تسفي برئيل

ترامب يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل (AFP)
ترامب يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل (AFP)

ترامب يحطم وهم القضايا الجوهرية والصورة المنطقية للنزاع

إن الاعتراف بالقدس يحطم الوهم الذي يشير إلى أنه إذا اتُفِق على حل القضايا الجوهرية فقط، عندها سينتهي الصراع. لكن حل هذه القضايا يعتمد أولا على مَن يرأس الحكومة الإسرائيلية ودوافعه

كيف عشنا (نحن الإسرائيليون) حتى الآن دون عاصمة مُعتَرَف بها؟ كيف ستتغيّر حياتنا بعد أن أصبحت لدينا أخيرا عاصمة حظيت بالاعتراف الأمريكي؟ ظل أمامنا الآن أن نأمل أن تعترف الولايات المتحدة والعالم بأن إسرائيل هي “دولة يهودية” وأنه سيكون من الممكن أن تبدأ هذه الدولة حياتها من جديد.

علنيا الاعتراف أنه لم تحظَ أية دولة غيرنا بهذه الفرصة. رغم هذا يُسمح التساؤل ما هو الأهم، هل الاعتراف بالقدس عاصمة دولة إسرائيل أم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟ على أية حال، حتى يوم أمس لم يُعترف بمدينة تل أبيب أو القدس أو الخضيرة كعاصمة إسرائيل، لهذا لم تكن ستتغيّر مكانة القدس لو أن السفارة الأمريكية نُقِلت إليها قبل ذلك. ما هي أهمية اعتراف أمريكا بالقدس، فقد أوضح لنا ترامب أن اختيار مدينة العاصمة هي خطوة سيادية تقوم بها الدولة المستقلة، لهذا ربما حكومة إسرائيل هي التي لا تعترف بصلاحيتها للإعلان عن عاصمتها؟

لم يُقدّم الرئيس ترامب أمس لمواطني إسرائيل “شهادة شرعية” حول اختيارهم القدس بصفتها حجر أساس وجودهم. فهم ليسوا بحاجة إلى هذه الشهادة. إنما الهدية التي قدمها كانت لنتنياهو الذي حصل على هدية عيد الميلاد التي لا داعي لها. إن الاعتراف بمدينة ليست لها حدود مُتفق عليها، ستظل تتصدر طاولة المفاوضات ومستقبلها مرهون بكلا الجانبين، يكون شبيها بالاعتراف بمدينة مصنوعة من مادة “البلاستيسين” عاصمة لإسرائيل.

لا داعي أيضا للتأثر أكثر من اللزوم بالتهديدات والتحذيرات التي تشنها الدول العربية، الفلسطينيون، والدول الأوروبية. لم تكن عملية السلام يوما مرتبطة بمكانة القدس ولن ترتبط بها. في حال كانت هناك حكومة إسرائيلية توافق على إدارة المفاوضات مع الفلسطينيين، والانسحاب من الأراضي، وترسيم الحدود وتقسيم القدس، عندها لن يفشل اعتراف ترامب. كما أثبتت إسرائيل، لا سيما فيما يتعلق بالقدس فهي مستعدة للتنازل عن مناطق مكتظة بالعرب وبناء بلدة منفردة لهم.

ولا داعي أيضا للخوف من أن المقدسيين الفلسطينيين سيتدفقون وسيطالبون بالجنسيّة الإسرائيلية. ستجد آلية التشريع الإسرائيلي حلا لهذا أيضا. مثلا، تطبيق طلب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. يكمن الخوف كالمعتاد من اندلاع انتفاضة، ولكنه خوف وهمي، أولا لأن الاعتراف بالقدس، رغم كل الاحتجاجات، لا يشكل النقطة الأساسية التي تشغل اليوم الفلسطينيين والدول العربية. ثانيا، وهذا السبب الأساسي لأننا نعرف كيف نخمد الانتفاضات.

يعني الاعتراف بالقدس تحطيم الوهم الرسمي الذي يشير إلى أنه إذا اتُفِق على حل القضايا الجوهرية مع الفلسطينيين فقط، من ضمنها حقّ العودة للاجئين، وترسيم الحدود، ومكانة المستوطنات، وتقسيم القدس – عندها سينتهي الصراع.

إن الجدل حول القضايا الجوهرية يمنح العملية السياسية صورة نزاع منطقي بين شريكين بينهما مصالح تجارية. وفقا لهذا المفهوم، فإن كل تغيير أحادي الجانب بالوضع الراهن لأحد هذه المواضيع يعني تحطيم عملية السلام. ولكن حل هذه القضايا الجوهرية يعتمد أولا على مَن يرأس الحكومة الإسرائيلية وما الذي يُحفزه. وعند عدم القدرة على تبديل الحكومة وإرساء المفاوضات الحقيقية، يلجأ الأفراد إلى القضايا الجوهرية. اليمين واليسار في إسرائيل ينافسان منذ عشرات السنوات على هذا الوهم، فهما يفضلان إدارة مفاوضات خيالية فيما بينهما ومع الولايات المتحدة، ولكن لا يديرانها مع الفلسطينيين. الخوف لدى اليسار من أنه لن يكون هناك ما يمكن التحدث عنه مع الفلسطينيين منذ الآن وابتهاج اليمين لأن ترامب قد دفن عملية السلام ينبعان من الوهم ذاته.

ترامب، علينا أن نعترف، لم يقتل أمس عملية السلام. لقد وقف على قبر عملية السلام متفاخرا بأنه هو الوحيد الذي قد جرأ على الإعلان وفاتها، عبر الاعتراف بالقدس، في حين أن سابقيه “تسلّوا” بمحاولة إنعاش عملية اسلام. على الأقل لدينا الآن عاصمة وللفلسطينيين لا توجد.

ترجمة عن موقع “هآرتس” الإسرائيلي

اقرأوا المزيد: 528 كلمة
عرض أقل
زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الى السعودية ولقاءه بالملك سلمان بن عبد العزيز (AFP)
زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الى السعودية ولقاءه بالملك سلمان بن عبد العزيز (AFP)

مصر تنضم للحلبة السورية كوسيط برعاية روسيا والسعودية

إن تدخل مصر المفاجئ في الحلبة السورية هام لإسرائيل أيضا، إذ أن كل دولة تساعد على التصدي للتأثير الإيراني في سوريا تخدم المصالح الإسرائيلية

انضمت لاعبة جديدة ومفاجئة مؤخرًا إلى الحلبة السورية، وقد بدأت تساهم في وقف إطلاق النار محليا. تلقت مصر “تفويضا” من السعودية وروسيا لإدارة مفاوضات بين الميليشيات ونظام الحكم في منطقة غوطة دمشق الشرقية وفي المناطق الشمالية من مدينة حمص، ونجحت في كلا المنطقتين في توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، الأول بتاريخ 22 تموز والثاني في بداية آب. هاتان المنطقتان مشمولتان في خارطة المناطق الآمنة التي اتفقت على إقامتها روسيا، تركيا، وإيران، بالتنسيق مع الولايات المتحدة في شهر أيار.

وتولي إسرائيل أهمية لتدخل مصر، إذ أن كل دولة تعمل على التصدي للتأثير الإيراني في سوريا تخدم مصالحها. والأهم من ذلك، أن الحديث يدور عن شريكة لإسرائيل في الصراع ضد الإرهاب في سيناء، وتدرك كلاهما التهديد الإيراني والخطر الكامن في تفكك سوريا إلى كانتونات. قد تدفع إسرائيل المُشارِكة في النقاشات حول الأحداث في المنطقة الآمنة في جنوب سوريا والتي أرسلت إلى واشنطن في الأسبوع الماضي وفدا أمنيا برئاسة رئيس الموساد إضافة إلى اللقاء المخطط له بين نتنياهو وبوتين بعد غد، الدول العظمى قدما لتشجيع التدخل المصري في سوريا وهكذا تضمن شريكا عربيا آخر إضافة إلى الأردن، قادر على الاهتمام بمصالحها.

ويأتي التعاون المصري عقب خطوة سياسية متعرجة بدأت في بداية ولاية عبد الفتاح السيسي عام 2013، عندما أوضح في مناسبات كثيرة خلافا لسابقه، محمد مرسي، من أتباع الإخوان المسلمين الذي قطع علاقات مصر مع سوريا، أن مصر “تدعم الجيوش القومية لحل الأزمات في المنطقة والحفاظ على الأمن”. لا داعي لتفسيرات أخرى لهذا التصريح إذ أنه يدعم دعما كاملا جيش النظام السوري ونظام الأسد. وأوضح السيسي لاحقا: “يشكل الأسد جزءا من الحل”، وحتى أنه سمح بإقامة لقاءات في القاهرة بين رئيس الاستخبارات المصري وعلي مملوك، قائد الأمن القومي في سوريا.

وجرى لقاء علني من هذا النوع في شهر تشرين الأول عام 2016، ولكن وفق التقارير في وسائل الإعلام العربية، في السنة الماضية، جرت لقاءات أخرى بين كبار المسؤولين المصريين والسوريين. هذا الأسبوع شارك وفد مصري كبير مؤلف من رجال الأعمال وكبار المسؤولين في اتحاد جمعيات التجارة في معرض تجاري في دمشق وعمل وزير الخارجية السوري وليد المعلم، جاهدا للثناء على الدعم المصري. “يعكس المشاركون في المعرض وعدد أعضاء الوفد رغبة إخواننا المصريين في تعزيز العلاقات بين البلدين”، قال المعلم. في ظل المقاطعة العربية ضد سوريا وإبعادها من الجامعة العربية، فإن مشاركة وفد اتحاد التجارة المصري يشكل أهمية أكبر من الاهتمام التجاري. فهي تنقل رسالة سياسية واضحة.

إن سياسة السيسي الذي يدعم بقاء بشار الأسد في الحكم خوفا من تدهور سوريا ومن التأثيرات التي تلحق بمصر جرائه، لم تلقَ في الفترة الأخيرة رضا السعودية التي طلبت من مصر تعديل سياستها والعمل على إسقاط نظام الأسد كشرط لأية مفاوضات سياسية. حتى أن السعودية عاقبت مصر لأنها دعمت في الأمم المتحدة مشروع قرار روسي، قاطعة تزويد النفط بسعر مخفض لمصر، لهذا اضطرت الأخيرة إلى البحث عن مصادر جديدة للنفط بأسعار السوق ودفعت مقابله من خزينتها التي تعاني من عجز.

ومع مرور الوقت، أصبحت العلاقات المصرية الروسية وطيدة في ظل استئناف العلاقات بين القاهرة وواشنطن بعد ولاية دونالد ترامب، الذي سارع إلى التعبير عن دعمه للسيسي خلافا للعلاقات الباردة التي شهدتها مصر مع إدارة أوباما. لكن ليس في وسع روسيا والولايات المتّحدة أن تشكلا بديلا للعلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر والسعودية أو العمل على تسويتها. لقد طرأت التغييرات عندما انضمت مصر إلى السعودية ودول الإمارات العربية المتحدة وفرضت عقوبات على قطر، إذ أن هذا التحالف كان أهم للسعودية من القضية السورية. علاوة على ذلك، تعترف السعودية أنها ليست قادرة على الحسم عسكريّا أو سياسيا في الحرب السورية، وأن سياسة دعم المليشيات التي تنشط ضد الأسد لم تنجح حقا. لم تنجح سياسة السعودية في التصدي أو تقليص التدخل الإيراني في سوريا، وعندما تدخلت تركيا في الحلبة السورية، وفي ظل ما رأته السعودية كتحالف ثلاثي بين تركيا، إيران، وروسيا، لم تكن السعودية والولايات المتحدة جزءا منه، قررت السعودية تغيير استراتيجيتها. يتضح وفق الاستراتيجية الجديدة أن السعودية تفضل تدخل مصر بدلا من تدخل تركيا وإيران دون شك.

تولي روسيا أهمية كبيرة لهذه التطورات. فإذا كانت تعمل مصر وفق جزء من التقارير على استئناف علاقات التطبيع بينها وبين سوريا وعلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وفي حال نجحت في ذلك، فهذا يعني منح شرعية مصرية رسمية، ولاحقا منح شرعية عربية لنظام الأسد. هكذا قد تسحب مصر السجاد من تحت أقدام أردوغان الآمر والناهي في الشأن السوري، وحتى أنها تقدم بديلا عربيا لعلاقة التعلق السوري الحصري على إيران. ولكن من السابق لأوانه أن نحدد أن تدخل إيران في سوريا ودورها قد يتلاشيان في ظل التدخل المصري. إن النظام السوري يعتمد على إيران وروسيا وستتابع هاتان الدولتان دورهما الاستراتيجي في سوريا فيما يتعلق بالحل السياسي.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 722 كلمة
عرض أقل
الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطرفي مقابلة مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في الرياض (AFP)
الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطرفي مقابلة مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في الرياض (AFP)

ترامب يتعرض لمعضلة إثر الأزمة المتنامية في الخليج

يقوض قطع العلاقات بين الدول السنية وقطر بشكل دراماتيكي الائتلاف ضد إيران في الشرق الأوسط، الذي أثنى عليه الرئيس الأمريكي. قد تزداد المشكلة حدة إذا ضغطت الرياض على واشنطن للذهاب في طريقها

يعرّض قطع العلاقات الفوري بين السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، مصر والحكومة اليمنية وبين قطر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمعضلة صعبة.

قبل نحو ثلاثة أسابيع فقط، تحدث ممثلو الرئيس الأمريكي كثيرا في القمة الخليجية التي جرت في الرياض، أثناء زيارة ترامب الرسمية الأولى لها عن قطر. صرح قبل ذلك وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتياس أن العلاقات بين كلا البلدين جيدة “وتشهد تحسنا”. كان ترامب والإدارة الأمريكية راضيان عن الائتلاف الذي بادرت إليه السعودية، قبل نحو سنة ونصف وهو “الائتلاف السني” الذي يهدف إلى التصدي لتأثير إيران في الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب. حتى أمس كانت قطر عضوة في هذا الائتلاف، ولكنها طُردت منه في أعقاب قطع العلاقات بينها وبين الدول العربية.

السؤال الذي يُطرح الآن هل ستستغل السعودية الاستثمارات الهائلة التي وعدت بها ترامب – أكثر من 300 مليار دولار لشراء معدّات عسكرية ونحو 40 مليار دولار للاستثمار في البنى التحتية الأمريكية – لتطلب من أمريكا أن تسير في طريقها وتدرج قطر في قائمة الدول الداعمة للإرهاب. إذا استجاب ترامب لهذا القرار، يتعين عليه إخراج معسكر سلاح الجو الأمريكي الأكبر في الشرق الأوسط من قطر ونقله إلى دولة أخرى، ربما إلى الإمارات. ولكن من السابق لأوانه أن نقرر أن هذا هو المسار الذي ستتخذه السعودية طالما أنها تهدف للحفاظ على الائتلاف السني ودخول قطر إلى الائتلاف ثانية.

اقتصاديا لا شك أن قطع العلاقات سيؤثر فورا في قطر (AFP)
اقتصاديا لا شك أن قطع العلاقات سيؤثر فورا في قطر (AFP)

اقتصاديا لا شك أن قطع العلاقات سيؤثر فورا في قطر. يتضمن قطع العلاقات الدبلوماسية سد المجال الجوي المصري وجزء من دول الخليج أمام طائرات قطر، وقد تلحق هذه الخطوة ضررا بالرحلات الجوية القطرية. سيقلص الحد من التنقل برا من استيرادات قطر. خلافا للعقوبات التي فرضتها السعودية، الإمارات، والبحرين على قطر عام 2014، حيث أعاد جزء من دول الخليج سفراءه ولكن لم تُفرض عقوبات اقتصادية، فهذه المرة يدور الحديث عن خطوة فريدة من نوعها، لم تتخذها من قبل دول الخليج ضد دولة عضوة في مجلس التعاون الخليجي العربي.

فرضت دول عربيّة وقطعت علاقاتها حتى الآن مع العراق في فترة حكم صدام حسين، ومع سوريا وعلقت عضويتها في الجامعة العربية أيضا. جاءت الخطوة الاستثنائية في ظل أقوال حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد، حيث أوضح أنه يعارض الموقع العدائي الذي تتخذه دول الخليج والولايات المتّحدة ضد إيران، “الدولة الكبيرة التي تساهم في استقرار المنطقة”، وقال إنه لا يعتبر حماس، حزب الله، والإخوان المسلمين منظمات إرهابية بل حركات مقاومة.

أنكرت قطر أقوال الحاكم مدعية أن قراصنة الإنترنت اخترقوا موقع وكالة الأنباء القطرية وكتبوا هذه الاقتباسات. يدور الحديث عن حرب قراصنة من نوع جديد، وفق ادعاء متحدثين ومحللين قطريين بهدف الحطّ من قدر قطر. فهم يدعون أن هذه العلاقة أقيمت بين الإمارات واللوبي الموالي لإسرائيل الذي يعمل من واشنطن إضافة إلى كبار المسؤولين سابقا في الإدارة الأمريكية، حيث أنها علاقة مبنية على خلافات سياسية في الرأي بين دول الإمارات العربية المتحدة وقطر.

أثارت حرب التسريبات والقراصنة مشكلة كبيرة، حيث نُشر أمس عدد من رسائل البريد الإلكتروني التي تبادلها ظاهريا سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة وبين “معهد حماية الديمقراطية”، وهو معهد أسسه شيلدون أدلسون وإيد برونفمان إضافة إلى يهود أغنياء آخرين ويحظى بتمويلهم. هذا هو معهد للمحافطين الجدد وأقيم بعد أحداث 11 أيلول وهناك علاقات جيدة بين هذا المعهد وبين نتنياهو وكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية.

السفير القطري لدى واشنطن، يوسف العتبية (AFP)
السفير القطري لدى واشنطن، يوسف العتبية (AFP)

وفق الرسائل البريدية المُسربة جرى تبادل الآراء والأفكار بين الإمارات وبين كبار المسؤولين في المعهد حول كيف يمكن التعامل مع قطر الداعمة لحماس وإيران. هناك لدى السفير القطري، يوسف العتيبة الذي يعتبر شخصية مرغوبة ومؤثرة في واشنطن، علاقات قوية مع جاريد كوشنير، صهر ترامب ومستشاره المسؤول، وكانت تربطه في الماضي علاقات مع سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، رون درمر. تسلط هذه الاكتشافات المأساة السياسية في الخليج على الإمارات بدلا من قطر، حيث تبدو وكأنها تنسق أعمالها مع إسرائيل، أو على الأقل، مع اللوبي الموالي لإسرائيل المدعوم من قبلها.

تدفع هذه التصريحات الإدارة الأمريكية إلى جبهة معروفة لها أقل، حيث أنه قد تملي موازين القوى بين دول الخليج وبين نفسها سياسات خاطئة. تعرف الإدارة الأمريكية أن الاعتماد الحصري على السعودية والإمارات بصفتها قادرة على دفع السياسة الأمريكية في المنطقة قدما قد يلحق ضررا بالائتلاف العربي ضد إيران أو محاربة الإرهاب. في هذا السياق، لا بد أن نذكر أن الكويت وعُمان لا تتعاونان مع الجبهة التي تعمل ضد قطر، وأن العلاقات بين مصر والسعودية متوترة بسبب ما تعرّفه مصر كاحتكار سعوديّ حصري لإدارة السياسة الإقليمية.

السؤال الذي يُطرح الآن هو من قادر على الوساطة بين قطر والسعودية ودول الإمارات المتحدة، وأية تنازلات ستبديها قطر للعودة إلى “الأحضان الخليجية”. حاولت الكويت هذا الأسبوع الوساطة بين الدول، ولكن باءت محاولاتها بالفشل حتى الآن. يبدو أن السعودية لن تستكفي هذه المرة بطرد نشطاء حمساويين والإخوان المسلمين من قطر، بل سترغب في أن تبدي قطر التزامها بشكل ملحوظ فيما يتعلق بنشاط قناة الجزيرة، الوسيلة السياسية الهامة لدى قطر، وحتى أن تصرح قطر تصريحات واضحة فيما يتعلق بإيران. في هذه المرحلة، من الصعب أن نقدر أن قطر ستوافق على عدم نقل قناة الجزيرة الأخبار أو التخلص من إيران، شريكتها في حقل الغاز الأكبر في العالم.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 776 كلمة
عرض أقل
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يصافح رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، خلال لقاء القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض (AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يصافح رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، خلال لقاء القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض (AFP)

حتى ائتلاف دولي لن يساعد السيسي في محاربة داعش

لا يبدو أن الحكومة المصرية لديها برنامج قتال منظم ضد الهجمات التي تُنَفذ في المواقع المسيحية وما زال الجيش المصري يتدرب ويتسلح في حربه ضد داعش وكأنه يخوض حربا ضد دولة وليس ضد منظمة إرهابية

لم يتأثر فرع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مصر بشكل خاص بالصورة المتفائلة للرئيس دونالد ترامب، ملك السعودية، سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهم يلمسون الكرة الأرضية كرمز للتعاون من أجل محاربة الإرهاب. بعد مرور شهر من الهجوم على دير سانت كاثرين في سيناء، والكنيستين في الإسكندرية وطنطا، أعلنت داعش مسؤوليتها عن الهجوم في مدينة المنيا المصرية، حيث أسفر عن مقتل 29 مواطنا مصريا قبطيا، والذي صادف في جدول زمني محدد مسبقا، مع بدء شهر رمضان.

توضح هذه التفجيرات جيدا لماذا لن يكون الائتلاف الدولي الذي تشغله الولايات المتحدة في العراق وسوريا، ناجعا ضد الهجمات الإرهابية في مصر، السعودية، أو الدول العربيّة الأخرى. لا تسيطر داعش في مصر على مناطق مثل المناطق التي تسيطر عليها في سوريا أو العراق. لذلك من الصعب إذا لم يكن غير ممكن شن هجوم ضد قواتها خلال حرب عادية. الدليل على ذلك هو “معطيات حول عدد القتلى” التي تنشرها مصر.

جنازة مهيبة لشهداء حادث المنيا الإرهابى (AFP)
جنازة مهيبة لشهداء حادث المنيا الإرهابى (AFP)

وفق التقديرات في الغرب، يصل تعداد مقاتلي داعش إلى 1000 حتى ‏1,500 ‏ مقاتل في مصر؛ ولكن وفق تقارير الحكومة المصرية، فمنذ منتصف عام ‏2013‏ قُتِل في سيناء نحو ‏6,000‏ من “عناصر داعش” — نحو أربعة أضعاف عددهم المُقدّر. من هم القتلى الآخرون؟ تشير منظمات حقوق الإنسان ورئيس القبائل البدوية إلى حالات قتل بمحض الصدفة للمواطنين، ويعرّف كل مواطن قتيل فورا على أنه من عناصر داعش. في الشهر الماضي، نُشر في النت مقطع فيديو يظهر فيه كيف يقتل الجنود المصريون مواطنَين بعد تحقيق قصير معهما في الشارع، بينما كانت موضوعة جثث مواطنين آخرين إلى جنبهما. أنكرت الحكومة المصرية أن هؤلاء كانوا جنودا، ولكن من الصعب تصديق هذه الأقوال في ظل الحقائق.

إضافة إلى الصعوبة في الحصول على معلومات استخباراتية حول عناصر داعش، وبرامجهم، واستراتيجيات الحرب الفاشلة ضدهم، يجب الأخذ بعين الاعتبار الدافعية المنخفضة لدى جنود الجيش المصري الذي ينشط في سيناء، حيث أن الجنود ليسوا قادرين على القيام بأدائهم. قبل بضع سنوات، عندما كان السيسي، رئيس الأركان، أوضح في مؤتمر للضباط لماذا يصعب على الجيش محاربة الإرهاب. “يشكل الجيش آلة قتل، وليس آلة اعتقال… نحن لا نتحمل مسؤولية محاربة الإرهاب”، قال السيسي. “تتحمل الشرطة وقوات الأمن الداخلي مسؤولية محاربة الإرهاب. بالمقابل على الجيش حماية حدود الدولة”.

طائرات حربية مصرية تحلق فوق الأراضي المصرية في سيناء (AFP)
طائرات حربية مصرية تحلق فوق الأراضي المصرية في سيناء (AFP)

في هذه الأثناء، تغيّرت الاستراتيجية ولكن الجيش ما زال يتدرب ويتسلح وكأنه يحارب وينوي محاربة دول وليس منظمة إرهابية. يشتري السيسي من الولايات المتحدة وروسيا طائرات حربية، دبابات، وسائل نقل مدرّعة ليست صالحة للاستخدام في الحرب المدنية أو الحرب في المناطق الصحراوية في سيناء. لا تسير التدريبات لمحاربة الإرهاب بشكل منهجي وهناك نقص في الخبرة القتالية المنتظمة.

في جزء من الحالات، يسمح السيسي لسلاح الجو الإسرائيلي، لا سيّما للطائرات الحربية الإسرائيلية (وفق تقارير أجنبية) بالعمل في سيناء، في حين أن سلاح الجو المصري يعمل كرد فعل غير ناجع مثلا شن هجوم على معاقل داعش في درنة في ليبيا. لا تهدف هذه الجهمات التي نفذ مثلها سلاح الجو المصري عام 2015 بعد أن قطعت داعش رؤوس 21 قبطيا عملوا في ليبيا، سوى إلى استعراض لإظهار أن الجيش يؤدي عملا معين.

 مشاهد مؤلمة من جنازة شهداء "مذبحة المنيا" (AFP)
مشاهد مؤلمة من جنازة شهداء “مذبحة المنيا” (AFP)

تعرف الإدارة الأمريكية جيدا إخفاقات الحرب المصرية ضد المنظمات الإرهابية في مصر، وكان هذا الموضوع من بين المواضيع المركزية التي طرحها ترامب أثناء لقائه مع السيسي. تحاول الإدارة الأمريكية منذ زمن إقناع الرئيس المصري بإنجاز إصلاحات في طرق عمل الجيش، وتخصيص مبالغ أكثر من المساعدة العسكرية التي يحصل عليها، ما مجموعه 1.3 مليارات دولار، لشراء معدات لمحاربة الإرهاب؛ ولكن السيسي لا يتبنى هذه التوصية سريعا. ستُقلص الولايات المتحدة هذا العام المساعدة المدنية بنحو 40 مليون دولار، بالمقابل ستُجمد نسبة %15 من المساعدة العسكرية وستكون مشروطة بتحسين حقوق الإنسان في الدولة. لن يُفرض هذا التقييد وفق قانون الموازنة على الأسلحة لمحاربة الإرهاب. ولكن هناك شك إذا كان سيُغير هذا الشرط بشكل ملحوظ طريقة شراء المعدات من قبل الجيش والحكومة المصرية ومحاربتهما للإرهاب.

بالمقابل، لم تعد “ولاية سيناء” التابعة لداعش، منذ زمن، تستكفي بالعمل في المنطقة الشمالية من سيناء، حيث وسعت منذ عامين مناطق عملها وبدأت تنشط في المدن الكبرى. ولكن إذا نشطت قواتها سابقا ضد القوى الأمنية المصرية التي تنشط تحديدا في منطقة العريش، ففي السنة الماضية بدأت تعمل وفق استراتيجية أخرى لشن حرب أهلية في مصر. تحظى التفجيرات ضد المواقع المسيحية التي تحدث في أحيان قريبة بتأييد في أوساط جزء من المواطنين المصريين المسملين، وتشهد على قراءة خارطة التوتر في الدولة بشكل جيد. لا يبدو أن النظام المصري لديه حاليا برنامج عمل منتظم من أجل مواجهة هذه المعركة التي لا تتطلب حاليا خبرة قتالية عسكريّة أخرى فحسب، بل تتطلب أيضا عملا وطنيا لنزع شرعية الأيديولوجية المتطرفة، وحظر التمويل الذي تحصل عليه المنظمات الإرهابية من خارج مصر، لا سيّما من سوريا.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 721 كلمة
عرض أقل
جندي عراقي في الموصل (AFP)
جندي عراقي في الموصل (AFP)

المعركة على الموصل تُحدد مصير داعش

المعركة على المدينة تُلزم داعش باتخاذ قرار حول نشر قواتها والعمل مثل القاعدة

إن المعركة التي أعلن عنها رئيس حكومة العراق، حيدر العابدي لتحرير غربي الموصل، لا تهدف إلى تحرير المدينة من قبضة داعش التي تسيطر عليها منذ نحو سنتين ونصف فحسب،  بل قد تحدث ثورة في مكانة التنظيم في العراق والمنطقة كلها. عند تحرير الموصل من سيطرة داعش كليا، يتعين على داعش اتخاذ قرار استراتيجي، ربما يكون الأهم في تاريخها: هل عليها تركيز قواتها في منطقة تخضع لسيطرتها في شمال شرق سوريا، أو أن عليها نشر قواتها في الدول العربيّة الأخرى والعمل وفق طريقة القاعدة. يدور الحديث عن طريقة ترتكز على فروع وخلايا وتتنازل عن استراتيجيات الاحتلال الإقليمية.

وفق التقديرات الحديثة من العراق، يبدو أن قوات داعش في الموصل تعدادها حتى 2.500 مقاتل، مقارنة بتقديرات سابقة كانت تشير إلى أن عددها كان يتراوح بين 5.000 إلى 7.000 مقاتل. قد تكون التقديرات السابقة خاطئة بسبب صعوبات استخباراتية، ولكن من المرجح أكثر أن الدولة الإسلامية قد تقلصت قواتها، لأنها نقلت جزءا منها إلى سوريا. في الوقت ذاته انسحب الكثير من المقاتلين، لا سيّما العراقيين، الذين خلعوا الزي، مخبئين سلاحهم، منضمين إلى السكان العاديين.

تشير التقديرات الآن إلى أن الحرب في الجزء الغربي من الموصل ستستغرق أسابيع أو أشهر. هذه حلبة مدينية صعبة: يعيش نحو 750 ألف مواطن باكتظاظ في الموصل في أزقة وعشرات الأحياء. تصعّب هذه المعطيات على إدارة الحرب الجوية أو المدفعية وكذلك على قدرة المركبات المدرّعة فيها على المناورة.

الاستراتيجية العراقية المُنسّقة مع جيش الولايات المتحدة مبنية على إدخال قوات مشاة كثيرة ودفع داعش إلى أحياء من الأسهل مهاجمتها فيها من الجو. إذا كانت النسبة العادية المثالية في الحرب بين القوات المُهَاجِمة والمُهَاجَمة هي 1:5، فإن الجيش العراقي في الموصل يطمح إلى أن تكون النسبة ‏1:20، بحيث إنه إذا كان عدد مقاتلي داعش نحو 2.000 حقا، فمن المفترض أن يكون تعداد القوات العراقية بين 40 حتى 50 ألف مقاتل. ليست هناك صعوبة كبيرة لدى الجيش العراقي الذي يعمل بالدمج مع مليشيات محلية في تحقيق أفضلية من حيث العدد، إضافة إلى ذلك، فإن المظلة الجوية التي تحت تصرفه غير محدودة تقريبا. ولكن السؤال هو ما هو نوع القتال الذي تفرضه داعش على هذه القوات.

كان في منطقة شرق الموصل التي حُررَت في الشهر الماضي، مستوى منخفض نسبيًّا من المقاومة ولكن المعركة في هذا الجزء من المدينة استغرقت ثلاثة أشهر حتى تحريرها. من تقارير في مواقع مدنية في الإنترنت، يتضح أن داعش جهّزت نفسها جيدا استعدادا للجزء الثاني من القتال، فأقامت معابر إسمنتية عالية، خبأت عبوات ناسفة في مئات المواقع، نشرت محطات قناصين على طول محاور رئيسية، وبحوزتها صواريخ كتف مضادة للدبابات ورشاشات ثقيلة ضد الطيارات. الخوف الرئيسي هو أن تستخدم داعش مواطني المدينة درعا بشريا ما يؤدي إلى عدد كبير من القتلى بشكل غير مسبوق.

في المقابل، هناك إمكانية ألا تحارب داعش حتى اللحظة الأخيرة، وقد تسحب قواتها في مراحل مبكّرة من المعركة. بهدف تحقيق ذلك بدأ الجيش العراقي باستخدام الحرب النفسية المكثفة التي تتضمن بثا إذاعيا وتلفزيونيا، نشر صور جثث عناصر داعش وهي ملقية في الشوارع، ونشر معلومات حول عدد القوات الكبير الذي سيدخل إلى المدينة. ولكن من غير الواضح أي من الخيارات سيختار زعماؤه.

لم تبدأ الحرب الفعلية في المدينة بعد، ولكن في  الضواحي الجنوبية والشمالية، حقق الجيش العراقي أهدافا استراتيجية هامة، ووفق تصريحات الضباط العراقيين المسؤولين، فمن المتوقع أن يدخل الجيش إلى المدينة خلال أسبوع. ولكن، كلما أصبح موعد الإعلان العسكري قريبا، يتزايد القلق من اليوم التالي للمعركة.

بات سكان المنطقة الغربية من المدينة قلقين من الأحداث في الجهة الشرقية، التي كثرت فيها حالات العنف التي يمارسها الجنود ضد المواطنين، وهناك تقارير حول اغتيالات مَن يُتهم بالتعاون مع داعش. يحاول الكثير من السكان الهرب من غرب الموصل ولكنهم يخشون العودة إلى شرقها بسبب الفوضى غير المسبوقة لعناصر الميليشيات وحتى جنود الوحدات المختارة.

هذا الأسبوع، نشر الزعيم الشيعي الانفصالي، مقتدى الصدر، برنامجا لإرساء الاستقرار في الموصل بعد تحريرها وهكذا فهو يُلزم الحكومة العراقية بالنظر في مُستقبل المدينة والدولة بأكملها. يشدد الصادر في الـ 29 بندا من البرنامج على الحاجة إلى الحفاظ على وحدة الدولة، التوصل إلى تسوية وطنية بين كل الطوائف، وتحمّل الدولة مسؤولية فرض القانون والنظام بدلا من المليشيات المحلية. ويطلب الصدر أيضا أن تغادر كل القوات الأجنبية بعد المعركة – ليس القوات الأمريكية فحسب بل الإيرانية والقوات الأخرى، ويدعو إلى إقامة جهات دولية لمراقبة إعادة تأهيل المدينة وإلى تجنيد أموال هائلة لتحقيق ذلك.

يقترح البرنامج المثير للاهتمام أيضا تأليف بعثات رؤساء قبائل تنتقل من جنوب العراق إلى مدينة الموصل، لتقريب القلوب بين الطوائف. يطالب الصدر الميليشيات الشيعية (التي تعمل برعاية إيران) الانخراط في الجيش العراقي لتجنب تشكيل عدة قوات عسكرية في الدولة.

إذا حددت مجددا السيطرة على الموصل إلى حد بعيد مصير الدولة الإسلامية، فإن طريقة إدارة المدينة بعد الحرب تُحدد مُستقبل العراق السياسي. حتى الآن، فيما عدا برنامج الصدر لم يُبلوَر برنامج يوضح ترتيبات إعادة التأهيل، مصادر التمويل، لا سيّما تقسيم السيطرة على المدينة.

في المقابل، فإن سوريا التي قادرة فيها دولة عظمى واحدة، روسيا، على إملاء مبنى نظام الحكم إلى حد كبير، على الأقل- ففي العراق، ستتحمل الحكومة  التي تبدي وحدة وعزم في حربها ضد داعش مسؤولية توفير رد على هذه الأسئلة ولكنها غير قادرة بعد على النجاح في كسب ثقة السنيين.

 

نُشِر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 801 كلمة
عرض أقل
زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الى مصر ومقابلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (AFP)
زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الى مصر ومقابلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (AFP)

صراعات داخلية في الشرق الأوسط تصعب على قتال داعش

الجبهة الوحيدة التي أظهرتها دول الشرق الأوسط ضدّ التنظيم في سوريا والعراق تتصدع أمام صراع القوى بين السعودية ومصر وبين تركيا والعراق

في يوم الثلاثاء الماضي ذكرت معظم الصحف في مصر زيارة وفد سعودي “رفيع المستوى” إلى القاهرة والذي وصل، كما قيل، بهدف نقاش وضع العلاقات بين مصر والسعودية.‎ لم تفصّل الأخبار مَن هم الأعضاء الذين كانوا ضمن الوفد وأيضا ليس ماذا قيل في اللقاء مع نظرائهم المصريين. لم تُنشر أية صورة وتم نسب التقرير إلى “مصادر مطّلعة” في الحكومة المصرية. في يوم الأربعاء الماضي أعلن سفير السعودية في القاهرة، أحمد قطان، أنّ ما نُشر كان خاطئا وأنّه لم يزر القاهرة أي وفد سعودي. “ربما كانت تلك مجرد أمنية المصريين”، كما كُتب في موقع مصري معارض.

ربما كان يمكن أن تحل زيارة وفد مسؤولين سعوديين الأزمة في العلاقات بين البلدين والتي وصلت إلى ذروتها في بداية شهر تشرين الأول، حينها تم وضع اقتراحي قرار بشأن سوريا على طاولة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. الأول، فرنسي، تضمن إيقافا فوريا للهجمات الجوية في مدينة حلب، بما في ذلك حظر مرور الطائرات الحربية فوقها حتى لو لم تكن في طريقها لشن هجوم.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (AFP)

والثاني، الاقتراح الروسي، والذي صيغ بشكل مماثل، باستثناء البند الحرج الذي يطالب بإيقاف القصف على حلب. حظي الاقتراح الفرنسي كما هو متوقع بفيتو روسي وبذلك سقط من جدول الأعمال. ولكن الصدمة جاءت عندما قررت مصر التصويت لصالح الاقتراحين، الروسي والفرنسي، بدلا مما هو متوقع أن تصوّت لصالح الاقتراح الفرنسي فقط. شعرت السعودية في تلك اللحظة بالدهشة ولم تفهم لماذا مصر “انحرفت عن الطريق المستقيم” وأيدت الاقتراح الروسي، والذي معناه دعم الموقف الإيراني، في الوقت الذي بذلت السعودية جهودا عظيمة لتقليص نفوذ البلدين فيما يحدث في الشرق الأوسط.

لم يكتفِ الردّ السعودي بالإعلان الاستثنائي الذي بحسبه “كان التصويت المصري مؤلما”. فأعلنت هذا الشهر شركة النفط الوطنية “أرامكو” أنّها ستتوقف عن إرسال منتجات النفط إلى مصر حتى إشعار آخر. في مصر، قد يشكل إيقاف إرسال منتجات النفط السعودية إليها ضربة قاضية، وخصوصا أن المخزون الموجود الآن فيها يكفي لشهرين فقط.

في مصر، قد يشكل إيقاف إرسال منتجات النفط السعودية إليها ضربة قاضية، وخصوصا أن  المخزون الموجود الآن فيها يكفي لشهرين فقط

بعد وقت قصير من ذلك، في المؤتمر الذي أقيم في تونس، تلقى السيسي صفعة مدوية على لسان الوزير السعودي لشؤون الحج والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، إياد مدني. في نهاية تشرين الأول، في مؤتمر الشباب المصري الذي أقيم في شرم الشيخ، ألقى الرئيس السيسي خطابا ناريا قال فيه إنّه “على مدى عشر سنوات لم يكن في ثلاجة منزلي أي شيء سوى الماء“. أثار هذا التصريح كما هو متوقع موجات من السخرية في مواقع التواصل الاجتماعي. في المؤتمر الذي عُقد في تونس، سخر أيضًا الوزير السعودي من ثلاجة السيسي عندما قال للرئيس التونسي أمام وزراء التربية المشاركين في المؤتمر “أنا متأكد أنّ ثلاجتكم تحتوي على أكثر من الماء”. هزّت هذه المقولة قصر الرئاسة في مصر. واستشاط السيسي غضبا ووفقا لتقارير في مصر طالب باعتذار سعودي علني. ولكن لم تعتذر السعودية رسميا، وفي المقابل، اضطر الوزير المحترم إلى الاستقالة “لأسباب طبية”.

ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز (AFP)
ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز (AFP)

هل هذه سحابة صيف أم أزمة عميقة؟ السعودية غاضبة من مصر التي تلقت منها الكثير من المليارات كمساعدة وأيضا عقد توريد النفط لخمس سنوات بسعر تفضيلي، وقرضا لخمس عشرة سنة. اعتقدت السعودية أنّها مقابل المال ستحظى بحليف ملتزم. ولكن في الأشهر الأخيرة تراكم الكثير من الوحل السياسي في الأنبوب السعودي المصري، حتى انسدّ. انتهت احتفالات نقل جزيرتي صنافير وتيران في البحر الأحمر إلى السعودية في شهر آذار الماضي، بقرار المحكمة الإدارية في مصر والذي بحسبه فإنّ الجزيرتين تنتميان إلى مصر ونقلهما مخالف للدستور. ندمت السعودية ولم تردّ علنا.

لم تخفِ مصر معارضتها لاستمرار الحرب السعودية الفاشلة في اليمن وطالبت بإيقاف التعاون العسكري في تلك الحرب. ولا يتفق السيسي أيضًا مع الموقف السعودي بخصوص سوريا، وهو يعتقد أنّ استمرار تولّي الأسد منصبه ممكن في فترة انتقال السلطة وربما أيضًا بعد ذلك. يقدّر السيسي أنّه إذا سقط الأسد، ستنتقل سوريا إلى أيدي أردوغان أو إلى أيدي تنظيمات الثوار والتنظيمات الإرهابية في أسوأ الحالات.

اعتقدت السعودية أنّها مقابل المال ستحظى بحليف ملتزم. ولكن في الأشهر الأخيرة تراكم الكثير من الوحل السياسي في الأنبوب السعودي المصري

وبذلك ظهر الرئيس المصري باعتباره من يسوّي أموره مع تحالف من أرض العجائب يتضمن إسرائيل، إيران، وروسيا الداعمة للأسد، كل منها لأسبابها. بعد ثلاث سنوات ظهر فيها التحالف بين السعودية ومصر كمتين، تميز بالتصدّعات أكثر من الترابطات، مما دفع السيسي قبل كل شيء إلى البحث عن مصادر بديلة للإمداد بالنفط. لقد وقع على اتفاق سريع وقصير الأمد مع أذربيجان، حاول توقيع اتفاق مع الكويت، وكاد يوقع اتفاق إمداد مع الإمارات العربية المتحدة، المستعدة لبيع النفط بالشروط السعودية. حاول وريث عرش أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، وهي واحدة من الإمارات السبع، مؤخرا الوساطة بين مصر والسعودية وهكذا أيضًا حاكم البحرين، ولكن حتى الآن يبدو أنّ العلاقات عالقة في ثلاجة ملك السعودية سلمان.

أردوغان ضدّ الجميع

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان (AFP)
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان (AFP)

إنّ الأمواج الصادمة التي أنشأتها الحرب في سوريا والعراق ضدّ نظام الأسد وضدّ داعش لم تتوقف على ضفاف النيل. فهي تستعر أيضًا في الجزء الشمالي الشرقي من الشرق الأوسط وقد نجحت في التسبب بشرخ عميق بين تركيا والعراق، وبالتالي أيضًا بين تركيا وإيران. لأنّه عندما تُهدد العراق في مهاجمة القوات التركية العاملة في شمال البلاد ضدّ داعش، وعندما يتحدث الرئيس التركي عن “التمدد الفارسي في الشرق الأوسط”، فإنّ مراكز الصراع تعود مجددا إلى الساحات المحلية، على الأقل، حتى يتضح ما هي مواقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من استمرار ولاية الأسد وموقفه نحو إمكانية التعاوُن مع روسيا وبشكل أساسي، هل سيعتبر إيران تهديدا إقليميا.

لم تبدأ الأزمة في العلاقات بين تركيا والعراق في الحرب بسوريا وإنما منذ السنوات التي تولى فيها نوري المالكي منصب رئيس حكومة العراق. لقد توسعت عندما وافقت تركيا على بيع النفط الكردي، ووصلت إلى ذروتها قبيل معركة الموصل.‎ عندما أصدر رئيس حكومة العراق الحالي حيدر العبادي تهديدات تجاه التدخل التركي، ردّ عليه أردوغان بشدّة قائلا: “لماذا تركتم داعش تدخل العراق؟ لقد كادت تقتحم بغداد، أين كانت حكومة العراق حينذاك؟ لذلك، لا يتحدث أحد عن قاعدتنا العسكرية في بعشيقة (شمال شرق الموصل). بعشيقة هي التزامنا ضدّ كل نوع من الإرهاب في تركيا”.

إنّ التوتر بين تركيا وإيران يهدئه نوعا ما الاعتماد الاقتصادي بين البلدين، حيث إنّ إيران هي مورّد الغاز الثاني في حجمه بعد روسيا لتركيا ويبلغ حجم الإتجار بين البلدين نحو 20 مليار دولار. لا تسعى تركيا أيضًا إلى إغضاب روسيا التي تتعاون معها اقتصاديا وعسكريا، ولكن المصالح التركية على حدودها الجنوبية قد تلقي بظلالها على هذه العلاقة، وخصوصا عندما تغيب الولايات المتحدة في هذه الأثناء عن المعركة.

تدخل الحرب في سوريا والعراق مرحلة جديدة. إذا بدأت هذه الحرب طريقها من خلال الصراعات الداخلية وتطوّرت إلى صراعات بين القوى العظمى، فهي تصل مجددا إلى حدود الدول، ما قد يزيد من تقويض إمكانية إيجاد حلّ سياسي لتلك الأزمات.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 1037 كلمة
عرض أقل
الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في لقاء سابق مع هيلاري كلنتون (AFP)
الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في لقاء سابق مع هيلاري كلنتون (AFP)

العالم العربي ينتظر المدير القادم للشرق الأوسط

ينتظر الشعب في مصر، السعودية، وسوريا بتوتر معرفة من سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة بدلا من أوباما، وكيف ستؤثر هويته في الأحداث في المنطقة

هناك زعيمان، على الأقل، لا يشعران بالقلق إزاء معرفة نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة. الأول هو بنيامين نتنياهو والثاني هو محمود عباس. نتنياهو ليس قلقا من أن تصبح كلينتون الرئيسة القادمة، ولا أن يصبح ترامب رئيسا ولا سيما أنه قد صرح بأقوال ترضيه، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. اجتاز نتنياهو فترة ولاية أوباما بسلام، وسيكون قادرا على التعامل مع ولاية كلينتون، بالتأكيد أيضا. فيمكنه أن يعتمد على ترامب ليس فقط بفضل المحبة بينهما، وإنما أيضا بسبب الأموال الضخمة التي ضخّها شيلدون أديلسون إلى جيب عملاق العقارات.

إذا كان بيبي متأكدا، فيمكن أن يكون عباس مرتاحا أيضًا. لن تنشأ أية عملية سلام جديدة في السنوات القادمة. ولن تظهر أية آمال في الأفق الأمريكي.

ولكن هناك عدة أسباب جيدة لدى بعض الزعماء في الشرق الأوسط لأن يكونوا قلقين وهم يتابعون بقلق الدعم الذي يحظى به كل من المرشّحين. الأول هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يحتاج جدا إلى ظهير أمريكي من أجل إنقاذه من الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر. وكان أوباما، الذي تلكأ كثيرا قبل أن يمنح السيسي تأييده بعد أن وصل إلى سدة الحكم في تموز 2013، بدل مواقفه وأصبح داعما رئيسيا له بصفته رئيس مصر، تحديدا بسبب الصراع الذي يتزعمه ضدّ الإرهاب في بلاده.

ولكن ليس فقط من أجل ذلك. فالعلاقات بين السيسي وروسيا أصبحت وطيدة أكثر في السنة الماضية، في حين يتابع البيت الأبيض بتشكك هذا التقارب، الذي أثمر من بين أمور أخرى اتفاقا لبناء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء. إذا اتضح أن التأييد الذي يبديه ترامب لبوتين صحيح، فإذا تم انتخاب ترامب رئيسا قد يجد السيسي داعما جديدا، وهذه المرة ليس كجزء من حرب النفوذ بين الشرق والغرب وإنما بصفته صديقا مشتركا لبوتين وترامب. وفق التقديرات في مصر، لن تدع كلينتون مصر تنهار، ولكنها قد تتعامل معها كدولة هامشية ذات أهمية استراتيجية آخذة بالتضاؤل. فضلا عن ذلك، ستحاول كلينتون تعزيز الحوار السياسي مع إيران، وهو جهد قد يغيّر من توازن القوى في الشرق الأوسط. وقد أخذ السيسي بالحسبان هذا الخيار، ولذلك أيّد مؤخرا الموقف الروسي الإيراني في التعامل مع سوريا، عندما صوّتت مصر في الأسبوع الماضي لصالح اقتراح قرار روسي في الأمم المتحدة وضدّ الاقتراح الفرنسي. فقد أثار التصويت غضبا كبيرا في البلاط الملكي السعودي.

تعاني السعودية في العامين الأخيرين من عدة ضربات سياسية شديدة، وأخطرها، الاتفاق النووي الإيراني، ويليها سياسة أوباما في سوريا، التي أدت إلى نقل مركز السيطرة على البلاد إلى موسكو، إلى إيران وإلى الأسد. في المقابل، فالسعودية عالقة في الحرب باليمن، والتي اعتقدت أنّها قادرة بسهولة نسبيًّا على إخضاع قوات المتمردين ولكن وجدت نفسها عالقة في الحرب ضدّ قوات تحظى بدعم إيرانيّ. هناك غضب عارم في السعودية تجاه الرئيس أوباما، ويعتبر الإعلام السعودي كلينتون، وعلى الأقل، بدرجة كبيرة من الحق، خليفته في مجال السياسة الخارجية.

نظريا، إذا أصبحت كلينتون رئيسة فسيكون هذا خبرا قاتما بالنسبة للسعودية. ولكن السعودية دولة تستثمر على الأمد البعيد، وإذا صحت التقارير من ويكيليكس، فهي كانت من المساهمين الكبار في صندوق كلينتون في الوقت الذي كانت فيه هيلاري وزيرة خارجية. قامت السعودية أيضًا بصفقة التسليح العسكرية الضخمة بقيمة 80 مليار دولار في فترة أوباما، حيث يتضح أن ليس المال ولا السياسات هي التي سترسم خطوط العلاقات بين كل من واشنطن، كلينتون، والسعودية.

في المقابل، استغل ترامب العلاقات الجيدة بين السعودية ومؤيدي كلينتون وعرضها كوصمة عار تلزم كلينتون بإعادة تلك الأموال. ولكن في كانون الثاني 2016 غرّد الأمير السعودي الوليد بن طلال في حسابه على تويتر بتذكرة مؤلمة لترامب، بكونه أنقذه من الانهيار. تطرق الأمير بالتأكيد إلى شراء يخت ترامب وفندق ترامب بلازا، ممّا خفّف من وطأة ديونه.

رغم ذلك فهذه حسابات صغيرة مقارنة مع الحسابات الاستراتيجية التي تزعج السعوديين، الذين كانت تربطهم دائما علاقات ممتازة مع الرؤساء الجمهوريين، وخصوصا مع عائلة بوش. ولكن هذه المرة فإنّ الحديث يدور عن ترامب وليس عن الحزب، وقد لا تكون علاقات الماضي بين السعودية والجمهوريين كافية.

تتعلق المعضلات الفورية في المنطقة بكيفية إدارة الحرب ضد داعش في العراق وسوريا ومستقبل الحل السياسي في سوريا. يمكن للرئيس أوباما فقط أن يأمل بأن تنتهي معركة تحرير الموصل مع انتهاء ولايته، وفي المقابل، أنّ تنجح قوات التحالف والثوار في طرد داعش من الرقة في سوريا. وتأمل كلينتون وترامب بذلك أيضا، وسيسرهما التخلص من هذه التركة الصعبة. ولكن يدور الحديث عن فترة قصيرة من ثلاثة أشهر، ربما يمكن خلالها تحقيق إنجازات عسكرية في الموصل والرقة، ولكن الأزمة في سوريا تتطلب فعلا رئيسا أمريكيا جديدا قد يجد نفسه يفتقر إلى أدوات سياسية بعد أن صادرتها روسيا.

ظهرت هذه المقالة لأول مرة باللغة العبرية على موقع صحيفة “هآرتس

اقرأوا المزيد: 700 كلمة
عرض أقل
الحدود الإسرائيلية السورية (Basel Awidat/Flash90)
الحدود الإسرائيلية السورية (Basel Awidat/Flash90)

عرض عضلات الأسد مقابل إسرائيل يهدف إلى الدفاع عن كرامته

إطلاق السوريين النار على طائرات إسرائيلية يشكّل استفزازًا من جانب النظام، لكنه لا يدلّ بالضرورة على وضع حرج على الحُدود. إذا تكررت الحادثة، فستنشأ حاجة إلى إزالة الخطر - لذا ليست المواجهة المباشرة مستبعَدة

خلافًا للمتوقع، أتى الخرق الجدي الأول للهدنة التي يسري مفعولها منذ ليل الإثنين من الحدود مع إسرائيل – الجبهة الأكثر هدوءًا وهامشية بين ميادين المعارك في سوريا. ردّت إسرائيل كالعادة على الخرق السوري، المتكرر في الآونة الأخيرة، لتُفاجَأ بردّ غريب من جانب نظام الأسد: إطلاق صواريخ على طائرات سلاح الجوّ الإسرائيلي.

لم تُصب صواريخ أرض – جو السورية هدفها، حتى إنها لم تشكّل خطرًا فعليًّا على الطائرات الإسرائيلية كما يبدو. لكنّ هذا لم يمنع الإعلام السوري من التفاخُر بنجاح عسكري كبير تمثّل بإسقاط طائرة إسرائيلية وطائرة دون طيّار. ورغم أنّ الكذبة السورية وُجهت بالتشكيك حتى في العالم العربي، فإنّ على حكومة نتنياهو أن تراجع الآن سياستها وردودها على التعقيد الناتج. ألم يتبلور هنا نمط سلوك، نهايته تعرُّض إسرائيل لخطر أملت عدم التعرّض له؟ وما هي الرسالة التي تحاول الحكومة السورية نقلها، في اليوم نفسه الذي نجحت فيه روسيا في الترتيب لهدنة يُتوقَّع أن تضمن استمرار حكم الدكتاتور السوري لفترة من الوقت؟

ليست إسرائيل طرفًا في الحرب الدائرة على الجانب السوري من حدودها في هضبة الجولان. في الأسبوع الماضي، بدأت تنظيمات المتمردين بهجوم موضعيّ يهدف إلى إبعاد قوّات الأسد وميليشيات مناصرة للحكومة، بينها ناشطون من حزب الله، من بلدة القنيطرة الجديدة ومن مواقعها في قرية الخضر الدرزية المجاورة، شمالًا وشرقًا باتجاه دمشق. تُعتبَر المنطقتان مجاورتَين للقسم الشمالي من الحدود مع إسرائيل (لا تواجُد للجيش السوري على الحدود، بل فقط على بُعد نحو نصف كيلومتر منها).

تردّ القوّات النظامية بقذائف مدفعية وقذائف هاون. لكنّ هذه القذائف ليست دقيقة، ما يؤدي إلى دخولها أراضي إسرائيل أحيانًا. فقد سقطت قذائف على الشارع قرب مستوطَنة إسرائيلية وقربَ بلدة مجدل شمس. ليس هامش الخطأ كبيرًا. فأحد مراكز قيادة الثوار موجود في مبنى كبير داخل غابة، قريبًا جدًّا من الحدود مع إسرائيل. لذا، لا عجب أن تنزلق قذائف النظام في ظروف كهذه إلى الأراضي الإسرائيلية.

في بضع حالات في الأسبوع الماضي، ردّ الجيش الإسرائيلي على حوادث كهذه بهجمات جوية على مراكز سورية. وفي الحالة الأخيرة، ردّ السوريون على الهجوم الجوي بإطلاق صواريخ أرض – جوّ. يُعتبَر إطلاق الصواريخ استفزازًا خطيرًا من جانب النظام، لكنه لا يُشير بالضرورة إلى وضع حرِج نتج قرب الحدود، أو إلى مصلحة للأسد بالاصطدام مع إسرائيل.  يُرجَّح أكثر أنّ هذا كان عرض عضلات لأهداف إعلامية، وأنّ الإعلان الكاذب للنظام هدفه حماية كرامته مقابل ما يعتبره إذلالًا إسرائيليًّا.

كما هو معلوم، يُعتبَر الجولان ساحة ثانوية في الحرب السورية الكُبرى. فيوم أمس (الثلاثاء)، لدى مراقبة مواقع المعارك قرب البلدة الدرزية بقعاثا في الجانب الإسرائيلي من الحدود، كان يمكن بسهولة تمييز إطلاق قذائف من مواقع النظام إلى قرية جباتا الخشب، حيث المواقع المتقدمة للمعارضة. ويريد الثوّار، منذ فترة طويلة، توحيد قوّاتهم جنوبي الجولان ووسطه في مقاطعة أخرى تابعة لهم، في منطقة بيت جن شرق جبل الشيخ، تشكّل خطرًا أيضًا على شارع القنيطرة – دمشق. فيما يريد النظام الإبقاء على هذا الممرّ مفتوحًا لتحقيق أهدافه، كما يرغب الأسد وحزب الله في منع تقدّم التنظيمات السنية المعارِضة إلى الجهة الجنوبية من الحدود السورية – اللبنانية، بشكلٍ قد يُتيح للثوّار تحدي حزب الله في عُقر داره.

قد يدلّ استمرار القذائف في الجولان، الذي تابعته أمس أيضًا قوة الأمم المتحدة لفض الاشتباك (الأوندوف)، من مسافة آمنة في أراضي إسرائيل، على الحاجة إلى “مسافة كبح” – وقت تأقلُم للأطراف المقاتلة بعد فترة طويلة جدًّا من المعارك. مع ذلك، من التفاصيل القليلة التي نُشرت في شأن الاتفاق الروسي – الأمريكي، يبدو أنّ القوّتَين العظميَين ستدرسان الهدنة خلال الأيام القادمة. وإن نجحت، ستقرّران القيام بهجوم مشترَك على أكثر تنظيمات الثوّار تشدّدًا، جبهة النصرة وداعش (الدولة الإسلامية). ويؤدي هذا التوجُّه بالتنظيمات المتطرفة إلى مواصلة القتال وجرّ الفصائل الأخرى إلى جانبها، لكي لا تبقى وحدها مستهدَفة من القوى العظمى.

من وجهة النظر الإسرائيلية، من المهمّ أن يشمل وقف إطلاق النار الذي أُعلِن في أرجاء سوريا الجولان أيضًا. وفي حين أنّ الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تراجعت عن خطوط حمراء وضعتها في سوريا، يُشَكّ أنّ في وسع إسرائيل أن تضبط نفسها إذا وصلت القذائف إلى أراضيها في الجولان. لكنّ نمط الردّ الذي أصبح شبه آلي في الأسبوع الماضي، هناك أيضًا خطر الانزلاق إلى تدهوُر. فإذا أُطلقت صواريخ مجدّدًا نحو الطائرات الإسرائيلية، فستنشأ حاجة إلى رفع هذا الخطر عن الطائرات. لهذا السبب، ليست المواجهة المباشرة مستبعَدة.

تم نشر هذا المقال لأول مرة في صحيفة هآرتس.

اقرأوا المزيد: 660 كلمة
عرض أقل
"حلب ترحب بكم" (عامر الزعبي)
"حلب ترحب بكم" (عامر الزعبي)

نصر الأسد في حلب قد يترك الولايات المتحدة من دون خطة طوارئ

جون كيري ونظيره سيرغي لافروف يتفقان على أن تركّز الهجمات الروسية على داعش وتركا سؤال مستقبل الأسد للمرحلة التالية. هذا الجمود يزعج الثوار حيث لأن موسكو هي التي تدير الأمور

ولّدت محادثة طويلة أدارها وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري مع نظيره سيرغي لافروف، في الأسبوع الماضي، على مدى نحو 12 ساعة، فأرا. الاتفاق الرئيسي الذي تم تحقيقه هو توفير “حلّ على مراحل” للأزمة السورية – في البداية يجب تركيز الهجمات الروسية على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأن تكفّ تلك الهجمات من التركيز على تجمّعات الثوار.

وفقا لهذا الاتفاق، سيتجمّع الثوار في مناطق محددة وواضحة بشكل يسهّل التفريق بينهم وبين قوات داعش وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا)، والتي تُعرّف هي أيضا كتنظيم إرهابي ولا تزال تستخدمها روسيا كذريعة لضرب ميليشيات أخرى. اتفق كيري ولافروف أيضًا أنّه في المرحلة التالية ستتم أيضًا مناقشة مكانة الرئيس السوري بشار الأسد، من دون تحديد التاريخ أو الشكل الذي سيتم من خلاله، إن تم أصلا، عزله.

يقلق هذا الاتفاق الثوار، الذين يعرفون جيّدا عجز واشنطن. لم تنجح الإدارة الأمريكية حتى الآن في تنفيذ الاتفاقات السابقة، والأهم من بينها – اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه في شباط في جنيف. تخشى المعارضة من خيار أن تعتبر الولايات المتحدة اتفاقها مع موسكو “فرصة أخيرة” لاستمرار تدخلها في الأزمة، وإذا انهار هذا الاتفاق أيضًا، سيترك البيت الأبيض كامل المسؤولية لعلاج الأزمة السورية تحت مسؤولية الكرملين. يعني مثل هذه الخطوة تزايد القتال في جميع الجبهات والتجميد المطلق للعملية السياسية، والتي لا تتقدم في الأساس.

يجري أحد الاختبارات الأكثر أهمية لتطبيق هذا الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة في مدينة حلب، المُحاصر فيها 200-300 ألف مدني، والذين يتعرّضون للقصف المكثّف لقوات النظام بالتعاون مع القوات الإيرانية وكتائب حزب الله. رغم أن روسيا بدأت بإسقاط المساعدات المدنية للسكان وإعلان الأسد عن العفو عن كل من ينزع سلاحه، استطاع القليل من سكان المدينة الحصول على مساعدة ما، ولن توقف الصور الحكومية، التي يظهر فيها الثوار وهم يسلّمون سلاحهم، المعارك.

حلب تحت القصف (AFP)
حلب تحت القصف (AFP)

أصبحت حلب إحدى المدن التي تسببت لها الحرب في سوريا بالدمار الأكبر في السنوات الثلاث الأخيرة، ومقسّمة بين شرق وغرب. في الغرب تسيطر قوات النظام بينما في الشرق – يسيطر ثوار يتألفون بشكل أساسيّ من “جبهة الفتح”، وهو تنظيم مظلّة يوحّد عدة ميليشيات كبيرة، من بينها جبهة فتح الشام وأحرار الشام. وتشير التقديرات إلى أنّهم يملكون أكثر من 20 ألف مقاتل، مجهّزين ببضع عشرات من الدبابات ويتمتّعون بتمويل مستمر من دول عربيّة.

وقد ذُكر أمس (الإثنين) أنّ قواته نجحت في إسقاط مروحيّة روسية كان فيها خمسة عناصر من فريق الطائرة وضباط. تنجح القوات في ضرب دبابات النظام، بين حين وآخر، وتنفيذ تفجيرات انتحارية تتسبب بخسائر للجيش السوري والمدنيين. ويدعي الناطقون باسم الثوار أنّهم اخترقوا عدة حواجز في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ونجحوا عن طريقها في الهروب من المدينة.

ورغم أن التفاوت في القوة بين الثوار وجيش النظام هائل، فقد أثبت الثوار في مدن أخرى أنّه في بعض الأحيان تكفي قوة صغيرة نسبيا، تعرف الأرض جيدا، من أجل إيقاف تقدم الجيش السوري. ولكن هذه القوات لا يمكنها أن تؤدي إلى حسم. ومن هنا تكمن أهمية المعركة في حلب، التي قد يؤدي حسمها إلى تحوّل استراتيجي وسياسي في صورة المعركة.

إنّ نجاح الجيش السوري في احتلال المدينة لن يكون فقط ضربة هائلة لمعنويات مقاتلي الثوار، بل سيمنح الجيش السوري سيطرة حيوية على سلسلة محاور ومفترقات تمكّنه من التقدم سريعا تجاه المناطق الأخرى شمال البلاد وشرقها. في المقابل، من شأن صمود الثوار بثبات على مدى وقت طويل أن يكلّف ثمنا باهظا من الدماء، عسكريا ومدنيا، وأن يؤدي إلى توسيع التدخل العسكري الروسي في محاولة لكسر الثوار.

ستكون لهذه المعركة ونتائجها آثار على الميادين العسكرية في مناطق أخرى من سوريا وعلى المفاوضات السياسية. إنّ احتلال حلب سيمنح الأسد وروسيا نقطة التحوّل التي يحتاجونها للإعلان عن حسم استراتيجي، والذي يوفر الذهاب إلى المفاوضات من موقف القوة. في هذا السيناريو سيضطر الثوار وحلفاؤهم، وفقا تقديرات النظام السوري، إلى قبول إملاءاته.

لقد باتت حلب حلبة سياسية دامية تجلس فيها دول الغرب جانبا دون أن تتدخل، انتظارا لـ “نتائج اللعبة” وللفريق القادم الذي يمكنه أن يرتفع للبيت السياسي. ولكن حتى وإن حُسمت المعركة في حلب، فإنّ واشنطن لا تملك برامج. بما أن الولايات المتحدة قد وافقت فعليا على تأجيل النقاش حول مستقبل الأسد وليست مستعدة لإرسال قوات برية من أجل مساعدة الثوار (باستثناء قوات صغيرة تساعد في القتال ضدّ داعش)، فهي غير قادرة على حل الخلاف بين الميليشيات الموالية للغرب وليست قادرة على إجبار روسيا على تغيير موقفها من الأسد. ولذلك فستضطر إلى الاستمرار في قبول إملاءات موسكو، والتي قد تملي أيضا شكل الحرب ضدّ داعش، التي هي ليست من أولياتها.

تم نشر هذا المقال لأول مرة في صحيفة هآرتس

 

اقرأوا المزيد: 691 كلمة
عرض أقل
مراة كردية في سوريا (AFP)
مراة كردية في سوريا (AFP)

ماذا يريد الأكراد الإيرانيون؟

ما الذي دفع أكراد إيران إلى الانتفاض فجأة؟ هل يطمحون أيضًا إلى حُكم ذاتيّ؟ ومن الواضح أن أكراد العراق يُفضلون أن يهدأوا

مرت المواجهات التي اندلعت في الشهر الماضي، بين الحرس الثوري الإيراني وبين القوى الكردية الإيرانية، من تحت رادار الصحافة. سقطت “فقط” دزينة من المقاتلين الأكراد وبضع جنود من قوات الحرس الثوري الإيراني. على ما يبدو، كانت مواجهات لا تُذكر مقارنة بالحروب الدائرة في المنطقة. ولكن، بما أن الهدوء خيم طوال 20 عامًا على العلاقة بين الأكراد في إيران وبين النظام الحاكم – يُطرح السؤال إذا كانت تُشير هذه الواقعة إلى أن الثمانية ملايين الأكراد الذين يعيشون في إيران باتوا يتوقون فجأة إلى الحصول على حكم ذاتي مثل أكراد العراق. هل ينوون الانضمام إلى بقية القوات الكردية؟ هل هذا التحرك هو جزء من خطة دولية لتشكيل قوة كردية معادية لإيران، أم هي مسألة كردية داخلية؟

يُدير الحزب الكردي الديمقراطي الإيراني (KDPI)، منذ 20 عامًا، نشاطاته من منطقة كردستان العراق. يضم الحزب نحو 2000 مُقاتل، يُقيمون في معسكرات لاجئين ولا يندمجون في مُجتمع أكراد العراق وتتمثل رؤياه بإنشاء منطقة حكم ذاتي. هذا هو أقدم حزب كردي في إيران وتأسس عام 1945. إلى جانبه، والأصح، مُقابله، يعمل “حزب الحياة الحرة الكردستاني”، الذي يُعتبر الذراع العسكري الإيراني لحزب العمال الكردستاني PKK المُعتبر في تُركيا مُنظمة إرهابية. يدعي كلا الحزبين أنهما يُمثلان الأكراد في إيران، ولكن، ليس هناك إثبات يُشير إلى أن أكراد إيران يدعمون أي من الحزبين. وهذا فقط هو الخلاف “البسيط”. الخلاف الأهم فعلاً هو ذاك الخلاف بين الـ KDPI – وبين حكومة إقليم كردستان العراق، الذي يُعارض أعمال العنف لحزب KDPI – ضد النظام الإيراني.

جنود الحرس الثوري في إيران (Facebook)
جنود الحرس الثوري في إيران (Facebook)

بخلاف الرأي السائد الذي يقول إن جميع الأكراد تجمعهم أيديولوجيا واحدة مُشتركة نابعة عن رغبتهم في إقامة دولة كردية مُستقلة – فإن الخلافات السياسية الكبيرة والمصالح الاقتصادية هي التي تُحدد الأمور والاستراتيجية التي تتبعها كل جماعة كردية. أجل، تعمل مثلاً، حكومة إقليم كردستان العراق على تعزيز العلاقات مع تركيا، لكي يتمكن الإقليم من الاستمرار في تسويق النفط إلى تركيا من دون مواجهة مشاكل من خلال ميناء جيهان التركي إلى زبائنه حول العالم. وفي الوقت ذاته، نسجت علاقات قوية مع إيران، ومن المتوقع أن توقع هذا الأسبوع مذكرة تفاهمات حول بناء أنبوب نفط، تتيح لها تسويق 600 ألف برميل نفط يوميًا، عن طريق إيران، إلى الخليج الفارسي وإلى بقية العالم. سيكون أنبوب النفط هذا لبنى أخرى في بناء العلاقات بين إقليم كردستان العراق وبين إيران، الأمر الذي يهدف إلى تقليل تعلقها بتركيا، في حال قررت الأخيرة عدم الموافقة على تسويق النفط من خلالها. قد تتضرر العلاقة بين أكراد العراق وأكراد إيران في حال استمر الحزب الكردي الإيراني في محاربة النظام الإيراني.

وصرّح نائب الأمين العام لحزب KDPI، حسن شرفي، في الأسبوع الماضي أنه: “لا يُمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي من أجل مصالح إقليم كردستان العراق. ليس من المنطقي أبدًا أن يُضحي جزء واحد من كردستان بمصالحه من أجل أجزاء أخرى”.

كرديات ايرانيات يتظاهرن في طهران (AFP)
كرديات ايرانيات يتظاهرن في طهران (AFP)

ولكن، تقف المصلحة الاقتصادية والسياسية الخاصة بإقليم كردستان العراق في صلب تفكير قيادة الإقليم، وحتى أن قيادة الإقليم طالبت مؤخرًا الحزب الكردي الإيراني بالتوقف عن مواجهة الحرس الثوري، خوفًا من أن تجتاح إيران إقليم كردستان العراق لمهاجمة قواعد الحزب الموجودة شمال الإقليم. وكان مصدر مسؤول في حكومة إقليم كردستان العراق قد صرّح لصحيفة “هآرتس”، أنه إذا لم يستجب مقاتلو حزب KDPI لهذا الطلب، “ربما لن يكون هناك خيار آخر غير طردهم من الإقليم. إذا أرادوا أن يخوضوا حروبًا، فليفعلوا ذلك في إيران وليس من خلال منطقتنا”. وأضاف قائلاً إنه “لا يفهم ما الذي أصابهم الآن… وهم يعرفون أساسًا أنه ليست أمامهم فرصة النجاح في مواجهة القوات الإيرانية. إذا أرادوا تذكير العالم أنهم موجودون، هنالك طرق أخرى لفعل ذلك من دون تعريض مصالح الشعب الكردي إلى الخطر”.

شاعت حاليًا، وكما هي العادة، نظريات تقول إن الولايات المتحدة، السعودية، وإسرائيل هي التي تقف وراء المواجهات الكردية الإيرانية، من أجل فرض “كتلة كردية” تُشغل إيران وتُجبرها على سحب قواتها من سوريا. هذه النظرية مُبالغ بها، كون التحدي العسكري الذي يُمكن للحزب الكردي الإيراني أن يُشكله أمام إيران هو واهٍ جدًا. بدأ الحزب في هذا الشهر ربما بإرسال مبعوثين إلى البلدات الكردية في إيران لتجنيد الدعم ولكن، دون تحقيق نجاح كبير حتى الآن. التقدير الأكثر منطقيًّا هو الذي يقول إنه بسبب الأهمية الاستراتيجية التي توليها الولايات المُتحدة الأمريكية للأكراد في سوريا، في إطار الحرب ضد داعش، وعلى خلفية الحرب التي تخوضها تركيا ضد الأكراد، يُريد الحزب الكردي الإيراني أن يضع نفسه كجزء من الكتلة الكردية الموالية للغرب والمعادية لإيران، وأن يحظى ربما بحصة من الدعم المالي الذي تُقدمه الولايات المُتحدة للأكراد في سوريا والعراق.

تم نشر هذا المقال التحليلي لأول مرة في صحيفة هآرتس

اقرأوا المزيد: 695 كلمة
عرض أقل