في 12 كانون الثاني عام 2016، في صباح شمسي وسط شتاء رأى فيه الزوار نعمة، ضُربت إسطنبول في النقطة السياحة الأكثر شعبية لها. فقد فجّر انتحاري نفسه أمام المسجد الأزرق (مسجد السلطان أحمد)، قرب المسلّة المصرية التي شُيّدت هناك في القرن الرابع من قبل الرومان. كان الضحايا سياح أجانب – عشرة أشخاص، تسعة منهم من ألمانيا. وإلى جانب ذلك تضرر أيضًا الشعور بالأمن لدى تركيا، طمأنينتها وسياحتها.
لم يكن واضحا في الساعات الأولى بعد العملية من نفّذها، وكالعادة، اتُهمت الدولة الإسلامية (داعش) والمسلّحين الأكراد المنتمين إلى حزب العمّال الكردستانيّ (PKK). ولأنها أهداف غربية (سياح من أوروبا)، تزايدت الشكوك بأن داعش نفذتها، وهكذا أيضًا ادعت السلطات في أنقرة بعد مرور وقت ما، عندما أعلنت بأنّه إرهابي سوري ينتمي إلى التنظيم الإرهابي.
كان السؤال الذي طُرح فورا مع هذا الإعلان: هل داعش مسؤولة عن العملية، لماذا أرادت ضرب تركيا في قلب إسطنبول تحديدا؟ لقد نفّذ مسلّحو داعش في السنة الماضية عمليّتين انتحاريتين دمويتين إضافيتين في الأراضي التركية (سوروج وأنقرة)، وقد أدتا إلى موت 135 شخصا، ولكن وُجهت كلتا العمليتين ضدّ هدف أيديولوجي محدّد: الحزب الموالي للأكراد ونشطاء اليسار العلمانيين. ومن هذا المفهوم، يمكن النظر إلى كلا العمليتين كتسرب لحرب داعش – الأكراد إلى داخل الأراضي التركيا، أو تسرب الحرب الأهلية السورية إلى تركيا.
ولكن العملية التي جرت في ميدان السلطان أحمد كانت من نوع آخر. وكان الهدف مختلفا – كان هؤلاء سياح تواجدوا في المكان بالصدفة. وكان المكان ذاته موقعا رمزيًّا في إسطنبول. أظهرت هذه العملية بأنّ داعش تستهدف تركيا الآن مباشرة. لا ينبغي أن يفاجئ ذلك أحد، لأنّ الصراع بين تركيا وداعش أصبح أعمق وأكثر منذ تموز الأخير، بعد العملية في سوروج وبعد أن سمحت تركيا للطائرات الأمريكية باستخدام القاعدة الجوية في جنوب تركيا بهدف تنفيذ العمليات ضدّ داعش.
ومنذ ذلك الحين، شددت داعش خطابها ضدّ أنقرة ووصفت نظامها بالكافر والحليف “للصليبيين”. بل نشرت إحدى وسائل الإعلام التابعة للتنظيم مقالا يعد باحتلال إسطنبول. وقد اعتقلت تركيا أيضًا في السنة الماضية نحو 1,200 شخص داخل أراضيها، باشتباه علاقتهم بداعش، وبدأت بالمشاركة فعليا في الحرب ضدّ التنظيم الجهادي في سوريا. “كل ذلك يقول إن تركيا في حرب حقيقية ضدّ داعش”، هذا ما قاله حول ذلك الصحفي التركي مصطفى آيقول في شبكة الجزيرة.
ويبدو أن تركيا قد استيقظت على التهديد الداعشي متأخرا جدّا وبطيئًا جدّا. ويعود أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو ثباتها الأيديولوجي بأنّ نظام الأسد هو الشر الوحيد في سوريا. بالإضافة إلى ذلك فإنّ تركيا منذ وقت قريب اعتبرت داعش كثقل موازن للصحوة الكردية شمال سوريا – وهي الصحوة التي تخيف جدا السلطات في تركيا. ثمة سبب آخر، أشار إليه الصحفي التركي آيقول، وهو الأيديولوجية القومية الإسلامية للحزب الحاكم في تركيا، والتي تفترض بأنّ كل مشاكل الشرق الأوسط تنبع من مؤامرات القوى العظمى التي ترى أنّه لا يمكن لأي لاعب إسلامي تهديد تركيا، ولا يهم إلى أية درجة هو متطرف.
وفي الواقع، منذ أن صعد رجب طيب أردوغان إلى الحكم كرئيس عام 2014، فقد ترك السياسة البراغماتية التقليدية التركية لصالح جدول أعمال أيديولوجي إسلامي يزعم الكثيرون بأنّها قادت إلى سياسة الباب المفتوح تجاه الجارة سوريا. وقد اتُّهمت تركيا، كما ذكرنا، أكثر من مرة بأنّها تسمح لعناصر داعش المجنّدين حول العالم بالمرور الحر خلال حدودها الجنوبية مع سوريا، وذلك بهدف تسريع سقوط نظام بشار الأسد المكروه لدى الأتراك وإضعاف الأكراد في شمال سوريا كي لا يحققوا حلمهم بكردستان المستقلة. ولكن عناصر داعش أولئك، الذين يفترض أن تركيا ساعدتهم، ضربوها الآن، في قلب إسطنبول. أضر الرقص السياسي الخطير لأردوغان مع الإسلام المتطرف، كما يوضح محللون، بأمن تركيا واقتصادها. هل هذه هي البداية الدموية لسنة صعبة جدا بالنسبة لتركيا؟
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدل نيوز