أفرايم كام

نائب رئيس معهد أبحاث الأمن القومي،‏ مختصّ في المشاكل الأمنيّة في الشرق الأوسط، ولا سيّما في شأن التهديد الإيراني، الاستخبارات الاستراتيجيّة، ومسائل الأمن القومي الإسرائيليّ.
مظاهرة في اليمن تأييداً لمساعي الملك سلمان في حربه على الحوثيين (AFP)
مظاهرة في اليمن تأييداً لمساعي الملك سلمان في حربه على الحوثيين (AFP)

الحرب في اليمن: اختبار للإجماع العربي

لدى خروج السعودية إلى المعركة أخذت على نفسها مستوى من المقامرة، حيث إنها غير قادرة الآن على أن تسمح لنفسها بالخروج خاسرة في صراع على عتبة بابها. من المرتقب أن تستدعي عمليّاتها العسكرية ردّا إيرانيّا مؤلمًا - من قبل الحوثيين أنفسهم أو من قبل غيرهم

قد تكون عمليات التحالف العربي في اليمن لا تزال في بدايتها، ولكن يمكن من الآن فعلا أن نستنتج نتائج أولية وأن نقيّم دلالاتها.‎ ‎بدايةً، وجدت الدول العربيّة صعوبة منذ سنوات في التوحّد لعملية حقيقية، وخصوصا في عملية عسكرية، للدفاع عن مصالحها. ولكن اليوم، فإنّ جهود إيران لاختراق الساحات المختلفة في أنحاء المنطقة وتوسيع نفوذها فيها، هي التهديد الأخطر على الإطلاق – على الأقل بالنسبة لجزء من الدول العربيّة. وفقًا لذلك، يمكن من الآن فعلا الحديث عن إنجاز للإجماع العربي على ضوء قدرته على التكتّل بسرعة وبفاعلية غير مسبوقة لإزالة التهديد المتأصّل، وفق رؤيته، بتزايد النفوذ الإقليمي الإيراني. إذا تُوّجت العملية العسكرية ضدّ الحوثيين وأنصارهم في اليمن بالنجاح، فمن الممكن أن تُشكّل بداية لعمليات عسكرية مشتركة في المستقبَل أيضًا.

ثانيًا، كشف الإجماع العربي عن الاستعداد في تنفيذ عملية عسكرية كبيرة أيضًا دون القيادة الأمريكية، كما حدث في الماضي حتى عندما كان الأمر دفاعا عن المصالح العربية. واليوم، خرجت الحكومات العربية لعدم وجود خيار آخر على رأس المعسكر عندما تشكّل في نظرها تهديد حقيقي وخطير على أمن بلدانها. ونؤكّد مع ذلك، على أنّه ما زال الحديث عن صراع ضدّ تنظيم غير دولي ولا يملك قوة دولة، وفي ساحة قريبة ومعروفة للسعوديين (رغم أن الحوثيين يتمتّعون بالمساعدات الإيرانية الكبيرة، ولكنّهم بعيدون بمسافة كبيرة عن القدرات التي وصل إليها حزب الله على سبيل المثال).

إنّ جهود إيران لاختراق الساحات المختلفة في أنحاء المنطقة وتوسيع نفوذها فيها، هي التهديد الأخطر على الإطلاق – على الأقل بالنسبة لجزء من الدول العربيّة

ثالثًا، انتقلت الولايات المتحدة هذه المرة أيضًا إلى المقعد الخلفي. وذلك، بسبب رغبتها في عزل المفاوضات التي تجريها مع إيران في الشأن النووي عن الصعوبات الأخرى والتوصل إلى إنهائه قريبًا. ولذلك أعلنت الإدارة بأنّها لن تطرح قضية الأحداث في اليمن والتدخّل الإيراني فيها أمام الإيرانيين خلال المحادثات النووية. ورغم ذلك، يمكننا أن نلاحظ تدخّل إدارة أوباما من وراء الكواليس في العملية، وبشكل أساسي بسبب طموحه في تقليص التدخّل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. ولكن تصريحات الإدارة بخصوص ما يحدث في اليمن كانت ضعيفة نسبيّا، وكان التدخّل العسكري واهنًا: تقديم مساعدة استخباراتية ولوجستية (عمليات البحث والإنقاذ) للقوات العربية. من جهة أخرى، نظرا لأن الإدارة أوضحت أنّها لا ترغب بالربط بين قضية اليمن والمحادثات النووية، يمكننا الافتراض، أنّ هذه المحادثات لن تؤثّر بشكل ملحوظ على التوتّر الإقليمي، الذي نشأ عقب التطوّرات في اليمن وتجدّد الاهتمام في التدخل الإيراني بالدول العربية. رغم ذلك، فالإدارة تواجه حالة غير مريحة، حيث إنّ عليها أن تُفسّر جهودها في التقدّم بسرعة باتجاه اتفاق في الشأن النووي، في الوقت الذي ينكشف فيه مجدّدا التدخّل الإيراني العميق في دول أخرى وفي الوقت الذي يصطفّ فيه جزء كبير من العالم العربي ضدّ إيران.

مقاتلو الائتلاف ضد الحوثيين (AFP)
مقاتلو الائتلاف ضد الحوثيين (AFP)

فضلًا عن ذلك، فقد أثبتت العملية القوة الاقتصادية والسياسية لدى دول الخليج في الفضاء العربي. إنها لا تزال بحاجة إلى مساعدة عسكرية ودعم سياسي لدول عربية أخرى، وعلى رأسها مصر، من أجل الحصول على الشرعية والدعم العسكري لعمليّاتها، ولكن وزنها في الشرق الأوسط بعد الاضطرابات العربية قد ازداد. لا يزال الجيش المصري هو أقوى الجيوش العربية، ولكن في أعقاب الصدمة التي مرّت بها مصر في السنوات الأخيرة اضطرّ نظام السيسي إلى الحصول على مساعدات مالية كثيفة تُنقل إليه من دول الخليج – وحيث إنّ لديه هو أيضًا مصالح حيوية في إبقاء مضيق باب المندب، الذي هو الممرّ المائيّ الاستراتيجي الأبرز لقناة السويس، مفتوحا وبعيدا عن النفوذ الإيراني.

لدى مصر مصالح حيوية في إبقاء مضيق باب المندب، الذي هو الممرّ المائيّ الاستراتيجي الأبرز لقناة السويس، مفتوحا وبعيدا عن النفوذ الإيراني

يجب أن نضيف إلى النشاط والتماسك العربي تطوّرا آخر، يتعلّق بفاعلية المملكة السعودية نفسها. في الواقع، فمنذ بداية الاضطرابات التي اجتاحت العالم العربي في السنوات الأخيرة كان بالإمكان أن نميّز الحيوية في السياسة الخارجية السعودية، بعد أن تميّزت هذه الأخيرة على مدى سنوات بالسلبية نسبيّا. تمثّلت هذه الحيوية، من بين أمور أخرى، بدخول قوة سعودية إلى البحرين عام 2011. علاوة على ذلك، يجلس في الرياض الآن ملك جديد، أكثر نشاطا من سابقه، وهو يحاول بطرق مختلفة أن يوحّد الفضاء العربي وأن يجرّ وراءه الدول الإسلامية الرائدة بهدف إيقاف تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة. حقّق الملك إنجازات كبيرة، وكدليل على ذلك، فقد نجح في جلب أطراف متخاصمة إلى المعسكر السنّي، تركيا ومصر، لدعم عمليّاته في اليمن.

الملك سلمان يستقبل السيسي في الرياض  (AFP)
الملك سلمان يستقبل السيسي في الرياض (AFP)

من الناحية السياسية والاقتصادية فليست اليمن دولة عربية مهمّة بشكل خاصّ، ولكن أهميّتها نابعة من موقعها؛ قربها من المملكة العربية السعودية، التي تربطها بها حدود على طول 1,800 كيلومتر، ومضيق باب المندب (البوابة الجنوبية لقناة السويس ولإسرائيل أيضًا). واليمن هي أيضًا واحدة من عدّة ساحات، التي وُجد فيها صراع على طابع الشرق الأوسط بين إيران وأتباعها وبين الكتلة السنية الملكية. بحسب رؤية السعوديين، إذا رسّخت إيران نفوذها في اليمن، فسيكونون محاطين من كلا الجانبين من قبل إيران، والتي بإمكانها بسهولة أن تحرّض الشيعة الزيديّين في المملكة العربية السعودية نفسها. فضلا عن ذلك، فاليمن هو ساحة دولية للحرب على الإرهاب السنّي المتطرّف، بعد أن أقامت فيه القاعدة قاعدتها الرئيسية في شبه الجزيرة العربية.‎

[mappress mapid=”16″]

‎وتلك هي أيضًا الأسباب التي جعلت إيران تبذل جهودا على مدى سنوات في إنشاء بؤرة نفوذ في اليمن، حيث إنّ قاعدتها هي العلاقة الشيعية للمتمرّدين الحوثيين. بعد أن أقامت إيران مركزَيّ نفوذ في منطقة البحر المتوسّط: في لبنان، بواسطة حزب الله، وفي قطاع غزة، بواسطة حماس، من المهم بالنسبة لها أن تنشئ مركزا مماثلا في اليمن في منطقة البحر الأحمر. من المفترض أن يُستخدم هذا المركز لتشكيل ضغط على السعودية، ليس فقط من جهة الشمال الشرقي، وإنما أيضًا من جهة الجنوب الغربي. في الواقع، فإنّ نموذج التدخّل الإيراني في اليمن يشبه ذلك الذي أسّسته في العراق: الدعم بالمال، السلاح والتدريبات العسكرية للميليشيات المسلّحة المحلّية، من أجل جعلها عامل قوة رئيسي في البلاد، ويكون معتمدا عليها. وفقًا لذلك، فمن الواضح أنّ العملية العسكرية بقيادة السعودية وبمشاركة الدول العربيّة الأخرى غير مرغوبة بالنسبة لإيران، لأنّها موجّهة بشكل كبير ضدّ تدخّلها في اليمن وقد تجرّ وراءها عمليات جماعية أخرى، ليس عسكرية فقط، في مراكز نفوذ إيرانية في الفضاء العربي.

رجل انقاذ في احد المواقع التي استهدفتها الغارات السعودية على مراكز للحوثيين في صنعاء (AFP)
رجل انقاذ في احد المواقع التي استهدفتها الغارات السعودية على مراكز للحوثيين في صنعاء (AFP)

في النهاية، أخذت السعودية على نفسها مستوى من المقامرة لدى خروجها إلى المعركة، حيث إنها غير قادرة الآن على أن تسمح لنفسها بالخروج خاسرة في صراع على عتبة بابها. من المرتقب أن تستدعي عمليّاتها العسكرية ردّا إيرانيّا مؤلمًا – من قبل الحوثيين أنفسهم أو من قبل غيرهم. لم تتردّد إيران في السنوات الأخيرة في محاولة الإضرار بالمصالح السعودية في المملكة نفسها أو خارجها. (نذكر في هذا السياق محاولة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة عام 2011، بالإضافة إلى الهجمة الإلكترونية الإيرانية التي شلّت نظام الكمبيوتر لشركة أرامكو السعودية عام 2012). تسعى السعودية في عمليّتها هذه أن تقطع التدمير الإيراني على حدودها الجنوبية بالإضافة إلى ردع النشاطات الإيرانية الأخرى.

الاختبار اليمني لدى المملكة العربية السعودية يتلخّص بالتالي: تحقيق إنجاز عسكري يقود إلى تسوية سياسية، تستطيع المملكة أن تتعايش معها. حتى التسوية، التي سيخرج الحوثيون بحسبها مع تلبية نصف تعطّشهم فحسب، ستكون ضربة لإيران

لا يمكن الانتصار على الحوثيين من الجوّ. وليس هذا هو الهدف أيضًا. الهدف الرئيسي للمملكة السعودية هو إعادة الحوثيين إلى طاولة المفاوضات على مستقبل اليمن بواسطة رافعة الضغط العسكرية. والهدف الثانوي للمملكة السعودية، هو منع استخدام الوسائل القتالية المتقدّمة – كالطائرات الحربية وصواريخ أرض-أرض -من قبل الحوثيين ضدّها، بالإضافة إلى منع سقوط المدينة الساحلية الاستراتيجية، عدن، بأيديهم، حيث سيكملون بذلك في الواقع سقوط اليمن كلّه.

يبدو أنّ الحوثيين، في فتوحاتهم السريعة، قد ألّبوا عليهم قوى أكثر قوّة منهم، والتي ستؤدّي إلى الإضرار بقوّاتهم وإلى انسحابهم للوراء. يبدو أنّهم لو لم يكونوا “جشعين” إلى هذه الدرجة، فقد كان بإمكانهم أن “يهضموا” اليمن بشكل أسهل. احتمالات السعودية بأن تدفع الحوثيين للتراجع إلى الوراء أكبر من قدراتها على التعامل مع فروع إيران في ساحات أخرى، حتى لو كانت فقط بسبب وجود الألفة الحميمة مع عناصر مختلفة في المجتمع والسياسة اليمنية وقرب اليمن الجغرافي منها. ومع ذلك، على السعوديين أن يستغلّوا بسرعة وكفاءة الزخم العسكري والسياسي الذي حقّقوه من أجل محاولة التوصّل إلى تسوية سياسية؛ أيضًا مع إعطاء تأثير أكبر للحوثيين بالمقارنة مع الماضي. إذا لم ينجحوا في القيام بذلك، فمن المرتقب أن يجدوا أنفسهم غارقين في الوحل اليمني.

استنفار أمني عند الحدود السعودية-اليمنية (AFP)
استنفار أمني عند الحدود السعودية-اليمنية (AFP)

الاختبار اليمني لدى المملكة العربية السعودية يتلخّص بالتالي: تحقيق إنجاز عسكري يقود إلى تسوية سياسية، تستطيع المملكة أن تتعايش معها. حتى التسوية، التي سيخرج الحوثيون بحسبها مع تلبية نصف تعطّشهم فحسب، ستكون ضربة لإيران بل وربّما تعطي دفعة للقوات التي تقاتلها في الساحات الأخرى.

في النهاية، يكمن في العملية الجماعية بقيادة السعودية جانب إيجابي كبير لإسرائيل. تلفت هذه العملية الانتباه إلى التدخّل الإيراني في الدول الأخرى في الشرق الأوسط ونفوذها المتزايد في المنطقة، وهي تدلّ على أنّ التهديد النابع من إيران غير متعلّق فقط بجهودها في الحصول على السلاح النووي، وإنما أيضًا في سعيها الواضح لتصبح القوة الإقليمية الرائدة في المنطقة. من غير المستبعد، أن تساعد هذه العملية في إنشاء مصالح مشتركة بين إسرائيل والدول الأعضاء في التحالف السعودي.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع INSS

اقرأوا المزيد: 1370 كلمة
عرض أقل
الرئيس الروسي فلاديمر بوتين خلال زيارة سابقة لمصر(YURI KADOBNOV / AFP)
الرئيس الروسي فلاديمر بوتين خلال زيارة سابقة لمصر(YURI KADOBNOV / AFP)

على ضوء الخلافات مع واشنطن، بوتين في القاهرة

بعد أيام من قيام نائب الرئيس الأمريكي، بايدن، بتوجيه انتقادات لاذعة له، الرئيس الروسي يزور مصر. في العام الأخير تزداد علامات ابتعاد مصر عن الولايات المتحدة وتقربها من روسيا

سيصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مصر اليوم لأول زيارة من نوعها منذ مدة طويلة. هذه أول زيارة لرئيس روسي للقاهرة، خلال العقد الأخير، ما يدل على تقارب كبير بين موسكو والقاهرة، التقارب الذي تعزز منذ سقوط نظام الإخوان المُسلمين.

ستستمر زيارة بوتين إلى مصر مدة يومين وستتضمن سلسلة من اللقاءات والاستشارات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. يُتوقع، فضلًا عن ذلك، أن يحضر الرئيس بوتين عرضًا موسيقيًا في دار الأوبرا في القاهرة. بهذا يحاول بوتين أن يقول لأعدائه الأمريكيين إن تهديداتهم بعزل نظامه لا تُخيفه.

صرح نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قبل أيام بأن الولايات المتحدة ستستمر بالوقوف إلى جانب أوكرانيا ضد الهجوم الروسي عليها. زاد الهجوم، الذي يقوم به انفصاليون روس داخل حدود أوكرانيا، في الآونة الأخيرة. وقال بايدن: “ممنوع ترك روسيا تُعيد من جديد وضع خارطة أوروبا، لأن هذا تمامًا ما يفعلونه”.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمر بوتين (AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمر بوتين (AFP)

تُشكل زيارة بوتين هذه إلى روسيا ذروة الموجة، المُستمرة منذ جلوس عبد الفتاح السيسي على سدة الحكم، المتمثلة بتعزيز العلاقات بين مصر وروسيا

تُشكل زيارة بوتين هذه إلى روسيا ذروة الموجة، المُستمرة منذ جلوس عبد الفتاح السيسي على سدة الحكم، المتمثلة بتعزيز العلاقات بين مصر وروسيا. في تشرين الأول 2013، زار مُدير الاستخبارات العسكرية الروسية القاهرة. في تشرين الثاني، وصل إلى القاهرة معًا وزيرا الدفاع والخارجية الروسيّان – للمرة الأولى منذ بداية السبعينات. إثر الزيارة، زار موسكو في شباط 2014 وزير الدفاع والإنتاج الحربي عبد الفتّاح السيسي  بمرافقة وفد عسكريّ رفيع المُستوى.

كان الموضوع المركزيّ الذي طُرح في هذه الاتّصالات زيادة التعاوُن العسكري بين الدولتَين. وفق تقارير عديدة، جرى في المحادثات النقاش حول – وربّما التوافق على – صفقة سلاح كبيرة بين الجانبَين، لفترةٍ تبلغ عامَين حتّى ثلاثة أعوام. يُفترَض أن تشمل الصفقة طائرتَي ميغ 29، مروحيات من طراز إم آي 35، منظومات دفاع جويّ، منظومات صواريخ شاطئيّة مضادّة للسُّفن، وأسلحة متقدّمة مضادّة للدبّابات.

ويُفترَض أن تموّل المملكة العربية السعودية والإمارات العربيّة المتّحدة الصفقة. في ختام زيارة الوزيرَين المصريَّين إلى موسكو، لم يُنشَر إعلان حول الصفقة. وفق بعض التقارير، جرى التوصُّل إلى اتّفاق مبدئي حولها، لكنه لم يُوقَّع بعد، وقد يجري الاتّفاق النهائي في لقاء ممثّلي الحكومتَين في آذار 2014‏‎.

كانت هذه الخطوات الاستراتيجية سبب تفاقم التوتر والغضب بين الولايات المتحدة وبين مصر، الغضب الذي كان شديدًا أساسًا بسبب عدم الدعم من قبل إدارة أوباما لعبد الفتاح السيسي لإسقاط حكم الإخوان المسلمين

في إطار التعاوُن، أُبلغ أنّ مصر ستزوّد روسيا بخدمات بحريّة في ميناء الإسكندرية، تكون بديلًا للخدمات التي تنالها روسيا في ميناء طرطوس السوريّ، في حال سقوط نظام الأسد. ويمكن أن تشتمل العلاقات الموسَّعة أيضًا على تعاوُن في مجال الحرب على الإرهاب، تدريبات عسكريّة مشتركة، وتعاوُن تقنيّ، وكذلك في المجال الاقتصادي – تجديد المنظومة الكهربائية في سدّ أسوان‎.

دورية للجيش المصري في رفح على الحدود مع قطاع غزة (AFP)
دورية للجيش المصري في رفح على الحدود مع قطاع غزة (AFP)

كانت هذه الخطوات الاستراتيجية سبب تفاقم التوتر والغضب بين الولايات المتحدة وبين مصر، الغضب الذي كان شديدًا أساسًا بسبب عدم الدعم من قبل إدارة أوباما لعبد الفتاح السيسي لإسقاط حكم الإخوان المسلمين. يُضاف هذا التوتر إلى العلاقات السيئة بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب ما يحدث في أوكرانيا.

لكنّ ما أثار غضب المصريين بشكل خاصّ هو قرار الإدارة الأمريكية تجميدَ قسم من المُساعَدة الأمريكية المقدَّمة إلى مصر، لا سيّما أنّ ذلك يأتي في وقتٍ تناضل فيه القيادة من أجل درء خطر موجة التفجيرات الإرهابية وفرض القانون والنظام. وكان قرار الإدارة الأمريكية أشبه بتسوية بين الذين طالبوا – في الكونغرس أيضًا – بتجميد المُساعَدة العسكرية لمصر، وبين الذين حذّروا مِن خطوات قد تمسّ بالمصالح الأمريكية، بما في ذلك علاقات السلام بين مصر وإسرائيل.

فكان أن قرّرت الإدارة تجميد قسمٍ من المُساعَدة العسكرية لمصر بقيمة 250 مليون دولار، وتأجيل الشحنات المخطَّط لها لبضع طائرات‎ F-16 ، مروحيّات أباتشي، صواريخ مضادّة للسفن، وقطع للدبّابات – بانسجامٍ مع حظر تقديم المساعدة لدولةٍ تمّت الإطاحة بزعيمها بانقلابٍ عسكريّ.

نُشرت أجزاء من هذه المقالة لأول مرة ‎ ‎على موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS‏

اقرأوا المزيد: 587 كلمة
عرض أقل
جنود عراقيون من الشيعة (AFP)
جنود عراقيون من الشيعة (AFP)

الصدمة في العراق: الزاوية الإيرانية

تجربة السنوات الأخيرة تُظهر، أنّ لإيران ميزة كبيرة على الولايات المتحدة في بناء نفوذها في العراق، وبرزت هذه الميزة أكثر بعد خروج القوات الأمريكية من العراق

يعكس نجاح تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) في السيطرة على مساحة كبيرة وعلى مدن رئيسية في شمال غرب العراق، فشل الأطراف الأخرى أيضًا. إنّه يعكس فشل حكومة نوري المالكي الشيعي، الذي ظهر كحاكم مستبدّ، فاسد وغير فعال، والذي قبل كلّ شيء لم يجلب مصالحة حقيقية مع السنة واستمرّ في عزلهم ودفعهم إلى الزاوية. ويعكس أيضًّا فشل الولايات المتحدة، التي أسّست في العراق قوات أمنية كبيرة، والتي تضمّنت مئات الآلاف من الجنود ورجال الشرطة، والذين لم يكونوا في الحقيقة قادرين على الدفاع عن العراق أمام عدوّ خارجي، ولكن كان من المفترض أن يفرضوا فيها القانون والنظام وتعزيز الاستقرار. في الواقع، فقد ظهر أنّ هذه القوى الأمنية جسم غير متماسك، ويفتقد العزم، والقيادة والكفاءة، ولم تكن قادرة على مواجهة هجمات الميليشيات السنّية، الأصغر منها بكثير، وإدارة القتال في المناطق الحضرية، وخصوصًا في المناطق السنّية.

إنّ نجاح داعش يعكس أيضًا فشل إيران. ففي السنوات الماضية، أصبحت إيران الجهة الخارجية الأهم والأكثر نفوذًا في العراق، وخصوصًا بعد أن خرجت القوات الأمريكية منها في نهاية عام 2011. كان هدف إيران بناء العراق كدولة مستقرة وموحّدة، ضعيفة وغير مهدِّدة من الناحية الأمنية، متعلّقة بإيران وتُقاد من قبل الأغلبية الشيعية المرتبطة بإيران. اعتمدت إيران لتحقيق هذا الهدف على روابطها مع الجهات الشيعية الكثيرة في العراق، ومن ضمنها ميليشيات مسلّحة، أحزاب، قادة سياسيين، رجال دين وهيئات عامة- وذلك بواسطة إقامة علاقات من خلال تقديم مساعدات عسكرية ومالية. كانت لهذا النفوذ حدود، بشكل أساسيّ بسبب اهتمام الجهات الشيعية بألا تكون متعلّقة أكثر من اللازم بإيران، وتحفّظ السنة منها. ولكن عمومًا، كان التدخّل الإيراني في العراق غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، ونشأ بسبب ضعف العراق والوصول التاريخي للشيعة إلى السلطة فيه.

كان هدف إيران بناء العراق كدولة مستقرة وموحّدة، ضعيفة وغير مهدِّدة من الناحية الأمنية، متعلّقة بإيران وتُقاد من قبل الأغلبية الشيعية المرتبطة بإيران

إنّ سيطرة تنظيم داعش على أجزاء من أراضي العراق يشكّل سببًا للقلق الكبير في نظر إيران، ويعتبر بالنسبة لها جزءًا من الصراع السنّي الشيعي. وبشكل عام، فإنّ عدم الاستقرار خارج حدود إيران ليس أمرًا مرغوبًا به من جهة إيران، وأيضًا لأنّه قد يتسرّب إلى مجالها ويضرّ باستقرارها، لكونها دولة أقليّات. يضرّ نجاح التنظيم السنّي بالمعسكر الشيعي، والذي يرتكز عليه النفوذ الإيراني في العراق، وبشكل أساسي بالميليشيات الشيعية المسلّحة التي تدعم إيران جزء كبير منها.

تعتبر البؤرة الجهادية في سوريا مكوّنًا مهمّا في مقاومة نظام الأسد، حليف إيران، وقد أجبرتها على التدخّل في سوريا وعلى تقديم المساعدة العسكرية الكبيرة للنظام، وهي خطوة أثارت الانتقادات ضدّها في دول مختلفة. إنّ التدهور الحاصل في العراق، والذي يغذّي كذلك التهديد ضدّ نظام الأسد، قد يُجبر النظام الإيراني بالتدخّل والتورّط في القتال، حتى لو كان محدودًا، في حدود جارته العراق من جهة الغرب. على المدى البعيد، إذًا أدّى التدهور في العراق إلى انفصالها لثلاث دول، فقد يكون لذلك تأثير سلبي على إيران، وخصوصًا على ضوء المكوّن الكردي المتواجد ضمن السكان أيضًا.

جنود عراقيون من الشيعة خلال تدريبات عسكرية (AFP)
جنود عراقيون من الشيعة خلال تدريبات عسكرية (AFP)

وعلى ضوء القلق من استمرار التدهور في العراق، فقد أعلن قادة إيران بأنّهم سيساعدون الحكومة العراقية، في حال طلبت المساعدة، وأنّهم سيدافعون عن الأماكن المقدّسة للشيعة في العراق. وقد أظهرت التقارير القادمة من العراق، بأنّ هناك كتيبتان من قوى “القدس” التابعة للحرس الثوري الإيراني قد دخلتا للعراق، من أجل المساهمة في الدفاع عن بغداد والمدن المقدّسة، النجف وكربلاء، وأنّ قائد الحرس الثوري وصل إلى العراق للتنسيق الأمني مع القوى الأمنية والميليشيات الشيعية هناك. وقد ذكر مسؤولون أمنيّون إيرانيون أنّ إيران تدرس إمكانية إرسال قوات مساعدة أكثر للعراق وأنّها قد عزّزت من استعدادها بالقرب من الحدود مع العراق، وأعلنت أنّها ستعرقل كلّ قوة تقترب لمسافة 100 كيلومتر من الحدود.

إنّ سيطرة تنظيم داعش على أجزاء من أراضي العراق يشكّل سببًا للقلق الكبير في نظر إيران، ويعتبر بالنسبة لها جزءًا من الصراع السنّي الشيعي

إنّ إرسال قوات محدودة من الحرس الثوري إلى العراق هو خيار مرجّح لعدّة أسباب: فالبؤرة الجهادية في العراق تهدّد إيران أيضًا؛ وإيران ملزمة بالدفاع عن الأماكن المقدّسة ومساعدة الميليشيات الشيعية في العراق؛ قوة “القدس” معدّة أيضًا لمهمّات كهذه، ونقل القوات من إيران للعراق أسهل من نقلها إلى سوريا؛ بخلاف المساعدة العسكرية الإيرانية لسوريا، فلن تقف إيران أمام الانتقادات الدولية لمساعدتها للعراق، بل على العكس، سيكون هناك من يرحّب بذلك؛ وإلى جانب المخاطر على إيران، فهناك أيضًا احتمال – عقب تهديد المعسكر الشيعي واحتياجه للدعم الخارجي – أن يزيد التدخّل في العراق من النفوذ الإيراني فيها.

وفي هذا السياق تُطرح إمكانية التعاوُن بين الولايات المتحدة وإيران في القضية الرئيسية. انطلاقًا من المخاوف تجاه التهديد الذي نشأ في العراق، فتكشف الإدارة الأمريكية عن اهتمامها بالتعاون مع إيران، وإنْ كان في ظروف معيّنة ومن خلال الشكّ باحتمال تحقّق ذلك. قال وزير الخارجية، كيري، إنّ الإدارة الأمريكية مستعدة لمناقشة التعاوُن مع إيران بشأن مسألة العراق ولا تستبعد أيّ شيء، طالما أنّ الحديث عن خطوة بنّاءة تساعد في استقرار العراق. وكذلك يؤيّد وزير الدفاع، هيغل، فحص هذا الخيار. وقد أشار الرئيس أوباما إلى أنّه بإمكان إيران أخذ دور بنّاء – ولكن أيضًا دور هدّام – في العراق. في الجانب الإيراني، فإنّ التصريحات ليست موحّدة في هذه المسألة، وتعكس كما يبدو خلافات في القيادة بشأنها. قال الرئيس روحاني إنّ إيران مستعدّة لدراسة التعاوُن مع الولايات المتحدة، فيما لو اتّخذت الأخيرة خطوات ضدّ التنظيمات الإرهابية في العراق. ولكن قال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، ووزير الدفاع السابق، علي شمخاني، إنّ التعاون بين الولايات المتحدة وإيران في الشأن العراقي ليس أمرًا واقعيّا، ويرجّح نائب وزير الخارجية أنّه لا حاجة لمحادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في الشأن العراقي، لأنّ العراق قادرة على الاهتمام بشؤونها.

من الصعب الافتراض أن يكون هناك تعاوُن حقيقي متوقع بينهما في المجال العسكري، ربّما باستثناء تبادل المعلومات الاستخباراتية

على أيّ شيء يمكن أن يرتكز التعاون بين الولايات المتحدة وإيران في الشأن العراقي، في حال تطوّر مثل هذا التعاون؟ من الصعب الافتراض أن يكون هناك تعاوُن حقيقي متوقع بينهما في المجال العسكري، ربّما باستثناء تبادل المعلومات الاستخباراتية. فيما لو اتخذت الولايات المتحدة خطوات عسكرية في العراق – وخصوصًا هجمات جوية – فإنّها لن تحتاج إلى إيران لتنفيذها، وإيران أيضًا لن تكون راغبة بذلك. وقد نفى المتحدّث الرسمي باسم البيت الأبيض احتمال التعاوُن العسكري مع إيران في العراق، وأكّد على أنّ الولايات المتحدة غير راغبة بتنسيق العمل العسكري مع إيران. وأيضًا فإنّ إرسال مساعدات عسكرية للحكومة العراقية؛ كالاستخبارات، السلاح، الدعم اللوجستي، المستشارين والإرشاد؛ لا يحتاج إلى تعاوُن مع إيران. ستكون الإدارة الأمريكية معنيّة أكثر بالتعاون السياسي، لا سيّما استغلال النفوذ الإيراني في المعسكر الشيعي، من أجل تغيير رئيس الحكومة العراقية المالكي، أو على الأقل دفعه لعمل مصالحة حقيقية مع المعسكر السنّي، وذلك من أجل دقّ إسفين بين أهل السنة وداعش وإضعاف التنظيم.

مقاتلون من داعش في العراق (AFP)
مقاتلون من داعش في العراق (AFP)

ستقف عراقيل كثيرة أمام تعاون كهذا. فهناك بين الولايات المتحدة وإيران شكوك عميقة. لا يوجد بينهما تقاليد للتعاون، فيما عدا مجالات محدودة قبيل العملية العسكرية الأمريكية في أفغانستان. والأهمّ من ذلك، فهناك مصلحة مشتركة لدى الدولتين في إيقاف البؤرة الجهادية في العراق والقضاء عليها. ولكن فيما عدا ذلك تختلف أهدافهما، بل تتناقض. وتسعى الولايات المتحدة إلى بناء نظام ديمقراطي في العراق، يكون مرتبطا بها، ويقلّص من النفوذ الإيراني ويطمئن المعسكر السنّي في العراق. بينما تسعى إيران إلى توسيع نفوذها في العراق، وتعزيز المعسكر الشيعي فيها، وفصل العراق عن الولايات المتحدة. إنّ تزايد التدخّل الإيراني في العراق، حتى ولو بالتنسيق مع الولايات المتحدة – خصوصًا إذا تضمّن ذلك إرسال قوات ومساعدات عسكرية – قد يزيد من الاضطرابات في المعسكر السنّي. لهذا السبب، وفقًا للتقارير من العراق، يعارض المالكي التدخّل العسكري الإيراني في بلاده. إنّ تعاونًا كهذا من المتوقّع أن يُقلق أيضًا السعودية ودول الخليج. وفي النهاية، ستطالب إيران بالحصول على مقابل للتعاون مع الولايات المتحدة، بشكل أساسيّ في تحقيق تسوية تكون مقبولة عليها في المسألة النووية.

أظهرت تجربة السنوات الأخيرة، أنّ لإيران ميزة كبيرة على الولايات المتحدة في بناء نفوذها في العراق، وذلك على ضوء علاقاتها مع المعسكر الشيعي الذي يشكّل 60% من مجموع السكّان، وبسبب قربها الجغرافي من العراق. وقد برزت هذه الميزة أكثر بعد خروج القوات الأمريكية من العراق. في هذا الصدد، فإنّ المحاولة الأمريكية لإنشاء تعاوُن مع إيران في العراق – حيث إنّ أهدافهما مضادّة – قد تكون خاطئة.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي ‏INSS‏

اقرأوا المزيد: 1260 كلمة
عرض أقل
عبد الفتاح السيس (AFP)
عبد الفتاح السيس (AFP)

انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسًا لمصر

انتخاب السيسي هو الخيار الأكثر رغبًا بالنسبة لإسرائيل، إذ يعرض السيسي السلام مع إسرائيل باعتباره رصيدًا استراتيجيّا لمصر، ولا يشكّك بضرورته، ويعلن بشكل صريح أنّه سيحترم معاهدة السلام

لم تكن هناك مفاجآت في انتخابات الرئاسة المصرية. وكان واضحًا منذ البدء أنّ عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق والرجل الأقوى في القيادة المصرية، سيكون الرئيس القادم. لقد ساعده منافسوه على المهمّة. قاطع خصوم السيسي الكبار، “الإخوان المسلمين”، بمعظمهم الانتخابات، وتركوا بذلك الطريق مفتوحًا لانتخابه بغالبية ساحقة، حيث سيتمّ تناسي نسبة التصويت المنخفضة نسبيًّا مع الزمن. فضلًا عن ذلك، فقد نافسه مرشّح واحد فقط، وهو حمدين صبّاحي، والذي فاز في الانتخابات السابقة للرئاسة عام 2012 بالمركز الثالث، من بين ثلاثة عشر مرشّحًا، حيث قام بالتصويت له نحو خمسة ملايين مصري. وصبّاحي ليس مجهولا في مصر. فقد كان أحد زعماء الحركة الطلابية في سنوات السبعينات، ورجل يساري وناشط ناصري تم اعتقاله مرّات عديدة، وعضو برلمان بارز خلال عقد. كان أحد زعماء ثورة يناير 2011 والتي أسقطت نظام مبارك، وتصدّى لـ “الإخوان المسلمين” واعتُبر ممثّلا عن قيم الثورة.

السيسي يدلي بصوته في القاهرة وسط جمهور غفير يحيه (AFP)
السيسي يدلي بصوته في القاهرة وسط جمهور غفير يحيه (AFP)

 

أدى الضرر الذي جلبه نظام “الإخوان” على الدولة إلى اعتبار الحاجة للاستقرار والإصلاح في نظر الكثير من المصريين أنها سابقة لكلّ شيء، حتى للرغبة في تعزيز قيم الثورة والعملية الديمقراطية

وكان من الواضح أنّ صبّاحي لا يملك قدرة المنافسة على مكانة وشعبية السيسي. لقد أدى إسقاط نظام “الإخوان” برئاسة محمد مرسي في منتصف 2013 إلى النظر إلى السيسي نظرة الشخصية الأقوى والأبرز في القيادة العسكرية التي قادت مصر في السنة الأخيرة. عززت خيبة الأمل القاسية، الغضب والإحباط التي تراكمت عند غالبية الطبقات في الشعب المصري في عام حكم “الإخوان” من الشعور بالحاجة إلى زعيم قوي، ليعيد الاستقرار إلى مصر، ويحارب الإرهاب الداخلي ويفرض القانون والنظام والأمن الشخصي، ويصلح الاقتصاد المنهار منذ سقوط نظام مبارك ويعزّز مكانة مصر الإقليمية والدولية التي تأذّتْ. يعتبر السيسي زعيمًا قويّا في نظر غالبية الشعب، الأحزاب ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى تمتّعه بالدعم الكامل من أصدقائه في قيادة الجيش. هناك من شبّهه بمن يستطيع أن يكون عبد الناصر الثاني، رغم أنّه لا يزال بعيدًا عن مكانة الزعيم المصري والعربي في سنوات الخمسينات والستينات. ولكن مجرّد التشبيه يدلّ على وجود الكثيرين في مصر ممّن يتوقون لزعيم قوي يقود مصر إلى طريق جديد.

لا يريد الجميع في مصر قيادة السيسي. على رأس هؤلاء، “الإخوان المسلمون” الذين يرون فيه خصمًا وعدوّا، لأنّه عزل مرسي، الذي اختير في انتخابات حرّة من قبل غالبيّة الشعب، وأعلن الحرب عليهم. ولكن هناك قلق كبير أيضًا لدى هؤلاء الذين تصدّوا لحكم “الإخوان”، ومن ضمنهم جهات ليبرالية، من أنّ يبتعد السيسي عن قيم الثورة، ويوقف العملية الديمقراطية التي تلتها، ويعيد مصر إلى أيام نظام مبارك ويستغلّ قوّته لبناء دكتاتورية عسكرية. ولكن، أدى الضرر الذي جلبه نظام “الإخوان” على الدولة إلى اعتبار الحاجة للاستقرار والإصلاح في نظر الكثير من المصريين أنها سابقة لكلّ شيء، حتى للرغبة في تعزيز قيم الثورة والعملية الديمقراطية.

متظاهر مصري (PEDRO UGARTE / AFP)
متظاهر مصري (PEDRO UGARTE / AFP)

تقف أمام السيسي الآن مهمّتان صعبتان أساسيّتان، وهما مرتبطتان ببعضهما البعض، وقد تدرّب عليهما في السنة الماضية. الأولى، هي إصلاح الوضع الاقتصادي. فمصر تعاني من ضائقة اقتصادية مُهيكلة، وقد ازدادت هذه الضائقة منذ ثورة 2011، حيث أنّ عدم الاستقرار قد أضرّ بمباشرة الاستثمار الأجنبي وبحجم السياحة. سيتعيّن على السيسي إيجاد طرق لجذب مستثمرين أجانب، تقليص البطالة وبشكل أساسي لدى الشباب، وإعادة السائحين إلى مصر وتطوير البنى التحتيّة والصناعة. وهذه مهمّة صعبة جدّا، لا يمكن تنفيذها في مرحلة زمنية قصيرة. عرض السيسي برنامجًا اقتصاديًّا لإصلاح مصر وتحدّث عن تحسين الحالة خلال عامين. ولكن منذ عام 2011 أضيف عامل جديد للعبة السياسية: فإذا لم ينجح السيسي في إظهار بداية لإصلاح حقيقي في مرحلة زمنية قصيرة، فمن الممكن أن تخرج الحشود مجدّدًا للشوارع لتطالب بإسقاطه، تحديدًا بسبب الآمال والتوقّعات التي أثارها. يعلّمنا إسقاط مبارك، أنّه حتى حين يدعم الجيش النظام، فإنّ الأمر لا يعكس ضمانًا آخر بأنّ النظام لن يُطاح به.

تقف أمام السيسي الآن مهمّتان صعبتان أساسيّتان: الأولى، هي إصلاح الوضع الاقتصادي والثانية، هي ضرورة مواجهة “الإخوان” مع توسع الإرهاب في مصر والحاجة إلى إعادة القانون والنظام

المهمّة الأخرى التي تقف أمام السيسي، هي ضرورة مواجهة “الإخوان” مع توسع الإرهاب في مصر ومع الحاجة إلى إعادة القانون والنظام. يواجه “الإخوان” موقفًا صعبًا. فقد تمّ إسقاطهم من النظام، وأعلِنَ عنهم كتنظيم إرهابي وحركة خارجة عن القانون، وتمّ قتل المئات من نشطائهم في مواجهات مع القوى الأمنية. واعتُقل الكثير من قادتهم وقُدّموا للمحاكمة، وتم إصدار أحكام الإعدام على بعضهم (والتي ليس بالضرورة أنها ستُنفّذ). فأوضح السيسي في مقابلاته مع الإعلام أنّه ينوي مواجهة مشكلة التطرّف الإسلامي، التي يجسّدها “الإخوان” والجماعات الإسلامية الأخرى، بيد من حديد. وأكد على أنّه لا ينوي السماح للإخوان وأمثالهم، وللتنظيمات الإرهابية المرتبطة بهم، بالتنظيم والاستمرار، بسبب توجّههم المتطرّف، ولأنّ الدستور لا يسمح بوجود الأحزاب الدينية.

محاكمة الرئيس المخلوع محمد مرسي، المحكمة الدستورية العليا في القاهرة (AFP)
محاكمة الرئيس المخلوع محمد مرسي، المحكمة الدستورية العليا في القاهرة (AFP)

في مثل هذه الحالة، يتردّد “الإخوان” بخصوص طريقهم المستقبَلية. فمن جهة، فإن إخراجهم من القانون كمنظمة إرهابية، يجعل السيسي يعزلهم عن إمكانية اندماجهم في السلطة من خلال الحوار، طالما أنّهم يمثّلون تنظيمًا سياسيًّا. وهناك شكّ أيضًا إنْ كانوا يرغبون بالاندماج في السلطة، وذلك على ضوء شعورهم بأنّهم أُسقِطوا بطريقة غير شرعية، بعد أن حصلوا على ثقة غالبية الشعب عام 2012. ومن جهة أخرى، فإنّ معظم الشعب تعب منهم ويدعم السيسي في تحرّكاته لقمعهم. إن خرجوا في صراع عنيف شامل ضدّ النظام الحالي، فمن الممكن أن يدينهم الشعب باعتبارهم مسؤولين عن انهيار الأوضاع إلى حرب أهلية. من خلال هذا التردّد، يدير “الإخوان” في الوقت الراهن مواجهة محدودة مع النظام، والتي أساسها عمليات إرهابية ضدّ جهات حكومية في سيناء وأماكن أخرى، ولكنّ ذلك لا يؤدّي بهم إلى أيّ مكان.

مقابلة السيسي وبوتين (AFP)
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)

سيضطرّ السيسي إلى إعطاء رأيه أيضًا بعلاقاته مع القوى العظمى. هناك في القيادة المصرية كما يبدو غضب على الإدارة الأمريكية، لكونها لم تسارع في منح كامل دعمها للنظام الحالي، بزعم أنّ هذا الأخير قد أسقط سلطة منتخبة بطريقة ديمقراطية وبانتخابات حرّة، وبالأساس لأنّ الإدارة الأمريكية علّقت كردّ على ذلك جزءًا من إرساليات المعدّات العسكرية التي وُعدتْ بها مصر. دفع غضب المصريين بهم لإجراء محادثات استثنائية مع روسيا، حيث زار في نهاية 2013 وبداية 2014 وزير الدفاع والخارجية الروسيّين مدينة القاهرة وقام نظراؤهما المصريين بزيارة متبادلة في موسكو. بالمقابل، تم نشر تقارير حول صفقة سلاح كبيرة ومهمّة يتمّ الإعداد لها بين الدولتين. في الوقت الراهن لا يوجد أيّ تأكيد رسمي على هذه الأنباء بخصوص الصفقة وقد تلاشت الأخبار حولها، ويبدو أنّ هذه الخطوة قد خُصّصتْ بدرجة كبيرة للتدليل على الاستياء المصري من السياسة الأمريكية. عندما انتُخب السيسي الآن رئيسًا بطريقة ديمقراطية، فالخيار الأكثر رجحانًا هو عدم توقيع صفقة السلاح الكبيرة بين مصر وروسيا، ولكن يبدو أنّ تعاونًا عسكريًّا محدودًا سيحدث بينهما. في جميع الأحوال، فإن النقطة الرئيسية في هذه القضية هو إلى أي مدى ستعمل الإدارة الأمريكية على مواءمة الأمور مع القيادة المصرية.

وفي النهاية، فإنّ انتخاب السيسي هو الخيار الأكثر رغبًا بالنسبة لإسرائيل. وبالتأكيد، فإنّ حكمه أفضل من حكم “الإخوان”، الذين يحملون نهجًا معاديًّا لإسرائيل، وأيضًا منافسه في الانتخابات، صبّاحي، تحفّظ عن إسرائيل وعبّر عن دعمه لحماس. بالمقابل، يقدّم السيسي السلام مع إسرائيل باعتباره رصيدًا استراتيجيّا لمصر، ولا يشكّك بضرورته وأعلن بشكل صريح أنّه سيحترم معاهدة السلام. بحكم منصبه في الماضي كرئيس للاستخبارات وكوزير للدفاع، يعي السيسي الفوائد الكامنة في التنسيق العسكري مع إسرائيل، وأعرب عن رغبته بإصلاح الملحق العسكري لاتفاق السلام، من خلال التفاهم مع إسرائيل، بحيث يمكّن مصر من تعزيز سيطرتها على سيناء وقدرتها على مواجهة الهجمات الإرهابية وتهريب السلاح في شبه الجزيرة.

زيارة جون كيري الى القاهرة ومقابلته مع السيسي (U.S. State Department Flickr)
زيارة جون كيري الى القاهرة ومقابلته مع السيسي (U.S. State Department Flickr)

يرى السيسي في حماس أيضًا تنظيمًا إرهابيًّا مرتبطا بـ “الإخوان”، ومن المرجّح أن يستمر في عرقلة تهريب السلاح من سيناء إلى قطاع غزة. ولذلك فإنّ نهجه يضمن المزيد من التفاهم والتعاون مع إسرائيل في المجال الأمني. من هذه الناحية، عملت إسرائيل بشكل صحيح حين تركت مصر تضع قواتها في سيناء إضافة إلى ما هو متفق عليه في معاهدة السلام، وحين عملت مقابل الإدارة الأمريكية على تقليل الاحتكاك بينها وبين القيادة المصرية.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي ‏INSS‏

اقرأوا المزيد: 1189 كلمة
عرض أقل
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)

التقارُب بين مصر وروسيا – إلى أين؟

تسارُع ملحوظ غير مسبوق في الأشهر الأخيرة للعلاقات بين روسيا والنظام الجديد في مصر

في تشرين الأول 2013، زار مُدير الاستخبارات العسكرية الروسية القاهرة. في تشرين الثاني، وصل إلى القاهرة معًا وزيرا الدفاع والخارجية الروسيّان – للمرة الأولى منذ بداية السبعينات. إثر الزيارة، زار موسكو في شباط 2014 وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الرجل الأقوى في مصر، المشير عبد الفتّاح السيسي، ووزير الخارجية، د. نبيل فهمي، بمرافقة وفد عسكريّ رفيع المُستوى. وبعد الزيارة، يجري الحديث عن زيارة أخرى بين الجانبَين على مستوى رفيع في نهاية آذار، كما تطرح تقارير صحفية إمكانية زيارة الرئيس بوتين إلى مصر.‎ ‎

كان الموضوع المركزيّ الذي طُرح في هذه الاتّصالات زيادة التعاوُن العسكري بين الدولتَين. وفق تقارير عديدة، جرى في المحادثات النقاش حول – وربّما التوافق على – صفقة سلاح كبيرة بين الجانبَين، لفترةٍ تبلغ عامَين حتّى ثلاثة أعوام. يُفترَض أن تشمل الصفقة طائرتَي ميغ 29، مروحيات من طراز إم آي 35، منظومات دفاع جويّ، منظومات صواريخ شاطئيّة مضادّة للسُّفن، وأسلحة متقدّمة مضادّة للدبّابات. ويُفترَض أن تموّل المملكة العربية السعودية والإمارات العربيّة المتّحدة الصفقة. في ختام زيارة الوزيرَين المصريَّين إلى موسكو، لم يُنشَر إعلان حول الصفقة. وفق بعض التقارير، جرى التوصُّل إلى اتّفاق مبدئي حولها، لكنه لم يُوقَّع بعد، وقد يجري الاتّفاق النهائي في لقاء ممثّلي الحكومتَين في آذار 2014.

في إطار التعاوُن، أُبلغ أنّ مصر ستزوّد روسيا بخدمات بحريّة في ميناء الإسكندرية، تكون بديلًا للخدمات التي تنالها روسيا في ميناء طرطوس السوريّ، في حال سقوط نظام الأسد. ويمكن أن تشتمل العلاقات الموسَّعة أيضًا على تعاوُن في مجال الحرب على الإرهاب، تدريبات عسكريّة مشتركة، وتعاوُن تقنيّ، وكذلك في المجال الاقتصادي – تجديد المنظومة الكهربائية في سدّ أسوان.

لا شكّ أنّ كثافة الاتّصالات بين مصر وروسيا مرتبطة بالتوتّر الذي نتج في الشهور الأخيرة بين مصر والولايات المتحدة. ففي مصر، ثمة سُخط كبير من الانتقاد العلنيّ الذي توجّهه إدارة أوباما لإسقاط نظام “الإخوان المسلمين” بانقلاب عسكريّ، ولاستخدام القوى الأمنية القوّة ضدّ ناشطي الإخوان. أثار موقف الإدارة الأمريكية لدى القيادة المصرية إحساسًا بأنّ الإدارة لا تُدرك مشاكل مصر وضائقاتها، وأنها مستعدة لدعم نظام “الإخوان المسلمين” لمجرّد أنهم وصلوا إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، مستغلّةً حاجة مصر إلى المعونات الأمريكية للتدخل في شؤونها الداخلية.

الوفد المصري في زيارة الى موسكو (AFP)
الوفد المصري في زيارة الى موسكو (AFP)

لكنّ ما أثار غضب المصريين بشكل خاصّ هو قرار الإدارة الأمريكية تجميدَ قسم من المُساعَدة الأمريكية المقدَّمة إلى مصر، لا سيّما أنّ ذلك يأتي في وقتٍ تناضل فيه القيادة من أجل درء خطر موجة التفجيرات الإرهابية وفرض القانون والنظام. وكان قرار الإدارة الأمريكية أشبه بتسوية بين الذين طالبوا – في الكونغرس أيضًا – بتجميد المُساعَدة العسكرية لمصر، وبين الذين حذّروا مِن خطوات قد تمسّ بالمصالح الأمريكية، بما في ذلك علاقات السلام بين مصر وإسرائيل. فكان أن قرّرت الإدارة تجميد قسمٍ من المُساعَدة العسكرية لمصر بقيمة 250 مليون دولار، وتأجيل الشحنات المخطَّط لها لبضع طائرات F-16‎‏، مروحيّات أباتشي، صواريخ مضادّة للسفن، وقطع للدبّابات – بانسجامٍ مع حظر تقديم المساعدة لدولةٍ تمّت الإطاحة بزعيمها بانقلابٍ عسكريّ.‏

السؤال الهامّ هو: هل تتمخّض العلاقات بين الدولتَين عن صفقة سلاح هامّة بينهما؟ إذا كانت هذه هي النتيجة، فسيشكّل ذلك تغييرًا هامًّا في السياسة المصرية. فمنذ 1974، توقّفت إمدادات السلاح من الاتحاد السوفياتي إلى مصر، بعد أن انتقلت الأخيرة من اتّجاه مؤيّد للسوفيات إلى اتّكال سياسيّ، عسكريّ، واقتصاديّ تامّ على الولايات المتحدة، بما في ذلك السلاح الأمريكيّ. ويعني قرار النظام المصري الحاليّ – بعد أشهر معدودة من صعوده إلى السلطة – أن يوقّع على صفقة سلاح كبيرة مع روسيا أنّه يريد أن يغيّر، ولو بشكلٍ محدود، توازُن علاقاته مع القوّتَين العُظميَين، ويوقف اعتماده التامّ على السلاح الغربيّ.

من جميع التقارير الواردة حتّى الآن، يُرجَّح أنّ صفقةً كهذه قد جرى التباحُث بشأنها بين الجانبَين، إذ لا مبرّر آخر لمشاركة وزيرَي دفاع البلدَين والوفدَين العسكريَين في المحادثات. ومن الواضح أيضًا أنّ روسيا معنيّة بصفقة كهذه. فمن ناحيتها، يُعتبَر التوقيع على الصفقة إنجازًا هامًّا، سواءٌ لعودتها إلى سوق السلاح في مصر، أو للرسالة التي سترسلها إلى الدول العربية المعتمدة على السلاح الغربي بأنّ صفقة سلاح مع روسيا هي أمر مُناسِب وشرعيّ. ويمكن أن تشكّل الصفقة أيضًا رافعة لتوسّع جديد لنفوذ روسيا في العالم العربي، كما جرى أواسط الخمسينات.‎

مدرعة للجيش المصري خارج المحكمة الدستورية العليا (AFP)
مدرعة للجيش المصري خارج المحكمة الدستورية العليا (AFP)

وفضلًا عن المصلحة الروسية الواضحة في توسيع حلقة التصدير العسكري إلى الشرق الأوسط، فإنّ الاعتبار الروسي في استئناف الحِوار مع مصر، ودول أخرى في الإقليم، هو سياسيّ – استراتيجيّ في الأساس. فمنذ بداية “الربيع العربيّ”، تخوضُ روسيا صراعًا على مكانتها في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن اضطُرّت إلى التراجُع عن مكانتها السابقة التي وصلت إليها بعد مشقّات كثيرة، تحت ضغط المعسكَر السنيّ مدعومًا بالغرب. اقتصر نفوذ روسيا، فضلًا عن إيران، على سورية وحدها، حيث نجحت في الحفاظ عليه، حتّى الآن. من جهتها، إنّ استئناف الحوار مع دُول أخرى في الإقليم هو فرصة إيجابية، يجب انتهازها لتقوية مكانتها وتعزيز أفضلياتها مقابل الغرب في النظام الاقتصاديّ العالميّ. سنحت هذه الفرصة على ضوء التغيير في سياسات بعض دول المنطقة، التي تشعُر بالتحدي جراء سياسة الولايات المتحدة. بين هذه الدول، فضلًا عن مصر، كلٌّ من المملكة العربية السعودية، الأردن، والعراق، التي تجري حوارًا جديدًا مع روسيا، سواء حول صفقات الأسلحة أو حول التعاوُن السياسيّ.‏

أمّا موقف النظام المصري مِن الصفقة فأقلّ وضوحًا، وهو متعلّق بثلاثة قيود. الأوّل – منذ الثمانينات، تقيم مصر علاقات عسكريّة وطيدة مع الولايات المتحدة. ولا تقتصر هذه على إمدادات سلاحٍ واسعة، بل تشمل أيضًا اكتساب العقيدة القتاليّة الأمريكية، منح الإرشاد والتدريبات للضبّاط المصريين، مناورات مشتركة، وبناء علاقات شخصية بين ضبّاط من الجيشَين. صحيح أنّ الجيش المصري بقيت فيه منظومات سلاح من فترة العلاقة مع الاتحاد السوفياتي، لكنّ تلك أسلحة قديمة عمرها أربعة عقود أو أكثر، وليس للجيل الحاليّ من الضبّاط المصريين أية صلات بالمنظومة العسكرية الروسية. لذا، لن يكون سهلًا استيعاب منظومات سلاح روسية مجددًا على مدى كبير.

الجيش المصري يكمل انتشاره في سيناء (Flash90/ Abed Rahim Khatib)
الجيش المصري يكمل انتشاره في سيناء (Flash90/ Abed Rahim Khatib)

القيد الثاني ماليّ. فالسلاح الأمريكي يُقدَّم للمصريين كجزءٍ من المُساعَدة الممنوحة لهم منذ الثمانينات. يُرجَّح أنّ روسيا لن تزوِّد سلاحًا كهذا كمساعدة، وليست لدى المصريين القدرة – لا سيّما في الوضع الاقتصادي الحاليّ – على تمويل صفقة كهذه. السؤال المفتوح هو: هل ثمة مصلحة حقًّا لكلٍّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية بتمويل هذه الصفقة، كما ورد؟

أمّا القيد الثالث فهو الأكثر أهميّة. لم تردّ الإدارة الأمريكية عَلَنًا بعد على إمكانية توقيع الصفقة، لكن يمكن الافتراض أنها تنظر إليها بامتعاضٍ شديد، إذ إنّ توجّه حليف مركزيّ لها لعقد صفقة غير مسبوقة مع روسيا يُشير إلى وهن أمريكي آخر في المنطقة، ويشكّل إنجازًا لروسيا. وفق تقارير صحفيّة، جرت في الشهور الأخيرة عشرات الاتّصالات الهاتفيّة بين وزير الدفاع الأمريكي ونظيره المصري، كما زار وزير الخارجية الأمريكي القاهرة. يُرجَّح أنّ الأمريكيين مارسوا ضغوطًا في تلك المحادثات على المصريين لعدم التوقيع على الصفقة. على المصريين أن يأخذوا في الحُسبان أنّ التوقيع على الصفقة سيستجلب ردّ فعل أمريكيًّا سلبيًّا، ويمس بالعلاقات مع الولايات المتحدة.‏

في جميع الأحوال، ليس واضحًا بعد إن كان سيجري التوقيع على الصفقة. فلا يزال ممكنًا أن تردع القيود المذكورة أعلاه المصريين عن توقيعها، ويمكن أن يقلِّصوها إلى صفقة محدودة وغير هامّة، ويكتفوا بالتعبير عن امتعاضهم من سلوك الإدارة الأمريكية تجاههم في الشهور الأخيرة. لكن حتّى إن وقّع النظام المصري على الصفقة، يُرجَّح أن يستمرّ في النظر إلى الولايات المتحدة على أنها الشريكة الاستراتيجية الأساسيّة له، وأن لا بديل عنها، لكنه سيسعى إلى زيادة قدرته على المناورة معها والإيضاح لها أنه غير مستعدّ لقبول تدخُّلها في شؤونه الداخليّة.

نُشرت المقالة للمرة الأولى على موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS‏

اقرأوا المزيد: 1122 كلمة
عرض أقل