كيف عشنا (نحن الإسرائيليون) حتى الآن دون عاصمة مُعتَرَف بها؟ كيف ستتغيّر حياتنا بعد أن أصبحت لدينا أخيرا عاصمة حظيت بالاعتراف الأمريكي؟ ظل أمامنا الآن أن نأمل أن تعترف الولايات المتحدة والعالم بأن إسرائيل هي “دولة يهودية” وأنه سيكون من الممكن أن تبدأ هذه الدولة حياتها من جديد.
علنيا الاعتراف أنه لم تحظَ أية دولة غيرنا بهذه الفرصة. رغم هذا يُسمح التساؤل ما هو الأهم، هل الاعتراف بالقدس عاصمة دولة إسرائيل أم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟ على أية حال، حتى يوم أمس لم يُعترف بمدينة تل أبيب أو القدس أو الخضيرة كعاصمة إسرائيل، لهذا لم تكن ستتغيّر مكانة القدس لو أن السفارة الأمريكية نُقِلت إليها قبل ذلك. ما هي أهمية اعتراف أمريكا بالقدس، فقد أوضح لنا ترامب أن اختيار مدينة العاصمة هي خطوة سيادية تقوم بها الدولة المستقلة، لهذا ربما حكومة إسرائيل هي التي لا تعترف بصلاحيتها للإعلان عن عاصمتها؟
لم يُقدّم الرئيس ترامب أمس لمواطني إسرائيل “شهادة شرعية” حول اختيارهم القدس بصفتها حجر أساس وجودهم. فهم ليسوا بحاجة إلى هذه الشهادة. إنما الهدية التي قدمها كانت لنتنياهو الذي حصل على هدية عيد الميلاد التي لا داعي لها. إن الاعتراف بمدينة ليست لها حدود مُتفق عليها، ستظل تتصدر طاولة المفاوضات ومستقبلها مرهون بكلا الجانبين، يكون شبيها بالاعتراف بمدينة مصنوعة من مادة “البلاستيسين” عاصمة لإسرائيل.
لا داعي أيضا للتأثر أكثر من اللزوم بالتهديدات والتحذيرات التي تشنها الدول العربية، الفلسطينيون، والدول الأوروبية. لم تكن عملية السلام يوما مرتبطة بمكانة القدس ولن ترتبط بها. في حال كانت هناك حكومة إسرائيلية توافق على إدارة المفاوضات مع الفلسطينيين، والانسحاب من الأراضي، وترسيم الحدود وتقسيم القدس، عندها لن يفشل اعتراف ترامب. كما أثبتت إسرائيل، لا سيما فيما يتعلق بالقدس فهي مستعدة للتنازل عن مناطق مكتظة بالعرب وبناء بلدة منفردة لهم.
ولا داعي أيضا للخوف من أن المقدسيين الفلسطينيين سيتدفقون وسيطالبون بالجنسيّة الإسرائيلية. ستجد آلية التشريع الإسرائيلي حلا لهذا أيضا. مثلا، تطبيق طلب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. يكمن الخوف كالمعتاد من اندلاع انتفاضة، ولكنه خوف وهمي، أولا لأن الاعتراف بالقدس، رغم كل الاحتجاجات، لا يشكل النقطة الأساسية التي تشغل اليوم الفلسطينيين والدول العربية. ثانيا، وهذا السبب الأساسي لأننا نعرف كيف نخمد الانتفاضات.
يعني الاعتراف بالقدس تحطيم الوهم الرسمي الذي يشير إلى أنه إذا اتُفِق على حل القضايا الجوهرية مع الفلسطينيين فقط، من ضمنها حقّ العودة للاجئين، وترسيم الحدود، ومكانة المستوطنات، وتقسيم القدس – عندها سينتهي الصراع.
إن الجدل حول القضايا الجوهرية يمنح العملية السياسية صورة نزاع منطقي بين شريكين بينهما مصالح تجارية. وفقا لهذا المفهوم، فإن كل تغيير أحادي الجانب بالوضع الراهن لأحد هذه المواضيع يعني تحطيم عملية السلام. ولكن حل هذه القضايا الجوهرية يعتمد أولا على مَن يرأس الحكومة الإسرائيلية وما الذي يُحفزه. وعند عدم القدرة على تبديل الحكومة وإرساء المفاوضات الحقيقية، يلجأ الأفراد إلى القضايا الجوهرية. اليمين واليسار في إسرائيل ينافسان منذ عشرات السنوات على هذا الوهم، فهما يفضلان إدارة مفاوضات خيالية فيما بينهما ومع الولايات المتحدة، ولكن لا يديرانها مع الفلسطينيين. الخوف لدى اليسار من أنه لن يكون هناك ما يمكن التحدث عنه مع الفلسطينيين منذ الآن وابتهاج اليمين لأن ترامب قد دفن عملية السلام ينبعان من الوهم ذاته.
ترامب، علينا أن نعترف، لم يقتل أمس عملية السلام. لقد وقف على قبر عملية السلام متفاخرا بأنه هو الوحيد الذي قد جرأ على الإعلان وفاتها، عبر الاعتراف بالقدس، في حين أن سابقيه “تسلّوا” بمحاولة إنعاش عملية اسلام. على الأقل لدينا الآن عاصمة وللفلسطينيين لا توجد.
ترجمة عن موقع “هآرتس” الإسرائيلي