آري شافيت

وتيرة الحياة في غزة: نظرة من الداخل (AFP)
وتيرة الحياة في غزة: نظرة من الداخل (AFP)

الأمم المتحدة تخلّدُ الاحتلال

النوايا الطيبة لمعدّي تقرير الأمم المتحدة تؤدي إلى مكان سيّء جدّا: الآن كل إسرائيلي عادي سيقول لنفسه إنه من الأفضل السيطرة على شعب آخر من الانسحاب، ومن أن تكون مهاجما، وأن تُرسَل إلى لاهاي في الوقت الذي تصدُّ فيه العدوان

من الواضح تماما ما هي الاستجابة القانونية المناسبة لتقرير الأمم المتحدة بشأن عملية “الجرف الصامد”: “تحقيق إسرائيلي عميق لكل حادثة وأخرى كان قد يُثار فيها الشكّ أن يكون الجيش الإسرائيلي قد استخدم القوة ضدّ السكان المدنيين بشكل غير معقول وغير عادل. هذا التحقيق مطلوب أيضًا بحيث يمكننا أن نكون في سلام مع أنفسنا وقيمنا، وأيضا من أجل أن نقف أمام المجتمع الدولي بكل إخلاص وبأيد نظيفة. إذا أثبتت إسرائيل أنها تقوم بجهود عُليا لتبقى أخلاقية قدر الإمكان حتى عندما تُقاتل متعصّبين؛ فستكون الرابحة، من ناحية القيم، القانون والصورة الذاتية.

من الواضح تماما ما هي الاستجابة السياسية – الأمنية المناسبة لتقرير الأمم المتحدة بشأن عملية “الجرف الصامد”: تغيير الاتجاه. يجب على القيادة السياسية في إسرائيل أن تفهم بأنّ الجمود السياسي خطير، وأنّه دون مبادرة سياسية فقد ينتهي بنا الأمر إلى المزيد والمزيد من جولات القتال غير المتكافئة في الجنوب والشمال، والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى إدانة دولية شاملة للمشروع الصهيوني. يجب على القيادة العسكرية في إسرائيل أن تفهم أنّ استراتيجية الضاحية (القصف المكثّف على المناطق السكانية) هي استراتيجية غير مقبولة، وبأنّها ملزمة بتطوير طرق قتال جديدة وراقية من أجل مواجهة التنظيمات الإرهابية كحماس وحزب الله.

 شاطي بحر غزة (Ahmad Khateib/Flash90)
شاطي بحر غزة (Ahmad Khateib/Flash90)

ولكن يجب قول الحقيقة: تقرير الأمم المتحدة بشأن عملية “الجرف الصامد” هو تقرير مشوَّه وملتوٍ من شأنه أن يثير غضب كل إنسان عادل. حيث تعاني الوثيقة المفصّلة في 183 صفحة من عيب خطير: إنها تفتقر إلى السياق.

إنها لا تعطي وزنا مناسبا إلى حقيقة أنه في عام 1993 قد فتحت إسرائيل قلبها للسلام، ووثقت بياسر عرفات وسمحت له بإقامة كيان شبه مستقلّ في قطاع غزة.‎ ‎وهي لا تعطي وزنا مناسبا لحقيقة أنه في عام 2000 وافقت إسرائيل على الخروج من قطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة فيها وفي الضفة الغربية. وهي لا تعطي وزنا مناسبا لحقيقة أنّه في عام 2005 دمّرت إسرائيل 24 مجتمعا وتسبّبت بنزوح 8,000 شخص من أجل أن تكون للفلسطينيين (للمرة الأولى في التاريخ) منطقة حكم ذاتيً خاصة بهم.

وهي لا تعطي وزنا مناسبا لحقيقة أنه نتيجة كل هذه مبادرات حسن النية الإسرائيلية هذه- التي كانت تهدف إلى إنهاء الاحتلال وتقريب السلام – لم تظهر فلسطين سلمية وإنسانية، وإنما نشأت حماسستان استبدادية وعنيفة تقمع الفلسطينيين وتهاجم الإسرائيليين.

ماذا حدث للإسرائيليين، يسأل مؤخرًا الكثيرون في نيويورك. ما حدث للإسرائيليين هو أنّهم حاولوا مرّة تلوَ الأخرى القيام بالفعل الصحيح، ولكنّ عندما احترق الفعل الصحيح بألسنة اللهب لم يتذكّر أحدٌ أنّهم فعلوا ولم ينسب لهم أحد الفضل على ذلك. إنْ كان الأمر كذلك، فهم يقولون لأنفسهم، إذا كان العالم واليسار ضدّنا على أيّة حال، فمن الأفضل أن نعيش بقوة السيف ونحافظ على أراضينا ولا نعطي عدوّنا ولو شبرًا آخر من الأرض.

قوات من الجيش الإسرائيلي في غزة (IDF)
قوات من الجيش الإسرائيلي في غزة (IDF)

تمنى دودو ديان والقاضي ماري مكجوان ديفيس خيرا. ولكن النوايا الطيبة قادتهما إلى مكان سيّء جدّا. لماذا؟ لأنّ كل إسرائيلي عادي الآن سيقول لنفسه إنّه من الأفضل السيطرة على شعب آخر، من الانسحاب، من أن تكون مهاجمًا وتُرسل إلى لاهاي في الوقت الذي تتصدّى فيه للهجمات. لأنّ كل فلسطيني يفكّر سيقول لنفسه إنّه من الأفضل عدم إجراء مفاوضات مع إسرائيل، وإنما وضعها في قبضة كماشة الإرهاب من جهة وفقدان الشرعية من جهة أخرى. لأنّ كل فرد حكيم من حزب الله سيقول الآن لنفسه إنّ المجتمع الدولي يقلّم أظافر إسرائيل ويجعل منها كيانًا ضعيفا، يمكن إمطاره بآلاف الصواريخ من مناطق مكتظّة بالسكّان.

ستكون ثلاثة تداعيات لهذه الاستنتاجات الثلاثة: تخليد الاحتلال، إبعاد السلام وتقريب الحرب. إذا سال الدم – لا سمح الله – مرة أخرى هنا في المستقبل القريب، فإنّ فرسان الصحة  السياسية العمياء هم من سيتحمّل المسؤولية.

نُشر هذا المقال في‏‎ ‎‏‏‎”‎صحيفة “هآرتس‏‎”‎‏

اقرأوا المزيد: 550 كلمة
عرض أقل
هل سيعترف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بيهودية دولة إسرائيل؟
هل سيعترف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بيهودية دولة إسرائيل؟

“دولة يهودية هي ليست هراء”

يعتقد رئيس الموساد السابق مئير داغان أن المطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية هي بمثابة هراء. ولكن هذه المطالبة ليست هراء – إنها مطالبة طبيعية وعادلة بلا شك. وينبغي دعم بنيامين نتنياهو وتسيبي ليفني، اللذان يدفعانها على رأس جدول الأعمال السياسي لأربعة أسباب مختلفة.

السبب الأول: الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لم يبدأ في عام 1967وهو لا يقتصر على الاحتلال والمستوطنات. انه صراع قومي – ديني – ثقافي – واجتماعي عميق في صلبه العمى. فعلى مر عقود رفضت الصهيونية رؤية الشعب الفلسطيني ورفضت الاعتراف بحقه في إقامة دولته الفلسطينية. وفي المقابل رفضت الحركة الوطنية الفلسطينية حتى يومنا هذا أن ترى الشعب اليهودي وتعترف بحقه في إقامة دولته اليهودية. وقد أدى هذا العمى المزدوج والمتواصل إلى نشوب حرب المائة عام بيننا وبينهم. لذلك، ولإنهاء هذه الحرب ، يجب علينا أن نعترف بقوميتهم وبلدهم، ويجب عليهم ايضا أن يعترفوا بقوميتنا وبلدنا. وكما أنه لن يكون هناك سلام من دون إقامة دولة فلسطينية فإنه لن يكون سلام من دون دولة يهودية.

السبب الثاني: الإنجاز الكبير الذي حققته اتفاقات أوسلو كان جعل الإسرائيليين يعترفون بوجود شعب فلسطيني في البلاد مع حقوق مشروعة ، وكان الانجاز الأهم لقمة السلام في كامب ديفيد هو أن إسرائيل اعترفت بضرورة إقامة دولة فلسطينية. وكانت النتيجة التراكمية لأوسلو و كامب ديفيد تغيير الموقف الإسرائيلي. فأخيرا رأى شعب إسرائيل وجود شعب آخر في البلاد، واعترف الإسرائيليون بأن هذا الشعب الآخر يستحق بلدا آخر، الأمر الذي يعبر عن منحه حق تقرير المصير. وبالمثل، ليس هناك اي سبب لعدم فتح أبناء الشعب الذين يعيشون في فلسطين أعينهم لرؤية أن هناك شعبا آخر في البلاد يستحق بلدا آخر ومنحه حقه في تقرير المصير. المعاملة بالمثل ليست خطيئة . التماثل ليس جريمة حرب. من يؤمن بأن الإسرائيليين والفلسطينيين على قدم المساواة عليه الالتزام الأخلاقي بمطالبة الفلسطينيين بالضبط بما يطلبه من الإسرائيليين.

السبب الثالث: الفلسطينيون لن يتراجعوا عن المطالبة بحق العودة. صدمة النكبة هي الصدمة المكونة لهم، وتجربة اللجوء هي تجربتهم التكوينية، وليس هناك أي زعيم فلسطيني يستطيع أن يتفوه بأن الفلسطينيين لن يعودوا إلى مدنهم وقراهم التي هجروها عام 1948. وإذا كان هناك أي حل لمشكلة اللاجئين، فإنه سيكون حلا سطحيا وليس جوهريا. ولكن فقط لأنه لا يمكن أن نطلب من الفلسطينيين تغيير بشرتهم وتحويل هويتهم يجب أن نطالبهم أن يدركوا بأن الشعب اليهودي هو شعب هذا البلد وأنه لم يأت إلى هنا من المريخ. من الواجب مطالبتهم بالاعتراف بأن الشعب اليهودي له تاريخه الخاص به ومأساته الخاصة به وعدالته الخاصة به. على الفلسطينيين الاعتراف بأن اليهود ليسوا مستعمرين وإنما جيران في المشروع. لن يكون هناك سلام طالما أن الأطفال في مخيم اللاجئين دهيشة لا يعرفون ان الدولة عبر الحدود هي دولة يهودية شرعية لشعب يهودي حقيقي عليهم التعايش معه. من يتخلى عن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية فهو يتخلى عن السلام.

السبب الرابع: اتفاق السلام الإسرائيلي – الفلسطيني إلى حد كبير هو اتفاق من جانب واحد الذي في اطاره إسرائيل تعطي والفلسطينيون يأخذون. فقط الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية يجعل الاتفاق المنشود ثنائيا. في حين أن إسرائيل ستنقل الى جيرانها أصولا حقيقية، متمثلة بأراض وحقوق سيادية ، فإن الفلسطينيين يجب أن يعطونها الهدية الوحيدة التي يمكن أن يقدمونها : الشرعية .

مئير داغان هو إسرائيلي ذو حقوق كثيرة. سيرته الذاتية هي سيرة بطولية “بفضل القوة”. ولكن السلام لن يتحقق بفضل القوة، بل بقوة الحق. دون الاعتراف الصريح من قبل الفلسطينيين باسمنا ، بهويتنا وبحقنا – لن يكون هناك سلام.

*نُشرت المقالة الأصلية بالعبرية في موقع هآرتس (13.02.2014)

اقرأوا المزيد: 533 كلمة
عرض أقل