جلعاد تسفيك

الإسلام المتطرّف يتعزز في ألمانيا (AFP)
الإسلام المتطرّف يتعزز في ألمانيا (AFP)

الإسلام المتطرّف يتعزز في ألمانيا

هذه ظاهرة مقلقة: الإسلام المتطرّف يتعزز في كل أرجاء ألمانيا، ويضع الدولة التاريخية أمام أزمة • تراجع عدد الولادات وقوانين الهجرة المريحة جعلت ألمانيا هدفًا مفضلاً للعديد من المسلمين، الذين يجلبون معهم العنف أيضًا، معاداة السامية وخلايا إرهابية نائمة

لطيف أن يكون المرء ألمانيًا في هذه الأيام. الاقتصاد مستقر، المكانة الدولية رفيعة جدًا، حظيت أنجيلا ميركل أن تتلمس كأس العالم وحتى أن هناك بعض الإسرائيليين، غريبي الأطوار، الذين يلتقطون صورًا لهم وهم يرقصون حاملين لافتة كُتب عليها “هاجرت إلى برلين”. أحد أكبر الاختبارات التي تواجهها ألمانيا الجديدة هو مواجهتها للأشياء المروّعة التي ارتكبتها ألمانيا السابقة. نجح الألمان باختبار التذكر ولا يحاولون أبدًا تجميل الماضي الإجرامي، ولكن، بعد 70 عامًا تقريبًا على انتحار هتلر داخل مقره المحصن، ترعرع في برلين جيل من الألمان الجدد – شبان مسلمون لم يخدم أي واحد من جدودهم في الـ “أس. أس” ولا يحملون أي عبء أخلاقي مما لحق بالشعب اليهودي.

اجتمع، في أحد أيام شهر آب الأخير وفي أوج عملية الجرف الصامد، 200 شخص من أولئك الألمان الجدد و 100 من الألمان “القدماء” قرب نقطة التفتيش “تشارلي” – نقطة العبور الأشهر في جدار برلين – للتظاهر ضد “الإبادة الجماعية” التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين. أظهرت جولة لي بين مئات المتظاهرين، بينما تنكرت بشخصية سويدي ريفي عادي، بعض الحقائق المتعلقة بمجريات الأمور التي تحدث في الدولة التي أوشكت على إبادة الشعب اليهودي.

الإسلام المتطرّف يتعزز في ألمانيا (AFP)
الإسلام المتطرّف يتعزز في ألمانيا (AFP)

تم تنظيم التظاهرة من قبل الائتلاف من أجل تحرير غزة – المنظمة التي شاركت مع منظمات أُخرى بتنظيم أسطول مرمرة. تضمنت منشورات مع خريطة فلسطين (أرض إسرائيل) التي وُزعت في التظاهرة فقط اسم “فلسطين”، دون أي ذكر لدولة إسرائيل الواقعة داخل مناطق الخط الأخضر. بالمقابل، رفع بعض الشيوعيين لافتات تحمل معادلات رياضية تساوي بين الصليب المعقوف ونجمة داوود وبين النازية والصهيونية. يحظى مصطلح “لن يحدث ذلك بعد الآن” بمكانة تاريخية ملفتة.

رفع سلفيون ملتحون أعلام حزب التحرير – حركة تطالب بإقامة الخلافة الإسلامية ضمن مناطق الإمبراطورية العثمانية سابقًا – تمامًا مثل أفراد داعش. فرحوا جدًا باهتمامي الشديد بإخوتهم الفلسطينيين، إنما لا شك أنهم كانوا سيُظهرون تعاطفًا أقل بكثير معي إن عرفوا أنني من الشعب الذي يجب أن “يُمحى من فلسطين”، كما صرح أفراد المنظمة بعد حادثة مرمرة. هتفوا ضد المستشارة أنجيلا ميركل التي يزعمون أنها تُسلح الصهاينة بالغواصات (هذه إشارة إلى الغواصة الجديدة التي اقتناها الجيش الإسرائيلي، غواصة الدلفين)، ولكنهم لم يستبعدوا اليوم الذي يكون فيه أشخاص أمثالهم هم أصحاب القرار في الدولة.

مظاهرة ضد إسرائيل والحرب في غزة (AFP)
مظاهرة ضد إسرائيل والحرب في غزة (AFP)

استعد المسلمون، الشيوعيون والألمان ذوو العيون الزرقاء لبدء المسيرة في شوارع برلين. رددوا بصوت أجش نشيد التظاهرة – “من النهر حتى البحر، ستكون فلسطين حرة” – الذي تم اقتطع كلماته من خطابات رائد حقوق الإنسان، إسماعيل هنية. أردت أن أسألهم عن مستقبل عائلتي في حال تحققت أمنيتهم، وإن تمكنت حماس بالفعل من تحرير فلسطين، ولكنني أخذت الإجابة من عيونهم المليئة بالحقد.

هجرة دون ولادات جديدة

تم عام 2001 تقديم تقريرللمستشار الألماني في حينه، غيرهارد شرودر، والذي يتحدث عن أنه على إثر التراجع الحاد في عدد الولادات لدى النساء الألمانيات وعجز المجتمع عمومًا من المتوقع أن يشكل عدد الألمان في الـ 50 سنة القريبة ثلث عدد السكان. استنتاج واضعي التقرير هو أنه لن يكون أمام ألمانيا حل غير السماح بدخول نحو 50 ألف مهاجر كل عام إلى البلاد. قرر الألمان إلغاء 40% من القوانين القديمة وفتحوا أبواب دولتهم أمام المهاجرين من الدول التي ليست ضمن الاتحاد الأوروبي ليتم تشغيلهم في الأعمال اليدوية مثل عمال النظافة، عمال التمديدات الصحية، وسائقي القطارات وغير ذلك.

وصلت العملية الطويلة إلى ذروتها عام 2012 عندما وصل إلى ألمانيا 1.08 مليون مهاجر جديد – أكبر كمية في آخر عشرين عامًا. تحوّلت ألمانيا إلى الدولة الثانية، من بين الدول النامية من حيث نسبة المهاجرين الوافدة إليها والتي يتم استيعابها على أراضيها، بعد الولايات المتحدة. وتشير التقديرات إلى أن 5% من عدد السكان الألمان هم مسلمون – أكثر من النسبة الموجودة في أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي ما عدا فرنسا. ستصل نسبة المسلمين في ألمانيا، حسب الغارديان، إلى 7% حتى عام 2030.

المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في زيارة الجامع الأزرق في إسطنبول (AFP)
المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في زيارة الجامع الأزرق في إسطنبول (AFP)

لا يمكن اعتبار تدفق المسلمين إلى ألمانيا كنجاح لداعمي تعدد الثقافات. أظهرت أبحاث أُجريت في الولايات المتحدة وألمانيا في العامين الأخيرين أن 80% من المهاجرين الأتراك في ألمانيا، والذين يشكلون الأغلبية بين المسلمين في الدولة، يتم دعمهم بشكل أو بآخر من قبل مؤسسات الرعاية الاجتماعية الألمانية. يُفضل المسلمون أيضًا السكن بعيدًا عن الألمان البيض، و 46% منهم عبّروا عن رغبتهم بأن يروا ألمانيا وفيها غالبية مسلمة. ربط، من الجهة الأخرى، 70% من الألمان القدماء الدين الإسلامي بمصطلحات مثل التشدد والتطرف.

في حين ادعت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عام 2010 أن فكرة تعدد الثقافات فشلت في ألمانيا، إلا أن ذلك الأمر لم يمنع المسؤولين في مدينة دويسبورغ، القريبة من الحدود الهولندية، أن يقرروا تحويل كنائس قديمة إلى مساجد. حتى أنه في منطقتين من دويسبورغ عدد المسلمين أكبر من عدد المسيحيين. تم إغلاق أكثر من 500 كنيسة في ألمانيا، بين عامي 2000 – 2012، وقريبًا سيتم هجر 700 كنيسة أُخرى. بالمقابل، تم بناء أكثر من 200 مسجد في الدولة و 128 مسجدًا آخر يُتوقع أن تُبنى في السنوات القريبة. حظيت هذه الظاهرة بعناوين عريضة، في الصحف الألمانية، مثل “المسيحيون يخرجون، المسلمون يدخلون”؛ “الواقع الجديد”؛ و”عندما تُبنى المساجد بدل الكنائس”.

حدث عام 2012 تغيير في رأي ميركل بخصوص وسط المهاجرين، عندما ناشدت الألمان القدماء في دولتها بأن يُظهروا “التسامح” تجاه المسلمين في البلاد. بدأت في كانون الثاني المنصرم، واستمرارًا مباشرًا لذلك النهج، مدارس ابتدائية في فرانكفورت بتمرير دروس لطلابها عن الإسلام بهدف تحسين اندماج المسلمين ومحاربة الأفكار العنصرية”.
https://www.youtube.com/watch?v=tVJ9Bdt_7hc

يُهاجمون ويسكتون

لا تحقق الدروس التي تعطى لأطفال فرانكفورت، حتى الآن، نجاحًا في عالم الكبار. يطالب عمال مسلمون من المسؤولين عنهم إجازات خاصة بما يتلاءم مع أعياد المسلمين، ويطلبون من زملائهم في العمل عدم تناول الطعام أمامهم في فترة الصوم في رمضان. أقام بعض المسلمين في مدينة فوبرتال شرطة شريعة حيث يتجول أفرادها بين أماكن الترفيه ويحاولون إقناع الرجال بالإقلاع عن شرب الكحول وإقناع النساء بتغطية أجسادهن بما يتلاءم مع تعاليم الإسلام. أبدت السلطات الألمانية نيتها مواجهة هذه الظاهرة. كشفت الشرطة الألمانية في العام الماضي أنه منذ انهيار الجدار عام 1990، قُتل 7500 مواطن ألماني ووقعت 3 ملايين عملية هجوم على مهاجرين مسلمين.

دفعت تلك المشاحنات المتزايدة بين الألمان القدماء والمسلمين في شهر تموز الأخير نائب تحرير صحيفة “بيلد”، نيكولاس باست، أن يكتب مقالة يشجب فيها التعامل “الوحشي” للإسلام ضد أي شيء مختلف عنه. دعا باست أيضًا إلى تشديد قوانين الهجرة إلى البلاد. أثارت هذه المقالة موجة عارمة من السخط في أوساط حزب “الخضر”، ووصف ولكر باك باست بأنه “عنصري” وطالب صحيفة “بيلد” بالاعتذار عن التصريحات. نشر محرر صحيفة “بيلد” بسرعة بيانًا يؤكد فيه على أن الصحيفة “تعارض أي نوع من التعميم” وأن الصحيفة تحترم “الحوار بين الأديان”.

لا يستثني تنامي الإسلام المتطرف ألمانيا أيضًا. أحصت الحكومة الألمانية عام 2012 عدد السلفيين المتطرفين في البلاد ووصل العدد إلى 5500 شخص وصرح مسؤول حكومي لصحيفة نيويورك تايمز قائلاً أنه منذ ذلك الوقت قد “ازداد العدد”. قامت الشرطة الألمانية بوضع ثلاثة تيارات سلفية متطرفة على قائمة التنظيمات الخارجة عن القانون، إنما جدير بالذكر أن حزب التحرير أيضًا تم ضمه إلى قائمة التنظيمات الخارجة عن القانون عام 2003، إلا أن هذا الأمر لم يمنع من أن ترفرف أعلام الحركة في المظاهرة ضد إسرائيل. تم خلال عام 2011 توقيف شخصين مسلمين من أصل أفغاني بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة. تم، خلال اعتقالهما، ضبط أكثر من 100 وثيقة تُشير إلى عشرات العمليات الإرهابية التي خطط لها التنظيم الإرهابي، من بينها تفجير سكة القطار في بون. تمت إدانة المتهمين في عام 2012 ولكن جاء الحكم خفيفًا بمجمله إذ حُكم عليهما بالسجن مدة 15 عامًا.

مسجد ميفلانا برلين (AFP)
مسجد ميفلانا برلين (AFP)

أكدت عملية “الجرف الصامد” الفارق بين الحكومة الألمانية والشعب. نشرت BBC في شباط الأخير، قبل أشهر من بدء العملية، استطلاعًا أظهر أن 14% فقط من الألمان يدعمون إسرائيل. “أنا أعتقد أن الوضع أسوأ بكثير حتى”، قال آفي بريمور، السفير الإسرائيلي السابق في ألمانيا وفي الاتحاد الأوروبي، فيما يخص هذه المعطيات. “الألمان عمومًا وتحديدًا ميركل، حساسون جدًا فيما يتعلق بذكرى الهولوكوست ولكن رأي الشعب في حالة تغير ولا يمكن تجاهل ذلك”. دعمت المستشارة الألمانية، آنجيلا ميركل، حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها بمواجهة صواريخ حماس وحتى أنها دعمت عملية الجيش الإسرائيلي رغم موت الأطفال الفلسطينيين الأربعة على شاطئ غزة نتيجة قذيفة ألقاها سلاح الجو.

بخلاف ميركل المناصرة لإسرائيل، هتف المتظاهرون في شوارع برلين والذين غالبيتهم من المسلمين بأن يتم وضع اليهود في غرف الغاز” وطلب الواعظ أبو بلال إسماعيل، المواطن الدنماركي وخطيب مسجد كوبنهاغن، من مناصريه الصلاة “من أجل موت اليهود”. تم اقتياد إسماعيل، بعد تصريحاته هذه، لتحقيق قصير والذي انتهى ببدء إجراءات قضائية بحقه. سمح رجال الشرطة، في مظاهرة أُخرى في برلين، للمتظاهرين بأن يستخدموا مكبّرات الصوت لإلهاب مشاعر المتظاهرين من خلال إطلاق شعارات مثل “إسرائيل قاتلة الفلسطينيين” و “الله أكبر”. تم اتخاذ قرار في بلدية برلين، على إثر تزايد حالة التوتر، بتأمين كل المؤسسات اليهودية في المدينة – بدءًا من مجمع الجالية اليهودية وصولاً إلى أكبر كنيس في المدينة.

https://www.youtube.com/watch?v=17-PyB_e92M

انتهت عملية “الجرف الصامد” وحاليًّا أنظار العالم متجهة إلى الحرب ضد الدولة الإسلامية (داعش). عدد المقاتلين، من أصول ألمانية، والذين يقاتلون في صفوف داعش في سوريا يُقدر بين 600 – 1000 مقاتل وبينهم حتى من خص المستشارة الألمانية بأغنية يعدونها فيها بأنهم سيعودون إلى وطنهم. اتخذت ميركل، التي صرحت بأن “داعش يشكل خطرًا على أوروبا”، قرارًا هامًا وهو تسليح القوات الكردية التي تقاتل داعش بصواريخ مضادة للمدرّعات وأسلحة خفيفة. يشير تسليح الأكراد على ما يبدو إلى أن عصر عدم التدخل، الذي اتخذته ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قد انتهى. قال وولكر بارست، رئيس المعهد الألماني لشؤون الأمن والعلاقات الدولية: “هذا أمر لم يحدث سابقًا. “هذا قرار يشير بشكل واضح إلى أن هناك تغيير يحدث في ألمانيا”.

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع Mida

اقرأوا المزيد: 1462 كلمة
عرض أقل
عنف وعمليات تفجير سيارات مفخخة في تكريت (AFP)
عنف وعمليات تفجير سيارات مفخخة في تكريت (AFP)

منذ بداية عملية “الجرف الصامد”: 3 أضعاف القتلى في سوريا والعراق

في العراق، ينفّذ عناصر "الدولة الإسلامية" تطهيرًا عرقيّا للمسيحيين دون عراقيل. يتمتّع الأسد في سوريا بهدوء صناعي، حيث قُتل خلال عشرة أيام ما لا يقلّ عن 1,700 شخص. منذ بداية عملية "الجرف الصامد" قُتل في الدولتين فقط أكثر من 3,000 شخص

بينما تستمر الحرب بين إسرائيل وحماس، تكرّس الكثير من الجهات طاقتها ووقتها لإحصاء عدد القتلى في قطاع غزة. في الوقت الراهن، يسير الجهاد في شوارع الشرق الأوسط كالمعتاد.

تطهير إثني

كما هو معلوم، فبعد احتلال الموصل من قبل عناصر داعش، أعلن قائد التنظيم الجهادي، أبو بكر البغدادي، عن إقامة خلافة إسلامية في المدينة. كانت آثار ذلك الإعلان تدميرية تجاه السكان المسيحيين في الموصل. حتى يوم السبت الأخير أجبر المسيحيون على أخذ قرار من بين ثلاثة خيارات سيّئة بشكل خاصّ وضعت أمامهم: تحويل دينهم للإسلام، دفع جزية أو الجلاء عن المدينة. وإلا، كما أوضح البغدادي زعيم داعش، “فلن يحجبنا عن المسيحيين إلا السيف”.

هناك عدة عائلات مسيحية كانت قد طلبت التفاوض مع عناصر داعش حول سوء المرسوم، والتي طُلب منها من قبل رؤساء الكنائس في المدينة أن تهرب طالما أن أرواحهم ما زالت تمكنهم من ذلك. كان عدد السكّان المسيحيين في الموصل عشية حرب الخليج الثانية نحو 100 ألف شخص، ولكنها أخذت بالهبوط منذ ذلك الوقت. حين تم احتلال المدينة من قبل داعش بقي في المدينة نحو 5,000 مسيحي فقط. “ببساطة إنّه أمر صادم”، كما قال رئيس الكنيسة الكاثوليكية في الموصل، البطريرك لويس ساكو. “هرب الناس ولا يحملون سوى ملابسهم. عشنا في هذه المدينة على مدى آلاف السنين وفجأة يأتي كلّ أنواع الأجانب ليقتلعونا من منازلنا”.

إعدامات جماعية” لجنود عراقيين في تكريت (AFP)
إعدامات جماعية” لجنود عراقيين في تكريت (AFP)

يُضاف طرد المسيحيين من الموصل إلى سلسلة من الأحداث الأخرى التي تشير إلى مدى تسامح عناصر داعش تجاه معتقدات ومشاعر الآخرين. على سبيل المثال، في يوم الجمعة الأخير فقط فجّر عناصر التنظيم المتطرّف قبر النبي يونس في محافظة نينوى والمجاورة للموصل، وأزالوا بذلك 2,800 عام من التاريخ. ولكن ليس للمسيحيين واليهود أن يشعروا بالتمييز ضدّهم، فقد قامت عناصر داعش السنة قبل نحو أسبوعَين بعمل مشابه أيضًا لستة مساجد للشيعة في المنطقة. هناك جانب حساس أيضًا للتنظيم المتطرّف: كلّف عناصره أنفسهم عناء التأكيد على أنّ تفجير القبور والمساجد حدث “فقط بعد أن تم تحذير المواطنين في المنطقة بالابتعاد عن المكان”.

الأرقام تتحدّث عن نفسها

حتى نتعرّف على الأرقام: وفقًا لبيانات منظمة “إحصاء الجثث في العراق”، التي بدأت عملها مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فإنّ عدد المواطنين الذين قُتلوا منذ الثامن من تموز، مع بداية عملية “الجرف الصامد”، حتى اليوم يصل إلى 1,164 شخص. في تلك الفترة، قُتل في سوريا والعراق معًا 3,169 من الرجال، النساء والأطفال؛ وهم ثلاثة أضعاف القتلى في غزة وإسرائيل. وليس مستبعدًا أن يكون عدد المفقودين أكبر، حيث أنّ بيانات القتلى تؤخذ من منظمات حقوق الإنسان، التي لا تتواجد تحديدًا في مناطق القتال.

لاجئون سوريون في حمص (AFP)
لاجئون سوريون في حمص (AFP)

إنّ صورة الدماء في غزة، التي تُبثّ دون توقف عبر الشبكات الإعلامية الأجنبية، تمنح جنود بشار الأسد ومقاتلي داعش هدوءًا صناعيّا تامّا تقريبًا، وهم يستغلّونه بشكل جيّد. لدى انتهاء 28 ساعة من القتال بين الجيش السوري التابع للأسد وبين جهاديي داعش حول السيطرة على حقل الغاز بحمص، تم إحصاء أكثر من 700 جثّة في يوم الإثنين الماضي؛ وهو عدد القتلى الأكبر في حادث قتال منفرد منذ بدء القتال في سوريا في آذار 2011. وتذكر منظمة مراقبة حقوق الإنسان السورية أنّ معظم القتلى في المعارك هم من المدنيّين، ولكن بحسب رجال المنظمة: “لا يمكننا أن نعرف أبدًا العدد الدقيق للقتلى”.

شكّلت معركة حمص نقطة الذروة في الأيام العشرة الأكثر دموية في الحرب الأهلية السورية، بين 15 و 25 تموز، والتي قُتل فيها نحو 1,700 شخص. عمومًا، منذ 8 تموز، بداية عملية “الجرف الصامد” في غزة، قُتل في سوريا ما لا يقلّ عن 2,005 شخص، ومنذ بداية الحرب الأهلية، قبل أكثر من ثلاث سنوات، فقد أكثر من 170 ألف شخص حياتهم. إلى جانب الكمّ الهائل من القتل، تستمر أيضًا الأعمال الوحشية، على صورة قطع رؤوس جنود جيش الأسد من قبل عناصر داعش يوم السبت الأخير.

العالم يلتزم الصمت

إنّ تجاهل التصعيد في سوريا، في أعقاب القتال بغزة، يظهر للعين بشكل صارخ، حيث يدخل في هذه القضية أيضًا الأكاديميّون وكبار الصحفيين في الغرب. “إنّ عودة الصراع العربي-الإسرائيلي إلى دائرة الضوء، تضع بشار الأسد في منطقة الراحة بالنسبة له”، كما يقول الدكتور نديم شهادي، الذي شغل في السابق منصب رئيس قسم الدراسات اللبنانية في جامعة أكسفورد ويعمل اليوم كباحث في تشاتام هاوس – المعهد الملكي للشؤون الدولية. يضيف الدكتور شهادي قائلا: “ليس صدفة أن تصل الصواريخ التي أطلقتها حماس من إيران، مرورًا بسوريا. يحاول نظام الأسد في كلّ لحظة إشعال الصراع مع إسرائيل لصرف انتباه العالم عن أفعاله. وكمفاجأة للأسد، فقد فشلت محاولاته فشلا ذريعًا. لم تعد تلك الحيل القديمة تعمل على الشعب السوري”.

اليسار الإسرائيلي خلال مظاهرة عارمة في تل أبيب ضد العنف في غزة (Flash90/Yossi Aloni)
اليسار الإسرائيلي خلال مظاهرة عارمة في تل أبيب ضد العنف في غزة (Flash90/Yossi Aloni)

ويُفسّر إيان بلاك، رئيس مكتب شؤون الشرق الأوسط في صحيفة الغارديان البريطانية – وهي صحيفة غير معروفة بمودّتها الكبيرة لإسرائيل – لماذا لا يقرأ المتظاهرون في الساحات في باريس ولندن أسماء أطفال سوريا المذبوحين. “أكثر سهولة أن نتحدّث عمّا يحدث في غزة”، كما يقرّر بلاك. “تعطى تأشيرات دخول الصحفيّين إلى سوريا بشكل تعسّفي، وإعداد التقارير من مراكز قوة قوات الثوّار السوريين، بقرب الحدود التركية، أمر خطير جدّا. في غزة هناك بنية تحتية بشرية واقتصادية تمكّن الشبكات الأجنبية من البثّ دون خوف على حياتهم”.

وهناك من يعتقد أنّ الغرب لم يكن بحاجة إلى الحرب في غزة من أجل تجاهل المجازر التي تحدث في سوريا. “سألتني ابنتي البالغة من العمر 10 أعوام: لماذا نسي الجميع سوريا حين بدأت الحرب في غزة؟”، غرّدت ناشطة ليبية. “أجبتها بأسف: “لقد نسوا سوريا فعلا منذ زمن”.

أصدقاء الإسلام المتطرّف

فضلا عن القتل الجماعي وتحطيم المواقع التاريخية، فقد أصدرت داعش في يوم الجمعة الأخير تعليمات لجميع نساء الخلافة الإسلامية بأن يغطين أنفسهنّ بغطاء من الرأس إلى أخمص القدمين، وسوى ذلك سيلحق بهن ضررًا. وتقول داعش إنّها تعليمات قد تُفسّر كمتطرّفة، ولذلك تكلّفوا عناء تفسير المنطق الذي يقف من ورائها. “لا تمسّ هذه التعليمات بحرّية المرأة”، كما جاء في الإعلان الرسمي للتنظيم. “إنّ هدفها هو ألا تشعر النساء بالابتذال والمهانة، بسبب ثقافة الرعاية الذاتية والانشغال المبالغ به باللباس”. فضلا عن ذلك، تكلّف الإسلاميون المتطرّفون نفي التقرير الذي يتحدث عن أنّهم أمروا كما يُزعم أربعة ملايين امرأة عراقية تعيش تحت سلطتهم.

لاجئون سوريون (AFP)
لاجئون سوريون (AFP)

وبسبب التعبيرات النسوية والإنسانية لعناصر داعش، فربّما وجد الأشخاص الذين رفعوا في ميدان رابين لافتات “اليهود والعرب يرفضون أن يكونوا أعداء” قبل لحظات من إطلاق صاروخ تجاههم من قبل حماس، وجدوا أخيرًا الشريك الذين تمنّوه طوال السنين.

نشر هذا المقال لأول مرة على موقع Mida

اقرأوا المزيد: 952 كلمة
عرض أقل