بشكل مفاجئ، أحد الأمور التي يتم التحدث فيها بأقل قدر في الولايات المتحدة هو الحدث التاريخي غير المسبوق: مرشحة للرئاسة. الأمر ليس خفيا بطبيعة الحال، ولكن لا يتم التحدث عنه بشكل جدي. حدث انفعال كبير عند ترشّح أوباما قبل 8 سنوات. حينها سادت أجواء احتفالية. عشت آنذاك كصحفية، وما زلت أذكر سكان ماريلاند السود. لقد ظهر بريق في عيونهم، وتأثروا. في يوم الاقتراع، تشرين الثاني 2008، كان بالنسبة لهم الحدث الأخير في سلسلة الإنجازات المثيرة.
صحيح أن أوباما لم ينحدر من عائلة عاشت تحت وطأة العبودية، ولكن أصوله الإفريقية شكّلت سببا جيّدا للاحتفال.
إنّ الفرحة العامة لكسر التقاليد الاجتماعية، واستعداد المجتمع المتقدّم لقبول “الآخر” لشغل المنصب الأكبر، أي عندما يكون الآخر شخصا ذا لون بشرة ومظهر مختلف – يغيبان اليوم عن الانتخابات ذات الأجواء العكرة في عام 2016. لا يُفترض أن تكون المرأة مختلفة. وبالتأكيد إنها تُشكّل رمزا وواجهة لنصف السكان، ولا سيما عندما يكون الحديث عن امرأة بيضاء، ولكن الانتخابات فاسدة، مهينة، وفاقدة لتلك “الشرارة” الخاصة التي تجعل الناس فرحين عندما يلاحظون تغييرا اجتماعيا بعيد المدى.
هناك من يقول إنّ الكآبة المضادة لكلينتون، مصدرها في ردود فعل حادة ضدّ رئاسة الشخص الأسود الأول. يعرب آخرون عن أنّ ترشّحها لا يثير إلهاما. أعتقد أن أيا من هذه الأسباب غير دقيق أو على الأقل لا يتطرق إلى المشكلة بجدية.
تضع هيلاري كلينتون، بكل مشاكلها، أمام الناس تحدّيا ليس سهلا. فبعد مرور أقل من مائة عام من منح النساء حق التصويت، والمساواة الذي طالبت به نساء العالم وما زالت تطالب به ربما يكون هذا التحدي هو الثورة السياسية البطيئة، الهادئة والأكثر إملالا مما هو موجود. ليست هناك مشكلة لدى الناس في التصويت لامرأة، على الأقل امرأة مثل كلينتون ولكن الإنجاز حول حقيقة حضورها لا يثير اهتمام أي أحد. لماذا؟
في حين أن المجتمع الأمريكي قد فتح جروحا صعبة حول العنصرية، التمييز، والعنف ضدّ السود، فإنّ قضية مكانة المرأة، وحقيقة أنه حتى أكثر من مائة عام بقليل كانت تُعتبر النساء ممتلكات، عانين من فروقات في الأجور، يعانين (ولا زلن) من تمثيل ضئيل في الهيئات المنتخَبَة – كل هذه الأمور يتم كنسها تحت السجادة.
إنّ الشعب الأمريكي غير مستعد للحديث عن تفضيل تصحيحي للنساء، كحلّ لثورة سياسية متعثرة ولا يفكر بأنّ هناك إنجازا ما في كون هيلاري كلينتون قد نجحت في الصمود والوصول إلى هذه النقطة. إنها في الواقع إنسانة عادية، مجرّد امرأة.
ورغم إحراز التقدّم، فلا تزال النساء في الولايات المتحدة تشكل 20% فقط في الكونغرس، 6 نساء فقط من بين 50 من بين حكام الولايات، ونسبتهنّ كرئيسات بلديات هي أقل من 30%.
لقد تعلم ترامب، الذي بدأت حملته بملاحظات صادمة ضدّ النساء – ووجه إهانات للصحفية ميغين كيلي بخصوص الدم الذي يجري في عروقها والذي ربما يتسبب في كونها عصبية، إهانات لكارلي فيورينا التي ترشّحت ضدّه عندما صرح قائلا: “انظروا كيف تبدو” وهلمّ جرا (النماذج وافرة) – في الشهر الأخير أن يحذر أثناء تصريحاته، وبشكل أساسي لأسباب نفعية. لقد أوضحت له مديرة حملته الجديدة، كيليان كونواي، بآداب أنّه إذا أراد تحقيق المزيد من الداعمين عليه أن يطمح للوصول إلى الناخبات، المتعلّمات. النساء ذوات الطبقة الوسطى. وبناء على ذلك، روّضته، بكل معنى الكلمة، بألا يهين كلينتون وألا يتحدث عن مظهرها. وقد أصبح حذرا حتى في تطرقه إلى صحّتها الجسدية، وذلك منذ اللحظة التي اتضح أنّها مريضة حقا.
ومع ذلك، تفّوه ترامب، قبل عدة أيام، بهذه المقولة ضدّ كلينتون: “لا تحظى بمظهر رئاسي إطلاقا”. ثارت وسائل الإعلام الأمريكية عند سماع هذا التصريح. إن الحديث عن الجندر هو سطحي جدا، ولكن بالتأكيد يجلب المتصفّحين. وقد أوضحت واشنطن بوست، في منشور ترفيهي، ماذا يمكن أن يتطلّب منها ذلك “المظهر الرئاسي”: شعر مستعار، بشرة بيضاء، وزن زائد، وذلك استنادا إلى الرؤساء الـ 44 الذين سبقوها.
ماذا يعني بالنسبة لكلينتون أن يتم إظهارها بمظهر رجولي؟ ربما ستفوز بهذه الطريقة.
هناك أقل من شهرين حتى موعد الانتخابات، ويسود الآن توتر في الأجواء. ولكن شيئا واحدا يمكن فعلا توقعه وذلك استنادا إلى معلومات من الماضي، وهو أنّ النساء ينتخبن أحزاب اليسار أكثر، يتوجهن أكثر نحو الأحزاب الليبرالية. هذا هو الحال منذ عشرات السنين، وذلك رغم أنّهنّ قبل 100 عام مع الحصول على حقّ التصويت كنّ يملنَ إلى اليمين أكثر.
حتى لو فاز ترامب، فإنّ الفجوة الجندرية (أي الفجوة بين نسبة النساء المؤيدات للحزب الديمقراطي مقابل نسبة النساء المؤيدات للحزب الجمهوري) ستظل كبيرة. يعلم ترامب ذلك مسبقا. ورغم أنّ النساء سيصوّتنَ له، إلا أنّ نسبة النساء اللواتي سيؤيّدنَ كلينتون ستكون أكبر بكثير من نسبة المؤيّدات له.