تكشف ردود الفعل في مصر والسعودية في أعقاب اعتراف الرئيس ترامب الرسمي بالقدس عاصمة لإسرائيل عن الفجوة بين العاصفة العاطفية التي أثارها هذا الاعتراف في العالم العربي والإسلامي وبين مكانة القدس على جدول أعمال القيادة والرأي العام العربي.
في مصر، سمحت قضية القدس للأزهر بتعزيز أهميته وموقفه مقابل نظام السيسي الذي يتقدم بحذر. ولكن في مصر والسعودية، أعلن المفكرون بشجاعة، ربما بدعم من السلطات، أنه آن الأوان لوضع مصالح بلدانهم على رأس سلم الأولويات وتجنب الانجراف وراء الخطاب الشعبوي والعاطفي حول القدس.
وكتب الاستفزاز الشديد في هذا السياق الكاتب والصحافي المصري المعروف جوزيف زيدان الذي أثار ضجة في السنوات الأخيرة عندما تباهى بترجمة روايته “عزازيل” إلى العبرية، مدعيا في مناسبة أخرى أن المسجد الأقصى المذكور في القرآن الكريم يقع في السعودية وليس في القدس.
واستضاف عمرو أديب، وهو صحفي مقرّب من نظام الحكم في مصر، زيدان لمناقشة قضية القدس، وتحدث زيدان وفق ما كان متوقعا: فقد ذكر الخلفية التاريخية لبناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ، وتطرق بإسهاب إلى علاقة اليهود بالقدس، واصفا بطريقة محايدة رغبة اليهود في بناء معبد على جبل الهيكل، متجرأ على القول إن القدس مقدسة للمسلمين، المسيحيين، واليهود.
ردا على ذلك، وصف شيخ جامع الأزهر زيدان دون ذكر اسمه بصفته “بوقا صهيونيا”. ومع ذلك، فإن رئيس الأزهر حرص على عدم تعريف زيدان كافرا أو منتهكا للدين، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى محاكمة زيدان.
وعلى غرار الحالات المماثلة في الماضي، فإن هدف المفكّرين العرب في هذا الشأن هو تهدئة الغضب الشعبي ومنع حالة الغليان التي من شأنها تقويض الاستقرار الداخلي. ومع ذلك، يبدو أن المزيد من الصحفيين مستعدين لاتخاذ خطوة أخرى والدعوة إلى الاهتمام بقدسية القدس لدى اليهود.
ومن بين هؤلاء المثقفين هناك وحيد عبد المجيد الذي دعا في وسائل الإعلام في الخليج الفارسي إلى “التفكير مجددا في مشكلة القدس”، لافتا إلى “الأفكار الخلاقة” لفصل السيادة [في باحة المسجد الأقصى] وأن يكون القسم فوق الأرض للفلسطينيين والقسم تحت الأرض لليهود، أو عبد المنعم سعيد، الذي ذكَّر قرائه بأن اليهود ليسوا “إمبرياليين كلاسيكيين” يمكنهم العودة إلى الأماكن التي قدموا منها، موضحا أنه عليهم أن يعرفوا الحقيقة أنه ليس لدى اليهود مكان يذهبون إليه.
سيعد هو ناقد بارز لفشل الفلسطينيين المستمر في إدارة المفاوضات مع إسرائيل. تثير تحليلاته نقاشا جماهيريا في مصر والسعودية حول إمكانيات بديلة لحل الدولتين، الإخفاقات السياسية للفلسطينيون وخيبة أمل السعودية من العبء الفلسطيني. وأعلن عبد الحميد حكيم، مدير المركز السعودي لدراسات الشرق الأوسط أيضا أن إعلان ترامب سينجح في تحريك العملية السياسية مجددا إذا تحررت العقلية العربية من التقاليد العربية من جهة، والتراث الإسلامي من جهة أخرى، واعترفت بأهمية القدس لليهود.
طرح منير الخطيب، وهو كاتب سوري، تفسيرا مثيرا للاهتمام في صحيفة الحياة: ركّز احتجاج “الربيع العربي” على القمع الذي مارسته الأنظمة العربية، لهذا تخلى عن قضية فلسطين. والآن، بعد أن تبدد أمل إنهاء قمع الأنظمة، بدأ المواطنون العرب يستغلون إعلان ترامب لكي تتصدر قضية القدس سلم الأولويات، ولكن كرسالة موجهة إلى حكامهم وليس الفلسطينيين.
تشمل الانتقادات في الخطاب العام السعودي أيضا منظمات الجهاد السنية التي تستخدم القدس ذريعة لزرع الرعب في العالم العربي والإسلامي. يسعى هؤلاء الناقدون إلى شيء واحد: التخلي عن الخطاب العاطفي والمثير للغضب حول القدس واعتماد مواقف أكثر عقلانية وواقعية.
المقالة مترجمة من موقع منتدى التفكير الإقليمي حيث ظهرت لأول مرة.