رامي عزيز

حلب- 5 سنوات على الحرب الأهلية في سوريا (AFP)
حلب- 5 سنوات على الحرب الأهلية في سوريا (AFP)

أزمة الهُوية في المجتمعات العربية

بالرغم من أن اتفاق سايكس ـ بيكو بُني على أنقاض الخلافة العثمانية، إلا أنه لم يلتفت إلى واحدة من أهم أخطاء تلك الخلافة، وهو تجاهل الأقليات العرقية والدينية الموجودة في المنطقة العربية

في ظل الأزمات والصراعات التي تطيح بما باتت تعرف منذ زمن بعيد بالمنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، هناك حاجة إلى التفكير المتأني، والتحليل العميق في أسباب ظهور هذه الصراعات والنزاعات ودوافعها. إذ هذه في قسوتها وأحداثها الحربين العالميتين، الأولى والثانية، لاسيما بعد أن امتد تأثير تلك الأحداث إلى قارات أخرى خارج النطاق الإقليمي لها. وفي هذا الإطار الذى يتوافق مع مئوية سايكس ــــ بيكو، يكون السؤال الأبرز هو: لماذا انهارت الدول التي ظهرت نتيجة الاتفاقية؟

قد تتعدد الإجابات وتختلف، لكن، في النهاية، سوف تؤدى إلى نتيجة حتمية لا مفر منها، وهى أن ما يحدث في المنطقة سببه صراع “الهوية”، ذلك الصراع الذى لم تنجح التغيّرات العديدة، والمحاولات المريرة التي مرت على تاريخ المنطقة في تغييره، فمع تغيّر الهوية الدينية واللغوية لشعوب ما بات يعرف اليوم بالعالم العربي، نرى أن الدين الواحد أو اللغة الواحدة لم يفلحا في تحقيق نوع من التوازن والثبات في المنطقة هذه لفترات طويلة تذكر.

فمنذ اللحظات الأولى ظهر قتال ما بين المسلمين وبعضهم البعض على أساس طائفي (سني/شيعي)، اختلط فيه ما هو ديني بما هو سياسي، وحتى ظهور الأنظمة السياسية المختلفة بداية بعصر الخلفاء، مرورًا بالدولة الأموية، والعباسية، والمماليك، انتهاءً بآخِر الخلافات وهي الخلافة العثمانية التي شهدت سقوطا مدويا، بدأ من 1908- 1922. فالسقوط هنا للكيانات الكبيرة المبنية على أساس طائفي لا يكون مرة واحدة أو دفعة واحدة، بل يكون على فترات تطول أو تقصر على حساب الظروف والمسببات.

وبالرغم من أن اتفاق سايكس ــــ بيكو بُني على أنقاض الخلافة العثمانية، إلا أنه لم يلتفت إلى واحدة من أهم أخطاء تلك الخلافة، وهو تجاهل الأقليات العرقية والدينية الموجودة داخل أراضي تلك الخلافة المنهارة، فأخذت كل من القوى الاستعمارية الفرنسية والبريطانية، متمثلة في شخص سايكس ــــ بيكو، بتشكيل دول جديدة غير متجانسة، على أسس غير منصفة.

واستمرار هذه الدول والحدود التي نشأت عن الاتفاق لقرابة 100 عام، لا يعنى أنها كانت دولا ناجحة أو مستقرة، على العكس تمامًا، لأن هذه الدول محكوم عليها بالفشل والانتهاء منذ البداية، ولكن التشكيلات والقوى العالمية التي كانت سائدة في الفترات السابقة هي التي كانت تمنح تلك الدول، ولكى نكون أكثر دقة الأنظمة التي كانت موجودة في هيئة دول، شرعية الاستمرار، نتيجة الحاجة لها كمحاور ومحطات كان يدار من خلالها، وعلى أرضها، وعبر حدودها، صراعات تحديد القوى والنفوذ بين القطبين الكبار إبّان فترة الحرب الباردة.

ولهذا كان يتم التغاضي عن وجود أنظمة ديكتاتورية تضطهد وتبيد الأقليات العرقية والدينية، وتقمع الحريات الشخصية والفردية، فارضة نوعا من العزلة على شعوبها، حتى لا يتأثر بحركة الحرية والتحرر التي بدأت تجتاح المجتمعات الغربية بعد سقوط النازية والفاشية، وفي الوقت الذى كانت فيه أوروبا تعيد بناء نفسها على أسس ليبرالية بمساعدة الولايات المتحدة، كانت أغلب تلك المجتمعات تدخل تحت عباءة الاتحاد السوفيتي الذى كان لا يؤمن بحرية الفرد.

وطوال تلك الفترة، كان هناك على الطرف الآخر التيارات الدينية الراديكالية، تنشط وتنمو في هذه المجتمعات، وتقدم نفسها كتيار بديل عن التجربة السوفيتية أو الغربية الليبرالية العلمانية، التي كان ينظر لكلاهما نظرة ريبة وشك من أتباع هذه التيارات، وبدأت التيارات الدينية الراديكالية تنمو وتجد لها كل يوم مزيدا من الأتباع والمريدين، وبدأت الأنظمة الحاكمة تارة تستخدم العنف ضد تلك التيارات، وتارة تستخدم تلك التيارات لضرب تيارات أخرى.

ووسط كل هذه الحالة من عدم الاستقرار الفعلي لهذه الدول ذات الهياكل الهشة، كان هناك العديد من الفِرق والتيارات الأخرى التي وجدت نفسها داخل دول لا تعرف كيف تكونت، ولا كيف ذهب الحكم فيها لجماعات معينة دون أخرى، لا تجد لها أي فائدة من تلك الدول بصيغتها الحالية، لأن تلك الدول كانت لا تعترف بحقوق أقلياتها العرقية أو الدينية، وصراع السلطة بداخلها دائمًا ما ينحصر بين السلطات العسكرية والتيارات الدينية التي تحتكر الحق الإلهي لنفسها في التعامل مع الآخرين.

ومن هنا أصبحت الخريطة الحالية، بتكويناتها وتركيبتها، لا تخدم مصالح الجميع، ونشأت الصراعات الدامية التي متوقع لها أن تمتد أكثر من ذلك لتشمل كل المنطقة من المحيط إلى الخليج، لأن أسباب قيام تلك الصراعات متوفرة في كل ربوع المنطقة.

وما زال استخدام الدين والبعد الطائفي السلاح الأقوى، فنجد تنظيم الدولة الإسلامية، “داعش”، يمثل القوى السنية، يقابله قوى شيعية متمثلة في المليشيات والقوى الشيعية من حزب الله، وميليشيات الحوثي والحشد الشعبي في مواجهات مستمرة ممتدة من اليمن إلى سوريا والعراق ولبنان والبحرين.

كلاهما يبحث عن التمدد على حساب الآخر، غير عابئين بالمكونات الأخرى للمجتمعات محل الصراع الدائر بينهم، وسط استخدام الدين كهوية للدولة، وفي استمرار مريع لهدم فكرة الدولة والمواطنة واحترام التعددية والهويات المختلفة لمكونات تلك المجتمعات.

وفي النهاية، نجد أن محاولة توحيد مجتمعات ذات أصول ثقافية وتاريخية مختلفة، باستخدام الدين واللغة لإيجاد ما يعرف (بالمجتمعات العربية)، هي فكرة مصيرها الفشل من اللحظة الأولى، إذ نشأ عنها الصراع السني/ الشيعي الذى لم يتوقف حتى الآن، وبناء على ذلك الأساس في كل مآسي هذه المنطقة هو صراع الهوية، ومحاولة ضم مجموعات غير متجانسة داخل حدود دولة واحدة.

اقرأوا المزيد: 742 كلمة
عرض أقل
منظر ظريف في تل أبيب (Liron Almog/Flash90)
منظر ظريف في تل أبيب (Liron Almog/Flash90)

إسرائيل التي لا يعرفها العرب

الصحفي المصري رامي عزيز يروي قصة زيارته إلى إسرائيل ويقول: "أستطيع القول بأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة والحقيقية في منطقة الشرق الأوسط بالكامل"

عندما وجهت لي دعوة من الخارجية الإسرائيلية لزيارة إسرائيل ضمن وفد من الصحفيين والإعلاميين العرب المقيمين في أوروبا؛ لم أتردد في قبول تلك الدعوة، والتي تهدف إلى إتاحة الفرصة لنا كصحفيين وإعلاميين للتعرف بحرية على مختلف نواحي وأوجه الحياة داخل دولة (إسرائيل)، تلك الدولة التي تقع في قلب منطقة الشرق الأوسط، والتي هي إحدى مراكز الصراع في المنطقة، بل تحوز على اهتمام كبير لدى الشعوب المجاورة.

وقد دفعني الفضول لمعرفة كيفية تشكيل هذه الدولة وكيفية إدارتها؛ لأنه، وبالرغم من أن العالم أصبح قرية صغيرة نتيجة التقدم الهائل في وسائل الاتصال والتواصل والمعرفة، فإن التشويش والتشويه الذي تتعرض له إسرائيل في وسائل الإعلام العربية؛ يجعل من الصعب على المواطن العربي فهم حقيقة هذه الدولة التي تقع في قلب المنطقة.

وتمثل المشكلات المستمرة والمتكررة في الضفة الغربية وقطاع غزة مصدر قلق للكثير من العرب، لكن وسائل الاعلام في كثير من الأحيان تخلط ما بين السياسة الخارجية لدولة إسرائيل وما بين واقع الحياة داخلها. وغالبا ما تنتج وسائل الاعلام هذه رؤى بائسة عن الحياة داخل إسرائيل.

مدينة تل أبيب (Flash90/Miriam Alster)
مدينة تل أبيب (Flash90/Miriam Alster)

ما سأكتبه في السطور القادمة لا يمكن وصفه بأنه مقال أو تحليل؛ وإنما هو بمثابة شهادة حية مستقاة من الواقع الذي رأيته بعيني

ولهذا فإن ما سأكتبه في السطور القادمة لا يمكن وصفه بأنه مقال أو تحليل؛ وإنما هو بمثابة شهادة حية مستقاة من الواقع الذي رأيته بعيني، وفحصته بنفسي دون أي تأثير يذكر من أي شخص أو جهة. وآمل أن أقدم وجهة نظر بديلة ومختلفة عما تتناقله وسائل الإعلام العربية التي غالبا ما تقدم رؤية مبالغًا فيها عن واقع الحياة داخل إسرائيل.

طوال مدة الرحلة من مدينة روما إلى تل أبيب ­على متن خطوط شركة العال الإسرائيلية­ أخذت أفكر فيما ينتظرني، وماذا سأرى. وبالرغم من أنني كونت خلفية مسبقة عن إسرائيل، ولي أصدقاء هناك بحكم عملي؛ فإن المخزون والرواسب النفسية المتراكمة بداخلي منذ أن كنت طفلاً بالمدرسة خلال مراحل حياتي المتعاقبة في مصر مرت بذاكرتي، وأخذت أتساءل أين تكمن الحقيقة، هل فيما أعرفه، أم فيما كانوا يخبروننا به في صغرنا حتى تربينا على الإيمان به؟ هل سيكرهني الإسرائيليون، ومن ثم، سيسيئون معاملتي عندما يعلمون بأنني مصري؟ وهل سأتعرض للإيذاء اللفظي أو البدني من بعضهم؛ إذا ما سمعني أحدهم أتكلم العربية؟

وسرعان ما خرجت من تلك الهواجس على صوت الرجل الذي كان يجلس بجواري مرفوقا بزوجته، عندما سألني بالعبرية عن شيء ما، ولم أفهمه، فأبلغته بالإنجليزية: “عفواً لا أتحدث العبرية”، فاعتذر، وسألني بالإنجليزية: “من أين أنت؟” فأجبته: “من مصر”، فوجدت منه، هو وزوجته ترحيبا شديدا مع ابتسامة صافية، وليست صفراء كما يقال عن الإسرائيليين واليهود في مدارسنا ومجتمعاتنا، وكما تعكسه أعمالنا الفنية من مسلسلات، وأفلام، وبرامج.

وصلت إلى تل أبيب -العاصمة الاقتصادية لإسرائيل- ولم أستطع أن أصدق أنني قد ابتعدت عن أوروبا، فشكل المطار وتجهيزاته، بل وكل شيء، بدا حديثا ونظيفا، ويدل بما لا يدع مجالا للشك بأنك في دولة من الدول المتقدمة.
بدأت رحلتي من مطار “بن غوريون” إلى مقر إقامتي ب “أورشليم – القدس” (العاصمة السياسية لإسرائيل)، وفي طريقي رأيت طرقات متسعة ونظيفة، مليئة بالأشجار والمناظر الطبيعية الخلابة. كنت أدون ملاحظاتي عن كل شيء، فأنا ­ هناك ­ في مهمة لنقل الحقيقة من داخل إسرائيل، قمت داخل القدس بزيارة وزارة الخارجية، والكنيست (البرلمان)، ومتحف ياد فاشيم -الهولوكوست الذي يخلد ذكرى الإبادة الجماعية التي ارتكبها النازيون وأعوانهم، والتي راح ضحيتها ستة ملايين من الأبرياء الذين ليس لهم ذنب، سوى ديانتهم وهويتهم اليهودية.

المسجد الأقصى (Sliman Khader/FLASH90)
المسجد الأقصى (Sliman Khader/FLASH90)

لم أنس زيارة الأماكن الدينية، حيث لم يوقفني أو يمنعني أحد من أفراد الجيش أو الشرطة الإسرائيلية؛ مثلما يشاع

وقابلت شخصيات عربية وأخرى يهودية من أصول عربية؛ من عدة دول عربية، مستمعاً إلى ذكرياتهم عن حياتهم السابقة في العراق ومصر وغيرهما، وكيف خرجوا منها مجبرين بعد التعرض لتجارب مريرة نتيجة التحريض والكراهية، ورأيت كيف تجمعهم الحياة في صورة للتعايش، لا تعجب المخربين والمحرضين الذين لا يحبون الحياة والسلام، فيحرضون أبناءهم وذويهم على طعن وقتل الأبرياء، ويتاجروا بدمائهم بعد ذلك، ويزيفوا الحقائق بمساعدة الإعلام المأجور.

ولم أنس زيارة الأماكن الدينية، حيث لم يوقفني أو يمنعني أحد من أفراد الجيش أو الشرطة الإسرائيلية؛ مثلما يشاع. فبالرغم من تصاعد وتيرة التحريض والعنف من قبل المخربين؛ فإن المدينة المقدسة نابضة بالحياة والحيوية المستمرة طوال ساعات الليل والنهار، فهي لا تنام، حيث يقصدها الزوار من شتى بقاع الأرض.

وبعد قضاء يومين في القدس -أجمل مدن العالم- توجهت والمرافقين من الصحفيين والإعلاميين إلى “تل أبيب”، عاصمة التكنولوجيا والمال والأعمال، والتي يمكن تسميتها ب “نيويورك الشرق الأوسط”، إذ أذهلني تواجد كل هذا الكم الضخم من الشركات العالمية والمحلية العاملة في مجال تقنية الاتصالات والتكنولوجيا بفروعها المختلفة؛ حتى صارت تلقب ب “سيليكون فالي”.

لكن، وبعيداً عن الشركات والمكاتب المغلقة، فإن الحياة في تل أبيب حياة مليئة بالنشاط، حيث يترآى لك الناس صباحاً، وهم يمارسون رياضة المشي، والجري، وركوب الدراجات الهوائية في الأماكن المخصصة لذلك على شواطئ البحر، حيث أُعِدَّتْ لاستقبال الناس ليقضوا أوقاتا طيبة.

امرأة تمارس الرياضة في تل أبيب (Esther Rubyan/Flash90)
امرأة تمارس الرياضة في تل أبيب (Esther Rubyan/Flash90)

أما في الليل، فالمطاعم والمقاهي تعج بسكان المدينة والسياح القادمين من خارج إسرائيل، مما يتيح لك فرصة رؤية وجوه من مختلف مناطق العالم. وكما القدس، فإن تل أبيب مدينة دولية ترحب بالجميع، وتمزج بين مجموعة متنوعة من الأنماط الثقافية. إنها –بحق- ليست مركزاً للتجارة والأعمال فقط، بل هي مدينة ترفيهية أيضا، تستطيع أن تقضي بها وقتا جميلا، وأنت مستمتع بالبحر والجو والحداثة معا في آن واحد.

وفى مكان آخر، وهذه المرة من مدينة “حيفا” الساحلية الجميلة، زرت صرحا علميا كبيرا، وهو جامعة حيفا ذات المباني الشاهقة والمكتبات التي تحتوي على أكثر من مليونيْ كتاب ودورية وأقسام لذوي الاحتياجات الخاصة والمكفوفين.

مظاهرة لدروز إسرائيل (Jule Gamal/Flash90)
مظاهرة لدروز إسرائيل (Jule Gamal/Flash90)

زرت والتقيت مشايخ وعائلات درزية، واستمعت منهم إلى تجربة دمج الدروز في المجتمع الإسرائيلي

وقد لفت انتباهي مكتبة الأطفال الموجودة في قلب مكتبة الجامعة، والتي يأتون إليها بالأطفال؛ لتعليمهم كيفية البحث، ولغرس حب القراءة فيهم منذ الصغر، حتى يُنَمُّوا فيهم تلك الهواية والموهبة. وتعد جامعة حيفا نموذجا وانعكاسا للمجتمع في دولة إسرائيل، فالجامعة تجد فيها طلابا يهودًا وعربًا ودروز وشراكسة، مسلمين ومسيحيين ودروز وبهائيين وملحدين. الكل تتاح له الفرصة نفسها على قدر من المساواة، دون التفريق أو التميز بناءً على عرق أو دين

وفي حيفا دائما، وتحديدا في قرية “دالية الكرمل” الواقعة على جبل الكرمل؛ زرت والتقيت مشايخ وعائلات درزية، واستمعت منهم إلى تجربة دمج الدروز في المجتمع الإسرائيلي، فوجدتهم يفضلون أن يطلقوا على أنفسهم؛ وأن يناديهم الناس بالإسرائيليين، وليس عرب 48، حيث أكدوا بالقول على أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويلتحقون بجيش الدفاع الإسرائيلي، وأن إسرائيل تعاملهم بصفتهم مواطنين لهم كامل الحقوق، متسائلين: كيف يمكنهم بعد كل هذا؛ أن ينكروا إسرائيليتهم.

أخبروني بأن القانون في إسرائيل يطبق على الجميع دون تميز أو تفرقة على أساس الدين، أو العرق، أو اللغة، لأن المواطنة هي الأساس في التعامل

وفي المساء فضلت أن أخرج لتناول العشاء في الخارج، وذهبت إلى شارع “بن غوريون” الشهير المطل في بدايته على حدائق البهائيين الشهيرة، وفي نهايته ميناء حيفا الشهير، المليء بالمقاهي والمطاعم العربية، وبإمكانك أن تكتشف ذلك من خلال سماعك لصوت الأغاني وأحاديث الناس.

حدائق البهائيين في حيفا (FLASH90)
حدائق البهائيين في حيفا (FLASH90)

أخذت أتجاذب أطراف الحديث مع الموجودين من زبائن المطعم والعاملين به، وكان موضوعه عن أحوال العيش هنا، وهل توجد تفرقة بين المواطن من أصول غير يهودية والمواطن اليهودي، ووجدت الإجابات كلها بالنفي، وأخبروني بأن القانون في إسرائيل يطبق على الجميع دون تميز أو تفرقة على أساس الدين، أو العرق، أو اللغة، لأن المواطنة هي الأساس في التعامل.

أستطيع القول من وجهه نظري الشخصية: بأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة والحقيقية في منطقة الشرق الأوسط بالكامل

وفي النهاية، وبعد التنقل لمدة خمسة أيام بين القدس وتل أبيب وحيفا، وبعد زيارات لمؤسسات رسمية للدولة، وأخرى أهلية ومجتمعية، وبعد زيارة مؤسسات تعليمية، والاستماع إلى مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي المختلفة من يهود وعرب ودروز وبدو، بديانتهم وخلفياتهم المختلفة من مسلمين ومسيحين ودروز وبهائيين وحتى الملحدين، أستطيع القول من وجهه نظري الشخصية: بأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة والحقيقية في منطقة الشرق الأوسط بالكامل، لأني رأيت كل الأقليات والديانات والمعتقدات في هذه الدولة تتمتع بحرية العقيدة والتعبد، ولأني استمعت في مناطق مختلفة لصوت الآذان نابعا من الجوامع، وهو الذي  يُمنع في أوروبا، ولأني رأيت المسيحيين يتقلدون الصلبان على صدروهم دون خوف من كشف هويتهم، مثلما يحدث في الدول المجاورة، ولأني رأيت البهائيين، وقد خصصت لهم حدائق ونصب تذكاري لا يوجد له مثيل بالعالم.

رأيت دولة تشكلت مؤخرا، وأصبحت بها مؤسسات ديمقراطية توازى أعرق الديمقراطيات في العالم، بالرغم من حداثة عمر دولة إسرائيل الجديدة، رأيت بدون مبالغة شعلة مضيئة في منطقة حالكة الظلام، وأدركت بما لا يدع مجالا للشك أن سر بقاء إسرائيل رغم كل ما يحيط بها من مخاطر وجدال؛ هي الديمقراطية والحرية التي تسود المجتمع الإسرائيلي بمختلف شرائحه ومكوناته.

رامي عزيز هو صحفي مصري مقيم في أوروبا.

نشر هذا المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة

اقرأوا المزيد: 1313 كلمة
عرض أقل