أشرف أبو زرقة

الدكتورأشرف أبو زرقة هو باحث في الفكر المتطرّف في الإسلام ومحاضر في الجامعة المفتوحة في إسرائيل
عربية مسلمة في إسرائيل - صورة توضيحية (Nati Shohat/Flash90)
عربية مسلمة في إسرائيل - صورة توضيحية (Nati Shohat/Flash90)

هل يمكن أن يكون المسلمون مخلصين للدولة اليهودية؟

إن الادعاء القائل إن الإسلام يميز بين الولاء للحكم الغربي - المسيحي وبين الحكم اليهودي خاطئ ويعود إلى موقف سياسي وطني متأثر في الصراع العربي الإسرائيلي. فقهيا، على المسلمين الولاء لكل نظام حكم غريب يحافظ على أمنهم، ممتلكاتهم وحريتهم الدينية

يهاجم الكثير من الفقهاء المسلمين في أيامنا هذه الفقهاء المسلمين الذين يصرحون أن الشريعة تسمح للمسلمين بأن يكونوا مخلصين لنظام الحكم اليهودي وحتى أنهم يشجعونهم على الانخراط في الدولة اليهودية.

شجع عبد الله نمر درويش مؤسس الحركة الإسلامية في إسرائيل المسلمين على أن يكونوا مخلصين لدولة إسرائيل وأن ينخرطوا فيها. لم ترق أفكاره للكثيرين بما في ذلك فقهاء أتباع حركته. لا يشجع الفقهاء الإصلاحيون المسلمون انخراط المسلمين في دولة إسرائيل أيضًا. يدعي الشيخ يوسف القرضاوي، أبرز علماء السنة، أن على المواطنين المسلمين أن يكونوا أوفياء للدول غير المسلمة التي يعيشون فيها فيما عدا إسرائيل. إنه يستند في موقفه على الأحكام القانونية في العصور الوسطى وعلى التمييز الديني بين الإخلاص للدول الغربية الأوروبية وبين دولة إسرائيل، ويدعي أن دولة إسرائيل ليست شرعية لأنها أقيمت على أراض إسلامية.

ولكن في الوقت ذاته يشجع القرضاوي انخراط المسلمين الذين يعيشون في دول ومناطق حكمها المسلمون في الماضي، مثل الهند، دول البلقان، إسبانيا، وجنوب فرنسا. في الواقع، فإن نظرة الإسلام في العصور الوسطى إلى أنظمة الحكم غير الإسلامية كانت منوطة باتفاق سياسي وأمني بين المسلمين وبين الدولة غير المسلمة.

تكشف نظرة إلى مواقف الفقهاء المسلمين في العصور الوسطى وقبل ذلك، التي يعتمد فيها المفكرون المتشددون حول الوفاء لإسرائيل، صورة مختلفة. فرض معظم الفقهاء ومؤسسي المذاهب المختلفة في القرون الوسطى على المسلمين الذين يعيشون في ظل أنظمة حكم غير إسلامية المرتبطة باتفاقات سياسية وأمنية (عقد الإيمان) مع المسلمين على الوفاء لأنظمة الحكم. صرح هؤلاء المفكرون في كتاباتهم بشكل واضح أنه يُحظر  على المسلمين خيانة غير المسلمين أو خرق الاتفاقات.

كتب محمد بن إدريس الشافعي (مات عام ‏820‏ م)، مؤسس المذهب الشافعي الأكثر شيوعا في إسرائيل في يومنا هذا  في كتابه الأم‏‎ ‎‏أنه يحظر على المسلمين خيانة  غير المسلمين إذا التزم غير المسلمين بالحفاظ على حياة وأملاك المسلمين. أكد محمد بن الحسن الشيباني (توفي عام  805 م) مؤسس المذهب الحنفي، الأكثر شيوعا في العالم الإسلامي في يومنا هذا، على خطورة خيانة غير المسلمين في حال وجود اتفاق أمني بينهم وبين المسلمين.

لا يختلف موقفَي المذهب المالكي، الشائع في شمال إفريقيا والمذهب الحنبلي الشائع في السعودية تحديدا ويعتبر الأكثر حفاظا من بين المذاهب. يُلزم المذهبان المسلمين بالولاء للحكم غير الإسلامي المرتبط باتفاق أمني مع المسلمين. لا يميز هذا الموقف بين الحكم اليهودي والحكم المسيحي، الهندي أو الصيني. أكثر من ذلك، كان موقف الفقهاء المتطرفين مثل تقي الدين ابن تميمة (توفي 1328 م) شبيها. حظر ابن تميمة على المسلمين خيانة نظام الحكم غير الإسلامي الذي يضمن لهم أمنا وحرية في ممارسة طقوسهم، وحتى أنه دعاهم إلى عدم التميّز عن المحليين من خلال لباسهم ومظهرهم الخارجي، وأوصى لهم بأن يشاركوا في الحفلات الاجتماعية التي يقيمها غير المسلمين لتسهيل انخراطهم في المجتمع.

ثمة حالة تاريخية بارزة وخاصة بالمسلمين الذين عاشوا في ظل الحكم اليهودي في القرون الوسطى هو حكم الخرز، الذي يعتقد المسلمون أنه حكم يهودي. اتضح أن المسلمين الذين عاشوا في ظل هذا الحكم كانوا مسلمين مخلصين لحكم غير المسلمين، وفضلوه عن حكم إسلامي في تلك الفترة. قال عالم الجغرافية المسلم محمد ابن حوقل (توفي عام 977 م) إن المسلمين الذين عاشوا في ظل حكم الخرز كانوا جزءا من المحليين من ناحية اجتماعية، سياسية، اقتصادية، وثقافية. يعرض المسلمون في الاحتفالات الجغرافية والتاريخية حكم الخرز بصفته شجعهم على الهجرة إلى مناطق تحت سيادته ومنحهم حقوق اقتصادية، اجتماعية، قضائية وحتى سياسيّة.

سُمح للمسلمين في ظل حكم الخرز بإدارة حياة دينية وحتى قضائية وفق الشريعة، وكان القضاة المسلمون قادرين على الحكم وفقها. حتى أن المسلمين شغلوا منصب وزراء. ليس عجبا، أن هناك تطرق في هذه المصادر إلى حكم الخرز اليهودي في القرون الوسطى كأمن وعادل، ومثالي لعيش المسلمين.

إن الادعاء أن الإسلام يميز بين الوفاء للدول الغربية المسيحية وبين الوفاء للدول اليهودية ليس دقيقا تاريخيا وفقهيا. وينبع هذا الادعاء من موقف سياسي وطني متأثر في الصراع العربي الإسرائيلي. عمليا، فرض كل المفكرين من مذاهب الأحكام الفقهية في القرون الوسطى على المسلمين الولاء لنظام الحكم غير الإسلامي الذي كان يلتزم بموجب اتفاق بالحفاظ على أمنهم، ممتلكاتهم، وحريتهم في القيام بطقوسهم الدينية.

نُشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي.

اقرأوا المزيد: 626 كلمة
عرض أقل
في انتظار المهدي
في انتظار المهدي

داعش ويوم القيامة

تنظيم الدولة الإسلامية يختار بعناية روايات إسلامية تنبّؤية، يعزلها عن سياقها التاريخي ويستغلّها لمصالحه السياسية، العسكرية، الدينية، والأيديولوجية

منذ إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) عن إقامة الدولة الإسلامية، وبقوة أكبر من ذي قبل، منذ تزايد الهجمات العسكرية للدول الغربية ضدّ التنظيم، يسعى عناصر التنظيم إلى زيادة الشرعية الدينية على حكمهم. ومن أجل ذلك، فقد زادوا من استخدام الروايات الإسلامية التنبّؤية التي كُتبت في القرون الوسطى وتمت ملاءمتها مع الظروف السياسية والعسكرية الحالية.

يدّعي عناصر الدولة الإسلامية أنّ الروايات الإسلامية منذ عهد النبي وحتى القرون الوسطى تنبّأت، في الواقع، بإقامة التنظيم في أيامنا هذه. والجمهور الرئيسي المستَهدف في هذه المنظومة الدعائية هو جمهور السكان الذين يعيشون تحت حكم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، ولكن يسعى التنظيم إلى أن يكون ملهما بهذه الطريقة أيضًا في أوساط المسلمين من جميع أنحاء العالم.

https://www.youtube.com/watch?v=CmRns5ROtSE

وقد ظهرت الروايات التنبّؤية التي تصف يوم القيامة القريب، والحروب التي سيشنّها المسلمون ضدّ أبناء الديانات الأخرى (وعلى رأسها المسيحيون واليهود)، منذ عهد النبي محمد. ففي العديد من الآيات القرآنية تم التأكيد على أهمية الاعتقاد بالله ودينه قبل مجيء يوم القيامة القريب، وتدلّ علامات من القمر وظواهر مثل الزلازل على ذلك. وقد صوّرت روايات تنبّؤية أخرى حروب النبي محمد ضدّ قبائل اليهود في المدينة؛ وقد شجّعت المسلمين على قتال هذه القبائل ووصفت الحرب ضدّهم بصفته أحد علامات يوم القيامة. تهدف هذه الآيات والروايات التنبّؤية إلى إثارة الخوف في أوساط المستمعين وبذلك تشجيعهم على الانضمام إلى الدين الجديد، والقتال من أجله والخلاص من خلاله. ولهذا السبب لم تعكس الآيات تطوّرات تاريخية مهمة، كالتعامل المتسامح الذي تبنّاه النبي تجاه اليهود (إلى درجة حماية ممتلكاتهم وحياتهم في أماكن مختلفة) بعد طردهم من المدينة.

وقد تمت كتابة الروايات التنبّؤية أيضًا في فترة الحكم الأموي (‏661‏—‏749‏). ومن أجل منح حكام بني أمية الشرعية الدينية وتشجيع المسلمين على قتال البيزنطيين تمت كتابة هذه الروايات التنبّؤية التي تصف الحكام الأمويين كمنقذين سيحتلّون مدينتي القسطنطينية وروما من أيدي المسيحيين. وعرضت روايات أخرى معارك المنطقة الحدودية دابق (شمال سوريا اليوم) بين الأمويين والبيزنطيين كعلامة على يوم القيامة الوشيك وكشهادة على أنّ الحاكم الأموي هو المنقذ الذي سيفرض العدالة بين المسلمين. عندما أسقطت السلاسة العباسية بني أمية عام 749 استخدم الحكّام الجدد الروايات التنبّؤية التي ذمّت بني أمية كأعداء للإسلام. تصف إحدى الروايات الشهيرة مجيء المخلص من منطقة خراسان (إيران اليوم)، وهي المنطقة التي خرج منها المتمرّدون العباسيون ضدّ الحكم الأموي، وهو يحمل مع رجاله رايات سوداء، يُسقطون الحكم الكافر ويحكمون بطريقة النبي.

معركة دابق
معركة دابق

استخدم تنظيم الدولة الإسلامية هذه الروايات مع عزلها عن سياقها التاريخي وتفسيرها وفقا لاحتياجاته. اعتمد في بداية طريقه الراية السوداء ولاءَمَ الرواية العباسية القديمة لواقع العراق في عهدنا. ادعى عناصر داعش أنّ النظام الشيعي في العراق هو ذراع لإيران. ومن هنا نتج أنّ داعش تحارب النظام الشيعي الكافر وتحقق نبوءة قدوم المخلص. اعتمد التنظيم روايات تنبّؤية أخرى من الفترة العباسية، والتي تصف الحكّام الجدد كصالحين ويخافون الله ويتبعون النبي ويحكمون وفق شريعة الله.

ومع زيادة قوة الهجمات الغربية بدأ عناصر الدولة الإسلامية باستغلال روايات من فترات حروب الأمويين ضد البيزنطيين. وفقا لزعمهم فهم يتواجدون في المنطقة الحدودية القديمة دابق (وهو اسم تم اعتماده للمجلة الرسمية للدولة الإسلامية) ويقاتلون فيها “البيزنطيين”، القوى الغربية. إنّ عرض الصراع كحرب يوم القيامة للمسلمين ضدّ المسيحيين يهدف إلى جذب منضمّين جدد ومتحمّسين إلى التنظيم.

ففي الأشهر الأخيرة، وعلى خلفية تنامي موجة العنف في الضفة الغربية والقدس، ظهرت أيضًا محاولة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية لاستخدام روايات تنبّؤية من فترة حرب النبي ضدّ القبائل اليهودية في المدينة. يُطبّق التنظيم هذه الروايات القديمة في أيامنا هذه مستعينا بها لتقديم نفسه كمخلّص يقاتل اليهود. وهنا أيضًا يتجاهل التنظيم التحسّن في علاقة النبي محمد مع اليهود في فترة متأخرة. وفي الختام، يختار تنظيم الدولة الإسلامية بعناية روايات إسلامية تنبّؤية، يعزلها عن سياقها التاريخي، ويعرضها كنبوءات تتحقّق في أيامنا وبهذا يستغلّها لمصالحه السياسية، العسكرية، الدينية والأيديولوجية.

نُشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 585 كلمة
عرض أقل