تسفي ماجين

باحث رفيع المستوى في معهد أبحاث الأمن القومي. انضمّ إلى طاقم البحث في المعهد في تموز 2009 بعد أكثر من عشرين عامًا قضاها في مناصب مختلفة في الدبلوماسية الإسرائيلية. منذ 1993 إلى 1997، عمل سفيرًا لإسرائيل في أوكرانيا، وبين 1998 و1999 كان السفير الإسرائيلي في روسيا. خدم في شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، وأنهى خدمته برتبة مُقدَّم.
الرئيس الروسي فلاديمر بوتين خلال زيارة سابقة لمصر(YURI KADOBNOV / AFP)
الرئيس الروسي فلاديمر بوتين خلال زيارة سابقة لمصر(YURI KADOBNOV / AFP)

على ضوء الخلافات مع واشنطن، بوتين في القاهرة

بعد أيام من قيام نائب الرئيس الأمريكي، بايدن، بتوجيه انتقادات لاذعة له، الرئيس الروسي يزور مصر. في العام الأخير تزداد علامات ابتعاد مصر عن الولايات المتحدة وتقربها من روسيا

سيصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مصر اليوم لأول زيارة من نوعها منذ مدة طويلة. هذه أول زيارة لرئيس روسي للقاهرة، خلال العقد الأخير، ما يدل على تقارب كبير بين موسكو والقاهرة، التقارب الذي تعزز منذ سقوط نظام الإخوان المُسلمين.

ستستمر زيارة بوتين إلى مصر مدة يومين وستتضمن سلسلة من اللقاءات والاستشارات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. يُتوقع، فضلًا عن ذلك، أن يحضر الرئيس بوتين عرضًا موسيقيًا في دار الأوبرا في القاهرة. بهذا يحاول بوتين أن يقول لأعدائه الأمريكيين إن تهديداتهم بعزل نظامه لا تُخيفه.

صرح نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قبل أيام بأن الولايات المتحدة ستستمر بالوقوف إلى جانب أوكرانيا ضد الهجوم الروسي عليها. زاد الهجوم، الذي يقوم به انفصاليون روس داخل حدود أوكرانيا، في الآونة الأخيرة. وقال بايدن: “ممنوع ترك روسيا تُعيد من جديد وضع خارطة أوروبا، لأن هذا تمامًا ما يفعلونه”.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمر بوتين (AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمر بوتين (AFP)

تُشكل زيارة بوتين هذه إلى روسيا ذروة الموجة، المُستمرة منذ جلوس عبد الفتاح السيسي على سدة الحكم، المتمثلة بتعزيز العلاقات بين مصر وروسيا

تُشكل زيارة بوتين هذه إلى روسيا ذروة الموجة، المُستمرة منذ جلوس عبد الفتاح السيسي على سدة الحكم، المتمثلة بتعزيز العلاقات بين مصر وروسيا. في تشرين الأول 2013، زار مُدير الاستخبارات العسكرية الروسية القاهرة. في تشرين الثاني، وصل إلى القاهرة معًا وزيرا الدفاع والخارجية الروسيّان – للمرة الأولى منذ بداية السبعينات. إثر الزيارة، زار موسكو في شباط 2014 وزير الدفاع والإنتاج الحربي عبد الفتّاح السيسي  بمرافقة وفد عسكريّ رفيع المُستوى.

كان الموضوع المركزيّ الذي طُرح في هذه الاتّصالات زيادة التعاوُن العسكري بين الدولتَين. وفق تقارير عديدة، جرى في المحادثات النقاش حول – وربّما التوافق على – صفقة سلاح كبيرة بين الجانبَين، لفترةٍ تبلغ عامَين حتّى ثلاثة أعوام. يُفترَض أن تشمل الصفقة طائرتَي ميغ 29، مروحيات من طراز إم آي 35، منظومات دفاع جويّ، منظومات صواريخ شاطئيّة مضادّة للسُّفن، وأسلحة متقدّمة مضادّة للدبّابات.

ويُفترَض أن تموّل المملكة العربية السعودية والإمارات العربيّة المتّحدة الصفقة. في ختام زيارة الوزيرَين المصريَّين إلى موسكو، لم يُنشَر إعلان حول الصفقة. وفق بعض التقارير، جرى التوصُّل إلى اتّفاق مبدئي حولها، لكنه لم يُوقَّع بعد، وقد يجري الاتّفاق النهائي في لقاء ممثّلي الحكومتَين في آذار 2014‏‎.

كانت هذه الخطوات الاستراتيجية سبب تفاقم التوتر والغضب بين الولايات المتحدة وبين مصر، الغضب الذي كان شديدًا أساسًا بسبب عدم الدعم من قبل إدارة أوباما لعبد الفتاح السيسي لإسقاط حكم الإخوان المسلمين

في إطار التعاوُن، أُبلغ أنّ مصر ستزوّد روسيا بخدمات بحريّة في ميناء الإسكندرية، تكون بديلًا للخدمات التي تنالها روسيا في ميناء طرطوس السوريّ، في حال سقوط نظام الأسد. ويمكن أن تشتمل العلاقات الموسَّعة أيضًا على تعاوُن في مجال الحرب على الإرهاب، تدريبات عسكريّة مشتركة، وتعاوُن تقنيّ، وكذلك في المجال الاقتصادي – تجديد المنظومة الكهربائية في سدّ أسوان‎.

دورية للجيش المصري في رفح على الحدود مع قطاع غزة (AFP)
دورية للجيش المصري في رفح على الحدود مع قطاع غزة (AFP)

كانت هذه الخطوات الاستراتيجية سبب تفاقم التوتر والغضب بين الولايات المتحدة وبين مصر، الغضب الذي كان شديدًا أساسًا بسبب عدم الدعم من قبل إدارة أوباما لعبد الفتاح السيسي لإسقاط حكم الإخوان المسلمين. يُضاف هذا التوتر إلى العلاقات السيئة بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب ما يحدث في أوكرانيا.

لكنّ ما أثار غضب المصريين بشكل خاصّ هو قرار الإدارة الأمريكية تجميدَ قسم من المُساعَدة الأمريكية المقدَّمة إلى مصر، لا سيّما أنّ ذلك يأتي في وقتٍ تناضل فيه القيادة من أجل درء خطر موجة التفجيرات الإرهابية وفرض القانون والنظام. وكان قرار الإدارة الأمريكية أشبه بتسوية بين الذين طالبوا – في الكونغرس أيضًا – بتجميد المُساعَدة العسكرية لمصر، وبين الذين حذّروا مِن خطوات قد تمسّ بالمصالح الأمريكية، بما في ذلك علاقات السلام بين مصر وإسرائيل.

فكان أن قرّرت الإدارة تجميد قسمٍ من المُساعَدة العسكرية لمصر بقيمة 250 مليون دولار، وتأجيل الشحنات المخطَّط لها لبضع طائرات‎ F-16 ، مروحيّات أباتشي، صواريخ مضادّة للسفن، وقطع للدبّابات – بانسجامٍ مع حظر تقديم المساعدة لدولةٍ تمّت الإطاحة بزعيمها بانقلابٍ عسكريّ.

نُشرت أجزاء من هذه المقالة لأول مرة ‎ ‎على موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS‏

اقرأوا المزيد: 587 كلمة
عرض أقل
المؤتمر الدولي للقضايا الأمنية في موسكو (AFP)
المؤتمر الدولي للقضايا الأمنية في موسكو (AFP)

روسيا تربط ما يجري في أوكرانيا بالانقلابات في الشرق الأوسط

في أيار 2014، أُقيم في موسكو مؤتمر دولي للقضايا الأمنية. وكان موضوعه: الأمن في منطقة الشرق الأوسط، لكنه فعليًّا كان بخصوص ربط روسيا بين الأزمة الأوكرانية وبين الانقلابات في الشرق الأوسط

أُقيم في 20 حتى 23 أيار في موسكو مؤتمر دولي للقضايا الأمنية. كان موضوعه: أمن منطقة الشرق الأوسط، لكن المؤتمر تطرق فعليا إلى نظرة روسيا للعلاقات بين الأزمة الأوكرانية (أجريت انتخابات في أوكرانيا) وبين الانقلابات في الشرق الأوسط. اشتركت في المؤتمر النخبة الدولية الأمنية الروسية (وزير الدفاع ونائبه، وزير الخارجية ونائبه والقائد العسكري العام) وأُعطي منبر للدول التي رغبت روسيا في وجودها- إيران (وزير الدفاع)، سوريا (نائب القائد العام)، مصر (نائب القائد العام)، الصين، باكستان والهند.

لقد وجّه الروسيون حينما عرضوا وجهة نظرهم لتطور الأزمات في النظام الدولي، إصبع الاتهام للغرب، بقيادة الولايات المتحدة، الذي يبادر ويحرض “الانقلابات الملّونة”، الموجّهة لتغيير الأنظمة الحاكمة القائمة وتوسيع مناطق النفوذ الغربية التي تشمل فيما تشمل إحاطة روسيا بحزام من عدم الاستقرار.

حسب الرواية الروسية، فإن مجمل الانقلابات “للربيع العربي” قد حرّكها الغرب

عرض كبار المسؤولين الروس موقفًا موحدًا في الرابط الذي يربط بين الأحداث والمجريات في البلقان، العراق، أفغانستان، ليبيا، مصر وسوريا، إذ إن كلها نتيجة لأعمال “مدمّرة” للغرب في تلك الدول. والنتائج متساوية: (1) حرب أهلية تُراق فيها الدماء؛ (2) تبذير مليارات الدولارات من أجل حرب عبثية؛ (3) أزمة عامة؛ (4) إضعاف الدول حتى تفككها؛ (5) تسلل الجهات الإرهابية في الفراغ الذي تكوّن وتعاظمها. فلكل هذا تبعات سلبية على النظام العالمي من عدم الاستقرار، زيادة حدة الصرعات الجيوسياسية وتعميق الخلافات بين الدول، الطوائف والأديان.

يشخّص الروس ما يحدث في أوكرانيا كحلقة في سلسلة ستؤدي لتبديل الحكم، غليان الشعوب، تعاظم الصراعات الداخلية مع احتمال التدهور إلى حرب أهلية، وفقدان الاستقرار، وكل ذلك للإضرار بالتأثير الروسي. كذلك يفسرون الانسحاب المتوقع لقوات الناتو من أفغانستان بأنه حلقة تُضاف لهذه السلسلة، والتي ستؤدي إلى إسقاطات أمنية سلبية على روسيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ALEXEI NIKOLSKY / RIA-NOVOSTI / AFP)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ALEXEI NIKOLSKY / RIA-NOVOSTI / AFP)

عُرض التطرق للشرق الأوسط بما يتلاءم مع ذات النظرة للمجريات الدولية. حسب الرواية الروسية، فإن مجمل الانقلابات “للربيع العربي” قد حرّكها الغرب حسب نفس الدوافع التي ذُكرت أعلاه. في رأيهم، فإن النموذج الأمثل الوحيد للتعامل الجيد مع مجريات “الربيع العربي” هو الانقلاب المضاد المصري ومن هنا تُشتق المعادلة الصحيحة التي يجب أن تكون مؤسسة على تقوية الأطراف الدولية التقليدية. في إطار ذلك، ترى روسيا لنفسها مهمة ذات أهمية في تقوية هذه الأطراف الدولية، ولذا فهي تعزز علاقاتها مع مصر بعد الانقلاب، وتدعم الحكومة السورية وهي الوحيدة التي كانت قادرة على أن تحقق تفكيك الأسلحة الكيميائية في سوريا.

ما يميّز هذا المؤتمر كان الربط بين كل المجريات، وعرض مفهوم استراتيجي موحّد، ويتوسطه توجه اتهام الولايات المتحدة والغرب

فيما يخص إسرائيل، عرضت في المؤتمر تلميحات متعارضة. من ناحية، ظهر تقدير لسياسة إسرائيل بخصوص أوكرانيا، لكن من ناحية أخرى، قد وُضعت في مركز المشاكل في المنطقة. لقد عرض كبار المتحدثين الروس مركزية الموضوع الفلسطيني وتأثيره المهم على المجريات في المنطقة. حسب ادعائهم، إن فشل المرحلة الأخيرة لعملية السلام (استمرار المفاوضات بالتنسيق مع الوزير كيري) ينبع من السيطرة الأمريكية على الحكومة الإسرائيلية وتقرير معادلتها. لقد كرر المتحدثين الروس موقف روسيا التقليدي من العملية الإسرائيلية- الفلسطينية. فحسب المفهوم الروسي، يجب تحويل مسار العملية مع إعطاء روسيا دورًا مركزيًا يرتكز إلى إطار لجنة دولية.

في إطار هذه المباحثات، طُرح أيضًّا موضوع تسليح إسرائيل بالسلاح غير التقليدي، مع توجيه إصبع الاتهام نحوها، كما لو أنها لا تتيح جعل الشرق الأوسط منزوع من سلاح الدمار الشامل. لقد عُرض الموضوع بانسجام بين كبار المتحدثين وحظي بدعم من نائبين عن الشرق الأوسط وأسئلة المشاركين في المؤتمر. إضافة إلى موضوع العمليات السياسية مع الفلسطينيين، عرض الروس أيضًا موضوع اللجنة الدولية بخصوص “منطقة منزوعة سلاح الدمار الشامل”- الذي تقرر في استطلاع لهيئة الأمم لمنع انتشار السلاح النووي سنة 2010- كالنموذج الأمثل ولذلك فقد أكدوا على حيوية اجتماعها في السنة المقبلة.

تلخيص وتقييم

فلاديمير بوتين وباراك أوباما (AFP)
فلاديمير بوتين وباراك أوباما (AFP)

رغم أنه لا جديد في ادعاءات ومواقف روسيا، لكن ما يميّز هذا المؤتمر كان الربط بين كل المجريات، وعرض مفهوم استراتيجي موحّد، ويتوسطه توجه اتهام الولايات المتحدة والغرب، الذي انجر وراءها. واستُغل المؤتمر كمنبر للربط بين “الربيع العربي” والأزمة في أوكرانيا. لهذين الحدثين، بنظر الروس، تبعات سلبية على استقرار وأمن النظام الدولي.

بغضّ النظر عن صحة رأي الروس أو عدمها، يمكن رؤية رسالة فيه للغرب، وهي أن روسيا تفكر في تغيير سياستها، أي، عدا عن السياسية الفعالة في الساحة الدولية، كذلك خارج نطاق الاتحاد السوفيتي السابق. توضح روسيا، أن الشرق الأوسط يمكن أن يُستغل كميدان صراع مع الولايات المتحدة، كي تتحدى وتضر كذلك بالمصالح الأمريكية ولتأسيس أوتادها كدولة عالمية عظمى.

يهدف التهديد المُشار إليه والذي أساسه السياسة الفاعلة، من خلال الإضرار بالمصالح الأمريكية عامة، وفي الشرق الأوسط خاصة، إلى كبح تدخل الغرب فيما يحدث في أوكرانيا. لكن بالمقابل، أبدى الرئيس بوتين تلميحات عن استعداد للتروي أساسه الاتفاق بين الجانبين. لقد أبدى استعدادًا لقبول نتائج الانتخابات في أوكرانيا ولأي ترتيبات. الأساس الظاهر للاتفاق المستقبلي، هو التفاهمات التي طُرحت في مؤتمر جنيف بتاريخ 17/04/2014، التي اتفق حسبها على الحفاظ على استقلال أوكرانيا، وتغيير البنية الحكومية القائمة لبنية فيدرالية وتحقيق مبدأ الحيادية، مع عدم انضمام أوكرانيا للمنظمات الغربية (ناتو، والاتحاد الأوروبي).

توضح روسيا، أن الشرق الأوسط يمكن أن يُستغل كميدان صراع مع الولايات المتحدة، كي تتحدى وتضر كذلك بالمصالح الأمريكية ولتأسيس أوتادها كدولة عالمية عظمى

يبدو أن روسيا تفضّل أن تصل إلى تفاهمات مع الغرب فيما يخص أوكرانيا وذلك لأنها لا تملك القدرة على التعامل المتواصل- سياسيًّا واقتصاديًّا- مع الغرب، لذلك فهي معنية باتفاق يمكّنها من تحقيق تأثير ما في أوكرانيا، وستمنع انضمام أوكرانيا إلى دائرة التأثير الغربي. لكن، إن تم هذا الاتفاق، ستضطر روسيا إلى التنازل عن مكانة أوكرانيا المركزية في خططها الجيوسياسية لترميم العظمة والتأثير الروسي، على الأقل على المدى القريب والمتوسط. لكن، ثمة شك إذا كانت تستطيع روسيا الاستمرار لمدة طويلة على هذا الحال، لأنها ستبحث عن فرص أخرى لاسترجاع تأثيرها الكامل في أوكرانيا.

نشر المقال لأول مرة في موقع INSS

اقرأوا المزيد: 869 كلمة
عرض أقل
طائرة"ميج 35" روسية (Dmitriy Pichugin collection)
طائرة"ميج 35" روسية (Dmitriy Pichugin collection)

طائرة”ميج 35″ لمصر: هل هو تغيّر في الاتّجاه؟

بسبب الصعوبات في تلقّي السلاح من الولايات المتحدة، من المرتقب أن تشتري مصر قريبًا 24 طائرة "ميج" قتالية من روسيا، وتمثّل هذه الصفقة بيانًا عمليّا صارخًا عن عدم رضا القيادة المصرية عن سياسة الولايات المتحدة تجاهها. مع تفاقم الصراع بين روسيا والغرب وموطئ القدم الجديد لروسيا في مصر، من المتوقع أن تكون لهذه الصفقة آثار استراتيجية كبيرة على إسرائيل.

وفقًا لبعض التقارير التي نُشرت في نهاية شهر نيسان 2014، فمن المرتقب أن توقّع مصر على صفقة سلاح كبيرة مع روسيا، وهي شراء 24 طائرة مقاتلة من طراز MiG-35‎.‎ ‎ وقد ظهرت أخبار الاتصالات بين مصر وروسيا في الشهرين الأخيرين عدّة مرات. وخصوصًا، في شهر تشرين الثاني الأخير، على خلفية زيارة وزير الخارجية لافروف ووزير الدفاع شويجو للقاهرة، وبعد ذلك، في شهر شباط عام 2014، على خلفية زيارة عبد الفتاح السيسي لموسكو.

وتتحدّث أخبار تشرين الثاني وشباط عن صفقة سلاح على نطاق أوسع بكثير، والتي كان من المرتقب أن تشمل أيضًا أنظمة دفاع جويّ، وأنظمة دفاع ساحلي، ومروحيّات هجومية من طراز Mi-35‎ وطائرات مقاتلة من طراز Mig-29.‎ ‎وقد ذكرت التقارير أيضًا، أن الصفقات ستُموّل من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة.

عُرضت طائرة MiG-35‎ للمرة الأولى في معرض بالهند عام 2007. وهي طائرة من مجموعة MiG-29 القديمة. وتُعرّف من قبل مطوّريها بوصفها طائرة من الجيل “++‏4‏” والتحسينات التي فيها، مقارنة بالطراز السابق (MiG-29M/M2‎) تشمل منظومة معلومات حديثة، تتماشى مع منظومات الأسلحة الروسية وأيضًا الغربية، ومجموعة متنوعة من المنظومات الدفاعيّة الذاتية المدمجة. وقد تمّ تصميم الطائرة لتكون متعدّدة المهامّ، ولها قدرات جيّدة سواء في المهامّ الجوّية – الجوّية وكذلك في مهامّ مهاجمة أهداف أرضية دقيقة في جميع الأحوال الجوّية. سيتمّ تجهيز Mig-35 برادار من طراز Zhuk-AE والذي هو رادار يشكّل مرحلة نشطة (AESA) أكثر تقدّمًا مقارنةً برادار Mig-29M/M2‎، وأيضًا بمحرّكات مطوّرة بالنسبة لهذا الطراز. لم تدخل الطائرة بعد للتصنيع وقد تمّ تأجيل التوقيع على العقد الأول لتوفيرها لسلاح الجوّ الروسي حتى عام 2016.‎ ‎

طائرة "فانتوم" أمريكية في سلاح الجو المصري
طائرة “فانتوم” أمريكية في سلاح الجو المصري

منذ العام 1979 تجّهز الجيش المصري بشكل أساسيّ بمعدّات من صنع الولايات المتحدة التي تمنح مصر معونة تبلغ 1.3 مليارات دولار في العام. ومع ذلك، لم تكفّ مصر تمامًا عن شراء سلاح أو معدّات أمنية من دول أخرى بل ومن روسيا (والتي اشترت منها في العقد الأخير ترقية لأنظمة الدفاع الجوّي القديمة التي تملكها مصر. ولكن العلاقة مع الولايات المتحدة فترتْ منذ بداية أحداث “الربيع العربي” في مصر. منذ شهر آب عام 2011 ألغت الولايات المتحدة مشاركتها في التدريب العسكري النصف سنوي “النجم الساطع” (Bright Star)، “بسبب الحالة السياسية التي نشأت في مصر بعد الإطاحة بالرئيس مبارك. ومع ذلك في عام 2012 استمرّت بإعطاء المعونة السنوية لمصر.

تغيّر هذا الوضع بعد الإطاحة بمرسي، في بداية شهر تموز عام 2013. رغم أنّ الولايات المتحدة قد وفّرت لمصر أربعة طائرات F-16 في تموز 2013 (ضمن صفقة من أربعين طائرة تمّ توقيعها في 2010)، أعلنت الإدارة بعد ذلك، أنّها ستؤجل تسليم أربعة طائرات F-16 أخرى. في تشرين الأول عام 2013 أعلنت الإدارة، بأنّه تم إصدار قرار “إعادة تقدير” المعونة الأمنية لمصر وتجميد جزء من معونة الولايات المتحدة لمصر بسبب القانون الأمريكي الذي يحظر توريد الأسلحة لأنظمة نشأت عن انقلاب عسكريّ. وقد تم إصدار قرار إضافة إلى قرارات أخرى، بإيقاف توريد طائرات F-16‎، مروحيّات أباتشي، منظومات دفاع جوّي ودبّابات أبرامز.

وقد ألغت الولايات المتحدة مرّة أخرى مشاركتها في تدريب “النجم الساطع”. ومع ذلك، ففي نيسان 2014، سمحت الإدارة بتوريد مروحيّات أباتشي إلى مصر، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ أول سفينة من طراز “أمبسدور” (من بين أربعة تمّ التوصية عليها) قد سُلّمت لسلاح البحرية المصري في شهر تشرين الثاني 2013 كما كان مخطّطًا.

قد تفسّر هذه الصعوبات في تلقّي السلاح من الولايات المتحدة توجّه مصر إلى روسيا. فضلا عن ذلك، ففي هذا التوجه إلى روسيا تظاهر صارخ بعدم رضا القيادة المصرية من السياسة الأمريكية تجاه مصر. ومع ذلك، تثير الأنباء عن العملية الأخيرة بعض الأسئلة.

أوباما يلقي بيان حول الوضع في مصر، في آخر زيارة لزعيم أمريكي في مصر، عام 2009 (ِAFP)
أوباما يلقي بيان حول الوضع في مصر، في آخر زيارة لزعيم أمريكي في مصر، عام 2009 (ِAFP)

بدايةً، من الناحية التقنية، فعلاوة عن حقيقة كون الطراز لم يدخل للتصنيع بعد؛ فالحديث هو عن ثقافة تكنولوجية مختلفة تمامًا عن تلك الأمريكية. جيش مصر، وخصوصًا سلاح الجوّ الخاص بها، مرّ خلال سنوات الثمانينات وما بعدها بعملية مركّبة، مستمرّة، وباهظة الثمن في الانتقال من تكنولوجيا وعقيدة قتالية سوفييتية إلى تكنولوجيا وعقيدة قتالية أمريكية.

رغم أنّ المصريين لا زالوا يشغّلون بعض الأنظمة من الصناعة الروسية (وخصوصًا في مجال الدفاع الجوّي)، ولكن التجهّز بطائرات حديثة من الصناعة الروسية سيتطلّب إنشاء خدمات لوجستية جديدة ومنفصلة عن تلك التي تخدم الطائرات أمريكية الصنع. والحديث ليس فقط عن شراء طائرات، وإنما أيضًا عن شراء منظومات أسلحة حديثة ومختلفة عن المألوف (بما في ذلك صواريخ جوّ – جوّ، جوّ – أرض وغيرها)، حيث إنّ كلّ منظومة سلاح كهذه تتطلّب خدمات صيانة خاصّة بها، وأيضًا خدمات تدريب وإرشاد الأفراد بشكل مستمرّ ومُكلف، وهناك شكّ إنْ كان في هذا منطق.

ثانيًا، إن الوضع الاقتصادي في مصر منذ اندلاع الأحداث عام 2011 هو الأسوأ. وهناك شكّ إنْ كانت تستطيع تمويل صفقات سلاح مكلفة. رغم أنّ التقارير ذكرت أنّ هذه الصفقات ستموّل من قبل السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، ولكن هناك مجال للشكّ أيضًا بهذا الاحتمال حيث إنّ للسعودية والإمارات ادعاءات خطيرة تجاه الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة. إنّ مساعدة هاتين الدولتين لمصر على خلفية تهديدات الولايات المتحدة بإيقاف المساعدة الممنوحة لمصر من المتوقع تمامًا أن يُنظر إليه كتحدٍّ ضدّ الولايات المتحدة. ولكن من هنا حتى الاستعداد لتمويل صفقة مصر مع روسيا، والتي توجد تجاهها ادعاءات خطيرة من قبل السعوديين (وخصوصًا على خلفية دعم نظام بشار الأسد)؛ فإنّ الطريق طويل.

ثالثًا، رغم الغضب من الولايات المتحدة وخصوصًا من الرئيس أوباما، ورغم الرغبة في تحدّيها، فهناك شكّ إنْ كانت مصر مستعدّة فعلا لقطع علاقاتها بالولايات المتحدة والاستغناء عن المساعدة الأمنية التي تمنحها إياها الولايات المتحدة وعن شراء الأسلحة منها.

من الجدير بالذكر أنّه لم يتمّ تأكيد الأنباء عن صفقة السلاح، والتي نُشرتْ لأول مرّة في إسرائيل، حتى بداية هذا الشهر أيار 2014، لا من مصادر روسية ولا من مصادر مصرية، ويبدو أنّ وسائل الإعلام البارزة في أوروبا والولايات المتحدة أيضًا لم تنضمّ لتغطية القصّة.

مقابلة السيسي وبوتين (AFP)
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)

البُعد الروسي

رغم أنّ هناك قيمة كبيرة لصفقة السلاح بحدّ ذاتها، فإنّ المصلحة الروسية الأساسية هي بالذات في المجال السياسي – الاستراتيجي. تنسجم هذه الصفقة كمكوّن ضمن الجهود الروسية الرامية لاستعادة مكانتها في المنطقة، والتي تقوّضت بشكل كبير خلال سنوات “الربيع العربي”، وأصبحت، حسب رأي الروس، بمساعدة غربية نشطة، جزءًا من الصراع العالمي المستمرّ. إزاء هذا الواقع، بدأت روسيا خلال العام الأخير بجهود متزايدة للتقارب من جديد مع دول المنطقة، بما في ذلك تلك التي كان لديها معها في السابق علاقات تعاون ودول أخرى. في إطار هذا التقارب تبرز العودة الروسية لدبلوماسية تزويد الأسلحة. ومن الجدير في هذا العموم أن نذكّر العراق، والتي أجريت معها منذ زمن مفاوضات بخصوص شراء أمني شامل؛ الاتصالات مع لبنان والأردن (والتي جرى معها مناقشة إمكانية التزوّد بمفاعل نووي)؛ الاتصالات بين روسيا والمملكة العربية السعودية، والتي على الرغم من الخلاف الأساسي بينهما، جرى معها مناقشة صفقة سلاح كبيرة وأيضا تمويل سعودي لشراء محتمل من روسيا والذي ستقوم به بلدان أخرى في المنطقة.

ومع ذلك، فنحن نشهد في الآونة الأخيرة تغييرًا إضافيّا في سلوك روسيا في الشرق الأوسط. وذلك على خلفية أحداث الأزمة الأوكرانيّة، والتي كانت في مركز جدول الأعمال الدولي وأصبحت قضية الصراع الأساسي بين القوّتين العظميَيْن. في هذه الأثناء، اختيرت منطقة الشرق الأوسط من قبل روسيا، كجبهة إضافية في صراعها العالمي ضدّ الغرب، من بين أسباب أخرى من أجل إحداث توازن في الضغط الممارَس عليها في أوروبا الشرقية. وفي هذا العموم، يمكننا أن نشير إلى زيادة النشاط الروسي في القضية السورية وأيضًا النشاط الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ روسيا توسّع من نشاطها في كلّ قضيّة ممكنة في المنطقة لتنقل رسائل تحدٍّ تجاه الغرب.

وفي هذا السياق، تتّضح مصلحة روسيا وحرصها على تنفيذ صفقة الشراء مع مصر، والتي بإمكانها أن ترفع مكانتها الدولية وتشكّل قدوة جديرة لدى بلدان المنطقة الأخرى بهدف توسيع التعاون المتنوّع معها.

تلخيص

إذا تمّ تنفيذ صفقة الأسلحة بين مصر وروسيا، فسيكون هذا حدثًا ذا أهمية كبيرة في الصورة الاستراتيجية للشرق الأوسط؛ – خطوة أخرى في عملية تراجع مشاركة الولايات المتحدة ودورها في المنطقة. سيكون هذا بالنسبة لروسيا إنجازًا استراتيجيًا مهمّا في صراعها العالمي مع الغرب.
بالنسبة لإسرائيل، فإنّ الأهمية التكتيكية لسرب من الطائرات من طراز MiG-29 أو سربين؛ ليست كبيرة. ومع ذلك، قد تكون لها أهمية استراتيجية حاسمة، مع تفاقم الصراع بين روسيا والغرب، وموطئ القدم الجديد لروسيا في مصر.

لم يتمّ توقيع الصفقة بعد وهناك عقبات كثيرة في طريق تحقيقها؛ سواء كانت تقنية، تنفيذية،  اقتصادية، وبشكل أساسي سياسية واستراتيجية. ولا يزال لدى الولايات المتحدة الكثير من الأدوات التي يمكنها استخدامها للضغط على مصر من أجل منع تنفيذ الصفقة مع روسيا. وبناء على ذلك، تعتبر هذه الأنباء عن الصفقة جرس إنذار لصنّاع القرار في واشنطن وليس إشارة لتغيير استراتيجي حقيقي.‎ ‎

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي (‏INSS‏).

اقرأوا المزيد: 1295 كلمة
عرض أقل
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)

التقارُب بين مصر وروسيا – إلى أين؟

تسارُع ملحوظ غير مسبوق في الأشهر الأخيرة للعلاقات بين روسيا والنظام الجديد في مصر

في تشرين الأول 2013، زار مُدير الاستخبارات العسكرية الروسية القاهرة. في تشرين الثاني، وصل إلى القاهرة معًا وزيرا الدفاع والخارجية الروسيّان – للمرة الأولى منذ بداية السبعينات. إثر الزيارة، زار موسكو في شباط 2014 وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الرجل الأقوى في مصر، المشير عبد الفتّاح السيسي، ووزير الخارجية، د. نبيل فهمي، بمرافقة وفد عسكريّ رفيع المُستوى. وبعد الزيارة، يجري الحديث عن زيارة أخرى بين الجانبَين على مستوى رفيع في نهاية آذار، كما تطرح تقارير صحفية إمكانية زيارة الرئيس بوتين إلى مصر.‎ ‎

كان الموضوع المركزيّ الذي طُرح في هذه الاتّصالات زيادة التعاوُن العسكري بين الدولتَين. وفق تقارير عديدة، جرى في المحادثات النقاش حول – وربّما التوافق على – صفقة سلاح كبيرة بين الجانبَين، لفترةٍ تبلغ عامَين حتّى ثلاثة أعوام. يُفترَض أن تشمل الصفقة طائرتَي ميغ 29، مروحيات من طراز إم آي 35، منظومات دفاع جويّ، منظومات صواريخ شاطئيّة مضادّة للسُّفن، وأسلحة متقدّمة مضادّة للدبّابات. ويُفترَض أن تموّل المملكة العربية السعودية والإمارات العربيّة المتّحدة الصفقة. في ختام زيارة الوزيرَين المصريَّين إلى موسكو، لم يُنشَر إعلان حول الصفقة. وفق بعض التقارير، جرى التوصُّل إلى اتّفاق مبدئي حولها، لكنه لم يُوقَّع بعد، وقد يجري الاتّفاق النهائي في لقاء ممثّلي الحكومتَين في آذار 2014.

في إطار التعاوُن، أُبلغ أنّ مصر ستزوّد روسيا بخدمات بحريّة في ميناء الإسكندرية، تكون بديلًا للخدمات التي تنالها روسيا في ميناء طرطوس السوريّ، في حال سقوط نظام الأسد. ويمكن أن تشتمل العلاقات الموسَّعة أيضًا على تعاوُن في مجال الحرب على الإرهاب، تدريبات عسكريّة مشتركة، وتعاوُن تقنيّ، وكذلك في المجال الاقتصادي – تجديد المنظومة الكهربائية في سدّ أسوان.

لا شكّ أنّ كثافة الاتّصالات بين مصر وروسيا مرتبطة بالتوتّر الذي نتج في الشهور الأخيرة بين مصر والولايات المتحدة. ففي مصر، ثمة سُخط كبير من الانتقاد العلنيّ الذي توجّهه إدارة أوباما لإسقاط نظام “الإخوان المسلمين” بانقلاب عسكريّ، ولاستخدام القوى الأمنية القوّة ضدّ ناشطي الإخوان. أثار موقف الإدارة الأمريكية لدى القيادة المصرية إحساسًا بأنّ الإدارة لا تُدرك مشاكل مصر وضائقاتها، وأنها مستعدة لدعم نظام “الإخوان المسلمين” لمجرّد أنهم وصلوا إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، مستغلّةً حاجة مصر إلى المعونات الأمريكية للتدخل في شؤونها الداخلية.

الوفد المصري في زيارة الى موسكو (AFP)
الوفد المصري في زيارة الى موسكو (AFP)

لكنّ ما أثار غضب المصريين بشكل خاصّ هو قرار الإدارة الأمريكية تجميدَ قسم من المُساعَدة الأمريكية المقدَّمة إلى مصر، لا سيّما أنّ ذلك يأتي في وقتٍ تناضل فيه القيادة من أجل درء خطر موجة التفجيرات الإرهابية وفرض القانون والنظام. وكان قرار الإدارة الأمريكية أشبه بتسوية بين الذين طالبوا – في الكونغرس أيضًا – بتجميد المُساعَدة العسكرية لمصر، وبين الذين حذّروا مِن خطوات قد تمسّ بالمصالح الأمريكية، بما في ذلك علاقات السلام بين مصر وإسرائيل. فكان أن قرّرت الإدارة تجميد قسمٍ من المُساعَدة العسكرية لمصر بقيمة 250 مليون دولار، وتأجيل الشحنات المخطَّط لها لبضع طائرات F-16‎‏، مروحيّات أباتشي، صواريخ مضادّة للسفن، وقطع للدبّابات – بانسجامٍ مع حظر تقديم المساعدة لدولةٍ تمّت الإطاحة بزعيمها بانقلابٍ عسكريّ.‏

السؤال الهامّ هو: هل تتمخّض العلاقات بين الدولتَين عن صفقة سلاح هامّة بينهما؟ إذا كانت هذه هي النتيجة، فسيشكّل ذلك تغييرًا هامًّا في السياسة المصرية. فمنذ 1974، توقّفت إمدادات السلاح من الاتحاد السوفياتي إلى مصر، بعد أن انتقلت الأخيرة من اتّجاه مؤيّد للسوفيات إلى اتّكال سياسيّ، عسكريّ، واقتصاديّ تامّ على الولايات المتحدة، بما في ذلك السلاح الأمريكيّ. ويعني قرار النظام المصري الحاليّ – بعد أشهر معدودة من صعوده إلى السلطة – أن يوقّع على صفقة سلاح كبيرة مع روسيا أنّه يريد أن يغيّر، ولو بشكلٍ محدود، توازُن علاقاته مع القوّتَين العُظميَين، ويوقف اعتماده التامّ على السلاح الغربيّ.

من جميع التقارير الواردة حتّى الآن، يُرجَّح أنّ صفقةً كهذه قد جرى التباحُث بشأنها بين الجانبَين، إذ لا مبرّر آخر لمشاركة وزيرَي دفاع البلدَين والوفدَين العسكريَين في المحادثات. ومن الواضح أيضًا أنّ روسيا معنيّة بصفقة كهذه. فمن ناحيتها، يُعتبَر التوقيع على الصفقة إنجازًا هامًّا، سواءٌ لعودتها إلى سوق السلاح في مصر، أو للرسالة التي سترسلها إلى الدول العربية المعتمدة على السلاح الغربي بأنّ صفقة سلاح مع روسيا هي أمر مُناسِب وشرعيّ. ويمكن أن تشكّل الصفقة أيضًا رافعة لتوسّع جديد لنفوذ روسيا في العالم العربي، كما جرى أواسط الخمسينات.‎

مدرعة للجيش المصري خارج المحكمة الدستورية العليا (AFP)
مدرعة للجيش المصري خارج المحكمة الدستورية العليا (AFP)

وفضلًا عن المصلحة الروسية الواضحة في توسيع حلقة التصدير العسكري إلى الشرق الأوسط، فإنّ الاعتبار الروسي في استئناف الحِوار مع مصر، ودول أخرى في الإقليم، هو سياسيّ – استراتيجيّ في الأساس. فمنذ بداية “الربيع العربيّ”، تخوضُ روسيا صراعًا على مكانتها في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن اضطُرّت إلى التراجُع عن مكانتها السابقة التي وصلت إليها بعد مشقّات كثيرة، تحت ضغط المعسكَر السنيّ مدعومًا بالغرب. اقتصر نفوذ روسيا، فضلًا عن إيران، على سورية وحدها، حيث نجحت في الحفاظ عليه، حتّى الآن. من جهتها، إنّ استئناف الحوار مع دُول أخرى في الإقليم هو فرصة إيجابية، يجب انتهازها لتقوية مكانتها وتعزيز أفضلياتها مقابل الغرب في النظام الاقتصاديّ العالميّ. سنحت هذه الفرصة على ضوء التغيير في سياسات بعض دول المنطقة، التي تشعُر بالتحدي جراء سياسة الولايات المتحدة. بين هذه الدول، فضلًا عن مصر، كلٌّ من المملكة العربية السعودية، الأردن، والعراق، التي تجري حوارًا جديدًا مع روسيا، سواء حول صفقات الأسلحة أو حول التعاوُن السياسيّ.‏

أمّا موقف النظام المصري مِن الصفقة فأقلّ وضوحًا، وهو متعلّق بثلاثة قيود. الأوّل – منذ الثمانينات، تقيم مصر علاقات عسكريّة وطيدة مع الولايات المتحدة. ولا تقتصر هذه على إمدادات سلاحٍ واسعة، بل تشمل أيضًا اكتساب العقيدة القتاليّة الأمريكية، منح الإرشاد والتدريبات للضبّاط المصريين، مناورات مشتركة، وبناء علاقات شخصية بين ضبّاط من الجيشَين. صحيح أنّ الجيش المصري بقيت فيه منظومات سلاح من فترة العلاقة مع الاتحاد السوفياتي، لكنّ تلك أسلحة قديمة عمرها أربعة عقود أو أكثر، وليس للجيل الحاليّ من الضبّاط المصريين أية صلات بالمنظومة العسكرية الروسية. لذا، لن يكون سهلًا استيعاب منظومات سلاح روسية مجددًا على مدى كبير.

الجيش المصري يكمل انتشاره في سيناء (Flash90/ Abed Rahim Khatib)
الجيش المصري يكمل انتشاره في سيناء (Flash90/ Abed Rahim Khatib)

القيد الثاني ماليّ. فالسلاح الأمريكي يُقدَّم للمصريين كجزءٍ من المُساعَدة الممنوحة لهم منذ الثمانينات. يُرجَّح أنّ روسيا لن تزوِّد سلاحًا كهذا كمساعدة، وليست لدى المصريين القدرة – لا سيّما في الوضع الاقتصادي الحاليّ – على تمويل صفقة كهذه. السؤال المفتوح هو: هل ثمة مصلحة حقًّا لكلٍّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية بتمويل هذه الصفقة، كما ورد؟

أمّا القيد الثالث فهو الأكثر أهميّة. لم تردّ الإدارة الأمريكية عَلَنًا بعد على إمكانية توقيع الصفقة، لكن يمكن الافتراض أنها تنظر إليها بامتعاضٍ شديد، إذ إنّ توجّه حليف مركزيّ لها لعقد صفقة غير مسبوقة مع روسيا يُشير إلى وهن أمريكي آخر في المنطقة، ويشكّل إنجازًا لروسيا. وفق تقارير صحفيّة، جرت في الشهور الأخيرة عشرات الاتّصالات الهاتفيّة بين وزير الدفاع الأمريكي ونظيره المصري، كما زار وزير الخارجية الأمريكي القاهرة. يُرجَّح أنّ الأمريكيين مارسوا ضغوطًا في تلك المحادثات على المصريين لعدم التوقيع على الصفقة. على المصريين أن يأخذوا في الحُسبان أنّ التوقيع على الصفقة سيستجلب ردّ فعل أمريكيًّا سلبيًّا، ويمس بالعلاقات مع الولايات المتحدة.‏

في جميع الأحوال، ليس واضحًا بعد إن كان سيجري التوقيع على الصفقة. فلا يزال ممكنًا أن تردع القيود المذكورة أعلاه المصريين عن توقيعها، ويمكن أن يقلِّصوها إلى صفقة محدودة وغير هامّة، ويكتفوا بالتعبير عن امتعاضهم من سلوك الإدارة الأمريكية تجاههم في الشهور الأخيرة. لكن حتّى إن وقّع النظام المصري على الصفقة، يُرجَّح أن يستمرّ في النظر إلى الولايات المتحدة على أنها الشريكة الاستراتيجية الأساسيّة له، وأن لا بديل عنها، لكنه سيسعى إلى زيادة قدرته على المناورة معها والإيضاح لها أنه غير مستعدّ لقبول تدخُّلها في شؤونه الداخليّة.

نُشرت المقالة للمرة الأولى على موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS‏

اقرأوا المزيد: 1122 كلمة
عرض أقل