“إنّ الصهاينة العرب أكثر سوءًا من الصهاينة أنفسهم، إنهم يعادوننا، يجب إبادتهم، يجب تطهير البيت من الداخل قبل الهجوم ضدّ الاحتلال، يجب إبادتهم قبل أن نبيد الصهاينة، لأنّهم يطعنوننا من الخلف” – هذه الكلمات قالها الدكتور إبراهيم الحمامي، أحد المقرّبين لحماس والذي يعمل كمدير “مركز الشؤون الفلسطينية” في بريطانيا، في البرنامج الحواري الأكثر شعبية في شبكة الجزيرة، “الاتجاه المعاكس”، قبيل نهاية عملية “الجرف الصامد”. استمر حمامي في تصريحاته الحادّة، حيث يجلس أمامه طوال الوقت الكاتب والمحلل المصري القبطي مجدي خليل. ويتّضح أّنّ هذا الأخير، قد ارتكب خطيئة أسوأ من كل شيء: وهي الانحياز لبعض مواقف إسرائيل خلال العملية في غزة.
بل حتى قبل “الجرف الصامد” اتسعت الشقوق في الإجماع العربي، على شكل تغيير في الخطاب المتعلّق بإسرائيل ومعارضة حماس. منذ ذلك الحين، في وقت العملية وبعدها، كانت هناك زيادة في المقالات العربية التي هاجمت حماس بل وعبّرت عن التماهي مع مواقف إسرائيل. أصيب الفلسطينيون ومؤيّدوهم بحالة من الذعر – كما يمكن أن يشار، وهكذا بدأت الاضطهادات، وضع العلامات والتشويه ضدّ أولئك المتحدثين بالعربية، الذين تجرّأوا على الخروج عن الخطّ المنحاز بشكل تلقائي مع أعداء إسرائيل. تلك هي الكلمات التي وجّهها حمامي إلى الكاتب القبطي خلال البثّ:
والجديد اليوم هو أن الفئران خرجت من ثقوبها، ودخل الإسرائيليون إلى الملاجئ تحت الأرض بينما خرج إلينا العشرات من “الصهاينة العرب”… الصهاينة العرب هم أولئك المتخاذلون الذين لا يعرفون مذاق النصر، إنّهم يكرهون “المقاومة” [حماس] دون علاقة فيما إذا هجمت إسرائيل أم لا، لقد تراجعوا عن القيم والهوية وتماهوا مع الطرف الآخر… عندما تسمعه فكأنك تسمع أفيحاي درعي [الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بالعربية]، أو أوفير غندلمان [الناطق بلسان مكتب رئيس الحكومة] أو مئير كوهين [إسرائيلي من مواليد مصر يظهر كثيرا في الإعلام العربي].
القضاء عليهم وهم لا يزالون صغارا
بينما تحلّق صواريخ حماس فوق رؤوس المواطنين في دولة إسرائيل، قرّر وزير الإعلام الأردني السابق طاهر العدوان في مقابلة مع شبكة الجزيرة، ما هو السلوك المناسب بالنسبة للعربي العادي: “على كلّ عربي محترم الوقوف إلى جانب المقاومة (حماس) وإلى جانب صواريخها التي تسحق إسرائيل، (ولكن) بدلا من أن يصمت هؤلاء (الصهاينة العرب) على الأقل، فإنّهم يقفون لخدمة إسرائيل وإلى جانب عدوانها، ضدّ أولئك المنتفضين ضدّها في قطاع غزة”.
وما هو حكم من يجرؤ على الخروج عن هذا الخطّ؟ من بين الطرق المختلفة لإسكات المعارضين السياسيين، يشتهر في العالم العربي أسلوب “الوصم” بشكل خاصّ؛ حيث يتم إلصاق وصف “خائن” للخصم، وهذا كلّ شيء. بقية العمل يقوم به الشعب، الذي لا ينسى ولا يغفر. مرّ أكثر من شهرين على عملية “الجرف الصامد” ويمكننا اليوم أن نلاحظ ما هي وصمة العار الجديدة الساخنة في الإعلام العربي: “الصهاينة العرب”.
عشرات المشاركين العرب، معظمهم مصريّين من معارضي “الإخوان المسلمين”، والذين تحدّثوا خلال عملية “الجرف الصامد” في الإعلام العربي ضدّ حماس؛ رفعوا للعناوين الرئيسية النقاش حول وجوب وقوف العرب إلى جانب ما يُسمّى “المقاومة”، أي الحرب ضدّ إسرائيل، وواجب الشجب المقدّس لمن تنتقد رسائله الأمة العربية والإسلامية. والآن، جنبا إلى جنب مع كُتّاب آخرين ينتمون إلى تيارات ليبرالية تجرأوا على انتقاد حماس، الإخوان المسلمين، تركيا أو قطر؛ تمّت إضافتهم إلى القائمة السوداء، بل وتم وسمهم في الشبكات الاجتماعية بـ #الصهاينة_العرب.
لقد ذهبت الجزيرة إلى حدّ بعيد ووصفت آراء ومواقف “الصهاينة العرب” بوصف: “تيار فكري يدعم العدوان الإسرائيلي”. وصفت الشبكة القطرية في تقرير خاصّ هذه الظاهرة بأنّها (اقتباس) “في كلّ مرة تندلع حرب، هناك هجوم شديد ضدّ “المقاومة” في وسائل الإعلام والإعلام الاجتماعي… تستغلّ إسرائيل ذلك من أجل عرض صورة للتفرّق العربي حول قضية دعم الفلسطينيين… اتّسعت الظاهرة حتى أدّت إلى نشوء تسمية “الصهاينة العرب”. إسرائيل، وفقا لهم، تحثّ هذه الظاهرة بواسطة وسائل الإعلام الاجتماعية التابعة للجيش الإسرائيلي ووزارة الخارجية باللغة العربية:
(اقتباس) “ولفت الأنظار أن من بين المتهمين بأنهم ضمن تيار “الصهاينة العرب” بعض رجال الدين الذين برز اثنان منهم يدعوان الله للقضاء على حماس وجماعة الإخوان المسلمين، واستخدم أحدهم وسما أطلق عبر تويتر “غزة بين رحى الإخواني والصهيوني”… “كما دخل الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على الخط، عندما رد بالشكر على بعض هؤلاء المغردين، وأعاد نشر تغريدات البعض الآخر، واستشهد بما كتبه فريق ثالث حول أحقية إسرائيل في حربها على “الارهاب” في غزة”.
معارضو حماس: طابور خامس
ما هو هدف إرفاق وسم “الصهاينة العرب”؟ في أحد المقالات في الجزيرة، تحت عنوان “غزة بين صهاينة اليهود وصهاينة العرب”، سعى التونسي محمد هنيد إلى تعريف الظاهرة وإلى الشرح: لماذا تشكّلت خلال عملية “الجرف الصامد” تحديدًا. هنيد هو مسؤول سابق في الفرع التونسي للإخوان المسلمين، ومستشار إعلامي سابق للرئيس هناك. وهذا ما كتبه:
(اقتباس) التسمية جاءت ردا موضوعيا على ثلاثة مواقف أساسية:
- أولها العجز الرسمي العربي ووقوفه ضمنا مع الاحتلال الصهيوني مع استثناءات نادرة.
- ثانيها أبواق إعلام العار العربي المشجعة على قصف إخوانهم في غزة بحجة الانتماء لحماس.
- ثالثها صمت النخب العربية أو اكتفاؤها بالتنديد بـ”مغامرات المقاومة الفلسطينية” ومنهم “رجال دين” يصلون من أجل القضاء على “إرهاب حماس الإخواني” في فلسطين.
خصّص هنيد في مقاله أهمية كبيرة للهجوم على “الصهاينة العرب”، وأكّد على كونه يرى في المعركة ضدّهم مقياسا لقياس صحّة الأمة العربية الإسلامية: (اقتباس) “هي من زاوية أعمق أم المعارك العربية والإسلامية دون شك لأنها كانت وستبقى حرب وجود تقاس عبرها طاقات الأمة الفاعلة، وقوى الإبداع داخلها يقاس بها مدى تيقظ خلاياها الحية، ومستوى تحلل خلاياها النائمة هو صراع يقاس به من جهة أخرى حجم الخيانة والعمالة العام منه والخاص الفردي والجماعي الرسمي وغير الرسمي”.
ومن المهمّ أن نؤكّد بأنّ موضوع “الصهاينة العرب”، ليس حصريّا بالجزيرة، وقد ورد في صحف كثيرة كتعبير عمّن يخون الأمة العربية والإسلامية. في الصحيفة اليومية “القدس العربي”، على سبيل المثال، يُفتتح المقال الذي يعالج هذا الموضوع بهذا الشكل: (اقتباس) “الصهاينة العرب الجدد ظاهرة جديدة غريبة، نشأت مع الانقلابات على ثورات الربيع العربي، خاصة في مصر، وانسلخت بوضوح عن الثقافة العربية والاسلامية. يتبنون جلية الافكار الصهيونية أكثر من الصهاينة انفسهم. تتفاخر بهم اسرائيل وتعرض مقتطفات من حججهم للتدليل على شرعيتها وشرعية جرائمها”.
وقد تناول الموقع المصري SASAPOST هو أيضا مقاطع فيديو وتغريدات في تويتر لأولئك “الداعمين لإسرائيل”، ظاهريًّا، في مقال عنوانه “الصهاينة الجدد.. كتاب وإعلاميون عرب أيدوا الحرب الإسرائيلية على غزة”.وإلى جانبه نشر موقع حزب “الحرية والعدالة” المصري (التابع للإخوان المسلمين) مقالا يتناول ما يسمّيه “الخيانة العربية الداخلية” تحت عنوان “الصهاينة العرب… طابور خامس كشفته مجزرة غزة “: (اقتباس) “في كل حرب هناك “طابور خامس” ، وفي حرب غزة الحالية هناك طابور خامس من (الصهاينة العرب) لا يقتصر علي أسماء كتاب ومذيعين وسياسيين مصريين فقط ، ولكنها قائمة طويلة تضم عربا من دول…”.
الحاج أمين الحسيني كعميل صهيوني
من المهم أن نفهم إلى أي مدى تعتبر كلمة “صهيوني” كلمة قبيحة ذات تداعيات سلبية باللغة العربية، حتى أنها يمكنها أن تلقي ظلالا من الشكّ على ولاء فلان من الناس للأمة العربية والإسلامية. ولذلك فهي تستخدم من قبل الإسلاميين وأيضا من قبل خصومهم. على سبيل المثال، تمّ اتهام المحرّر الرئيسي السابق للصحيفة السعودية المهمّة “الشرق الأوسط”، طارق حميد، بأنّه “صهيوني عربي” بعد أن كتب مقالا ضدّ حماس في وقت عملية “الرصاص المسكوب” (2008). ومع ذلك، فقد اتهم حميد نفسه زعيم حماس خالد مشعل بأنّه “عميل صهيوني”.
ومن وجهة مختلفة ومثيرة للدهشة، ليس خالد مشعل فحسب، ولكن حتى المفتي الحاج أمين الحسيني، ومعه زعماء عرب آخرون من عهد الانتداب البريطاني، كانوا يحظون باللقب المهين “الصهاينة العرب”. في مقال كتبه وزير الإعلام السابق للكويت في صحيفة “الأنباء”، تمّ وصف هؤلاء بهذا الوصف بسبب رفضهم لقبول اقتراح التقسيم المقدّم من قبل لجنة بيل (1937)، والتي اقترحت على العرب نحو 90% من أرض إسرائيل الغربية، وخطة لجنة الأمم المتحدة بشأن فلسطين (1948) والتي اقترحت على العرب 45% من أرض إسرائيل الغربية. جلب هذا القرار، بحسب رأي الكاتب، الموت والخسائر والإضرار بالمصالح العربية:
(اقتباس) “في العام 1937 رفض المتشددون والمزايدون من «الصهاينة العرب» قرار «لجنة بيل» الملكية البريطانية الذي دعا لانشاء دولتين فلسطينية على 90% من الارض ويهودية على 10%، وقبل اليهود برئاسة وايزمن ذلك القرار وراهنوا على رفض الجانب الفلسطيني المتشدد له، وهو ما تم، وطار زعيم التشدد امين الحسيني إلى هتلر وموسيليني ولم يستمع احد للحكماء الذين دعوا لقبول قرار اللجنة، ولم يحاسب المتشدد الحسيني قط على اجتهاداته الخاطئة، لذا عاد لتكرارها برفضه قرار التقسيم عام 1948 ودعوته للحرب وسالت الدماء وتمت خسارة المعارك والاراضي تحت رايات التشدد المعتادة التي يحمل راياتها.. الصهاينة العرب! ”
هل ستنجح الظاهرة الجديدة – القديمة في حملة الإسكات؟ هل حقّا لم يتنبّه العرب في ظلّ صعود الجهاديين وتداعيات “الربيع العربيّ” التي تُسقط من الضحايا العرب أكثر بأضعاف ممّا سقط في كلّ الحروب مع إسرائيل مجتمعةً؟ يبدو أنّنا سنكتشف الإجابات على تلك الأسئلة في الجولة القادمة في غزة.
نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع “ميدا”