أيهما أهم؟ إزالة نظام بشار الأسد أم محاربة الإرهاب في سوريا؟ لربما كان هذا السؤال الأهم لدى كل من الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي في الوقت الراهن. فمن جهة، يرى كثيرون بأن النظام السوري ارتكب جرائم ضد الإنسانية، ومن جهة أخرى يؤمن العديد بأن النظام، وإن كان قد ارتكب الكثير من الفظائع، فإنه على الأقل نظام يمكن التفاهم معه للتوصل إلى حلول وسطية، في حين أن التنظيمات المتطرفة، مثل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” لا عمل لها إلا تكفير الناس وقطع رؤوس المعارضين. وبالتالي، فإن الأولوية يجب أن تكون لمحاربة وهزيمة الجهاديين.

ونظرا لعدم فعالية الضربات الجوية الحالية للتحالف الدولي في سوريا واستحالة إنزال قوات أمريكية على الأرض، هناك أصوات في الولايات المتحدة تدعو لشراكة مع الأسد من أجل محاربة الجهاديين، في الوقت الذي يبرز فيه خلاف حول الموضوع السوري داخل الحكومة الأمريكية نفسها. فالبيت الأبيض والكونغرس متفقان على وجوب إزالة التنظيمات المتطرفة من الوجود، إلا أن طريقة تحقيق هذا الهدف هي مثار للخلاف. ونتيجة لذلك، تجد الحكومة نفسها مشلولة في الوقت الذي تستمر فيه الحرب الأهلية السورية التي باتت على عتبة عامها الخامس.

في خضم هذا التضارب في التعاطي مع الأزمة السورية، لا بد من التساؤل عن حال المعارضة التي سلب منها الأضواء موضوع الجهاديين في الأشهر الماضية. فهي ببساطة لا تزال عالقة عند العام 2012. النظام يقتل شعبه ولا تزال الثورة سلمية متمثلة بالمظاهرات والتي يحميها الجيش الحر، وعندما يُسألون عن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وجبهة النصرة وباقي التنظيمات المتطرفة، فإن الجواب هو واحد: “إنها صنيعة النظام”.

الرئيس السوري بشار الأسد متوجها الى مكتبه (AFP)
الرئيس السوري بشار الأسد متوجها الى مكتبه (AFP)

غادرت سوريا في النصف الثاني من العام 2013. في تلك الفترة، وخلال جولتي الأخيرة على عدد من المدن السورية ونصف حلب الشرقي، لاحظت اختفاء “العلم السوري القديم” (علم الاستقلال/الانتداب) وتواجد العلم الأسود الخاص بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة. على طول الطريق من حلب إلى دمشق، وفي كافة المناطق التي يسيطر عليها ما يدعون في الإعلام باسم “الثوار،” لم يعد هناك علم إلا العلم الأسود، وباتت العناصر الموالية للتنظيمات المتطرفة هي التي تستقبلنا عند نقاط التفتيش. قد يقول أحدهم بإن اللقطات الموجودة على يوتيوب “مفبركة” وبأن الجيش الحر موجود فعلاً، لكنّي أميل إلى تصديق وما أراه بعينيّ أكثر بكثير من أي مقطع فيديو لأي طرف كان.

في الإعلام، هناك “الجيش الحر” بقيادته المقيمة في تركيا (بالرغم من آلاف الكيلومترات السورية “المحررة” على حد زعمها)، ولكن على أرض الواقع، هناك تنظيمات مسلحة متعددة يتبع كل منها “ممولها.” وطالما أن ممولي هذه التنظيمات لا يزالون مختلفين فيما بينهم، تبدو عملية التوحيد صعبة. كما أن الأمر الأكثر استحالة – حتى في حال اتحاد الممولين – هو إقناع قادة تلك المجموعات بالعمل تحت إمرة بعضهم البعض بشكل هرمي. وبالرغم من هذا الواقع، ففي كل مرة يلتقي فيها مسؤولون أمريكيون أعضاء المعارضة السورية، تُطرح فكرة تشكيل جيش منظّم قادر على مقارعة النظام والتنظيمات المتطرفة.

مقاتلو الجيش السوري الحر في المعارك على مدينة حلب (AFP)
مقاتلو الجيش السوري الحر في المعارك على مدينة حلب (AFP)

من ناحية أخرى، فشل قادة المعارضة في تبرير وجود غالبية كبيرة من الشعب السوري لا تزال مؤيدة للنظام. ففكرة أنهم مأجورون أو مضطرون لم تعد كافية. هذا العدد المتزايد من الداعمين للنظام السوري والمدركين لمساوئه ولكن متقبلين لها مؤقتاً على الأقل باتت مهددة لأي جهود هادفة لتقديم المعارضة السورية إلى الواجهة. فبات “أضعف الإيمان” – كما يقال – تقديم عدد من المقاعد السياسية لهم بالمشاركة مع النظام لعلهم يتمكنون من كسب بعض الشعبية، بعد فشلهم في تقديم أنفسهم أمام السوريين الذين اقتنعوا بأن النظام، وبكل مساوئه، أفضل منهم.

لا تبدو الخيارات مريحة أمام الإدارة الأمريكية: الضربات الجوية غير فعّالة، والتعامل مع النظام السوري خط أحمر، والمعارضة فقاعة إعلامية أكثر منها أداة مفيدة أو فاعلة على الأرض. ومع التنازع المستمر بين البيت الأبيض والكونغرس، والذي من المرجح أنه يطول حتى نهاية العام 2016، لا يبدو بأنه سيكون هناك حلول جدّية للصراع السوري في المستقبل القريب.

نشر هذا المقال لأول مرة على موقع “منتدى فكرة”

اقرأوا المزيد: 583 كلمة
عرض أقل