ديفيد بولوك

نصف الفلسطينيين في القدس يفضلون الجنسية الإسرائيلية على الفلسطينية (Flash90/Hadas Parush)
نصف الفلسطينيين في القدس يفضلون الجنسية الإسرائيلية على الفلسطينية (Flash90/Hadas Parush)

نصف الفلسطينيين في القدس يفضلون الجنسية الإسرائيلية على الفلسطينية

فلسطينيو القدس الشرقية يفضلون الجنسية الإسرائيلية لهذه الأسباب: وجود وظائف ودخل ورعاية صحية أفضل وغيرها من المزايا الاجتماعية الأخرى، كحرية السفر وما شابه ذلك

تُعد قضية القدس واحدة من أكثر القضايا حساسية في الصراع العربي الإسرائيلي والعلاقات بين المسلمين واليهود والمسيحيين. وقد ساهمت أحداث العنف الأخيرة التي شهدتها المدينة في بقائها تحت المجهر السياسي والإعلامي.

ورغم جميع المحادثات التي تمت حول هذه القضية، نادراً جداً ما طُرحت أسئلة على الفلسطينيين في المدينة، البالغ عددهم ما يقرب من 300 ألف فلسطيني (غالبيتهم الساحقة من المسلمين)، حول المستقبل الذي يريدونه. ولهذا يعمل البحث الجديد الذي نحن بصدده هنا على سد هذه الفجوة بطريقة غير متوقعة تماماً.

لقد أظهر استطلاع أجراه “المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي” (ومقره بيت ساحور بالضفة الغربية) في منتصف شهر حزيران/يونيو أن 52 بالمائة من الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية الخاضعة للحكم الإسرائيلي يفضلون أن يكونوا مواطنين لدولة إسرائيل مع التمتع بحقوق متساوية – مقارنة بنسبة 42 بالمائة فقط يفضلون أن يكونوا مواطنين للدولة الفلسطينية. وتؤكد هذه النتيجة اللافتة كما تمدّد اتجاه لوحظ للمرة الأولى منذ خمسة أعوام.

يعتقد غالبية السكان (62 بالمائة) أن إسرائيل ستظل باقية، كدولة يهودية أو دولة ثنائية القومية، خلال الـ 30 أو 40 عاماً المقبلة بينما يعتقد ذلك 47 بالمائة فقط من سكان الضفة الغربية و42 بالمائة من سكان غزة

وفي استطلاع مماثل أُجري في أيلول/سبتمبر 2010، فضّل ثلث المواطنين [في القدس الشرقية] الجنسية الإسرائيلية على الجنسية الفلسطينية؛ وبحلول أيلول/سبتمبر 2011، ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 40 بالمائة؛ كما ارتفعت في الوقت الحالي لتزيد قليلاً عن النصف. وتختلف هذه النتيجة اختلافاً كبيراً عن النتائج في الضفة الغربية أو قطاع غزة، حيث لا تتعدى نسبة من يفضلون الجنسية الإسرائيلية عن 4 و12 بالمائة، على التوالي. واستند استطلاع الرأي الأخير على مقابلات شخصية أجراها متخصصون في المسح المحلي لعينة جغرافية عشوائية ممثلة مؤلفة من 504 فلسطيني من القدس الشرقية وعينات مماثلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بهامش خطأ إحصائي يقدر بنسبة 4.5 بالمائة في كل منطقة.

وفي استطلاعات الرأي السابقة، غالباً ما استدل سكان القدس الشرقية في إجاباتهم بأسباب عملية لهذا التفضيل، على سبيل المثال: وجود وظائف ودخل ورعاية صحية أفضل وغيرها من المزايا الاجتماعية الأخرى، كحرية السفر وما شابه ذلك. وبالفعل، توفّر تصاريح الإقامة الإسرائيلية – (“البطاقات الزرقاء”) التي يحملوها – هذه المزايا التي لا تتوفر لسكان الضفة الغربية، وهم يرغبون بشكل متزايد في الاحتفاظ بهذه المزايا لا سيما مع ازدهار الاقتصاد في إسرائيل وركوده في الضفة الغربية.

مواطنات من حي جبل المكبر في القدس الشرقية (Flash90/Sliman Khader)
مواطنات من حي جبل المكبر في القدس الشرقية (Flash90/Sliman Khader)

وبالمثل، فقد أظهر الاستطلاع الحالي أن حوالي نصف السكان (47 بالمائة) يقولون أنهم قد يعملون داخل إسرائيل [إذا ما حصلوا] على وظيفة جيدة. ونظراً لتوافر هذه المزايا لهم اليوم، حتى دون حمل الجنسية الإسرائيلية، فإن المحظورات الاجتماعية والصعوبات العملية الكبيرة المترتبة على التقدم للحصول على هذه الجنسية تعني أنه ليس هناك سوى نسبة ضئيلة جداً التي حازت بالفعل على هذا الوضع الرسمي الكامل حتى الآن.

ولعل حرية وصولهم اليومي إلى إسرائيل قد جعل الفلسطينيين في القدس أكثر تفاؤلاً أيضاً حول مستقبل هذه البلاد على المدى الطويل. ويعتقد غالبية السكان (62 بالمائة) أن إسرائيل ستظل باقية، كدولة يهودية أو دولة ثنائية القومية، خلال الـ 30 أو 40 عاماً المقبلة بينما يعتقد ذلك 47 بالمائة فقط من سكان الضفة الغربية و42 بالمائة من سكان غزة. وهم أيضاً أكثر وعياً بتاريخ المدينة إلى حد ما، ولكن ربما ليس بالقدر المتوقع. ويرى 30 بالمائة من الفلسطينيين في القدس الشرقية، مقابل 18 بالمائة فقط من سكان الضفة الغربية، أنه كانت هناك ممالك ومعابد يهودية في القدس في العصور القديمة.

وفي بعض النواحي الأخرى أيضاً، اتخذ الفلسطينيون في القدس الشرقية مواقف معتدلة نسبياً تجاه إسرائيل. فهناك نسبة مذهلة تبلغ 70 في المائة تقول أنها ستقبل بصيغة “دولتان لشعبين” – الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي.” بينما تبلغ النسبة المقابلة في الضفة الغربية 56 بالمائة و44 بالمائة في قطاع غزة. ويجدر بالملاحظة أيضاً أن 40 بالمائة من الفلسطينيين في القدس الشرقية يرون أن “لليهود بعض الحقوق على الأرض جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين” – مقابل نسبة 13 بالمائة فقط في الضفة الغربية، أو 11 بالمائة في قطاع غزة. وفيما يتعلق بالقدس نفسها، فإن 23 بالمائة فقط من سكانها الفلسطينيين يصرون على السيادة الفلسطينية على المدينة بأكملها – بينما يدعم الرأي ذاته نصف هذه النسبة فقط في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.

يرى 30 بالمائة من الفلسطينيين في القدس الشرقية، مقابل 18 بالمائة فقط من سكان الضفة الغربية، أنه كانت هناك ممالك ومعابد يهودية في القدس في العصور القديمة

ولا يعني ذلك أن الفلسطينيين في القدس الشرقية معتدلين تماماً. فعلى سبيل المثال، يرى 55 بالمائة أنه حتى بعد حل الدولتين، سوف يستمرون في رغبتهم في “تحرير كامل أراضي فلسطين التاريخيّة” (ولكن ليس بالضرورة أن يتم طرد اليهود الإسرائيليين أو حرمانهم من حقوقهم). وقد يوحي ذلك، بالإضافة إلى تفضيل الفلسطينيين الحصول على الجنسية الإسرائيلية على نطاق واسع نسبياً، إلى ميل فلسطينيي القدس الشرقية نحو “حلّ الدولة الواحدة.” ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، فإن الغالبية (61 بالمائة) تقدم الدعم الشفهي على الأقل “للكفاح المسلّح ولهجمات الدّهس ضدّ الإحتلال”. ويقل هذا الرقم نوعاً ما بين سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة، ولكن ليس بنسبة كبيرة.

إلا أن أكثر النتائج المفاجئة في هذا السياق هي تلك التي تتعلق بالعلاقة الحزبية؛ إذ يرى 39 بالمائة من فلسطينيي القدس الشرقية أن حركة “حماس” “تمثل أقرب ما يكون لإنتمائك السياسي.” (وربما يعود ذلك جزئياً لكونهم متدينون نسبياً؛ بينما اختار 37 بالمائة “أن يكون المرء مسلماً جيّداً” كأولى أو ثاني أولوياتهم الشخصية، من قائمة تضم عشر خيارات متنوعة). وحتى أن نسبة أكبر (47 بالمائة) من سكان القدس الشرقية يقولون أن كل واحد منهم “مستقلّ” سياسياً. وقد تكون هذه الأرقام غير دقيقة إلى حد ما من واقع عدم السماح لحركة “فتح” والسلطة الفلسطينية بالعمل رسمياً في القدس.

طالبات في المدارس في القدس الشرقية (Flash90/Isaac Harari)
طالبات في المدارس في القدس الشرقية (Flash90/Isaac Harari)

ومن المثير للاهتمام، أن الدعم المعلن لحركة “حماس” يبلغ النصف فقط في قطاع غزة التي يعيش سكانها تحت حكم “حماس” فعلياً منذ عام 2007. وفي الضفة الغربية، حيث تفرض السلطة الفلسطينية سيطرتها وأحياناً تعتقل نشطاء من “حماس”، لا ينتسب لهذا الحزب علانية سوى 11 بالمائة فقط بينما يؤكد كل شخص ضمن أغلبية من الفلسطينيين نسبتها 44 بالمائة بأنه “مستقل”.

وبالإضافة إلى الفائدة المتأصلة لهذه النتائج المفاجئة في المسح والتي توصلت إليها هذه الدراسة الاستقصائية، قد تظهر بعض الدروس السياسية الأوسع نطاقاً. أولاً، تشير النتائج إلى أن فوائد التعايش العملي قد تفرز عقليات أكثر اعتدالاً. ثانياً، قد لا يكون الانتماء الحزبي دليلاً جيداً على المواقف الأساسية. وثالثاً، وهو الأكثر أهمية، أنه يجدر بمن يهتمون بالديمقراطية والسلام إيلاء مزيد من الاهتمام لرغبات الفلسطينيين الذين يعيشون فعلياً في القدس من دون الاقتصار على من يدعون التحدث نيابة عنهم من خارج المدينة.

نشر هذا البحث لأول مرة على موقع منتدى فكرة

اقرأوا المزيد: 1001 كلمة
عرض أقل
ذكرى يوم القدس العالمي في إيران (AFP)
ذكرى يوم القدس العالمي في إيران (AFP)

مطالبة إيران بالقضية الفلسطينية، من منظار الفلسطينيين

كيف ينظر الفلسطينيون إلى إيران وخصومها في سعيها إلى بسط النفوذ في المنطقة؟

يضمّ النقاش الراهن حول الاتفاق النووي الإيراني قدراً كبيراً من التكهّنات بشأن كيفية تأثير هذا الاتفاق على دولٍ أخرى في المنطقة، بدءاً بسوريا واليمن ووصولاً إلى البحرين وإسرائيل.

وقد كُتب الكثير بخاصّةٍ عن نظرة الإسرائيليين إلى إيران اليوم، لكنّ جانباً واحداً مثيراً للاهتمام من جوانب هذه المعضلة بالكاد استرعى الاهتمام، على الرغم من أهمّيته المحتملة بالنسبة إلى إسرائيل والمنطقة بأسرها: كيف ينظر الفلسطينيون إلى إيران وخصومها في سعيها إلى بسط النفوذ في المنطقة؟

تُصرّح إيران بمناصرتها “المقاومة” الفلسطينية في وجه الاحتلال أو القمع، بينما تحاجج الحكومات العربية أنّ القضية الفلسطينية تخُصّهم، وتقاوم “التدخّل” الإيراني في الشؤون العربية

فالاتفاق الإيراني جزءٌ من سياقٍ أوسع قوامُه سياسات القوّة في الشرق الأوسط، مع مصاعبَ تطرحها مسائل الهوية العرقية بين فارسي وعربي والطائفية بين شيعي وسنّي، وتُضاف إلى اهتمامات إسلامية ووطنية وجيوسياسية متعدّدة. وفي هذا السياق، تُصرّح إيران بمناصرتها “المقاومة” الفلسطينية في وجه الاحتلال أو القمع، بينما تحاجج الحكومات العربية أنّ القضية الفلسطينية تخُصّهم، وتقاوم “التدخّل” الإيراني في الشؤون العربية.

وتُعدّ نظرة الفلسطينيين أنفسهم إلى هذا الصراع مؤشّراً مهمّاً لكيفية احتمال تطوّر الأحداث في المنطقة في المستقبل، لا سيّما عندما ينتهي النقاش حول الملف النووي.

وقد جاء استطلاعٌ للرأي العام الفلسطيني، بتكليفٍ من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في الشهر الماضي، بينما كان الاتفاق الإيراني يشارف على الانتهاء، ليقدّم بعض البيانات الموثوقة والفريدة من نوعها حول هذه المسألة. تألّف استطلاع الرأي، الذي أجراه “المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي” ومقرّه بيت ساحور قرب بيت لحم في الضفة الغربية، من مقابلات شخصية مع عيّنية احتمالية تمثيلية جغرافية مؤلفة من 919 شخصاً شملهم الاستطلاع، وأوجد هامش خطأٍ إحصائي بنحو 3،5 في المائة.

أعطت نسبة كبيرة من الفلسطينيين، وصلت إلى 45 في المائة في الضفة الغربية و43 في المائة في غزة، السياسات الإيرانية تصنيف “سيّئة إلى حدٍّ ما” أو حتى “سيئة جداً”

وردّاً على سؤالٍ حول نظرة المُستَطلَعين إلى السياسات الإيرانية، أعطت أغلبية ضئيلة ردّاً إيجابياً: 55 في المائة في الضفة الغربية ونسبة متطابقة إحصائياً وصلت إلى 57 في المائة في غزة. غير أنّ قلّةً وحسب تعطي السياسات الإيرانية تصنيف “جيّد جداً”، إذ وصلت هذه النسبة إلى 29 في المائة لدى سكّان الضفة الغربية، ولم تتعدَّ 13 في المائة فقط لدى سكان غزة. وقد أعطت نسبة كبيرة من الفلسطينيين في كلا المنطقتين، وصلت إلى 45 في المائة في الضفة الغربية و43 في المائة في غزة، السياسات الإيرانية تصنيف “سيّئة إلى حدٍّ ما” أو حتى “سيئة جداً”.

استعراض عسكري لمقاتلي حزب الله (AFP)
استعراض عسكري لمقاتلي حزب الله (AFP)

وتَعتبر نسبةٌ ملحوظة وصلت إلى 75 في المائة لدى كلّ من سكان الضفة والقطاع أنّ “إصلاح الإسلام أو تفسيره بطريقة أكثر اعتدالاً وتسامحاً وحداثةً” يُعدّ “فكرةً جيّدة”. ولم تختر إلّا نسبة 10 في المائة فقط من سكان غزة ونسبة أقلّ منها أيضاً من سكّان الضفة الغربية “أن يكون المرء مسلماً جيّداً” بوصفه أولويتهم الشخصية القصوى. وظلّ هذا الخيار بعيداً فيما فضّل المُستَطلَعون “عيش حياة عائلية جيّدة” أو “جني ما يكفي من المال لعيش حياة كريمة”. أمّا نسبة التأييد التي يحظى بها تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، فظلّت ضئيلةً للغاية ولم تتعدَّ الأرقام الأحادية المتدنّية في كلّ من الضفة الغربية وقطاع غزة، تماماً كما هو الحال في كلّ مجتمعٍ عربي آخر جرى فيه مؤخّراً استطلاعٌ للرأي.

ومن أجل أن نتوصّل إلى فهم كاملٍ للموقف الفلسطيني تجاه إيران، من المفيد أن نتطرّق إلى الطريقة التي ينظر بها الفلسطينيون إلى السياسات الإيرانية وإلى حلفاء إيران العرب الرئيسيين. فـ”حزب الله”، على سبيل المثال، يحظى بنسبةٍ ملحوظة من التأييد تصل إلى 69 في المائة لدى سكّان الضفة. أمّا لدى سكان قطاع غزة، فتنخفض هذه النسبة إلى حدٍّ ما، بيد أنّها تبقى مثيرةً للإعجاب إذ تناهز 57 في المائة. ويُشار إلى أنّ شعبية “حزب الله” أعلى بأشواط لدى الفلسطينيين منها لدى أيّ جمهور عربي آخر تمّ مؤخّراً استطلاع رأيه. والتفسير الأكثر قبولاً هو أنّ الكثير من الفلسطينيين لا يزالون يشدّدون على سجلّ “حزب الله” ويبدون إعجابهم به وبمعارضته العنيفة لإسرائيل من دون هوادة، في حين بات عربٌ كثيرون آخرون مستائين من تبعية “حزب الله” لإيران ودعمه تابعاً آخر لإيران، أي الرئيس بشار الأسد بدكتاتوريته الوحشية في سوريا.

تحظى جماعة الجهاد الإسلامي، المدعومة من إيران، بتصنيف إيجابي تصل نسبته إلى 71 في المائة في الضفة الغربية و84 في المائة في قطاع غزة، وهي نسبةٌ مذهلة، وتفوق شعبية حركة “حماس”

أمّا الجماعة الأخرى التي تحظى بتأييد كبير، فهي موكَّلٌ إيراني آخر متطرّفٌ، وفي رصيده اعتداءات أصغر ضدّ إسرائيل: المنظمة الإرهابية الصغيرة إنّما الناشطة، التي تتّخذ من غزة بشكل خاصّ مقرّاً لها وكثيراً ما تتردّد إلى إيران، والمعروفة باسم “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين”. وتحظى هذه الجماعة بتصنيف إيجابي تصل نسبته إلى 71 في المائة في الضفة الغربية و84 في المائة في قطاع غزة، وهي نسبةٌ مذهلة. وتفوق شعبية “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين” بأشواط شعبية حركة “حماس”، وهي الفصيل الفلسطيني الذي يحكم قطاع غزة، لا بل أنّ جزءاً من هذه الشعبية ربما يعكس نوعاً من “التصويت الاحتجاجي” ضدّ فشل “حماس” وسوء حكمها والقمع الذي تمارسه.

عناصر تابعة لحركة الجهاد الإسلامي في غزة (Emad Nassar/Flash90)
عناصر تابعة لحركة الجهاد الإسلامي في غزة (Emad Nassar/Flash90)

وعلى نطاق أوسع، تظهر المواقف الفلسطينية تجاه إسرائيل بعض الانسجام مع موقف إيران الرافض (أو على الأقل التضارب معه). فبخلاف إيران، يقول نحو نصف سكّان الضفة والقطاع إنّهم يقبلون بمبدأ “حلّ الدولتين” للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني وسيوافقون على بعض التنازلات التكتيكية مع إسرائيل. حتى إنّ نحو نصفهم سيوافق على الاعتراف بإسرائيل “كدولة للشعب اليهودي”، وهذا على طرفي نقيض مع الموقف الإيراني الرسمي أو حتى موقف السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، عندما سُئل المُستَطلَعون عن رؤيتهم على المدى البعيد، أفادت أغلبية واضحة في كلّ من الضفة الغربية وقطاع غزة أنّ حلّ الدولتين لا ينبغي أن يُشكّل نهاية النزاع، وأنّ الكفاح (بما في ذلك الكفاح المسلّح) “لتحرير كلّ فلسطين” ينبغي أن يستمرّ حتى يظفر يوماً ما.

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يصافح رئيس حكومة حماس المقالة إسماعيل هنية (Flash90/Mohammad Al Ostaz)
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يصافح رئيس حكومة حماس المقالة إسماعيل هنية (Flash90/Mohammad Al Ostaz)

لكن، من أجل أن نضع هذه الصورة في نصابها الصحيح، لا بدّ من مقارنة شعبية إيران في الشارع الفلسطيني مع شعبية القوى الإقليمية الأخرى، بما فيها الدولتان المجاورتان اللتان أرستا سلاماً رسمياً مع إسرائيل، وهما مصر والأردن. تسجّل سياسات مصر الأخيرة معدّل التأييد نفسه تقريباً الذي حظيت به سياسات إيران، أي 57 في المائة لدى سكّان الضفة و54 في المائة لدى سكّان القطاع. ومن المستبعد كثيراً أن يلقي الفلسطينيون اللوم على مصر عوض إسرائيل، أو حتى “حماس” أو السلطة الفلسطينية، بسبب الوتيرة البطئية لإعادة إعمار غزة بعد الحرب خلال العام المنصرم. وبالإضافة إلى ذلك، يُسجّل الأردن نسباً أفضل من مصر، إذ يحظى بتصنيف إيجابي تصل نسبته إلى 62 في المائة في غزة، و74 في المائة في الضفة، وهي نسبةٌ مثيرة للإعجاب.

وصلت نسبة الآراء المؤيدة لقطر إلى 72 و73 في المائة في كلّ من الضفة والقطاع. أمّا السعودية، وهي ربما خصم إيران اللدود، فتسجّل نسبة تأييد تبلغ 83 في المائة في الضفة وأقلّ بشيء بسيطٍ في غزة مع نسبة 73 في المائة. والأفضل من ذلك كلّه أنّ تركيا تحظى بنسبة تأييد تصل إلى 84 في المائة لدى سكان الضفة ونسبةٍ هي الأعلى في الرسوم البيانية تبلغ 89 في المائة في غزة

ومع ذلك، ينال عددٌ من منافسي إيران الإقليميين الآخرين تصنيفات أعلى، فقد وصلت نسبة الآراء المؤيدة لقطر إلى 72 و73 في المائة في كلّ من الضفة والقطاع على التوالي. أمّا السعودية، وهي ربما خصم إيران اللدود، فتسجّل نسبة تأييد تبلغ 83 في المائة في الضفة وأقلّ بشيء بسيطٍ في غزة مع نسبة 73 في المائة. والأفضل من ذلك كلّه أنّ تركيا، وهي دولة غير عربية، تحظى بنسبة تأييد تصل إلى 84 في المائة لدى سكان الضفة ونسبةٍ هي الأعلى في الرسوم البيانية تبلغ 89 في المائة في غزة، حيث حاول الأتراك جاهدين على مدى السنوات القليلة المنصرمة، وإن بنجاحٍ متفاوت، أن يوفّروا الدعم السياسي والمادي الرفيع.

واستناداً إلى هذه الأدلّة، يمكن استخلاص الاستنتاجات الآتية. أوّلاً، عندما يكون المرء سنّياً يبدو أن ذلك عاملاً يدخل في الحسابات؛ ولا تستطيع إيران أن تُعدّ، على المدى البعيد، مناصراً شعبياً للقضية الفلسطينية. ثانياً، وما له علاقة في هذا الموضوع، يُعدّ الشارع الفلسطيني لقمةً سائغة، في ما يتعلّق بالشركاء الإقليميين، عرباً وغير عربٍ، أو حتى في ما يتعلّق بإسرائيل. فالفلسطينيون يستجيبون لأيّ حزبٍ يرون أنّه يعكس أولوياتهم أو يلبّي احتياجاتهم، ولديهم اندفاعات معتدلة وراديكالية على حد سواء. أمّا إمكانية أن تستغلّ إيران هذه النقطة، فتقترن على الأرجح بالبدائل التي يعتقد الفلسطينيون أنّهم يتمتّعون بها. لذا، بغضّ النظر عمّا يحدث في النقاش الدائر حول الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، ينبغي على الأطراف المعنية جميعها، أي الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب والأطراف الأخرى، أن تعمل بجدٍّ لتجعل من التعايش الكريم خيارها الأكثر واقعيةً وجاذبية.

نشر هذا المقال لاول مرة على موقع منتدى فكرة

اقرأوا المزيد: 1296 كلمة
عرض أقل
فلسطينيو القدس الشرقية (Flash90/Hadas Parush)
فلسطينيو القدس الشرقية (Flash90/Hadas Parush)

استطلاع: الفلسطينيون يؤيدون التسويات التكتيكية مع إسرائيل

غالبية الشعب الفلسطيني تؤيد التعاون الاقتصادي مع إسرائيل ووقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. حتى إن نصف الفلسطينيين يقبلون مبدأ إنشاء "دولة للشعب اليهودي"، لا يكون للاجئين الفلسطينيين "حق العودة" إليها

بينما يختتم الخبراء في شؤون الشرق الأوسط والداعمون لقضايا المنطقة جدالهم حول الاتفاق النووي الإيراني، يُرجح أن تعود أنظارهم لتتوجه نحو العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية. ويشير استطلاع جديد للرأي إلى أن آراء الفلسطينيين حول العديد من المسائل الراهنة والمثيرة للجدل أصبحت متباينة بشكلٍ مفاجئ.

فعلى سبيل المثال، ما زال معظم الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة يريدون “تحرير كامل أراضي فلسطين التاريخيّة” يوماً ما، وفي غضون ذلك يعلنون تأييدهم “للكفاح المسلح ولهجمات الدهس ضد الاحتلال”. غير أن غالبية الفلسطينيين تؤيد أيضاً التعاون الاقتصادي مع إسرائيل ووقف إطلاق النار بين حركة “حماس” وإسرائيل. حتى إن نصف الفلسطينيين تقريباً يقبلون مبدأ إنشاء “دولة للشعب اليهودي”، لا يكون للاجئين الفلسطينيين “حق العودة” إليها. والسبب وراء هذه المواقف المفاجئة هو أن هذا الاستطلاع طرح بعض الأسئلة لا يتم التطرق إليها عادة في استطلاعات الرأي الأخرى.

ولهذا السبب، وكجزء من جهودنا الرامية إلى فهم المواقف الشعبية في المنطقة بشكل أفضل، رعى “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” استطلاعاً للرأي أجرته مؤسسة فلسطينية رائدة، هي “المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي» ومقرها في بيت ساحور في الضفة الغربية. وأُجري الاستطلاع بين 7 و19 حزيران/يونيو، من خلال سلسلة مقابلات شخصية مع عينات نموذجية بلغ تعدادها 513 فلسطينياً في الضفة الغربية و408 في قطاع غزة، أسفرت عن نتائج يبلغ هامش الخطأ فيها 4.9 في المائة في كل حالة.

وبما أن معظم استطلاعات الرأي في الشرق الأوسط تتناول قضايا الدين والسياسة، يطرح هذا الاستطلاع الكثير من المفاجآت، أولها أن المسائل الدينية والسياسية ليست من ضمن الأولويات القصوى للفلسطينيين في الضفة الغربية أو قطاع غزة. ففي الضفة الغربية، يقول معظم الناس إن أولويتهم هي “كسب المال الكافي لعيش حياة مريحة” (44 في المائة) أو “الحياة العائلية الطيّبة” (34 في المائة). والنتائج في غزة مشابهة، إلا أن غالبية السكان تميل إلى تفضيل العائلة على المال: فقد اختار 31 في المائة من السكان المال، بينما اختار 34 في المائة منهم العائلة. وفي المقابل، لم يختر سوى 14 في المائة من فلسطينيي الضفة و24 في المائة من فلسطينيي غزة “العمل لإقامة دولة فلسطينية” كأولوية قصوى. أما الذين اختاروا “العيش كمسلم (أو مسيحي) طيّب” كأولوية أولى أو حتى ثانية في الضفة الغربية فلم تبلغ نسبتهم سوى 12 في المائة. وفي قطاع غزة، كانت نسبة هؤلاء 19 في المائة، وهي مرتفعة أكثر من الضفة بعض الشيء، ولكنها منخفضة أكثر مما كان متوقعاً.

التركيبة السكّانية في إسرائيل والسلطة الفلسطينية (Flash90/Hadas Parush)
التركيبة السكّانية في إسرائيل والسلطة الفلسطينية (Flash90/Hadas Parush)

أما المفاجأة الثانية، فهي مرتبطة بالأولى وتكمن في أن معظم الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة يؤيدون في الواقع التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، بالرغم من الدعم النظري الواسع لمقاطعة إسرائيل. فثلثا سكان الضفة وثلاثة أرباع سكان غزة يقولون إنهم “يرغبون برؤية إسرائيل تسمح للمزيد من الفلسطينيين بالعمل داخل إسرائيل”. علاوة على ذلك، تؤيد غالبية الفلسطينيين في الضفة (55 في المائة) ونسبة تعادلها تقريباً في غزة (48 في المائة) “توفير الشركات الإسرائيلية مزيداً من فرص العمل داخل” تلك المناطق. ولدى سؤالهم عن آفاق هذه الاحتمالات العملية حتى “بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وتكوين حكومة جديدة”، يقول أكثر من ثلث الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة إنهم ما زالوا يرون أن هناك على الأقل فرصة لإحراز تقدم.

وأحد الأسئلة الأساسية ذات الصلة يتعلق بـ “المسؤولية عن بطء عملية إعادة إعمار غزة” – وإن كانت الآراء تتباين كثيراً حول هذه المسألة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ففي الضفة الغربية، تلقي أكثرية كبيرة من السكان باللوم الأكبر على إسرائيل (40 في المائة)، بينما تلوم نسبة ضئيلة تبلغ 7 في المائة حركة “حماس”. ولكن في غزة نفسها، تنعكس الصورة تماماً: فأكثرية السكان (40 في المائة) تحمّل حركة “حماس” المسؤولية الأساسية، بينما تحل إسرائيل في المرتبة الثانية بنسبة 29 في المائة.

ومقارنة بتلك الأرقام، لا تحمّل سوى أقلية بسيطة (10 في المائة من سكان الضفة و20 في المائة من سكان غزة) السلطة الفلسطينية عبء المصاعب التي يواجهها قطاع غزة. ويساعد هذا الأمر في فهم سبب قول سكان غزة بأغلبية ساحقة (88 في المائة) “ينبغي على السلطة الفلسطينيّة أن ترسل مسؤولين وضبّاط أمن إلى قطاع غزّة لتسلّم الإدارة هناك”. وهذه النسبة بين سكان الضفة الذين يؤيدون هذه الفكرة مرتفعة ومشابهة تقريباً، إذ تبلغ 81 في المائة.

أما فيما يخص الأسئلة الأوسع حول العلاقات مع إسرائيل وعملية السلام فتتباين آراء فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة كثيراً. فمن جهة، يؤيد معظم الفلسطينيون الهدف البعيد المدى لاستعادة جميع أراضي فلسطين، ويدعمون الكفاح المسلح كوسيلة لتحقيق تلك الغاية. ويقول 58 في المائة من سكان الضفة الغربية و65 في المائة من سكان غزة إنه حتى لو تم التوصل إلى “حل الدولتين”، “الصّراع لم ينته وينبغي استمرار المقاومة حتّى تحرير كامل أراضي فلسطين التاريخيّة”. وفي الضفة الغربية، يؤيد 56 في المائة من السكان “الكفاح المسلح وهجمات الدهس ضد الاحتلال”، ولكن 23 في المائة منهم فقط يدعمون هذه الأساليب “بشدة”. أما في غزة، فنسبة تأييد هذه التكتيكات العنيفة مذهلة، إذ تبلغ 84 في المائة ، بما في ذلك 53 في المائة من السكان عبّروا عن تأييدهم الشديد لها.

أطفال يشاركون في مهرجان حماس في غزة (AFP)
أطفال يشاركون في مهرجان حماس في غزة (AFP)

ومن جهة أخرى، هناك تأييد مفاجئ وواسع النطاق لبعض حلول الوسط الأساسية مع إسرائيل. فمن الناحية التكتيكية، لعل أكثر نتيجة إحصائية إثارة للدهشة في هذا الاستطلاع كله هي الآتية: يقول 74 في المائة من سكان الضفة الغربية و83 في المائة من سكان غزة إن على “حماس” أن “الحفاظ على هدنة مع إسرائيل” في المنطقتين. بالإضافة إلى ذلك، ومن الناحية الاستراتيجية، يقول نصف سكان الضفة أو أكثر إنهم سيقبلون “على الأرجح” حلول الوسط حول مسألتين أساسيتين. ففي ما يتعلق بتعريف الدولة، يوافق 56 في المائة من سكان الضفة على “مبدأ دولتان لشعبين، الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي”، إذا كان ذلك “سيساعد على إنهاء الإحتلال”. وبالمثل، فإن 51 في المائة “يقبلون تطبيق حقّ العودة إلى الضفة الغربيّة وقطاع غزّة ولكن ليس إلى إسرائيل”. وهذه الأرقام منخفضة أكثر بقليل في غزة ولكنها تبقى مرتفعة: فيؤيد 43-44 في المائة من السكان “على الأرجح” مبدأ “دولتان لشعبين” [وحصر] “حق العودة إلى الضفة الغربيّة وقطاع غزّة ولكن ليس إلى إسرائيل”، إذا كان ذلك الخطوة الأخيرة المطلوبة لإنهاء الإحتلال والتوصّل إلى دولة فلسطينيّة فعليّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.

وبشكل عام، إن الأدلة واضحة: يريد معظم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة – حالياً، على الأقل – وقفاً لإطلاق النار وتعاوناً اقتصادياً مع إسرائيل – كما أن الكثير منهم قد يقبلون بحلول وسط حول مسائل جوهرية صعبة بهدف إنهاء الاحتلال. وفي هذه الحالة، كما في العديد غيرها، فإن من يطلق المواقف المتشددة هم داعمون خارجيون أو بعض الشخصيات السياسية. لكن الأجدر بهؤلاء أن يتماهوا مع الموقف الواقعي نسبياً للشعب الفلسطيني نفسه.

نشر هذا المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة

اقرأوا المزيد: 1003 كلمة
عرض أقل
مقاتلو داعش (لقطة شاشة)
مقاتلو داعش (لقطة شاشة)

استطلاع: الدعم الشعبي لـداعش يكاد ينعدم في مصر، السعودية ولبنان

ما مقدار الدعم الشعبي الذي يتمتع به تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) في البلدان المشاركة في التحالف الدولي ضد "داعش،" كمصر أو السعودية أو لبنان؟

حتى اليوم، لا يسعنا إلا التكهّن بالإجابة على هذا السؤال الذي أضحى أكثر إلحاحاً بفعل التقارير الإخبارية التي انتشرت مؤخراً بشأن عمليات اعتقال طالت أتباع التنظيم في هذه البلدان الثلاثة.

مع ذلك، هناك ثلاثة استطلاعات للرأي جديدة – وهي الأولى من نوعها – توفّر بيانات ملموسة يمكن أن نستعين بها للتوصل إلى إجابة واضحة. أجرت شركة تسويقية رائدة في المنطقة هذه الاستطلاعات في أواخر شهر سبتمبر/أيلول، وذلك من خلال مقابلات وجهاً لوجه مع مهنيين محليين من ذوي الخبرة. وكانت العيّنة عشوائية بدون أرجحية لمنطقة جغرافية على أخرى، وضمّت ألف شخص في كل بلد ( فقط مواطني هذه البلدان؛ فالعينة لم تضم اللاجئين أو المغتربين) مما يعني أنّ هامش الخطأ الإحصائي يبلغ حوالى ثلاثة في المئة.

فقط 3% من المصريين عبّروا عن رأي إيجابي تجاه داعش. في السعودية، النسبة أعلى بقليل: 5% ينظرون إلى داعش بنظرة إيجابية. أما في لبنان، فلم يعبّر أيّ من المستطلعين المسيحيين أو الشيعة أو الدروز عن أيّ تعاطف مع داعش، وحتى في أوساط أهل السنة كانت النسبة مشابهة تقريباً وبلغت 1%

أكثر النتائج إثارةً للاهتمام والتشجيع هي أنّ الدعم الشعبي الذي يحظى به تنظيم “داعش” يكاد ينعدم في مصر أو السعودية أو لبنان – حتى بين أهل الطائفة السنة في لبنان. فقط 3 في المئة من المصريين عبّروا عن رأي إيجابي تجاه “داعش.” في السعودية، النسبة أعلى بقليل: 5 في المئة ينظرون إلى “داعش” بنظرة إيجابية. أما في لبنان، فلم يعبّر أيّ من المستطلعين المسيحيين أو الشيعة أو الدروز عن أيّ تعاطف مع “داعش،” وحتى في أوساط أهل السنة كانت النسبة مشابهة تقريباً وبلغت 1 في المئة.

ولكن ثمة فارق حقيقي بين أن يكون الدعم “شبه منعدم” أو “منعدماً،” فتعبير نسبة ثلاثة في المئة من المصريين البالغين المستطلعين عن دعمهم لـ “داعش” معناه أنّ التنظيم يحظى بدعم من قبل مليون ونصف مواطن مصري. وفي السعودية فأن نسبة خمسة في المئة من السعوديين البالغين الذين يدعمون “داعش” تعني أكثر من نصف مليون مواطن. وحتى في لبنان، البلد الصغير، فإن نسبة الواحد في المئة من البالغين الذي ينتمون للطائفة السنية تساوي بضع الآلاف من المتعاطفين مع “داعش.” وفي كلتا الحالتيْن، تكفي هذه النسبة لأن تأوي على الأقل بعض الخلايا التي تضمّ عناصر قادرة على افتعال المشاكل في هذه البلدان.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن هذه المعارضة شبه الموحدة لـ “داعش” لا تمتدّ لتشمل المنظمات الإسلامية السياسية الأخرى. ففي مصر على سبيل المثال، تعرب نسبة عالية ومفاجئة – وهي تمثل ثلث مجموع السكان – عن موقفها الإيجابي تجاه حركة حماس. وترتفع هذه النسبة في السعودية لتصل إلى 52 في المئة.

في مصر والسعودية، لا تحظى الولايات المتحدة بدعم أكثر من 12% من السكان

والأكثر مفاجأةً هو أنه على الرغم من حملات القمع و”البروباجاندا” المستمرة من قبل الحكومتين المصرية والسعودية ضدّ الإخوان المسلمين، هناك نسبة 35 في المئة في مصر ونسبة 31 في المئة في السعودية تنظر إلى الإخوان بعين الرضا. وعلى سبيل المقارنة، نجد أنّ منظمة حزب الله الإسلامية الشيعية تحصد على 12 في المئة فقط من دعم غالبية أهل السنة في مصر أو في السعودية.

في ما يتعلق بهذه القضايا وغيرها، الاختلاف بحسب الفئات السكانية المختلفة ضئيل بين المصريين. على سبيل المثال، يحصد الإخوان المسلمون على 37 في المئة من دعم سكان التجمعات الحضرية مثل القاهرة أو الإسكندرية؛ و35 في المئة من دعم سكان الصعيد؛ و33 في المئة من دعم سكان ريف الدلتا. أمّا عينة الاستفتاء الفرعية التي تضمّ المسيحيين الأقباط في مصر، فهي دون العشرة في المئة من المجموع، وهي بالتالي ضئيلة جداً مما يفقدها دلالتها الإحصائية.

أما في لبنان، وعلى الرغم من أنّ الطوائف جميعها تتشارك في نبذها لـ “داعش،” تختلف الآراء بشأن الجماعات الإسلامية الأخرى بفعل الطائفة إلى حدّ كبير – ولكن ليس دائماً بالاتجاه المتوقع. يحظى حزب الله، وكما هو متوقع، بدعم 92 في المئة من الشيعة، ولكنّ شعبيته تنخفض كثيراً بين المسيحيين وتستقر نسبة الدعم له عند حوالي 40 في المئة. ولا يدعمه من بين أهل السنة إلا 8 في المئة. والمفاجئ بالدرجة عينها تقريباً هو مستوى الدعم المنخفض نسبياً لحركة حماس بين السنة في لبنان، وبخاصة بعد مضيّ فترة قصيرة على الحرب الأخيرة في غزة، ولا ينظر إلى هذه الحركة الإسلامية الفلسطينية، وبشكلٍ “إيجابي إلى حدّ ما،” سوى ربعهم.

على الرغم من حملات القمع المستمرة من قبل الحكومتين المصرية والسعودية ضدّ الإخوان المسلمين، هناك نسبة 35% في مصر ونسبة 31% في السعودية تنظر إلى الإخوان بعين الرضا

وهناك نقطة ثالثة مهمة أيضاً وهي أنّ المعارضة المشتركة لـ “داعش،” لا تعني أنّ نسبة الدعم للولايات المتحدة عالية. ففي مصر والسعودية، لا تحظى الولايات المتحدة بدعم أكثر من 12 في المئة من السكان، بينما تتضاعف هذه النسبة إلى 25 في المئة. ولكن مرة أخرى، قضية دعم الولايات المتحدة في لبنان تختلف من طائفة الى أخرى، إذ أن النسبة تنخفض من 39 في المئة بين المسيحيين إلى 30 في المئة بين أهل السنة والدروز، وصولاً إلى نسبة 3 في المئة بين الشيعة (الطائفة الشيعية هي أكبر الطوائف في لبنان). ولتسهيل المقارنة، تبلغ نسبة من ينظرون إلى الصين بشكلٍ إيجابي 38 في المئة بين السعوديين و40 في المئة بين المصريين و54 في المئة بين اللبنانيين.

أما النقطة الرئيسية والأخيرة هنا فتتعلّق بالمواقف الشعبية تجاه عدوّيْن مشتركيْن لـ “داعش،” ألا وهما سوريا وإيران. في مصر والسعودية، بالكاد تتخطى نسبة من ينظرون بشكلٍ إيجابي إلى الحكومة الإيرانية أو السورية منحفضة، وتتراوح بين 13 و14 في المئة في كلا البلدين. وفي لبنان، نجد مرة أخرى أنّ الاستقطاب الطائفي سيّد الموقف في هذه الحالة وإلى درجة مذهلة. تحظى الحكومتين الإيرانية والسورية بنسبة تأييد تتراوح بين 96 و97 في المئة من شيعة البلاد. ولكن تنخفض نسبة التأييد للحكومة الإيرانية إلى 12 في المئة بين السنة، أما الحكومة السورية فتحظى بنسبة 14 في المئة من تأييد السنة. ولكن من المثير للاهتمام أنّ المسيحيين يقفون في الوسط، إذ أعرب أكثر من ثلثهم (37٪) عن تصنيفهم “الإيجابي إلى حدّ ما” لإيران، بينما يمنح ما يقارب نصفهم (47%) هذا التصنيف للحكومة السورية، إذ يُنظر إلى نظام بشار الأسد في بعض الأحيان على أنه يوفّر الحماية من “داعش” والمتطرفين الإسلاميين الآخرين.

ماذا تعني كل هذه الأرقام بالنسبة للحملة الأمريكية الحالية ضد “داعش؟” قد يكون الرأي العام متقلباً، لكن النتائج التي توصل إليها هذا التحليل توضح عدّة أمور مهمة للسياسة الأمريكية في الوقت الراهن. أولاً، لا يفترض بالولايات المتحدة وحلفائها أن تخشى أن يستقطب تنظيم “داعش” عدداً كبيراً من المناصرين في المجتمعات العربية المجاورة لبلديْ منشأ التنظيم. وليس عليها أن تخشى أي ردّ فعل شعبي قوي ضدّ الغارات الجوية الأميركية أو ضدّ حلفائنا العرب الآخرين في هذه المعركة. ثانياً، حريّ بالولايات المتحدة أن تستهدف بعملياتها تنظيم “داعش” فقط، وليس أيّ جماعة إسلامية أخرى كانت موضع انتقادات أميركية مؤخراً، إذ أنّ ذلك قد يزيد من الشعبية الكبيرة لهذه الجماعات. ثالثاً، فأن أي انفتاح أميركي على الرئيس السوري بشار الأسد أو إيران، كشريكيْن محتمليْن لمواجهة “داعش،” يعد مخاطرة كبيرة، إذ أنه قد يبعد الشعب المصري والسعودي أكثر فأكثر عن الولايات المتحدة ويغذّي أتون نيران الاستقطاب الطائفي الخطير بين اللبنانيين في الوقت عينه.

نشر هذا البحث لأول مرة على موقع منتدى فكرة

اقرأوا المزيد: 1088 كلمة
عرض أقل
مظاهرة "الإخوان المسلمون" في الأردن ضد إسرائيل (AFP)
مظاهرة "الإخوان المسلمون" في الأردن ضد إسرائيل (AFP)

الرأي العام الأردني يدعم حماس، ولا يدعم “داعش” أو الإخوان المسلمين

72 بالمائة من الأردنيين يعبرون عن مواقف إجابية تجاه حركة حماس

تمسي الإجابة على هذا السؤال ضرورةً ملحّة إلى حد أكبر على ضوء دراسة حديثة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الأردن أظهرت أن حوالي 40 بالمائة من الأردنيين لا يعتبرون أن “الدولة الإسلامية في العراق والشام” هي “منظمة إرهابية.” لكن، بيّن استطلاع للرأي منفصل أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في أيلول/سبتمبر عبر شركة محلية للأبحاث التسويقية، أنّ وجهة النظر هذه مضخّمة. ففي الواقع، ووفقًا لهذا الاستطلاع الجديد، 8 بالمائة فقط من الجمهور الأردني يتمتع بوجهة نظر إيجابية تجاه “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إذ حتى “حزب الله،” الحزب الشيعي اللبناني المسلح، يتمتع بدعم في صفوف الأردنيين بنسبة أكبر بقليل إذ يلقى تأييد 15 بالمائة من مجموع السكان الأردنيين البالغين.

إضافة إلى ذلك، إن النسبة الإجمالية المنخفضة لوجهات النظر الإيجابية تجاه تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” لا تختلف كثيرًا بين المناطق المختلفة من البلاد، سواء في العاصمة عمّان، أو في المناطق الحضرية القريبة التي تشكل بؤرًا للمعارضة وتشهد دعمًا مؤججًا تجاه الإسلاميين مثل الزرقاء، أو في المناطق الريفية أو العشائرية النائية أكثر في شمال البلاد أو جنوبها. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنه على الرغم من أن نسبة مناصري “الدولة الإسلامية في العراق والشام” هذه منخفضة نسبيًا، فهي أعلى من النسب التي تم التوصل إليها في الدول العربية الخمسة الأخرى التي شملها استطلاع الرأي هذا (مصر ولبنان والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة).

مقاتلو الدولة الإسلامية
مقاتلو الدولة الإسلامية

أمّا في ما يتعلق بالدعم الشعبي الأردني لمنظمة إسلامية، فتبرز هنا حركة حماس إذ تعبّر الغالبية العظمى من الأردنيين، أي 72 بالمائة، عن موقف إيجابي تجاه الحركة، ويبدي الثلث من هذه النسبة نظرة “إيجابية جدًا.” وتُعتبر هاتان النسبتان أيضًا أعلى، وبفارق كبير، من النسب التي ظهرت في كافة الدول العربية الستة التي شملها الاستطلاع. وعلى سبيل المقارنة، حصلت السلطة الفلسطينية على نسبة تأييد أقل بكثير: 49 بالمائة عبروا عن “نظرة إيجابية،” و9 بالمائة من هذه النسبة فقط عبرت عن “نظرة إيجابية جدًا.” وهذه الأرقام منطقية إذا نظرنا إليها على ضوء حقيقتين مرتبطتين بهذا الموضوع: أولًا، أكثر من نصف سكان الأردن هم من أصل فلسطيني، وثانيًا، تم إجراء استطلاع الرأي بعد فترة قصيرة من آخر جولة اقتتال بين حماس وإسرائيل، وهي مرحلة ولّدت تعاطفًا وتأييدًا إضافيين لحماس إلى حد أكبر.

غير أنّ ما يشكل مفارقة إلى حد ما هنا هو أن دعم الأغلبية القوي لحركة حماس لا يعني أن هناك توقع وبنفس الدرجة بأن إسرائيل سوف تهزم في يوم من الأيام، أو رفضاً للسلام مع إسرائيل، وهو ما تدعو إليه الحركة بصراحة. بالنسبة إلى النقطة الأولى، فإن نسبة أقل بكثير (58 بالمائة) تعتقد أن التكتيكات العسكرية التي تتبعها حماس ستؤدي على الأرجح إلى هزيمة إسرائيل في المستقبل. أما بالنسبة إلى النقطة الثانية، فما يثير الاستغراب أكثر هو أن نسبة أقل من الأردنيين توافق، وخلافًا لموقف حماس، على أن “أفضل طريقة للتقدم هي السلام بين إسرائيل والدولة الفلسطينية” (51 بالمائة مقابل 45 بالمائة).

بين الرأي العام الأردني حول تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وحماس تكمن جماعة الإخوان المسلمين الناشطة منذ فترة طويلة في السياسة الأردنية. ويُذكر أن هذه الجماعة تحصل على تصنيف إيجابي بشكل عام من قبل ربع الأردنيين، وبدعم أكثر قليلًا في المدن المركزية في ضواحي عمّان. وهذه النسبة هي في الواقع أقل قليلًا من نسب دعم الإخوان المسلمين في الدول الخمسة الأخرى التي شملها هذا الاستطلاع، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث جماعة الإخوان المسلمين ليست محظورة فحسب بل مصنفة بشكل علني على أنها منظمة “إرهابية.”

بالنسبة إلى مختلف المناطق الأردنية، فإن المناطق الجنوبية العشائرية كثيراً والمعزولة جغرافيًا تبرز باعتبارها الأكثر انعزالًا في المواقف أيضًا. فالمواطنون في تلك المنطقة هم الأقل ميلًا للتعبير عن آراء إيجابية تجاه دول عربية أخرى، من مصر وصولًا إلى قطر. كما وأنهم الأكثر ميلًا (50 بالمائة مقابل 39 بالمائة) إلى الاتفاق على أنه “يجب على الدول العربية إيلاء المزيد من الاهتمام إلى القضايا الداخلية الخاصة بها بدلًا من تلك الخاصة بالفلسطينيين.”

مظاهرة تأييد لحماس في غزة (AFP)
مظاهرة تأييد لحماس في غزة (AFP)

فماذا تعني كل هذه الأرقام بالنسبة إلى احتمالات التوصل إما إلى الاستقرار أو إلى المزيد من الديمقراطية في الأردن؟ الرأي العام لا يشكل العامل الوحيد أو حتى الأساسي ربما في هذه المعادلة. فالاتجاهات الاقتصادية وسلطة الحكومة والنفوذ الخارجي وغيرها من العوامل هي على الأقل بنفس الأهمية. مع ذلك، تشير نتائج الاستطلاع، وبشكل مدهش، إلى أن النظام يتمتع بهامش كبير في خياراته الاستراتيجية، على الرغم من كل التوترات الداخلية والإقليمية في الوقت الراهن. أما الحركة الإسلامية المعارضة الرئيسية فهي تحظى بدعم الأقلية، في حين أن حركة حماس تلقى شعبية أكبر بكثير، إلا أن رفضها الصارخ للسلام مع إسرائيل يحظى بشعبية أقل بكثير. وبالنسبة لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الذي يشكل التحدي الأكثر إلحاحًا في الجوار، فلا يلقى إلا شعبية ضئيلة، حتى في المناطق الأكثر اضطرابًا في البلاد.

والجدير بالملاحظة أن الشريحة الديمغرافية الكبيرة التي جرى استبعادها عمدًا عن استطلاع الرأي تضم اللاجئين السوريين في الأردن الذين تخطى عددهم المليون لاجئ مؤخرًا، إلى جانب مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين، سواء الذين قدموا إلى الأردن نتيجة الأزمات السابقة أو الأزمة الحالية في بلدانهم. كما ويستند الاستطلاع إلى مقابلات شخصية مع عينة احتمالية تمثل الشعب الأردني وتشمل مناطق البلاد بأسرها وتتألف من 1000 شخص، مع الإشارة إلى أنها لم تشمل سوى المواطنين الأردنيين. فالعدد الهائل من اللاجئين في بلد يضم بالكاد 6 ملايين مواطن، يشكل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا. بالتالي هو يشكل ورقة سياسية قد تشعل الاضطرابات الشعبية أو تؤدي إلى استيراد الصراع الأيديولوجي.

لكن الحكومة الأردنية تتخذ بالفعل بعض الخطوات للحد من تدفق المزيد من اللاجئين، ولجذب المزيد من المساعدات الدولية لمواجهة المشكلة القائمة. ويبدو أن هذه الخطوات مناسبة، حتى الآن على الأقل. ومن أعراض هذا الوضع المواقف في صفوف الأردنيين في شمال البلاد، حيث يحتشد العديد من اللاجئين الذين دخلوا البلاد مؤخرًا. بناءً على نتائج استطلاع الرأي هذا، فإن المواقف التي يتخذها السكان هناك لا تحمل من التباعد أكثر مما تحمله مواقف الأردنيين في أجزاء أخرى من البلاد.

وبشكل عام يبدو أن المملكة الأردنية الهاشمية تواجه آراء شعبية متباينة يمكن التحكم بها. وبالتالي فإن النتيجة المرجّحة هي عدم قيام انتفاضة جماهيرية شعبية ولا إصلاحات كبيرة من الأعلى إلى الأسفل ولا انتكاسات ضخمة في السياسات. بدلًا من ذلك، من المرجّح أن يواصل الأردن تقدمه على الرغم من كل الاضطرابات التي تعصف بالبلدان المجاورة.

نشر المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة

اقرأوا المزيد: 966 كلمة
عرض أقل
لقطة شاشة لعنصر داعش يتحدث اللغة الإنجليزية نشرها مكتب التحقيقات الفيدرالي (AFP)
لقطة شاشة لعنصر داعش يتحدث اللغة الإنجليزية نشرها مكتب التحقيقات الفيدرالي (AFP)

استطلاع: الدعم الشعبي لـداعش يكاد ينعدم في مصر والسعودية ولبنان

المعارضة لـداعش لا تمتدّ لتشمل المنظمات الإسلامية السياسية الأخرى. ففي مصر على سبيل المثال، تعرب نسبة عالية ومفاجئة - وهي تمثل ثلث مجموع السكان - عن موقفها الإيجابي تجاه حركة حماس

ما مقدار الدعم الشعبي الذي يتمتع به تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) في البلدان المشاركة في التحالف الدولي ضد “داعش،” كمصر أو السعودية أو لبنان؟ حتى اليوم، لا يسعنا إلا التكهّن بالإجابة على هذا السؤال الذي أضحى أكثر إلحاحاً بفعل التقارير الإخبارية التي انتشرت مؤخراً بشأن عمليات اعتقال طالت أتباع التنظيم في هذه البلدان الثلاثة.

مع ذلك، هناك ثلاثة استطلاعات للرأي جديدة – وهي الأولى من نوعها – توفّر بيانات ملموسة يمكن أن نستعين بها للتوصل إلى إجابة واضحة. أجرت شركة تسويقية رائدة في المنطقة هذه الاستطلاعات في أواخر شهر سبتمبر/أيلول، وذلك من خلال مقابلات وجهاً لوجه مع مهنيين محليين من ذوي الخبرة. وكانت العيّنة عشوائية بدون أرجحية لمنطقة جغرافية على أخرى، وضمّت ألف شخص في كل بلد (فقط مواطني هذه البلدان؛ فالعينة لم تضم اللاجئين أو المغتربين) مما يعني أنّ هامش الخطأ الإحصائي يبلغ حوالى ثلاثة في المئة.

أكثر النتائج إثارةً للاهتمام والتشجيع هي أنّ الدعم الشعبي الذي يحظى به تنظيم “داعش” يكاد ينعدم في مصر أو السعودية أو لبنان – حتى بين أهل الطائفة السنة في لبنان

أكثر النتائج إثارةً للاهتمام والتشجيع هي أنّ الدعم الشعبي الذي يحظى به تنظيم “داعش” يكاد ينعدم في مصر أو السعودية أو لبنان – حتى بين أهل الطائفة السنة في لبنان. فقط 3 في المئة من المصريين عبّروا عن رأي إيجابي تجاه “داعش.” في السعودية، النسبة أعلى بقليل: 5 في المئة ينظرون إلى “داعش” بنظرة إيجابية. أما في لبنان، فلم يعبّر أيّ من المستطلعين المسيحيين أو الشيعة أو الدروز عن أيّ تعاطف مع “داعش،” وحتى في أوساط أهل السنة كانت النسبة مشابهة تقريباً وبلغت 1 في المئة.

افراد داعش (AFP)
افراد داعش (AFP)

في السعودية فأن نسبة خمسة في المئة من السعوديين البالغين الذين يدعمون “داعش” تعني أكثر من نصف مليون مواطن

 

ولكن ثمة فارق حقيقي بين أن يكون الدعم “شبه منعدم” أو “منعدماً،” فتعبير نسبة ثلاثة في المئة من المصريين البالغين المستطلعين عن دعمهم لـ “داعش” معناه أنّ التنظيم يحظى بدعم من قبل مليون ونصف مواطن مصري. وفي السعودية فأن نسبة خمسة في المئة من السعوديين البالغين الذين يدعمون “داعش” تعني أكثر من نصف مليون مواطن.

وحتى في لبنان، البلد الصغير، فإن نسبة الواحد في المئة من البالغين الذي ينتمون للطائفة السنية تساوي بضع الآلاف من المتعاطفين مع “داعش.” وفي كلتا الحالتيْن، تكفي هذه النسبة لأن تأوي على الأقل بعض الخلايا التي تضمّ عناصر قادرة على افتعال المشاكل في هذه البلدان.

الأكثر مفاجأةً هو أنه على الرغم من حملات القمع من قبل الحكومتين المصرية والسعودية ضدّ الإخوان المسلمين، هناك نسبة 35 في المئة في مصر ونسبة 31 في المئة في السعودية تنظر إلى الإخوان بعين الرضا

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن هذه المعارضة شبه الموحدة لـ “داعش” لا تمتدّ لتشمل المنظمات الإسلامية السياسية الأخرى. ففي مصر على سبيل المثال، تعرب نسبة عالية ومفاجئة – وهي تمثل ثلث مجموع السكان – عن موقفها الإيجابي تجاه حركة حماس. وترتفع هذه النسبة في السعودية لتصل إلى 52 في المئة.

والأكثر مفاجأةً هو أنه على الرغم من حملات القمع و”البروباجاندا” المستمرة من قبل الحكومتين المصرية والسعودية ضدّ الإخوان المسلمين، هناك نسبة 35 في المئة في مصر ونسبة 31 في المئة في السعودية تنظر إلى الإخوان بعين الرضا. وعلى سبيل المقارنة، نجد أنّ منظمة حزب الله الإسلامية الشيعية تحصد على 12 في المئة فقط من دعم غالبية أهل السنة في مصر أو في السعودية.

صواريخ حماس (MOHAMMED ABED / AFP)
صواريخ حماس (MOHAMMED ABED / AFP)

في ما يتعلق بهذه القضايا وغيرها، الاختلاف بحسب الفئات السكانية المختلفة ضئيل بين المصريين. على سبيل المثال، يحصد الإخوان المسلمون على 37 في المئة من دعم سكان التجمعات الحضرية مثل القاهرة أو الإسكندرية؛ و35 في المئة من دعم سكان الصعيد؛ و33 في المئة من دعم سكان ريف الدلتا. أمّا عينة الاستفتاء الفرعية التي تضمّ المسيحيين الأقباط في مصر، فهي دون العشرة في المئة من المجموع، وهي بالتالي ضئيلة جداً مما يفقدها دلالتها الإحصائية.

أما في لبنان، وعلى الرغم من أنّ الطوائف جميعها تتشارك في نبذها لـ “داعش،” تختلف الآراء بشأن الجماعات الإسلامية الأخرى بفعل الطائفة إلى حدّ كبير – ولكن ليس دائماً بالاتجاه المتوقع.

يحظى حزب الله، وكما هو متوقع، بدعم 92 في المئة من الشيعة، ولكنّ شعبيته تنخفض كثيراً بين المسيحيين وتستقر نسبة الدعم له عند حوالي 40 في المئة. ولا يدعمه من بين أهل السنة إلا 8 في المئة

يحظى حزب الله، وكما هو متوقع، بدعم 92 في المئة من الشيعة، ولكنّ شعبيته تنخفض كثيراً بين المسيحيين وتستقر نسبة الدعم له عند حوالي 40 في المئة. ولا يدعمه من بين أهل السنة إلا 8 في المئة. والمفاجئ بالدرجة عينها تقريباً هو مستوى الدعم المنخفض نسبياً لحركة حماس بين السنة في لبنان، وبخاصة بعد مضيّ فترة قصيرة على الحرب الأخيرة في غزة، ولا ينظر إلى هذه الحركة الإسلامية الفلسطينية، وبشكلٍ “إيجابي إلى حدّ ما،” سوى ربعهم.

أمين عام حزب الله، حسن نصرالله (ANWAR AMRO / AFP)
أمين عام حزب الله، حسن نصرالله (ANWAR AMRO / AFP)

وهناك نقطة ثالثة مهمة أيضاً وهي أنّ المعارضة المشتركة لـ “داعش،” لا تعني أنّ نسبة الدعم للولايات المتحدة عالية. ففي مصر والسعودية، لا تحظى الولايات المتحدة بدعم أكثر من 12 في المئة من السكان، بينما تتضاعف هذه النسبة إلى 25 في المئة. ولكن مرة أخرى، قضية دعم الولايات المتحدة في لبنان تختلف من طائفة الى أخرى، إذ أن النسبة تنخفض من 39 في المئة بين المسيحيين إلى 30 في المئة بين أهل السنة والدروز، وصولاً إلى نسبة 3 في المئة بين الشيعة (الطائفة الشيعية هي أكبر الطوائف في لبنان). ولتسهيل المقارنة، تبلغ نسبة من ينظرون إلى الصين بشكلٍ إيجابي 38 في المئة بين السعوديين و40 في المئة بين المصريين و54 في المئة بين اللبنانيين.

أما النقطة الرئيسية والأخيرة هنا فتتعلّق بالمواقف الشعبية تجاه عدوّيْن مشتركيْن لـ “داعش،” ألا وهما سوريا وإيران. في مصر والسعودية، بالكاد تتخطى نسبة من ينظرون بشكلٍ إيجابي إلى الحكومة الإيرانية أو السورية منحفضة، وتتراوح بين 13 و14 في المئة في كلا البلدين. وفي لبنان، نجد مرة أخرى أنّ الاستقطاب الطائفي سيّد الموقف في هذه الحالة وإلى درجة مذهلة. تحظى الحكومتين الإيرانية والسورية بنسبة تأييد تتراوح بين 96 و97 في المئة من شيعة البلاد. ولكن تنخفض نسبة التأييد للحكومة الإيرانية إلى 12 في المئة بين السنة، أما الحكومة السورية فتحظى بنسبة 14 في المئة من تأييد السنة.

ولكن من المثير للاهتمام أنّ المسيحيين يقفون في الوسط، إذ أعرب أكثر من ثلثهم (37٪) عن تصنيفهم “الإيجابي إلى حدّ ما” لإيران، بينما يمنح ما يقارب نصفهم (47%) هذا التصنيف للحكومة السورية، إذ يُنظر إلى نظام بشار الأسد في بعض الأحيان على أنه يوفّر الحماية من “داعش” والمتطرفين الإسلاميين الآخرين.

ماذا تعني كل هذه الأرقام بالنسبة للحملة الأمريكية الحالية ضد “داعش؟” قد يكون الرأي العام متقلباً، لكن النتائج التي توصل إليها هذا التحليل توضح عدّة أمور مهمة للسياسة الأمريكية في الوقت الراهن. أولاً، لا يفترض بالولايات المتحدة وحلفائها أن تخشى أن يستقطب تنظيم “داعش” عدداً كبيراً من المناصرين في المجتمعات العربية المجاورة لبلديْ منشأ التنظيم. وليس عليها أن تخشى أي ردّ فعل شعبي قوي ضدّ الغارات الجوية الأميركية أو ضدّ حلفائنا العرب الآخرين في هذه المعركة.

ثانياً، حريّ بالولايات المتحدة أن تستهدف بعملياتها تنظيم “داعش” فقط، وليس أيّ جماعة إسلامية أخرى كانت موضع انتقادات أميركية مؤخراً، إذ أنّ ذلك قد يزيد من الشعبية الكبيرة لهذه الجماعات.

ثالثاً، فأن أي انفتاح أميركي على الرئيس السوري بشار الأسد أو إيران، كشريكيْن محتمليْن لمواجهة “داعش،” يعد مخاطرة كبيرة، إذ أنه قد يبعد الشعب المصري والسعودي أكثر فأكثرعن الولايات المتحدة ويغذّي أتون نيران الاستقطاب الطائفي الخطير بين اللبنانيين في الوقت عينه.

ديفيد بولوك زميل كاوفمان في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومدير منتدى فكرة.

نُشر المقال للمرة الأولى في موقع منتدى فكرة

 

اقرأوا المزيد: 1148 كلمة
عرض أقل