دافيد أومان

نساء في ميدان التحرير (AFP)
نساء في ميدان التحرير (AFP)

المرأة المصرية تدفع الثمن

99.3% من النساء المصريات، تمّ الاعتداء عليهنّ أو التحرّش بهنّ خلال حياتهن. والإخوان المسلمون يوظّفون الظاهرة كسلاح سياسي ضدّ معارضيهم، ولقد فاقم تفكّك مؤسسات الحكم الأوضاع. هل سيجلب السيسي معه روحًا جديدة ويبشّر بتغيير مكانة المرأة في البلاد؟

مشهد غير اعتيادي في منطقتنا يظهر في مستشفى بمصر: زعيم عربي، رئيس مصر الجديد عبد الفتاح السيسي، يزور طالبة عمرها 19 عامًا تمّ الاعتداء عليها جنسيّا من قبل الحشود في ميدان التحرير، خلال احتفالات تنصيبه. يعتبر اعتذاره العلني: “أعتذر لك ولكلّ امرأة مصرية”، غير مسبوق حقّا، ويمكننا أن نتعلّم من خلاله شيئا أو اثنين عن الرئيس الجديد ورؤيته للواقع المعقّد في مصر.

إنّ اعتذار السيسي لكل امرأة في بلاده يؤكّد الواقع بأنّ ظاهرة التحرّش والاعتداءات الجنسية في مصر آخذة بالتضخّم لأبعاد وبائية منذ الإطاحة بالرئيس مبارك في بداية عام 2011. وفقًا لاستطلاع للأمم المتحدة لعام 2013، فإنّ 99.3% من النساء في مصر قد عانينَ من نوع معيّن من التحرّش الجنسي في المنزل، الشارع أو العمل، ويتراوح الأمر ما بين تحرّش لفظي حتى الاغتصاب. عانى من هذه الظاهرة، العابرة للقطاعات، الطبقات والمناطق الجغرافية،  السائحات والمواطنات الأجنبيات بل واخترقت وعي العالم حين تمّ الاعتداء على مراسلة سي.بي.سي لارا لوجن بوحشية لمدة نحو نصف ساعة وتقريبًا تمّ سلخ جلدها من قبل الحشود الغاضبة في ميدان التحرير، وذلك أثناء الاحتفالات الجماعية بعد تنحّي حسني مبارك في شباط 2011.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يزور السيدة التي وقعت ضحية تحرش جنسي عنيف في ميدان التحرير(لقطة شاشة من يوتيوب)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يزور السيدة التي وقعت ضحية تحرش جنسي عنيف في ميدان التحرير(لقطة شاشة من يوتيوب)

لا تعتبر ظاهرة التحرّش الجنسي ظاهرةً غريبة في المجتمع المصري، وأيضًا استخدامها كسلاح سياسي. ففي فترة حكم مبارك، قام النظام باستخدام عصابات بلطجية مستأجرة لضرب الرجال والتحرّش والاعتداء الجنسي على النساء اللواتي يتظاهرن ضدّه. وقد وقعت الحادثة الأكثر شهرة عندما أطلق النظام عصابات البلطجية على المتظاهرات بل وعلى الإعلاميات اللواتي غطّينَ المظاهرات ضدّ الإصلاحات الدستورية الموالية للحكومة والتي تمّ سنّها عام 2005. بعد سقوط مبارك، وخصوصًا منذ صعود “الإخوان المسلمين” إلى الحكم، يمكننا أن ننسب الصعود الحادّ في نسبة التحرّش الجنسي (48.9% وفقًا لاستطلاع الأمم المتحدة) إلى عدد من العوامل: تفكّك النظام الاستبدادي وضعف سيادة القانون، التكتيكات الموجّهة والأجواء والنظرة إلى المرأة في الحياة العامّة.

الاغتصاب كسلاح

قام “الإخوان المسلمون” خلال فترة رئاسة محمد مرسي بالاستخدام المنهجي لهذا التكتيك من التحرّش، الاعتداءات الجنسية وتخويف النساء اللواتي سيتظاهرن ضدّ حكمه. وقع أحد أبرز الحوادث وفقًا لشهادات نساء تمّ الاعتداء عليهنّ، خلال المظاهرات الحاشدة في كانون الأول عام 2012 ضدّ القرارات الرئاسية التي ركّزت بيدي الرئيس صلاحيات لم يسبق لها مثيل، وضدّ مشروع الدستور الجديد الذي صيغ من قبل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور والموالية للإسلاميين.

وقد تمّ خلال المظاهرات الحاشدة ضدّ حكم مرسي في 30 حزيران عام 2013، استخدام واسع النطاق لتكتيك الاعتداء الجنسي من أجل منع المتظاهرات من الوصول إلى ميدان التحرير، وأحيانًا بواسطة تجاهل الشرطة.  وقد وجّه الإخوان المسلمون اللوم إلى المتظاهرين أنفسهم، وذلك لإبعاد التهمة السيئة عنهم. ساهم رجال من الحكومة وواضعو التشريعات من الإسلاميين كثيرًا بإنشاء أجواء عامّة من إلقاء اللوم على ضحايا الاعتداءات بمهاجمتهنّ، بل ووجّهوا تهم قذف في الإعلام المصري بخصوص السلوك الجنسي غير المناسب لبنات أسر معارضيهم السياسيّين. وقد اتّهمت الضحايا بأنّهن أردنَ هذه الاعتداءات واستمتعنَ بها، وسُمّيت المظاهرات الحاشدة في الميادين “الدعارة المنظّمة”. ومن الجدير ذكره أنّ الأذى في المجتمَع المصري التقليدي هو أذى مُضاعف: فإلى جانب الأضرار الجسدية والصدمات النفسية، يتم الإضرار بشرف ضحايا الاعتداءات وأبناء عائلاتهنّ، وكذلك الحال مع النساء اللواتي ألقيت تجاههن اتهامات القذف.

لقطة شاشة من يوتيوب
لقطة شاشة من يوتيوب

دلّت الاعتداءات الجنسية المنظّمة على التدهور العامّ في أوضاع حقوق المرأة في فترة حكم محمد مرسي.  ولقد حاول “الإخوان المسلمون” إلغاء قوانين متقدّمة سُنّت في فترة مبارك بل وقرّروا أنّ اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على العنف ضدّ المرأة “غير إسلامية”، لأنّها تدعو إلى منح المرأة الحقّ في مقاضاة زوجها بتهمة الاغتصاب أو التحرّش. عارض الإخوان فكرة المساواة بين النساء والرجال في قانون المواريث، نقل سلطة إصدار الطلاق من الرجال إلى المحاكم، تقسيم الممتلكات بعد الطلاق، المبادرات التي تسمح للمسلمات بالزواج من غير المسلمين والمبادرات ضدّ تعدّد الزوجات. وكذلك فقد أيّد الإخوان ختان الإناث وطرحوه كواجب ديني، بدأوا بعملية الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، ومنعوا النساء من التمثيل الكافي في الحزب الحاكم، “حزب الحرية والعدالة”، في البرلمان وفي الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور. في الواقع، فقد انخفض تمثيل المرأة في تلك الفترة من 10% في ظلّ مبارك إلى 3%. وهناك نموذج آخر واضح في زيادة عدد حوادث اختطاف النساء والفتيات المسيحيات القبطيات، وإجبارهنّ على التحوّل إلى دين الإسلام وتزويجهنّ قصرًا. وفقًا للتقارير، فقد كانت تتم حوادث الاختطاف من هذا النوع على يد جهاز منظّم من النشطاء والمشايخ السلفيين، رجال الأعمال المسلمين ورجال السلطات القانونية التي تخطف.

تحذير- صور قاسية:

هل سيُحدث السيسي تغييرًا؟

وفقًا للمركز المصري لحقوق المرأة، فقد حدث تغيير كبير في ظلّ حكم السيسي في حقوق المرأة في مجالات متعدّدة من الحياة. وقد ظهرت هذه الحقيقة في الفرق بين دستور 2012 (الذي صيغَ تحت حكم “الإخوان”) والدستور الجديد في كانون الأول 2013. فعلى سبيل المثال، للمرة الأولى، تم منح النساء الحقّ في المواطنة الكاملة، أي إنّ مواطنة كلّ مولود مصري ستحدّد وفق مواطنة الأب والأم. وذلك بخلاف الوضع الذي كان قائمًا حتى ذلك الوقت، والذي واجهت فيه الأمهات المصريات اللواتي تزوّجنَ من مواطنين أجانب صعوباتٍ كبيرة في نقل الجنسية لأبنائهنّ. بالإضافة إلى ذلك، يلقي الدستور المسؤولية على الدولة في التوصل إلى مساواة في حقوق المواطنة، والحقوق الثقافية، الاقتصادية والسياسية بين النساء والرجال، بما في ذلك التمثيل الكافي في الهيئات التمثيلية، الحقّ في تولّي الوظائف العامّة بما فيها المناصب العليا في النظام القضائي، منع العنف ضدّ النساء، وإعطاء الحقّ للفتيات في المشاركة باتّخاذ القرار في شؤون تعليمهنّ. وبخلاف فترة حكم مرسي، وافق الدستور على التزام الدولة باتفاقيات حقوق الإنسان الدولية والتي صادقت عليها، ومن ضمنها اتفاقية حقوق المرأة.

ويُمنع لنا  أن نعتقد بأنّ رئيس مصر الجديد نسويّ معروف، وفارس حقوق المرأة؛ ليس كذلك على الإطلاق. من المهمّ أن نذكر أنّنا نتحدّث عن السيسي الذي دافع في وقته عن “إجراءات كشوف العذرية” من قبل العسكر، وذلك في فترة حكم “المجلس الأعلى للقوات المسلّحة”. بعد سقوط مبارك، نفّذ رجال الجيش هذه الإجراءات في المعتقلات بميدان التحرير من أجل “الحماية من شكاوى الاغتصاب من قبل رجال القوى الأمنية خلال عملية اعتقالهنّ”. رغم أنّ السيسي وعد بأنّ هذه الكشوف ستتوقّف، ولكن ظلّت تواجه النساء الاعتداءات  في فترة حكم المجلس العسكري، ذلك المجلس الذي عيّن الرجال فقط في لجنة وضع التعديلات الدستورية عام 2011. السيسي، الذي يعي قوة الجماهير في مصر، يعلم أيضًا أنّ هناك نسبة كبيرة من المواطنات المصريات اللواتي صوّتنَ لصالحه في الانتخابات الأخيرة وأهمية الحفاظ على الصورة العامة وصورة حكومته الجديدة. ساهم هذا الوعي، جنبًا إلى جنب مع الصدمة العامة العميقة في أعقاب تحميل الفيلم الذي يُظهر الاعتداء على الطالبة في الشبكة؛ إلى حدّ كبير في اعتذاره وتعهّده بالقضاء على هذه الظاهرة.

مظاهرة في ميدان التحرير (AFP)
مظاهرة في ميدان التحرير (AFP)

وقد سنّ الرئيس المؤقت، عدلي منصور، في أيامه الأخيرة في المنصب قانونًا يعرّف التحرّش الجنسي – لأول مرة – بأنّه جريمة تصل عقوبتها إلى خمس  سنوات من السجن وغرامة مالية بقيمة 7000 دولار، ورحّب نشطاء حقوق المرأة بالخطوة، ولكنّها غير كافية في ظلّ غياب التنفيذ الصارم.  واعتقلت الشرطة تسعة  مشتبهين في تنفيذ الاعتداءات الجنسية خلال احتفالات تنصيب السيسي في ميدان التحرير، ولكن ليس واضحًا من منهم مرتبط بحادثة الطالبة؛ فهناك ما لا يقلّ عن خمس نساء أخريات قد أبلغنَ بأنّهن مررنَ باعتداء جنسي خلال التجمّع.

وكما كتب الدكتور مردخاي كيدر منذ وقت قريب في هذا الموقع، فإنّ مصر اليوم تحت حكم الرئيس الجديد بعيدة عن التجربة الديمقراطية – الليبرالية التي تحترم وتحمي حقوق الأفراد وأجساد مواطنيها، من كلا الجنسين. سيأتي الاستقرار الذي تسعى إليه الجماهير المصرية في المستقبل المنظور، على حساب هذه التجربة. ورغم كلّ ذلك – حتى ولو لأسباب شعبوية بحتة – فقد حدث شيء ما في الدولة العربية الأكبر في العالم، ويجب أن ننتظر لنرى إن كانت تلك هي علامات التغيير الذي تتمنّاه عشرات الملايين من النساء المصريّات.

نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع ميدا

اقرأوا المزيد: 1160 كلمة
عرض أقل
بريطانيا تكافح الإسلام الراديكالي (AFP)
بريطانيا تكافح الإسلام الراديكالي (AFP)

حصان طروادة: بريطانيا تكافح الإسلام الراديكالي

"الإسلام الراديكالي هو التهديد الأكبر في العالم اليوم"، هذا ما أعلنه طوني بلير مؤخرًا بطريقة دراماتيكية، والذي كان سابقًا رئيس حكومة بريطانيا. ولكن قبل أن يذهب للحرب على مستقبل العالم، ينبغي له أن يلقي بنظره إلى الداخل: منذ سنوات والإسلام الراديكالي في بلاده يقوّض مبادئ القانون العلماني، يمرّر رسائل دينية - متطرّفة إلى الجهاز التربوي بل ويشارك في الظاهرة الصادمة وهي استغلال الفتيات الصغيرات

نُشر المقال للمرة الأولى في موقع “ميدا”

منذ سنوات والمملكة المتحدة تعتبر في أعين كثيرين مدينة ملجأ، إنْ لم يكن معقلا، للإسلام المتطرّف بتيّاراته المختلفة. ليس عبثًا أن تُدعى لندن باسم “لندنستان”؛ فقوانين الهجرة، منح اللجوء السياسي بسهولة وسياسة الرعاية الاجتماعية السخيّة، جميعها مكّنت الكثير من الإسلاميين، بما في ذلك الإرهابيين الذين حوكموا بعقوبات مختلفة في دولهم الأصلية والجمعيات التي تموّل الإرهاب، من إيجاد أرض خصبة لنشاطهم. تعتبر لندن في إسرائيل وكر المنظّمات والنشطاء الداعمين لحركة حماس، لأسباب وجيهة. إنْ لم يكن هذا كافيًّا، فقد تحوّلت العاصمة الإنجليزية إلى أحد المراكز الرئيسية في العالم للنشاطات الواسعة المعادية لإسرائيل، والتي تشمل نزع الشرعية في إطار حركة BDS العالميّة والمظاهرات المعادية لإسرائيل والمعادية للسامية والعنف.

مظاهرة للقوى الإسلامية الراديكالية في لندن ضد الإمبريالية الغربية (AFP)
مظاهرة للقوى الإسلامية الراديكالية في لندن ضد الإمبريالية الغربية (AFP)

هناك عامل بارز ساهم في تطوّر الأوضاع وهو ثقافة “الصحيح سياسيّا” (Politically correct) التي انتشرت في المملكة، ومكّنتْ، من جهة، النشاطات المعلنة والصريحة ضدّ الديمقراطية البريطانية وقيمها؛ ومن ناحية أخرى، حوّلتْ لندن لعاصمة العالم في دعاوى التشهير، وهي حقيقة تم استغلالها جيّدا من قبل الإسلاميين الذين يقدّمون الدعاوى ضدّ الباحثين، الكتّاب والصحفيّين من بريطانيا والخارج بذرائع “الإسلاموفوبيا” و”خطاب الكراهية” (“‏Hate speech‏”)، بهدف حظر نشر تحقيقات حول صلتهم بالإرهاب. وهكذا، تنشط الجماعات الإسلامية الراديكالية بحريّة في بريطانيا، تحت الرعاية السخية للصواب السياسي، وتعمل على نشر مذهبها، وأحيانًا بشكل مخالف للقانون. ويبدو مؤخرًا أنّ هناك مسؤولين في النظام قد بدأوا بالاستيقاظ، ولكن أليس هذا “قليل جدّا، ومتأخّر جدّا”؟ إنّ استطلاع ما يحدث في بريطانيا هذه الأيام يُظهر صورة مقلقة ومعقّدة، الأمر الذي يضع السلطات أمام اختبار صعب.

حصان طروادة، نسخة وستمنستر

تعيش الإسلامويّة وتتقدّم في بريطانيا: تأثيرها واضح في مجالات مختلفة لدى الجاليات المسلمة وفي المنظومات المختلفة. على سبيل المثال، يعمل الإسلاميّون المتطرّفون على نشر مذهبهم في أنحاء القارة: ظاهرة وعظ الدعاة المتشدّدين وتوزيع الكتب الدينية المتطرّفة في المساجد (بما في ذلك كتب تعليمية من النظام التعليمي السعودي)، في المدارس والمراكز الثقافية الإسلامية، والتي يتلقّى بعضها تمويلا حكوميّا، هذه الظاهرة أصبحت منذ زمن أمرًا روتينيًّا. يمكننا أن نعثر في المواعظ والكتب الدعائية على دعوات للجهاد، التحريض على العنف ضدّ النساء، المثليّين والمرتدّين (المتحوّلون عن دين الإسلام) والتميّز عن غير المسلمين. في عام 2007 أيضًا نُشرت عدّة تحقيقات حول الموضوع، والتي ترافقت – بنحو ملائم – مع معارك قانونية ودعاوى تشهير ضدّ الناشرين.

طوني بلير: الإسلام الراديكالي هو التهديد الأكبر في العالم اليوم

فضلا عن ذلك، في شهر آذار هذا العام تم الكشف عن نطاق واسع من محاولات سيطرة العناصر الإسلامية المتطرّفة على مئات، إنْ لم يكن آلاف المدارس العامّة والخاصّة في المملكة. عملية “حصان طروادة”، كما سمّيت من قبل المبادرين إليها، هي في الواقع استراتيجية لأسلمة المدارس من خلال التهديدات، التخويف استراتيجي و”إجبار” المعلّمين المعارضين لهم على ترك المدارس، والسيّطرة على مجالس المديرين والإدارات. ترافقت هذه الخطوة، في حالات كثيرة، مع محاولات منع المضامين “غير الإسلامية” مثل التربية الجنسية، السباحة المختلطة والاحتفال بعيد الميلاد، وأيضًا محاولات للإلزام بلباس موحّد إسلامي للنساء والفتيات (الحجاب والملابس الطويلة) والفصل بين الجنسين في الفصول الدراسية.

وبالإضافة إلى ذلك فقد ورد تقرير حول تعليم أيديولوجيا تنظيم القاعدة في المدارس والتعبير عن دعم نشطائه. شهد الكثير من المعلّمين بأنّ السلطات كانت على علم بما حصل خلال عقدين، ولكنها غضّت البصر كيف لا تتّهم بـ “الإسلاموفوبيا” والعنصرية، وكلّ ذلك من أجل قيم التعددية الثقافية والصواب السياسي. بعد فضح المؤامرة، في بداية شهر نيسان هذا العام، وعد رئيس الحكومة كاميرون باتخاذ “إجراءات سريعة” لمعالجة هذه المشكلة.

دعاية إسلامية في لندن لقيام دولة إسلامية تنص حقوقها على الشريعة الإسلامية (AFP)
دعاية إسلامية في لندن لقيام دولة إسلامية تنص حقوقها على الشريعة الإسلامية (AFP)

وليست تلك هي الظاهرة الوحيدة التي كُنستْ من تحت البساط. فقد كُشف مؤخرًا عن نطاق هائل لظاهرة الـ “Grooming”، التي صدمت المملكة المتحدة والعالم كله. وهو الاسم الذي أطلق على العملية التي تقوم خلالها عصابات منظّمة من الرجال المسلمين مرتكبي الجرائم الجنسية باكتساب ثقة الفتيات والصغيرات غير المسلمات، معظمهنّ من البيض، ويتم إعدادهنّ للاستغلال، التجارة والاستعباد الجنسي. سلطات الرعاية الاجتماعية، الشرطة، المعلّمون، السياسيّون ووسائل الإعلام؛ جميع هؤلاء ممن كانوا على علم بما يحدث قلّلوا من قيمة الظاهرة وامتنعوا من نسبة عملياتها للفئات الدينية أو العرقية من أجل عدم المس، لا سمح الله، بقداسة “الصواب السياسي”.

تقف المنظومة القضائية أيضًا هذه الأيام في مركز النقاش العام والسياسي، بعد أن وضعت نقابة المحامين مبادئ توجيهية لأعضائها في موضوع كتابة الوصايا وفقًا للشريعة الإسلامية. أثارت هذه الخطوة الانتباه لموضوع الشريعة وتسرّبها خلال عقود إلى داخل القانون والمجتمع البريطانيّ، مع التركيز على قوانين الأسرة والزواج. يجيز القانون البريطانيّ، للمحاكم من مختلف الديانات، بما في ذلك المحاكم الدينية، التمييز بين الصقور (الصقور: تأتي في السياق بمعنى المتشددين)، شريطة أن يكون كلا الطرفين قد اختار النموذج بشكل طوعي، وألا تتعارض الأحكام مع القانون العامّ البريطانيّ (Common Law‏). ولكن هل يمكن فعلا أن نعلم بالتأكيد بأنّ المرأة قد اختارت المحكمة الشرعية بإرادتها الحرّة؟ في الممارسة العملية، فخلال عقود تم إصدار أحكام بروح الشريعة بما يخالف القانون البريطانيّ ومبادئه، على سبيل المثال، تم إصدار الحكم بأنّ الوارثات من الإناث يأخذن نصف الميراث الذي يستحقّه إخوانهنّ الذكور. في حالات معيّنة تجاوز الفقهاء المسلمون مجال قانون الأسرة وانتهكوا القانون الجنائي، وذلك عندما أجبروا النساء على البقاء مع أزواج يضربونهنّ أو الأمر برفض التعاون مع السلطات. ومرة أخرى، تجاهلت الشرطة والادّعاء الأمر، للأسباب المعروفة.

ردّة فعل متأخرة

في حديث مع موقع “ميدا” الإسرائيلي (موقع فكري عن الأحداث الجارية، يعكس نظرة محافظة – ليبرالية، أطلق عام 2012)، أضاف الشيخ الدكتور محمد الحسيني دورات أخرى لتعقّد الصورة العامّة. الحسيني هو خرّيج جامعة الأزهر في القاهرة، باحث مشارك في الدراسات الإسلامية في معهد “وستمنستر”، ومؤسس جمعية ‏Scriptural Reasoning‏ في بريطانيا، والتي يتعلّم فيها الحاخامات، الأئمة، والقساوسة نصوصًا مقدّسة. قال الحسيني إنّ هناك تياران رئيسيّان في الإسلاموية البريطانيّة يقفان وراء موجة التطرّف: “الإخوان المسلمون” وخصوصًا حركة الجماعة الإسلامية البنغلاديشية – الباكستانية. وكلّ ذلك بمساعدة قسم كبير من التنظيمات الإسلامية، بما في ذلك المنظّمة الأكبر، “المجلس الإسلامي في بريطانيا”، والقوة السياسية المرافقة لها.

“بشكل شبيه بالأوضاع في الولايات المتحدة، فقد نجحت هذه التنظيمات باختراق المؤسسات، تعيين المستشارين بالنيابة عنهم في مكاتب الحكومة المختلفة والحصول على برامج مختلفة بما في ذلك اجتثاث التطرّف. يُنظر إليهم على أنّهم ممثّلو الجالية المسلمة رغم أنّهم في الواقع يمثّلون فقط نحو “6% من الشارع المسلم”، هذا ما قاله الحسيني، ولكنه أضاف إنّه رغم ذلك فلا يمكن أخذ هذه الأمور دليلا على “أنّ معظم المسلمين في بريطانيا يحملون وجهات نظر معتدلة، فالأمر ليس كذلك إطلاقًا”. “يجب إجراء بحث شامل حول هذا الموضوع. ففي الواقع هي مجموعة كبيرة من التيارات، التنظيمات، المجموعات العرقية بل والعائلات التي تدير الصراع على الهيّمنة، وأحيانًا مع لمسة أيديولوجية، حول المساجد والتنظيمات بشكل تبدو فيه الصراعات النموذجية في الكُنس ضئيلة مقارنةً معها”.

مع مرور الوقت، يبدو أنّ السلطات البريطانيّة قد بدأت فهم ما الذي تواجهه. منذ بداية هذا القرن، وخاصة منذ التفجيرات الإرهابية في مترو الأنفاق في لندن بتموز عام 2005، ترسّخ لدى القيادة السياسية لكلا الحزبين الرئيسيّين الفهم بأنّ عليها مواجهة قضية تطرّف الشباب المسلمين البريطانيّين، وراء التنفيذ الصارم لقوانين مكافحة الإرهاب. حقّقت الاستراتيجية “الوقائية” (‏Prevent Strategy‏)، التي كانت تهدف إلى مواجهة ظاهرة التطرّف على مستوى الفرد، المجتمع، منظومات الرعاية الاجتماعية، القانون، إنفاذ القانون، التربية، الأيديولوجية والتعاون الدولي؛ نتائج متباينة.

صرّح رئيس الحكومة ديفيد كاميرون في خطاباته عن فشل التعدّدية الثقافية في بلاده، ودعا إلى تعزيز الهوية والقيّم الوطنية كوسيلة لمنع التطرّف

تدلّ تصريحات مسؤولي النظام السياسي على التغيّر في الإدراك والاعتراف بالتهديد. صرّح رئيس الحكومة ديفيد كاميرون في خطابه الأول الذي يتعلّق بالموضوع، عن فشل التعدّدية الثقافية في بلاده، ودعا إلى تعزيز الهوية والقيّم الوطنية كوسيلة لمنع التطرّف. شكّل كاميرون فريق مهامّ وزاري لمواجهة الإرهاب والتطرّف من الداخل في أعقاب القتل المروّع في شوارع لندن للجندي البريطانيّ لي ريجبي قبل نحو عام، وفي بداية شهر نيسان هذا العام أمر بالتحقيق في أنشطة جماعة “الإخوان المسلمين” في بريطانيا، بعد اتّهامهم بالإرهاب والتحريض على العنف وإخراجهم من القانون في مصر والسعودية. وبطبيعة الحال، فمن المستحيل عدم ذكر التصريح الاستثنائي الذي صدر مؤخرًا من رئيس الحكومة البريطانية الأسبق توني بلير، الذي قال إنّ “الإسلام الراديكالي هو التهديد الأكبر في العالم اليوم”.

سحب طرفي الحبل

إذا كان الأمر كذلك، من جهة نحن نشهد تحقيقًا ضدّ “الإخوان المسلمين”، ونشاطات أخرى ذُكرت أعلاه، بالإضافة إلى خيبة الأمل من التعددية الثقافية وتصريحات القيادة السياسية ضدّ الإسلام الراديكالي. ولكن من جهة أخرى، لا يزال الصواب السياسي متجذّرًا وما زلنا نشهد تصريحات مثل تصريح رئيس الحكومة كاميرون، الذي دعا إلى تحويل بريطانيا إلى مركز عالمي للمصارف الإسلامية (وفقًا لقانون الشريعة).

انجم جودهري، ناشط اجتماعي وسياسي بريطاني مسلم (AFP)
انجم جودهري، ناشط اجتماعي وسياسي بريطاني مسلم (AFP)

حسب تقديرات الدكتور الحسيني، فإنّ تشديد النهج ضدّ الإسلام الراديكالي جاء من الأسفل تحديدًا:

يجب أن نفهم أنّ الفجوة بين الشعب البريطانيّ وبين الحكومة آخذة في الازدياد. بعد قتل الجندي لي ريجبي حدث تغيير كبير في الرأي العامّ البريطانيّ، وقد غضب البريطانيّ العادي بعد جرائم القتل وبعد اكتشاف محاولات الهيّمنة على المدارس، ظاهرة Grooming، وغيرها. هناك مشرّعون يقترحون قوانين في موضوعات قانون الأسرة التي ذكرناها، وقد أنشأ رئيس الحكومة كاميرون قوة المهامّ لمواجهة الإرهاب والتي أنتجت توصيات جديدة مثل حماية حرية التعبير، حتى في حالات توجيه الانتقادات للإسلام.

رغم أنّ هناك قوى إسلامية معتدلة تتواجد في بريطانيا، فهي غير مسموعة لعدد من العوامل. حسب أقوال الحسيني، في نهاية اليوم، من يمثّل الجالية المسلمة أمام الشعب العريض هي القوى المتطرّفة. ولكن بشكل مفاجئ، للحفاظ على الوضع الإشكالي القائم تُسهم أيضًا مؤسسات دينية غير مسلمة:

رغم أنّ هناك قوى إسلامية معتدلة تتواجد في بريطانيا، فهي غير مسموعة. لعدد من العوامل. في نهاية الأمر، القوى المتطرّفة هي التي تمثل الجالية المسلمة أمام الشعب العريض

إحدى المشاكل الرئيسية هي أنّه حتى حين تكون هناك رغبة لدى السياسية في اتّخاذ موقف من الموضوع، فأولئك الذين يعارضون كلّ تغيير بشكل شديد، مع الأسف، هم القادة الدينيّون [غير المسلمين]. هناك مصلحة مفهومة قويّة جدّا لقادة الكنيسة، وبدرجة معيّنة للحاخامات من المؤسسة الدينية اليهودية الليبرالية، في حماية دور الدين كقوة سياسيّة في بريطانيا. ولكن جهود هؤلاء القادة في حماية حرية العبادة للأقليات الدينية (بما في ذلك اليهود) في إطار التعددية الثقافية البريطانية [مثل قضايا الختان، الذبح والحلال] تؤدّي إلى التعاون الفعّال مع الإسلامويّة. إنّهم يقفزون بشكل ساخر على عربة الطموح الإسلامي في تحقيق قوة سياسيّة، لأنّ ذلك يمنح المنظّمات متعدّدة الأديان والمنظّمات الدينية أموالا حكومية كثيرة.

بعد الحادي عشر من أيلول، تم ضخّ مليون جنيه إسترليني للمنظّمات متعدّدة الأديان. هناك مصلحة كبيرة للمنظّمات والشخصيات المشاركة فيها في الحفاظ على “صناعة المنظّمات متعدّدة الأديان”، حتى عندما توفّر غطاءً ومصدر تمويل للمنظّمات الإسلامية المتطرّفة المرتبطة بالإرهاب. والأمر نفسه ينطبق على التنظيمات ونشطاء المجتمع، الذين يعقد بعضهم صفقات مع تلك التنظيمات المتطرّفة من أجل تحقيق قوّة سياسيّة. على سبيل المثال، فإنّ خلفية دعم المصارف الإسلامية من قبل القيادة السياسية، هي حقيقة لأنّه نظرًا لزيادة الطلب من الداخل والخارج، فإنّ الناس في لندن سيجنون ثمار الأموال من النموّ فيها وفي المنتجات المالية الأخرى الموافقة للشريعة.

إنّ صورة الوضع الحالي المرتسمة تُشير إلى أنّ الوضع الإشكالي الذي وجدت بريطانيا نفسها فيه لن يُحلّ قريبًا. تمنع القوى المتصارعة التي تعمل داخل المملكة إمكانية القضاء التامّ على الإسلام الراديكالي. ورغم وجود اتجاه التخلص من الوهم، فإنّ وهم التعدّدية الثقافية لا يزال يمنع مسارات العمل الممكنة، ويشجّع بالمقابل أيضًا تعزيز قوى اليمين المتطرّف، كما حدث في فرنسا مؤخرًا.

اقرأوا المزيد: 1691 كلمة
عرض أقل
اعتصام مؤيدي الرئيس المخلوع محمد مرسي  (AFP)
اعتصام مؤيدي الرئيس المخلوع محمد مرسي (AFP)

الديموقراطية ليست للإرهابيين: مقابلة مع الدكتور توفيق حميد

هل نهاية "الإخوان المسلمين" قربية ؟ إذا سألتم الدكتور توفيق حميد، وهو جهادي مصري سابق واليوم هو خبير بالتطرّف الإسلامي، فإنّ الإجابة واضحة، يجب محاربة المجموعة بقوّة

“أوباما، كما يبدو، يفكّر بطريقة أخرى”. خلافًا لذلك، فمن الصعب شرح كيف نجح خلال 3 سنوات بارتكاب أي خطأ ممكن تجاه مصر. مقابلة شاملة حول ما يحدث في الدولة العربية الأهمّ في الشرق الأوسط، وحول السياسة الأمريكية في المنطقة وأيضًا كلمة عن عملية السلام.

“حين أرادوا منّي خطف ضابط شرطة مصري ودفنه حيًّا، كان ذلك أكثر من اللازم بالنسبة لي. وهذا ما جعل ضميري يصحو. في هذه المرحلة بدأت بنشر رسالة الإصلاح في الإسلام، وهذه هي المهمّة الرئيسية لي إلى جانب مقاومة التطرّف”، هذا ما قاله لي صديقي العزيز الدكتور توفيق حميد؛ طبيب، أخصائي نفساني، جهاديّ سابق واليوم هو فيلسوف وإصلاحي إسلامي.

ولد حميد لعائلة مصرية علمانية عام 1961، وفي سنّ 15 بدأ بالاهتمام بالدين. لم يمرّ وقت طويل حتّى دُعيَ للانضمام إلى مجموعة إسلامية متطرّفة غير قانونية باسم الجماعة الإسلامية، والتي كان عضوًا فيها إلى جانب دراسته للطبّ. “التقيتُ في بعض الفرص بعضو الجماعة، أيمن الظواهري، والذي أصبح فيما بعد الرجل الثاني بعد بن لادن واليوم هو زعيم القاعدة. كنتُ متطرّفًا وحلمتُ بالقتال في أفغانستان، الموت في القتال والوصول إلى الجنة”.

الدكتور توفيق حميد (MIDA)
الدكتور توفيق حميد (MIDA)

ولكن منذ ذلك الوقت جرت مياه كثيرة من النيل واليوم حميد هو باحث معتمد ورئيسي في معهد “بوتوماك لدراسة السياسات”. ويشغل اليوم منصب رئيس مجال التطرّف الإسلامي في المعهد، يبحث في الظاهرة ويكرّس كل ما يملك لمحاربتها في جميع أنحاء العالم. تحدّثنا معه مطوّلا حول آخر التطوّرات في بلده مصر، حول السياسة الخارجية الأمريكية في هذا الموضوع، صراعه ضدّ الإسلام المتطرّف وأيضًا حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وعملية السلام.

أولا لنضع نظامًا من التعريفات: بالنسبة لمصر، فحين تتحدث عن “إسلاميّين متطرّفين”، هل تقصد أيضًا “الإخوان المسلمين” أم فقط الجماعات الجهادية المختلفة مثل “أنصار بيت المقدس”، الذين قاموا بتنفيذ العديد من الهجمات، بما فيها هجمات ضدّ إسرائيل؟

أقصد الجميع، بالتأكيد. لا أفرّق بين “الإخوان” والآخرين. فلنكن واقعيّين: لم يفجّر بن لادن نفسه في برجي مركز التجارة العالمي، ولكنه كان المجرم الذي قاد الفكرة وخطّط للعملية. لم يقتل هتلر اليهود بيديه، ولكنّه وقف خلف هذه الأيديولوجية. “الإخوان المسلمون” لا يوسّخون أيديهم فعليًّا، ولكن تذكّر أنّ مرسي التُقط بالكاميرا وهو يشجّع الناس في تعليم أولادهم كيف يكرهون اليهود، ودعا قاتلي الرئيس السادات – رمز السلام – لحفل أقيم في ذكرى حرب تشرين.

يركّز “الإخوان المسلمون” على البُعد السياسي ويتركون المهنة القذرة للآخرين، ولذلك لا نرى كم هم مجرمون. إنّهم يدعمون، يحبّون ويشجّعون من يقوم بتنفيذ هذه الأعمال القذرة.

تلقّى “الإخوان المسلمون” مؤخرًا ضربات مؤلمة من قبل الجيش والحكومة. هل تتوقّع بأن يقوموا بتنظيم أنفسهم من جديد ويصبحوا قوة مهمّة في السياسة المصرية المستقبلية؟

حسب تقديري، فهذه هي الضربة الأخطر في تاريخهم، وستكون مهمّة تنظيم أنفسهم من جديد أكثر صعوبة. تذكّر أنّه في كلّ مرة عمل النظام ضدّ “الإخوان” كما فعل ناصر، فقد عمل ضدّهم جسديّا ولكن لم يواجهوا الأيديولوجية نفسها إطلاقًا، ودائمًا وقف الشعب إلى جانب الإخوان. ولذلك استطاعوا دائمًا العودة إلى الساحة.

اليوم الوضع مختلف، وفي نهاية الأمر فالذي يحدّد ذلك هو أنّه من الصعب على “الإخوان” الوقوف في وجه القوى العاملة ضدّهم: الجيش توجّه ضدّهم، وهذا هو السؤال الوجودي للنظام والدولة، كما هو الحال بالنسبة للسعوديين. والآن، في أعقاب محاولتهم التي مرّوا بها مع محمد مرسي، فالشعب أيضًا توجّه ضدّ “الإخوان” وضد أيديولوجيّتهم، ويقوم بشنّ حرب أيديولوجيّة ضدّهم في الشبكات الاجتماعية وفي وسائل الإعلام التقليدية. الطريق الوحيد لعودتهم إلى السلطة سيكون فيما لو نجحت استراتيجيّتهم (الإرهاب وتدمير الاقتصاد).

في أحد مقالاتك الأخيرة كتبت أنّك متفائل إزاء مستقبل مصر في أعقاب إسقاط الإخوان والرئيس مرسي من الحكم. هل يمكنك أن توضح، مع الإشارة إلى الحملة التي تُشنّ ضدّ “الإخوان المسلمين” والتنظيمات الجهادية؟

بالتأكيد. قبل كلّ شيء، اسمح لي أن أوضّح: لقد كتبت أنّ الطريقة ستكون صعبة للغاية، وأيضًا لو كان هناك سبب للتفاؤل فهذا لا يعني أنّ كلّ شيء سيمرّ بسهولة.

في الواقع، فإنّ بعض عناصر التفاؤل، كالاعتراف بأنّ الإسلام المتطرّف يشكّل تهديدًا جدّيًا على الدولة ووجودها، وهو الأمر الذي لم يكن موجودًا من قبل، وهو موجود فعليّا في الواقع المصري. إذا تتبّعت الشبكات الاجتماعية أو الإعلام الرسمي فستُفاجأ بأشخاص يعبّرون عن مواقفهم، من جميع المستويات، ضدّ الإسلام المتطرّف، الجهاديّين، وحماس. للأسف الشديد، ما زالت معاداة السامية موجودة، ولكن هناك بداية تحوّل في التفكير الذي يعارض الإسلام المتطرّف.

الشعب يريد حكمًا عسكريّا؟ (VIRGINIE NGUYEN HOANG / AFP)
الشعب يريد حكمًا عسكريّا؟ (VIRGINIE NGUYEN HOANG / AFP)

ثانيًا، توفّر كلّ من المملكة العربية السعودية، الكويت والإمارات العربية المتّحدة في هذه الأيام الاستثمارات والتمويل، والتي تشكّل دعمًا مهمّا لمصر في هذه المرحلة الحرجة، ممّا يمكنه أن يساعد الدولة في سدّ هذه المرحلة الانتقالية من عدم الاستقرار (ودعنا نأمل بأنّها فعلا مرحلة انتقالية مؤقّتة). فضلًا عن ذلك، بالمقارنة مع دول أخرى، فالمؤسسة العسكرية ما زالت هناك؛ ولا تزال العمود الفقري لمصر. من الصعب التعامل مع المتطرّفين، ولكن المؤسسة، الشعب والإعلام يعارضونهم، ولذلك أعتقد أنّ هذا نموذج جديد ومشجّع.

هل يمكننا أن نقول إنّه حسب رأيك من المتوقع أن تمر مصر بعهد جديد من الاستقرار تحت حكم السيسي والحكومة الجديدة؟ هل ستكون هذه حسب رأيك نسخة جديدة من نظام استبدادي أكثر علمانية أم هل ترى في ذلك بداية للتحوّل الديمقراطي؟

أرى في السيسي بُعد الاستقرار وكونه الوحيد الذي حظي بدعم غالبية المجموعات، ويرى فيه الكثيرون في مصر الرجل الذي يستطيع إعادة مصر إلى مكانتها التي كانت فيها أو حتّى قيادتها، هذا ما نأمل به، إلى مكانة أفضل. على عكس الكثير من المسؤولين الحكوميّين، يبدو إنسانًا صادقًا، يديه نظيفتين بل ولم ينجح معارضوه في الكشف عن أي صلة له بالفساد. “يبعث السيسي الأمل لدى الكثير من المصريّين الذين يريدون رمزًا للقوة والقيادة، وأتوقّع بأن يثق به الناس إذا كان هو الرئيس، ممّا سيؤدّي لجذب استثمارات جديدة. على سبيل المثال، أكّدت شركة من الإمارات المتّحدة باستثمار 40 مليار دولار في أحد المشاريع وهي تدرس الاستثمار في منطقة قناة السويس.

أعتقد كذلك أنّ خلفية السيسي في الاستخبارات العسكرية تجعله الشخص الأكثر ملاءمة ليتمكّن من التعامل مع العقبة التي يضعها المتطرّفون. إنّه يتواجد تحت ضغط من الغرب، وخاصّة من الولايات المتحدة، في قضايا حقوق الإنسان، ولكن حين يتم التعامل مع الإسلاميين المتطرّفين فإنّ الاحترام الكامل لحقوق الإنسان من قبلهم قد يعرّض الناس الأبرياء للخطر.

اشتباكات بين قوات الأمن المصري ومتظاهرين (MAHMOUD KHALED / AFP)
اشتباكات بين قوات الأمن المصري ومتظاهرين (MAHMOUD KHALED / AFP)

حين يقولون في الولايات المتحدة إنّ الديموقراطية هي الحلّ الأفضل للتطرّف والإرهاب، فهذا ليس صحيحًا، وتطبيق الديمقراطية في أفغانستان أو في العراق لم يوقف في الحقيقة هذه الظواهر. الحسين على العكس، لم نر أيّ شيء سوى المزيد من الإرهاب، والذي لم نر مثله في فترة حكم صدام حسين. ولذلك، في رأيي على العالم أن يفهم بأنّ المرحلة القادمة في مصر هي الأهم على الإطلاق بالنسبة للجميع: 70% من المستويات العليا في القاعدة كانوا مصريّين، مؤسّس الإخوان المسلمين حسن البنا كان مصريّا، مثل العديد من الزعماء المتطرّفين، وإذا توجّهت مصر ضدّ الإسلام المتطرّف، فعلى جميع العالم أن يقف إلى جانبها، وهذه في رأيي الخطوة الأولى للتعايش بسلام بين العالم الإسلامي والآخرين.

ماذا تتوقّع في رأيك للمسيحيّين المهاجَمِين، لمجموعات الأقليات الدينية وللعلمانيين؟ هل تتوقّع انتقالا باتجاه المزيد من الحماية والمساواة مع الأقليّات، وما مدى تناسب ذلك مع الدستور الجديد الذي تمّت الموافقة عليه مؤخرًا؟

لاحظ، هناك نسبة آخذة بالتزايد لدى الفئة السكانية التي فهمت أن العلمانية أفضل في الواقع للدولة، والصراع الحالي هو بين أولئك الذين يؤيّدون العلمانية والمساواة وبين أولئك الذين يريدون أن يروا تأثيرًا أكبر للدين في مختلف مجالات الحياة. تعتبر جامعة الأزهر بشكل تقليدي قوّة معتدلة، ولكن من الصعب أن نقول بأنّ هذا صحيح وفق معاييرنا. على سبيل المثال، يمكنك أن ترى ذلك في التقارير الأخيرة حول محاولتهم منع عرض فيلم عن نوح. يريد زعماء مصر دعم الأزهر باعتباره المرجعية الدينية الوحيدة التي تعارض العمليات الانتحارية وقتل الأبرياء، والتي ينفّذها المتطرّفون.

الرئيس المصري المعزول محمد مرسي مع إسماعيل هنية (MOHAMMED AL-OSTAZ / Flash 90)
الرئيس المصري المعزول محمد مرسي مع إسماعيل هنية (MOHAMMED AL-OSTAZ / Flash 90)

الخيارات المتاحة هنا ليست مثالية؛ فأنت ملزم بالاختيار بين مجموعات متطرّفة جدّا وبين أولئك الذين هم ليسوا علمانيّين تمامًا أو معتدلين. رغم أنّ الكثير من الأقباط قد عانى بسبب إجراءات في تفاصيل محدّدة، فلم أرَ الكثير من البنود في الدستور التي تميّز ضدّ الأقباط أو تميّز بين المصريّين على أساس الدين. بشكل عامّ، يؤكّد الدستور على المساواة أمام القانون وقد فتح الباب أمام الأقلية البهائية، والتي لم تعتبر في السابق متساوية.

سترى الكراهية (ضدّ الأقباط) والتي طُوّرت من قبل المتطرّفين خلال عقود، والتي ما زالت تلعب دورًا، ولكن الكثير من المسلمين بدأ يفهم ذلك، والعلاقات بين المسلمين المعتدلين والمسيحيّين تتحسّن. أقول هنا بشكل صريح للمرة الأولى: إنّ خطّة المتطرّفين هي ضرب صناعة السياحة، قتل السائحين، تدمير الاقتصاد، وبهذا الشكل زيادة معدّلات الفقر والجريمة. عند ارتفاع معدّلات الجريمة، سيؤدّي ذلك إلى مطالبة الناس بتطبيق قوانين الشريعة بشكل أكثر صرامة وذلك لحمايتهم من المجرمين، وسيكون “الإخوان المسلمون” والمتطرّفون هناك من أجل طرح ذلك؛ أي إبعاد مصر عن العالم المتحضّر وتقريبها من النموذج الطالباني. هنا سترى الجرائم الموجّهة ضدّ الأقباط، لكونهم أقلية ضعيفة وبعضهم غنيّ نسبيًّا، وربّما يكون لذلك ما يبرّره من الناحية الدينية كإجراءات ضدّ الكفّار.

أنت تقيم اليوم في واشنطن وأنت تشارك في شؤون اتخاذ القرارات الأمريكية. ما رأيك بالسياسة الأمريكية بإزاء مصر من بداية “الربيع العربيّ”، مرورًا برئاسة مرسي ووصولا إلى قرار شراء أسلحة روسية لها وإرسال الفاتورة للسعوديين؟ هل كان بالإمكان العمل بطريقة أخرى؟

حسب رأيي فقد أصيبت الإدارة الأمريكية بالضبابية، لم ترَ الصورة بكاملها، ومن ضمنها العوامل النفسية المختلفة للمجتمع، ويبدو أنّها لم تحصل على المشورة الصحيحة. في البداية، حتّى عندما كان نظام مبارك على شفا الانهيار، كان بإمكان شخص أكثر حكمةً أن يتخيّل كيف ستتطوّر الأمور ولم يكن سيدعم الإطاحة الفورية به. ولكن حين لم يكن هناك مفرّ من الانهيار، كان الخطأ الأكبر للولايات المتّحدة هو توجهها لمعارضة الجيش بشكل كبير. كان بإمكان الجيش أن يحلّ مكان مبارك باعتباره حليفًا معقولا، حتى وإنْ لم يكن كاملا – على الأقل الأمد البعيد – ولكن من المؤكّد أنّه أفضل من الإسلاميين.

(KHALED DESOUKI / AFP)
(KHALED DESOUKI / AFP)

كان الخطأ الكبير الثاني للأمريكيين هو منحهم دعمًا فعليّا معيّنا لمرسي. على سبيل المثال، حين ركّز مرسي كلّ السلطة بيده، فإنّ الولايات المتحدة لم تدنْهُ بشدّة. في ثورة 30 حزيران، كان على الولايات المتحدة تكرار ما فعلتْه مع مبارك، وأن تقول بأنّها تقف إلى جانب الشعب المصري في الثورة. خرج 30 مليون شخص إلى الشوارع، ولكنّهم تجاهلوا ذلك وتصرّفوا كمن يريد بقاء مرسي و”الإخوان” في السلطة، ولم يستطع المصريّون تقبّل ذلك حقّا.

لقد رأيتُ تحوّلا فوريّا ضدّ الولايات المتحدة حين أدانها الشعب بسبب نفاقها، حيث من المفترض أنّ تحارب المتطرّفين، ولكنّها تجنّبت دعم الشعب في صراعه ضدّ المتطرّفين، وحاربت ضدّ الإرهابيين في العراق وأفغانستان ومع ذلك منعت المصريين من مروحيّات الأباتشي التي طُلبت للصراع ضدّ الإرهابيين في سيناء، ومؤخّرًا، في كونها تقبّلت الانتفاضة ضدّ الرئيس الأوكرانيّ المنتخب، بينما رفضت الانتفاضة ضدّ مرسي.

هذا التعامل مع الانحياز كان الخطأ الأكبر للولايات المتّحدة. اتّخذت الولايات المتحدة قرارًا صحيحًا حين لم تصف إسقاط نظام مرسي بأنّه ثورة، ولكنها استغرقت الكثير من الوقت للوصول إلى هذا القرار وبذلك فقد شكّلت درجة من العداء تجاه الولايات المتحدة وفي الواقع دفعت النظام المصري إلى أحضان روسيا، إلى حدّ معيّن. وهذا تطوّر خطر، لأنه يستطيع تغيير قواعد اللعب في حال أنه يؤدي إلى وجود قواعد للروس في البحر الأحمر وفي شواطئ مصر وسوريا في البحر المتوسط.

وفّرت الولايات المتحدة لمصر نحو 80 مليارات دولار منذ معاهدة السلام بحلول العام 1979 من أجل الحفاظ على علاقات جيّدة مع هذه الدولة المهمّة، وقد فقدتها في الواقع بسبب تصريحات لم تكن في الوقت المناسب. إنّ الخلاف الذي نشأ نتيجة لِما اعتبر أنّه سياسة الكيل بمكيالين، جنبًا إلى جنب مع الدعم السعودي والإمارات في الخليج، قد يؤدّي إلى دفع مصر للاقتراب أكثر من روسيا، خاصّة وأنّها ترى كيف يقف الروس خلف حليفهم الأسد، على عكس ما فعلت أمريكا مع حليفها السابق، مبارك، ومع الجيش. إذا لم تعالج الولايات المتحدة هذا التوتّر بشكل الصحيح، فأنا أخشى أن يشكّل ذلك بداية تحوّل نموذجي في الجغرافيا السياسية للمنطقة.

هل ترى علاقة بين ما وصفته الآن وبين تواجد منظّمات مختلفة للإخوان المسلمين في مناصب استشارية في نظام واشنطن؟

نعم. بالتأكيد فإنّ “الإخوان المسلمين” يلعبون بشكل جيّد في هذه اللعبة وقد أقنعوا الكثير من الأشخاص بأنّهم معتدلون. لديهم حلفاء كثر في واشنطن، والذين يشغلون مناصب مهمّة في التأثير على النظام وعلى آخرين ومن خلال توفير معلومات زائفة، يتمّ الحصول عليها نتيجة للجهل أو بسبب عوامل أخرى.   ولكن على ضوء كل هذه المعارضة للإخوان المسلمين في مصر، وحقيقة أنّ السعوديين والإمارات قد أدارتا ظهرهما لهم، فلا أعتقد بأنّ دعم الإسلاميين سيكون في صالح الولايات المتحدة، إنّهم يخسرون الحرب في مصر ودعمهم كرهان خاسر على حصان. ينبغي أن ترى الولايات المتحدة مصالحها مندمجة مع مصالح الشعب والجيش المصري، وليس مع حركة عالميّة لا حدود لها تطمح إلى السيّطرة على العالم تحت حكم الشريعة، كما عبّروا هم أنفسهم في الخطابات، الكتب، وغيرها.

باعتبارك مصلحًا، كتبت عن الصراع حول الوعي عند المسلمين. ماذا تفعل من أجل محاربة الإسلام المتطرّف في هذا المستوى؟

أسّست مركزًا يُدعى “المركز الدولي لمكافحة التطرّف”، وهدفه هو التصدّي للتطرّف على المستوى الأيديولوجي، النفسي والسلوكي. يوفر المركز كذلك دعمًا وتشجيعًا للتفاصيل التي عرّفتها بأنّها نشطة في محاربة التطرّف، من أجل إثارة موجة من العداء للتطرّف.

مؤيدو الرئيس المخلوع محمد مرسي خلال إعتصام إخواني (AFP)
مؤيدو الرئيس المخلوع محمد مرسي خلال إعتصام إخواني (AFP)

أحد الإصدارات التي نشرتها مؤخرًا هو تفسير عصري للقرآن، والذي يُظهر النصّ بطريقة سلميّة، ويفسّره بشكل غير حرفي يؤدّي – في نهاية المطاف، كما آمل – إلى التعايش في سلام ويساهم في الحدّ من الكراهية، معاداة السامية والعنف. قمت بإنشاء صفحة فيس بوك مع مئات من النماذج لهذا التفسير العصري، وخلال عشرة أشهر حصلت على أكثر من 1.9 مليون “إعجاب”.

هناك مشاريع أخرى قيد التنفيذ تشمل مشروعًا في الحرب النفسية وحملة إعلانية تلفزيونية في أنحاء العالم العربي لمكافحة التطرّف، على مستوى عمليات التفكير – يفكّر المتطرّفون عادة بأنماط معيّنة مثل الاستبداد والقضائية – وليس فقط على المستوى الأيديولوجي.

سؤالي الأخير لك يعيدنا مجدّدًا إلى إسرائيل والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: ما رأيك في الجهود الحالية غير المرهقة للولايات المتّحدة في دفع الجانبين للتوقيع على اتفاق إطاري؟

تحاول الولايات المتحدة حلّ هذه المشكلة منذ زمن طويل، ولكن في كلّ مرة يحاولون فيها، ينسون أنّ المشكلة الحقيقية من الجانب العربي ليست هي قضية حدود إسرائيل، وإنّما حقيقة وجودها. لن تثمر جهود الولايات المتحدة حتّى تعترف بذلك وتقول لزملائنا العرب بأنّها لن تستطيع عمل الكثير من أجلهم حتى يروا تأثيرًا ملموسًا يدلّ على تغيير تعاملهم وطرق التفكير عندهم ويوافقوا على قبول إسرائيل كدولة يهودية في المنطقة.

طالما أنّ الولايات المتحدة لا تضغط على الفلسطينيين ليقيموا أدلة بأنّهم خلال عامَين على الأقل حتى ثلاثة أعوام قد غيّروا تعليمهم وإعلامهم وأكملوا مع واقع وجود دولة إسرائيل، وكلّما استمرّ الفلسطينيون في تعليم أطفالهم الرياضيات عن طريق عدّ عدد اليهود الذين قتلوهم؛ فستذهب كلّ جهودهم سدى. هذه هي الطريقة التي يجب أن تكون في المفاوضات. ولكنّ الولايات المتحدة تحاول دائمًا إلقاء اللوم على الإسرائيليين وتقديم الطرفين بشكل منصف وكأنّ إسرائيل هي سبب المشكلة. على الصعيد الشخصي، فأنا آمُل في يوم من الأيام أن أنجح في جلب سلام حقيقي، انسجام وتفاهم متبادل بين أبناء شعبي، الشعب المصري، وبين الشعب اليهودي في إسرائيل، إنشاء الحبّ بدلا من الكراهية.

تمّ نشر المقال لأول مرة في موقع ميدا ‏www.mida.co.il

اقرأوا المزيد: 2268 كلمة
عرض أقل