اسحاق لفانون

اسحق لفانون (من مواليد 1945) هو دبلوماسي اسرائيلي، شغل منصب سفير اسرائيل في مصر بين السنوات 2009-2011
متظاهرون مصريون يقتحمون السفارة الإسرائيلية في القاهرة، عام 2011 (AFP)
متظاهرون مصريون يقتحمون السفارة الإسرائيلية في القاهرة، عام 2011 (AFP)

“إغلاق السفارة في القاهرة أشبه بقطع العلاقات الدبلوماسية”

إسحاق لفانون، السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة، يحذر من أن تركز إسرائيل ومصر على الاحتياجات والمصالح الأمنية المشتركة بين الدولتين فقط. "يجب تعزيزها بعلاقات اقتصادية ثقافية وأخلاقية"

لا شك في إسرائيل أن معاهدة السلام مع مصر تشكل مصلحة استراتيجية هامة. بصفتي عشت في مصر والتقيت أشخاصا، يمكنني القول إن السلام بين البلدين هو استراتيجية هامة بالنسبة للمصريين أيضا وسيكون البديل أسوأ.

وإذا كانت هذه هي الحال، فكيف ما زالت العلاقات بين البلدين غير وطيدة، رغم مرور أربعين عاما منذ زيارة أنور السادات التاريخية إلى إسرائيل؟

ولقد سعى أنور السادات جاهدا للعمل وفق الاتفاق الذي وقّعه. ولكنه قُتِل قبل أن يكمل مهامه. وسعى الرئيس حسني مبارك إلى العودة إلى أحضان العالَم العربي لتزعمه، لهذا كان مستعدا للدفع مقابل العلاقات المصرية الإسرائيلية. وهكذا بدأت العلاقات المتبادلة بين البلدين بالتدهور رويدا رويدا. واختارت إسرائيل حينها عدم الرد، خشية من إلحاق الضرر بعملية السلام. ولكنها أخطأت ! واستمر تدهور العلاقات هذا أثناء حكم الجنرالات وأثناء حكم الإخوان المسلمين لاحقا. بدأت فترة حكم عبد الفتاح السيسي في ظل هذه الظروف من العلاقات بين البلدين.

متظاهرون مصريون أمام مبنى السفارة الإسرائيلية في القاهرة، عام 2011 (AFP)
متظاهرون مصريون أمام مبنى السفارة الإسرائيلية في القاهرة، عام 2011 (AFP)

وهناك أهميتان لمعاهدة السلام مع مصر. الأولى، العلاقات الدبلوماسية المدنية. وهي تتضمن السفارات ومن ضمنها: السفراء، العلاقات التجارية، الاقتصادية، السياحية، السياسية، والزراعية: يمكن أن نسميها العلاقات المتبادلة.

والأهمية الأخرى هي الأهمية الأمنية والمذكوة في ملحق معاهدة السلام وليس في المعاهدة ذاتها. لهذا هناك أهمية أكبر للعلاقات التبادلية مقارنة بالعلاقات الأمنية.

لقد ارتكزت العلاقات بين البلدين بعد الهزة التي شهدتها مصر إثر الثورة في عام 2011 وصراعها ضد الإرهاب على العلاقات الأمنية فقط. يشكل هذا مشكلة يجب معالجتها، رغم أهمية العلاقات الأمنية الكبيرة.

ما الذي يميز العلاقات الإسرائيلية المصرية في وقتنا هذا؟

إضافة إلى العلاقات الأمنية – الاستخباراتية الهامة جدا كما ذُكر آنفًا، لدينا اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ)Qualifying Industrial Zones: فهي اتفاقية ثلاثية بين مصر، الولايات المتحدة، وإسرائيل توفر مصدر رزق لآلاف المصريين. هذه هي الاتفاقية الوحيدة التي لدينا!

وماذا ينقصنا؟

لقد غادرنا السفارة الإسرائيلية في مصر بعد اقتحامها في أيلول 2011 ومنذ ذلك الحين ليست هناك سفارة كهذه. لا يوجد سفير، طاقم، علاقات زراعية، تجارية، اقتصادية، ثقافية، سياحية، دبلوماسية بين البلدين، وغيرها.

هل يكفي الاعتماد على العلاقات الأمنية بين البلدين فحسب؟

إسرائيل استجابت للمطالب المصرية لإدخال قوات عسكرية ومعدّات إلى سيناء (AFP)
إسرائيل استجابت للمطالب المصرية لإدخال قوات عسكرية ومعدّات إلى سيناء (AFP)

الإجابة لا! في حال استمرت هذه الحال، قد تشكل خطرا على معاهدة السلام لأنها لن تستند على المصالح المشتركة، التي تغزيها.

وفي ذروة الهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وبعد أن أبلغتُ عن إخلائها للسلطات، تلقيت اتصالا من مكتب المشير محمد حسين طنطاوي، وطُلِب مني ممارسة عمل السفارة الإسرائيلية في القاهرة. أدرك المصريون أن إخلاء السفارة وإغلاقها تماما، أشبه بقطع العلاقات. إذا أدرك المصريون ذلك حينها، فكيف لا تعرف إسرائيل هذا في وقتنا الحالي؟

ربما يكون الوضع الحالي مريحا للمصرييين. العلاقات الافتراضية جيدة دون أن يرافقها وجود إسرائيلي حقيقي. ولكن ماذا بالنسبة لإسرائيل؟ لماذا تشير إسرائيل إلى أن لديها وقت كاف؟ لماذا ترضى بالوضع الحالي؟

وفي الوقت الذي يتعرض فيه الشرق الأوسط لهزة، وتتشكل ائتلافات جديدة، تطور إسرائيل علاقاتها مع العالم السُّني وهذه خطوة هامة. تشكل مصر جزءا منه. لهذا، على القادة الإسرائيليين العمل فورا.

سفير إسرائيل في مصر، دافيد جوبرين (Flash90Hadas Parush)
سفير إسرائيل في مصر، دافيد جوبرين (Flash90Hadas Parush)

وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل استجابت للمطالب المصرية لإدخال قوات عسكرية ومعدّات إلى سيناء، أي تغيير الملحق العكسري لصالح مصر. هذه الخطوة هامة من أجل الأمن القومي المصري. هكذا يحق لإسرائيل أخلاقيا التوجه إلى الرئيس المصري وطلب الامتثال بمعاهدة السلام بحذافيرها.

ويجدر أن يتحدث رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وأن يرسل مبعوثه الخاص إلى القاهرة شريطة أن يتوصل إلى تسوية تامة فيما يتعلق بعودة السفير الجديد، ديفيد جوبرين وطاقمه إلى مصر. واختيار مبنى للسفارة الإسرائيلية ليعمل فيها الطاقم الدبلوماسي. وتوفير المساعَدة المطلوبة للسفير وطاقمه للقيام بعملهم في كل المجالات. وإزالة التقييدات التي فُرضت في الماضي. لا يجوز الاكتفاء بما هو أقل من هذا. ويستحسن أن تسعى إسرائيل إلى العمل على هذه الخطوات سريعا.

اقرأوا المزيد: 551 كلمة
عرض أقل
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (AFP)

انتهى مئة يوم من “النعمة السياسية” للسيسي

مازال السيسيّ، بعد مئة يوم من الخدمة، متنعّمًا بتفويض واسع النطاق في شعبه. في حين أنّه يحقّق إنجازات مثيرة للإعجاب خارج مصر، إلّا أنّه في داخل مصر لا تزال لديه تحديات كبيرة تنتظره

على عكس المتعارف عليه، أريد استهلال هذا المقال بعرض الاستنتاج الذي توصّلتُ له بعد مرور مئة يوم على انتخاب المشير عبد الفتاح السيسيّ الرئيسَ الأكبر للجمهورية العربيّة المصريّة في حزيران الماضي.

استنتاجي هو أنّ السيسيّ ما زال حاصلا على ائتمان عظيم من قِبل الجمهور والذي يسمح له بأن يتقدّم أكثر فأكثر بمخططاته نحو تحسين وضع مصر.

السؤال المركزي هو إلى متى سيكون ائتمان الجمهور لصالحه؟

نشهدُ يوما بعد يوم تراكمَ المشاكل الاجتماعيّة، الاقتصاديّة والمشاكل الأخرى التي تُبعِد الجمهور المصريّ عن الحلم الورديّ الذي رسمه له السيسيّ عندما انتُخِبَ كرئيس. إذ قام حينها ببعث رسائل الأمل وتوعّد أنّه خلال أقل من عامَيْن سيطرأ تغيير كبير في مصر.

نجح السيسي في وقت قصير نسبيًّا أنْ يضع مصر في مركز العالم العربيّ

شاهدنا السيسي يشترك في سباق دراجات هوائيّة في ساحات القاهرة من أجل زيادة الوعي حول توفير الطاقة، وشاهدناه بالمشفى لزيارة الفتاة التي اعتُديَ عليها جنسيًّا في ميدان التحرير أثناء تنصيبه رئيسا، بالإضافة إلى لقائه مع ملك السعوديّة في طائرته الخاصّة دون مراسم احتفالية. صوّرت كل هذه الأمور السيسي فارسًا يمتطي حصانا أبيضَ جاء لإنقاذ مصر. فُتِنَ الجمهور المصريّ الرسميّ والبسيط بسحره وأبدى له دعما وتأييدًا واسعيْن جدا.

مرّ مئة يوم على تنعّم السيسي وها هو يواجه مشاكلَ صعبة. تجاوز قسما منها، لكنّه لم ينجح في تجاوز عدة أخرى. إحدى العوامل الخارجة عن السيطرة هي بدء وسائل الإعلام في مصر، التي نالت على حرية كبيرة، بالتصريح على أنّ رسالة الأمل للسيسي آخذة بالتغيّر إلى رسالة جديدة، إذ أنّ هناك أيام صعبة في طريق مصر وعلى الشعب أن يُبدي الصبر، بكلمات أخرى على الشعب نسيان الحلم الورديّ الذي تكلّم عنه السيسيّ، وهو “الفردوس الأعلى”، والمساهمة في إعادة بناء مصر.

السيسي يقود ماراثون دراجات
السيسي يقود ماراثون دراجات

لكن في حين يظهر الميدان الداخليّ كميدان تملؤه الصراعات والتحدّيات، تُفضّل ميادين أخرى، محليّة وعالميّة، السيسي. وهنا بعض الأمثلة:

نجح السيسي في وقت قصير نسبيًّا أنْ يضع مصر في مركز العالم العربيّ. إذ قام إلى حدّ كبير بتقوية العلاقة مع السعوديّة إلى درجة التنسيق الكامل والتعاون. تعاوُن مع دول عربيّة براغماتيّة، تعاون مع الجزائر في مكافحة الإرهاب في ليبيا؟ تقوية الروابط مع العراق، لبنان وعرْض حلّ لأزمة سوريا. إثرَ كل واحد من هذه المشاهِد، فاز السيسي بآذان صاغية وبتبجيل نسبيّ.

على الصعيد العالميّ يحظى السيسي بإنجازات هي متواضعة أكثر ولكنها ذات معنى أكثر اعتبارا على المدى البعيد

نجح السيسي بالحملة في غزّة في أن يُطيحَ بقطر وتركيا وذلك تناقضا مع رغبة الولايات المتحدة. وأخيرًا، يُعتبَر طرْد قادة الإخوان المسلمين من قطر والإشارة إلى شبكة الجزيرة بموازنة تغطيتها للأحداث على مصر، انتصارات للسيسي.

وعلى الصعيد العالميّ يحظى السيسي بإنجازات هي متواضعة أكثر ولكنها ذات معنى أكثر اعتبارا على المدى البعيد. على سبيل المثال، التقرّب الملموس لروسيا وإرسال إشارات للولايات المتّحدة غيّرت موقفها السلبي في هذه الأيام نحو مصر على ضوء إنشاء الائتلاف لمُكافحة داعش (الدولة الإسلامية).

وبالعودة إلى الميدان الداخلي المصري، يبقى هو التحدّي الحقيقيّ الذي يجب أن يخوضه السيسي، وهنا يُحدّد مدى نجاحه أو فشله. وأقول إنّ هذا التحدّي صعب للغاية، ليس فقط للسيسي إنّما لكل مَن سبقه في هذا المنصب.

هل يمنح الشعب المصري رئيسه، السيسي، المهلة الكافية للقضاء على المشاكل الإقتصادية والإجتماعية الكبيرة ؟ (AFP)
هل يمنح الشعب المصري رئيسه، السيسي، المهلة الكافية للقضاء على المشاكل الإقتصادية والإجتماعية الكبيرة ؟ (AFP)

مصر هي دولة كبيرة ذات احتياجات هائلة وعدد سكاني يتضاعَف كلّ جيل، لذلك من الصعب التخطيط للأمور للمدى البعيد. مع كلّ هذا، أخذ السيسي على عاتقه بعض التحدّيات. أولّها مُكافحة الإرهاب. والإرهاب بالنسبة للسيسي في مصر، هو ليس فقط “أنصار بيت المقدس” إنّما الإخوان المسلمون أيضا، الذين يقومون بتخريب شبكات الكهرباء يوميّا، ويُلحقون الأضرار بمفاعِل المياه والصرف الصحي من أجل تهييج الشعب ضد السيسي. يُواجه السيسي هاتين الجبهتين على التحديد، وعلى ما يبدو أنّه سيستمرّ بذلك على طول المستقبل الواضح أمامنا.

ثانيها، تحسين الاقتصاد المصريّ. فمنذ عام 2011 هبطت الإحتياطات للعملة الصعبة (العملات الأجنبية) إلى النصف وهذا يُشكّل عبئا ثقيلا على الاقتصاد وبالتالي جذب المُستثمرين. يُشكّل النقص بالمقدرة على تمويل السلع الأساسيّة عقبةَ إضافيّة. ويزيد النقص بالغاز الطبيعيّ والسياحة غير المُتعافية بسبب الوضع الأمنيّ، الحِملَ على مصر والصعوبة في استرداد عافيتها.

ومن أجل تجنُّب هذه الصعوبات، أنشأ السيسي مؤسسة لبناء مصر باسمها العربي “صندوق تحيا مصر”، بمئة مليار ليرة مصرية. تحاشد أصحاب المال وقادة المجتمع، كالجمعيات والمنظمات نحو الحملة إذ قدّموا لها العديد من الملايين. حيث أنّ هذه الأموال شخصية وغير مشترطة بأيّ عامل أو مسبّب خارجي، وهذه هي إيجابيّاتها.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمر بوتين (AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمر بوتين (AFP)

الأمر الثاني الذي قام به السيسي كان حفر قناة السويس من أجل توسيع مسارات سفن النقل فيها وبالتالي درّ مدخولات أكبر لصندوق مال الدولة. الظاهرة المثيرة للاهتمام هي أنّ العديد من المواطنين قد مَنحوا من حرّ مالهم سنداتٍ صُرفت من أجل حفر القناة، وذلك ليس فقط لأسباب ماليّة (عائدات مالية جيدة) إنّما أيضا كتعبير عن الوطنيّة ودعم جهود السيسي. حتى الآن، تمّ الحصول على سندات تُساوي أربعة مليار ليرة مصريّة. للسيسي كلّ الأسباب كي يكون راضيا إثر هذه المُبادرات.

كانت الأيام المئة الأولى للسيسي في الحكم، تحميةً لمواجهة الأيام القادمة وقياس نبض الجمهور وقدرته على تحمّل العبء. لكن في الحقيقة، الاختبار للسيسي سيكون في الجبهة الداخليّة وليس الإقليميّة والعالميّة، ويبدو أنّ الجمهور قد منحه فرصة طويلة المدى من أجل تطوير خططه وتغيير مصر

مع ذلك، لا تزال هناك تحديات غير بسيطة في وجه السيسي. كقانون التظاهُر الذي سُنّ ضد الإخوان المسلمين والذي انتُقِدّ من الداخل ومن الولايات المتحدة. سيضطر السيسي أن يُغيّره أو أن يُخفّفه. هناك أيضا انتخابات مجلس النواب البرلمانيّة التي لم يُحدّد تاريخها بعد. لن يستطيع السيسي المماطلة طويلا في هذه القضية. سيضطر إلى دحض الشائعات التي تدور حول رغبته بتغيير الدستور الذي مرّ حتى الآن باستفتاءات من أجل منحه صلاحيات إضافيّة. معالجة الفقر وغيرها.

على ما يبدو، كانت الأيام المئة الأولى للسيسي في الحكم تحميةً لمواجهة الأيام القادمة وقياس نبض الجمهور وقدرته على تحمّل العبء. لكن في الحقيقة، الاختبار للسيسي سيكون في الجبهة الداخليّة وليس الإقليميّة والعالميّة، ويبدو أنّ الجمهور قد منحه فرصة طويلة المدى من أجل تطوير خططه وتغيير مصر. لأنّه قد تعبَ بسبب ثلاثين عاما من استبداد مبارك. لكن إذا لم يكن هناك تحديد في الوقت وإذا رأى الشعب أنّ السيسيّ يعود للحكم الاستبداديّ الذي كان على عهد مُبارك أو أنّ الوضع في مصر يتراجع ولا يتحسّن، فلن يتردّد الشعب بالعودة إلى ميدان التحرير.

اقرأوا المزيد: 927 كلمة
عرض أقل
محبة الشعب المصري للقائد عبد الفتاح السيسي (AFP)
محبة الشعب المصري للقائد عبد الفتاح السيسي (AFP)

دعني أضع النقطة على الحرف

ستدخل مصر كما يبدو لعصر جديد في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي ستقام بعد أقل من شهر بقليل وذلك بعد إسقاط رئيسَين، مبارك ومرسي

وفقًا لقرار اللجنة العليا للانتخابات التي حدّدت موعد الانتخابات، يمكننا الافتراض بأنّه في شهر حزيران سيكون في مصر رئيس جديد. يمنح التقييم العام الآن أفضلية كبيرة لاختيار السيسي.

على افتراض أنّ هذا ما سيحدث، نطرح السؤال: كيف ستكون سياسته الخارجية؟ لا حاجة للخوض في السياسة الداخلية لأنّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية هي التي ستملي خطوات الرئيس الجديد.

نظرة سريعة على وضع مصر في المجال الخارجي تشير إلى توتر في علاقة مصر مع عدّة جهات. على سبيل المثال، العلاقة مع الولايات المتحدة التي أوقفت المعونة الاقتصادية لمصر وترفض أيضًا نقل عشرة طائرات أباتشي مهمّة في الحرب على الإرهاب في سيناء.هناك شبه قطع للعلاقات مع تركيا، عدم رضى عمّا يحدث في سوريا، صراع مع قطر لدعمها الإخوان المسلمين وقلق بالغ من الدور السلبي لإيران في الشرق الأوسط. لم أتحدث بعد عن سدّ النهضة وأيضًا عن الإرهاب العالمي الذي استقرّ في شبه جزيرة سيناء، وحماس التي تضعف دعائم الدولة المصرية.

من خلال هذه الصورة للأوضاع نرى عدم الاستقرار في العلاقات مع المناطق المحيطة بمصر. ولمفاجأة الجميع فإنّ العلاقات مع إسرائيل تتميّز بالهدوء والاستقرار الجدير بالذكر. قبل أيام احتفلنا بمرور 35 عامًا على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والتي تمّ توقيعها في آذار عام 1979. حظي هذا الاتفاق لوصف الاتفاق البارد. وهذا صحيح. فهو بارد ليس لأنّ إسرائيل أرادت ذلك وإنّما بسبب السياسة المقصودة للرئيس الأسبق مبارك، لتجنّب أيّ نوع من التطبيع مع إسرائيل.

المشير عبد الفتاح السيسي (الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري)
المشير عبد الفتاح السيسي (الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري)

لم يعد مبارك اليوم في السلطة وبعد قليل سيتمّ انتخاب رئيس جديد. ولذلك من الطبيعي أن نفكّر في احتمال التغيّر في موقف مصر تجاه إسرائيل. هناك قلق لدى الكثيرين في الدولتين من وضع الأمور على الطاولة أو كما يقولون في إسرائيل من الحديث “دغري”، شيء مثل “وضع النقطة على الحرف”. هناك شذوذ في العلاقة التي استمرّت لأكثر من ثلاثة عقود وحان الوقت لتغيير ذلك.

تأسست في إطار معاهدة السلام لجنة تنسيق بين كلا الجيشين والتي تلتقي مرّتين كلّ عام. مرة في مصر ومرة في إسرائيل، في المقرّ الرسمي للسفراء. كان من دواعي سروري استضافة هذه اللجنة في منزلي بالقاهرة ويجب أن أقول إنّها كانت تجربة تبعث الأمل.

اتّسمت هذه الاجتماعات بالانفتاح، الصدق والثقة. من الجانب المصري، كان في رئاسة اللجنة رئيس المخابرات أي السيسي. وهكذا، فيما لو تمّ انتخابه الرئيس القادم لمصر فسيكون شخصًا يعرف نظراءه الإسرائيليين وأهمية الحفاظ على معاهدة السلام.

زيارة جون كيري الى القاهرة ومقابلته مع السيسي (U.S. State Department Flickr)
زيارة جون كيري الى القاهرة ومقابلته مع السيسي (U.S. State Department Flickr)

وعلاوة على ذلك، ففي الدستور الذي أعدّه الرئيس السابق، مرسي، بسرعة هناك بند يشير إلى أنّه ليس بإمكان رئيس الدولة إعلان الحرب دون مشاورة المجلس العسكري الأعلى والحصول على موافقته. كان السيسي وزير الدفاع المصري ورئيس المجلس العسكري الأعلى. وضع هذا البند للوقاية ضدّ الخطوات المتسرّعة التي قد تؤدّي إلى تدهور من الصعب إيقافه. بما أن جميعنا يذكر القرارات المتسرّعة وغير المدروسة التي اتّخذها جمال عبد الناصر ليلة حرب 1967. ونحن نعلم اليوم أنّه كان ممكنًّا تجنّب تلك الحرب.

أقول كلّ هذا لأنّني أؤمن أنّ السيسي بصفته الرئيس القادم لمصر، والذي كما ذكرنا يعلم الأشخاص المعنيّين، سيعمل على تجنّب الوصول إلى تدهور غير ضروري ولا يخدم أيّا من الجانبين.

إنّ اتفاق السلام هو مصلحة مشتركة لكلا الدولتين بنفس الدرجة، بحيث يمكننا أن نقدّر دون المخاطرة بخطأ كبير بأنّ الحفاظ على اتفاق السلام سيستمر حتّى بعد الانتخابات الرئاسية المصرية.

مقابلة السيسي وبوتين (AFP)
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)

إنّ التغييرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط في أعقاب الربيع العربيّ وظهور الجماعات المتطرّفة التي تهدّد استقرار المنطقة، تتطلّب منظورًا جديدًا للعلاقات الثنائية بين مصر وإسرائيل. أكتب هذا ليس لأنّني أطلب من إسرائيل أن تتسوّل من أجل التغيير في العلاقة، وإنّما لأنّ وجود رئيس جديد لمصر يلزمنا بدراسة السياسة الخارجية الأفضل لبلاده، في أعقاب هذه التغييرات، وبتحديد المصالح التي تهمّنا.

من وجهة النظر هذه فقط، إذا تم عمل فحص جديد موضوعي وخال من الآراء المسبقة، فسيكون الاستنتاج أنّ مصر وإسرائيل ملزمتان بتغيير العلاقات بينهما للأفضل. عليهما أن تبرزا المصالح المشتركة التي تشكّلت ضد إرادتهما بدلا من تكريس ما يفرّق بينهما.

الإرهاب الجهادي المتفشّي في سيناء موجّه ضدّ إسرائيل ومصر على السواء. الدولتان معنيّتان في سيادة الهدوء التامّ بشبه جزيرة سيناء وإعادة السياحة لهذه المنطقة. العمل ضد الاختراق الإيراني في المنطقة هو مصلحة أخرى. الهيّمنة التركية، إضعاف حماس للبلدين. الرغبة المصرية هي أن يتعافى اقتصادها، وأمل إسرائيل هو أن تكون مصر مستقرّة ومزدهرة.

حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)
حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)

ولذلك أعتقد أن الرئيس المصري الجديد سيضطرّ أن يقف كرجل عسكري، بجرأة أمام شعبه وأن يقول بصراحة إنّ واقع المنطقة يلزمنا على تغيير موقفنا من إسرائيل. ولقد كان هناك رئيس مصري واحد قام بذلك في الماضي غير البعيد وحظي بلقب “بطل الحرب وبطل السلام” وأحدث تغييرًا استراتيجيًّا كبيرًا.

أعود وأشير إلى أن إسرائيل لا تحتاج إلى الركض وراء مصر لأنّ هذا قرار مصري ذاتي. بعد إقرار الدستور الذي حظي بدعم شعبي كبير يمكن التقدير بأن السيسي سيُنتخب بتأييد شعبي جارف كذلك. ومن المرجح أيضًا أنه لو تجرّأ رئيس مصر القادم على أن يقول لشعبه بأن تحسين العلاقات مع إسرائيل هو مصلحة مصرية مهمة، فسيحظى بدعم جارف تمامًا كما كان مع سابقه، السادات.

اقرأوا المزيد: 748 كلمة
عرض أقل
الفريق أول عبد الفتاح السيسي (صورة بإذن وزارة الدفاع المصرية)
الفريق أول عبد الفتاح السيسي (صورة بإذن وزارة الدفاع المصرية)

قدمت أهلا ووطئت سهلا يا فخامة الرئيس

الشعور العام في مصر، بعد إعلان المشير السيسي عن ترشّحه للرئاسة، هو النشوة، التمجيد، الأمل بمستقبل أفضل. ولكن أيضًا صرخة صادرة من القلب تقول للسيسي: عليك إخراجنا من الوضع المؤسف “المحنة” الذي وجدنا فيه أنفسنا بعد الثورة.

كان قرار السيسي متوقّعًا وليس مفاجأ، ولكنّه عرف بذكاء كيف يمدّ رجليه وينشئ شعورًا بأنّه فعلا قام بذلك بناءً على طلب الشعب. أشبه بالشخص الذي يتمنى الحصول على شيء ما ولكنّه يريد أن يتوسلوا إليه، ويقول للناس امسكوني أنا لا أريد ذلك، وفي النهاية يعطونه ما يريد.

لقد أراد السيسي أن يكون رئيسًا.إعلانه الترشّح للرئاسة قد أنهى مرحلة التخبط.

والسؤال المثير هو كيف تحوّل من رجل لم يكن معروفًا خارج إطار الجيش، إلى رجل ذي شعبية جارفة كما لو كان في زمن جمال عبد الناصر. وقد شُبّه اليوم بأنّه منقذ أرض الكنانة.

حدث ذلك ليس بسبب شخصيته ولا بسبب تزيّنه في ساحة المعركة، ولكن بسبب الظروف. الاضطرابات في السنوات الثلاث الماضية، استقطاب الشعب وأخطاء الإخوان المسلمين حين كانوا في السلطة، هي التي شكّلت الظروف لصعود السيسي. واستطاع أن يقتنص ذلك بذكاء.

بعد ثورة كانون الثاني 2011، شعر الشعب بالقلق من الحكم العسكري الذي استمرّ منذ ثورة الضباط عام 1952. أراد أن تنتقل السلطة إلى أيدي مدنية وهذا الذي أدّى إلى صعود محمد مرسي للرئاسة. دعمت أمريكا ذلك، لأنّها أرادت وما زالت تريد أن تنتقل السلطة للأيدي المدنية.

الفريق أوّل عبد الفتاح السيسي (AFP/Khaled Desouki)
الفريق أوّل عبد الفتاح السيسي (AFP/Khaled Desouki)

واليوم ليس فقط أن الشعب المصري لا يطلب ذلك، وإنما يضغط لتتويج أعلى شخصية عسكرية، المشير السيسي، ليكون الفرعون القادم.

تثني وسائل الإعلام العالميّة والمحليّة على شخصية السيسي. وقد بالغت صحيفة ‏le monde‏ حيث كتبت أنّ السيسي يعتبر بالنسبة للنساء في مصر منقذ الأمة. وبالنسبة لرجال مصر فهو الرجل القوي الذي يمكنه قيادة البلاد في هذه المرحلة.

يقولون إنّه مستقيم، يحافظ على الدين ومتواضع.

تعالَوا نحكم على ذلك وفقًا لأعماله: ألم يؤدي السيسي إلى الإطاحة بمرسي، أول رئيس منتخب لمصر، زعمًا أنّ الكثير من أبناء الشعب طلبوا ذلك؟ ألم يكن هو نفس السيسي الذي ترشّح للرئاسة حين طالبه الجمهور المصري بذلك؟ إنّه نفس السيسي الذي أعلن أنّ الإخوان المسلمين تنظيم إرهابي لأنّ الشعب طلب ذلك. ولذلك، فأنا أقول إنّ السيسي هو رجل مع آراء قوية، يعرف إلى أين يمضي وماذا يريد تحقيقه. كالرجل العسكري في ساحة المعركة فهو يحدّد الهدف بحسم ثمّ يغزوه.

حلّل خبراء في لغة الجسد بمصر ظهور السيسي القليل نسبيًّا على التلفزيون، والذي أعلن فيه أنّه سيترشّح للرئاسة. قرّر هؤلاء الخبراء أنّ من خلال صوته المنخفض واستخدامه المحدود ليديه فهو يبثّ الخوف والقلق. ظهوره في الزيّ العسكري يقول إنّه ما زال جنديًّا في خدمة الدولة حتى بعد انتخابه رئيسًا. وجد الخبراء أنّه يتحلى بالتواضع، الهدوء الداخلي، وثقته الكبيرة بنفسه.

من التقى بالسيسي خلال فترة عمله بالجيش وفترة دراسته في إنجلترا والولايات المتحدة، سيجد أنّه أمام رجل متزن، لا يظهر كل ما لديه. وهي صفات ساعدته في تحقيق ما يكفي من الشعبية عند الجماهير وتحقيق طموحاته الخفية في الوصول إلى السلطة.

مصريون يحتفلون في ميدان التحرير مع صورة عبد الفتاح السيسي (AFP)
مصريون يحتفلون في ميدان التحرير مع صورة عبد الفتاح السيسي (AFP)

ومن الواضح أنّ السيسي سيضطر لمواجهة مشاكل صعبة مثل انعدام الأمن الشخصي، الإرهاب، الاقتصاد المنهار، السياحة غير الموجودة، وغيرها. ولكن المواجهة الحقيقية للسيسي ستكون في مجال آخر، وهو مجال متعلّق بشخصيته. إلى أي مدى سينجح في أن يزيل عن نفسه نظرته العسكرية بكاملها، أن يفهم بأنّ الأمر لن يعود بعد تلقّي وإعطاء الأوامر للناس بل أصبح يتطلب أكثر  مسايرة القوى السياسية التي سيحتاجها ليحكم.وهنا يكمن خطر الفشل.صدق المحرّر الرئيسي لصحيفة السياسة الكويتية، جار الله، حين كتب أنّ مصر بحاجة إلى قائد وليس إلى رئيس.

أعربت أسرة جمال عبد الناصر علنًا عن دعمها الكبير للسيسي ويبدو أنّه راض عن ذلك. قال عبد الحكيم عبد الناصر ابن الزعيم: “طريق الثورة هو طريق النصر. يحيا الجيش وتحيا مصر. السيسي هو الرئيس”. وقالت أخته هدى ناصر إنّ السيسي هو الوريث الطبيعي لتراث والدها السياسي. يبدو أن السيسي سيحظى فعلا بما يكفي من الأصوات في الجولة الأولى لتتويجه الرئيس المنتخب لمصر. بقي أن نرى إلى أيّ جهة يريد السيسي أن يقود السفينة. هل سيمضي في أعقاب ناصر ويؤكّد على دور مصر الرئيسي في العالم العربي ويجذب الشباب في جميع أنحاء الشرق الأوسط إليه، والذين خابت آمالهم من الربيع العربيّ، ويصبح زعيمًا عربيّا عامّا؟ أم سيركّز مثل السادات على حلّ مشاكل مصر المستعصية ويفضّل استثمار جهوده في الداخل بدلا من الأحلام العربية العامة التي هناك شكّ في إمكانية قيامها.

ستخبرنا الأيام. الشيء الواضح للجميع أنّ الظروف التي صدّرتْ السيسي هي التي جعلت منه الرجل المناسب في الوقت المناسب. ولذلك نقول للسيسي مرحبًا بك في قصر الاتحادية.

اقرأوا المزيد: 683 كلمة
عرض أقل