إلحانان ميلر

إلحانان ميلر صحفي وباحث إسرائيلي في منتدى التفكير الإقليمي. وهو تلميذ في المدرسة الدينية "هرئيل" في القدس لتأهيل الحاخامات، يُدرِّس اللغة العربية الفلسطينية المحكية، ويحاضر في إسرائيل والعالم في موضوع الديانة اليهودية والإسلام والسياسة في الشرق الأوسط.
  • متصوف مصري (AFP)
    متصوف مصري (AFP)
  • حاخام يهودي أثناء تعليمه لأسرار الكبالاه اليهوجية (flASH90Yaakov Naumi)
    حاخام يهودي أثناء تعليمه لأسرار الكبالاه اليهوجية (flASH90Yaakov Naumi)

التشابه المفاجئ بين الكبالاه اليهودية والتصوف في الإسلام

في اليهودية تدعى هذه الحركة الروحانية "كبالاه". وتدعى في الإسلام "التصوف". التشابه بين الحركتين مفاجئ بشكل خاص

إن الفرق الخيالي بين الإنسان والخالق، أدى إلى حركات روحانية في اليهودية والإسلام على حد سواء، تبنت مضامين روحانية وفلسفية عميقة في الحياة الدينية. هناك الكثير من المؤمنين اليهود والإسلام على حد سواء، الذين شعروا أن الروتين الديني للحفاظ على الوصايا، والإيمان بالخالق الذي لا يُرى ولا يسمع، لم توفر ردا على الحاجة النفسية العميقة في الارتباط الشخصي بين الإنسان والخالق.

تدعى في اليهودية هذه الحركة الروحانية “كبالاه”. يمكن العثور على كتابات روحانية في كتابات حاخامات يهود منذ نحو 1.500 سنة، ولكن تطورت الكبالاه، في جنوب فرنسا وشمال إسبانيا في نهاية القرن الـ 12 وبداية القرن الـ 13. ذُكر في التلمود البابلي نسبة إلى بابل (العراق في يومنا هذا) في القرن السادس الفقهاء الذين تطرقوا إلى أسرار خلق العالم. يقترح التلمود على الطلاب ألا يتطرقوا إلى هذه المواضيع حتى يكونوا بالغين، وبعد أن يجتازوا تأهيلا من معلم مؤهل.

تطورت الكبالاه، في جنوب فرنسا وشمال إسبانيا في نهاية القرن الـ 12 وبداية القرن الـ 13

نُشر كتاب الكبالاه الأول عام 1180 في بروفنس (جنوب فرنسا) ويدعى “كتاب بهير” (بهير هي كلمة عبرية معناها الساطع). ليس واضحا من ألف الكتاب ومتى، ولكنه يتطرق إلى أسرار خلق العالم. انتشرت الكبالاه من جنوب فرنسا في القرن الـ 13 إلى الجاليات اليهودية في إسبانا وإيطاليا.

بعد مرور نحو مئة عام من ذلك، نحو عام 1280، بدأ يظهر “كتاب الزوهار” (زوهار تعني الإشراق أو الضياء)، وهو الكتاب الأهم في الكبالاه. نشر الحاخم موسى دي ليون الكتاب ويبدو أنه ألف أجزاء كثيرة منه. حظي الكتاب باهتمام مجددا بعد طرد اليهود من إسبانيا عام 1492، وانتظارهم لمجيء المسيح اليهودي المنتظر. بعد طرد اليهود، نُقِل مركز الكبالاه من أوروبا إلى مدينة صفد في الجليل.

نسخ من كتاب الزوهار، الكتاب الأهم في تعاليم الكبالاه اليهودية (Wikipedia)
نسخ من كتاب الزوهار، الكتاب الأهم في تعاليم الكبالاه اليهودية (Wikipedia)

وصف إسحق لوريا (‏1534-1572‏) أحد مؤمني الكبالاه في صفد خلق العالم على النحو التالي: كان قبل خلق العالم إلى ما لا نهاية من الضوء. بهدف خلق العالم، كان على الخالق تقليص عالمه وإبقاء فضاء فارغ يتيح خلق العالم الروحاني والمادي.

أشار علماء معاصرون إلى العلاقة المتينة بين الروحانية في اليهودية وبين الروحانية في الإسلام، التصوف، من حيث التفكير والعمل الفعلي. اقترح إبراهيم صموئيل أبو العفيا، أحد مؤمني الكبالاه وهو إسباني الأصل من القرن الـ 13، استخدام تقينات تكرار ذكر اسم الله أثناء التنفس، الغناء، وحركات الرأس. تذكّر هذه التنقية بالصوفية الخاصة بذكر (الذِكر هو من أنواع العبادات الإسلامية والتي تعتمد على ذِكر الله). وفق الكبالاه هناك أهمية حاسمة للغة العبريّة في خلق العالم: خلق الله العالم بواسطة الأحرف العبريّة. يذكّر هذا التوجه باللغة العربية من حيث التفكير الإسلامي الروحاني.

أشار علماء معاصرون إلى العلاقة المتينة بين الروحانية في اليهودية وبين الروحانية في الإسلام، التصوف، من حيث التفكير والعمل الفعلي

وأشار أحد طلاب أبو العفيا، ناتان بن سعدية حرار، إلى قوة ذكر الله كتقنية تأمل حتى في العربية أيضا. يشير في كتابه “شعاري تصيدق” (أي بوابات الصدق) إلى أن التقنية الصوفية، ذكر، تؤدي إلى تجربة روحانية. وفق حرار، يمر المؤمنون الصوفيون بتجربة روحانية ولكن ليسوا قادرين على تفسيرها لأنهم لا يتبعون للتقاليد الروحانية اليهودية. تُذكّر كتابات الحرار بكتابات الشيخ الصوفي الفارسي شهاب الدين السهروردي جدا، الذي عاش بين القرنين 12 و 13، وتشير كتاباته إلى أنه من دون الالتزام بالقوانين الدينية والنبي محمد، فإن التقنية الروحانية تؤدي إلى طهارة النفس جزئيًّا فقط.

أطفال متصوفون في تركيا (AFP)
أطفال متصوفون في تركيا (AFP)

تأثر بعض الحاخامات المشهورين في القرون الوسطى في الإسلام الروحاني جدا. من بين المشهورين منهم هناك الحاخام موسى بن ميمون (‏1186-1237‏) مؤسس التيار الصوفي اليهودي في مصر، والحاخام بهية بن باكودا الذي عاش في الأندلس في النصف الأول من القرن الحادي عشر. متأثرا في الإسلام، أدخل الحاخام موسى بن ميمون الركعات ووضعيات الجسم أثناء الصلاة اليهودية، والتي لم يكن معمولا بموجبها حتى ذلك الحين وحتى أنها أثارت معارضة في الجالية اليهودية. حرص الحاخام بهية بن باكودا على التدرب على الطرق المذكورة في رسائل إخوان الصفا. يشير برنارد لويس، أستاذ فخري إلى أن الحاخام بهية بن باكودا اقتبس في كتاباته أقوال الصوفي السابق ذو النون مؤمنا أن القيام بالوصايا فقط لا يمكن أن يساهم في تطهير النفس، بل هناك حاجة إلى التقرّب إلى الخالق من أعماق القلب أيضًا.

تأثرت الحركات الحاسيدية التي تطورت في أوروبا الشرقية في القرن الـ 18، إلى حد كبير من الكبالاه. اعتاد يهود حسيديون على العزلة في غابات أملا منهم في التقرب من الله، واتبعوا نمط حياة الفقر والزهد مثل الزهاد في الإسلام في الزمن القديم.

ذو النون أمن أن القيام بالوصايا فقط لا يمكن أن يساهم في تطهير النفس، بل هناك حاجة إلى التقرّب إلى الخالق من أعماق القلب أيضًا

نقارن بين نمط حياة أحد الصوفيين الأوائل، بشر الحافي، وبين مؤسس الحركة الحاسيدية، الحاخام يسروئيل بن إليعزر (بعل شيم توف) (توفي عام 1760).

هذا ما كتبه الشيخ الصوفي الذي عاش في القرن الـ 11 وهو عبدالکریم قُشَیری عن بشر الحافي:

“سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق، رحمه الله، يقول: مرَّ بشر ببعض الناس، فقالوا: هذا الرجل لا ينام الليل كلَّه، ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيام مرة؛ فبكى بشر، فقيل له في ذلك فقال: إني لا أذكر أني سهرت ليلة كاملة، ولا أني صمت يوماً لم أفطر من ليلته، ولكن الله سبحانه وتعالى يلقي في القلوب أكثرً مما يفعله العبد لطفاً منه، سبحانه، وكرماً”.

تذكّر هذه الأقوال بأقوال الحاخام يسروئيل بن إليعزير جدا:

“وجوهر التجرّد من (اضمحلال) المادية هو أن تكون شهوات هذا العالم كلّها كلا شيء في قلبه وعينَيه، أن يتجرد الإنسان من جميع صفاته الرديئة بفعل شوقه العظيم إلى الخالق، تقدّس اسمه” كذلك، قال أيضا: “على الإنسان أن يكون مجردا من الروحانيات وألا يشعر بوجوده في هذا العالم”.

اقرأوا المزيد: 844 كلمة
عرض أقل
قيادة حماس تشارك في افتتاح مسجد جديد في رفح (Abed Rahim Khatib/ Flash90)
قيادة حماس تشارك في افتتاح مسجد جديد في رفح (Abed Rahim Khatib/ Flash90)

حماس تتجه إلى المركز

تفاصيل جديدة يكشف عنها قيادي في حماس، أحمد يوسف، حول وثيقة سياسة جديدة للحركة، تدل على براغماتية سياسية في تعامل الحركة مع إسرائيل والمجتمع الدولي وقطع العلاقات مع داعش، وغيرها

أجرى قيادي حمساوي، أحمد يوسف، مقابلة يوم الأحد‏‎ ‎‏مع موقع “معا”‎‏‏‎ ‎‏تحدث فيها عن ملامح البرنامج الجديد الذي من المتوقع أن يتم إقراره رسميا في الشهر القادم، مع انتخاب رئيس المكتب السياسي الجديد (على ما يبدو إسماعيل هنية ). أهم ما جاء في البرنامج:

أولا، تميّز حماس التي ميثاقها مليء بالأساطير المعادية للسامية ونظريات المؤامرة، بين اليهود كانتماء ديني وبين “الاحتلال والمشروع الصهيوني”. ستُجرى المقاومة المُسلحة في فلسطين فقط، وليس ضد اليهود خارج البلاد.

ثانيا، تعلن عن قبول دولة فلسطينية على أراضي عام 1967 والقدس عاصمة لها. إلا أن النزاع من أجل فلسطين بأكملها قد أرجِأ إلى وقت غير محدد. كما تجدر الإشارة إلى أن كل اتفاقية سلام بين إسرائيل وجاراتها يستند أولا إلى مبدأ الردع والمصالح الاقتصادية، وليس على الاعتراف والتقارب الثقافي.

ثالثا، تعتقد أن التوجه إلى المحافل الدولية هو حق مشروع مشيرة بذلك إلى منظمة التحرير الفلسطينية وأبو مازن.

القيادي البارز في حركة حماس، يحيى السنوار (Flash90/Abed Rahim Khatib)
القيادي البارز في حركة حماس، يحيى السنوار (Flash90/Abed Rahim Khatib)

رابعا، تقطع علاقاتها مع الحركات الإسلامية في العالم. لا تذكر حماس علاقاتها مع الإخوان المسلمين وتدعي أن داعش “قد ألحقت ضررا بصورة الإسلام والمسلمين والقضية الفلسطينية”.

خامسا، تنظر نظرة إيجابية إلى الفلسطينيين المسيحيين، وبصفتهم مجموعة وطنية مساوية للمسلمين، مؤكدة أيضا على دور المرأة ومكانتها في “مشروع المقاومة والتحرير”.

وأضاف يوسف قائلا إن إسرائيل ترسل رسائل إلى حماس عبر جهات دولية تعرب فيها عن رغبتها في صفقة تبادل الأسرى مقابل جثتَي هدار غولدين وشاؤول آرون. رغم ذلك، حماس ليست مستعدة للتحدث حول الموضوع طالما أن إسرائيل لا تعمل على إعادة إطلاق سراح الذين تم إطلاق سراحهم في صفقة شاليط واعتُقلوا مؤخرا.

يبدو أن برنامج حماس السياسي الجديد جاء على خلفية ضعف الحركة الملحوظ إقليميا ودوليا. تدرك حماس على ضوء محادثات مستمرة مع جهات أوروبية أنها لن تحظى باعتراف غربي دون أن تبدي حسن نية حول ثلاثة شروط على أقلّ تقدير وضعتها اللجنة الرباعية الدولية حول عملية السلام: الاعتراف بإسرائيل، التوقف عن النزاع المُسلح، والاعتراف باتفاقيات أوسلو.

اقرأوا المزيد: 289 كلمة
عرض أقل
عالم يهودي يدرس في كتاب التلمود البابلي (Flash90/Hadas Parush)
عالم يهودي يدرس في كتاب التلمود البابلي (Flash90/Hadas Parush)

تعامل التلمود والشريعة اليهودية مع الأغيار

ما هو التلمود، وكيف يتطرق إلى الأغيار؟ هل يعتقد الفقهاء اليهود أن اليهود أسمى من الشعوب الأخرى أم أن كل البشر متساوون؟

التلمود البابلي، هو بروتوكولات نقاشات الحاخامات الذين عملوا في المراكز التعليمية اليهودية في أرض إسرائيل وبابل بين القرنين الثالث والخامس للميلاد. النقاشات حول أسئلة فقهية، عملية، فلسفية، وأخلاقية، مطبوعة اليوم في نحو 20 مجلدا (2.711 صفحة). يشكل التلمود المكتوب بالآرامية والعبرية أساس الشريعة اليهودية، وأهم النصوص التي تدرّس في المؤسسات التعليمية اليهودية (حلقات دينية).

كما هو الحال في كل نص ديني تاريخي، يتضمن التلمود أقوالا متناقضة حول “الآخر”. هناك مصادر يمكن العثور فيها على تعامل إيجابي مع الشعوب الأخرى، وأخرى فيها تعامل سلبي أكثر. بالطبع، فإن السياق التاريخي والتجربة الشخصية للحاخام تؤثر في نظرته إلى الآخر، إلى غير اليهود.

كما هو الحال في كل نص ديني تاريخي، يتضمن التلمود أقوالا متناقضة حول “الآخر”. هناك مصادر يمكن العثور فيها على تعامل إيجابي مع الشعوب الأخرى، وأخرى فيها تعامل سلبي أكثر

تجادل حكيما البلاد في إسرائيل، الحاخام عكيفا وبن عزاي حول تفسير الآية في التوراة “تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ” (سفر اللاويين، الإصحاح 19، الآية 18). وفق بن عزاي، فإن الكلمة “صديق” تعني كل شخص، ولكن يعتقد الحاخام عكيفا أن وصية محبة الآخر، تنطبق على اليهود فقط.

يمكن فهم موقف الحاخام عكيفا السلبي على خلفية العلاقات الصعبة بين اليهود والإمبراطورية الرومانية في عصره. قتل الرومان الحاخام عكيفا في نهاية حياته بسبب إيمانه اليهودي.

تحدث تلميذ الحاخام عكيفا الحاخام شمعون بار يوحاي بشكل متطرف أكثر تجاه الأغيار. فوفق أقواله، لا تنقل قبور الأغيار النجاسة لأنهم لا يعتبرون من بني البشر بالمعنى الكامل، ويمكن قتلهم أثناء الحرب. ادعى حكماء في التلمود أن الأغيار ينجذبون أكثر للغريزة الجنسية، وحشيون أكثر من اليهود، ومتواضعون أقل. حتى أنه ذُكر في التلمود أنه يحظر إنقاذ غير اليهود إذا كانوا يحتضرون يوم السبت.

بالمُقابل، هناك موقف آخر مختلف تماما في التلمود للأغيار، موقف أكثر إيجابية. في قسم سنهدرين (جزء في المشناه يتحدث عن المحكمة اليهودية)، كُتب أن الإنسان الأول خُلِق وحيدا لئلا يدعي كل شعب أن سلَفه أفضل. هذه أقوال معادية للعنصرية بشكل واضح. أقوال الحاخام مئير الإسرائيلي، مقتبسة في التلمود للتوضيح أن غير اليهود الذين تعلموا التوراة هم مساوون للكاهن الكبير في الهيكل، وهكذا يلغي تماما فكرة أن اليهود أسمى من غيرهم من الأمم عرقيا.

طالب يهودي يدرس التلمود في حلقة دينية في نيو يورك (AFP)
طالب يهودي يدرس التلمود في حلقة دينية في نيو يورك (AFP)

في قسم سنهدرين تُحكى أسطورة تتحدث عن أن المصريين غرقوا في البحر بعد خروج بني إسرائيل من مصر، فطلب الملائكة الغناء. فصرخ بهم الله سائلا: “يغرق البشر من صنع يدي وأنتم تغنون؟”. تحدد المشناه في ذلك القِسم أن “كل من يخسر إنسانا، كأنه خسر العالم بأكمله، وكل من ينقذ شخصا وكأنه أنقذ العالم بأكمله”.

يحظر على اليهود قتل كل البشر حظرا تاما. جاء حظر القتل قبل أن حصل بنو إسرائيل على التوراة، ولذلك ليس في وسع التوراة أن تسمح بإلغاء حظر كان قائما. وفق رأي الحاخام إليعزر في التلمود البابلي في قسم الفصح (Pesachim) فإن سبب تهجير الله لكل اليهود في أنحاء العالم هو إقناع الوثنيين بعبادة إله واحد.

تحدث الحاخام موسى بن ميمون (‏1135-1204‏) من كبار الفقهاء في القرون الوسطى، في كتابه الفقهي عن ثلاث مجموعات من الأغيار: أغيار وثنيين، “مواطن ساكن” (أغيار يعيشون في المجتمع اليهودي)، وأغيار عاديين.

اليهودية ليست ديانة تبشيرية ولا تشجع مؤمنين من ديانات أخرى على اعتناق اليهودية، ولكنها تبارك كل المؤمنين الذين يؤمنون باليهودية ويتعلمون أهم مبادئها طيلة فترة طويلة، ويلتزمون أن يبقوا يهودا كل حياتهم

ليس هناك واجب في الشريعة لإنقاذ الوثنيين، ولكن يحظر أيضا قتلهم طالما أنهم لا يقاتلون شعب إسرائيل. “مواطن ساكن” هو شخص تحمل مسؤولية تأدية 7 وصايا أخلاقية أساسية، تسمّى في الشريعة اليهودية “شرائع نوح السبع” وتمنع: السرقة، التجديف على الله، الانحلال الجنسي، الوثنية، أكل لحم حيوان حي، وتفرض إقامة نظام عدل.

وفق الحاخامين الكبيرين في أرض إسرائيل في القرن العشرين، الحاخام أبراهام يتسحاق هكوهين كوك (‏1865-1935‏)، والحاخام ﻳﺘﺴﺤﺎق أﻳﺰﻳﻚ ﻫﻠﻴﻔﻲ ﻫﺮﺗﺴوغ (‏1888-1959‏)، يُعتبر العرب الذين يعيشون في البلاد “مواطنين سكانا” لأنهم يطبقون الوصايا الأساسية إيمانا بإله واحد. خلافا للوثنية، يسمح لـ “مواطن ساكن” العيش في أرض إسرائيل وعلى اليهود أن يكونوا عادلين معه مثلما يتعاملون مع اليهود الآخرين.

وفق الرمبام (موسى بن ميمون)، على اليهود التعامل باحترام مع الأغيار الذين لا يعتبرون “مواطنين سكّانا”: زيارة مرضاهم، إعالة الفقراء من غير اليهود، ودفن موتاهم مع الأموات اليهود. السبب لذلك هو أهمية خلق علاقات سلمية بين كل الشعوب.

اليهودية ليست ديانة تبشيرية ولا تشجع مؤمنين من ديانات أخرى على اعتناق اليهودية، ولكنها تبارك كل المؤمنين الذين يؤمنون باليهودية ويتعلمون أهم مبادئها طيلة فترة طويلة، ويلتزمون أن يبقوا يهودا كل حياتهم.

للإجمال، كما يمكن العثور في القرآن، والإسلام عامة، على تعامل إيجابي وسلبي لليهود والمسيحيين، كذلك الحال في اليهودية إذ يمكن أن تُسمع آراء مختلفة تجاه الأغيار. بشكل عامّ، يمكن القول إن اليهودية لا تتعامل تعاملا متساويا بين اليهود والأغيار، كما هو الحال بين الإسلام وغيرهم. رغم ذلك، توصي الديانة اليهودية المؤمنين اليهود باحترام كل البشر، استنادا إلى الآية في سفر الأمثال في التوراة: “طرقها طرق نعم، وكل مسالكها سلام”. السلام هو قيمة عليا تملي العلاقة المرجوّة بين البشر.

اقرأوا المزيد: 748 كلمة
عرض أقل
استعراض عسكري لحركة حماس (Flash90/Abed Rahim Khatib)
استعراض عسكري لحركة حماس (Flash90/Abed Rahim Khatib)

تحديث ميثاق حماس: الاعتراف بضرورات الواقع

حماس تلمّح منذ سنوات أن ميثاقها، المتطرّف تجاه اليهود، ليس مستندا ملائما لإدارتها السياسية. باتت الحركة على وشك تحديث ميثاقها وقبول حل الدولتَين

باتت حركة حماس على وشك نشر ميثاق مبادئ جديد توضح فيه طبيعة نزاعها الوطني ضد إسرائيل بحيث لا يشمل معاداة السامية والتآمر ضد اليهود، هذا وفق ادعاء قيادي في الحركة، أسامة حمدان، في مقابلة أجراها مؤخرًا في قناة الجزيرة بالإنجليزية.

يُعرّف ميثاق حماس الذي تمت صياغته في آب 1988، الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بصفته نزاعا أبديا بين اليهود والمسلمين. فهو يرسخ الجهاد في الحديث الشهير، الذي جاء فيه “نص عن الحجر والشجر“، الذي يعرض قتال المسلمين لليهود في آخر الزمان. يصف البند 22 من الميثاق سيطرة اليهود على وسائل الإعلام العالمية وإحداث انقلابات كبيرة – بما في ذلك الثورة الفرنسية وانقلاب شيوعي من خلال تأثير اقتصادي ومياثيق سرية. وفق الوصف التاريخي لحماس فإن اليهود هم المسؤولون عن الحرب العالمية الأولى بهدف قطع وعد بلفور، وشن حرب عالمية ثانية لإقامة دولة إسرائيل.

القيادي الحمساوي، أسامة حمدان (Wikipedia/Sebastian Baryli)
القيادي الحمساوي، أسامة حمدان (Wikipedia/Sebastian Baryli)

تأتي أقوال حمدان الثورية‏‎ ‎‏والتي حُذِفت من ‏‎ ‎‏المقابلة الكاملة‏‎ ‎‏التي نُشِرت في القناة القطرية بتاريخ 27 كانون الثاني على خلفية زيادة الدعم الإقليمي لحماس (في تركيا ومصر) ومحاولتها أن تظهر بصفتها لاعبا سياسيًّا شرعيا في الغرب. تعرف عناصر حماس جيدا موقف الرباعية الدولية لشؤون الشرق الأوسط (الأمم المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، والاتحاد الأوروبي) التي ترفض التحدث مع حماس طالما أنها لا تعترف بإسرائيل، لا تتخلى عن النزاع المُسلّح، ولم تعترف باتفاقيات أوسلو. هناك في موقف حماس الجديد والمُعقّد محاولة لتخطي هذه الظروف الصعبة بالنسبة للحركة.

رفض حمدان الذي يحفظ الأسرار، الكشف متى من الموقع نشر الميثاق الجديد وإذا كان سيتضمن التخلي كليا عن التصريحات المعادية للسامية المذكورة في ميثاق الحركة لعام 1988. “اطرح عليّ هذا السؤال ثانية بعد نشر الميثاق”، قال.

وفق ما قاله مُجري المقابلة، مهدي حسن، فقد كان من الواضح أثناء المقابلة أن حمدان يحاول المشي على حبل دقيق: الإشارة إلى تغيير سياسي، ولكن ألا يظهر كضعيف أو أنه يسير في طريق ملتو. فقد أنكر حمدان أن حركة حماس “تدعم حل الدولتين” ولكنه وافق على أنها تدعم “إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس، ودعم حق العودة للاجئين”. عندما أصر حسن أن هذا في الواقع يشكل اعترافا بحل الدولتين، رد حمدان قائلا: “يمكن أن تسمّي هذا ما تشاء […] وعلى هذا نتفق، لا أقل ولا أكثر”.

مُدركا لحديثه غير المباشر، لخص حمدان أقواله: “أود أن أوضح أن حماس تتحدث سياسيا في حين أن الآخرين لا يصغون. عليهم الإصغاء جيدا […] والعمل بموجب ذلك، وليس بموجب أفكار مقولبة يطلقها الإسرائيليون”.‎

إن حمدان ليس القيادي الأول في حركة حماس الذي يرمى قنبلة إعلامية في الآونة الأخيرة. فصرح في بداية شهر كانون الثاني نائب رئيس المكتب السياسي، موسى أبو مرزوق عن تفضيلاته لحل فيدرالي للانقسام بين غزة والضفة الغربية بدلا من محاولة التسوية الفاشلة مع فتح. في مقابلة أدت إلى ردود فعل حادة في الشارع الفلسطيني، أعلن أبو مرزوق عن استقلاليّة حماس تماما عن حركة الإخوان المسلمين، وهي علاقة ينص عليها ميثاق الحركة لعام 1988 في بدايته.

هل تعترف حماس يوماً ما بحل الدولتين؟ (Flash90/Hadas Parush)
هل تعترف حماس يوماً ما بحل الدولتين؟ (Flash90/Hadas Parush)

كان بالإمكان ملاحظة تغيير توجه حماس منذ أيلول الماضي، في خطاب رئيس المكتب السياسي المنتهية ولايته، خالد مشعل. فتحدث مشعل عن ‏‎ ‎‏نوايا حماس في إبداء المرونة السياسية لمواجهة اضطرارات الواقع (‎‏ضرورات الواقع) طالما أن هذا لا يمس بمبادئها الأساسية. (يُستخدم المصطلح ‏‎ ‎‏ضرورة‏‎ ‎في الشريعة الإسلامية كوسيلة للتسوية العملية لصالح الأمة الإسلامية، لا سيّما لوقت محدود).

وفق ما كتبه الباحث الفلسطيني، ناصر خضور‏‎ ‎‏في ورقة موقف‏‎ ‎‏نشرها ‏‎ ‎‏‏‎ا‎لمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات في تشرين الأول الماضي حول تغيير موقف حماس، فإن “الواقع والمنطق” الجديد لحماس يتجسدان في التقارب من مصر وإيران رغم الخلاف في الرأي السياسي والأيدولوجي بينهما، وقبول واقع التقارب بين تركيا وإسرائيل‏‎ ‎‏.‎

يمس ميثاق حماس الذي يتجاهل الحاجة إلى دولة الشعب الفلسطيني ولا يهتم أبدا في العلاقات الخارجية، في علاقات حماس الخارجية، وفق أقوال خضر. أدت هذه النقطة إلى أن يُعرّف نائب رئيس حكومة حماس، ناصر الدين الشاعر بين عامي 2006‏—‏2007، الميثاق بصفته “برنامجا دينيا من الدعوى” وليس ميثاقا سياسيًّا بمعناه التام”. جعلت هذه الحقيقة وفق أقواله الميثاق غير ذي صلة منذ التسعينيات، لذلك توقفت الحركة عن طباعته مجددا.

بقي الآن أن نرى ماذا سيتضمن الميثاق الجديد، وهل سيكون قادرا على أن يجعل المجتمع العالمي ينظر إلى حماس بصفتها منظمة تحرير وطنية وليست منظمة إرهابية.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 655 كلمة
عرض أقل
محمد دحلان (لقطة شاشة)
محمد دحلان (لقطة شاشة)

دحلان يتجه يمينا

نزول أبو مازن عن المسرح ينذر بنهاية عصر "الخارج" في القيادة الفلسطينية سيكون بديله، على الأرجح، شخص نشأ في الأراضي المحتلة وعاش سنواته التكوينية تحت الاحتلال الإسرائيلي. يكمن في ذلك خطر لممارسة العنف، ولكن فرصة نادرة أيضًا لقيادي شرعي في الأراضي

أصبحت احتفالات الذكرى الـ 52 لتأسيس حركة فتح في غزة تظاهرة قبيحة لمشاجرة جماعية بين مؤيدي الرئيس محمود عباس وبين خصمه الرئيسي محمد دحلان. التصدع الظاهر بين القيادة “الشرعية” برئاسة عباس وبين دحلان – الذي يرفض من إقامته في دبي الاعتراف بإسقاطه من الحركة في حزيران 2011 بتهمة محاولة الانقلاب ضدّ عباس – هو جزء من صراع الخلافة الذي دخل إلى حالة تأهب قصوى في مؤتمر فتح السابع في تشرين الثاني الماضي.

قبل ثلاثة أشهر فقط أنكر دحلان أنه يرغب في خلافة عباس، مدعيا بشكل مفاجئ أنّه يدعم ترشح رجل فتح السجين مروان البرغوثي، الذي حظي بمعظم الأصوات في الانتخابات الداخلية للجنة المركزية في الحركة. ولكن في خطاب مصوّر نشره في صفحته على فيس بوك بمناسبة ذكرى تأسيس فتح في 31 كانون الأول، على خلفية صورة الحرم القدسي الشريف، علم فلسطين كبير، وصورة لياسر عرفات، بدا دحلان كقائد في المنفى بكل ما معنى الكلمة.

كما هو متوقع، كان خطاب دحلان مشبعا بالنقد – التلميحي والعلني – على سلوك أبو مازن كرئيس للسلطة الفلسطينية. تطرق الخطاب تحديدا إلى اتهام عباس بالخضوع المخجل للإملاءات الإسرائيلية. تركز نقد دحلان على الادعاءات بالفساد والمحسوبية ضد عباس من جهة، والتدخل الصارخ للسلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية من جهة أخرى. تحظى هذه الادعاءات بصدى واسع في الشارع الفلسطيني.

اتهم دحلان عباس بالتنازل عن المزايا ذات الجودة للفلسطينيين في صراعهم ضدّ إسرائيل، والتي أصبحت “وسائل محظورة، محتقَرة، أو هامشية”. برعاية عباس، أصبحت القضية الفلسطينية سلسلة من “الوثائق، القرارات والمؤتمرات” التي حلّت مكان النضال الشعبي العازم. بحسب أقوال دحلان، هناك نوع من الخيانة لإرث عرفات، الذي فضّل دائما إبقاء كل الخيارات مفتوحة أمام إسرائيل. “كان أبو عمار يعلم أنّ العمل الدبلوماسي وحده لا يكفي”.

رثى دحلان الحالة الاقتصادية الصعبة للفلسطينيين، وخصوصا في قطاع غزة، مدعيا أنّ الوضع المتفجر قد يندلع “كبركان” ويدمّر كل شيء. ومع ذلك، بخلاف الخطاب المقبول في فتح، تجنب دحلان ذكر حماس باسمها كمسؤولة عن الحالة الفظيعة في غزة. هناك أكثر من تلميح في ذلك بأنه يعتبر حماس حليفا مستقبليا في قيادة السلطة الفلسطينية. اتهم دحلان أيضًا أبو مازن بالمضي المتسرّع نحو الانتخابات العامة عام 2006 دون تجهيز حركته كما ينبغي (الأمر الذي أدى إلى فوز حماس)، و “التنازل عن غزة قبل انقلاب حماس وخلاله”.

عكست مقترحات دحلان الملموسة بشكل تام تقريبا مقترحات زميله السجين البرغوثي: إعادة تعريف العلاقات مع إسرائيل، وقف التنسيق الأمني، الإعلان عن فلسطين كدولة تحت الاحتلال، وتطبيق قرارات المصالحة مع حماس. طالب دحلان بـ “الاعتراف المتبادل” بين إسرائيل وفلسطين كدولتين وليس “اعترافا أحادي الجانب”، أي اعتراف فلسطين بإسرائيل مقابل اعتراف إسرائيلي مهين بمنظمة التحرير الفلسطينية. وطالب أيضًا بالوقف الفوري والتام للمفاوضات مع إسرائيل، سواء في المسار الثنائي أو الإقليمي.

يبرز الآن ثلاثة قادة شباب كخلفاء محتملين لأبي مازن. فهم يتحدثون العبرية بطلاقة، بعد أن تعلّموها في السجون الإسرائيلية؛ الأول هو البرغوثي، والآخران هما – الرجوب ودحلان – اللذان خدما كرؤساء الجهاز الأمن الوقائي القوي تحت رئاسة ياسر عرفات، الأول في الضفة الغربية والثاني في غزة.

نزول عباس عن المسرح ينذر بنهاية عصر “الخارج” في قيادة جماعية فلسطينية. سيكون القائد الفلسطيني القادم على الأرجح شخصًا نشأ في الأراضي المحتلة وعاش سنواته التكوينية تحت الاحتلال الإسرائيلي وليس في العواصم العربية. يكمن في ذلك خطر على مستقبل العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية، كما تظهر ذلك أنشطة البرغوثي العنيفة في بداية العقد الماضي، ولكن أيضًا فرصة نادرة بالنسبة لإسرائيل ممثّلة بشخصية قائد فلسطيني يحظى بدرجة شرعية شعبية غابت على مدى سنوات طويلة في قيادة أبو مازن.

نشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي.

اقرأوا المزيد: 542 كلمة
عرض أقل
مصلون يهود يرفعون كتاب التوراة أمام حائط المبكى (حائط البراق) في القدس (Flash90|Yonatan Sindel)
مصلون يهود يرفعون كتاب التوراة أمام حائط المبكى (حائط البراق) في القدس (Flash90|Yonatan Sindel)

أسرار التوراة المكتوبة والشفهية تنكشف

ما هي اليهودية المُعاصرة وكيف يفسر الفقهاء اليهود حتى اليوم الشريعة الموسوية؟ هل هناك شريعة في اليهودية، تنظم شؤون اليهود اليومية؟

القرآن هو الكتاب الرئيسي في الإسلام وهو يشكل أساسا للمؤمنين، وكذلك في اليهودية هناك التوراة التي يعمل بموجبها المؤمنون اليهود والتي أوحى بها الله للنبي موسى في جبل سيناء بعد خروج بني إسرائيل من مصر. استُخدمت التوراة التي يؤمن بموجبها اليهود أن النبي موسى كتبها وفق أقوال الله على لوحي حجر عند صعود موسى إلى جبل سيناء لمدة 40 يوما، وتدعى في اليهودية “التوراة المكتوبة”.

ولكن إلى جانب التوراة المكتوبة، حصل النبي موسى على تفاصيل الشريعة والوصايا اليهودية التي لم تُذكر بالتفصيل في كتب التوراة الخمسة. فالتوراة ليست كتب القوانين فحسب بل هي كتاب يصف أيضا خلق العالم والإنسان، وتاريخ الشعب اليهودي منذ أيام المؤمن الأول إبراهيم عليه السلام وحتى دخول بني إسرائيل إلى أرض الميعاد، أرض إسرائيل.

يؤمن اليهود أن الشريعة الشفهية نُقِلت من النبي موسى إلى تلميذه ووريثه يشوع بن نون، ونقلها الأخير بدوره إلى كبار الشعب، ومن ثم إلى الأنبياء، وبعدها إلى رجال “الكنيس الكبير” الذين كانوا زعماء الشعب بعد الأسر البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد. كان رجال الكنيس الكبير هم مَن كتبوا الصلوات الأولى للشعب اليهودي.

تترجم الشريعة الشفهية التوراة المكتوبة إلى مجموعة قوانين ديناميكية ومتطورة يطور فيها الحاخامات الوصايا الإلهية لصالح اليهود المؤمنين (Flash90Hadas Parush)
تترجم الشريعة الشفهية التوراة المكتوبة إلى مجموعة قوانين ديناميكية ومتطورة يطور فيها الحاخامات الوصايا الإلهية لصالح اليهود المؤمنين (Flash90Hadas Parush)

وفق التقاليد اليهودية، هناك في التوراة المكتوبة 613 وصية: 248 وصية إيجابية تدعى “وصايا افعل” (مثلا، واجب الاستراحة يوم السبت)، و-365 وصية سلبية تدعى “وصايا لا تفعل” (مثلا، لا تقتل أو لا تزنِ). تتطرق التوراة الشفهية أكثر إلى الواجِبات والمحظورات التي على اليهود العمل بموجبها، ويواصل الحاخامات تفسير أقوال الله في التوراة حتى أيامنا هذه: بدءا من السؤال ما هو الحذاء الذي يجب انتعاله أولا في الصباح وحتى السؤال ما الذي على الإنسان قوله قبل مماته.

الكتابان الدينيان اللذان يشكلان أساسا للشريعة الشفهية هما “المشناه” و”التلمود”. حرر الحاخام يهودا الناسي، الذي عاش في إسرائيل في عام 200 للميلاد تقريبا، المشناه المؤلفة من ستة كتب بالعبرية. فقد سجل الحاخام كل القوانين التي كانت متبعة حتى أيامه خوفا من نسيان التقاليد اليهودية واختفائها. بعد 200 حتى 300 عام بعد ذلك تمت كتابة التلمود الذي يشكل بروتوكولا للنقاشات في المدراش اليهودي في أرض إسرائيل وبابل. كُتب التلمود بالآرامية، وهي اللغة التي تحدث بها اليهود في تلك الفترة، وهو يشكل المؤلف الأساسي الذي يتعلمه اليهود حتى يومنا هذا في المدراش الديني. من خلال النقاشات بين حكماء المشناه، يتضح أن التلمود هو الشريعة التي دعمها معظم الحاخامات في تلك الفترة، واتخذوه قانونا للاستخدام على مر الأجيال.

جبال معلقة على شعرة

كتاب التوراة كتب قبل أكثر من 1200 عاما (Flash90Noam Revkin Fenton)
كتاب التوراة كتب قبل أكثر من 1200 عاما (Flash90Noam Revkin Fenton)

يرتاح اليهود أيام السبت لذكرى استراحة الله بعد أن خلق العالم في ستة أيام (كما جاء في سفر التكوين). وفق التوراة المكتوبة، يرتاح يوم السبت العبيد والشعب وحتى الحيوانات الأليفة، ليتذكر اليهود فترة العبودية المصرية. توصي الشريعة اليهود بـ “تذكر” يوم السبت و “الحفاظ” عليه أيضًا، وفي مكان آخر هناك حظر لإشعال النار يوم السبت، حظر العمل في الأرض والحصاد، وحظر الخروج من منطقة معينة. وهكذا تتلخص وصايا أيام السبت في التوراة، والموت هو عقاب من يخالفها.

ولكن في الشريعة الشفهية، بدءا من المشناه، هناك مئات التفاصيل ذات الصلة بقوانين أيام السبت. يرتكز الحظر الوارد في المشناه على الوصايا الـ 39 التي أقيمت في المقر، خيمة الاجتماع المتنقلة التي كان فيها تابوت العهد قبل إقامة المعبد في القدس.

قوانين أيام السبت في الشريعة الشفوية كثيرة ومفصلة، وتستند إلى أسس قليلة في الشريعة المكتوبة، تدعى في المشناه “جبالا معلقة على شعرة”.

العين بالعين والسن بالسن

تتطرق التوراة (سفر اللاويين، الفصل 24) إلى عقاب الإنسان الذي ضرب صديقه وجرحه:

وَإِذَا أَحْدَثَ إِنْسَانٌ فِي قَرِيبِهِ عَيْبًا، فَكَمَا فَعَلَ كَذلِكَ يُفْعَلُ بِهِ. كَسْرٌ بِكَسْرٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ. كَمَا أَحْدَثَ عَيْبًا فِي الإِنْسَانِ كَذلِكَ يُحْدَثُ فِيه. (سفر اللاويين 24)

حظر فقهاء التلمود دائما المس الجسماني بالآخرين كعقاب على ضرر من جهة المُهَاجِم وحاولوا توضيح العقاب الذي ورد في التوراة بشكل آخر. يقول حاخام متدين إنه لا يمكن أن تكون عين المُهَاجِم مساوية لعين المُهَاجَم، وقد أوصت التوراة “المعاملة بالمثل” أي أن العقاب يجب أن يكون مساو للجريمة. لذلك فقد أمر بأن على المُهاجِم أن يدفع مالا مساويا لقيمة العين.

مباركة يوم السبت في عائلة يهودية متدينة (Nati ShohatFlash90)
مباركة يوم السبت في عائلة يهودية متدينة (Nati ShohatFlash90)

يبدو قرار الحاخامات أحيانا مختلفا عن قوانين الشريعة، ولكن هناك واجب العمل وفق أقوال الحكماء وتفسيراتهم، والتي تعود إلى أيام موسى النبي. لذلك ينص التلمود أن “الهلاخاه (قوانين الحاخامات، يوازي الشريعة الإسلامية) تهيمن على التناخ”، أي أن التفسيرات الإنسانية تتغلب أحيانا على ما يبدو لنا قانونا إلهيا في التوراة.

“الابن المارد والمعاند مرفوض”

جاء في سفر التثنية وصية “الابن المعاند والمارد”: ابن 13 عاما لا يطيع كلام والديه. فكُتِب أنه إذا كان هناك ولد معاند ومارد لا يسمع لقول والديه فعقابه الرجم بالحجارة. صُدم التلمود من هذه الوصية وثار جدل بين الحاخام يهودا والحاخام يوناتان. يقول الحاخام يهودا إنه من أجل قتل ولد، فهناك حاجة إلى أن يكون صوت والديه، طولهما، ومظهرهما شبيها. لذلك يستنتج أن الحالة المذكورة في التوراة لم تُطبق في الواقع، وكُتبت الوصية لتعليم العبرة فحسب. رغم ذلك، يقول الحاخام يوناتان إنه رأى حالة فيها “ولد مارد ومعاند” وحتى أنه جلس على قبره بعد قتله.

هناك حالة أخرى في التوراة، تشمل وصية قتل سكان المدينة الذين يعبدون الأوثان، حيث يقول الحاخامون إن هذه الوصية لم تُطبّق في الواقع أبدا.

للإجمال، تترجم الشريعة الشفهية التوراة المكتوبة إلى مجموعة قوانين ديناميكية ومتطورة يطور فيها الحاخامات الوصايا الإلهية لصالح اليهود المؤمنين. فمن هذه الناحية فإن اليهودية المُعاصرة هي اليهودية التي تعمل وفق “الشريعة الشفهية” وليس وفق “الشريعة المكتوبة”.

اقرأوا المزيد: 802 كلمة
عرض أقل
من اليمين الى اليسار: رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس والأسير مروان البرغوثي (AFP)
من اليمين الى اليسار: رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس والأسير مروان البرغوثي (AFP)

هزيمة سياسة الوضع القائم ل “أبو مازن”

مروان البرغوثي، المُعتقل في إسرائيل، تقدم الأسبوع الماضي خطوة إضافية إلى منصب وريث أبو مازن في قيادة السلطة الفلسطينية. اليأس الذي يجتاح حركة فتح نتيجة سياسته الفاشلة أمام إسرائيل سيُستبدل بوحدة وطنية مع حركة حماس

في أعقاب فوز زعيم فتح المعتقل في إسرائيل، مروان البرغوثي، بغالبية الأصوات في انتخابات المجلس المركزي للحركة في الأسبوع الماضي، تتزايد الأصوات الفلسطينية التي تدعو الرئيس محمود عباس إلى تعيين البرغوثي نائبًا له، ووريثا لزعامة السلطة الفلسطينية.

تتناقض مواقف البرغوثي بشكل واضح مع مواقف عباس في ما يتعلق بالقضايا الجوهرية مثل طبيعة مواجهة إسرائيل وضرورة المصالحة مع حماس. ففي حين يركز عباس على محاولة عزل إسرائيل على الساحة الدولية، وفي الأمم المتحدة، تحدث البرغوثي هذا الأسبوع في مقابلة مع صحيفة الغد الأردنية عن ضرورة العودة إلى “مسار النضال والوحدة الوطنية والمصالحة والخيار الديمقراطي الداخلي”، وهو الخطاب الذي يمثل المشاعر الطاغية في حركة فتح. يعتقد عباس أن “الوحدة الوطنية” مجرد كلام، في حين يعتقد البرغوثي أن التوافق الوطني الواسع شرط أساسي لمواجهة إسرائيل.

يمكن أن نضيف إلى ذلك أيضا العلاقة القائمة على الشك بين عباس وبين الدول العربية وذلك بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية لحركة فتح على خلفية الصراع بينه وبين محمد دحلان، وذلك خلافا لدعوة البرغوثي إلى تعزيز العلاقة مع الدول العربية (وكذلك مع الدول الغربية الصديقة).

وكان عباس، على الرغم من الخلافات، قد اتصل بفدوى البرغوثي لتهنئتها بفوز زوجها. وشجعها ما قاله لها أبو مازن حول الاعتقاد أن مروان قد يعيَّن وريثا له على الرغم من كونه أسيرا لدى إسرائيل. وقد قالت (فدوى) هذا الأسبوع في مقابلة مع صحيفة “الحياة” اللندنية: “الرئيس تسلم الحركة من شهيد، وليس مستبعداً أن يسلمها إلى أسير”. وأضافت إن “الرئيس متمسك بالثوابت الوطنية، وبالتالي فإن الأرجح أن يكون مروان خياره الأول لقيادة الحركة من بعده”.

فدوى البرغوثي تحتفل مع الرئيس عباس بفوز زوجها الأسير، مروان البرغوثي، في المركز الأول في انتخابات المجلس المركزي لحركة فتح (AFP)
فدوى البرغوثي تحتفل مع الرئيس عباس بفوز زوجها الأسير، مروان البرغوثي، في المركز الأول في انتخابات المجلس المركزي لحركة فتح (AFP)

ويبدو أن تصريح رئيس الحكومة نتنياهو هذا الأسبوع والذي جاء فيه إن انتخاب البرغوثي يعكس “التشدد في ثقافة التحريض” في حركة فتح هو ما يعزز تحديدًا شخصية الأخير داخل حركته. وقد وصف رئيس المخابرات العامة السابق في الضفة الغربية، توفيق الطيراوي، البرغوثي قائلا إنه “قائد وطني تختطفه حكومة الاحتلال”.

وكان الوزير الفلسطيني لشؤون الأسرى، عيسى قراقع، قد كرّس مقالاً مطولاً، في موقع “معا” الإخباري، لتوضيح سبب انتخاب مروان من قبل 930 عضوا من أصل 1300 عضو شاركوا في المؤتمر السابع لحركة فتح، قال فيه: “الفتحاويون انتخبوا من يمثل وجعهم الانساني، ومن ينتصر لأرواح الشهداء وعذابات وتضحيات الاسرى وأحلام اللاجئين والمبعدين”، وفقًا لما كتبه قراقع.

مهم جدًا أن ننتبه إلى صعود نجم فدوى البرغوثي، زوجة مروان، والعضو معه في الحركة. ففي حين فاز زوجها بغالبية الأصوات في اللجنة المركزية، فازت فدوى بالمرتبة الأولى في انتخابات المجلس الثوري، وهي الهيئة الثانية من حيث أهميتها. باتت المحامية فدوى البرغوثي منذ فترة طويلة ممثلة جماهيرية لزوجها خارج السجن وذلك بسبب شخصيتها المحببة ولغتها الفصيحة، ولكن يبدو أن صعود نجم زوجها يساعدها أيضا.

يأتي تفضيل البرغوثي على جبريل الرجوب، وهو رجل الأمن ورجل المؤسسة القديم في كل من منظمة التحرير الفلسطينية وفي حركة فتح، تعبيرا عن عدم الثقة بالسلوك المحافظ لعباس في مواجهة إسرائيل. لم تتمكن الجهود الدبلوماسية، لسنوات طويلة، في ظل زعامة أبو مازن من أن تُغيّر سوى القليل في حياة الفلسطينيين اليومية، وفشلت في إعادة إسرائيل إلى طاولة المفاوضات. بالمُقابل تشكل الأقوال المبطنة للبرغوثي في حديثه مع الصحيفة الأردنية أن السبل السلمية لعباس قد استنفدت نفسها، وأنه يجب “إعادة دراسة مهام السلطة الفلسطينية”، مؤشرا جيدا بالنسبة لإسرائيل حول سلوك السلطة الفلسطينية في مرحلة ما بعد أبو مازن. ‎

جاءت نتيجة مؤتمر حركة فتح ناجحة بالنسبة للحركة ولأبو مازن نفسه، الذي حافظ على موقعه كزعيم للحركة بلا منازع في هذه المرحلة. تتجه الأنظار الآن إلى المجلس الوطني الفلسطيني، وهو الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل الفلسطينيين في الشتات، والذي لم يعقد أي اجتماع له منذ عقدين.ستشارك حركتَي حماس والجهاد الإسلامي وفقًا لأقوال محمود العالول، عضو اللجنة المركزية في حركة فتح، في اجتماعات المجلس الوطني على الرغم من أنهما ليستا عضوين في منظمة التحرير الفلسطينية.‎

هذا المقال نشر لأول مرة على موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 583 كلمة
عرض أقل
لقاء بين خالد مشعل والرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي، عام 2013 في القاهرة (AFP)
لقاء بين خالد مشعل والرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي، عام 2013 في القاهرة (AFP)

هل ستضطر حماس إلى الانفصال عن حركة الإخوان المسلمين؟

حماس، التي فقدت ظهيرها السياسي متمثلا بإيران وتركيا، تنهي المفاوضات السرية مع مصر وهي في مستوى ضعيف إلى حد كبير

محاكمة حساسة تجري في هذه الأيام في محكمة الشؤون المستعجلة في الإسكندرية بمصر. قدّم المحامي طارق محمود دعوى مطالبا بها الدولة الإعلان عن حماس أنها تنظيم إرهابي. ما هو المنطق، يتساءل محمود، في كون مصر قد عرّفت حركة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي ولكنها تمتنع عن القيام بذلك مع الحركة الشقيقة حماس، التي ساعدت بزعم الحكومة كبار مسؤولي الإخوان المسلمين في الفرار من السجن في بداية عام 2011، وتساعد عناصر داعش في حربهم ضدّ الجيش المصري في سيناء، بل ووقفت خلف اغتيال المدعي العام هشام بركات في حزيران العام الماضي.

الضغط الذي تتعرض إليه حماس اليوم من قبل نظام عبد الفتّاح السيسي هو ضغط غير مسبوق: يخرّب الجيش المصري بشكل منهجي أنفاق التهريب من سيناء، يحافظ على معبر رفح مغلقا معظم الوقت، ويطلق يوميا اتهامات خطيرة ضدّ الحركة الفلسطينية.

https://www.youtube.com/watch?v=2oWG2T0cywA

ومع ذلك، يبدو أن مصر تدرك أهمية الحفاظ على علاقات معقولة مع حماس. أوشكت مفاوضات شبه سرية بين الجانبَين على الانتهاء في هذه الأيام، مع وصول وفد رفيع المستوى من حماس إلى القاهرة. وذكرت الصحيفة الموالية للسعودية “الشرق الأوسط” والتي تصدر في لندن أنّ حماس قد وافقت على عموم المطالب المصرية: الانفصال عن حركة الإخوان المسلمين، منع انتقال العناصر السلفية من تحت الحدود، منع تهريب السلاح، والتوقف عن التدخل في “شؤون مصر الداخلية”. ومن جهتها، تطالب حماس مصر بفتح معبر رفح، إعادة أربعة من أعضاء الحركة الذين “اختفوا” في سيناء في السنة الماضية، إيقاف الهجمات الإعلامية ضدّ حماس، وإيقاف ضخّ مياه البحر إلى داخل الأنفاق بهدف تدميرها. وفقا للتقرير، ترغب حماس أيضًا أن تعود مصر إلى دور الوسيط الدائم بينها وبين إسرائيل وبينها وبين حركة فتح.

الجانب المصري يغرق الأنفاق من غزة بالمياه (AFP)
الجانب المصري يغرق الأنفاق من غزة بالمياه (AFP)

وقد أغفلت الصيغة الحماسية للمطالب المصرية، والتي تم نشرها في الصحيفة الناطقة باسم الحركة “الرسالة” على لسان مسؤول الحركة زياد الظاظا، الطلب المصري بالانفصال الرسمي والفعلي عن الإخوان المسلمين في مصر، وذلك لسبب وجيه: وهو أنّ هذا هو أحد أكثر المطالب التي وجدت حماس صعوبة في قبولها. وتنشغل المواقع الإخبارية العربية في مسألة إذا ما كانت حماس قادرة على تنفيذ هذا المطلب. “هل باعت حماس الإخوان المسلمين؟” كما اتّهم أحد المواقع.‎ ‎“إكراه أم طلاق تامّ؟” تساءل عنوان المقال في الموقع الإخباري الفلسطيني دنيا الوطن، والذي نُقل فيه عن محللين يشكّكون في حقيقة هذا الطلب المصري، أو يركّزون على تصريح حماس بأنّها لا تقيم علاقات تنظيمية (بخلاف التقارب الأيديولوجي مع الإخوان المسلمين).

والمطلب الثاني الذي ستجد حماس صعوبة في قبوله هو المطالبة المصرية بتغيير قواتها بقوات الحرس الرئاسي التابعة للسلطة الفلسطينية في معبر رفح الحدودي.‎ ‎وفقا للمقال المنشور في “الشرق الأوسط”، فقد أصرّت مصر على رأيها بإجبار حماس على التخلي عن سيطرتها ليس فقط على المعابر وإنما على قطاع غزة كله، وهو مطلب لن تستطيع حماس قبوله. وأعلمت حماس مصر أنّها لدى موافقتها على حكومة التكنوقراط برئاسة شخص مقرّب من أبو مازن، رامي الحمد الله، فقد خطت في الواقع خطوة كبيرة باتجاه حركة فتح، التي تستمر في مضايقة قطاع غزة وحركة حماس في الضفة.

أهالي غزة بانتظار فتح معبر رفح (Flash90/Abed Rahim Khatib)
أهالي غزة بانتظار فتح معبر رفح (Flash90/Abed Rahim Khatib)

وفي هذه الأثناء تدفع حماس دفعة أولية لمصر ممثّلة بموجة من الاعتقالات لعناصر سلفية متطرفة في قطاع غزة. في الأسبوع الماضي اعتقل جهاز الأمن الداخلي التابع لوزارة الداخلية (التي لا تزال تحت سيطرة حماس) عددا غير معروف من النشطاء في تنظيم سلفيّ باسم “لواء التوحيد” ومن بينهم أحد منظّري المجموعة، وهو وائل حسنين. واتهم ناشط سلفي آخر، يلقب بأبي بصير المقدسي، حماس بالخضوع لـ “الأجندة المصرية”.

تصل حماس، التي فقدت ظهيرها السياسي متمثلا بإيران وتركيا، إلى مفاوضات مع مصر في موقف ضعيف بشكل واضح. والسؤال، إن كان الأمر كذلك، هو ليس إذا كانت حماس ستوافق على الشروط المصرية، وإنما إذا ما كانت مصر السيسي تتفاوض بحسن نية أم إن مطالبها من حماس ليست سوى خطوة أخرى لإذلال خصم أيديولوجي لدود.

نشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 579 كلمة
عرض أقل
مظاهرة الناصرة (صورة: canthink)
مظاهرة الناصرة (صورة: canthink)

نسيج ضعيف وهش: مشاهدات من مظاهرة الناصرة

السياسيون أمثال أفيغدور ليبرمان، ميري ريغف، حنين زعبي وغيرهم أكثر خطرًا على إسرائيل من حماس، لأنه من شأنهم أن يمزقوا نسيج العلاقات الحساس بين اليهود والعرب في البلاد. استشعر ألحنان ميلر في مدينة الناصرة بوجود رائحة حرب أهلية، ويخشى أن الإسرائيليين ليس لديهم جهات قوية كفاية ضدّ المحرضين والمخربين من الداخل

تمر مثل هذه الأيام وأنت تجد بالنهاية أنك اكتشفت شيئًا جديدًا.توجهتُ اليوم لتغطية مظاهرة الناصرة التي دعت إليها لجنة المتابعة العليا لقضايا عرب إسرائيل والتي تهدف لدعم غزة.ركبتُ حافلة كانت تضم شبان فلسطينيين وانطلقت من مقهى “آروما” في هار هتسوفيم (جبل سكوباس) وجلست بجانب شاب عمره 19 عامًا واسمه يونس من قرية عين نقوبا الواقعة قرب أبو غوش.اتضح أن يونس، الذي كان يعتمر الكوفية الفلسطينية، هو شاب لطيف ينوي دراسة هندسة الحاسوب ويعمل حاليًا في أحد المستشفيات في القدس.حاورته وشرح لي عن سبب توجهه من منطقة القدس لدعم سكان غزة.

كان ذلك شعورًا غريبًا بأن أكون من وسط الأكثرية في إسرائيل وأسافر وحدي كيهودي في حافلة تقل أفرادًا من فئة من الأقليات في إسرائيل، بالطريق إلى مظاهرة في “الجانب الآخر”، أيضًا كصحفي ينظر إلى كل شيء من الجانب، ظاهريًا.أدركت بأنه سينتابني شعورًا غريبًا قبل أن أسافر، ولكن، ما لم أعرفه هو درجة العنف التي ستنتهي بها المظاهرة.

وصلنا إلى الناصرة.وسارت المسيرة بشكل هادئ ومحترم، رغم الشعارات الجارحة ضدّ إسرائيل ورغم الملصقات التي كانت تحمل صورًا مريعة لأطفال ضحايا في غزة كُتب عليها بالعربية “بنك الأهداف الإسرائيلية”.حاولت مجموعة من الشبان، بالطريق، الخروج يسارًا عن المسار المحدد للمظاهرة والتوجه إلى الشارع الرئيسي، ولكن قال أعضاء لجنة المتابعة عبر مكبرات الصوت إن على المظاهرة أن تتابع مباشرة.في نهاية المظاهرة كان هناك خطاب واحد ووحيد لرئيس لجنة المتابعة، الذي انتقد فيه إسرائيل بشدة، وكذلك انتقد مصر أكثر وادعى أن مصر أيضًا تتحمل مسؤولية أكبر بخصوص “الجريمة في غزة”.

تمكنتُ بطريق العودة أن أجري مقابلة مع امرأة أيضًا، محجبة، قبل أن بدأ عشرات الأشخاص يركضون مسرعين قادمين من الخلف، ومن ثم سمعت صوت انفجار ورائحة غاز مسيل للدموع.كنت بعيدًا جدًا، وتمكنت من التقاط صورة أو اثنتين، رغم الاختناق والدموع.في الأسفل، عند نقطة التقاء الحافلة، انتظر يونس.تبادلنا أطراف الحديث وإذ بقوات كبيرة من الشرطة تصل إلى المكان على صهوات الخيول.بدأ أفراد الوحدة الشرطية الخاصة “يسام” بإلقاء قنابل الدخان باتجاه المتظاهرين الذين كانوا قد بدأوا بالدخول إلى الحافلات.ثم بدأت حالة من الفوضى.سحب رجل قربي فأسًا لكي يرميها على رجال الشرطة، ولكن الأشخاص القريبين منه منعوه من فعل ذلك.طلب منا رجال الشرطة الابتعاد عن المكان، حينها بدأنا أنا ويونس نركض في الشارع بينما كان خلفنا شبان ورجال شرطة يلاحقونهم.

المظاهرات في الناصرة (Flash90)
المظاهرات في الناصرة (Flash90)

انعطفنا يسارًا ودخلنا إلى زقاق اتضح أنه دون مخرج.فوقنا، على الشرفة، كانت هناك مجموعة من الأشخاص التي بدأت تصرخ وتحاول أن توجهنا إلى أمكان لنختبئ فيها.كان أحد الشبان يركض وكان خلفه عدد من أفراد حرس الحدود الذين كانوا يعتمرون خوذات.اعتقلوا يونس مباشرة، الذي لم يفعل شيئًا ولم يعترض، وقيدوه.حاولت أن أخبرهم بأنني صحفي وأنه كان قربي ولم يفعل أي شيء، إنما دون جدوى.اقتادوه إلى سيارة الشرطة، عند أول الشارع، ووضعوه مع عشرة معتقلين آخرين.حاولت إقناع ضباط الشرطة (بينهم قائد القوة، برتبة نائب مفتش عام) بأنه بريء وأنني كنت قربه ولكن دون جدوى.طُلب مني بفظاظة أن أنصرف من المكان قبل أن يتم اعتقالي بتهمة إعاقة عمل الشرطة.تم اعتقال يونس واقتيد إلى مركز شرطة الناصرة.مشيت خلف سيارة الشرطة وبالطريق رأيت النائبة حنين الزعبي وهي تحاول أن تقنع بعض الشبان بإثارة الشغب.  قرب مركز الشرطة، الذي كانت بوابته مقفلة، بدأ محامون وعائلات المعتقلين بالتجمهر.تم منع الجميع من الدخول.ثم جاء رئيس البلدية السابق؛ رامز جرايسي، النائب باسل غطاس (التجمع) ومحمد بركة (الجبهة) الذي تم اعتقال أحد أبنائه.

حاول نواب الكنيست دخول مركز الشرطة بالقوة إنما تم إبعادهم بقوة وتطور الأمر إلى عراك تضمن التدافع والصراخ.في الخلف، كانت تحرض حنين زعبي الشبان على ترديد هتافات ولكن أحدًا لم يستجب إليها.كانت الأجواء مشحونة وعنيفة.لا أعرف حتى هذه اللحظة ما الذي حدث مع يونس، هاتفه مقفل.

النائبة حنين زعبي في الكنيست (FLASH90)
النائبة حنين زعبي في الكنيست (FLASH90)

تمكنت، قبل أن أخرج من البيت، أن أطالع في الفيس بوك ما قاله ليبرمان حول دعوته الإسرائيليين لمقاطعة أصحاب المصالح العربية الذين أعلنوا اليوم مشاركتهم بالإضراب العام.

استطعت اليوم أن أرى بأم عيني كم ضعيف هو ذلك النسيج الاجتماعي لدينا في البلاد، بين العرب واليهود.أي ريح يمكنها أن تمزقه.حالت أعجوبة فقط حتى اليوم دون أن يتمزق ذلك النسيج.إنما لدينا قادة، أمثال ليبرمان، ميري ريغيف، حنين زعبي وغيرهم، يتوقون لأن يحدث ذلك.برأيي، أولئك القادة أخطر من حماس.لمواجهة حماس لدينا القبة الحديدية وجنود متمرسين وشجعان يعرضوّن حياتهم للخطر ويضحون بها أيضًا.لم ولن تكون غزة يومًا ما جزءًا من دولة إسرائيل.ولكن الناصرة هي كذلك.نحن نعيش مع عرب إسرائيل وسنستمر بالعيش معًا، جنبًا إلى جنب.شممت اليوم رائحة حرب أهلية وأخاف أنه ليس لدينا قوة مضادة قوية ضدّ المحرضين والمخربين.

نُشر المقال للمرة الأولى في موقع ‏Can Think‏

اقرأوا المزيد: 685 كلمة
عرض أقل
عائلة الصبي الفلسطيني محمد أبو خضير (Flash90/Hadas Parush)
عائلة الصبي الفلسطيني محمد أبو خضير (Flash90/Hadas Parush)

الكلمات التي تقلّل من إنسانيّتنا

اللغة التي يستخدمها الإسرائيليون والفلسطينيون من أجل وصف الأحداث المؤلمة في الأيام الأخيرة تدلّ على كمية استخدامنا للكلمات التي تقلّل من إنسانية الطرف الآخر. الاسم الشخصي للإنسان، العربي أو اليهودي، يعطيه وجهًا بأنّنا لسنا مستعدّين لرؤيته

اللغة التي يستخدمها الإسرائيليون والفلسطينيون من أجل وصف الأحداث المؤلمة التي تمرّ علينا في الأيام الأخيرة تدلّ على كم نميل إلى استخدام الكلمات لاستبعاد العدوّ وللتقليل من إنسانيّته.

تطرّقت وسائل الإعلام الفلسطينية – بلا استثناء تقريبًا – إلى الشبان الثلاثة المختطفين بوصفهم “مستوطنين” وأحيانًا “مجنّدين”. رغم أنّ واحدًا فقط من بين الشبان الثلاثة يعيش خارج الخط الأخضر، لم تجرؤ أي جهة من الإعلام الفلسطيني، كما يبدو، على الاختلاف مع الوصف التقليدي. وقد انتشر هذا التعريف أيضًا في وكالات الأنباء المعتدلة مثل “معًا” بل وحتى في النسخة العربية لعناوين وكالات أنباء عالمية مثل رويترز أو BBC بالعربية.

لم يهتمّ الإعلام الفلسطيني بأبي مازن الذي تطرّق في خطابه أمام مؤتمَر وزراء خارجية الدول المسلمة في الضفة في 18 حزيران لـ “الشبان الثلاثة” الذين “اختطفوا”. أنشأ التطرّق إليهم كمستوطنين تغريبًا واجتثاثًا وجعل القارئ الفلسطيني يشعر تجاههم بالعداء وتبرير اختطافهم باعتباره أمرًا مشروعًا. وأكثر من ذلك عندما تمّ تصنيفهم كجنود مقاتلين، كما أصرّ زعيم حماس خالد مشعل على وصفهم في مقابلة مع الجزيرة الأسبوع الماضي.

كانت الإشارة في وسائل الإعلام الفلسطينية للشبان اليهود، الذين بقوا غالبًا مجهولي الاسم، مغايرة بشكل محسوس لإشارتها لاختطاف وقتل الشاب الفلسطيني أبو خضير. لقد ذُكر الشاب في الإعلام الفلسطيني باسمه، مع إضافة اللقب “الفتى” أو “الطفل”. أما المخطوفون، الذين لم يتمّ التعرّف على هويّتهم أو القبض عليهم بعد حتى كتابة هذه السطور، حظوا بوصف “المستوطنين”.

امهات الشبان المخطوفيت (Flash90/Yossi Zeliger)
امهات الشبان المخطوفيت (Flash90/Yossi Zeliger)

إنّ عزو الأفراد المجهولين لمجتمع واسع أكثر لم يميّز الجانب الفلسطيني فقط. ظهرت الظاهرة ذاتها في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي – اليهودي، حتى وإنْ كانت بشكل أقلّ بروزًا.

يمكننا التخمين بدرجة ما من اليقين الموقف السياسي للمتحدّث الإسرائيلي وفقًا للكلمة التي يختار استخدامها في وصفه لأبناء الشعب الذين يعيشون بجوارنا. إنّ استخدام العنوان الشمولي “العرب” يميّز الخطاب اليميني، الذي يلغي بشكل قاطع تعريفهم كجماعة قومية منفصلة ضمن جماعة عربية أوسع. يميل اليساريّون الذين يحملون حساسية أكبر تجاه الموضوع إلى استخدام تعريفهم الذاتي كـ “فلسطينيين”، والذي تمّ استخدامه في معظم وسائل الإعلام في إسرائيل.

ولكن واقع التغريب قائم لدينا أيضًا. غالبًا ما يشير الإعلام الإسرائيلي إلى القتيل الفلسطيني (في التقارير عن حوادث الطرق، على سبيل المثال) فقط وفقًا لانتمائه القومي، دون ذكر اسمه. وحين يتمّ ذكر الاسم فغالبًا ما يكون مشوّهًا من قبل الصحفيّين والمذيعين من غير الناطقين بالعربية ولا يقمهون معنى الاسم أو الحاجة إلى التدقيق في التلفّظ به. تنشئ هذه الظاهرة أيضًا إقصاءً واغترابًا بين المجموعات السكانية.

في خطابه في اجتماع “تدفيع الثمن” في القدس في 2 تموز، تحدّث الحاخام بيني لاو عن المسافة النفسية التي تشكّلت في المجتمع اليهودي في إسرائيل لعدم استخدام اسم القتيل الفلسطيني. “كنت أريد أن أعرف اسم ذلك الشاب العربي الذي قُتل، كما حفظنا غيبًا أسماء إيال، جلعاد، نفتالي وأمهاتهم”.

“ماذا يوجد في الاسم؟” تسأل جولييت حبيبها روميو في مسرحية شكسبير الشهيرة، تحاول أن تشرح له بأنّ حبّها له سيسود ضدّ التسميات التعسّفية، رغم كلّ شيء. ولكن الأسماء، كما يتّضح، هي أداة نفسية مهمّة جدًا لإيجاد التقارب بين الناس. وهكذا أيضًا الكلمات التي نستخدمها لوصف صراعنا الدامي.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع Canthink

اقرأوا المزيد: 466 كلمة
عرض أقل