شعار كيبوتس “حوليت” لدى توجّهه للمرَّشحين للانضمام هو: “لكم الحُلم، ولدينا الفرصة”. المشهد الرومانسي يحاكي الأحلام حقًّا، وكذلك إمكانية القيام بمبادرات فرديّة وشراء أرض بسعرٍ يرقى إلى الأحلام في مناطق أخرى في البِلاد، ما يجعل الأمر مغريًا جدَّا. في السنة التي انقضت منذ الحرب في قطاع غزّة، انضمّ إلى بلدات المجلس الإقليمي إشكول 500 مستوطِن جديد. يعيش اليوم في منطقة إشكول نحو 14500 من السكّان، وهو رقم قياسيّ. في معظم الكيبوتسات، نفدت الشقق، ويجري انتظار انطلاق برنامج حكومي يُتيح بدء البناء. وكان رئيس المجلس الإقليمي إشكول، جادي يركوني، قد صرّح بأنّ النموّ الديموغرافي يتصدّر سلّم الأهداف. وبالفعل، يبذل مركِّزو الاستيعاب جهودًا جمّة في تقصير المسافة بين وسط البلاد والنقب الشمالي.

أخبرت مركّزة الاستيعاب في كيبوتس كيسوفيم، نوريت بورد، أنّ وظيفتها هي الاهتمام بالعائلة التي تنضمّ إلى الكيبوتس، ولكن أيضًا إعداد البلدة، قائلةً: “نعمل كي يكون المجتمع المحليّ جاهزًا، ونهتمّ بإظهار الوجه الإيجابي للكيبوتس للقادمين الجُدُد”. وقد انضمّت للكيبوتس حتى في أيلول الماضي، بُعَيد وقف إطلاق النار، خمس عائلات جديدة. تنظِّم بورد جولات للمعنيّين وتشرح عن الأحياء الجديدة المخطَّط لها على خلفية غُروب الشمس ومنظر البحر الخلّاب.

لا تُخفي نوريت المخاطر، لكنّ الرسالة الأهمّ – “آخِر سبعة بيوت بسعرٍ خاصّ بدءًا من 165 ألف شاقل” في النشرة الإعلانية للكيبوتس – أكثر إقناعًا. لا تأتي النشرة الإعلانية على ذِكر قذائف الهاون ولا تهديد الأنفاق، بل تكتفي بذكر التربية الجيّدة للأطفال، “الهدوء وجودة الحياة”. وفق بورد، تتوجّه كلّ شهر عشر عائلات في المُعدَّل، معبّرة عن اهتمامها بالاستيطان.

ويُخبر مركِّز الاستيعاب في كيبوتس حوليت، شمعون (كيش) أزولاي، إنه يحرص على الاستفسار إن كان للوالدين مصدر دخل وللأطفال إطار تربويّ. يعرض كيبوتس حوليت أيضًا، كسواه في المنطقة، تربية وتعليمًا على مستوى عالٍ وبهدوء – حاجة يندر الحصول عليها في سباق الحياة، ما أدّى إلى استيعاب ثلاث عائلات هناك مؤخرًا.

الاستيعاب هناك تدريجيّ. في كيسوفيم مثلًا، تعيش العائلات الجديدة في السنة الأولى في بيوت الكيبوتس، وفقط بعد أن تتأقلم (إن بقيت)، تشتري الأرض أيضًا. ترعرع كثيرٌ من القادمين الجدُد في المنطقة، وهم يعودون إليها بعد سنوات من الحياة في وسط البلاد. وفق كلمات بورد، يتكيّف أولئك بسهولة نسبيًّا “لأنهم يعرفون الواقع الأمنيّ ويخافون أقلّ من غيرهم، كما أنّ لديهم عملًا في مكان قريب نسبيًّا”.

صحيح أنّ بيت القصيد – أسعار الشقق – أمر ساحر، لكنّ رننة يعقوب من كيبوتس نير عوز، مركّزة الاستيعاب في منطقة الجنوب في الحركة الكيبوتسيّة، تقول إنّ “الاعتبار الاقتصادي غير كافٍ. الانتهازيّة الاقتصاديّة لا تكفي للعيش هنا، لأنّ هذا لا يتوافق مع روح المكان”.

تقول شارون بسيل، مسؤولة النموّ الديموغرافي في المجلس، إنّه رغم كون الأراضي والبيوت رخيصة الثمن، “فهذا لا يعني بالضرورة أنّ المعيشة أرخص هنا. على سبيل المثال، ثمّة حاجة إلى سيّارتَين عادةً للتنقُّل في المنطقة”، وتوضح بورد أنّ “العائلات التي تنجح في التكيُّف هنا هي التي يكون المجتمع على رأس سلّم أولوياتها. إنهم الأشخاص الذين يبحثون عن القيَم التي يريدون منحها لأبنائهم، وكذلك عن حريّة فتح الباب والخروج للَّعب في الطبيعة”.

يهتمّ معظم العائلات بالمدارس، الدورات، وفعّاليات الإثراء والثقافة. وحين تُثار المسألة الأمنية، يستجيب مركِّزو الاستيعاب للتحدّي. “لا نخدع الناس قائلين إنه لا شيء هنا، فالجميع يعرفون أين نعيش”، تقول بسيل. ويخبر أزولاي أنه لا يمكن إخفاء شيء، إذ يمكن سماع صوت المؤذِّن من غزّة من حقول حوليت.
“لا أحد يأتي إلى هنا اليوم دون أن يفهم إلى أين هو آتٍ”، تقول يعقوب.

“المسألة الأمنية تُؤخَذ في الحسبان. كثيرًا ما أجد نفسي في لقاءات الاستيعاب أتساءَل إن كانوا يعون الوضع الأمني، لأنّ الناس لا يسألون، فهم يأخذون الخطر الأمني كأحد المُعطَيات. مع ذلك، لا يمكن لمن لا يعيش في غلاف غزّة أن يفهم كاملًا، حسب أقوالها. “أُخبر الناس كيف هي الحياة في مكانٍ يخطّط فيه المرء سلفًا حين يتمشّى مع الطفل في الحديقة كيف يهرب في حال (اللون الأحمر). لكنني أذكُر أيضًا أنني أربّي في هذه المنطقة أولادي الثلاثة”.

تُخبِر بورد أنّ الأسئلة حول التهديد الصاروخي قلّت بعد عملية الرصاص المسكوب، لأنّ الصواريخ وصلت المركز أيضًا: “قالت عائلات اختبرت ذلك في بيتح تكفا أنّ (اللون الأحمر) يشكّل ضغطًا أقلّ من صفارات الإنذار المتكررة”؛ وتشدّد بسيل: “لا نريد فقط أن نعُدّ رؤوسًا، فنحن نرغب في أن يكونوا مرتاحين هنا، وأن تكون الحياة معهم جيّدة للمجتمَع”.

يقول أزولاي إنّ جذب الناس إلى المنطقة كان صعبًا حتّى قبل حرب الصيف الماضي، إذ دارت دورات عديدة من القتال، ولم يتوقّف إطلاق النار بينها تقريبًا. حسب رأيه، الدولة هي مَن يجب أن يهتمّ بالعمل واستثمار الموارد في تطوير المنطقة، بحيث يسهُل استيعاب المزيد من الناس. “نرغب جدًّا في أن تكون هناك عائلات أكثر وأكثر، لكن لا يمكننا التقدُّم دون دعم الدولة. الدولة مُجبَرة بزيادة أعمال تطوير الأراضي والأحياء الجديدة”.

ما يُثير العجب الشديد هو أنّ الطلَب على الشقق يرتفع اليوم في المنطقة لأنّ موازنات ترميم الأراضي وتأهيلها عالقة. تقول شارون بسيل: “كان علينا أن نستوعب على الأقلّ 40 عائلة، لكننا اضطُررنا إلى تأجيل ذلك لعدم توفّر مكانٍ لإسكانهم. تأجّلت الموازنات لعدم إقرار موازنة الدولة حتى الآن، ولا يمكن إحضار حتّى كرفانات للسكن الوقتي. يُخبِر مُدير قسم الاستراتيجية في المجلس، بوعز كرتشمر، إنه “يجب التذكُّر أنه منذ إقرار برنامج توسيع البلدات في أيلول 2014 حُلَّت الحكومة. لا مُوازنة اليوم، وكلّ ما نريده يجب أن تقرّه لجنة الاستثناءات”. الأسبوع الماضي، أقرّت لجنة الاستثناءات موازنة لترميم البيوت والمباني القابلة للنقل.

ويُخبر رئيس المجلس يركوني، الذي تولّى مهامّه مؤخرًا إنّ النقص في الشقق فاجأه، لكنه مقتنع أنّه يمكن التغلُّب عليه. حسب أقواله، “الخطّة هي استيعاب 150 عائلة جديدة كلّ عام. لقد تغيّرت البلدة الصغيرة والحميمة، وتوصّلنا إلى الاستنتاج أنّ هذه غلطة. نريد تربية وتعليمًا على مستوى عالٍ ومركزًا تجاريًّا، وهذه الأمور لا يمكن تحقيقها سوى في بلدة كبيرة. إن لم يحدُث نموّ، يفقد المكان معناه”.

تظنّ يعقوب أنّ النموّ والاستيطان في المنطقة هما مصلحة وطنيّة، لكنّ “المال لا يصِل إلينا”. إنهم يعترفون أنّ جُزءًا من المشكلة هو أنهم لا يصرخون كفاية، لكنّ يعقوب تعتقد أنّ الشكاوى الكثيرة قد تجعل الذين يريدون المجيء إلى المنطقة يهربون. ذكرت شارون بسيل أنّ محطة القطار قد تُقنع الناس بالقُدوم لأنها تسهِّل التنقُّل، “وكذلك فتح معبر إضافيّ لنقل البضائع إلى غزة، ما يُخفِّف من الضغط في الشارع، أو تحقيق السلام… ما يحدُث أوّلًا”.

نشر هذا المقال لأول مرة باللغة العربية في صحفية “هآرتس

اقرأوا المزيد: 955 كلمة
عرض أقل