مرزوق الحلبي

السلطات المحلية العربية.. فرصة ضائعة

صورة للشارع الرئيسي في قرية مجد الكروم (Hadas Parush/Flash90)
صورة للشارع الرئيسي في قرية مجد الكروم (Hadas Parush/Flash90)

متوسط نسبة التصويت في البلدات العربية هو 85%؛ ما الذي يحفز المرشحين والناخبين؟ أية تغييرات طرأت مقارنة بالماضي؟ لماذا لم يحدث تغيير حقيقي حتى الآن؟

تشكل انتخابات السلطات المحلية فرصة ذهبية للنظر إلى المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل عن كثب. هذه الانتخابات أشبه بساحة داخلية للمجتمع العربي، تدور فيها خلافات بين قوى مختلفة تنشط فيها. ما الذي يمكن تعلمه من الانتخابات التي أصبحت في ذروتها الآن؟ ما هي القوى التي تنشط في هذه الحلبة؟ وما هي الديناميكية بين المستوى “القطري” و “المحلي”؟.

بداية، نقدم لكم بعض الحقائق الجافة: هناك نحو 80 سلطة محلية عربية في إسرائيل. في أربع سلطات فقط، ينتمي أربعة رؤساء إلى حزب أو حركة، من بينهم، ينتمي رئيسان إلى الحركة الإسلامية وآخران إلى حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة. حتى الثمانينات، كان هناك عدد قليل من رؤساء السلطات المحلية الذين لم يكونوا أعضاء في أحزاب سياسية. هناك من يشير إلى أن هذه البيانات تشهد على أن الحمولة نجحت في تأسيس نفسها مجددا، والتغلب على “الحزب” أو “الحركة”، ولكن أعتقد أن هذا التفسير سطحي جدا، إذ تشكل هذه الظاهرة جزءا من ظاهرة قطرية تترك الأحزاب في إطارها الحلبة المحلية للقوى المحلية، وتحدث هذه الحال في البلدات اليهودية أيضا.

هناك سبب آخر في المجتمع العربي الفلسطيني لهذه الظاهرة، وهو زيادة قوة الطبقة الوسطى. تنشأ في البلدات أو العائلة الموسعة مراكز قوى جديدة، تزعزع مكانة العائلة الموسعة التقليدية، وتجري تقسيما جديدا للقوى الاجتماعية الاقتصادية. في يومنا هذا، هناك عدد كبير من المرشحين في كل بلدة أثناء الحملة الانتخابية، وتحدث هذه الظاهرة في هذه الحملة الانتخابية أيضا. مثلا، في قرية كفر قرع (في منطقة المثلث الشمالي)، التي يعيش فيها 12.000 صاحب حق اقتراع، بدأ السباق لرئاسة المجلس المحلي بين 18 مرشحا! يتفوق عدد مراكز القوى من الطبقة الوسطى على عدد مراكز القوى من العائلة الموسعة التقليدية التي كانت ترأس الحملة الانتخابية سابقا، أو الأحزاب التي استغلتها للوصول إلى الرئاسة في البلدة. يعكس الحوار السياسي الذي يرافق الحملة الانتخابية للبلديات في البلدات العربية التنوع في البلدات، والتفاوت في الآراء، النزاعات الاجتماعية والطائفية المعقدة.

كما ذُكِر آنفا، أعتقد أن النتيجة الرئيسية هي اللامركزية في القوى الاجتماعية الاقتصادية والسياسية في البلدات العربية، أي زيادة تأثير أبناء الطبقة الوسطى المثقفين وذوي الخبرة الاقتصادية في العقود الثلاثة الماضية، والذين بدأوا يتنافسون ضد أبناء العائلة الموسعة والأحزاب. تتضمن المكانة الوسطى مثقفين وأفرادا أقوياء أكثر (أو كلاهما معا)، ممن ينظرون إلى الحلبة المحلية كحلبة اقتصادية وحيز للتحقيق الذاتي. لهذا، هناك اختلافات في الحملات الانتخابية اليوم مقارنة بالماضي وفي الحوار الجديد الذي يدور بين المتنافسين.

إحدى العلامات التي تشير إلى التغييرات هي أن النقاش هو مدني، ويتطرق إلى أداء السلطة المحلية، مهنيتها، تطوير البلدات، وإدارة السلطة، أكثر من المواضيع الوطنية المتعلقة بالعلاقة بين الدولة والأقلية العربية الفلسطينية. للمقارنة، في السبعينات والثمانينات، ارتكز النقاش على السؤال حول الاحترام الوطني، آراء المرشح، والقوائم للانتخابات القطرية، وعلى أسئلة وطنية متعلقة بالدولة والنزاع. كان شعار طيب الذكر، توفيق زياد في انتخابات عام 1975، الذي أصبح فيها للمرة الأولى رئيسا لبلدية الناصرة كما يلي: “نحن نخوض حملة انتخابية من أجل الاحترام الوطني والخدمات، ونسعى إلى تحقيقها دون تنازلات”. أما اليوم، فهناك ميل للفصل بين الحملة الانتخابية المحلية والحملة الانتخابية القطرية، أي إن القوى الفاعلة تتألف من مرشحين من الطبقة الوسطى ومن الأحزاب التقليدية: “نحن نعمل في الحلبة المحلية، وأنتم تعملون في الكنيست”.

ثمة فارق واضح يشهد على الاختلافات بين الحملات الانتخابية في الحاضر والماضي، وهو نسبة مشاركة الجمهور العربي في الحملتين الانتخابيتين. تشير البيانات إلى أن متوسط نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية في البلدات العربية هي %85. رغم ذلك، وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة للكنيست إلى %60 تقريبا. الحلبة المحلية أهم للناخب العربي ولاحتياجاته اليومية. كذلك، مقارنة بالحلبة القطرية، فإن الحلبة المحلية تسمح لعدد أكبر من المرشحين بالمشاركة والتأثير في الانتخابات، لهذا هناك مبادرات لإجراء لقاءات مع الشبان والمرشحين الذين يحاولون خوض المعترك السياسي بكل قواهم.

رغم كل هذه التغييرات، لا تزال مشاركة النساء أقل في الحلبة المحلية العربية. بغض النظر عن التغييرات الجيدة التي طرأت على مكانة المرأة العربية، لا تشارك النساء إلى حد كاف في السياسة المحلية، ورغم الزيادة التي طرأت على عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب رئيسية في البلدات العربية، لا تزال المرأة العربية عديمة التأثير في الحلبة السياسية المحلية بصفتها مرشحة منافسة، وهي تؤثر كصاحبة حق اقتراع فحسب. شغلت مرة واحدة فقط مرشحة عربية منصب رئيسة سلطة محلية عربية وذلك في قرية كفر ياسيف في الجليل، في السبعينات، وكان عدد قليل من النساء عضوات في مجلس السلطات المحلية. في السنوات الماضية، حاولت نساء كثيرات الترشح ضمن قوائم حزبية وقوائم مستقلة، ووفق التقديرات، سيجرأ عدد أكبر من النساء على الترشح للانتخابات القادمة.

هناك عامل آخر يتعلق بالسلطة المحلية وهو مدى تأثيرها في حياة المواطنين. غالبا، تكون السلطة المحلية المشغّل الأكبر في البلدة، لهذا تشكل أيضا الحيز المركزي للتحقيق الذاتي. ولكن الوضع ليس جيدا من هذه الناحية، إذ إن الكثير من التعيينات يتم استنادا إلى العلاقات العامة بدلا من القدرات، أي لاعتبارات سياسية واعتبارات “إعطاء الأفضلية” للمقربين. تؤدي هذه الظاهرة إلى أن تكون السلطة المحلية مهنية أقل، ويؤدي العدد الكبير من القوى العاملة التي يصل تعدادها إلى عدد أكبر من العدد المطلوب من الموارد البشرية، إلى زيادة العبء على الميزانية المتعلقة بالأجور. من المثير للاهتمام معرفة أن هذه التعيينات تجرى في أحيان كثيرة استنادا إلى وزارة الداخلية والمحاسب المسؤول من قبلها.

رغم هذا، هناك عدد من السلطات المحلية العربية التي تتمتع بميزانية متوازنة، وقد غيّر بعض السلطات حياة المواطنين كثيرا، مثلا، في بلدة حورة في النقب، عيلبون، طرعان، إكسال، كفر قاسم، والطيبة. رغم هذا، لم تُحدِث هذه النجاحات ثورة حقيقية، وما زالت السلطات المحلية العربية في إسرائيل تشكل “ضياعا استراتيجيا” للمجتمع العربي، ليس بسبب إدارتها فحسب، بل بسبب الفشل الداخلي وأنماط الإدارة المرفوضة. في حال لم يطرأ تغيير هام على السلطات المحلية يؤدي إلى تطوير اجتماعي، واقتصادي، ستظل السياسة المحلية في البلدات العربية فرصة ضائعة.

نُشِر هذا المقال للمرة الأولى في موقع “منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 889 كلمة
عرض أقل
طفل يهودي يرفع يديه مستسلما أثناء الهولوكوست (ويكيبيديا)
طفل يهودي يرفع يديه مستسلما أثناء الهولوكوست (ويكيبيديا)

الحوار العربي الفلسطيني حول الهولوكوست: نقاط ضوء وعتمة

الحوار العربي والفلسطيني الخاص بكارثة الهولوكوست عالق بين التجاهل والإنكار لأنه يركز فقط على الرواية الصهيونية التي تربط بين الهولوكوست وبين قيام دولة إسرائيل.. ماذا عن الحوار الإنساني والأخلاقي الخاص بهذه الكارثة؟

كنت طالبا جامعيا شابا عندما بحثت عن مصادر حول الهولوكوست لكتّاب عرب ليسوا فلسطينيين بالضرورة. بحثت جاهدا عن مصادر في مكتبة جامعة حيفا ووجدت ثلاثة حتى أربع كتب فقط. عندها أدركت أن هذه الكارثة اختفت من الوعي العربي الوطني، ولم يحدث ذلك صدفة.

ومع مرور الوقت، أدركت أن هناك هدفا لتجاهل الكارثة أو الحط من أهميتها،، مثلا، التشكيك في حجم الضحايا. “لا يمكن أن نصدق أن الكارثة أسفرت عن مقتل ستة ملايين شخص”، قال متحدثون عرب، “كان عددهم مليون ونصف المليون على الأكثر”. وحاول آخرون الانضمام إلى محاولات الإنكار في أوروبا، وبرز هذا التوجه بشكل خاص في لبنان عندما سعت جهات في لبنان كانت تشكك في هذه الكارثة وتنكرها إلى عقد مؤتمر في بيروت قبل نحو عقد. أعرب محمود درويش وإدوارد سعيد عن استيائهما ضد هذا المؤتمر ورسالته. بكلمات أخرى، إلى جانب الوعي العربي الضئيل والخاطئ فيما يتعلق بالهولوكوست، هناك وعي، لا سيما بين الفلسطينيين، حول تأثير الهولوكوست في الشعب اليهودي، التاريخ البشري بشكل عام، وفي التاريخ المعاصر بشكل خاصّ.

تطرق كل من محمود درويش، إدوارد سعيد، عزمي بشارة، وإميل حبيبي بطريقته الخاصة إلى الهولوكوست، ولم يعربوا عن معارضتهم لوجهة النظر الإسرائيلية اليهودية،‏‎ ‎‏بل تطرقوا إلى الموضوع من وجهة نظر مستقلة لمفكرين مطلعين على الموضوع. لقد اعتقدوا أن التطرق العربي والفلسطيني إلى الهولوكوست يشكل خسارة تاريخية وأخلاقية، وناشدوا التطرق بشكل متحرر أكثر إلى هذه الكارثة، التعامل معها بشكل إنساني، واعتبارها حدثا هاما يتعدى حدود القارة الأوروبية بشكل خاص والعصر الحديث بشكل عام.

ولكن هذا التوجه لم يُحدث انطلاقة في التعامل العربي مع هذه المأساة بشكل عام. لقد حدثني صديق من أيام الدراسة، الذي كان خلال خدمته العسكرية في الجيش الإسرائيلي مسؤولا عن مرافقة بعثات أردنيّة إلى إسرائيل والعكس أيضا، في إطار اتفاقية السلام، عن زيارة ضباط أردنيين إلى متحف الهولوكوست “ياد فاشيم”، وعن رد فعلهم وتأثرهم العميق. لم تكن هذه المعلومات جديدة لي. فبعد أن كتبت عن الموضوع في الصحف العربية المحلية والأوروبية، تلقيت ردود فعل مثيرة للاهتمام من مفكرين فلسطينيين وعرب طالبوا بمعرفة المزيد وحثوني على الكتابة أكثر لإيقاظ الضمير العربي الجماعي حول الموضوع. عندها أدركت أنه لا يسود الصمت حول الموضوع فحسب، بل يحظر طرحه. ما زال هذا الحظر سائدا، وهو يمنع إدارة حوار عربي حر حول كارثة الهولوكوست، على الأقل، كما عرفها العالم والبشرية.

بين حين وحين تنشر وسائل إعلام عربية أخبارا تقول إن حماس تعارض تعليم موضوع الهولوكوست في المدارس الفلسطينية. وتشهد على ذلك حادثة البروفسور الفلسطيني محمد الدجاني، وهو محاضر في جامعة القدس، حيث اضطر إلى الاستقالة من منصبه والهجرة إلى الولايات المتحدة بعد تعرضه لضغوط، تهديدات، ومضايقات بعد أن رافق 28 طالبا جامعيا من طلابه وزاروا معسكر “آوشفيتس بيركناو”. وفق أقواله، لم يعد الوضع محتملا بعد تلك الزيارة، فاضطر إلى الاستقالة من عمله في الجامعة.

تشير هذه الحادثة إلى تعامل القيادة العربية والفلسطينية مع الهولوكوست، وإلى مصير كل من يحاول التطرق إلى الموضوع ودراسته كما حدث للبروفسور الدجاني. أعتقد أن التعامل الفلسطيني تشكل على نحو بتأثير الصراع المستمر، ومن حقيقة أن الاحتلال وأضراره ما زالت مستمرة. في كتابي الذي صدر عن دار النشر التابع لمعهد “فان لير”، كنت أوضحت، من بين توضيحات أخرى، أن الفلسطينيين يعتقدون أن الاعتراف بكارثة الهولوكوست وأهميتها التاريخيّة لدى اليهود يشكل اعترافا جارفا بالرواية الصهيونية عن الصراع. في الحوار الفلسطيني العام، ترتبط هذه الكارثة بهجرة اليهود إلى موطنهم، فلسطين، رغم أن الصهيونية بدأت في القرن التاسع عشر. من هنا يتبين أن الاعتراف الفلسطيني بالهولوكوست يزعزع الرواية الفلسطيني. أي أن التطرق الفلسطيني إلى الهولوكوست يقتصر على الحوار الصهيوني حول الكارثة تماما ويستجب له.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن نلاحظ في المصادر الفلسطينية الشحيحة حول الهولوكوست والتصريحات في شبكات التواصل الاجتماعي أن هناك عائقا فلسطينيا، عاطفيا، عميقا، يعود إلى حقيقة أن إسرائيل واليهود لم يعترفوا حتى الآن بالنكبة، أو بمسؤوليتهم حول نكبة الفلسطينيين. يدعي فلسطينيون كثيرون أنهم سيعترفون بالهولوكوست بعد أن يعترف اليهود بمسؤوليتهم عن النكبة الفلسطينية. لقد رأينا تصريحات شبيهة في صفحات الفيس بوك، وجدالات حول مناشدة عضو الكنيست، أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، المواطنينَ العرب في إسرائيل أن يقفوا وقفة حداد لذكرى ضحايا الهولوكوست. يتبين أنه يصعب على الفلسطينيين التطرق إلى كارثة الهولوكوست رغم أنهم مطلعون عليها، والسبب لذلك هو الصدمة الجماعية الفلسطينية الشخصية.

في الماضي، في عشية ذكرى الهولوكوست الدولية، شكلت تصريحات محمود عباس العلنية محاولة لفهم الهولوكوست وبث رسالة إلى الشعب اليهودي في إسرائيل، أنه بصفته رئيسًا فلسطينيا، يتضامن مع الألم والمأساة الكبيرين اللذين لحقا باليهود، لا سيما بضحايا الهولوكوست. ما زالت هذه التصريحات تشكل خطوة صحيحة وهامة رغم أنها جاءت في وقت متأخر.

يتعين على القيادة الفلسطينية أن تكون جريئة وتخترق الحاجز العاطفي، النفسي، والسياسي، الذي يشكل عائقا في تصحيح الخطأ التاريخي الذي اقترفته السياسة الفلسطينية، التي لم تجرأ على التطرق إلى الهولوكوست، وحتى أنها أنكرت حدوثها أو قلصت من أهميتها. لقد استجاب عباس للتحدي الذي وضعه المفكرون الفلسطينيون وسعوا إلى العمل عليه، متطرقا إلى الهولوكوست، أملا أن يُحدث تغييرا جذريا في التوجه السياسي والثقافة الفلسطينية. أعتقد أن فهم كارثة الهولوكوست وتحليلها بجرأة – كما لم يفعل الكثير من اليهود حتى الآن – سيساعدان الفلسطينيين على فهم الجينوم الإسرائيلي – اليهودي في هذا المجال. في حال اتخذ الفلسطينيون هذه الخطوة المميزة فسيستفيدون أخلاقيا وسياسيا.

المقالة مترجمة من موقع منتدى التفكير الإقليمي حيث ظهرت لأول مرة باللغة العبرية

اقرأوا المزيد: 811 كلمة
عرض أقل
كارثة حلب (AFP)
كارثة حلب (AFP)

علامة على انهيار النظام العالمي

ما يحدث في حلب سيتكرر في أماكن أخرى في سوريا وفي الشرق الأوسط والعالم. بات النظام العالمي الجديد، أو الفوضى العالمية، يدرك نقطة ضعفه ويستثمر فيها كل قوته. وهناك أيضًا ستسقط ضحاياه

حلب ليست جرح سوريا الدامي وحدها فقط، وإنما أيضًا جرح الإنسان العربي والنظام العالمي في زمننا. تفسح ظروف دولية مجالا مريحا أمام العنف الدامي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، المعروفة لنا جيدًا من التاريخ المُعاصر. تحدث تلك الجرائم بينما تُكتب هذه السطور، في حلب وفي مناطق أخرى من سوريا، دون أي رادع، وحتى ببث حي ومباشر في حالات معينة.

يتكون النظام العالمي من مؤسسات الأمم المُتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي ومصالح بعض الدول التي تلعب دورًا رئيسيًا. يمر هذا النظام، منذ نهاية الحرب الباردة في ثمانينات القرن الماضي، بعملية تغيير ولكن العولمة والإجراءات التي ترافقها تُغير أيضًا خارطة المصالح الاقتصادية والاستراتيجية في العالم.

وفي السنوات الأخيرة، تتشكّل القوى العُظمى على الساحة الدولية من جديد: تتراجع مصادر طاقة معينة، تظهر وتتطور مصادر طاقة جديدة، تُقام مناطق مُشتركة وتُفتح خطوط جوية وبحرية. تتفكك دول وفي المقابل تنهض دول أخرى (204 دولة أعضاء اليوم في الأمم المتحدة، مقارنة بـ 170 دولة في الثمانينات)، تتغير وتُمحى حدود دولية، تتشكل تحالفات جديدة وتغيّر الصين النظام العالمي. وهذه الأمور تُعبر جزءًا صغيرًا فقط من الأسباب التي تدفع إلى تغيّر النظام العالمي في عصرنا هذا.

أطفال سوريون يرقبون المقاتلات الروسية بدموع، خلال القصف الجوي على حلب (AFP PHOTO / THAER MOHAMMED)
أطفال سوريون يرقبون المقاتلات الروسية بدموع، خلال القصف الجوي على حلب (AFP PHOTO / THAER MOHAMMED)

إلا أن تلك التغيرات أيضًا باتت تؤثر في المُصطلحات الأساسية مثل مُصطلح “الدولة”، “السيادة”، “الرأسمالية”، الديموقراطية”، “القومية”، “المجتمع المحلي”، وما إلى هنالك. تُضعف العولمة وتفكك حتى دولاً وطوائف وتمحي الحدود. تتبدل ديناميكية النظام بديناميكية فوضى وتخريب وتقويض للدولة وسيادتها لصالح تكتلات دولية. تثور مدنٌ أيضًا على دولها وتعلن أقاليم استقلالها، وأفضل مثال على ذلك في الشرق الأوسط هو إقليم كردستان. ويُعاد تنظيم العالم من جديد.

تتراجع أهمية المؤسسات الدولية والنُظم المسؤولة عن ترتيب العلاقات الدولية وتنظيمها. كذلك يتراجع تأثير تلك المؤسسات في قدرتها على منع الإبادات الجماعية أو الجرائم الإنسانية. ففشلت في سوريا وحلب حتى منظمات الدعم الإنساني، وحتى أن بعض تلك المنظمات موّل أتباع الأسد لأنهم أخذوا جزءا من مساعداتها ونقلوا جزءا قليلا منها إلى المُحاصرين والمُحتاجين فقط. تحولت الثورة الشعبية ضد نظام الطاغية إلى صراع عالمي، بينما يدفع الشعب السوري الثمن الذي دفعه قبله الشعب العراقي والأفغاني والأوكراني والبوسني والليبي واليمني، وما زالت القائمة طويلة وتضم العالم.

الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والرئيس الروسي فلادمير بوتين (AFP)
الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والرئيس الروسي فلادمير بوتين (AFP)

تعيد دول رئيسية في العالم مثل الصين واليابان وألمانيا، تغيير سياستها بخصوص التسليح واستخدام جيوشها. تُبنى قواعد عسكرية وأساطيل وتُشترى حاملات طائرات وتُرسل قوات عسكرية إلى خارج حدود تلك الدول. إذا كانت هذه الأشياء تتم خلال الحرب الباردة بشكل مخفي أو كان يُغض الطرف عنها وكانت تُجرى تحت غطاء دبلوماسي كبير، ها هو الآن يحدث التدخل العسكري أو الامتناع عنه دون خجل. لم تعد وثيقة حقوق الإنسان ومعاهدة جنيف تُهمان من يريد التدمير والتخريب ولا حتى من يُمكنه التدخل لمنعهما.

وفي واقع لا يمكن فيه كبح جماح استخدام القوة، تفقد المؤسسات الدولية والأعراف الدولية أهميتها. لا تقلّق المجازر والجرائم وعمليات الإبادة الجماعية تلك الجهات المُنشغلة اليوم بإعادة بناء النظام العالمي من جديد.

هذه هي المحنة التي وقعت فيها حلب. فيهتم اللاعبون الأساسيون المتورطون في ما يحدث في حلب اليوم بقضايا استراتيجية وجيوسياسية تطال كل العالم، وسكان حلب هم ضحايا نظام عالمي لا يعرف الرحمة أو الخوف من الله. يفيد تجنّد شخصيات مرموقة أو منظمات دعم بشكل هامشي فقط.

ما يحدث في حلب سيتكرر في أماكن أخرى في سوريا وفي الشرق الأوسط والعالم. بات النظام العالمي الجديد، أو الفوضى العالمية، يُدرك نقطة ضعفه ويستثمر فيها كل قوته. وهناك أيضًا ستسقط ضحاياه.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي.

اقرأوا المزيد: 517 كلمة
عرض أقل
الإحواني، الرئيس المخلوع محمد مرسي خلف القضبان (AFP)
الإحواني، الرئيس المخلوع محمد مرسي خلف القضبان (AFP)

الإخوان المسلمون الجدد: الدولة هي الحل؟

تفكُك الدولة في سوريا، السودان، اليمن، وليبيا يخرج الريح من أشرعة حركة الإخوان المسلمين ويدفعها إلى التجمع داخل حدود الدولة وإظهار المسؤولية

في الآونة الأخيرة يظهر الإسلام السياسي علامات الانزعاج الذاتي. هكذا تسير الأمور في حركة النهضة في تونس، وفي حركة الإخوان المسلمين في مصر والأردن. تبنّت حركة النهضة في مؤتمرها قبل نحو شهر، بعد تردد كبير، اقتراح زعيمها، راشد الغنوشي، وهو قبول مبدأ الفصل بين الدين والدولة. منذ ذلك الحين يدعي زعماء الحركات الإسلامية في دول مجاورة أنّ هذا الفصل قد يحدث في أقاليمهم أيضا.

فازت حركة النهضة في الانتخابات الأولى في تونس بعد الإطاحة بالرئيس بن علي. ورغم أنها دعت أحزابا علمانية للدخول في الحكومة برئاستها، فقد طمحت إلى وضع حدّ للعلمانية في تونس. عرّضَت حكومة الغنوشي نفسها أمام الكثير من النقاد في أعقاب الكشف عن الإكراه الديني، العنف وطغيان الغالبية، بل وحتى اغتيال خلايا إسلامية لزعماء سياسيين يساريين وعلمانيين. فشلت الحكومة في تهدئة الأوضاع وتعزيز الاستقرار، وبالطبع في تنفيذ الكثير من وعودها للمواطنين المتمرّدين.

زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي (AFP)
زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي (AFP)

جاء قرار الحركة حول فصل الدين عن الدولة بعد خسارتها في الانتخابات العامة قبل نحو عام ونصف.‎ تتميز الحكومة الجديدة في تونس في التوجه العلماني والخطاب المؤيد للفصل التام بين الدين والدولة، كما يليق بـ “دولة متحضرة” – هذا هو حال الائتلاف والأحزاب الجديدة والصغيرة التي تصارع الرموز الدينية التي أورثها حكم النهضة قصير الأمد.

فرضت تونس، ذات التاريخ العلماني، وشريحة سكان المدن القوية والطبقة الوسطى الواسعة والثرية، على حركة النهضة أن تتغير وتلائم نفسها مع الواقع الجديد. وقد رفض الشعب التونسيّ، المنظّم في أحزاب وحركات فكرية متنوعة، قبول حركة تسعى إلى إعادة التاريخ إلى الوراء وتطبيق الشريعة، حتى ولو بصيغة منفتحة ومتطورة. أعرب المواطنون عن معارضتهم العنيدة وربطوا بين الإكراه والخطاب الديني الإسلامي وبين المركزية، الفساد والقمع وكل ما سبق ثورة 2011. والآن أصبحت حركة النهضة حزبا كسائر الأحزاب. وعليها أن تقنع المواطنين ليس بقوة الله وعطفه ولا بقدرة الإسلام أن هو الحل، وإنما بقدرتها الذاتية، كلاعب سياسي يخضع للرقابة، قادر على إحداث تغيير حقيقي يلبي حاجة المواطن التونسي الماسّة.

لم تكشف جميع حركات الإسلام السياسي في المنطقة عن عدم وجود علاقة بين الله وبين الإدارة السليمة للاقتصاد والدولة. أصبحت حركة الإخوان المسلمين في الأردن، في هذه الأيام، في قلب العاصفة وهي على شفا الانقسام إلى ثلاث حركات منفصلة. والآن تُمارس ضغوط كبيرة عليها، من الداخل والخارج، لتتماشى مع دستور النظام الهاشمي، وتعمل كحركة وطنية أردنية وأن تقطع علاقتها مع حركات الإخوان المسلمين في المنطقة، ولا سيما مع حماس. تعكس مبادرة “زمزم” ومبادرة “الشراكة والإنقاذ”، والتي يدعي البعض أن النظام الهاشمي يقف خلفهما، أيضا الضغط الداخلي الذي تُمارسه جهات ذات مناصب متوسطة ورفيعة في الحركة للاندماج في السياسة الأردنية اندماجا كاملا. تتجه الحركة نحو الحسم، ووفقا لأحد التفسيرات فستنقسم إلى ثلاث مجموعات: مجموعتان ذواتا سكان تعود جذورهم إلى عبر الأردن، والذين يقبلون قواعد اللعبة التي حدّدها النظام، والمجموعة الثالثة، المرتبطة بحركة حماس الفلسطينية، ستبقى وفية لمبدأ “الإسلام هو الحل”.

مظاهرات جماعة الإخوان في الأردن (AFP)
مظاهرات جماعة الإخوان في الأردن (AFP)

وهناك جدل صاخب أيضًا داخل الحركة الأم للإخوان المسلمين في مصر. وقد أثارت الضغوط الداخلية والخارجية توترا علنيا وكبيرا بين الدوائر التي تحاول تحويلها إلى حركة سياسية تخضع لقوانين الدولة، وبين دوائر وفية للنهج المحافظ والمتشدّد الذي ينادي بتحويل مصر إلى دولة شريعة، كخطوة أولى في الطريق نحو إقامة الخلافة الإسلامية في المنطقة. ومن الواضح أنّه لا ينبغي فصل هذه الضغوط عن حملات الملاحقة وقمع نظام السيسي لحركة الإخوان المسلمين.

أثار السعي نحو سياسة الاستبداد في مصر في سنة حكم الرئيس مرسي مجددا الشعب المصري والنخب الخائفة وأخرج نحو 25 مليون شخص للاحتجاجات في الشارع. إنّ الشعور بالخطر والذي شعر به الأردنيون على ضوء “مناورات” الإخوان المسلمين في المملكة في الأشهر الأولى من الربيع العربي شوّش قدرتها على العمل في المجال السياسي ومع السلطات. ولكن الفظائع التي ضربت المنطقة تركت أيضًا طابعها على هذه الحركة الشرق أوسطية، بعد أن أصبحت بعد الربيع العربيّ وبفضله لاعبا رئيسيا في المنطقة.

للوهلة الأولى، كان يبدو أنّ الإخوان المسلمين يلمسون النقطة الأكثر حساسية في التاريخ العربي. إن تفكُك الدولة في سوريا، السودان، اليمن وليبيا أخرج الريح من أشرعة حركة الإخوان المسلمين ودفعها إلى التجمع داخل حدود الدولة وإظهار المسؤولية. وقد خرج بقية اللاعبين أيضًا، بطبيعة الحال، للدفاع عن مصالحهم على ضوء الفظائع، مع الحرص على إطار الدولة كأساس للسياسة، مما يعارض، على الأقل، أيديولوجيا، نهج الإخوان المسلمين. أثار الظهور التهديدي للإسلام المتطرف العنيف في المنطقة في حركات الإخوان المسلمين أيضًا الحاجة إلى تمييز نفسها عنه من خلال الحوار واستعدادات مختلفة.

يعتقد خبراء عرب يتابعون الإسلام السياسي في الشرق الأوسط أنّ التغييرات في حركة الإخوان المسلمين في المنطقة قد تدلّ على تغييرات عميقة في تطوّرها. ولكن يُمكن اعتبار هذه التغييرات على أنها براغماتية ومطلوبة على ضوء التجربة العملية لتنظيمات الإخوان المسلمين في دول المنطقة. فإنّ اختبار التنظيمات السياسية ليس بكتاباتها وأفكارها وإنما بأفعالها واسقطاتها. يتضح أيضًا أن الحركة الجماهيرية التي تدعي العلاقة مع الله تتصرف كآخر التنظيمات السياسية على الأرض: بداية بالتجربة والخطأ، وأيضا سقوطها وتغييراتها بالتجربة والخطأ.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 749 كلمة
عرض أقل
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (AFP)
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (AFP)

السياسة الفلسطينية أمام طريق مسدود

نشطاء ومنظمات فلسطينية يواجهون طريقا مسدودا في السياسة الفلسطينية، ويناقشون بعمق القضية اليهودية، الأفكار السياسية لا تستند على تقسيم الأرض، والحياة المشتركة بين الشعبين

إنّ السياسة الفلسطينية آخذة بالتدهور أيضًا بشكل لا يقل عن تدهور السياسة الإسرائيلية. تدريجيا، أصبحت النخب التي شكلت القضية الفلسطينية وقادتها، وشكلت الوعي القومي أيضا، تفقد مكانتها ويتم تهميشها. في السنوات الأخيرة، وبأمر من أبو مازن، تم تبديل مئات الأشخاص في مناصب رئيسية في مختلف مؤسسات السلطة الفلسطينية، في منظمة التحرير الفلسطينية وفتح. هناك تبادل في الأدوار في منظمات المعارضة أيضًا، يسود إنهاك وضعف في صفوفها، وأيضا حماس، التي تسيطر بقبضة حديدية على قطاع غزة، لا تنجح في بعث الحياة في القضية الفلسطينية.

أحد الأسباب لذلك هو السياسة الإسرائيلية التي نجحت في مناورة الفلسطينيين إلى حالة من الجمود. قادت الحكومات الإسرائيلية – وليست حكومة نتنياهو فحسب – الخيار الفلسطيني في المفاوضات إلى طريق مسدود من خلال تعميق الاحتلال. وفشل الفلسطينيون، من جانبهم، في إعداد بدائل لفشل المفاوضات. لقد انتظروا إقامة حكومات أكثر راحة في إسرائيل – والتي لم تقم وهناك شك إذا كانت ستقوم في المستقبَل المنظور – وما زالوا يراهنون على السياسة الإسرائيلية وعلى تغيير الحكومة في إسرائيل.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس (AFP)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (AFP)

إنّ الديناميكية الفلسطينية الداخلية هي سبب آخر لهذا التراجع. فالصراع المستمر بين المنظمات المختلفة وداخلها أضعف قدرتها على القيادة، وتراجعت النسخة الفلسطينية للإسلام السياسي ووصلت إلى طريق مسدود أمام إسرائيل، في العالم العربي وفي المجتمع الفلسطيني في الداخل. لم يُؤدِ تحصّن حماس والنزعة العسكرية في المجتمع الفلسطيني إلى رفع الحصار عن غزة وبالتأكيد ليس إلى تحرر فلسطين بأكملها.

عمّق المجال الفكري والثقافي في العالم العربي من التراجع الفلسطيني أكثر، وخفت بريق القضية الفلسطينية كبوصلة قومية عربية. مع نشوب الثورات العربية، نجحت الأحداث في سرق الأضواء في المنطقة؛ أصبح القصف الإسرائيلي على غزة ضئيلا بل ومهملا مقارنة بحجم القتل والدمار في سوريا، وتفككت دول كاملة مثل سوريا، اليمن، وليبيا وأصبحت تقف في مركز الاهتمام العربي والعالمي. بكلمات أخرى، انتقل مركز ثقل “الأمة العربية” خارج فلسطين إلى المنطقة العربية، وأخلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني – العربي مكانه للصراع الشرس بين السنة والشيعة وللصراعات الداخلية الدامية.

في المنطقة العربية، تزايدت الدوائر التي تعتبر القضية الفلسطينية شماعة علّقت عليها الأنظمة الاستبدادية ممارساتها القمعية. لا تشكك هذه الدوائر بعدالة القضية الفلسطينية وإنما ببساطة سئمت منها وتفهم الدوائر الفلسطينية جيّدا هذه الديناميكية.

الدمار التي خلفته الحرب في قطاع غزة (AFP)
الدمار التي خلفته الحرب في قطاع غزة (AFP)

إنّ فشل السياسة الإسرائيلية في تقديم حلّ قابل للتطبيق للقضية الفلسطينية، والمجموعة المتنوعة من الأزمات التي تعاني منها السياسة الفلسطينية، قد يؤدي إلى تصعيد غير مخطط له (وهو غير مرغوب فيه بالنسبة للفلسطينيين) من الجانب الفلسطيني. لا ترغب حماس أيضًا في خوض معركة، رغم أن هناك عناصر فيها تعتقد، أنّها تمكّنت، على الأقل، من إيجاد توازن ردع ضدّ إسرائيل.

ومع ذلك، يمكن للأزمة أن تحفّز الدوائر في كلا الجانبين للبحث عن مخرج من هذه الورطة. في الجانب الفلسطيني، على سبيل المثال، يعمل العديد من الدوائر من جميع التيارات، بمساعدة مثقفين وأكاديميين ومنظمات مجتمع مدني، على استراتيجية تسعى إلى استغلال الأزمة الداخلية من أجل تمدين القضية الفلسطينية وتدويلها. تمارس هذه الدوائر ضغوطا على أبو مازن، على سبيل المثال، أن يعمل على إكمال العملية السياسية في الأمم المتحدة بحزم وبسرعة. في نظرها فإنّ هذا هو بمثابة مبادرة وتحويل سياسة الضحية إلى أفعال وإجراءات على أرض الواقع، والتي ستعوّض الشعب الفلسطيني عن عقود من المعاناة.

تناقش هذه الدوائر بعمق وبجهد أيضًا القضية اليهودية، بطرح أفكار سياسية لا تستند إلى التقسيم إلى دولتين، وتفكر في حياة مشتركة مؤسسة على المصالحة. إنه تطور مثير للاهتمام ومهم، ومن شأنه أن يلتقي بمبادرات إسرائيلية مشابهة في الطريق.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 527 كلمة
عرض أقل
سايكس بيكو 2
سايكس بيكو 2

اتفاقية سايكس بيكو الجديدة في سوريا

مرور مائة عام على اتفاقية سايكس-بيكو: نحن نعيش في ذروة عصر آخر تُحدد فيه القوى العظمى مصير الشعب السوري بناء على رغبتها، من دون علاقة بإرادة الشعب

في بداية السنة السادسة على الأزمة السورية يقف أمامنا سؤالان كبيران. الأول، لماذا لم يوفر كل الذين يقفون إلى جانب الشعب الثائر صواريخ ضدّ الطائرات وضدّ الدبابات؟ الثاني، الذي يبرز على خلفية هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في تدمر، لماذا كل التحالفات والقوى التي (لم) تُفعَّل ضدّ داعش في سوريا لم تهزم التنظيم أو تحد من سيطرته؟ هناك إجابة واحدة عن كلا السؤالين: لم يكن جميع اللاعبين المشاركين مستعدين على المضي في الطريق بأكملها من أجل تحقيق تصريحاتهم.

لم يرغب بعض المشاركين في الأزمة السورية في سقوط نظام الأسد. لا يدور الحديث فقط عن الدول المشتبه بها مباشرة مثل إيران وروسيا؛ ولكن إسرائيل أيضًا لم ترغب في رحيل الأسد، فقد استفادت وستستمر في الاستفادة من الأزمة. الولايات المتحدة أيضًا، رغم تصريحاتها وإظهار عضلاتها، لم تكن مستعدة لدفع الثمن مقابل رحيل الجزار من دمشق. هل هناك طريقة أخرى لتفسير منع وصول السلاح المضادّ للدبابات والطائرات إلى أيدي الثوار، رغم أن كل جندي مبتدئ يمكن أن يدرك أنّه من دونها ليس لديهم أي احتمال ضدّ قوات الجيش السوري، الإيراني، الروسي وحزب الله؟ بكلمات أخرى، فقدان الشرعية الداخلية لنظام الأسد، كنتيجة لجرائم الحرب التي اقترفها، كان قد توازَن مع الدعم الخارجي الذي حظي به من إيران وروسيا ومع انعدام الرغبة الغربية والعربية في تسليح الثوار بشكل فعال.

سايكس بيكو 2
سايكس بيكو 2

وهكذا وجد الشعب السوري، الذي تظاهر بشكل سلمي ضدّ القمع على مدى تسعة أشهر، وجد نفسه وحيدا في المعركة ضدّ نظام مدعوم من قبل قوى دولية عظمى (روسيا) وقوى إقليمية (إيران)، في الوقت الذي يستخدم فيه الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، عبارات تلطيفية كذريعة لإخفاقه.

كذلك فيما يتعلق بداعش دق الكثيرون طبول الحرب وعمل القليلون، القليل جدا وفي وقت متأخر جدا. إن القضاء عسكريا على تنظيم الدولة الإسلامية هو مهمة تستغرق شهرين أو ثلاثة من خوض حرب حقيقية، ولكن الكثير من الدول، وعلى رأسها نظام الأسد نفسه، استغلت داعش لاحتياجاتها بدلا من قتالها. استخدم الأتراك، على سبيل المثال، داعش من أجل زيادة الصعوبة على الأكراد في شمال سوريا، بل وتاجروا مع التنظيم بالنفط ومنتجاته. هكذا بقيت داعش على قيد الحياة، بل وتعزّزت، عسكريا ولا سيما اقتصاديا.

سايكس بيكو 2
سايكس بيكو 2

كذلك المملكة العربية السعودية وتركيا، اللتان ترغبان في رحيل الدكتاتور وصعود نظام حليف في سوريا، لم توفّرا للثوار وسائل قتاليّة فعّالة بشكل عام. وذلك في الوقت الذي تقوم فيه إيران، عدوّتهما اللدودة، بكل ما يحلو لها في سوريا. يبدو أنّ الولايات المتحدة هي التي منعت كلا القوتين الإقليميتين السنيّتين من دعم الثوار. الولايات المتحدة وروسيا، واللتان تبدو مصالحهما في سوريا موحّدة في هذه المرحلة، هما اللتان تمليان سير الأزمة. يجري بينهما إجماع في شأن المفاوضات لإيجاد حلّ للأزمة وفرضه على الأطراف، وتتعاونان ميدانيا ضدّ جميع الجهات التي تجرؤ على معارضة خططهما.

هذا العام سيكون قدّ مرّ 100 عام على اتفاقية سايكس- بيكو بين بريطانيا وفرنسا، والتي حسمت مصير سكان الشرق الأوسط وشكّلت طابع الدول وطابع تطوّرها. هناك شكّ أنّنا أصبحنا نعيش في ذروة عصر آخر تُحدد فيه القوى العظمى مصير الشعب السوري بشكل يخدم رغباتها، من دون علاقة بإرادة الشعب السوري وإرادة المجموعات التي يتألف منها.

نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 478 كلمة
عرض أقل
جرحى عمليات بروكسل (AFP)
جرحى عمليات بروكسل (AFP)

إذا كان هذا هو التوحيد، فأعيدوا الوثنية

الإرهاب في بروكسل وفي أماكن أخرى موجّه ضدّ كل نهج حديث للحياة الاجتماعية، ويؤهل ادعاء الابتعاث الإلهي تدمير المجتمع العقلاني. إذا كان هذا هو التوحيد، فأعيدوا لنا الديانة الوثنية

في الواقع، هذا هو نموذج صارخ على ضعف المجتمع المنفتح والمؤسس على حقوق الإنسان، الحريات ومنها حرية العبادة والتنقل للبشر. تم استغلال هذه الحرية من قبل منفّذي العملية بشكل فظيع وهذا يكشف عن نقاط الضعف في الدولة الليبرالية. ورغم أنّ أعداء المجتمع المنفتح قدِموا هذه المرة من بعيد، من خارجه، فقد كشفوا عن ضعفه بل وعن قلّة حيلته.

في 11 أيلول عام 2011 أيضًا، في الولايات المتحدة، كُشف عن فشل العقد الاجتماعي الذي بحسبه يتنازل الفرد عن استخدام القوة ويحظى بالمقابل بضمان الدولة الآمنة. اتضح أن الدولة ذاتها، والتي تتمتع باحتكار القوة وإنفاذ القانون ليست قادرة على حماية مواطنيها من عملية إرهابية استثنائية.

الإرهاب الذي ضرب بروكسل هو الإرهاب ذاته الذي ضرب باريس قبل شهرين. ظننتُ حينها أن هذا بداية موجة تهديد لتنفيذ العمليات القادمة. لست نبيّا أو متنبّئا بالمستقبل؛ فأنا أقرأ بعمق أسباب هذه الظاهرة. إنّ النهج الأصولي في الأوساط الإسلامية في الأراضي الأوروبية، وفي كل مكان في العالم، يعمل بقوة عوامل تاريخية، سياسية، اقتصادية وهوياته/ اجتماعية عميقة.

تسري توترات علنية وخفية بين النهج الديني المتطرف، المشبع بالحساب التاريخي المفتوح مع الغرب “الصليبي” و “الاستعماري”، المسيحيين، و “الكفار”، والذي يتغذّى من خطاب عنيف وعدواني، ومن الشعور بالهزيمة والتخلف أمام الثقافة المسيحية وثقافة ما بعد الحداثة، وبين الغرب العالمي والجبار. تجعل هذه التوترات العنف المتباهى به الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ينعكس فيها النهج الأول.

وانعكاس ذلك هو الدمار: وشم النظام العالمي وتدميره بالعنف الموجّه ضدّ مشتقّات العولمة والدولة كسلطة سياسية، أيديولوجية، واجتماعية. الإرهاب في بروكسل وفي أماكن أخرى موجّه ضدّ كل نهج حديث للحياة الاجتماعية؛ في المدينة العالمية، في الدولة، في اتحاد الدول، وفي القيم العليا التي أنشأها التاريخ البشري.

إنّ ادعاء الابتعاث الإلهي يؤهل تدمير المجتمع العقلاني. إذا أردتم، فالسماء تتصارع مع الأرض.

إذا كان هذا هو التوحيد، فأعيدوا لنا الديانة الوثنية.

 

نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 287 كلمة
عرض أقل
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة  (AFP)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة (AFP)

الانتفاضة الدبلوماسية تُثبت نفسها

التجنّس الناجح للنضال الفلسطيني بقيادة أبو مازن، وانقطاعه عن مسار العنف، يساعده في قبوله في أرجاء العالم ككفاح أخلاقي صادق

ترجمة من العبرية

في الوقت الذي يحاول فيه نتنياهو، دون جدوى، أن يعلّم العالم التكلم باللغة العبرية، نجح الرئيس الفلسطيني بعد عقود من المثابرة بتعليم اللغة العربية الفلسطينية للعالم، أن يعلّم خاصة القضية الفلسطينية التكلم بلغة العالم. يجيد الفلسطينيون الآن التواصل مع العالم والانفتاح عليه وعلى قوانينه فيما يتعلق بالسلام والحرب. في المقابل، تنغلق إسرائيل على نفسها أمام العالم الحائر، ذلك العالم الذي يلمّح إلى إمكانية مقاطعتها في حال استمرت في إنكارها لضرورة التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. نجح أبو مازن الذي يلصق به العديد من رجال القيادة الإسرائيلية صفة الضعف أن يضع نتنياهو وإسرائيل في موضع مواجهة غير مسبوق مع العالم وخاصة مع البيت الأبيض. ويجب ألا نخطئ: لا يقف الموضوع الإيراني فقط في مركز هذه المواجهة، بل أيضا القضية الفلسطينية.

نتنياهو في الكونغرس الأمريكي (AFP)
نتنياهو في الكونغرس الأمريكي (AFP)

من المحتمل أن ضعف العواصم العربية تحديدًا جعل أبو مازن، ومن قبله عرفات، يؤسسا الكفاح الفلسطيني على قواعد غير عنيفة. بالإضافة إلى ذلك، عزز إهمال الخيار العسكري قوة القضية الفلسطينية، وجعلها تتصدر مجددا جدول الأعمال اليومي الإقليمي رغم فوضى “الربيع العربي” العارمة. والآن تحظى القضية بطراوة معيّنة في أوساط الدوائر العامة، المجتمع المدني، ودوائر أكاديمية وسياسية واسعة في أوروبا وشمال أمريكا. أعتقد شخصيا أنّ تجنُّس القضية الفلسطينية وإخراجها من مسار العنف يساعدها في قبولها في أرجاء العالم كقضية كفاح أخلاقي صادق. يتبيّن أن تسخير الوسائل لهدف نبيل – التحرر من بطش الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية – هو حقا حاجة فلسطينية حقيقية ملحّة، من الصعب الفوز بنضال وكفاح صادق عندما تكون الوسائل غير نبيلة أو تؤدي إلى جباية الكثير من الأرواح، من بينهم مواطنون أبرياء.تبدو القيادة الإسرائيلية متكبرة ومتعجرفة، وتتجاهل التغيير الكبير الحاصل لدى الجانب الفلسطيني، والذي يظهر من خلال التنازلات الكبيرة التي قاموا بها فيما يتعلق بشروط التوصل إلى اتفاق ممكن، وباختيار استراتيجي بواسطة المفاوضات والدبلوماسية. وأيضا عندما عبثت إسرائيل بثلاث مغامرات حربية دامية ومدمّرة ضد حماس في قطاع غزة، لم تتنازل السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن عن هذا الخيار. بكلمات أخرى، على الرغم من رغبة حماس بـ “إشعال الضفة الغربية تحت أقدام المحتلين الصهاينة”، وعلى الرغم من تدخل دول ليست ودية مع السلطة، مثل قطر وتركيا، بقيت السلطة الفلسطينية متمسكة بالطريق الأكثر استقلالية الذي تمسكت به خلال التاريخ الفلسطيني.

نجحت القيادة الفلسطينية بعزل نضالها عن مصنع الإرهاب للقاعدة، وذلك عن طريق اختيارها خيار التجنّس في الوقت الصحيح

إن نجاح القيادة الفلسطينية في قطع العلاقة بين حركات الإرهاب العالمي، ومن بينها الحركات ذات التوجه الإسلامي المتطرف، وبين القضية الفلسطينية يعتبر إنجازًا جديرًا بالذكر. لم يستطع أسامة بن لادن ونائبه، د. أيمن الظواهري، أن يستقطبا النضال الفلسطيني إلى دائرة الحرب ضد “الكفار الغربيين” و”المجرمين الصهاينة”، وأكثر من ذلك، نجحت القيادة الفلسطينية بعزل نضالها عن مصنع الإرهاب للقاعدة، وذلك عن طريق اختيارها خيار التجنّس في الوقت الصحيح. أدى هذا الانقطاع بين الحلبات إلى المساهمة الحاسمة في إحياء القضية الفلسطينية وتدويلها من جديد، بالرغم من محاولات إسرائيل الكثيرة لطمسها وإخفائها تحت طبقات جديدة من الإسمنت تابعة للاستيطان والمستوطنين.

المحكمة الجنائية الدولية (Vincent van Zeijst)
المحكمة الجنائية الدولية (Vincent van Zeijst)

في المقابل، لم تتجاهل القيادة الإسرائيلية من القضية الفلسطينية وتنكرها فحسب، بل أيضا اعتبرتها قضية ستختفي من تلقاء نفسها. اليمين الذي تصوّر أن “الفوضى العربية” ستستقطب إلى داخلها القضية الفلسطينية وأبو مازن الذي لا يُعتَبَر “شريكا”، أو أن محمد دحلان سيستبدل أبو مازن الذي أبعده، ويُفرح ويريح ليبرمان. بالمقابل، تأمل قيادات اليمين أن القضية الإيرانية ستتعاظم إلى درجة تبتلع وتخفي بين طياتها القضية الفلسطينية أو تبعدها جانبا. ومن كان يأمل أن الحلف غير المعلن عنه مع الدول العربية المعتدلة سوف يحرر إسرائيل من القضية الفلسطينية فقد أخطأ.

عقيدة “إدارة النزاع” التابعة لنتنياهو غير واقعية، وعلى ضوء المثابرة الفلسطينية في النضال السياسي-الدبلوماسي، يجب على إسرائيل أن تقترح اقتراحا ما من أجل تجديد وتسيير المفاوضات

أعتقد أن أبو مازن سيتمسك بالخط السياسي-الدبلوماسي الذي أداره. والأمور التي لم تنجح بواسطة الدبلوماسية ستنجح بالمزيد من الدبلوماسية، وذلك لأنه هناك شعور أيضا في الجانب الفلسطيني من الإرهاق والملل بسبب العنف والتصعيدات. الضفة الغربية مشبعة بالكفاحات المحلية غير العنيفة، من بينها الكفاح ضد مسار الجدار في بلعين، كما ويطالب الفلسطينيون المحاكم الإسرائيلية بالعدل، وعلى رأسها المحكمة العليا. تشكل السلطة الفلسطينية مظلة كبيرة لهذا التوجه مثل التوجه لمؤسسات دولية مختلفة. وهذا ليس خيارا تكتيكيا، وإنما مبدئيا: اكتشف الفلسطينيون من جديد قوة ضعفهم، ذلك الضعف الذي أبرزته الانتفاضة الأولى أكثر من أي شيء. إن الحفاظ الدؤوب على هذا الخط سيجلب للفلسطينيين دعما كبيرا من قبل دول العالم على حساب إسرائيل، وذلك في حال استمرت الحكومة القادمة في إسرائيل بالتملص من واجبها لحل القضية الفلسطينية.

يبدو أن عقيدة “إدارة النزاع” التابعة لنتنياهو وليبرمان غير واقعية، وعلى ضوء المثابرة الفلسطينية في النضال السياسي-الدبلوماسي، يجب على إسرائيل أن تقترح اقتراحا ما من أجل تجديد وتسيير المفاوضات.‎ ‎إن تصعيدا إضافيا سيؤدي بحياة إسرائيليين وفلسطينيين عبثا، تماما كما حصل في عمليتي “عمود السحاب” و “الجرف الصامد”.

نشر هذا المقال في الأصل باللغة العبرية على موقع‏ Can Think‏

اقرأوا المزيد: 741 كلمة
عرض أقل