أودي ديكل

نائب رئيس مركز الأبحاث القومية. عمل كرئيس إدارة المفاوضات مع الفلسطينيين، في نطاق حكومة أولمرت، في إطار عملية أنابوليس. في إطارها، عمل مركّزًا لعمل المقر وأدار لجنة المفاوضات. نفذ العميد ديكل سلسلة طويلة من الوظائف في الجيش بمجال الاستخبارات، التعاون العسكري الدولي، والتخطيط الاستراتيجي. كانت وظيفته الأخيرة هي رئاسة الفرع الاستراتيجي في قسم التخطيط بالمقر العام
القدس الشرقية: الانتقال من الأقوال إلى الأفعال (AFP)
القدس الشرقية: الانتقال من الأقوال إلى الأفعال (AFP)

القدس الشرقية: الانتقال من الأقوال إلى الأفعال

كيف يمكن منع الانفجار القادم، ضمان وصول حر إلى الأماكن المقدسة، والحفاظ على التعاون بين المجموعات السكانية المختلفة في القدس

بدءًا من تشرين الأول 2015 وقبل ذلك في أحداث صيف 2014 أصبحت القدس مركزا لموجة إرهابية مستمرة من قبل فلسطينيين، والتي لم تتوقف تماما رغم اضمحلال وتيرة الأحداث في الآونة الأخيرة. انتشر الإرهاب بسرعة من القدس إلى مناطق عديدة في البلاد، واجتاز  الخط الأخضر وداخله، وإحدى القضايا الجوهرية التي طُرحت في جدول الأعمال هي مسألة مستقبل القدس: سواء بسبب التغيير في الانتشار الأمني الإسرائيلي في المدينة أو بخصوص مواقف الجمهور بشأن قضية “وحدتها”.

ولّدَت الأحداث الإرهابية في القدس ثلاث افتراضيات، والتي على ضوئها عملت الحكومة الإسرائيلية حتّى الآن: الأولى اعتُقد أنّه يمكن الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف، مع التجاهل شبه التام للأنشطة المتحدّية والاستفزازية لعناصر متطرفة – يهودية ومسلمة – فيه. وقد أشعل شبان فلسطينيون، من سكان القدس الشرقية موجة الإرهاب الأخيرة، والذين بحسب المعلومات الموجودة قد عملوا، من بين أمور أخرى، انطلاقا من الشعور بأداء مهمة دينية. لقد شعروا أنّ مكانهم المقدّس قد دُنّس وأنّ عليهم الدفاع عن الأقصى (الحرم الشريف) من العدوان الإسرائيلي. هكذا، رغم التعريف الرسمي للحكومة الإسرائيلية والذي يوضح أن الوضع الراهن بقي كما هو، ففي الواقع لم تحرص على إنفاذه.

القدس الشرقية: الانتقال من الأقوال إلى الأفعال (AFP)
القدس الشرقية: الانتقال من الأقوال إلى الأفعال (AFP)

وتستند الافتراضية الثانية على التقدير أنّه يمكن الحفاظ على الاستقرار والهدوء في القدس الشرقية من دون استثمار الموارد المطلوبة للبنى التحتية، خدمات المواطنين، وتعليم الشبيبة. يُعتبر سكان شرقي المدينة من سكان الدولة، وهم يحملون بطاقات هوية زرقاء ويتمتعون بحق التصويت لرئاسة ومجلس بلدية القدس، ولكنهم لا يملكون الحقّ في التصويت للكنيست. في الـ 49 عاما الأخيرة، لم تخصص الحكومات الإسرائيلية وبلدية القدس اهتماما وموارد مناسبة لمواجهة المشاكل في شرقي المدينة. حتى لو شعر السكان العرب في القدس بمزايا الانضمام إلى إسرائيل مقارنة بسكان الضفة الغربية، على سبيل المثال، من حيث حريتهم في التنقل في إسرائيل، فهذا لا يخفف عليهم  من الشعور بوطأة الإحباط المستمر، الحرمان، فقدان الأمل، واليأس. الوعي السائد بين الشبان العرب أنّ جميع الطرق مسدودة أمامهم، وأنّ هناك فرصا ضئيلة لتحقيق طموحاتهم. يكفي القول إنّ هناك أكثر من 30% من الشبان من سكان القدس الشرقية يتسرّبون من المدارس بسبب النقص في الصفوف.  يشكل هذا الواقع أرضا خصبة لنموّ ظواهر العنف والإرهاب.

وتنبع الافتراضية الثالثة من الرؤيا التي بحسبها فإنّ معظم الشعب الإسرائيلي يدعم رؤيا “القدس الموحّدة إلى الأبد”. من خلال بيانات استطلاعات أجريت مؤخرا في معهد أبحاث الأمن القومي ترتسم صورة تضع علامات سؤال على هذه الافتراضية. تُظهر الاستطلاعات أنّ 45% من الشعب اليهودي يؤيدون فصل القرى والأحياء العربية (لا يشمل المدينة القديمة) عن القدس، و 35% آخرون يرغبون في الفصل المادي بين الأحياء العربية وغربي المدينة. ربما يلمح ذلك إلى زيادة حدّة الفجوة بين أهمية القدس المثالية كعاصمة إسرائيل الموحدة، وبين الواقع المشبع بالخوف والرغبة في الحفاظ على الطابع اليهودي للمدينة.

الشارع الفلسطيني (AFP)
الشارع الفلسطيني (AFP)

لم تنجح الحكومة الإسرائيلية، بلدية القدس والجهات الأمنية خلال السنين في تطوير محفزات تأثير قادرة على أن تساهم في تشكيل الاستقرار في القدس الشرقية وتحقيقه. كذلك، لم تُستخدم أدوات ناجحة بهدف صرف الشباب عن اليأس الذي يحيط بهم، على سبيل المثال عن طريق إقامة مراكز تدريب وتوظيف للشباب، تقديم مزايا للأحياء التي لا يسود فيها إرهاب وعنف، وتعزيز فرص العمل وغير ذلك. حيّدت إسرائيل والسلطة الفلسطينية على مدى السنين كل فرصة لنموّ قيادة عربية محلية مؤثرة سياسيا واجتماعيا، وحولتا القدس الشرقية إلى منطقة خارجة عن المسؤولية.

في السنة القادمة، سيكون قد مضى 50 عاما على توحيد القدس، ويجب أن يُدرس السؤال حول مستقبل المدينة من منظور طويل الأمد. لا يغيّر الاضمحلال المؤقت في العمليات الإرهابية شيئا جوهريا في القدس الشرقية، وفي المقابل، يتعزز الشعور بعدم ثقة الجمهور العربي في المدينة تجاه السلطات فحسب. في نظرهم، فقد أهملتهم إسرائيل، القيادة الفلسطينية – السلطة الوطنيّة الفلسطينية، وحماس على حدٍّ سواء. يكدّس جميع هؤلاء رويدا رويدا الأسباب التي ستلهب الحريق في المرة القادمة التي ستأتي فيها الجهة التي ستشعله. إنّ التركيز على الجانب السياسي من قبل إسرائيل على خلفية غياب استخدام الأدوات الناجحة وخشية الحكومة من كل صورة الخضوع للإرهاب، فهذا تحديدا يزيد من الضغوط الأمنية – الشُرَطية على سكان المدينة العرب. ويؤدي الأمر كذلك إلى طرح أفكار لفصل الأحياء والقرى العربية في شرقي المدينة عن غربها، مع سلب الميزة الوحيدة الممنوحة للسكان العرب اليوم وهي إمكانية الاتصال بإسرائيل، التي تمنحهم فرص عمل وحرية التنقل.

عامل بناء فلسطيني يقابل مع يهودي في المحسوم (Flash 90)
عامل بناء فلسطيني يقابل مع يهودي في المحسوم (Flash 90)

ومع مرور الوقت تفقد إسرائيل قدرتها على إصلاح الإهمال المتراكم على مدى خمسة عقود. وحتى لو قررت الحكومة الإسرائيلية تغيير سياستها تغييرا جذريا وأن تستثمر في البنى التحتية، التعليم، القانون والنظام وتحسين ظروف حياة سكان القدس الشرقية، فسيمرّ وقت طويل حتى تظهر النتائج. الأمر صحيح بشكل أساسيّ إذا لم يتم الإعلان عن حالة طوارئ في شرقي المدينة، وإذا استمرت البيروقراطية المحلية والإقليمية بالتصرف وفقا للإجراءات القائمة.

ثمة فرصة اليوم لإحداث تغييرات جوهرية في القدس، والتي نشأت نتيجة نضوج في الوسطين، الإسرائيلي والعربي. يمكن العمل في عدة اتجاهات لإيجاد حلول متنوعة: نقل الأحياء العربية الواقعة خارج الجدار الأمني إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، تعريف حالة الطوارئ، إقامة مديرية لتطوير وتحسين البنى التحتية والخدمات في شرقي المدينة، بما في ذلك تخصيص ميزانية لها كما ينبغي، إقامة سلطة بلدية منفصلة (خاضعة لوزارة الداخلية الإسرائيلية) والتي ستشمل الأحياء والقرى التي ضُمّت إلى المدينة عام 1967 (لا يشمل المدينة القديمة وأراضي القدس الشرقية الأردنية عشية حرب الأيام الستة)، مع إدارة ذاتية عن طريق مؤسسات وممثلين منتخبين من السكان العرب. وقد تمنع كافة هذه الحلول الانفجار القادم وتضمن وصول حرّ  إلى الأماكن المقدسة، الحفاظ على نسيج الحياة الهش والتعاون بين السكان، وتعزز الأمن الشخصي لسكان القدس.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي ‏INSS

اقرأوا المزيد: 846 كلمة
عرض أقل
عناصر حركة حماس في غزة (AFP)
عناصر حركة حماس في غزة (AFP)

إسرائيل – حماس: شروط وقف إطلاق النار المستقرّ

في 15 تموز 2014، في الساعة التاسعة صباحًا، وافق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية على العرض المصري لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وجهات أخرى في قطاع غزة وعلى إنشاء آلية لصياغة التفاهمات فيما بعد. رفضت حماس هذا العرض واستمرّت في إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل. بعد بضع ساعات امتنعت فيها إسرائيل من مهاجمة القطاع بينما استمرّت حماس في إطلاق الصواريخ، لذلك عادت إسرائيل لمهاجمة أهداف إرهابية ومنصّات الإطلاق في القطاع وهدّدت بتوسيع ملحوظ لعمليّاتها العسكرية. في هذه الأثناء، تستمرّ المحادثات لوضع تهدئة. يوضح الناطقون باسم حماس، أنّها لم تصغ بعد موقفًا نهائيًّا وفي جميع الأحوال فإنّها ترغب بمشاركة قطر وتركيا في عملية الوساطة، وكلاهما تؤيدان التنظيم.

يمكن الافتراض بأنّ إسرائيل ستنهي جولة المواجهة الحالية في حالة أفضل بكثير من حماس. “القبة الحديدية” هي الورقة الرابحة لإسرائيل. لقد اعترضت بنجاح معظم الصواريخ التي كانت في مسارات الإضرار بالمراكز السكانية ووفّرت غطاء حماية جوّي واسع فوق غالبية المراكز السكّانية في إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، نجحت إسرائيل في إحباط جميع محاولات حماس في تنفيذ عملية إرهابية استراتيجية، من البحر، من الجوّ وعن طريق باطن الأرض. ومن حيث الهجوم أيضًا، فقد نجحت إسرائيل في إلحاق أضرار كبيرة بحماس من خلال ضرب البنى التحتية للتصنيع، التخزين وإطلاق صواريخ أرض – أرض، تدمير نحو ثلث الصواريخ، وقتل نحو 100 عنصر من عناصر حماس والجهاد الإسلامي، وتم تدمير معاقل القيادة والسيطرة ومنازل قادة في الجناح العسكري لحركة حماس.

حي من أحياء غزة بعد قصف إسرائيلي (Flash90/Emad Nasser)
حي من أحياء غزة بعد قصف إسرائيلي (Flash90/Emad Nasser)

أما حماس، فمن جهتها بادرت إلى جولة صراع وتصعيد، انطلاقًا من حالة من الضائقة، حيث ليس لديها ما تخسره، وطريقة أخيرة لإيقاف التدهور في أوضاعها. وذلك من خلال إظهار القدرة على إحداث الضرر، بشكل أساسيّ من خلال ضرب العمق الإسرائيلي وتقويض الاستقرار على نطاق واسع يشمل إسرائيل، مصر، الأردن ومناطق الضفة الغربية.

إنجاز حماس الوحيد هو في إظهار القدرة على إطلاق وابل من الصواريخ إلى عمق الأراضي الإسرائيلية وبشكل أساسي إلى مدن المركز وحتى حيفا في الشمال والقدس في الشرق. إنّ التقويض الجزئي للحياة الاعتيادية في إسرائيل، وإحباط جميع محاولات حماس لتنفيذ عملية إرهابية مدهشة؛ كلّ ذلك زاد فقط من حدّة الفشل للجناح العسكري لحركة حماس.

رغم التدهور غير المسيّطر عليه للمواجهة، فقد أثّرت على سلوك الطرفين مصلحة مشتركة لمنع التصعيد الواسع والتفاهم، لأنّ إسرائيل لا تسعى إلى إسقاط حكم حماس في القطاع، بسبب غياب البديل ذي الصلة، والقلق من تسلل جهات إسلامية جهادية متطرّفة إلى داخل الفراغ الذي سيتشكّل.

منظومة القبة الحديدية (Hadas Parush/Flash90)
منظومة القبة الحديدية (Hadas Parush/Flash90)

أوقفت هذه المصلحة الضغوط الموجهة في النظام السياسي الإسرائيلي تجاه رئيس الحكومة نتنياهو كي يطوّر ويوسّع المواجهة إلى خطوة من المناورة البرّية في عمق أراضي القطاع. في الواقع، فكما ادّعى مؤيّدو توسيع الحرب، لم يتم إنشاء صورة لانتصار إسرائيلي، ومن الصعب أن نترجم النصر في نقاط لدى الجانب الإسرائيلي لإنجاز سياسي حقيقي، بشكل واضح.

ينبغي على آليات الإنهاء والتنظيم أن تعزّز من تحقيق الهدف الاستراتيجي لكلا الطرفين. اختارت إسرائيل الإشارة إلى حماس باعتبارها المسؤولة في القطاع، جنبًا إلى جنب مع تفعيل جهد مستمرّ لإضعاف حماس، ولكنّها لم تحدّد هدف إسقاط حكم حماس في القطاع.

وفقًا لذلك، فقد عرّفت إسرائيل أهداف عملية “الجرف الصامد” بأنّها: تحسين الحالة الأمنية بواسطة وقف إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل (“الهدوء يقابله الهدوء”)، استعادة الردع من أجل إبعاد جولة المواجهة القادمة، منع تأهيل وتعزيز حماس وتحسين الاستجابة لتحديد وتدمير الأنفاق الهجومية المعدّة للتسلّل وللعمليات الإرهابية في الأراضي الإسرائيلية.

أما أهداف حماس فكانت إعادة تموضعها كفاعل رئيسي، صاحبة السلطة والسيطرة على قطاع غزة، من أجل تغيير موقف مصر وإسرائيل تجاهها. وفي الوقت نفسه، تسعى حماس إلى كسر الحصار عن القطاع من خلال توسيع الحركات في المعابر لإسرائيل ومن خلال الفتح المستمرّ لمعبر رفح إلى مصر، وتحويل الأموال إلى غزة، والتخفيف في مجال صيد الأسماك، التجارة، والزراعة وغيرها.

أسلحة تابعة لعناصر حماس في نفق دمرته القوات الإسرائيلية (IDF)
أسلحة تابعة لعناصر حماس في نفق دمرته القوات الإسرائيلية (IDF)

إنّ نقطة المرجعية في صياغة تسوية لإنهاء جولة المواجهة، هي تفاهمات “عمود السحاب”. ومع ذلك، فإنّ هذه التفاهمات لا تكفي لمطالب كلا الطرفين من عدّة جوانب: بنظر كلّ طرف، فإنّ التفاهمات لم توفّر ضمانات لتنفيذ التزامات الطرف الثاني، وتطالب إسرائيل باستجابة أكثر فعالية لمنع تصنيع وتهريب الصواريخ والقذائف إلى القطاع وأيضًا توسيع حرية الجيش الإسرائيلي في العمل من الناحية الأمنية داخل أراضي القطاع، لكشف وتدمير الأنفاق المؤدية لإسرائيل. تطالب حماس برفع الحصار عن غزة، فتح المعابر، وخصوصًا معبر رفح، توسيع الحقول الزراعية حتى خطّ حدود القطاع، تحويل الأموال والتطوير الاقتصادي في القطاع. في المفهوم الذي يجب حسبه إنهاء القتال أولا، وبعد ذلك أن تتمّ المناقشة حول مكوّنات التسوية؛ فإنّ كلا الطرفين يستطيع في المرحلة الأولى الموافقة على وقف إطلاق النار.

بعد إنجاز التهدئة، ستكون هناك تخفيفات في الحصار واتفاق على سلسلة من الفعاليات لتحسين الحالة الاقتصادية في القطاع، حيث سيتمّ إظهارها كإنجاز لحماس نتيجة استخدام القوة، على الرغم من أنّ التحسّن الاقتصادي لا يتعارض مع المصالح الإسرائيلية بسبب مساهمتها في إحداث الاستقرار.

تلعب مصر دورًا رئيسيًّا في تحقيق وقف إطلاق النار، وفي صياغة التفاهمات المستقبلية وتنفيذها. تردّدت مصر السيسي بين رغبتها في إنهاء حكم حماس للقطاع أخيرًا، وبين تفهّمها بأنّ إسرائيل لا تسعى لذلك، لأنّ عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأمنية للدولة. في الوقت نفسه، ترغب مصر في أن تقلّص قدر الإمكان من مسؤوليّتها والتزامها تجاه حماس تحديدًا والقطاع عمومًا.

في البداية، بدا أنّ المصريّين قد قدّروا أنّ الوقت يمرّ لصالحهم، خاصّة طالما أنّ الجانبين يضربان بعضهما البعض وحماس ترفض قبول مقترحات الوساطة لوقف إطلاق النار. حين اتّضح للقاهرة، أنّ هناك محاولات للوساطة تجري عن غير طريقها، بشكل أساسيّ بمشاركة قطر وتركيا، قرّر الرئيس السيسي ان يقبل دور الوسيط المركزي، من أجل تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية لمصر: مكانتها كقائدة في المنطقة وكلاعب وحيد يمكنه أن يضع حدّا للصراع، تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، تعزيز عباس وإدخال السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة من خلال الموافقة على فتح معبر رفح فقط إذا تمّ تشغيله من قبل السلطة ومكّنت الظروف الأمنية من تشغيله. في وقت لاحق، من المتوقع أن يطلب المصريّون نشر قوّة للسلطة على طول الحدود بين القطاع ومصر وغيرها من التدابير التي من شأنها تعميق مشاركة السلطة في القطاع.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس (AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس (AFP)

لا ترغب إسرائيل في أن تنهي حماس العملية كمن انتصر بشرعية وحسّن موقفه، ولذلك عليها أن تحرص على توازن دقيق بين الأشياء التي تمّ تنفيذها في كلّ الأحوال، كحلّ مشكلة الأجور في غزة، زيادة حركة البضائع في معبر كرم أبو سالم وفتح معبر رفح بموافقة مصرية، مقابل الأشياء ذات القيمة الرمزية والتي يمكن عرضها من قبل حماس باعتبارها فوزًا: الإفراج عن معتقلي عملية “إعادة الإخوة” في الضفة الغربية. يبدو أنّ معتقلين كثيرين سيُفرج عنهم على أيّة حال لدى الانتهاء من التحقيق معهم لعدم إثبات ذنبهم، ولكن لا ينبغي الموافقة على الإفراج عنهم كحزمة في إطار التفاهمات.

إنّ استقرار الوضع وتعزيز المصالح المتبادلة في وقف إطلاق النار وتنفيذ التفاهمات، كلّ ذلك يتطلّب ملحقًا اقتصاديّا مفصّلا يحدّد خطوات تحسين الحالة الاقتصادية في القطاع، والذي يُلزم إسرائيل، السلطة الفلسطينية وبواسطتها حماس، مصر، المجتمع الدولي والدول العربية – وخصوصًا السعودية، قطر، والإمارات. من الضروري أنّ ترتكز المساعدة الاقتصادية على بناء البنى التحتية المدنية والاقتصادية في القطاع، مثل: شبكات المياه، مياه الصرف الصحّي والتنقية، الكهرباء، بما في ذلك إنتاج الغاز قبالة سواحل غزة، بناء مدني تحت إشراف دولي، التأكّد من أنّ موادّ البناء ليست معدّة لتشييد الأنفاق والشبكات التي في باطن الأرض التابعة لحماس، توسيع مساحة الصيد والزراعة البحرية، زيادة نطاق الحركة في المعابر وغيرها. يتطلّب ذلك إشرافًا على تحويل الأموال كي لا يتمّ إهدارها في دفع الأجور لقائمة طويلة من الموظّفين العموميّين، الذين لا يخدم معظمهم الجمهور.

رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يقوم بمشاورات أمنية في القيادة الجنوبية (GPO)
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يقوم بمشاورات أمنية في القيادة الجنوبية (GPO)

في الرؤية بعيدة المدى على إسرائيل أنّ تطوّر عددًا من الفرص وهي:

1 استمرار الضغط على حماس؛ وأكثر عزلة، وأكثر انضباطا. ثمة دور مركزي لمصر في الحدّ من عملية إعادة التأهيل وتجديد كمية الصواريخ.

2مشاركة عباس والسلطة في التفاهمات. بالإضافة إلى ذلك، فعلى ضوء حقيقة أنّ عباس قد منع من توسّع الأحداث للضفة الغربية، على الحكومة الإسرائيلية أن تفهم بأنّ عباس هو الشريك للتفاهمات والترتيبات الجزئية التي هي ليست اتفاقًا دائمًا. في هذا الإطار، محاولة مشتركة مع مصر للإعادة التدريجية للسلطة إلى غزة، بداية من تشغيل المعابر وفي وقت لاحق من خلال إعطاء أدوار حيوية أخرى في مجالات أمنية، مدنية واقتصادية.

3 اختيار متجدّد لبدائل سلطة حماس في القطاع، والذي من شأنه أن يحرمها من “شهادة التأمين” بأنّ سلطتها ليست هدفًا للإسقاط.

4 تحسين القدرات الاستخباراتية والعسكرية في القتال بالمجال تحت الأرضي.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي ‏INSS‏

اقرأوا المزيد: 1266 كلمة
عرض أقل
المؤتمر الدولي للقضايا الأمنية في موسكو (AFP)
المؤتمر الدولي للقضايا الأمنية في موسكو (AFP)

روسيا تربط ما يجري في أوكرانيا بالانقلابات في الشرق الأوسط

في أيار 2014، أُقيم في موسكو مؤتمر دولي للقضايا الأمنية. وكان موضوعه: الأمن في منطقة الشرق الأوسط، لكنه فعليًّا كان بخصوص ربط روسيا بين الأزمة الأوكرانية وبين الانقلابات في الشرق الأوسط

أُقيم في 20 حتى 23 أيار في موسكو مؤتمر دولي للقضايا الأمنية. كان موضوعه: أمن منطقة الشرق الأوسط، لكن المؤتمر تطرق فعليا إلى نظرة روسيا للعلاقات بين الأزمة الأوكرانية (أجريت انتخابات في أوكرانيا) وبين الانقلابات في الشرق الأوسط. اشتركت في المؤتمر النخبة الدولية الأمنية الروسية (وزير الدفاع ونائبه، وزير الخارجية ونائبه والقائد العسكري العام) وأُعطي منبر للدول التي رغبت روسيا في وجودها- إيران (وزير الدفاع)، سوريا (نائب القائد العام)، مصر (نائب القائد العام)، الصين، باكستان والهند.

لقد وجّه الروسيون حينما عرضوا وجهة نظرهم لتطور الأزمات في النظام الدولي، إصبع الاتهام للغرب، بقيادة الولايات المتحدة، الذي يبادر ويحرض “الانقلابات الملّونة”، الموجّهة لتغيير الأنظمة الحاكمة القائمة وتوسيع مناطق النفوذ الغربية التي تشمل فيما تشمل إحاطة روسيا بحزام من عدم الاستقرار.

حسب الرواية الروسية، فإن مجمل الانقلابات “للربيع العربي” قد حرّكها الغرب

عرض كبار المسؤولين الروس موقفًا موحدًا في الرابط الذي يربط بين الأحداث والمجريات في البلقان، العراق، أفغانستان، ليبيا، مصر وسوريا، إذ إن كلها نتيجة لأعمال “مدمّرة” للغرب في تلك الدول. والنتائج متساوية: (1) حرب أهلية تُراق فيها الدماء؛ (2) تبذير مليارات الدولارات من أجل حرب عبثية؛ (3) أزمة عامة؛ (4) إضعاف الدول حتى تفككها؛ (5) تسلل الجهات الإرهابية في الفراغ الذي تكوّن وتعاظمها. فلكل هذا تبعات سلبية على النظام العالمي من عدم الاستقرار، زيادة حدة الصرعات الجيوسياسية وتعميق الخلافات بين الدول، الطوائف والأديان.

يشخّص الروس ما يحدث في أوكرانيا كحلقة في سلسلة ستؤدي لتبديل الحكم، غليان الشعوب، تعاظم الصراعات الداخلية مع احتمال التدهور إلى حرب أهلية، وفقدان الاستقرار، وكل ذلك للإضرار بالتأثير الروسي. كذلك يفسرون الانسحاب المتوقع لقوات الناتو من أفغانستان بأنه حلقة تُضاف لهذه السلسلة، والتي ستؤدي إلى إسقاطات أمنية سلبية على روسيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ALEXEI NIKOLSKY / RIA-NOVOSTI / AFP)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ALEXEI NIKOLSKY / RIA-NOVOSTI / AFP)

عُرض التطرق للشرق الأوسط بما يتلاءم مع ذات النظرة للمجريات الدولية. حسب الرواية الروسية، فإن مجمل الانقلابات “للربيع العربي” قد حرّكها الغرب حسب نفس الدوافع التي ذُكرت أعلاه. في رأيهم، فإن النموذج الأمثل الوحيد للتعامل الجيد مع مجريات “الربيع العربي” هو الانقلاب المضاد المصري ومن هنا تُشتق المعادلة الصحيحة التي يجب أن تكون مؤسسة على تقوية الأطراف الدولية التقليدية. في إطار ذلك، ترى روسيا لنفسها مهمة ذات أهمية في تقوية هذه الأطراف الدولية، ولذا فهي تعزز علاقاتها مع مصر بعد الانقلاب، وتدعم الحكومة السورية وهي الوحيدة التي كانت قادرة على أن تحقق تفكيك الأسلحة الكيميائية في سوريا.

ما يميّز هذا المؤتمر كان الربط بين كل المجريات، وعرض مفهوم استراتيجي موحّد، ويتوسطه توجه اتهام الولايات المتحدة والغرب

فيما يخص إسرائيل، عرضت في المؤتمر تلميحات متعارضة. من ناحية، ظهر تقدير لسياسة إسرائيل بخصوص أوكرانيا، لكن من ناحية أخرى، قد وُضعت في مركز المشاكل في المنطقة. لقد عرض كبار المتحدثين الروس مركزية الموضوع الفلسطيني وتأثيره المهم على المجريات في المنطقة. حسب ادعائهم، إن فشل المرحلة الأخيرة لعملية السلام (استمرار المفاوضات بالتنسيق مع الوزير كيري) ينبع من السيطرة الأمريكية على الحكومة الإسرائيلية وتقرير معادلتها. لقد كرر المتحدثين الروس موقف روسيا التقليدي من العملية الإسرائيلية- الفلسطينية. فحسب المفهوم الروسي، يجب تحويل مسار العملية مع إعطاء روسيا دورًا مركزيًا يرتكز إلى إطار لجنة دولية.

في إطار هذه المباحثات، طُرح أيضًّا موضوع تسليح إسرائيل بالسلاح غير التقليدي، مع توجيه إصبع الاتهام نحوها، كما لو أنها لا تتيح جعل الشرق الأوسط منزوع من سلاح الدمار الشامل. لقد عُرض الموضوع بانسجام بين كبار المتحدثين وحظي بدعم من نائبين عن الشرق الأوسط وأسئلة المشاركين في المؤتمر. إضافة إلى موضوع العمليات السياسية مع الفلسطينيين، عرض الروس أيضًا موضوع اللجنة الدولية بخصوص “منطقة منزوعة سلاح الدمار الشامل”- الذي تقرر في استطلاع لهيئة الأمم لمنع انتشار السلاح النووي سنة 2010- كالنموذج الأمثل ولذلك فقد أكدوا على حيوية اجتماعها في السنة المقبلة.

تلخيص وتقييم

فلاديمير بوتين وباراك أوباما (AFP)
فلاديمير بوتين وباراك أوباما (AFP)

رغم أنه لا جديد في ادعاءات ومواقف روسيا، لكن ما يميّز هذا المؤتمر كان الربط بين كل المجريات، وعرض مفهوم استراتيجي موحّد، ويتوسطه توجه اتهام الولايات المتحدة والغرب، الذي انجر وراءها. واستُغل المؤتمر كمنبر للربط بين “الربيع العربي” والأزمة في أوكرانيا. لهذين الحدثين، بنظر الروس، تبعات سلبية على استقرار وأمن النظام الدولي.

بغضّ النظر عن صحة رأي الروس أو عدمها، يمكن رؤية رسالة فيه للغرب، وهي أن روسيا تفكر في تغيير سياستها، أي، عدا عن السياسية الفعالة في الساحة الدولية، كذلك خارج نطاق الاتحاد السوفيتي السابق. توضح روسيا، أن الشرق الأوسط يمكن أن يُستغل كميدان صراع مع الولايات المتحدة، كي تتحدى وتضر كذلك بالمصالح الأمريكية ولتأسيس أوتادها كدولة عالمية عظمى.

يهدف التهديد المُشار إليه والذي أساسه السياسة الفاعلة، من خلال الإضرار بالمصالح الأمريكية عامة، وفي الشرق الأوسط خاصة، إلى كبح تدخل الغرب فيما يحدث في أوكرانيا. لكن بالمقابل، أبدى الرئيس بوتين تلميحات عن استعداد للتروي أساسه الاتفاق بين الجانبين. لقد أبدى استعدادًا لقبول نتائج الانتخابات في أوكرانيا ولأي ترتيبات. الأساس الظاهر للاتفاق المستقبلي، هو التفاهمات التي طُرحت في مؤتمر جنيف بتاريخ 17/04/2014، التي اتفق حسبها على الحفاظ على استقلال أوكرانيا، وتغيير البنية الحكومية القائمة لبنية فيدرالية وتحقيق مبدأ الحيادية، مع عدم انضمام أوكرانيا للمنظمات الغربية (ناتو، والاتحاد الأوروبي).

توضح روسيا، أن الشرق الأوسط يمكن أن يُستغل كميدان صراع مع الولايات المتحدة، كي تتحدى وتضر كذلك بالمصالح الأمريكية ولتأسيس أوتادها كدولة عالمية عظمى

يبدو أن روسيا تفضّل أن تصل إلى تفاهمات مع الغرب فيما يخص أوكرانيا وذلك لأنها لا تملك القدرة على التعامل المتواصل- سياسيًّا واقتصاديًّا- مع الغرب، لذلك فهي معنية باتفاق يمكّنها من تحقيق تأثير ما في أوكرانيا، وستمنع انضمام أوكرانيا إلى دائرة التأثير الغربي. لكن، إن تم هذا الاتفاق، ستضطر روسيا إلى التنازل عن مكانة أوكرانيا المركزية في خططها الجيوسياسية لترميم العظمة والتأثير الروسي، على الأقل على المدى القريب والمتوسط. لكن، ثمة شك إذا كانت تستطيع روسيا الاستمرار لمدة طويلة على هذا الحال، لأنها ستبحث عن فرص أخرى لاسترجاع تأثيرها الكامل في أوكرانيا.

نشر المقال لأول مرة في موقع INSS

اقرأوا المزيد: 869 كلمة
عرض أقل