رالي شختر

عكاشة وكورين في لقاء خاص (النت)
عكاشة وكورين في لقاء خاص (النت)

هل هؤلاء شركاؤك يا إسرائيل؟

لا يساهم اللقاء بين السفير الإسرائيلي في مصر وعضو البرلمان توفيق عكاشة، الذي يُعتبر مهرّجا سياسيا وإعلاميا في مصر، في دفء العلاقات بين إسرائيل ومصر وإنما يرمز تحديدا إلى انحطاط جديد

منذ صعود عبد الفتّاح السيسي سدة الحكم ظهرت عملية دفء ملحوظة في العلاقات بين مصر وإسرائيل، والتي تتضمن أيضًا محادثات منتظمة بين قادة البلدين وتنسيق سياسي وعسكري واسع بشأن حماس، وما يحدث في سيناء والتطوّرات الإقليمية. في الأيام الماضية استبشرنا في القناة العاشرة الإسرائيلية بخطوة مفرحة أخرى: السفير الإسرائيلي في القاهرة، الدكتور حاييم كورين، يتلقى دعوة رسمية لتناول وجبة عشاء مع عضو البرلمان والمعلق التلفزيوني توفيق عكاشة. لم يكن هذا النوع من المقابلات شائعا حتى الآن في علاقة السلام البارد بين إسرائيل ومصر، وبطبيعة الحال فقد استجاب لها السفير.

وقد أثارت هذه الدعوة في البرلمان المصري ضجّة كبيرة. غضب أعضاء البرلمان من عكاشة بل خلع أحدهم حذاءه وألقاه صوبه، كرمز واضح لاحتقاره وإهانته. في نشرات الأخبار في القناة العاشرة وفي الموقع الإخباري الأكثر مشاهدة في إسرائيل ynet تمت تغطية شخصية عكاشة الاستفزازية. وفُسرت هذه الدعوة، وكذلك رفضه لإلغاء لقاء آخر مع السفير لاحقا، كخطوة شجاعة.‎ ‎وقد صرّح السفير كورين أيضًا بأنّه مستعد لعقد لقاء آخر.

https://www.youtube.com/watch?v=yHNAUTIatV0

ربما كانت ستبدو تلك الدعوة خطوة جميلة لو كانت فعلا خطوة شجاعة من قبل شخص استثنائي، مكافح من أجل السلام ومستعد للتضحية بمكانته الشخصية وربما أيضا المهنية من أجل تعزيز هدف يؤمن به.‎ ‎كان الكاتب المسرحي المصري المعروف علي سالم شخصية كهذه؛ فقد زار إسرائيل رغم معارضة زملائه الشديدة فدفع ثمنا باهظا على ذلك.

ولكن توفيق عكاشة يختلف عن علي سالم. نشر الأنثروبولوجي والباحث بالشأن المصري المعروف من جامعة أوكسفورد، الدكتور وولتر أرمبراست (Armbrust)، مؤخرا ‏‎ ‎‏تحليلا مميزا‏‎ ‎‏حول الرجل ونشاطه. حتى انتفاضة كانون الثاني 2011 كان عكاشة مذيعا في برنامج استضافة ثانوي وسياسي صغير في الحزب الحاكم. ولقد دخل الإعلام المصري بفضل الفراغ الاجتماعي – الإعلامي الذي نشأ بعد الثورة، ويصف أرمبراست عملية تشكّله كمحتال (Trickster)، شخصية متعدّدة الأوجه تعكس القوة ولكنها في الوقت ذاته سخيفة وخطيرة.

https://www.youtube.com/watch?v=brHdrFKBRGA

حصل عكاشة على مركز رئيسي في الإعلام المصري كشخصية مثّلت “إصلاحا” بل معاداة الثورات في فترة الانتفاضة ضدّ حكم مبارك. وقد تم تحديده كمقرّب من الجيش المصري أيضا في الفترة التي بقي فيها الجيش من وراء الكواليس، وظهر أنّ هذا كان سرّ قوّته. أثار ظهوره التلفزيوني الدراماتيكي إلى درجة السخرية (والذي اشتمل على ضرب بالشبشب على الطاولة في الأستوديو من أجل توضيح ما يجب فعله لأعداء مصر من الداخل والخارج) تحفّظا شديدا في أوساط الطبقات المثقّفة في مصر، بل واعتُبر كلام عكاشة خطيرا بسبب ميزة تأثيره على الجمهور العريض وربما أيضا على متخذي القرارات في قيادة الجيش.

ومن ثم فإنّ عكاشة: شخصية غريبة ومثيرة للسخرية. حتى لو كانت لديه تحرّكات بين النخبة العسكرية الحاكمة اليوم في مصر فهو بالتأكيد ليس ممثّلا لها أو ناطقا باسمها؛ في أفضل الأحوال هو بمثابة بالون اختبار أو كيس ملاكمة يهدف إلى قياس المزاج العام لدى الشعب. ما هي الفائدة التي ستحصل عليها دولة إسرائيل من التعاوُن مع شخص كهذا؟

تجري الدول علاقات معقّدة مع جيرانها بشكل رسمي، ليس مع كل جار غير رسمي، وليس مع كل جار في منطقتنا.‎ فتولي الحكومة الإسرائيلية أهمية للحوار والتعاون مع الحكومة المصرية، حتى لو كان هناك جدال حول المصالح التي تعزّزها كلتا الدولتين. ولكن يعرّض اللقاء أو اللقاءات بين كورين وعكاشة معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر إلى انتقادات مجدّدة في الخطاب المصري العام. وذلك تحديدا في فترة يزداد فيها العنف السلطوي في مصر ويتجلّى الموقف القمعي لنظام السيسي بقوة كبيرة.

إنّ اللقاء بين السفير كورين وبين المحتال عكاشة لا يساهم في دفء العلاقات بين إسرائيل ومصر. إنه يرمز، تحديدا، إلى انحطاط جديد في نظر الجمهور العريض في مصر إلى معاهدة السلام، وذلك من دون تعزيز ولو مصلحة إسرائيلية واحدة ظاهرة للعيان. لا يمكن لهذه السياسة أن تكون دبلوماسيّة صحيحة.

نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 566 كلمة
عرض أقل
من أثرياء العرب، سعد الحريري (AFP)
من أثرياء العرب، سعد الحريري (AFP)

نادي الرجال الأثرياء في العالم العربي

مجلة "فوربس الشرق الأوسط" تكشف عن أنّ طبقة رقيقة من الطبقة الأرستقراطية الحاكمة في الدول العربيّة ازدادت ثراء بشكل أكبر في السنة الماضية، رغم انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية

نشرت مجلة “فوربس الشرق الأوسط” مؤخرا، والتي تصدر بالإنجليزية والعربية، قائمة محدّثة لقائمة أثرى مائة شخص في العالم العربي. بالحكم على القائمة، فلم يكن الوضع الاقتصادي في الشرق الأوسط أفضل من ذلك أبدا. أُضيفت إلى قائمة أصحاب المليارات في المنطقة، منذ العام الماضي، أربعة أسماء جديدة، وازداد مجمل ثروة أصحاب المليارات العرب بمبلغ 7.4 مليار دولار. حدث كل ذلك في فترة انخفضت فيها أسعار الطاقة بشكل كبير في الأسواق العالمية. يعترف محرّرو المجلّة بأنّها قائمة جزئية فقط، لأنها تستند إلى الثراء الموثّق (الأسهم على سبيل المثال) الذي امتلكه أصحاب المليارات بشكل رسمي في شركات مختلفة. من يعرف من قريب الطريقة التي تُدار فيها الأعمال في الشرق الأوسط يدرك أنّ هذه هي قمة جبل الجليد فحسب.

الأمير الوليد بن طلال يصل رام الله (Flash90)
الأمير الوليد بن طلال يصل رام الله (Flash90)

الدولة الرائدة في القائمة من حيث عدد أصحاب المليارات فيها وفي ثرائهم هي المملكة العربية السعودية. الوليد بن طلال آل سعود هو الملياردير العربي الأكثر ثراء في القائمة، وهو يتقدّم بنسبة كبيرة على سائر أبناء الحظوظ مع ثروة تُقدّر بمبلغ 22.6 مليار دولار. وتتقدّم السعودية أيضًا من حيث عدد أصحاب المليارات وثرائهم: أربعة من العشر الأوائل في القائمة هم سعوديون. لبنان هي الدولة الثانية في القائمة من حيث ثراء أصحاب المليارات فيها، حيث إنّ نسبة كبيرة منه تأتي من دول الخليج. أحد الأمثلة الجيدة على ذلك هو سعد الحريري، الذي كان رئيس الحكومة اللبنانية، وهو أيضًا وريث إمبراطورية البناء التي أسّسها والده، رفيق الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق الذي قُتل عام 2011. بشكل مفاجئ، تقع مصر في المركز الثالث في القائمة من حيث الثروة المشتركة لأصحاب المليارات، ومن بينهم أربعة من أبناء عائلة ساويرس وثلاثة من أبناء عائلة منصور. ويأتي بعد ذلك في القائمة أصحاب المليارات من الإمارات العربية المتحدة وخلفهم أصحاب المليارات من قطر.

مصدر الثروة الشخصية في الشرق الأوسط هو في الكثير من الأحيان نتيجة غير مباشرة لتصدير الطاقة من المنطقة. فمن يسيطر بشكل مباشر على أرباح الطاقة هي الدول، حيث إنّ الحكومات هي المالكة لموارد النفط والغاز والشركات الحكومية هي المسؤولة عن إنتاج منتجات الطاقة. وهناك في قائمة أصحاب المليارات أبناء الأسر المالكة في الخليج، مما يشير إلى العلاقة المتبادلة بين السلطة والمقرّبين منها وبين الثروة. في أنحاء الشرق الأوسط، فإنّ الاستثمارات من الخليج والتعاون التجاري مع شركات تجارية من الخليج هو مصدر التمويل الرئيسي للشركات. حتى في دول أخرى هناك علاقات كبيرة بين الثروة -السلطة، وإنْ كانت قابلة للتحديد بشكل أقل بحسب أسماء العائلات.

قائمة أصحاب المليارات العرب هي ذكورية بشكل واضح

ويظهر من قائمة أعمال أصحاب المليارات بشكل مثير للاهتمام أنّ 18% من ثروتهم جاءت من تجارة التجزئة. واحتلت الاستثمارات المصرفية المركز الثاني مع 16%، وجاءت الاستثمارات المختلفة في المركز الثالث مع 14%. وقد جاء 8% من ثروتهم من القطاع العقاري، 7% من البناء و 7% من النفط ومنتجاته. وبالمقارنة مع قائمة أصحاب المليارات العالمية، التي ترتبط الأسماء البارزة فيها بالشركة التي أسّسوها هم أو عائلاتهم: على سبيل المثال بيل غيتس (المصنّف رقم 1) وشركة مايكروسوفت، فلا يركّز أصحاب المليارات العرب على أمر واحد في أعمالهم ويميلون لتوزيع استثماراتهم أكثر من الآخرين.

قائمة أصحاب المليارات العرب هي ذكورية بشكل واضح، ولكن كشفت قائمة الـ 200 امرأة الأكثر تأثيرا في الإدارة الخاصة والعامة، والتي نُشرت هي أيضًا في مجلة “فوربس الشرق الأوسط”، عن مشاركة كبيرة للنساء في الاقتصادات المحلية.‎ ‎خلافا لصورة إقصاء المرأة في المنطقة، وخصوصا في دول الخليج، يبرز النشاط الاقتصادي للنساء في الخليج.‎ ‎ولا يعني الأمر أنّهن يتمتّعن بالمساواة في الفرص في العمل أو المواطنة، ولكن يتّضح أنّ العلاقات المهنية تفتح الأبواب بالنسبة للنساء حتى عندما تكون البيئة الاجتماعية محافظة.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع Can Think

اقرأوا المزيد: 554 كلمة
عرض أقل
مظاهرات الربيع العربي في تونس (AFP)
مظاهرات الربيع العربي في تونس (AFP)

الاقتصاد والدمقرطة في الشرق الأوسط

الدمقرطة الحقيقية في الشرق الأوسط تستلزم تغييرات سياسية واقتصادية في آنٍ واحد، ومن هناك تأتي صعوبة تحقيقها

عندما أقدّم عملي كمحاضر لدراسات الشرق الأوسط تكون ردة الفعل في أحيان كثيرة هي “ليس مملا لديكم”، بصيغة كهذه أو أخرى. وقبل أن يتّجه الحديث إلى أسئلة حول موضوع الصراع أو التهديد الإيراني، سأضيف بأنني مهتمّ بالتاريخ الاقتصادي للشرق الأوسط. في أحيان كثيرة يوقف هذا الأمر المحادثة. في أحيان أخرى يتم سؤالي، رغم ذلك، عن رأيي كخبير في الأحداث الجارية. فإنّ كل “مستشرق” عليه أن يفهم في هذه الأمور، أليس كذلك؟

يبدو أنّ جزءًا من الإجابة نابع من تعريف اشتغالي بـ “التاريخ”. معظم الشعب في إسرائيل مهتمّ بما يحدث الآن ولا يتشاطر الرأي مع المؤرخين بأنّه من أجل فهم الحاضر فعلينا معرفة شيء من الماضي. إنّ محاولة المؤرخين في التفكير بما يحدث كجزء من سياق أوسع، بخلاف تقارير وسائل الإعلام عن “الأحداث”، يواجهها هو أيضًا أكثر من مرة بالدهشة، بما في ذلك في الدورات التي يعلّمها في الجامعة. ينبع جزء آخر من الصمت المطبق من قبل من يحاورني، في بعض الأحيان، من اشتغالي في اقتصاد الشرق الأوسط. يصنّف الكثيرون “الاقتصاد” كمجال مستقلّ ومتميّز عن “الاجتماعي” أو “السياسي”. يفهم الجمهور “الشرق الأوسط” كمجال يتطلّب خبرة في كلّ ما يتعلق بالإسلام، وأنّ ما يربطه بالمجالات الأخرى من النشاط البشري ليس واضحا تماما.

https://www.youtube.com/watch?v=CyxtAQ3bmX0

ولكن، هل يمكن حقّا أن نفهم ما يحدث في المنطقة دون التطرق إلى الاقتصاد، في بعض الأحيان على الأقلّ، وفي فهم تأثير العوامل الاقتصادية على الواقع المتغيّر في المنطقة؟ على سبيل المثال، هل يمكن تفسير صعود تنظيم داعش وسرّ قوته العسكرية دون فهم نموّه على أساس الموارد التي مصدرها تهريب النفط؟ كانت الدولة العراقية المتفكّكة، التي يعمل داعش من داخلها، نتيجة لصراع إمبراطوري من أجل السيطرة على مصادر النفط، وهكذا هو أيضًا الصراع المدني – العسكري فيها اليوم. في سورية، فإنّ المساعدات المالية الكبيرة من قبل دول الخليج للمعارضة التي تقاتل الأسد هي عامل مهمّ يفسّر استمرار المعارك. ويعود أصل الحرب الأهلية في ليبيا إلى الصراع على تقسيم عائدات النفط. من جهة أخرى، فإنّ تقسيم عائدات النفط كوسيلة سياسية لشراء الاستقرار المدني يفسّر لماذا تجنّبت أحداث السنوات الأخيرة دول النفط الخليجية (باستثناء البحرين، التي لم تعد مصدّرة مهمّة للطاقة). تشير كل هذه الأمور إلى لعنة النفط السياسية: بدءًا من تكريس الأنظمة العربية الموجودة، وصولا إلى تمويل الحروب الأهلية والحركات المتطرّفة.

اقتصاد “الربيع العربيّ”

EGYPT-POLITICS-UNREST-DEMO

في السنوات الأخيرة، نعيش تأثير “الربيع العربي” على منطقتنا. في إسرائيل، كما هي الحال في إسرائيل، فإنّ القضية الرئيسية التي تشغل الإعلام هي آثار هذه الأحداث على أمن البلاد. وهكذا، فقد تعاونت إسرائيل ومصر الرسمية حتى ذلك الحين في مجموعة من الموضوعات، بما في ذلك التنسيق الأمني بخصوص حماس التي تسيطر على غزة، وأعرب محلّلون عن الخشية من أن يتضرّر هذا التعاون إذا ما جرى تغيير في الحكم بمصر. وقد أظهر محلّلون آخرون اتجاها آخر، أكثر بهجة، كان له داعمون أيضًا في الصحافة الدولية وفي مجتمع الباحثين في الشرق الأوسط حول العالم. عرض هذا التوجه “الربيع العربي” كاحتجاج أوسع ودعوة للدمقرطة التي من شأنها أن تجلب عهدا جديدا لمصر. رغم أنّ صعود الإخوان المسلمين قد فاجأ الكثيرين، إلا أنّ الكثيرين أشاروا إلى استعداد الإسلاميين لقبول قواعد اللعبة الديمقراطية كتغيير إيجابي في أوساط الإخوان. الأمر الذي غاب عن هؤلاء أيضًا هو حقيقة أنّ “الربيع العربيّ” كان بدرجة كبيرة ردّة فعل على مشاعر الظلم والحرمان الاقتصادي، وبأنّ التغيير الاقتصادي، المطلوب أيّا كان، لن يأتي كنتيجة فورية للدمقرطة. سقط الإخوان المسلمون لاحقا بعد ذلك بقليل، بشكل أساسيّ بسبب عدم قدرتهم على التغيير الاقتصادي السريع. كان الجيش المصري هو الذي أطاح بهم من الحكم، ولكن كان الأمر بدرجة كبيرة على خلفية خيبة الأمل الشعبية الواسعة من وتيرة التغيير. أقول بين قوسين إنّ حكم السيسي أيضًا يواجه في هذه الأيام التحدّي نفسه.

غزة والحصار الاقتصادي

أنقاض غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
أنقاض غزة (Flash90/Abed Rahim Khatib)

انطلقت إسرائيل في الصيف الأخير في حرب أخرى في غزة، عملية “الجرف الصامد”، التي كانت، للوهلة الأولى، محاولة أخرى من أجل تحقيق الاستقرار في توازن الرعب مع حماس. كانت وسائل الإعلام مشغولة غالبًا في التقارير عن أحداث الحرب، عن الحالة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ولاحقا عن محاولات وقف إطلاق النار. سعى القليلون إلى الوقوف على اعتبارات حماس في الخروج إلى حرب ستلحق فيها الفلسطينيون خسائر في الأرواح، إصابات وأضرارا في الممتلكات. أما من تطرّق لاعتبارات التنظيم فقد أشار غالبا إلى “طبيعة” التنظيم الإسلامي، المتطرف، وإلى الإرهاب كطريقة عمل لديه. وأشار آخرون إلى مشاركة جهات أخرى، من إيران ومصر حتى قطر، في اتخاذ قرارات حماس. لم يُشر معظم الصحفيين والمحلّلين، أو قلّلوا من أهمية الحقيقة، بأنّه منذ صعود حماس للسلطة عام 2007، تم فرض حصار بحري على غزة، وتضخّمت الأزمة الاقتصادية هناك بشكل كبير. كان أحد الاعتبارات الرئيسية لدى التنظيم في اختيار التوقيت هو ضرورة إنهاء الحصار، حتى لو بسعر باهظ لمواجهة إسرائيل، بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة في القطاع وآثارها السياسية على استقرار حكمه.

لعنة النفط

حقول النفط القطرية (AFP)
حقول النفط القطرية (AFP)

ما هي الموضوعات الاقتصادية الرئيسية التي يُستحسن الاهتمام بها في محاولة فهم الأحداث الإخبارية في الشرق الأوسط؟ الإجابة على ذلك، باختصار، هي مركزية النفط في اقتصاد الشرق الأوسط، ومحاولة الإصلاح الاقتصادي في المنطقة، والذي هو قبل كلّ شيء التحرّر من الاعتماد على النفط وتنمية الموارد الاقتصادية البديلة والمستدامة.

منذ السبعينيات من القرن الماضي، مع انتقال العديد من اقتصادات الشرق الأوسط من الاعتماد على الزراعة إلى الاعتماد على النفط ومؤخرا أيضًا الغاز، كان للتغييرات في سوق الطاقة الدولية آثار فورية على اقتصاد المنطقة. رغم أنّه ليست جميع البلدان في المنطقة من مصدّرات النفط الكبرى، فإنّ تصدير كميات محدودة من الطاقة من دول أخرى في المنطقة، العائدات على نقل الطاقة (مثلا: في الأنابيب أو عن طريق قناة السويس)، الهجرة الاقتصادية لدول النفط، والاستثمارات والمدفوعات التي تأتي من دول النفط إلى دول أخرى، أنشأ كلّ ذلك اعتمادا إقليميا اقتصاديا على هذا المورد.

يؤثر صعود أو هبوط أسعار النفط على إيرادات الدولة، ومن ثمّ على الخدمات الاجتماعية التي تقدّمها لسكّانها. بالإضافة إلى ذلك، عادة ما يكون نطاق الخدمة العامة في دول الشرق الأوسط كبيرًا جدّا، حيث إنّ ضمان التوظيف في خدمة الدولة بالنسبة لأصحاب التعليم العالي شائع في العديد من البلدان. إن الأسئلة حول الظلم في التوزيع مرتبطة غالبا بعدم قدرة الدولة على توفير فرص العمل اللائقة ومستوى العيش الكريم لمواطنيها، وهذان مرتبطان جدّا بإيرادات الدولة من بيع الطاقة. يؤثر صعود أو هبوط أسعار النفط أيضًا على السياسية الإقليمية. ومن الأمثلة الواضحة لذلك، في السنوات الماضية، كان هناك تدخّل لقطر في ليبيا وفلسطين، ودعم السعودية للاقتصاد المصري واليمني والتدخّل الحالي لدول الخليج في الحرب الأهلية السورية. على صعيد الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فإنّ كل اتفاق سلام مستقبلي سيستلزم بالتأكيد إعادة بناء مكثّف للاقتصاد الفلسطيني، وإنّ جزءًا كبيرا من الأموال المخصّصة لذلك يجب أن يأتي من دول النفط الغنية.

التحدّي الاقتصادي القادم

حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)
حقول الغاز الطبيعي في قطر (AFP)

التحدي الاقتصادي الرئيسي لاقتصادات الشرق الأوسط هو البحث عن بدائل للنفط كمحرّك اقتصادي رئيسي، بالتأكيد على ضوء الهبوط الكبير في أسعار النفط في الآونة الأخيرة، وبشكل يضمن نموّا اقتصاديا مستقلّا مع مرور الوقت. في الماضي، قبل عصر النفط في اقتصاد الشرق الأوسط، سعت العديد من البلدان في المنطقة لتحقيق تنمية اقتصادية كهذه، بشكل أساسيّ من خلال التصنيع والمشاركة الكبيرة للدولة في الاقتصاد. وقد فشلت هذه المحاولات في معظمها. لاحقا، فشلت أيضًا الإصلاحات الاقتصادية النيو-ليبرالية، التي رأت وجوب تقليص تدخّل الدولة في الاقتصاد والخصخصة، بما في ذلك الخدمات التي وفّرتها الدولة لمواطنيها، فشلت هي أيضًا في معظم دول المنطقة ومثّلت الركيزة التي أشعلت الربيع العربيّ. التحدّي هنا هائل، حيث إنّ اقتصادات المنطقة بحاجة إلى توفير مستوى عيش وفرص عمل “معقولة” للمواطنين، وفي نفس الوقت، التنافس مع الاقتصادات الأخرى في العالم، ذات مستوى عيش وأجور منخفضة أكثر. من أجل فهم حجم التحدّي يجب أن نتذكّر بأنّ الشرق الأوسط ما زال في حالة “الزخم السكاني”؛ فبخلاف الصورة المنتشرة، تعيش المنطقة تباطؤًا كبيرا في الحجم السكاني بدءًا من الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن معظم السكان في المنطقة هم من الشباب، وهم في المراحل الأولى من اكتساب التعليم والدخول إلى سوق العمل. في الوضع الاقتصادي الراهن، لم تستطع دول المنطقة إنشاء منظومة جيّدة للتأهيل المهني وسوق عمل بإمكانها استيعاب العمّال الجدد بشكل يضمن مستقبل الشباب الاقتصادي وقوة الاقتصاد. في معظم دول المنطقة ليست هناك قوة بشرية بإمكانها أن تنافس الاقتصادات النامية الرائدة؛ من حيث الأسعار، وأيضًا من حيث المهارات.

https://www.youtube.com/watch?v=7-QYnF78kZs

في الماضي، قبل الربيع العربيّ وخلاله، قيل كثيرا إنّ الدمقرطة ستسمح أيضا بالشفافية الاقتصادية، وستشجّع روح المبادرة وستحافظ على حقوق الملكية، ومن ثمّ ستؤدي إلى نموّ اقتصادي. تكمن المشكلة أنّه دون إيجاد أفق جديد للتوقّعات الاقتصادية لدى مواطني بلدان الشرق الأوسط، فسيكون التغيير السياسي صعبًا للغاية. بكلمات أخرى، فإنّ التغيير السياسي والتغيير الاقتصادي ضروريّان في آنٍ واحد، ومن هنا تأتي الصعوبة في تحقيقهما. فهما يتطلّبان جرأة وقوة سياسية بهدف إقناع بل وإجبار عدد كبير من السكان في بلدان المنطقة، بما في ذلك النخبة الاقتصادية – السياسية فيها، على الموافقة على الإصلاح الاقتصادي. من جهة أخرى، بماذا يمكن أن تَعِدَ اليوم قيادة دول المنطقة سوى بالتغيير الاقتصادي التدريجي بل والمؤلم بالنسبة لجزء كبير من السكان المحلّيّين؟ إنّ الاضطراب الإقليمي، على خلفية الحرب الأهلية في ليبيا، سورية والعراق، يزيد من احتدام هذه المعضلة، ومن هنا تأتي التوقعات المتشائمة جدّا بخصوص تنفيذ الإصلاح الاقتصادي والدمقرطة في دول المنطقة.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع Can Think

اقرأوا المزيد: 1399 كلمة
عرض أقل
هبوط أسعار النفط قد يؤثر سلبياً على سياسات المملكة السعودية (AFP)
هبوط أسعار النفط قد يؤثر سلبياً على سياسات المملكة السعودية (AFP)

أسعار النفط والتغيّرات الاقتصادية – السياسية في الشرق الأوسط

لن يُحدِث الانخفاض الحالي في أسعار النفط تغييرات كبيرة في الشرق الأوسط على المدى القريب، ولكن إذا لم يتغيّر اتجاه الأسعار فقد يؤدي ذلك إلى فقدان الاستقرار في البلدان المصدّرة للنفط، وعلى رأسها السعودية، وفي البلدان المدعومة بشكل كثيف من قبل مصدّرات النفط، وعلى رأسها مصر

بدأ “عقد النفط” عام 1973 مع ارتفاع كبير بأسعار النفط في العالم، واستمر حتى بداية الثمانينيات. ارتفعت أسعار النفط مجددا خلال العقد الماضي بشكل ملحوظ، ولكن منذ الصيف الماضي انخفضت باطّراد. وصلت أسعار النفط هذه الأيام إلى مستوى منخفض نسبيًّا، أعلى بقليل من تلك التي كانت في نهاية عام 2008، في أعقاب الأزمة العالمية في ذلك العام. هذه التقلّبات في أسعار النفط معروفة مسبقا ويمكن التنبّؤ بها في الوقت نفسه، وقد وقعت حتى الآن على فترات تمتدّ من خمسة إلى خمسة عشر عاما. الحديث عن سوق يكون فيه العرض والطلب “ثابتين” نسبيًّا، أي إنّه من الصعب على المستهلكين والمنتجين الاعتياد على التغيير بشكل فوري، وتخفيض استخدام النفط أو زيادة إنتاجه بين عشية وضحاها.

ساهم الارتفاع والانخفاض في أسعار النفط بتغييرات اقتصادية – سياسية في الشرق الأوسط. وصل “عقد النفط” إلى حافّة ما سمّاه مالكوم كير “الحرب الباردة العربية”، أي الخصومة بين الدول العربية “الثورية” والدول العربية “المحافظة”. في ذلك الوقت وُضعتْ جانبًا أيضًا فكرة الوحدة العربية (القومية العربية)، أي إنشاء إطار مشترك للدول في المنطقة، لأسباب ليس أقلّها معارضة دول النفط لإطار اقتصادي – سياسي مشترك كان معناه إعادة توزيع أرباح النفط من جديد. اضطرّت مصر على عهد عبد الناصر، والتي قادت فكرة الوحدة العربية والمعسكر الثوري في الستينيات، أكثر فأكثر إلى الدعم المالي من دول النفط المحافظة وبذلك فقد خفّضت أيضًا نبرتها بخصوص التعامل مع التغيير الذي سيجتاح العالم العربي.

ومع انتهاء “عقد النفط” في أواسط الثمانينيات اضطرّت دول كثيرة في المنطقة، بما في ذلك مصدّرات النفط الكبرى كالسعودية، إلى البحث عن بديل اقتصادي. كان النجاح محدودا، وبقي الاعتماد على النفط عاملا رئيسيا وثابتا في اقتصاد المنطقة. مصر أيضًا، التي تتمتّع بموارد نفطية قليلة نسبيًّا، أصبحت معتمدة على النفط. وذلك لأنّ الإيرادات المباشرة وغير المباشرة من هذا المورد – كالعمال المصريين في دول النفط، مدفوعات العبور من قناة السويس، السياح والمستثمرين من الخليج ونقل الأموال من دول الخليج إلى الدولة المصرية – أصبحت جزءًا رئيسيّا من عائداتها بالعملات الأجنبية.

بدءًا من نهاية الثمانينيات مرّت جميع دول المنطقة بإصلاحات اقتصادية نيو – ليبرالية من التقليل في خدمات الدولة، محاولات إدارة أكثر كفاءة للقطاع العام وبشكل خاص الخصخصة، وزيادة عدم المساواة في توزيع الدخل الذي يصاحب هذا الإصلاح. كان هدف تلك الإصلاحات بشكل أولي هو إحداث التوازن في الاقتصاديات المحلية بعد سنوات زيادة الميزانية في أعقاب الإيرادات المباشرة وغير المباشرة من النفط. وقد رافقت هذه العملية بشكل واضح اضطرابات اجتماعية وعمليات تطرّف سياسي، خصوصا من قبل الحركات ذات الطابع الديني المتطرّف، والتي جذبت الاهتمام الكبير من قبل دول المنطقة والرأي العام العالمي.

مصافي النفط، السعودية (AFP)
مصافي النفط، السعودية (AFP)

أحدث ارتفاع أسعار النفط في بداية الألفية الثانية ابتهاجا بالنسبة لإمكانية تصدير نموذج النجاح الاقتصادي لدبي إلى جاراتها في الخليج بل ولدول أخرى في الشرق الأوسط، وهو نموذج الاستثمار المالي الضخم لتنمية التجارة الدولية، السياحة الدولية والمناطق الصناعية الحرّة. ولكن بقيت المشاكل الأساسية قائمة بقوة: ضعف البنية التحتية لدولة الرفاه، غياب التغيير الاقتصادي العميق (وخصوصا التصنيع)، العلاقات الوثيقة جدا بين السلطة والحكم، وبالطبع بقاء الأنظمة الاستبدادية. وعلى العكس من ذلك كان “الربيع العربي” ردّة فعل على الفجوة الكبيرة بين الثروة وتوزيعها، كما أنه كان ردّة فعل على درجة عالية من الاستمرارية الاقتصادية – السياسية رغم “عقد النفط” الثاني الذي ضرب الشرق الأوسط.

لن يُحدِث الانخفاض الحالي في أسعار النفط تغييرات كبيرة في الشرق الأوسط على المدى القريب. راكَمتْ دول النفط الكثير من الأموال بعد سنوات من أسعار الطاقة المرتفعة، وهي قادرة على استيعاب الآثار المباشرة لانخفاض الأسعار. بل وقد يكون جزء من الانخفاض الحالي في أسعار النفط نتيجة للسياسة السعودية الموجّهة لضرب المنافسين، وخصوصا لمصدّري النفط من الصخور الزيتية، والتي قاد دخولها إلى سوق الولايات المتحدة إلى الاستقلالية في الطاقة، حتى ولو بأسعار مرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، إذا استمرّت أسعار النفط بالانخفاض في السنوات القادمة، فسوف تتقلّص الأموال المتوفّرة لدى الدول المصدّرة، وخصوصا على ضوء حاجيّاتها الكبيرة في تأمين خدمات دولة الرفاه وفرص العمل لمواطنيها. وهذا الأمر صحيح بشكل خاصّ بالنسبة للسعودية، التي وزعت الكثير من الأموال من أجل إحداث هدوء محلي وإقليمي في أعقاب الربيع العربيّ، وستجد صعوبة أكبر في اتخاذ “سياسة المحفظة” كما في الماضي.

وقد يكون الانخفاض في أسعار النفط ذا أهمية أكبر في دول كمصر. حيث تعتمد مصر كما في الماضي على الأرباح المباشرة وغير المباشرة من النفط. فعلى سبيل المثال، قدّمت لها دول الخليج في العام الأخير للميزانية مبلغا بقيمة 10.6 مليارات دولار، معظمه من المنتجات النفطية، والهدف هو تحقيق الاستقرار في حكم السيسي. ويشارك مستثمرون سعوديون في هذه الأيام بمشروع ضخم لتوسيع قناة السويس. قد يضرّ تخفيض أسعار النفط في المستقبل بالمساعدة الخليجية لمصر، وكذلك بالإيرادات الأخرى التي مصدرها النفط والغاز، وقد يؤثر على الاستقرار السياسي للبلاد. رغم أنّها ليست أحداثا سياسية مباشرة، يجب الانتباه للتغييرات في أسعار الطاقة. إنها تقع في أساس العمليات السياسية التي تبدو في المستقبل.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع Can Think

اقرأوا المزيد: 748 كلمة
عرض أقل