باراك رافيد

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال القمة في البيت الأبيض (AFP)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال القمة في البيت الأبيض (AFP)

قمة ترامب – عباس: كلما تتغيّر الأمور تظل على حالها

يحاول ترامب دفع عملية السلام قُدمًا مستخدمًا الوسائل ذاتها ومظهرا الحماس ذاته الذي أبداه الرؤساء السابقون. على المستوطِنين وداعميهم أن يعتادوا على فكرة أن المسار السياسي لن يتقدم

كتب الصحفي والأديب الفرنسي، ألفونس كار، في أحد مقالاته عام 1849 “كلما تتغيّر الأمور، تظل كما هي”، – وصف هذا التعبير المؤتمر الصحفي في البيت الأبيض بدقة. أو بصيغة جديدة لأقوال رئيس الحكومة الإسرائيلي سابقا، يتسحاق شمير، عشية مؤتمَر مدريد: ظل البحر دون تغيير، ظل الفلسطينيون والإسرائيليون كما هم، وظل الوسطاء الأمريكيون ذاتهم.

بعد ولاية بيل كلينتون، جورج بوش الابن، وباراك أوباما، فإن الرئيس ترامب هو الرئيس الرابع الذي يحاول التوصل إلى اتفاقية سلام تاريخية بين إسرائيل والفلسطينيين. ترامب هو الرئيس الرابع الذي يطلب من إسرائيل كبح البناء في المستوطنات، يعيّن مبعوثا خاصا من أجل عملية السلام، يلتقي رئيس الحكومة الإسرائيلية والرئيس الفلسطيني، ويطلب منهما استئناف المفاوضات المباشرة بينهما، ويعلن أنه يود أن يكون وسيطا بين الجانبَين.

تشير إدارة ترامب خلال الـ 110 يوما منذ أن بدأ بشغل منصبه إلى أن ترامب لا يجدد شيئا، لا يغيّر قواعد اللعبة، يحاول دفع السلام قدما مستخدما الطرق ذاتها، يستخدم الوسائل ذاتها لا سيّما أنه متحمس مثل سابقيه. تبدو مبادَرة السلام الخاصة بترامب والتي ما زالت بنودها غامضة كجولة أخرى من المفاوضات المباشرة والثنائية بوساطة أمريكية، من أجل التوصل إلى ترتيبات لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. حتى أن الحديث عن مبادَرة السلام الإقليمية يبدو على الأقل في هذه المرحلة كوصف مبالغ به إلى حد معين حول الدعم الخارجي من قبل الدول العربيّة بشأن المفاوضات – وهو ذات الدعم الذي حاول كلينتون، بوش، وأوباما تحقيقه ولكن لم ينجحوا تماما.

سُئل المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبيسر، في البيان الصحفي اليومي، بعد وقت قصير من انتهاء اللقاء بين ترامب والرئيس محمود عباس، لماذا الرئيس الأمريكي متفائل إلى حد بعيد وما الذي تغيّر مقارنة بالمحاولات السابقة والإخفاقات من جهة الرؤساء سابقا. “يختلف هذا الرئيس عن الرؤساء الآخرين”، قال سبيسر بثقة مضيفا “أسلوبه مختلف”.

سبيسر صادق. مقارنة بالرؤساء السابقين، فإن توجه ترامب يختلف قليلا ويبدو مريحا أكثر لليمين الإسرائيلي. فهو يتحدث عن “اتفاقية سلام” بدلا من التحدث عن “دولة فلسطينية”، وعن “كبح” البناء في المستوطنات ولا يتحدث عن “تجميد”، ويتطرق علنا إلى قضايا آثرت الحكومات السابقة التحدث مع الفلسطينيين من خلال لقاءات مُصغّرة، مثل نقل الأموال لعائلات الإرهابيين أو الصراع ضد التحريض. ليس من الضروري أن يكون تغيير الأسلوب هذا سيئا، حتى أن جزءا منه إيجابيا جدا، ولكن المضمون لم يتغيّر. بعد مرور بضعة أشهر من الأحلام والتخيّل حول مجيء المسيح المخلص، على أعضاء لوبي المستوطنين في الحكومة، الكنيست، ووسائل الإعلام أن يعتادوا على أن عملية السلام لن تتقدم في الوقت الراهن.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال القمة في البيت الأبيض (AFP)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال القمة في البيت الأبيض (AFP)

قال سبيسر إن ما تغيير هو الاحترام الذي يبديه كلا الزعيمين تجاه الرئيس الأمريكي. ليس من المؤكد أن الاحترام هو الكلمة الصحيحة. يبدو أن استخدام كلمة الخوف تصف بشكل أدق ما يشعر به كل من بنيامين نتنياهو ومحمود عباس تجاه ترامب. التغيير في هذه المرحلة على الأقل، هو حجم العصا التي يعتقد رئيس الحكومة الإسرائيلية والرئيس الفلسطيني أن الرئيس الأمريكي يحتفظ بها تحت الطاولة في الغرفة البيضاوية. يشعر نتنياهو وعباس بقلق، ويعرف ترامب هذا جيدا. ربما هذا القلق يفتح نافذة فرص لإحداث تغيير وانطلاقة لم يحققهما الرؤساء السابقون.

انتظر ديوان رئيس الحكومة في القدس أمس بفارغ الصبر التحديثات حول اللقاء بين ترامب وعباس. نتنياهو ورجاله ليسوا متأكدين تمامًا ما الذي يريد ترامب القيام به وما هي استراتيجيته حول الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني. حتى أن نتائج زيارة ترامب إلى المنطقة ليست واضحة في القدس بعد. من المتوقع أن يقدّم البيت الأبيض إجابة حتى نهاية الأسبوع.

ولكن يعرف المسؤولون في القدس ورام الله أن الدافع وراء دفع عملية السلام قدما هو ترامب ذاته. سمع مستشارو نتنياهو وعبّاس الذين تحدثوا مع كبار المسؤولين في البيت الأبيض في الأسابيع الماضية الرسالة ذاتها – يولي الرئيس اهتماما كبيرا لهذه القضية. قال ترامب عند انتهاء المؤتمر الصحفي مع عباس إنه سمع طيلة سنوات أن الصفقة الأصعب للتحقيق هي الصفقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. “دعونا نرى إذا في وسعنا إثبات أنهم أخطأوا”، لخص أقواله. إذا كان يرغب ترامب بالقيام بهذا حقا فعليه بلورة استراتيجية واضحة قريبًا جدا.

من موقع صحيفة “هآرتس

اقرأوا المزيد: 610 كلمة
عرض أقل
مظاهرة ضد السلطات في عمان (AFP)
مظاهرة ضد السلطات في عمان (AFP)

سفيرة إسرائيل في عمان: الاستقرار في الأردن يتضعضع

رئيس الأركان الإسرائيلي، أيزنكوت، الذي أطلعته السفيرة عنات شلاين على الأوضاع في الأردن بناء على طلبه، قال في اجتماع مغلق إنه قلق وإن إسرائيل ستدعم الأردن وفق الحاجة

أعربت سفيرة إسرائيل في الأردن، عينات شلاين، عن تشاؤمها حول الوضح في المملكة الأردنية الهاشمية في جلسة إرشاد لها مع رئيس الأركان، غادي أيزنكوت قبل بضعة أشهر. تطرق الزعيمان، من بين أمور أخرى، إلى تأثيرات أزمة اللاجئين السوريين، الذين وجد الكثير منهم لهم ملجأ في الأردن.

قال مسؤول رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن اسمه لصحيفة “هآرتس” إن جلسة الإرشاد أجريت في شهر تشرين الأول بناء على طلب أيزنكوت. وفق أقواله، أراد رئيس الأركان معرفة الأوضاع من وجهة نظر سفيرة إسرائيل في الأردن، الدولة ذات الأهمية الأمنية والاستراتيجية لإسرائيل.

وأضاف المسؤول أنه بعد مرور بضعة أسابيع من ذلك قال أيزنكوت في اجتماع مغلق إنه أصبح قلقا من أقوال السفيرة. حتى أن رئيس الأركان قد أوضح في ذلك الاجتماع أنه كلما دعت الحاجة، ستدعم إسرائيل الدولة الصديقة في الشرق. رفضت وزارة الخارجية التعليق على الأقوال.
هناك منظومة علاقات بين إسرائيل والأردن واسعة، يدور معظمها بعيدا عن وسائل الإعلام، وذلك بناء على اتفاقية سلام بين الدولتين وعلاقات دبلوماسيّة كاملة منذ أكثر من عقدين. يعود السبب الرئيسي لعدم التصريح عن العلاقات بشكل علني إلى الحساسية السياسية الكبيرة المنسوبة للدولتين، بسبب جمود عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

في السنوات الماضية، لا سيّما منذ الحرب الأهلية السورية، وهروب أكثر من مليون لاجئ إلى الأردن، تعمل إسرائيل جاهدة لمساعدة الأردن. قال مسؤول إسرائيلي آخر، طلب أيضا عدم الكشف عن هويته، إن مسؤولين كبار في إسرائيل شجعوا إدارة أوباما وترامب وحكومات أخرى في العالم على منح الأردن مساعدة اقتصادية وأمنية.

في ظل هذه المساعدة، عرفت صحيفة “هآرتس” أن سفيرة إسرائيل في الأردن قد أعربت عن قلقها من التطوّرات وتهاوي الأوضاع في الأردن.
أحد الأسباب الرئيسية لرغبة إسرائيل في مساعدة المملكة الأردنية الهاشمية هو العلاقات الأمنية الوثيقة بين البلدين، ونظرا لحقيقة أن الحدود الشرقية الإسرائيلية هي الأطول، والأكثر هدوءا أيضا، ونظرا لوجود علاقات أمنية بين إسرائيل والأردن. شهد على ذلك العاهل الأردني الملك عبد الله في أحيان كثيرة.

وفق تقارير نُشرت في موقع الأخبار Middle East Eye في آذار في السنة الماضية، التقى الملك الأردني قبل ذلك بعدة أشهر في واشنطن مع مجموعة من أعضاء كونغرس أمريكيين، وأطلعهم على الأوضاع في الشرق الأوسط وعلى العلاقات بين الأردن وإسرائيل. وفق النشر، قال الملك عبد الله لأعضاء الكونغرس إنه التقى مع رئيس الأركان الإسرائيلي، على ما يبدو في عام 2015، وإن أيزنكوت أوصى له بإقامة منظومة تنسيق مع الجيش الروسي، كما أقامت إسرائيل. الهدف من ذلك هو منع مواجهات غير مرغوب فيها مع وسائل طيران تابعة لسلاح الجو الروسي تنشط في سوريا.

اقتُبِست أقوال الملك عبد الله في التقرير كما ذكر آنفا في حديثه مع أعضاء الكونغرس حول التعاون العملياتي الوثيق بين سلاح الجو الأردنيّ والإسرائيلي. وفق النشر، وصف الملك أمام أعضاء الكونغرس حادثة حدثت على مقربة من المثلث الحدودي سوريا- الأردن- إسرائيل، تعرضت فيها طائرات روسية لطائرات إسرائيلية وأردنية من نوع ‏F–16 كانت تعمل في عملية مشتركة.

في أيلول 2015، ورد تقرير في موقع الطيران Foxtrot Alpha أن طائرات حربية إسرائيلية وأردنية، شاركت في تدريبات عسكرية في الولايات المتحدة، وتدربت في طريقها على تعبئة وقود في الجو. وفق التقارير، زوّدت طائرات وقود إسرائيلية وقودا لطائرات حربية أردنيّة. في تموز 2015، أبلغت وكالة الأنباء رويترز أن إسرائيل نقلت إلى الأردن 16 طائرات حربية من نوع كوبرا، مصنعة في الولايات المتحدة، من صفوف سلاح الجو. نُقلت الطائرات لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

جاء على لسان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إن “جلسات إرشاد رئيس الأركان تُجرى دوريا وتتطرق إلى مواضيع التنسيق الأمني فقط، بهدف ضمان الحفاظ على حدود دولة إسرائيل وأمنها”.

نُشِر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”.

اقرأوا المزيد: 546 كلمة
عرض أقل
نتنياهو ومستشاروه في واشنطن (Avi Ohayon GPO)
نتنياهو ومستشاروه في واشنطن (Avi Ohayon GPO)

الأزمة الداخلية الحادة في البيت الأبيض قد تؤثر في لقاء نتنياهو وترامب

مستشار الأمن القومي، مايكل فلين الذي استقال هذه الليلة كان مسؤولا مركزيا عن الاستعدادات للقاء بين رئيس الحكومة الإسرائيلي والرئيس الأمريكي، ومن المتوقع أن يقضي ترامب اليوم القريب في محاولة إيجاد مستشار ثابت خلفا له

هبط رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد منتصف الليل، في واشنطن، استعدادا للقائه مع الرئيس دونالد ترامب غدًا (الأربعاء). ولكن قد تؤثر في اللقاء بين الزعيمين أزمة داخلية غير مسبوقة في البيت الأبيض، انفجرت اليوم صباحا في أعقاب استقالة مستشار الأمن القومي في حكومة ترامب، الجنرال مايكل فلين.

استقال فلين على خلفية علاقاته مع حكومة روسيا والمحادثات التي سادت بينه وبين السفير الروسي في واشنطن، سيرغي كيسلياك، في المرحلة الانتقالية بين فوز ترامب في الانتخابات وبين مراسم أداء القسم. فحص فلين في تلك المحادثات إمكانية أن يأمر ترامب بإلغاء العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا. أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وجهات أخرى في الاستخبارات الأمريكية تحقيقا حول الاتصالات بين فلين والروس. أدى الكشف عن حقيقة أن فلين قدم معلومات غير صحيحة إلى نائب الرئيس، مايك بينس بشأن اتصالاته مع السفير الروسي إلى استقالة فلين.

كان فلين مسؤولا مركزيا في التحضيرات للقاء بين نتنياهو وترامب. التقى رئيس الموساد، يوسي كوهين، والقائم بأعمال مستشار الأمن القومي، يعقوب ناغل، مرتين مع فلين منذ فوز ترامب في الانتخابات. جرت جولة المحادثات الأولى في كانون الأول 2016، والثانية في منتصف كانون الثاني 2107، قبل عدة أيام من مراسم تنصيب ترامب رئيسا. تطرق كوهين وناغل في جولتي المحادثات مع فلين إلى سلسلة من القضايا الأمنية والاستراتيجية السياسية، موضحَين تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية في قضايا مثل القضية النووية الإيرانية، الحرب الأهلية السورية، والقضية الفلسطينية. جرت يومي الجمعة والإثنين (أمس) جولة محادثات ثالثة بين ناغل وبين فلين لإنهاء الاستعدادات للقاء نتنياهو وترامب.

ليس معروفا حاليا كيف ستؤثر استقالة فلين في اللقاء بين نتنياهو وترامب، إلا أنه نظرا للدور المركزي الذي أداه فلين في التحضيرات للقمة بين الزعيمين يمكن أن نقدّر أنها ستؤثر إلى حد ما. إضافةً إلى ذلك، تعرض البيت الأبيض لورطة حادة أكثر بعد استقالة فلين. في الوقت الراهن، عين الرئيس ترامب الجنرال كيث كيلوج قائما بأعمال مستشار الأمن القومي ومن المتوقع أن يستثمر وقته في اليوم القريب في محاولة إيجاد مستشار ثابت بسرعة. أحد المرشحين الرائدين للمنصب هو رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (‏CIA‏) سابقا، ديفيد بتريوس. من المتوقع أن يلتقي بتريوس ترامب خلال اليوم.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”.

اقرأوا المزيد: 331 كلمة
عرض أقل
خطاب جون كيري (AFP)
خطاب جون كيري (AFP)

كيري ألقى خطابا مؤيدا لإسرائيل ولكن خطة السلام التي طرحها تأخرت بـ3 سنوات

المخطط الذي رسمه وزير الخارجية الأمريكي ربما كان سينجح في دفع التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين قدُما، لو كان موضوعا على الطاولة في آذار 2014 فقط. ردود فعل نتنياهو وعباس على الخطاب توضح لماذا لم تنجح جهوده في تحقيق السلام

اختار وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، تخصيص جزء رئيسي من خطابه لعلاقته الخاصة بإسرائيل منذ زيارته الأولى لها كعضو مجلس شيوخ شاب، قبل 30 عاما. لقد تحدث كيف تسلّق إلى موقع متسادا، سبح في البحر الميت، انتقل من مدينة توراتية إلى أخرى، ورأى فظائع الهولوكوست في “ياد فاشيم”، بل طيّر طائرة تابعة لسلاح الجو فوق إسرائيل ليفهم احتياجاتها الأمنية.

ليس هناك الكثير من السياسيين الأمريكيين الذين يعرفون إسرائيل مثل جون كيري. لم يتعمق أي سياسي أمريكي في منصبه في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ولم يستثمر جهودا لحلّه أكثر منه. كانت الأمور واضحة جدا في خطابه. أحسن وزير الخارجية الأمريكي في تحليل الأوضاع التي تمر فيها عملية السلام في هذه الأيام. وهي عدم الثقة العميق بين الجانبين. اليأس، الغضب والإحباط في الجانب الفلسطيني إلى جانب الخوف، الانغلاق واللامبالاة في الجانب الإسرائيلي.

كان خطاب كيري خطابا صهيونيا ومؤيّدا لإسرائيل بشكل ممتاز. على كل من يؤيد حقّا حلّ الدولتين والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية وديمقراطية أن يرحّب بكلامه ويؤيّده. هذا حدث ثنائي. ليس هناك ما هو في الوسط. ليس صدفة، كان هناك من سارع وهاجم كيري حتى قبل أن يبدأ خطابه وبقوة وهم رئيس حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، وزعماء لوبي المستوطنين. أشار كيري بنفسه في خطابه إلى أنّ هذه هي الأقلية التي تقود اليوم الحكومة الإسرائيلية والغالبية اللامبالية في طريق حلّ الدولة الواحدة.

ربما تصرّف وزير الخارجية الأمريكي أكثر من مرة بشكل أحمق، وسواسي، وحتى بالقليل من المسيحانية في السنوات الأربع الأخيرة، ولكنه فعل ذلك بنية طيبة وعادلة. لقد حاول بكل قواه إنهاء الصراع الذي يدور منذ 100 عام لضمان مستقبل إسرائيل، الحليف الأكبر لأمريكا، وإنهاء معاناة الفلسطينيين. لسوء حظّه، لم يرغب شريكاه في هذه المهمة – رئيس المهمة بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس – ببساطة بذلك مثله. في السنوات الأربع الأخيرة كان عباس ونتنياهو صورة طبق الأصل من بعضهما. لقد ركّزا على الحفاظ على الوضع الراهن، تحصّنا بمواقفهما ولم يكونا مستعدين للمخاطرة بحد أدنى أو التحرّك قليلا من أجل المحاولة وتحقيق انفراجة.‎

كان خطاب كيري طويلة ومفصّلا، رغم أنّ أساسه كان مخطط السلام الذي عرضه. لم يهدف المخطط إلى أن يكون حلّا قهريا، ولكن إلى عرض المبادئ الأساسية التي على ضوئها ستجري كل المفاوضات المستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين. استند المخطط إلى وثيقة الإطار التي أنهى كيري صياغتها في آذار 2014، بعد عدة أشهر من المحادثات بين الجانبين.

عندما نقرأ كلام كيري ندرك فورا أنّه وافق على جزء كبير من المطالبات الإسرائيلية، وعلى رأسها المطالبة بأن يتضمّن كل اتفاق سلام مستقبلي اعترافا فلسطينيا بإسرائيل كدولة يهودية. قرر كيري أيضا أنّ حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يكون عادلا وواقعيا، بحيث لا يؤثر في طابع دولة إسرائيل. وأوضح أنّ كل رسم للحدود المستقبلية سيستند إلى إبقاء البؤر الاستيطانية الكبرى في أيدي إسرائيل، وأنّ يشكّل الاتفاق الدائم نهاية للصراع والمطالبات الفلسطينية من إسرائيل مؤكدا على الترتيبات الأمنية باعتبارها مكوّنا رئيسيا في كل اتفاق.

في المقابل، تضمن مخطط كيري سلسلة من التنازلات التي سيُطلب من إسرائيل القيام بها، وعلى رأسها الاعتراف بأنّ تكون القدس عاصمة كلا الدولتين. أوضح كيري أيضا أنّ رسم حدود الدولة الفلسطينية يجب أن يكون على أساس حدود 1967 مع تبادل متفق عليه بين الأراضي وأن تكون مساحتها شبيهة، وأنّه يجب الاعتراف بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين.

تكمن المشكلة الأساسية في المخطط الذي عرضه كيري في أنّه عرضه متأخر جدا. يعلم وزير الخارجية الأمريكي أنه أخطأ عندما لم يضع وثيقة الإطار منذ العام 2014، مع المبادئ ذاتها تماما. يعترف كبار مستشاريه أنّه إذا كان بالإمكان إعادة عجلة الزمن إلى الوراء بـ 33 شهرا، كان سيعرض مخططه للسلام على الإسرائيليين والفلسطينيين وسيدعوهم إلى التفاوض على أساسه. كانت ستُلزم عملية تعرض إمكانيتي “القبول أو الرفض” الجانبين باتخاذ قرارات استراتيجية وسترسي مخطط كيري قبيل كل مفاوضات مستقبلية. إن عرضه أمس، قبل دخول دونالد ترامب بثلاثة أسابيع إلى البيت الأبيض، سيبقى رمزيا فقط.

كما فعل في عدد غير قليل من الحالات في الماضي، لم يتردد رئيس الحكومة، نتنياهو أبدا في الاستماع إلى أقوال كيري أو الإشارة إلى صلب الموضوع. فعلّق مهاجما ومنتقدا كيري بشكل شخصي وحادّ. هناك من سيقول إنّ عمق أقواله كعمق التحقيق. كان انتقاد نتنياهو متخللا بنسبة غير قليلة من النفاق والسخرية: المبادئ التي عرضها كيري في خطابه هي المبادئ ذاتها التي وافق عليها نتنياهو في آذار 2014. كانت لدى رئيس الحكومة حينذاك تحفّظات، تعمّد إسماعها علنيا، ولكنه في الواقع وافق على التفاوض على أساس المخطط ذاته بالضبط، بل حتى اليوم فهو يرفض الاعتراف بذلك.

علّق التوأم السياسي لنتنياهو، عباس، بما لا يقلّ نفاقا. عندما عرض عليه أوباما المخطط عام 2014، أكد عباس أنّه سيفكّر في ذلك ويعرب عن رأيه. ولكن ما زال أوباما ينتظر ذلك. حتى بعد خطاب كيري رفض عباس القول إذا ما كان يقبل المخطط أم لا.

الرئيس القادم للولايات المتحدة، دونالد ترامب، الذي تماشى مع قرار مجلس الأمن في موضوع المستوطنات واكتفى حينذاك بتغريدة صغيرة فقط، لم ينجح في كبح جماح نفسه إزاء خطاب كيري. قبل وقت قليل من أن يبدأ وزير الخارجية الأمريكي بالحديث، غرد ثلاث تغريدات موضحا فيها عن مدى عدم رضاه. كرر ترامب التصريح في الأشهر الأخيرة حول أنّ أحد أهدافه هو تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وقد أوضح بأنه يرغب في إغلاق “كل الصفقات الهامة” وإنهاء “الحرب التي لا تنتهي” بين الجانبين، بل وعيّن محاميه والمقرب منه جايسون غرينبالت مبعوثا خاصا لعملية السلام. سيكشف ترامب وغرينبالت قريبا إذا كانا يرغبان في تحقيق تلك الصفقة التاريخية، ولكن كما يبدو أنها ستكون مشابهة بشكل مذهل لتلك التي رسمها كيري في خطابه.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس

اقرأوا المزيد: 848 كلمة
عرض أقل
الجنود الاسرائيليين خلال عملية الجرف الصامد (Moshe Shai / Flash90)
الجنود الاسرائيليين خلال عملية الجرف الصامد (Moshe Shai / Flash90)

التقرير الإسرائيلي حول عملية “الجرف الصامد”: النفخ في قربة مقطوعة

فعالية تقرير وزارة الخارجية الذي نُشر أمس مشكوك فيها. إذا اتخذت إسرائيل مبادرة لإعادة إعمار غزة أو تعاونت مع لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، والتي من المتوقع أن تنشر التقرير اليوم، لكانت النتيجة أفضل

تم بذل مئات الساعات من عمل المحامين، الدبلوماسيين والضباط في 270 صفحة من التقرير الإسرائيلي حول عملية “الجرف الصامد” في قطاع غزة.

كانت النتيجة وثيقة شاملة، مفصلة، معلّلة ومصاغة بمبررات منطقية. إنه حلم كل محام. ورغم ذلك، فإن فعالية التقرير مشكوك فيها. ليس مبالغًا القول إنّ تأثيره على مكانة إسرائيل الدولية، وضعها القانوني والصورة العامة لها سيكون أكثر بقليل من إجراء النفخ في قربة مقطوعة.

رغم العمل الجاد الذي تم بذله في كتابة التقرير فلم يُوفر معلومات جديدة

تم نشر التقرير الإسرائيلي أمس (الأحد) من أجل الاستعداد للتقرير التابع للجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بخصوص الحرب في غزة والذي قد يُنشر اليوم. كان أحد الأهداف الرئيسية هو محاولة التأثير على طبيعة التغطية وعلى الرواية التي سيتم سردها في وسائل الإعلام الدولية في الأيام القريبة. ومن المشكوك فيه إذا كان سيتم تحقيق هذا الهدف.

البروفسور ويليام شاباس (Facebook)
البروفسور ويليام شاباس (Facebook)

كان في المؤتمر الصحفي في وزارة الخارجية والذي عُرض فيه ملخّص التقرير أمس حضور قليل جدا للصحفيين الإسرائيليين والأجانب. رغم العمل الجاد الذي تم بذله في كتابة التقرير فلم يُوفر معلومات جديدة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المحامين الثلاثة الذين تم اختيارهم ليكونوا “مقدّمي” التقرير وجدوا صعوبة في إثارة الاهتمام أو تغليف الوثيقة بعناوين ساحقة تكون رائدة في التغطية الإعلامية.

رغم أن التقرير كان جدّيا، فهو في نهاية المطاف ليس أكثر من ورقة دعاية مبذول فيها جهدا وطويلة بشكل خاص من قبل الحكومة الإسرائيلية

رغم أن التقرير كان جدّيا، فهو في نهاية المطاف ليس أكثر من ورقة دعاية مبذول فيها جهدا وطويلة بشكل خاص من قبل الحكومة الإسرائيلية. هكذا سيتم النظر إليه أيضًا من قبل القليلين الذين سيقرأونه من أوله حتى نهايته أو من قبل القليلين الذين سيقرأون الملخّص مع أهم الاستنتاجات. في العالم الذي نعيش فيه وفي عام 2015، وخصوصا في الدول الغربية، لم يعد ذلك كافيا.

إذا أرادت دولة إسرائيل الإقناع بعدالة القرارات التي اتخذتها والعمليات التي قامت بها في الصيف الماضي، كان عليها أن تُقيم لجنة تحقيق مستقلة وغير مرتبطة بها تشارك فيها أيضًا جهات دولية. هذا هو تماما ما جرى في لجنة تيركل التي حقّقت في أحداث أسطول الحرية التركي لغزة. كان للتقرير الذي أعدته لجنة تيركل دورًا حاسمًا في قرار لجنة التحقيق التابعة للأمين العام للأمم المتحدة حيث لم تنتهك إسرائيل القانون الدولي عندما سيطرت على سفينة “مرمرة”.

أحد الأسباب الرئيسية لكون التقرير ليس أكثر من ممارسة أكاديمية يكمن في حقيقة أنّ إسرائيل قد قررت مقاطعة لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. كان جزء كبير من قرار عدم التعاون مع اللجنة عاطفيا ولكن كانت خلفية منطقية للجزء الآخر. فبعد كل شيء كان لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحيّز واضح ضدّ إسرائيل وتم وضع القانوني المعادي لإسرائيل، وليام شاباس، على رأس اللجنة.

بنيامين نتنياهو (Ohad Zwigenberg/POOL)
بنيامين نتنياهو (Ohad Zwigenberg/POOL)

ومع ذلك، أصبح قرار مقاطعة لجنة التحقيق أقل منطقية ومعقولية بعد أن استقال شاباس بشكل مخز بسبب التعارض الصارخ في المصالح، وتم تغييره بالقانونية الأمريكية ماري مكجوان ديفيس.‎ ‎وقد أصدرت الأخيرة، التي لديها مواقف معتدلة تجاه إسرائيل، قبل عدة سنوات تقريرا قررت فيه أنّ التحقيقات التي أجراها الجيش الإسرائيلي في أعقاب عملية “الرصاص المصبوب” قد استمرت لوقت طويل جدا، ولكنها جرت بشكل مناسب مع استثمار الكثير من الموارد من قبل إسرائيل.

إذا كانت إسرائيل قد قررت التراجع، والتعاون مع ماري مكجوان ديفيس حول أحداث عملية “الجرف الصامد” وعرض نتائج التقرير عليها، فهناك احتمال كبير أن يؤدي هذا الأمر إلى نتائج أفضل. إن حقيقة أن ذلك لم يحدث يثير الشكوك أنّ الحكومة الإسرائيلية قد قاطعت اللجنة فقط لكي تستطيع الادعاء في نهاية المطاف بأنّ الحديث عن زمرة من المعادين للسامية وأنّ العالم كله ضدّنا.

ولكن المشكلة الأصعب للتقرير الإسرائيلي الذي تم عرضه أمس هو أنّه يعاني من نفس المشكلة التي تعاني منها سياسة الحكومة الإسرائيلية منذ أن دخل بنيامين نتنياهو إلى ديوان رئيس الحكومة عام 2009. يبدو أنّ نتنياهو ورجاله في السنوات الست الأخيرة يحاولون حلّ كل مشكلة سياسية تواجهها إسرائيل من خلال إيجاد الحجة المفبركة والناجحة التي ستقنع العالم كله أنّ إسرائيل صادقة. ولكن الطريق لتجنيد دعم العالم يكون أقوى بالأفعال مقارنة بالأقوال. إنّ مبادرة سياسية إسرائيلية لإعادة إعمار غزة مع المجتمع الدولي كانت ستعمل بشكل أفضل من أي تقرير.‎ ‎

نُشر هذا المقال على “صحيفة “هآرتس‎”‎

اقرأوا المزيد: 641 كلمة
عرض أقل
الجيش السوري الحر(فيس بوك)
الجيش السوري الحر(فيس بوك)

كشف تفاصيل جديدة عن التعاون بين إسرائيل والمعارضة السورية

عشرات اللقاءات ما بين الثوار المسلحين والجنود الإسرائيليين، إدخال جرحى لإسرائيل ونقل "صناديق غامضة إلى سوريا": هكذا تبدو الحياة اليومية في هضبة الجولان من خلال منظار نشطاء الأمم المتحدة

تكشف تقارير مراقبي الأمم المتحدة في هضبة الجولان في السنة والنصف الأخيرة عن نمط ونطاق التعاون بين إسرائيل وتنظيمات المعارضة السورية. ذُكر في التقارير، التي قُدمت للاطلاع عليها إلى 15 الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتظهر في موقع الإنترنت للأمم المتحدة، تفاصيل عن اللقاءات التي تجري على الحدود بين ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي ومسلحين من المعارضة السورية.

أقيمت قوات الأمم المتحدة المراقبة في هضبة الجولان، الأندوف، في عام 1974 كجزء من اتفاقيات فصل القوات بين إسرائيل وسوريا.‎ ‎حدد الاتفاق منطقة عازلة على طول عدة كيلومترات في الجانب السوري لخط وقف إطلاق النار، الذي انتشر فيه جنود الأمم المتحدة ويمنع على السوريين وضع قوات عسكرية  فيه. حتى 2013، مر ما يُقارب ألف مراقب جيئة وذهابا بين الجيش الإسرائيلي والجيش السوري على طول “الخط البنفسجي” في الجولان وراقبوا تطبيق اتفاقية فصل القوات.

لكن التصعيد في الحرب الأهلية السورية قد غيّر نمط نشاط المراقبين في السنتَين الماضيتَين. كادت المعارك في منطقة هضبة الجولان السورية، السيطرة على منطقة الحدود لتنظيمات المعارضة السورية- وفيها أيضا أولئك المؤيدون للقاعدة، مثل جبهة النصرة- ومهاجمة أعضاء الأمم المتحدة أن تشل قدرات قوات المراقبة على العمل.‎ ‎

موقف قوة لحفظ السلام على الحدود (JACK GUEZ / AFP)
موقف قوة لحفظ السلام على الحدود (JACK GUEZ / AFP)

في آذار 2013 قررت حكومة كرواتيا إخراج جنودها من ضمن القوات وفي شهر حزيران أعادت النمسا جنودها، الذين كانوا عاملا مركزيا في القوات المقاتلة والمسلحة للأندوف. في أعقاب الجهود  الدبلوماسية للأمين العام، بدعم من إسرائيل، وافقت عدة دول مثل إيرلندا، فيجي والهند على إرسال جنود كي يمكّنوا القوات من الاستمرار والعمل. مع ذلك، فإن تصاعد الهجمات على أعضاء الأمم المتحدة في الأشهر الأخيرة  جعل القوات تغادر قسما كبيرا من مواقعها على طول الجبهة، ونقلت مركزها إلى الجانب الإسرائيلي.

رغم الظروف الصعبة والتهديدات الأمنية، استمر مراقبو الأمم المتحدة طوال المدة في بث التقارير إلى المقر في نيويورك عما يحدث على طول الحدود بين إسرائيل وسوريا. مرة كل أشهر ثلاثة، ضُمت هذه التقارير إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي سُلم إلى 15 الدول الأعضاء في مجلس الأمن.

حتى منتصف 2013، كانت تقارير الأمم المتحدة عن الوضع في هضبة الجولان مملة نسبيا. ذكرت التقارير الطويلة والتقنية بإسهاب عن الأحداث الواحدة تلو الأخرى على طول الحدود ومحاولات مراقبي الأمم المتحدة منع انزلاق الحرب الأهلية إلى مواجهة عسكرية بين إسرائيل وسوريا. إلا أن شيئا ما تغير حينئذ، وجعل تقارير الأمم المتحدة تصبح ذات أهمية أكبر.

في آذار 2013، بدأت إسرائيل باستيعاب جرحى سوريين للعلاج الطبي في أراضيها. أقام الجيش على مقربة من الحدود مشفى ميدانيا في هضبة الجولان، بل ونقل جرحى سوريين للعلاج الطبي في مستشفيات ميدانية في صفد ونهريا. في نفس الشهر، أرسل مندوب سوريا في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، عدة شكاوى للأمين العام، بان كي مون، مدعيا أن في المنطقة العازلة التي يعمل فيها مراقبو الأمم المتحدة، هناك تعاونا واسع النطاق بين إسرائيل والثوار. شكا السفير السوري عن نقل الثوار الجرحى إلى الجانب الإسرائيلي والعودة منه، وكذلك عن الدعم الإسرائيلي الإضافي الذي تمنحه للمعارضة.

فتاة اسرائيلية تتفرج على القنيطرة (Flash90)
فتاة اسرائيلية تتفرج على القنيطرة (Flash90)

ادعت إسرائيل بداية أن الجرحى المعالجين هم مواطنون يصلون إلى الجدار الحدوديّ بمبادرة منهم ودون تنسيق مسبق، لأنه لا يمكنهم الحصول على علاج طبي يلائمهم في الجانب السوري.  بعد ذلك، حين ازداد نقل الجرحى السوريين للعلاج في إسرائيل، ادعى الجيش الإسرائيلي أن عملية نقل واستيعاب الجرحى يتم بالتنسيق مع مواطنين سوريين وليس مع تنظيمات المعارضة المختلفة. لكن تقارير مراقبي الأمم المتحدة في السنة الأخيرة تُظهر أن اتصالا مباشرا يجري بين الجيش الإسرائيلي ومسلحين من تنظيمات المعارضة في سوريا.

ذكر المراقبون أنهم لاحظوا نقل جرحى مسلحين من المعارضة السورية إلى الجانب الإسرائيلي وتسليمهم إلى الجنود الإسرائيليين

في التقرير الذي نُشر بين أعضاء مجلس الأمن للأمم المتحدة في 3 من كانون الأول 2013، ذكر المراقبون حدثا وقع قبل ذلك بشهر ونصف. “في 15 أيلول جُرح شخص في انفجار في القسم الجنوبي من منطقة نشاط الأندوف، في داخل خط برافو (في الجانب السوري للحدود)”، ذُكر ذلك في التقرير. “نقله مسلحون من المعارضة السورية ما بعد خط وقف إطلاق النار، ومن هناك إلى سيارة إسعاف مدنية رافقتها مركبة عسكرية إسرائيلية”. ذكر المراقبون أنهم لاحظوا بين تاريخ  9 حتى 19 تشرين الثاني، تم نقل عشرة جرحى مسلحين من المعارضة السورية،  على الأقل، إلى الجانب الإسرائيلي وتسليمهم إلى الجنود الإسرائيليين.

في آذار 2014، ذكر مراقبو الأمم المتحدة أن اللقاء بين الجنود الإسرائيليين ومسلحي المعارضة السورية يجري قريبا من نقطة مراقبة رقم 85 للأمم المتحدة. حسب الموقع الرسمي للأندوف، فهي نقطة تقع جنوب هضبة الجولان- نحو كيلومترين شمال شرق كيبوتس رمات مجشيميم.

قوات حفظ السلام في مرتفعات الجولان (AFP)
قوات حفظ السلام في مرتفعات الجولان (AFP)

في حالات كثيرة لاحظت الأندوف مسلحي معارضة ينقلون جرحى من الجانب السوري إلى ما بعد خط وقف إطلاق النار

“خلال الفترة التي نتحدث عنها (كانون الأول 2013 حتى آذار 2014)، شاهدت الأندوف عدة حالات قام فيها مسلحون سوريون بالتواصل مع قوات عسكرية إسرائيلية ما بعد خط وقف إطلاق النار، قريبا من نقطة مراقبة 85″، هذا ما كُتب في التقرير. “في حالات كثيرة، خاصة في فترة المعارك الضارية بين الجيش السوري ومسلحي المعارضة، لاحظت الأندوف مسلحي معارضة ينقلون جرحى من جانب برافو  (الجانب السوري) إلى ما بعد خط وقف إطلاق النار على مقربة من قوات الجيش الإسرائيلي. في تاريخ 17 كانون الثاني 2014، لاحظت الأندوف أن قوات إسرائيلية في جانب خط ألفا (الجانب الإسرائيلي) تنقل ثلاثة أشخاص إلى مسلحي معارضة سورية وصلوا من جانب خط “برافو”.

في التقرير الذي نُشر بين دول مجلس الأمن للأمم المتحدة في 10 من حزيران 2014، ذُكر أن أعضاء الأندوف لاحظوا “في أوقات متقاربة اتصالات ما بين مسلحي معارضة سوريّة وجنود الجيش الإسرائيلي على طول الحدود، على مقربة من نقطة مراقبة 85 في جنوب هضبة الجولان. حسب التقرير، منذ مارس 2014، وحتى نهاية أيار أجري في هذه المنطقة 59 لقاء بين ثوار مسلحين وجنود إسرائيليين، نقل خلالها 89 جريحا سوريا إلى الجانب الإسرائيلي وأعيد 19 شخصا وجثتين إلى الجانب السوري.

في تقرير آخر، من 12 أيلول 2014، ذُكر أنه منذ بدء تموز وحتى نهاية آب، أجريت سلسلة من اللقاءات بين مسلحين من المعارضة السورية وجنود إسرائيليين قريبا من نقطة المراقبة 85، عندها نُقل 47 جريحا إلى الجانب الإسرائيلي وتمت إعادة 43 سوريا إلى سوريا قد تمت معالجتهم في إسرائيل.

في 28 من آب، في أعقاب التدهور الأمني، أخلى مراقبو الأمم المتحدة نقطة المراقبة 85، وهي خطوة شوشت قدراتهم على متابعة الاتصالات بين جنود الجيش الإسرائيلي ورجال المعارضة. “منذ أن أخليت النقطة، لاحظت الأندوف لقاءات بين مسلحين من المعارضة السورية وقوات الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة”، هذا ما ذُكر في تقرير من 1 كانون الأول 2014.

يجدر بالذكر أن التعاون بين الجيش الإسرائيلي والثوار السوريين  لا يشمل فقط نقلا للجرحى من جانب إلى آخر

يجدر بالذكر أن التعاون بين الجيش الإسرائيلي والثوار السوريين الذي كُشف عنه في تقارير مراقبي الأمم المتحدة لا يشمل فقط نقلا للجرحى من جانب إلى آخر. في التقرير الذي نُشر في 10 حزيران، ذكر مراقبو الأمم المتحدة أنهم لاحظوا أن جنود الجيش الإسرائيلي يسلمون المعارضة السورية صندوقين.

الجولان السوري تحت قصف مستمر (AFP)
الجولان السوري تحت قصف مستمر (AFP)

في التقرير الأخير الذي نُشر بين أعضاء مجلس الأمن في الأول من كانون الأول تم وصف لقاء آخر مثير للانتباه بين جنود الجيش الإسرائيلي والمعارضة السورية، الذي شاهده مراقبو الأمم المتحدة، والذي جرى في 27 تشرين الأول قريبا من نقطة المراقبة 80، على بعد ثلاث كيلومترات شرق بلدة يونتان الإسرائيلية.  “لاحظ مراقبو الأندوف جنديين إسرائيليين في الجانب الشرقي من الجدار الحدوديّ يفتحان البوابة ويسمحان لرجلين آخرين بالمرور من الجانب السوري إلى الإسرائيلي”، ذُكر ذلك في التقرير. على العكس من باقي التقارير السابقة، لم يُذكر أن هذين الرجلين جريحان، ولم يتضح لماذا اجتازا  إلى الجانب الإسرائيلي.

هذا الحدث المذكور مثير للاهتمام على ضوء ما يجري في الجانب السوري من الحدود في نفس المنطقة بالذات. كُتب في تقرير مراقبي الأمم المتحدة أنه على بعد 300 متر من نقطة المراقبة 80، أقيم معسكر خيام وتعيش فيه سبعون عائلة من اللاجئين السوريين. في نهاية أيلول، أرسل الجيش السوري رسالة شكوى لضابط الأندوف ادعى فيه أن المخيم هو “قاعدة لإرهابيين مسلحين”، يقطعون الحدود إلى الجانب الإسرائيلي. بل وهدد أنه في حال لم يخل مراقبو الأمم المتحدة هذا المخيّم، فسيرى به الجيش السوري هدفا مشروعا.

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في صحيفة هآرتس

اقرأوا المزيد: 1225 كلمة
عرض أقل
الشيخ رائد صلاح (FLah90/Yossi Zamir)
الشيخ رائد صلاح (FLah90/Yossi Zamir)

بسبب معارضة الشاباك: الحركة الإسلامية لن تخرج خارج القانون

مع أن رئيس الحكومة طلب الإعلان عن الجناح الشمالي للحركة الإسلامية برئاسة رائد صلاح كحركة غير مسموح بها، إلا أن الشاباك أوضح أنه ليست هناك دلائل تربطها بالإرهاب أو تمويله

يُعارض الشاباك إخراج الجناح الشمالي للحركة الإسلامية عن القانون، بحسب طلب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو- هكذا جاء في “هآرتس”. لقد تم إبلاغ رأي الشاباك في جلسات داخلية بحثت في طرق العمل ضد التنظيم وضد رئيسه، الشيخ رائد صلاح. وتم تجميد العمل بسبب اعتراض الشاباك.

موقف الشاباك، كما تم عرضه في جلستين حتى الآن، يحدد أنه ليست هناك معلومات استخباراتية تدل على علاقة الحركة الإسلامية بعمليات قاسية، أو نقل أموال لمنظومات أخرى والتي تنفذ أو تموّل أعمال الإرهاب.  أضافوا في الشاباك أن رجال الحركة يتلقون استشارات قانونية وهم حذرون من عبور الخط الرفيع بين يُسمح أو يُحظر به قانونيا.

العمل الجماعي لم ينتهي بعد، وفي الشاباك والشرطة يبحثون أسباب قانونية للعمل ضد الحركة. أحد الطرق التي فُحصت هي فحص طرق تمويل الحركة، وذلك بمحاولة لربطها بحركات حماس في الخارج.

لقد تم الكشف في شهر أيار الماضي في صحيفة “هآرتس” أن نتنياهو غضب عندما تم إبلاغه في جلسة الوزارة عن معارضة وزارة العدل للمبادرة. في حينه، قال نتنياهو إنه ليست هناك أسباب لعدم إخراج الحركة عن القانون، كما فعلوا في السابق مع حركة كاخ. في شهر حزيران، صرّح نتنياهو أنه يعمل من أجل تقديم الإعلان عن الحركة كحركة خارجة عن القانون.  في أعقاب هتافات حول خطف جنود في أم الفحم في المظاهرات قال نتنياهو: ” كمواطنين إسرائيليين لا نستطيع أن نعيش مع هتافات خطف جنود الجيش الإسرائيلي والذين يدافعون عنا جميعا. في العديد من الأحيان، من يقف وراء هذه الهتافات هو الجناح الشمالي للحركة الإسلامية، والذي يحرض باستمرار ضد دولة إسرائيل بحيث أن أعضاءه مقربون من أعضاء حركات إرهابية كحماس”.

إن الإعلان عن الحركة كحركة خارجة عن القانون سيسمح لسلطات تنفيذ القانون أن تغلق مكاتب الحركة، وأن تستحوذ على الأموال التابعة لها ومحاكمة نشطائها.

لم يتم تقديم إجابة من الشاباك. في ديوان رئيس الوزراء رفضوا الاستجابة لتوجهات “هآرتس”.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 288 كلمة
عرض أقل
العنف في القدس (Sliman Khader/FLASH90)
العنف في القدس (Sliman Khader/FLASH90)

الاستخبارات حذّرت نتنياهو: استفزازات اليمين في الأقصى ستؤدي إلى الاشتعال

على مدى أكثر من عام، يحذّر مسؤولو الاستخبارات من أن تؤدي الاستفزازات في المكان الأكثر حساسية في القدس إلى عنف واسع النطاق، ولكن رئيس الحكومة الإسرائيلي لم ينجح في السيطرة على وزرائه

عقد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الدولة رؤوفين ريفلين أمس سلسلة من المحادثات الهاتفية مع وزراء وأعضاء كنيست من اليمين في الائتلاف، ومن بينهم أيضا عضو الكنيست ميري ريغيف والوزير أوري أريئيل، وطلبوا منهم تخفيف تصريحاتهم بخصوص الحرم القدسي والمسجد الأقصى. وقد جرت محادثات التهدئة هذه على ضوء الأزمة الخطيرة مع الأردن والسلطة الفلسطينية على خلفية الوضع في الحرم القدسي وفي أعقاب العملية الإرهابية أمس الأول والتي دهس فيها إرهابي فلسطيني ضابط حرس الحدود المفتش جدعان أسعد.

ولكن جاء هذا التدخّل من نتنياهو متأخّرا جدّا. إنّ إدراك أنّ التوترات حول الأقصى ستنزلق إلى عنف أوسع أمر قائم منذ أكثر من عام. أي شخص شارك في المنتديات الحساسة التي ناقشت ذلك في السنوات الأخيرة سيقول إنّ رئيس الحكومة، الوزراء ورؤساء المنظومة الأمنية قد تمّ تحذيرهم مرة تلوَ أخرى، شفهيّا وكتابيّا، من قبل مسؤولي الاستخبارات المختلفين بأنّ هناك خطر يتطوّر في الحرم القدسي. وقد نسبت استطلاعات الاستخبارات ذلك إلى التدخل الضار للاستفزازات من قبل وزراء وأعضاء كنيست من اليمين، إلى جانب تحسّس عدة جهات من الجانب الفلسطيني: السلطة، حماس والحركة الإسلامية في إسرائيل.

في هذا المجال كشفت حكومة نتنياهو عن ضعف مطلق في الحكم. لم يكن للخطّ الحذر والمسؤول الذي اعتمده رئيس الحكومة أثناء الحرب الأخيرة في غزة شيء مواز في القدس. منذ إقامة الائتلاف الجديد، قبل أكثر من عام ونصف، هناك تصاعد كبير في عدد زيارات أعضائه للحرم القدسي، وليس فقط أعضاء الكنيست من المقاعد الخلفية.

نائبة وزيرالمواصلات، البنى التحتية الوطنية والسلامة على الطرق الإسرائيلية، تسيبي حوطوبلي، تعلن عن الزيارة التي قامت بها في جبل الهيكل:
https://www.facebook.com/TzipiHotovely/posts/852297398148509
حين يتسابق كل من الوزير أوري أريئيل، نائبة الوزير تسيبي حوطوبلي، نائب رئيس الكنيست موشيه فيجلين ورئيس لجنة الداخلية ميري ريغيف بينهم على التصريحات التي تلوّح للنشطاء المتشدّدين، يعرّف الفلسطينيّون ذلك (بشكل خاطئ) باعتباره مؤامرة حكومية تهدف إلى كسر الوضع الراهن بخصوص صلاة اليهود في الحرم القدسي. وقد عزّزت ادعاءاتهم أيضًا الأمريكيين والأوروبيّين، الذين أرسلوا أكثر من مرة الدبلوماسيين إلى القدس الشرقية، ليعرفوا إذا ما كانت إسرائيل تمارس فعلا إجراء تغييرات بشكل سرّي في المسجد الأقصى. الشرطة أيضا، وتحت ضغط سياسي وعدم تحرّك الحكومة، خفّفت بعض القيود المفروضة على زيارة اليهود للحرم القدسي، وساهمت بطريقة غير مباشرة في تصعيد الأجواء. إنّ السياسيّين – كما يقول مسؤول أمني كبير – لا يلعبون هناك بالنار مع بضعة أعواد ثقاب؛ بل هم يلعبون مع قاذف لهب.

في هذا الأسبوع، وعلى خلفية المناشدات من الأردن والمجتمع الدولي، عاد رئيس الحكومة ليقول إنّ إسرائيل لن تمسّ بالوضع الراهن. ولكن بعد مرور يومين زارت حوطوبلي الحرم القدسي ودعت إلى تغيير الوضع الراهن. بالنسبة للأردنيين والفلسطينيين، فإنّ نائبة الوزير تتحدّث باسم الحكومة. ولن تنفع جميع التوضيحات الإسرائيلية، بالإضافة إلى أن نتنياهو عاد ليضع القدس على رأس فرحته في خطاباته – وهي إشارة أخرى على أنّ الانتخابات تقترب وأنّ رئيس الحكومة، كحصان لإحدى الخدع، سيشحن حملته كما في عام 1996، بزعم أنّه الوحيد الذي سيمنع تقسيم المدينة.

رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (Flash90/Emil Salman)
رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (Flash90/Emil Salman)

إنّ المسجد الأقصى، مع المشاعر الدينية الكثيفة التي يثيرها، هو القضية الوحيدة التي يمكن لها الآن أن تستنهض وتوحّد الفلسطينيين في القدس الشرقية والضفة الغربية للنضال ضدّ إسرائيل. وفقا للتقارير في “هآرتس” أمس، تقدّر الشرطة أنّه لن يكون بالإمكان التغلّب على التصعيد بالقوة فقط. إن تدفق آلاف عناصر الشرطة إلى المدينة سينجح في إحباط جزئي للاشتباكات ومحاولات الهجوم، ولكن يُلزم بالإضافة إلى ذلك، من أجل إعادة التهدئة مع مرور الوقت، تتطلب أيضا ممارسة عمل سياسي. وتقع الخطوات المكمّلة أيضا في المجال الاقتصادي. هناك حاجة لمعالجة جذرية للضائقة في الأحياء الفلسطينية من قبل الحكومة والبلدية، خصوصا كلّما ابتعدنا عن غربيّ المدينة. ولكن يبدو الآن أنّ الوزراء يفضّلون بشكل أساسي السجال مع رئيس السلطة، محمود عباس.

هناك ردود ملتهبة في السلطة ترتبط بالمشاعر القوية في الشارع الفلسطيني، ولكن أيضا بصراعات القوة ضدّ حماس والأردن. إنّ إعلان الأردن عن إعادة سفيرها من تل أبيب للمشاورة، جاء بالرغم من المساعدات الاستخباراتية والأمنية الواسعة التي توفّرها لها إسرائيل، وفقا لوسائل إعلام أجنبية، على خلفية مخاوف البيت الملكي من تداعيات القتال في سوريا والعراق. لقد أكثر نتنياهو في الأشهر الأخيرة من مدح التنسيق الاستراتيجي المتحسّن والذي نشأ بين إسرائيل والدول السنية المعتدلة: مصر، الأردن بل والتفاهمات السرّية مع السعودية وبعض دول الخليج. إنّ استمرار العنف في القدس لا يحمل فقط خطرا لاندلاع انتفاضة ثالثة؛ وإنمّا قد يؤدي إلى تقويض تحالفات استراتيجية بنتها إسرائيل بجهد كبير بفضل الاضطرابات في العالم العربي.

ليس صعبا أن نفهم ما الذي يجده الإرهابيون من القدس الشرقية في القطار الخفيف، والذي كانت محطّاته هدفا لهجمات قاتلة للمرة الثانية خلال أسبوعين. فالقطار هو عبارة عن رمز للتوحيد القسري للمدينة، وهو مشروع مواصلات طموح استثمرت فيه إسرائيل مئات الملايين من الشواقل. وحين بدأ بالعمل، بشّرت السكك الحديدية بفترات من الإحياء في القدس وبعودة السياح والزوار الإسرائيليين إلى المدينة بعد الانتفاضة الثانية وسنوات من الإهمال، في ظلّ رؤساء البلدية إيهود أولمرت وأوري لوفليانسكي.

مسرح عملية الدهس في القدس في تاريخ 05 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014( Yonatan Sindel/FLASH90)
مسرح عملية الدهس في القدس في تاريخ 05 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014( Yonatan Sindel/FLASH90)

ولكن القطار الخفيف هو أيضا متوفّر ومريح. قال أفراد أسرة إبراهيم العكاري، عضو حماس الذي قتل أمس الأول ضابط حرس الحدود أسعد في عملية دهس، إنّه خرج من منزله مستاءً، بعد أن شاهد في بثّ التلفاز التوترات في الحرم القدسي. تعرّف عكاري على مجموعة من شرطة حرس الحدود بالقرب من محطّة القطار وهرع نحوهم. أصبح مسار السكة الحديدية في لحظة فخًّا للموت. وكما نرى جيّدا في كاميرات الأمن التي وثّقت عملية الدهس، فقد كان مسارًا ضيّقا، فارغًا تماما، وتقريبا ليس هناك مفرّ منه حالما يقرّر سائق أن يُسرع إلى داخله بسرعة عالية. لقد تضرّر معظم من كان واقفا في جانب المسار عندما جاء العكاري بسيّارته.

إسرائيل أيضا، تصعد على مسار قاتل في قضية القدس. ذُكرت في الأسابيع الأخيرة قائمة طويلة من القضايا التي تساهم في التوتر في المدينة؛ كالفقر ونقص الخدمات البلدية في الأحياء العربية، تحريض الحركات الفلسطينية، جهود الاستيطان الواسعة لجمعية “إلعاد” وأمثالها في القدس الشرقية، ولكن لا شكّ أنّ المواد المتفجّرة الرئيسية لموجة العنف الحالية تقع في الحرم القدسي.

نشر هذا المقال لأول مرة في موقع “هآرتس

اقرأوا المزيد: 910 كلمة
عرض أقل
أوباما ونتنياهو خلال لقائهما في البيت الأبيض (AFP)
أوباما ونتنياهو خلال لقائهما في البيت الأبيض (AFP)

السناتور الجمهوري في القدس يصلي لهزيمة الديمقراطيين

نتنياهو يأمل أن صعود الجمهوريين من شأنه إفشال فرصة التوصل لاتفاق مع إيران. ولكن أوباما، بينما ليس هناك ما يخسره، قد يصفي حسابه معه ويدفع نحو توقيع المعاهدة النووية

ستبقى الأضواء في مكتب رئيس الحكومة شاعلة لساعة متأخرة يوم الثلاثاء القادم. لن ينتظر نتنياهو، الذي سيقضي الليل وهو يشاهد قناة فوكس وهو متوتر، اتصالاً من مقر “هكرياه”، بل من منزل السفير الإسرائيلي في واشنطن، رون درمر. ‎ستتناول تلك المحادثة نتائج انتخابات منتصف الولاية للكونغرس الأمريكي.

ليس سرًا أبدًا أن نتنياهو يُصلي لهزيمة الديمقراطيين وتوسع الحكم الجمهوري في مجلس النوّاب وكذلك في مجلس الشيوخ. إن أخذنا بالحسبان استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، هنالك احتمال بأن تتم الاستجابة لصلواته. إلا أن رئيس الحكومة لا يتعجل لفتح زجاجات الشمبانيا قبل الأوان. سبق أن فعل ذلك في الانتخابات الرئاسية قبل عامين، فقط لكي يرى ميت روماني يُهزم على يد باراك أوباما.

لا يحتاجون في البيت الأبيض لـ  NSA للتخمين بخصوص النتائج التي يريد نتنياهو أن يستيقظ عليها يوم الأربعاء. هم على قناعة أن نتنياهو ذاته كان بإمكانه أن يندمج في الكونغرس كسناتور جمهوري. هم يعرفون أن السفير درمر يُكرس معظم وقته في عقد لقاءات مع مشرعين جمهوريين وهم يتذكرون أن نصيره، شيلدون أدلسون، استثمر 100 مليون دولار بمحاولة إسقاط أوباما.‎

وعلى ذكر درمر وأدلسون، فإنه قبل بضعة أشهر التقت مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، مع قائد منظمة يهودية مركزية في الولايات المتحدة. وسألها لماذا لا تقابل درمر. وأجابته رايس بطريقتها التهكمية المعتادة. “لم يطلب لقائي. “وعرفت، غير ذلك، أنه الآن منشغل بالسفر لحضور حفلات شيلدون أدلسون في لاس فيغاس”.

نتنياهو ورومني (Marc Israel Sellem/GPO)
نتنياهو ورومني (Marc Israel Sellem/GPO)

أرادت رايس بذلك التلميح إلى المشاركة الاستثنائية لـ “درمر” كضيف شرف في مؤتمر الائتلاف اليهودي – الجمهوري في آذار. أثبت ذلك الحدث لمستشاري أوباما أنه على الرغم من  “الصفحة الجديدة” التي وعد درمر بفتحها عند وصوله إلى واشنطن، لا يزال يتلاعب بالسياسة الخارجية الأمريكية، ويميل دعمه إلى المعسكر الجمهوري.

نتنياهو على ثقة، أو تُراه يُقنع نفسه، أنه بعد فوز الجمهوريين لا بد أنه سيتم الحد من مناورات الرئيس أوباما. هو يؤمن أن فوز الجمهوريين يمكنه أن يساعده على إفشال ما قال عنه أوباما ومستشاروه إنه أهم موضوع في السياسة الخارجية في الولاية الثانية للرئيس – اتفاق تاريخي مع إيران بخصوص المشروع النووي. ستُنشر نتائج الانتخابات للكونغرس قبل ثلاثة أسابيع من انتهاء المدة التي تم تخصيصها للمفاوضات بين إيران والدول الست، وقبل خمسة أيام من اجتماع القمة بين وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ووزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، وكاثرين أشتون من الاتحاد الأوربي.

الملياردير اليهودي – الأمريكي شيلدون أدلسون وقرينته مع الزوج نتنياهو (FLASH90)
الملياردير اليهودي – الأمريكي شيلدون أدلسون وقرينته مع الزوج نتنياهو (FLASH90)

من المتوقع أن يعلن نتنياهو، بعد الانتخابات مباشرة وتحديدًا في حال فاز الجمهوريون، هجومًا عامًا لتحريض الكونغرس الأمريكي ضد أي صفقة مع إيران. سيُجهز مبعوثو نتنياهو بيانات موجزة مُستعجلة وسيطلبون من المشرعين الأمريكيين العمل؛ وسيخرج وسيدخل الفاعلون داخل اللوبي المؤيد لإسرائيل “إيباك”  إلى مكاتب نواب الكونغرس وأعضاء مجلس الشيوخ وهم يحملون في أيديهم توصيات نتنياهو.

إلا أنه، ربما في هذه الحالة أيضًا، نتنياهو – الذي يُعتبر هو ذاته خبير بشؤون الولايات المتحدة – قد يكون مخطئًا بتحليله للواقع. ربما يكون قد نسي أن تأثير الكونغرس، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، على تقييد الرئيس هو غير ممكن. ربما يشعر أوباما بعد فوز الجمهوريين بأنه أساسًا ليس هناك ما يخسره. هكذا، يكون متحررًا من حبال السياسة، وحينها لن يدفع فقط نحو توقيع اتفاق مع إيران، بل أيضًا سيصفي حسابات مع نتنياهو.

نُشرت المقالة لأول مرة في موقع هآرتس

اقرأوا المزيد: 486 كلمة
عرض أقل
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (EBRAHIM HAMID / AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (EBRAHIM HAMID / AFP)

رسالة السيسي إلى نتنياهو: العلاقات مع السعودية والمغرب ستبدأ من السلام مع الفلسطينيين

الجمهور الإسرائيلي يعتبر الرئيس المصري حليفًا مخلصًا وبالإمكان إبرام صفقات معه، ولكن السيسي ذكَّر نتنياهو أنه في عملية السلام ليست هناك وجبات مجانية

كان خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاح مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي عُقد في القاهرة، هو أحد أهم الخطابات التي ألقاها رئيس عربي في السنوات الأخيرة. تحدث السيسي أولاً موجهًا كلامه للشعب الإسرائيلي وفقط بعد ذلك لحكومة نتنياهو. أشار إلى ضرورة تبني مبادرة السلام العربية ودعم إقامة دولة فلسطينية لإنهاء الصراع. “السلام هو الذي سيجلب الاستقرار والهدوء”، قال الرئيس المصري.

أبدى السيسي تفهمه لقلق المواطن الإسرائيلي العادي بخصوص عملية السلام، ولكنه عاد وذكَّر الإسرائيليين بمبادرة السلام العربية التي لم تتعامل الحكومة الإسرائيلية معها تعاملا إيجابيًّا وتجاهلتها منذ تم طرحها في عام 2002. الرسالة التي أراد السيسي أن يوصلها للشعب الإسرائيلي هو أن هناك شريك، وأن التقدم نحو إقامة الدولة الفلسطينية ينطوي على اتفاقيات سلام، علاقات دبلوماسية وتطبيع مع عدد كبير من الدول العربية.

خطاب السيسي كان فيه رسالة أيضًا إلى نتنياهو، ليبرمان وآخرين الذين عمدوا في الأسابيع الأخيرة على طرح أفكار خيالية تتحدث عن سلام يتجاوز الفلسطينيين وليس فيه تنازلات

ولكن خطاب السيسي كان فيه رسالة أيضًا إلى بنيامين نتنياهو، أفيغدور ليبرمان وآخرين في الحكومة الإسرائيلية الذين عمدوا في الأسابيع الأخيرة على طرح أفكار خيالية تتحدث عن سلام يتجاوز الفلسطينيين وليس فيه تنازلات. كأنه يجلس إسرائيلي، سعودي، كويتي ومغربي، معًا وينسجون علاقات ويبرمون صفقات بينما في الضفة الغربية تبقى الأمور على حالها، من احتلال وبناء للمستوطنات.‎

ذكَّر السيسي رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه في عملية السلام ليست هناك وجبات مجانية، تخفيضات خاصة أو تخفيضات آخر الموسم. إن أراد نتنياهو أن يدير علاقاته مع السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مصر والأردن داخل الخزائن المقفلة أو تحت الطاولة من خلال الجنرال عاموس جلعاد ووزارة الأمن، أو الدبلوماسيين من قسم العلاقات الخارجية التابع للموساد للاستخبارات والمهمات الخاصة، كما يفعل اليوم – فلا بأس. ولكن، إن أراد علاقات طبيعية، عليه أن يفهم أن الطريق إلى الرياض، أبو ظبي، القاهرة وعمان تمر عبر رام الله.

صرحت ليفني أن حقيقة عدم دعوة إسرائيل لمؤتمر إعادة إعمار غزة في القاهرة هو دليل على وضعنا السياسي المتزعزع

ليس للسيسي الكثير من الحلفاء في الائتلاف الحالي في إسرائيل. صرحت وزيرة العدل، تسيبي ليفني، اليوم لكل من أراد أن يعرف أن حقيقة عدم دعوة إسرائيل لمؤتمر إعادة إعمار غزة في القاهرة هو دليل على وضعنا السياسي المتزعزع. “لم يرغبوا بوجودنا هناك ببساطة”، قالت. “تم الحديث عن دولة إسرائيل هناك وهي غير موجودة وهذا سيء جدًا”. وجهت ليفني انتقاداتها مباشرة لرئيس الحكومة نتنياهو. وشددت قائلة: “أقول هذا لأولئك الذين يروجون لنا أنه علينا التعاون مع الدول العربية، ولكنهم غير مستعدين بأن يقوموا بالخطوة المطلوبة فيما يتعلق بعملية السلام”. “لا مجال أبدًا لوجود تعاون حقيقي مع الدول العربية دون مفاوضات جدية مع الفلسطينيين”.

حقيقة أن انقلابًا عسكريًّا جاء بالسيسي إلى الحكم وأن مبادئ الديمقراطية والليبرالية ليست نهجًا يتبعه، لم تغيّر نظرة الكثير من الإسرائيليين إليه

لكن أهمية خطاب السيسي لا تكمن فقط فيما تضمنه الخطاب بل بالشخص الذي ألقاه. السيسي هو أكثر قائد عربي لاقى القبول لدى الحكومة والشعب الإسرائيلي منذ عهد أنور السادات أو الملك حسين. حقيقة أن انقلابًا عسكريًّا جاء بالسيسي إلى الحكم وأن مبادئ الديمقراطية والليبرالية ليست نهجًا يتبعه، لم تغيّر نظرة الكثير من الإسرائيليين إليه.

السيسي، بالنسبة للإسرائيليين ليس محمود عباس الذي يتحدث عن إبادة شعب وعن جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل في غزة. هو أيضًا ليس أردوغان الذي يدعي أن ما فعلته إسرائيل في غزة أسوأ مما فعله هتلر في الهولوكوست ولا حتى عبد الله ملك الأردن، الذي يعبّر وزراء وضباط كبار، كل بضعة أشهر، عن قلقهم بخصوص استقرار حكمه.

ينظر اليمينيون وغالبية اليسار الإسرائيلي؛ بداية من السياسيين والمسؤولين في الجهاز الأمني؛ والمواطنين العاديين في الشارع، إلى السيسي على أنه الشريك المخلص الذي يمكن إبرام صفقات معه في نطاق المصالح المشتركة. يرى الإسرائيليون به قائدًا قويًا يعيد تنظيم الأمور في مصر، يعيد الاستقرار إلى البلاد ويلتزم بمعاهدة السلام، ومحافظ على الأمن من خلال محاربة حماس  في غزة والإخوان المسلمين في القاهرة “دون وجود محكمة عدل عليا ولا بيتسلم”.

لذا، عندما يتحدث السيسي، الإسرائيليون – أيضًا في الحكومة والكنيست وأيضًا على كنبة الصالون أمام التلفزيون – يستمعون، يصغون ويذوتون. وهنا يُطرح سؤال وهو: هل يستمر الرئيس المصري بمحاولة الدفع نحو السياسة التي تحدث عنها في خطابه اليوم في القاهرة بشكل فعال أو ذلك لا يتعدى كونه شيء يحدث لمرة واحدة؟ زار أحد الرؤساء المصريين الذين سبقوه، حسني مبارك، إسرائيل مرة واحدة خلال سنوات حكمه الثلاثين وذلك حين جاء لحضور جنازة رئيس الحكومة إسحاق رابين. هل سيتشجع السيسي ويقوم، دعمًا لعملية السلام، بزيارة القدس؟ من الصعب أن نعرف.‎

نُشرت هذه المقالة لأول مرة على موقع صحيفة هآرتس

اقرأوا المزيد: 695 كلمة
عرض أقل