أساف رونئيل

شاب سوري يبكي فوق جثة شقيقته وأمه في حلب (تويتر)
شاب سوري يبكي فوق جثة شقيقته وأمه في حلب (تويتر)

اليوم الذي قهرت به الصور من سوريا محرر صحيفة “هآرتس”

هناك أيام لا تُحتمل فيها الأخبار الواردة من سوريا تقريبا. اليوم وردت أخبار عن طفلة ترتدي معطفا أحمر وتنتعل حذاء ورديا ممدّدة على الشارع. تعرض هذه الصورة، والعجز الذي تعبّر عنه، ميراث أوباما الحقيقي. ميراث اللامبالاة من جهتنا جميعا

طفلة ترتدي معطفا وتنتعل حذاء أحمر ممدّدة على الشارع. يبدو رأسها ملتو بزاوية غريبة وعيناها مفتوحتين لامعتين. وهناك امرأة شابة تضع حجابا ممدّدة على جانب الطريق، لا تزال تمسك بيدها بالحقيبة المتواضعة التي وضعت فيها أغراضا قليلة كانت قد نجحت في جمعها قبل أن تفرّ من القصف. وكذلك مشهد صبي يجلس منحنيًا، وجهه مكفهرّ من اليأس، فوق جثّتين مغطاتين، حيث تظهر بينهما جثة صغيرة، تنتعل حذاء أحمر وترتدي بنطال جينس غير مغطى بالبطانية البنية التي تغطيها. ومشهد حقائب وأكياس موزّعة في أرجاء الشارع المحطّم، وسط ما يبدو أنّه أشلاء جسد، وجثث كاملة إلى حد معين. صورة رجل بالغ ذو لحية يركض في الشارع. يمسك في إحدى يديه طفلا وفي الثانية يبدو أنه يحمل كيس ملابس، وهناك رغبة في تلك اللحظة في الصراخ إليه ليلقي الكيس ويركّز على الوصوصل إلى برّ الأمان.

هناك أيام لا تُحتمل فيها الأخبار الواردة من سوريا تقريبا. تركّزت الفظائع اليوم حول قصف لقوات الأسد على مجموعة من المواطنين الذين حاولوا الهرب من شرق حلب المحاصَرة. قُتل ما لا يقل عن 45 شخصا وجُرح 50، وفقا لتقارير عمّال الإغاثة في حلب. لم تُعرض معظم تلك الصور في موقع “هآرتس”، حفاظا على كرامة الميت، تجنبا للمس بمشاعر القراء، وأيضا لأنّه في نهاية المطاف يدور الحديث عن إباحية الموت في وسيلة تجارية. ولكن الصور متوفرة في مواقع التواصل الاجتماعي ويمكن لكل من يتابع ويهتم بما يحدث في سوريا أن يراها. ربما أكثر ما يثير إحباطا هو أننا نعلم أنه حتى لو نُشر تقرير آخر عن المجزرة، فلن يقرأه أحد تقريبا.. ولن يهتم أحد تقريبا. بعد نحو ستّ سنوات من الحرب، من يهتم بقراءة مقال آخر يتحدث عن مقتل 50 شخصا آخر في سوريا.


يمر يوم آخر، وتحدث مجزرة أخرى، تؤدي إلى المزيد من الأطفال القتلى. المتّهمون الفوريون معروفون: الأسد، بوتين، وحزب الله. وهم المسؤولون ذوو أيدي على الزناد. “كي ينتصر الشر، يكفي ألا يفعل الجيّدون شيئا”، كما كتب الفيلسوف إدموند بيرك في القرن الثامن عشر. ولا يزال الأشخاص الجيّدون مكتوفي الأيدي. لن تساعد كل الحجج العقلانية بخصوص محدودية القوة والسياسة الدولية. مشهد الطفلة وهي ترتدي معطف المطر الأحمر الممدّدة على الشارع هو ميراث أوباما الحقيقي. وهذا الميراث هو ميراث العجز. ولكن أوباما، الذي اهتم بالصراع ضدّ داعش فحسب وأدار ظهره للمدنيين الذين يُذبحون من قبل الأسد، ليس المذنب الوحيد. أيدي المسؤولين في المجتمع الدولي كله ملطخة بدماء سكان حلب. حتى بعد الإبادة الجماعية في رواندا، مذبحة سربرينيتشا، ومجزرة كوسوفو، لم يتم تعلّم شيء ولم يتغيّر شيء، لذلك لم يعد السؤال كيف يمكن للعالم أن يقف جانبا لغزا.

نشرت المقالة للمرة الأولى في موقع صحيفة “هآرتس

اقرأوا المزيد: 435 كلمة
عرض أقل
حطام قرية شنت جماعة بوكو حرام هجوما عليها وأحرقتها في جنوب نيجيريا (AFP)
حطام قرية شنت جماعة بوكو حرام هجوما عليها وأحرقتها في جنوب نيجيريا (AFP)

من سيتظاهر من أجل الفتيات اللواتي يُختطفنَ ويُرسلنَ للموت في نيجيريا؟

التهديد الذي يفرضه بوكو حرام، والذي يرسل فتيات في سنّ العاشرة للتفجير ويذبح الناس كل أسبوع، لا يحظى تقريبا بأي اهتمام من قبل الغرب. للقضاء على الإرهاب يجب التعامل على قدم المساواة مع الضحايا الأوروبيين والضحايا الأفارقة

رؤساء دول، رؤساء حكومات ووزراء خارجية لأكثر من 50 دولة تظاهروا ذراعا بذراع في شوارع باريس تضامنا مع 17 مواطنا وشرطيا قُتلوا في موجة الإرهاب التي ضربت فرنسا. تحت شعار #‏JeSuisCharlie‏ (“أنا شارلي”)، الذي نشأ بشكل عفوي في تويتر بعد إطلاق النار على هيئة تحرير مجلة “شارلي ايبدو” وتحوّل إلى أحد علامات المربع الأكثر شعبية في تاريخ الشبكة العنكبوتيّة، خرج 3.7 مليون شخص للتظاهر في فرنسا وفي مدن عديدة في جميع أنحاء العالم.

في نفس الوقت تقريبا، فجّرت فتاتان أنفسهما في سوق في مدينة بوتيسكوم، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 200 ألف نسمة تقع في شمال شرق نيجيريا، وقُتل على أقلّ تقدير ثلاثة أشخاص، ولم ينشر أي زعيم تعليقا أو إدانة. الأصل الدقيق لهاتين الفتاتين، ولفتاة أخرى، البالغة من العمر 10 أعوام والتي فجّرت أمس الأول حزاما ناسفا وقتلت 19 شخصا على الأقل في نفس المنطقة، ليس معروفا. ولكن ثلاثتهنّ، كنساء وفتيات أخريات ممن فجّرن أنفسهنّ بشكل مشابه في الأشهر الأخيرة في شمال البلد الإفريقي، تم إرسالهنّ للموت من قبل التنظيم الإرهابي بوكو حرام، الذي اختطفهنّ من منازلهن.

للحظة وجيزة، في نيسان – أيار عام 2014، حوّل العالم كله انتباهه إلى مصير فتيات حالهنّ مماثل لأولئك الفتيات. بعد أن قامت بوكو حرام باختطاف 274 فتاة من مدرسة داخليّة في مدينة تشيبوك، تم التغريد بالهاشتاج #‏BringBackOurGirls‏ (“أعيدو بناتنا”) أكثر من مليون مرة خلال مدة قصيرة. ولكن، ما يمكن أن يكون بمثابة مثال على الفجوة بين العالم الافتراضي والواقع، فحتى احتشاد المشاهير من جميع أنحاء العالم للحملة، وعلى رأسهم زوجة رئيس الولايات المتحدة ميشيل أوباما، لم يساعد حينذاك في عودة الفتيات لآبائهنّ وأمهاتهنّ. حتى زيادة المساعدة العسكرية الأمريكية، التي بدأت واشنطن في إرسالها للسلطات النيجيرية من أجل فتيات تشيبوك، انخفضت تدريجيا في الأشهر الأخيرة، بعد أن ضاقت الإدارة الأمريكية ذرعا بالفساد، العجز وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل قوات الأمن النيجيرية.

استغلّ مقاتلو بوكو حرام الفراغ الأمني وتجدد اللامبالاة العالمية في الأشهر الأخيرة من أجل توسيع المنطقة الخاضعة لسيطرتهم، “الدولة الإسلامية في إفريقيا”، كما يقولون. ووفقا للتقديرات اليوم، يسيطر التنظيم على مساحة تبلغ 50 ألف كيلومتر مربع – كمساحة بلجيكا – يعيش فيها 1.7 مليون إنسان. تمر غالبية أعمال الذبح والاحتلال التي يقوم بها بوكو حرام تقريبا دون انتباه من قبل العالم. أحيانا، عندما يصل مقاتلو التنظيم، حيث معنى الاسم الذي ألصقه النيجيريون بهم هو “التعليم الغربي ممنوع”، إلى إنجاز عسكري فريد أو عندما يكونوا مسؤولين عن القيام بمذبحة رهيبة بشكل خاصّ، تنجح الأخبار في التسرّب إلى الوعي العالمي.

فعلى سبيل المثال، انتشرت يوم السبت الماضي أخبار متواضعة في وسائل الإعلام العالمية عن نجاح أولي لتنظيم بوكو حرام في احتلال قاعدة عسكرية متعدّدة الجنسيات، حيث كان فيها جنود من نيجيريا، الكاميرون، تشاد والنيجر. وما لم يتم إبرازه في الأخبار هو أنّ هذه القاعدة، التي فرّ منها الجنود، دافعت عن مدينة باجا، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 10,000 نسمة. في يوم الخميس، عندما كان العالم كلّه مذهولا أمام الدراما في فرنسا، بدأ أول الناجين من مذبحة باجا في الوصول إلى منطقة لا تزال تحت سيطرة الحكومة النيجيرية، وتحدّثوا عن مذبحة غير مسبوقة، “عدد الجثث أكبر مما يمكن إحصاؤه”. ووفقا للتقديرات يتراوح عدد القتلى بين بضعة مئات إلى 2,000 شخص. في اليوم التالي، نشرت منظّمة العفو الدولية بيانا يفيد حدوث “المذبحة الأقسى التي ينفّذها بوكو حرام على الإطلاق”، وهكذا نجحت الأحداث في نيجيريا في الحصول على شيء من الاهتمام العالمي، حتى في خضمّ الدراما في فرنسا.

ودون التقليل من الأهمية التي في مذبحة لمئات الأشخاص أو إرسال الفتيات البالغات من العمر 10 سنوات للتفجير، فمن الجدير بالذكر أنّه في عام 2014 قُتل أكثر من 10,000 شخص على يد بوكو حرام. بشكل مماثل، فرغم أنّ الطفلة ذات العشرة أعوام والتي قتلت أمس الأول كانت هي الأصغر ممن قُتلوا بهذا الشكل في نيجيريا حتى الآن، إلا أنّه ينبغي التأكيد بأنّ تكرار إرسال الفتيات في سنّ 16 أو 17 للتفجير في قلب سوق مكتظّة مرّ في الأشهر الأخيرة بلامبالاة.

ربما يمكن لشعار “أنا شارلي” أن يحقّق التغيير في المجتمع الفرنسي، ولكن المحاولة الفاشلة لحملة “أعيدوا بناتنا” تدل على أنّ موجة عابرة من الصدمة العالمية من عمل مروّع محدّد في نيجيريا بالتأكيد لا تساعد فعليّا سكان البلاد. من أجل تحقيق التغيير الحقيقي هناك حاجة لجهود دولية وإقليمية لإيقاف تنظيم بوكو حرام، وحلّ عميق للمشاكل الاجتماعية في المنطقة. ينبغي لهذه الجهود أن تُرافَق باهتمام عالمي أيضًا بالأعمال المروّعة “الصغيرة” في نيجيريا، كتلك التي يُقتل فيها 20 شخصا “فقط” أو كتلك التي يُختطف فيها 30 فتاة “فقط”.

وعلاوة على ذلك، ذُكر أمس أن أحد منفّذي العمليات في باريس التقى في اليمن بعمر فاروق عبد المطّلب، “مفجّر الملابس الداخلية” النيجيري الذي حاول تفجير طائرة من أمستردام إلى نيويورك عام 2009. هذه تذكرة بأنّ دعوة الملايين الذين تظاهروا في فرنسا ستنتهي دون شيء إذا لم يتم تقليص الفجوة بين الاهتمام الذي يُعطى لضحايا الإرهاب الغربيين ونظرائهم الأفارقة، وهذه مرحلة أولى لنفهم أن محاربة الإرهاب الإسلامي في أوروبا يمرّ أيضًا عبر الصعوبات التي في إفريقيا والشرق الأوسط.

نشر هذا المقال لأول مرة على صحيفة هآرتس

اقرأوا المزيد: 773 كلمة
عرض أقل