيير على خطاب مشعل من الكفاح المسلّح إلى الكفاح السياسي، حتى لو كان حاسما وغير ممكن، والذي يهدف إلى إقناع العالم بمركزية حماس السياسية وبشرعيّتها في المنظومة الفلسطينية. بدا هذا التغيير نتيجة لوجود مشعل المستمرّ في بلاط الأمير في قطر. تشرّب زعيم حماس من القرضاوي موهبته في “المجادلة بلطف” مع إسرائيل ومع الغرب، ومن عزمي بشارة عادته أن يتحدّث بلغة تحترم حقوق الإنسان وقدسية الحياة بدلا من لغة الجهاد التي تُقدّس الموت وتثير البغض تجاه الإسلام. بشارة مقتنع منذ سنوات طويلة، وهو أمر واضح في نشاطاته العامة، أنّ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة سيأتي على أجنحة خطاب مقاومة الأبارتهايد وليس بواسطة خطاب معادٍ للسامية ومعادٍ لليهود.

يتفق مع هذا التوجّه عمر البرغوثي، المولود في قطر من أصول فلسطينية، والذي يترأس حركة المقاطعة العالمية (BDS) والتي تأسست عام 2005 بهدف تعزيز المقاطعة الأكاديمية، الاقتصادية والثقافية ضدّ إسرائيل. وبشكل مماثل لبشارة، لا يؤمن البرغوثي بحلّ الدولتين ويعمل على تعزيز فكرة “الدولة الواحدة” بهدف تقويض الهيمنة اليهودية القائمة من البحر إلى النهر من أسسها. ويدلّ النشاط الواسع لحركة المقاطعة حول العالم والنجاحات التي تسجّلها مؤخرا على مصادر دعم وتمويل سخية. يمكن التساؤل أيضًا: هل الإدارة الأمريكية، التي يئست من الرفض الإسرائيلي لتشجيع التوصل إلى تسوية سياسية، تقف جانبًا على ضوء خطاب المقاطعة الدولية ضدّ إسرائيل.

إنّ المحاولة المتراكمة للشعوب والدول تثبت أنّ الرفض السياسي قد جلب للجانب الأقوى تسويات كانت أكثر سوءًا بالنسبة له من اقتراحات سابقة طُرحت على الطاولة. قطر هي دولة صغيرة في الشرق الأوسط ولكن مواردها تعطيها قوة نادرة وقدرة على التأثير على الاستقرار الإقليمي. من المهم تسخيرها لتعزيز تسوية سياسية مع القيادة الفلسطينية، لأنّ الأمر سيزداد سوءًا فقط.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع “‏Can Think‏”

اقرأوا المزيد: 690 كلمة
عرض أقل