بتاريخ 28 أيلول، شن مقاتلو داعش معركة في محافظة دير الزور ضد قوات الأسد. قُتِل في غضون ساعات قليلة منها عشرات المقاتلين من الميليشيات الموالية لنظام الأسد، وأسِر جنديان روسيان، واحتُلت عدة مدن على طول الطريق المستخدمة لتوفير المعدّات لقوات الأسد، والتي تربط بين تدمور في مركز سوريا ودير الزور في الشرق.
تدير روسيا، إيران، والمليشيات المحلية المعارك والحياة اليومية في المناطق الواسعة الخاضعة لسيطرة نظام الأسد المحدودة
يشير نجاح المعركة التي شنتها داعش، بصرف النظر عن تقليص المناطق الخاضعة للمنظمة وخسارتها للكثير من مقاتليها في السنة الماضية، إلى ضعف قوة نظام الأسد. رغم أنه يبدو أن صمود الأسد مضمونا في ظل تغيير توازن القوى في ساحة المعركة في سوريا والمنطقة، فإن سيطرة النظام ضعيفة. تدير روسيا، إيران، والمليشيات المحلية المعارك والحياة اليومية في المناطق الواسعة الخاضعة لسيطرة نظام الأسد المحدودة.
لم يكن وضع الأسد أفضل منذ اندلاع المقاومة الشعبية في سوريا في عام 2011. غيّر التدخل الروسي توازن القوى في ساحة المعركة تغييرا جذريا مؤديا إلى تغييرات في مواقف الدول الداعمة للثوار. يشجب زعماء الدول الغربية أحيانا جرائم النظام ولكنهم لا يعتقدون أن هناك بديلا لنظام الأسد. لقد أصبحت قطر، سعوديّة، تركيا، والأردن مقتنعة أن نظام الأسد سيظل قائما. تسعى جارتا سوريا، وهما تركيا والأردن، إلى التركيز على ضمان مصالحهما السياسية على حساب المعارضة السورية؛ تركز تركيا على الصراع ضد الذراع السورية لحزب العمّال الكردستانيّ، وأما الأردن فيعمل على استئناف التجارة مع سوريا برعاية النظام لضمان حدوده ومنع دخول لاجئين آخرين.
تقلصت المُساعَدة الخارجية للثوار بشكل ملحوظ وأصبحت مشروطة بمشاركتهم في المفاوضات في أستانة التي يتغلب فيها مستوى توازن القوى لصالح نظام الأسد وداعميه بشكل ملحوظ. بفضل اتفاقات وقف إطلاق النار غير العادلة التي فرضتها الدول الداعمة على الثوار، أصبح يركز النظام ومؤيدوه مؤخرا على محاربة داعش في شرق سوريا. في غضون أشهر قليلة زاد النظام بشكل ملحوظ حجم المناطق الخاضعة لسيطرته وسيطر مجددا أيضا على بعض مصادر الطاقة الهامة شرق الدولة.
رغم هذا، فإن أهلية قوات النظام، سيطرته، وقدرته على إدارة المناطق الخاضعة لـ “نفوذه” تظهر صورة مختلفة تماما: لم يكن وضع الأسد أسوأ ذات مرة. الضعف في قوة الجيش السوري ما زال قائما؛ ليست هناك دافعية لدى معظم المقاتلين وهم لا يتلقون تدريبا كما ينبغي، لهذا على النظام أن يعتمد على تجنيد المواطنين المطلوبين للخدمة قسرا، وأحيانا على المجرمين الذين يُطلق سراحهم من السجون شريطة أن يخدموا في الجيش. إضافة إلى هذا، تموّل إيران والقيادة السورية المقرّبة من النظام “قوات الدفاع الوطني”، وهي مليشيات محلية تُستخدم كقوات مساعدة للجيش. يقوم الكثير بهذه الخدمة من أجل الراتب أو التهرّب من الخدمة العسكرية، لأن الراتب مقابل هذه الخدمة أعلى من الراتب في الجيش وهي تعتبر خطيرة أقل.
منذ عام 2012، لا تنجح القوات السورية التي تخدم في صفوف نظام الأسد في هزيمة الثوار أو داعش بنفسها، وهي تعتمد على مساعدة هامة من عشرات آلاف المقاتلين الشيعة الأجانب التي أرسلتهم إيران إلى سوريا، من بينهم ضباط وخبراء إيرانيون وروس، وعلى سلاح الجو الروسي للانتصار في ساحة المعركة. يتعامل الضباط الأجانب مع المقاتلين السوريين بسخرية، وهم يتحملون مسؤولية بلورة استراتيجية، وإدارة المعركة في أرض الواقع أحيانا. أكثر من ذلك، أقامت الميليشيات الشيعية الأجنبية، لا سيما حزب الله اللبناني، قواعد في سوريا وأذرعا محلية من المليشيات التابعة لها، المنافسة لجيش الأسد من خلال تجنيد شبان سوريين في صفوفها.
بعيدا عن ساحة المعركة، في المناطق الخاضعة، للوهلة الأولى، لنظام الأسد فإن الوضع ليس أفضل. في ظل انعدام القانون بشكل عامّ، يستغل المقاتلون وضباط المليشيات الموالية ظاهريا للنظام ضعف النظام داخليا بهدف القتل، الاغتصاب، السرقة، وخطف المواطنين لأهداف تكفيرية، جباية الضرائب من المارة في الحدود، وجباية أموال الحماية من أصحاب المصالح والتجار واستغلال صلاحيتهم بشكل سيء بطرق مختلفة، من خلال انتهاك القانون بشكل لاذع. تجاهل النظام هذه المشكلة طيلة سنوات. خلال عام 2017، بذل جهوده لتقليص حجم الظاهرة، ولكن باءت محاولاته بالفشل. بالإضافة إلى ذلك، بسبب نقص أداء النظام، احتكر جزء من المليشيات قسم من توفير الخدمات العامة مثل المواصلات العامة، توفير المياه، والخدمات الطبية.
في ظل هذا الضعف، لن يكون في وسع الدولة التي ستتمركز في سوريا بعد هزيمة النظام في المعركة (سواء كان من خلال القضاء على جيوب الثوار وداعش أو تجميد مؤقت للجبهات ضد الثوار)، إرساء القانون والنظام أو توفير خدمات منتظمة للمواطنين طيلة سنوات. في ظل التدهور الاقتصادي في سوريّا سيظل النظام متعلقا بالمساعدات الأجنبية لدفع رواتب عمال الدولة، توفير الخدمات الأساسية، وبدء عملية التأهيل.
أبعد من ذلك، فإن أباطرة الحرب الذين نجحوا في أن يسيطروا على النظام لن يتنازلوا عن قوتهم بسهولة، وعلى النظام أن يأخذ مصالحهم بعين الاعتبار. لا يُتوقع أن تختفي أذرع حزب الله المحلية والمليشيات الشيعية الأخرى في سوريا لأن النظام لن يكون قادرا على مواجهة إيران وحزب الله المعنيان بالحفاظ على تأثيرهما في سوريا وقدرتهما على المبادرة لشن هجوم من أراضيها.
من المتوقع أن يواصل بشار الأسد السيطرة على الحكم بعد انتهاء الحرب، ولكن حكمه سيكون ضعيفا، ومتزعزعا عند النظر إلى المناطق المدمّرة في سوريا.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي