جولي ابو عراج

نتنياهو يزور الجرحى السوريين (GPO)
نتنياهو يزور الجرحى السوريين (GPO)

ماذا تهدف إسرائيل من وراء علاج الجرحى السوريين؟

مصدر أمني اسرائيلي: كيف يمكن لنا أن نصطاد الجرحى لتحقيق المكاسب السياسية، ماذا يمكن لطفل بعمر الثالثة افادتنا؟

بين ضفتي الحدود السورية الاسرائيلية، يمتد سياج العداوة بين الدولتين على طول “هدنة ضمنية”، سادها الهدوء الحذر والمتقطع، منذ اندلاع الثورة السورية ودخول بلاد الشام آتون حرب ما لبثت أن تحولت إلى ” أقسى الأزمات الإنسانية”.

بين سندان المعارضة، التي ما لبثت ان تحولت الى “معارضات” يتأرجح سلوكها بين الاعتدال والتطرف، ومطرقة النظام، الذي استخدم أعلى درجات العنف والتزلف… يئن الشعب السوري تحت وطأة القتل والدمار والتشريد، نتيجة حرب عبثية أحرقت وطنه وأشبعت ترابه دماً، وحولته الى أبشع ينابيع المجازر في التاريخ الإنساني الحديث.

علاقة العداوة السياسية بين القدس ودمشق، لم تحل دون تقديم المساعدة الإنسانية من قبل جيش الدفاع، الذي انشأ مستشفى ميدانياً، شرّع أبوابه، ووضع كافة إمكانياته أمام ضحايا الحرب السورية، لتتحوّل المشافي في مدينتي صفد ونهاريا املاً في الحياة بالنسبة الى مئات المصابين السوريين الذين أبدوا امتنانهم العميق لتصرف الدولة الاسرائيلية.

الحفاظ على حياة هؤلاء، بعد شفائهم، وضمان امنهم وعودتهم إلى ديارهم السورية، أبعدهم عن الوسائل الإعلامية، وأحاط هويتهم بالسرية.

أطباء إسرائيل لبوا الواجب الإنساني لا سيما أن العدد الاكبر من الجرحى الذي تخطى عددهم السبعمائة، هم من الأطفال الذين أصيبوا بانفجارات استهدفت بلداتهم.

هؤلاء الجرحى وصلوا الدولة وهم في حالة غيبوبة ليتفاجؤوا بوجودهم في إسرائيل، أغلبيتهم اعترفوا أن ما سمعوه ويسمعوه عن هذه الدولة جاء معاكساً تماماً للواقع الذي عاشوه أثناء تلقيهم العلاج.

ولا شك في أن زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومصافحاته لهم، كانت من المشاهد التي شدت أنظار العالم ليس لما حملته من أهمية وحسب وإنما لما تضمنته من رسائل تخطت أبعاد السياسة، ما يحمل البعض على طرح السؤال التالي: ماذا تهدف إسرائيل من وراء علاج الجرحى السوريين؟

كثرت التكهنات والتحليلات السياسية التي اعتبرت أن الأمر يدخل ضمن إطار دعم المعارضة السورية، ليأتي البعض بتحليل آخر مفاده أن إسرائيل تهدف إلى تحسين صورتها أمام العالم، ليطالعنا البعض الآخر الى اعتبار هذه المحاولات تأتي في إطار تسجيل “مكاسب سياسية تبدأ من خلال الحصول على معلومات كبيرة من هؤلاء الجرحى، تلعب دوراً في تحقيق أهدافها السياسية، بحسب البعض، رغم أن الصورة التي تبقى في الواجهة هي انسانية”.

تبقى التحاليل فقاعات لا يمكن الاعتماد على فحواها، لا سيما إذا كان الهدف انقاذ الأطفال والنسوة الابرياء، ليؤكد لنا مصدر أمني اسرائيلي أن “بين المعارضة والنظام نقف محايدين، لكننا لا يمكننا أن نقف متفرجين على دماء إنسان تسيل امام اعيننا وبالقرب من حدودنا، واجبنا الإنساني يدفعنا غلى تضميد جرح من ينزف، دون التفكير بهويته وعرقه وانتمائه، لا سيما إذا كانوا من النسوة والأطفال. السياسيون يبقوا في السياسة والنداء الإنساني لا بد من تلبيته، كيف يمكن لنا أن نصطاد الجرحى لتحقيق المكاسب السياسية، ماذا يمكن لطفل بعمر الثالثة افادتنا”.

في المحصلة، فإن ما يقوم به الإسرائيليون من معالجة للجرحى السوريين، له بُعداً إنسانياً، مهما حملت سطوره، غير المرئية، من دوافع سياسية، لتغدو الرسالة مصاغة بحقيقة واحدة مفادها؛ أن حدود (الاشقاء) أقفلت في وجه السوريين لتشرع (العدوة) أبوابها وتعطي املاً في الحياة للضحايا المصابين.

اقرأوا المزيد: 444 كلمة
عرض أقل
اللبنانيون في إسرائيل (AFP)
اللبنانيون في إسرائيل (AFP)

اللبنانيون في إسرائيل: بين الحنين والبحث عن مستقبل أفضل

"اللبنانيون في إسرائيل"- مصطلح انبثق بعد عام 2000، ليمثل شريحة من الشعب اللبناني اضطرت الى دخول دولة اسرائيل قسرا، اثر الانسحاب الاحادي الجانب الذي نفذته قوات الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان

يعيش اليوم في إسرائيل اكثر من ثلاثة الاف لبناني، يتمركزون في شمال إسرائيل، اغلبيتهم في مدينة نهاريا الحدودية. هؤلاء اللبنانيون دخلوا إلى إسرائيل بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، تطبيقا للقرار الدولي رقم 425، وهم بأكثريتهم الساحقة من عناصر جيش لبنان الجنوبي وعائلاتهم.

بين المرارة على مصير انهى قضية نضال يعتبرونها الاشرف والحنين الى وطن لم يقدر تضحياتهم، يعيش عناصر جيش لبنان الجنوبي تناقضات المنفى، وفي هذا الاطار يقول سامر أ. رقيب سابق : ” قدمنا اغلى ما لدينا من اجل لبنان، واذا به يفضل اعداء هويته على حراس لبنانيته”.

جيش لبنان الجنوبي
جيش لبنان الجنوبي

لا يزال هؤلاء اللبنانيون يعيشون وفق حضارتهم وعاداتهم، متمسكين بهويتهم، محاولين استكمال الحياة رغم صعوبة الواقع المفروض ” اربعة عشر عاما، ونحن نصارع البقاء معنوياً، ليس من السهل بعد نضال استمر عقود من الزمن، من اجل قضية،  ان تقتلع من ارضك ويسدل الستار بسهولة عن تاريخ جبل بالدماء “، قال ابو سمير بحرقة، والدمعة تلمع في عيونه، تختصر عمرا من الكفاح، وهو ضابط سابق في “الجنوبي” وفي سؤال عن المسؤول عن واقعهم؛ اسرائيل، الدولة اللبنانية او حزب الله اجاب: ” الكل يتحمل المسؤولية… نحن دفعنا ثمن تسوية دولية ومصالح خاصة للاسف”

اتشعرون بالندم؟ سؤال اخر طرحناه، محاولين الولوج الى اعماق تفكيرهم فاجاب ريمون وهو من خدم في صفوف “الجنوبي” لاكثر من ثلاثين عاما ” ابدا!! عندما حملنا السلاح كان هو الخيار الاخير لمواجهة مشروع الفلسطيننين والدولة البديلة ومشروع دولة الفقيه برعاية حزب الله، نحن فخورون بماضينا واذا كنا اليوم نعيش المنفى ، فهذا دليل على اننا لم نساوم يوما على حبة من تراب وطننا”

شادي أ قال:” حملنا السلاح بشرف، وما حذرنا منه طيلة ثلاثين عاما، وصل اليه لبنان… كنا اول من فضح المشروع الفلسطيني واول من واجه ارهاب حزب الله، لم تعِِ الدولة اللبنانية ما فعلت، اتهمتنا بالعمالة(..) لكن عدالة التاريخ اثبتت اننا كنا على حق وان حزب الله وجه سلاحه ضدنا وليس ضد اسرائيل لاننا كشفنا مخططه ورفضناه”.

أنطوان لحد ضابط لبناني تولى قيادة "جيش لبنان الجنوبي" الموالي لإسرائيل (AFP)
أنطوان لحد ضابط لبناني تولى قيادة “جيش لبنان الجنوبي” الموالي لإسرائيل (AFP)

بين العنفوان والتأكيد على عدم الندم، تنضح معاني الغضب من كلمات مَن التقيناهم من عناصر “الجنوبي”،  لاعداد هذا التقرير، ليبادرنا نبيل  قائلا: “طبعا هناك غضب! غضب على الدولة اللبنانية التي باعت شعبها اكراما لمصالح دول اقليمية، غضب على حكومة إيهود باراك التي لم تحترم حلف الدم والمصير المشترك الذي جمع الجيش الجنوبي بالجيش الإسرائلي”.

ليؤكد : “نحن نحترم الشعب الاسرائيلي، ونكن له كل التقدير، علاقتنا به عميقة، يجمعنا به التاريخ والحلم المشترك؛ اي السلام… ومن اجله صغنا حلف الدم معه(..) هو ايضا دفع ثمن سياسة باراك الفاشلة التي انعكست سلبا على دولة اسرائيل، والمفارقة ان الاغلبية من الشعب،  دائما تعتذر منا على ما اقترفته حكومتها بحقنا” .

شكل دخول عناصر جيش لبنان الجنوبي عام 2000، وغيرهم من سكان المنطقة الحدودية الى اسرائيل، ظاهرة اكبر لجوء انذاك، وضع الدولة الاسرائيلية في حالة بلبلة حول كيفية استيعابهم، لتشرع حدودها فيما بعد امام اكثر من ثمانية الاف لاجئ.

يستعيد نمر هذه اللحظات قائلا؛ “عبرنا الحدود وايقنا ان الستار اسدل على تاريخ من المعارك والحروب ودخلنا اسرائيل في رحلة نحو المجهول، مزقنا الالم والحرقة على فراق عائلاتنا وقرانا ووطنا، فحضتنا هذه الدولة وعاملتنا اسوة بمواطينيها، هنا تشعر انك انسان وبالتالي تعي اهمية قيمة الانسان ” .

الامتنان لدولة اسرائيل لم يخفِ عتبا على سياسة حكوماتها تجاه ملفهم الذي لا يزال عالقا في اروقة الدوائر الحكومية دون حل نهائي.

وعن هذا يحدثنا سعيد:” عندما دخلنا اسرائيل، دخلناها كجسم واحد، وفي السنة الاولى كان لنا مرجع واحد، حتى اتخذ القرار بتقسيم هذا الجسم الى قسمين، الاول ، يتمثل بضباط وكبار القياديين في الجيش والذين احيلوا الى وزارة الدفاع، متمتعين بامتيازات شتى اهمها امتلاك دور خاصة بهم، ويقدر عددهم بـ250 عائلة، فيما احيل القسم الثاني، الذي يضم 470 عائلة، وهم من الجنود، الى وزارة الاستيعاب التي تعنى بشؤون القادمين الجدد، لا امتيازات لهم وبالتالي عليهم ان يؤمنوا مسكنهم ومستلزمات عيشهم بمفردهم” .

ويضيف سعيد:” هذا القرار كان ظالما وغير منطقي، حتى شخصيات سياسية اسرائيلية اعترفت بذلك، معتبرة هذا الملف صيغ بصورة غير عادلة  وبانه بمثابة معضلة”

اما اليأس فكان له مداخلة حول هذا الموضوع قائلا: “الصعوبة تكمن في عدم قدرتنا على الاندماج في سوق العمل، فالمعدل الوسطي لعمر عناصر الجنوبي يتخطى الخمسين عاما، كما ان واقع الحروب الذي عشناه حال دون تعلم مهنة، ضف الى صعوبة اتقاننا اللغة العبرية…كلها عوامل تعبر عن المأزق الذي نحن فيه نتيجة هذا القرار “.

رغم مرور 15 عام على القرار الا ان عناصر “الجنوبي”، الذن صنفوا على الاستيعاب لم يعرفوا الاستسلام، وها هم لا زالوا في حالة نضال من اجل احقاق الحق .

وهنا يقول نقولا: “لا نريد ان نكون متساووين 100% بالضباط، ولكن هناك خطوط عريضة لا بد من اعتمادها ان تكون.. وزارة الدفاع الإسرائيلية مرجعنا وبالتالي تأمين دور سكن لكل عائلة ، لاننا ناضلنا ودفعنا شهداء نحن ايضا وعندما كان حزب الله يزرع العبوات فهو لم يميز ابدا بين ضابط وجندي “.

وبين عتب وغضب الجيل الاول يبرز الجيل الثاني الذي يبدو اكثر استقرارا وتصالحا مع واقعه.

وهنا تقول نادين ابنة السادسة عشر ربيعا : “انا لبنانية اولا واخيرا وايضا اسرائيلية، كبرت هنا، ترعرعت هنا.. واشعر بالانتماء الى المكان الذي انا فيه”.

بين الهوية اللبنانية والهوية الاسرائيلية مصالحة يعكسها ابناء جيش لبنان الجنوبي،  كانت جلية اكثر في سؤال استفزازي، نوعا ما، طرحناه على جورج ابن العشرين ربيعا؛ من تفضل لبنان او اسرائيل ؟

فكانت الاجابة اكثر ذكاءً ووفاءً: “اجيبك على السؤال، حين تقول لي ايهما تفضل عينيك اليمنى او اليسرى؟ “.

عناصر من جيش لبنان الجنوبي عام 2000 (AFP)
عناصر من جيش لبنان الجنوبي عام 2000 (AFP)

في المدارس اليهودية يتلقى ابناء “الجنوبي” تعليمهم، يتفاعلون مع الحضارة الاسرائيلية واعيادها الدينية والوطنية،  ولكن دون الغاء للثقافة اللبنانية،  وعن هذا الموضوع حدثتنا نوال المسؤولة عن نشاطات الشبيبة اللبنانية: “نحن متمسكون بثقافتنا اللبنانية، ونحاول قدر الامكان زرعها في الاجيال الصاعدة عبر لقاءات ونشاطات اسبوعية، تتم بمعظمها برعاية كاهن رعية الجالية اللبنانية، لقد استطعنا خلق نوع من الكيان المستقل، اقله دينيا، فلنا رعيتنا الخاصة التي تعرف برعية “مار بطرس وبولس الللبنانية” ولنا ايضا كنائسنا الخاصة في عكا وطبريا… حتى كاهننا لبناني، فنحن نربي جيلا فيه من اللبنانية اصالته مع احترام الحضارة الاسرائيلية والعيش فيها دون ان يمحي كيانه الحضاري..والحمدلله بالامكان القول اننا نجحنا “.

الصفعة التي تلقتها عائلات الجنوبي في عام 2000، اثرت بهم لكنها لم تكسرهم، فقرروا السير قدما في الحياة، في اسرائيل، ليحققوا نجاحات على صعد مختلفة، من الاعمال الى الفن وصولا الى الجمال، تاركين الاثر وبصمتهم الخاصة.

وهنا تبادرنا كاسندرا وهي فتاة تطمح الى حمل لقب ملكة جمال اسرائيل يوما :” الوطن ليس بمكان جغرافي بل هو شيئ تشعر به وتعيشه، حلمي ان اصل الى لقب ملكة جمال اسرائيل، عند اصبح مستعدة، اللقب ليس هدفي بقدر ما الرسالة هي غايتي، وتتمحور :  فتاة لبنانية تمثل الجمال الاسرائيلي وبهذا اعكس حقيقة شعبي وحقيقة الدولة حيث اعيش”.

يذكر ان للجالية اللبنانية في إسرائيل، موقع خاص، على الرابط الآتي:

http://www.lebaneseinisrael.com

ينقل الموقع اخبار الجالية ومواقفها، وعن هذا يقول المسؤول عن الموقع: “هذا الموقع هو صرح اعلامي لنا، يتم تحديثه اسبوعيا بمقالات يكتبها ابناء الجالية بالاضافة الى مواقفنا وردودنا على الكثير من المقالات التي تهاجمنا ضف الى الشائعات التي تفبرك بحقنا.. كما يهمنا ان نحفظ تاريخنا وبطولات رجالنا.”

وبهذا، تبقى هذه الفئة جسرا بين هويتين يجمعهما العداء، هدفها كسر الجفاء بين الارزة ونجمة داوود لبناء اسس السلام وحسن الجوار بين دولتين فرضت الجغرافيا الجوار ونضح منذ فجر التاريخ بذور التعاون والتبادل الحضاري .

ونختم التقرير بقول لسيدة سبعينية من الجالية: “السلام قدر بين لبنان واسرائيل … وسنكون جسره وهمزة التواصل بين الشعبين “.

اقرأوا المزيد: 1118 كلمة
عرض أقل