أنتما تعملان كمتحدثين من نوع ما باسم حماس في غزة. حبذا لو كان في إمكاني الكتابة إلى إسماعيل هنية أو إلى محمود الزهار، ولكنهما اختفيا بعض الشيء في الفترة الأخيرة. يا ترى في أي خندق بالضبط يختفيان. كنت أفضل التوجه إلى خالد مشعل ولكن لديه الكفاية من المشاكل حتى بدوني. هو الآن في قطر، يتحرك باستمرار، ليس له بيت، يشتاق إلى أيام سطوع نجمه في دمشق وأيامه في القاهرة والفترة التي كان يعتبر فيها من أوجد حماس، ومن كان له الأمر والنهي، أياماً انقضت ولم تعد بعد. قام مشعل بإلقاء خطاب ما هذا الأسبوع قال فيه إن إسرائيل ستستمر في السير من خراب إلى خراب. الحقيقة أن هذا فيه شيء من الفكاهة.
بقي لي يا مشير وسامي أن أتوجه إليكما. لسنا متعارفين شخصياً ولكنني أشاهدكما أحياناً ولا يمكن وصف ذلك بشكل إيجابي. أولاً، أود أن أفهم لماذا عند ظهوركما علناً مراراَ وتكراراً تحت لقب “جهات رفيعة المستوى لحماس في غزة” تقفان أمام الميكروفون وتصرخان. إذا تكلمتم بهدوء، سيفهمونكم بشكل أفضل لأن الصراخ لا يوحي بالثقة بل ربما بالعكس. إذا أردتما إحداث انطباع فلا مشكلة، أدخلا إلى اليوتيوب وتعلموا من بنيامين نتنياهو الذي يتكلم بصوت عميق وواثق، مع حركات أيدي متزنة وكاريزما. هكذا يمكن الإقناع. ما تفعلونه يثير السخرية على أكثر قدر.
خبروني من أين جلبتم هذه التأتأة؟ أليس لديكم ضمن الشعب الفلسطيني الكبير من يعرف التكلم بالعبرية بشكل مقبول؟ تذكرنا الأغاني التي تهاجمونا فيها بهدف زرع الخذلان والإحباط لدينا إذاعة راديو مصر في عام 1967 عندما أعلن إخوانكم المصريون أن “تل أبيب تشتعل”. الحقيقة هي أن تل أبيب تشتعل فعلاً، إذ أنها إحدى المدن المفعمة بالحياة والنشطة والمدهشة والمرغوبة في العالم، حتى في الأسبوع الحالي.
أخبروني، هل تتمتعون بهذا؟ يهمني أن أحاول معرفة ما يدور في رأس عنصر حماس عادي عندما يرى مدينته تحترق وبيوته تنفجر والحياة تشبه ما سيجري بعدها في الجهنم. قولوا لي، هل كان ذلك يستحق العناء؟
أخبروني، هل تتمتعون بهذا؟ يهمني أن أحاول معرفة ما يدور في رأس عنصر حماس عادي عندما يرى مدينته تحترق وبيوته تنفجر والحياة تشبه ما سيجري بعدها في الجهنم. قولوا لي، هل كان ذلك يستحق العناء؟
دعنا نبدأ لحظة من البداية. في عام 1947 عندما اتخذت الأمم المتحدة قرار تقسيم هذه الأرض وكنا في نفس الوضع تقريباً. كان عددنا آنذاك حوالي 600 ألف من اليهود الحفاة، وكان عددكم أكثر منا بقليل. وقف العالم العربي بأكمله من ورائكم بالإضافة إلى إسناد دولي واسع النطاق وأسلحة وذخائر بلا حدود وخمسة جيوش نظامية بينما وقف من ورائنا ثرى ستة ملايين قتيل وبضعة إرساليات أسلحة من تشيكوسلوفاكيا. اخترنا أن نقول “نعم” لهذا التقسيم بالرغم من أنه حسب اعتقادنا كان مجحفاً في حقنا، أنتم قلتم “كلا”.
وماذا حدث بعد ذلك؟ سبعة حروب وثلاث حملات كبيرة في غزة وانتفاضتين ونصف. أنظروا إلى أنفسكم ومن ثم شاهدونا. نحن إحدى الدول الأكثر تطوراً في العالم، الدولة الوحيدة التي لديها منظومة يمكنها اعتراض الصواريخ أثناء تحليقها خلال أجزاء من الثانية وبنسبة نجاح مذهلة. نطلق أقماراً صناعية إلى الفضاء، ونحن الرائدون في العالم، لأسفكم الشديد، في تصنيع طائرات بدون طيار ونحوز على عدد لا بأس به من جوائز نوبل ولدينا اقتصاداً مزدهراً ومستقراً مع ناتج محلي خام يقترب من الأوروبي. كل ذلك بالرغم من كوننا محاطون بأشخاص من أمثالكم ولدينا أقليتين كبيرتين (المتدينين المتعصبين والعرب) الذين لا يشتركون بشكل كافي في سوق العمل.
جميع هذه الإنجازات معروفة. ما يثير أكثر العجب هو موضوع ما يسمى “مؤشر السعادة”، إذ أنه يتبين حسب الفحوصات العلمية واستطلاعات الرأي العام طوال جميع السنوات أن الإسرائيليين هم في مقدمة العالم في كل ما يتعلق بالسعادة. نعم، بالرغم من أنكم تتوعدونا بألف موت وموت قاسي ومختلف، نحن سعداء. مدى العمر المتوقع لدينا بالرغم من جميع التوتر في الأعصاب والصواريخ والانتفاضات والسجاير هو الثاني في العالم للنساء والخامس/السادس بالنسبة للرجال. تبين لي بعد جميع فحوصاتي وبحثي أن الشيء الوحيد الذي لم نتطور ونتقدم فيه، لا نحن ولا أنتم، وبقينا على نفس المستوى هو كرة القدم.
تعالوا نتكلم لحظة عنكم. عندما خرجت إسرائيل من غزة قبل تسع سنوات، كانت لكم فرصة تاريخية نادرة. كان في إمكانكم استغلالها ومحاولة عمل شيء إيجابي، إعادة بناء مخيمات اللاجئين وتطوير الزراعة والصناعة واستثمار جميع زخم كراهيتكم الحارقة في بناء الشعب الفلسطيني في الإنتاج والتعليم ولكن بدلاً من ذلك اخترتم الاستمرار في جهادكم الأحمق ضد أنفسكم. ذروة إنتاجكم الحالية تقتصر على الصواريخ التي تتمكن من الزحف حتى ساحل هابونيم (أم أن الأمر يتعلق باستيراد المخلفات التي بقيت في سوريا). عافريم عليكم.
في نفس الوقت تستمرون في نشر الأكاذيب وعمل مونتاج بدائي للصور الفظيعة من سوريا وتحاولون إقناع العالم بأنها من غزة. أعزائي، هذا لم يعد فعالاً إذ أن العالم، لأسفكم العميق، بدأ يستيقظ. ينظر العالم الآن إلى ما يجري هنا في هذا المحيط وبدأ يفهم أين أخطأ.
الإسلام المتشدد لا يهددنا نحن فقط، فهو يهدد الآن بريطانيا وفرنسا وألمانيا. في انكلترا يبحثون عن فتاتين بريطانيتين توأمتين عمرهما 16 سنة غادرتا للزواج من جهاديين بريطانيين انظموا إلى داعش. سيعود جميع هؤلاء الجهاديون قريباً إلى بيوتهم في أوروبا وسيفهم الأوروبيون قريباً جداً أن الإسلام المتشدد هو عدو الإنسانية وقسم منهم فهموا ذلك. الجنرال عبد الفتاح السيسي فهم ذلك، والسعوديون فهموا ذلك، والأردنيون فهموا ذلك منذ وقتٍ طويل وحتى الأتراك سيفهمون ذلك في وقتٍ ما. أتعرفون؟ قد تكون هذه الفكرة جنونية ولكن ربما في نهاية الأمر حتى الأمريكان سيفهمون ذلك. وأنتم، بدلاً من أن تحاولوا الخروج من شعور الغضب والتطرف، تستمرون في نفس الطريق وتأملون أنه في النهاية سيرضخ اليهود ويخضعون ويقفزون إلى البحر بمبادرتهم.
أعزائي مشير وسامي، لا أريد أن أظهر كمتبجح وقد تفاخرت بالقدر الكافي أمامكما ولكن لا محالة: لا أمل أن يحدث ذلك، مع احترامي للصبر الإسلامي المشهور، يبدو لي أنه حسب التاريخ، الذي تؤمنون به أنتم أيضاً، نحن أقدم منكم بكثير. حاول الكثيرون إبادتنا قبلكم، وكانوا أقوى منكم بكثير، النازيون مثلاً، ولكننا بقينا رغم ذلك. وحتى إذا ألحقت صواريخكم مرةً ضرراً في تل أبيب، أو حتى في حيفا، أو حتى إذا تمكنت قوة من الكوماندوس الخاص بكم اختراق طوق دفاع الجيش الإسرائيلي وتنفيذ عملية تخريبية لا سمح الله في كيبوتس، هل تعتقدون أننا سنهرب من هنا؟
قولوا لي، ألا توجد قدرة لديكم للتعلّم من التجارب؟ قبل عشر سنوات هاجمتمونا بعشرات ومئات الانتحاريين قاموا بتفجير أنفسهم بيننا وقتلوا أكثر من ألف إسرائيلي. هل هربنا؟ لم نهرب، بالعكس، هذا الحدث الفظيع الذي أثبت إلى أي حد لا موقع لكم بين أمم العالم، جمّعنا ووحّدنا وقوّانا. كانت العملية التخريبية في “الدولفيناريوم” الصمغ الذي ربط دم وأنفس عشرات الآلاف من أبناء القادمين الجدد من روسيا بدمنا وأنفسنا. لقد قطعت إسرائيل شوطاً كبيراً في التقدم منذ تلك الانتفاضة. وأنتما، سامي ومشير، إلى أين تقدمتم؟
هذه المقالة ظهرت في الأصل باللغة العبرية في صحيفة “معريف” 11/07/2014