يمثل القول إن عدم الاستقرار في مصر هو مصدر قلق لإسرائيل تقليلًا من خطورة الأمر. إن القلق الإسرائيلي المتزايد هو أن يصبح شبه جزيرة سيناء الخاضع للحكم المصري منطقة مشاعة. فقد رأينا مؤشرات على سيناريو مقلق كهذا منذ أطاح الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي وحكومة الإخوان المسلمين في الثالث من تموز.
أصبح شبه الجزيرة الصحراوي، البالغة مساحته 60.000 كيلومتر مربع، والذي يمثل موطنًا لنحو نصف مليون شخص معظمهم من البدو الرحَّل، مصدر صُداع أمني لمصر وجيرانها. فلسيناء، الكبيرة والفارغة، حدود مع إسرائيل وقطاع غزة. ولها امتداد ساحلي طويل على البحر الأحمر وخليج العقبة (إيلات)، حيث تشرف على الأردن والسعودية، وتطوّق قناة السويس، التي تصل آسيا بأوروبا.
في الأسبوعَين الأخيرَين، هاجم إرهابيون وجماعاتُ مسلحةُ مواقع الجيش المصري في شمال سيناء، قرب الحدود مع إسرائيل، قاتلين جنودًا مصريين. في 15 يوليو (تموز)، قُتل أربعة جنود مصريين في العريش، عندما هوجمت حافلتهم ب “آر بي جي” (RPG). في بعض هذه الحوادث، جرى إطلاق النار على الدوريات الإسرائيلية أيضًا.
ردًّا على ذلك، شن الجيش المصري هجومًا رئيسيًّا بواسطة المشاة والكتائب المدرّعة بدعم جوي من أربع مروحيات أباتشي أمريكية لاجتثاث أوكار العنف. جزء من المهمة هو هدم الأنفاق الأرضية التي تصل غزة بسيناء، والتي يجري عبرها تهريب الأسلحة والإرهابيين المطلوبين. هذا الهجوم منسَّق مع الجيش والمخابرات الإسرائيلية.
تُحدّد معاهدة السلام الموقعة بين البلدَين عام 1979 عدد الجنود، الأسلحة الثقيلة، المركبات المدرعة، والطائرات التي يُسمَح لمصر بنشرها في سيناء، لا سيّما قرب الحدود مع إسرائيل. عبر قناة الاتصال المباشرة بين الجيشَين، طلبت مصر نشر المزيد من قواتها العسكرية ووافقت إسرائيل على ذلك. وقد قال الجنرال بيني غنتس، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع إنّ إسرائيل، مصر، والسعودية، لديها مصلحة مشتركة بالحفاظ على السلام والاستقرار في سيناء.
وتنعكس المخاوف الإسرائيلية بشكل بارز في التغييرات البنيوية والتنظيمية التي حدثت مؤخرا في أجهزة الاستخبارات. فهي تشير إلى تغيير الأولويات وإلى إعادة النظر الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سيناء.
لقد لعبت سيناء، لعقود، دورًا مزدوجًا في الاستراتيجية الإسرائيلية. الأول كمنطقة تمتص الصدمات، والثاني كساحة معركة للحروب السابقة والمستقبلية (غير المرغوب فيها) بين جيشَي البلدَين. نتيجةً لذلك، كانت سيناء حلبة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، التي تُعنى بشكل أساسي بجمع المعلومات حول القدرات العسكرية والنوايا الحربية لدى الجيوش العربية عامَّةً، والجيش المصري، وهو الأقوى بينها، خاصة.
وجنّدت الاستخبارات العسكرية عملاء واعترضت سبيل الاتصالات الخاصة بالجنود المصريين في سيناء، للتأكد إن كانت معاهدة السلام والترتيبات الأمنية الملحقة تُنفَّذ، ومن أنّ مصر لن تستخدم شبه الجزيرة الصحراوي كمنصة لإطلاق ضربة عسكرية مفاجِئة أخرى كما فعلت في حرب تشرين (يوم الغفران).
اوتوبيس عمال شركة الأسمنت في سيناء يعد إصابته بقذيفة أر بي جي (AFP)
لكن مسؤولية مراقبة سيناء انتقلت من الاستخبارات العسكرية إلى جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، والذي يعنى بشكل أساسي بإحباط ومنع الهجمات الإرهابية. يُظهر ذلك أنّ إسرائيل منشغلة اليوم بالتهديد الإرهابي المتزايد من سيناء، لا بالتهديد المصري العسكري.
لذلك، شكَل الشاباك وحدة خاصة تُدعى “لواء سيناء” بلغة المنظمة. مسؤوليات الوحدة هي جمع معلومات بكل الوسائل الاستخبارية عن المجموعات المتعددة التي تعزز وجودها في سيناء.
فضلًا عن ذلك، تواصل إسرائيل بناء جدار إلكتروني طوله 200 كم على طوال الحدود الإسرائيلية – المصرية من غزة على البحر الأبيض المتوسط حتى إيلات على البحر الأحمر. كان الهدف الأصلي لبناء الجدار منع تسلل اللاجئين وطالبي العمل الأفريقيين، لا سيّما من السودان وأريتريا. لكن الجدار برهن أنه أداة فعالة في الحرب على الإرهاب أيضًا.
يصنّف خبراء الشاباك المجموعات الإرهابية والعنيفة العاملة في سيناء في ثلاث فئات. الأولى تتألف من العصابات البدوية، والتي توجّه معظم عنفها نحو النظام المصري، ودافعها اقتصادي. وتعتاش العصابات والمجموعات المحلية البدوية على تهريب المخدرات، الأسلحة، والبضائع الأخرى، وهم حاقدون على السلطات التي تحاول إعاقة عملهم. ليست لهذه المجموعات أية أيديولوجية، وليس لها علاقة بإسرائيل.
في الفئة الثانية، يمكن إيجاد تشكيلات منشقين من أعضاء سابقين في حماس والجهاد الإسلامي (الفلسطيني). وهم يدّعون أن قيادات حركتَيهما الأصليتَين قد لانت وفقدت الحماسة لمحاربة إسرائيل. لذلك، هربوا من غزة ووجدوا ملجأً في سيناء للتخطيط لعملياتهم ضد إسرائيل. هذه المجموعات مسؤولة عن بعض الحوادث ضد المواقع الإسرائيلية على الحدود، وعن بعض إطلاق الصواريخ على إيلات. أبرز تنظيم في هذه الفئة هو “جماعة أنصار بيت المقدس”. وانشغالهم الرئيسي هو إسرائيل.
مع ذلك، ففوق جهودهم لإلحاق الأذى بالمجتمعات القروية والمواقع العسكرية الإسرائيلية على المثلث الحدودي غزة-سيناء-إسرائيل، يحاولون أيضًا دفع إسرائيل إلى محاربة حماس، حليفتهم سابقًا وعدوتهم الرئيسية حاليًّا.
أما في الفئة الثالثة والأشد خطورة، فيمكن إيجاد المجموعات الجهادية التي تتبع نهج القاعدة ومبدأ الجهاد العالمي. كبرى هذه المجموعات هي “التوحيد والجهاد”. في المجموعة بين 300 و 400 عضو فاعل ومساعد، وقد أسسها داعية فلسطيني – أردني جذبت رسالته بدوًا محليين متطرفين، وفلسطينيين مقيمين في غزة. وقد أعلنت مسؤوليتها عن بعض الهجمات ضد إسرائيل ومصر كلتَيهما.
“أومن أنّ التعاون والتنسيق الاستخباريَين والعسكريَين السريَين بين إسرائيل ومصر”، يقول الباحث والخبير السابق للشاباك في شؤون المجموعات الإسلامية المتشددة، رؤوفين باز، “يثبت إلى حد بعيد أنه ناجع، والوضع تحت السيطرة”. لكنه يضيف: “إذا لم يقمع الجيش المصري المجموعات الإرهابية، فستصبح سيناء مشاعًا، ما سيؤدي إلى استقرار المزيد من مجموعات القاعدة هناك. كما شهدنا في أفغانستان، العراق، اليمن، والصومال، يحسّ هؤلاء الفتية بالفراغ، ويسارعون إلى الشعور به”.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني