مر 15 عاما منذ أن فقدت ابني ديفيد. ولكن بعد مرور 15 عاما، من العمل من أجل المصالحة والعيش المشترك مع الفلسطينيين، لم أكن مستعدة للحظة التي سمعت فيها يوم الجمعة الماضي الأقوال المؤثرة للسيدة سهى، والدة محمد أبو خضير، الذي مات حرقا بسبب نيران أشعلها يهود. تحدثت أبو خضير من على منصة أمام 200 امرأة إسرائيلية وفلسطينية، بلغة تفهمها الأمهات جيدا فقط.
لا يمكن التنافس في الثكل. كل مَن فقد منا ابنا، يعرف أن الألم الذي نشعر به هو أكبر ألم يمكن أن يشعر به الإنسان. ولكن نجحت أبو خضير بفضل قدرتها على التحدث علنا حول ظروف وفاة ابنها ودفع المصالحة قدما، في إثارة حماس كبير في نفوس كل سامعيها وفخر بشجاعتها.
“منذ ثلاث سنوات، لا أنجح في النوم ليلا، لأن قلبي يؤلمني من الحزن والأسى في كل يوم إزاء ما حدث لابني محمد”، قالت سهى مضيفة “دفعتني وفاة ابني محمد نحو العمل على تحقيق العدل من أجل كلينا. علي العمل لكي لا تفقد أية أم أخر أبناءها”. غصت الأمهات في القاعة بالحزن، واغرورقت عيونهن بالدموع عند سماع هذه الأقوال. فالأم التي لديها أسباب كافية للكراهية تطلب المصالحةَ. كما وتطلب هذه الأم التي عانت الألم الأكبر وقف دائرة سفك الدماء.
كانت أبو خضير ناشطة في الاحتفال الذي عقده “منتدى العائلات الثكلى الإسرائيلي – الفلسطيني” احتفالا بيوم المرأة العالمي. في الاحتفال الذي جرى في بيت جالا تحت عنوان “نكسر الجدار بيننا”، شارك أكثر من 200 امرأة فلسطينية وإسرائيلية رغبن في نقل رسالة مصالحة، وتضامن. تؤمن كافة النساء اللواتي شاركن أنه من دون المصالحة لا مُستقبل لنا في هذه البلاد. يمكن عقد اتفاقات سلام، ولكن من دون مصالحة حقيقية، فسنشهد وقف إطلاق النار حتى الحرب القادمة فقط.
بعد الخطاب المؤثر للسيدة أبو خضير، كسرت نساء إسرائيليات وفلسطينيات جدارا رمزيا أقمنه في ذلك اليوم. يشير كسر الجدار المشترك إلى رغبة جميعنا في العيش معا، كشعبين لديهما حقوق متساوية في دولتين سياديتين ومستقلتين من دون تجاهل حقيقة أن علينا في نهاية المطاف تقاسم المنطقة ذاتها.
مر سائقون في المنطقة التي سارت فيها المسيرة عند انتهاء الاحتفال، وهي في طريقها نحو حاجز الأنفاق، وبدأو بإسماع صوت زمارة السيارة تضامنا وفي الوقت ذاته كان هناك من بدأ بكيل الشتائم. إن رؤية مئات الفلسطينيات والإسرائيات وهن يسرن معا في قلب الضفة الغربية، لنقل رسالة من المصالحة والسلام ليس مشهدا شائعا. ولكن حتى وإن لم يكن مشهدا شائعا، فشعرت أنه مؤثر وأنه رغم المشاعر الصعبة، النزاع المتواصل، والعنف – ما زال هناك أمل أنه يمكن أن يصغي الآخرون لهؤلاء النساء في يوم من الأيام. من واجبنا، نحن المواطنون والزعماء، أن نحتذي بالسيدة سهى أبو خضير.
آن الأوان أن تجلس النساء حول طاولة المفاوضات وأن يكن فعالات في المحادثات المصيرية لنا. فبعد كل الأعمال والأقوال، نحن الضحايا الأكبر لهذا النزاع المستمر. في جولة القتال الأخيرة في قطاع غزة، عندما بحثت عن ملجأ في البناية التي أسكن فيها، نظرت إلى جارتي وابنها الصغير وهو يلعب بالطابة وفكرت في نفسي كم أنا محظوظة لأن لدينا ملجأ يمكن الاختباء فيه عند الحاجة. وفكرت في الأم التي تسكن في سديروت، التي قالت إن عليها خلال 15 ثانية فقط الوصول إلى مكان محمي مع أولادها الثلاثة، في حين أن أحدهم يتنقل بكرسي متحرك، وعليها أن تختار مَن مِن أولادها تنقل إلى الملجأ أولا. كما وفكرت في الأمهات الفلسطينيات اللواتي ليس لديهن ملجأ للاختباء فيه.
أنهينا مسيرة السلام القصيرة الخاصة بنا بأغنية جون لينون “يمكن أن تقول إنني أحلم ولكني لست الوحيدة”. أنا فخورة بأن أكون جزءا من مجموعة نسائية ورجالية رائعة لا تكف عن الحلم والعمل قدر المستطاع ليصبح حلم المصالحة واقعيا. من المتوقع حدوث حرب أخرى في الصيف القادم. هذا هو الوقت الملائم لوقف جولة سفك الدماء، كم من الضحايا علينا أن نشهد حتى يتوقف سفك الدماء؟
الكاتبة هي أم ثكلى وعضوة في إدارة “العائلات الثكلى”. نُشر المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس“.