بالرغم من أن عدداً كبيراً من المسؤولين العرب رفيعي المستوى قد شاركوا في “مسيرة الوحدة” في فرنسا للتنديد بالهجمات الأخيرة في باريس ودعم حرية التعبير، إلا أن مشاركتهم لم تهدف سوى تحقيق المكاسب السياسية أمام الرأي العالمي. فلقد أرادوا من خلال مشاركتهم غسل أيديهم من الانتهاكات التي يرتكبونها في بلدانهم ضد حرية التعبير.
أرسلت المملكة العربية السعودية مندوبا لها للمشاركة في المسيرة، لكن على أرض الواقع تقوم السلطات السعودية بحملة اعتقالات وتلفيق اتهامات بحق الناشطين السياسيين والليبرالين. آخر ضحايا حرية التعبير كان الناشط رائف بدوي الذي حكم عليه بالسجن عشر سنوات وبالجلد 1000 جلدة بتهمة الإساءة للإسلام وذلك على خلفية تأسيسه منتدى يشجّع على الحوار حول الشؤون الدينية والسياسية. وتم بالفعل تنفيذ العقوبة بالجلد. وبالرغم من الإدانة الدولية الواسعة لعملية الجلد الأولى والتي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها “إجراء وحشي وقاسي يحظره القانون الدولي،” إلا أن السلطة الحاكمة لا تريد أن تنصاع لتلك الضغوط بحجة المحافظة على أمن البلاد، وتم تأجيل تنفيذ العقوبة لتدهور حالته الصحية.
https://www.youtube.com/watch?v=eua1SvrRUq0
أما الإمارات العربية المتحدة التي شاركت في المسيرة من خلال وزير خارجيتها، لا تسمح لأحد في البلاد بالتعبير عن آراء سياسية مخالفة. ولقد مررت الدولة أخيراً قانوناً يتعلق بمكافحة جرائم تقنية المعلومات والذي ينص على سجن كل من يستعمل الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات بقصد السخرية أو الإضرار بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة أو أي من مؤسساتها، وبالطبع تطبق عقوبة السجن على أي شخص يجرؤ على المساس بالأسرة الحاكمة أو الدين الإسلامي.
وكانت مصر حريصة أيضاً على المشاركة في المسيرة. فشارك وزير الخارجية، سامح شكري، للتعبير عن موقف مصر ضد الإرهاب، وقبيل الهجوم على مجلة تشارلي إيبدو دعا الرئيس السيسي في ذكرى المولد النبوي الشريف لتجديد الخطاب الديني وذلك لمكافحة التطرف الديني. لكن بعد أيام قليلة قام السيسي بإصدار قرار جمهوري يفوض رئيس وزرائه، إبراهيم محلب، بمنع المطبوعات المسيئة للأديان أو إعادة نشرها داخل البلاد. وعلاوة على ذلك، قضت محكمة بمدينة البحيرة، شمال مصر، بحبس الطالب كريم البنا ثلاث سنوات بسبب إعلانه على موقع فيسبوك بأنه ملحد. وفي يونيو/ حزيران الماضي تم الحكم على شخص مسيحي بالسجن ست سنوات لمجرد أنه أساء للإسلام. أما بالنسبة للأزهر (أكبر وأعرق مؤسسة دينية في العالم الإسلامي)، فلقد أدان الهجوم في باريس بالرغم من أنه يقوم بمنع أي عمل فني يتنافى مع فهمه للشريعة الإسلامية، مثل فيلم “سفر الخروج: الآلهة والملوك” الذي تم منع عرضه مؤخراً في مصر تحت مزاعم أنه عمل فني يجسد الأنبياء.
وفي الشوارع العربية على اتساعها قامت مظاهرات انفعالية عدّة للتنديد بالرسوم المسيئة للنبي محمد (ص) التي قامت تشارلي إيبدو بإعادة نشرها، لكن لم يندّد أحد في تلك المظاهرات بالهجوم الإرهابي على المجلة ولم يجرؤ أحد على التنديد بقمع حرية الفكر أو التعبير في بلادهم. ولقد نقلت الجزيرة نت تعليقات لبعض قرّاء موقع صحيفة اللوموند الفرنسية حيث كتبت قارئة فرنسية بأنه “إذا صح أن الذين نفذوا العملية صرخوا “الله أكبر” بعد تنفيذها، فنحن نتوقع أن يخرج كل المسلمين بهذا الشعار إلى الشوارع مندّدين بالجريمة، إلا أننا لا نرى المظاهرات الحنجورية إلا في قضيتين: هجوم إسرائيلي على غزة أو نشر رسوم مسيئة للإسلام…” وبالرغم من مشروعية التظاهر في تلك القضيتين الا أن التظاهر من أجل التغيير الداخلي هو الأولى والأهم.
يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير “أكره ما تقول، لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في قوله.” ومن هذا المنطلق، لا أتفق مع سياسات مجلة تشارلي إيبدو في إهانة الأديان بشكل صارخ ولكني سأستميت في الدفاع عن حقها في التعبير عن رأيها طالما أنها لا تحرّض على العنف أو تهدد فئة معينة. فلا يمكن القبول بالقتل وسفك الدماء كرد فعل على موضوع لا يتفق معه المرء لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر.
نشر هذا المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة