تعاني مصر من مجموعة كبيرة من المشاكل تقريبًا في جميع مجالات الحياة. الحكومة الجديدة تراوغ ولا تفلح في توفير الحلول المناسبة للبطالة، الفقر، الجريمة، الفساد المزري في جميع المؤسسات، نقص الوقود والخبز، نقص الأدوية، غلاء المعيشة وغير ذلك. ولكن المشكلة الأخطر هي مشكلة الكهرباء.
لا يبدو الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه رجل البشريات أيضًا بعد مرور مئة يوم منذ تولّيه للمنصب. منذ الإطاحة بمبارك عن كرسيّ الحكم يسير الوضع الداخلي في مصر من سيّء إلى أسوأ، وتُخرج أزمة الكهرباء – التي تتجلّى في انقطاع التيّار الكهربائي بشكل متكرّر – المواطنين المصريين إلى الشوارع. لقد تفاقمتْ مشكلة الكهرباء بشكل كبير في الآونة الأخيرة. تعيش مناطق واسعة في الظلام لساعات طويلة نهارًا وليلا. وقد حدثت في بداية هذا الشهر إحدى حالات انقطاع الكهرباء الأخطر في تاريخ مصر، وذلك عندما انقطع التيار الكهربائي لخمس ساعات في مناطق كثيرة من مصر، بما في ذلك العاصمة القاهرة ومدن مثل الإسكندرية. ذكرت وسائل الإعلام المصرية أنّ انقطاع التيّار الكهربائي بهذا الشكل لم يحدث في مصر منذ الانقطاع لمرة واحدة في بداية سنوات التسعينات من القرن الماضي.
يعاني قطاع الكهرباء في مصر من ديون ثقيلة يبلغ مجموعها أكثر من 24 مليار دولار. وفقًا لقناة الجزيرة التلفزيونية فإنّ هذا الدين أكبر بأربعة أضعاف من الدخل السنوي لقناة السويس. السبب الرئيسي لحالات انقطاع التيار الكهربائي متأصّل في عدم قدرة قطاع الطاقة على تلبية الطلب الكبير، بالإضافة إلى حالة البنى التحتية غير المستقرّة والتي عفا عليها الزمن. وفي أعقاب انقطاع التيار الكهربائي لفترة طويلة في بداية الشهر وجّهت المعارضة بالإضافة إلى جهات تؤيّد النظام الجديد انتقادات للحكومة على عجزها، وغياب الرعاية المناسبة لمشاكل البلد.
وعد السيسي الشعب خلال الانتخابات بحلول لمشكلة الكهرباء. والآن، بعد أن فاز ولم يتمّ حلّ المشكلة فقد فسّر صعوبة تحسين الوضع قائلا: “إنّ حلّ مشكلة الكهرباء يحتاج إلى استثمار يُقدّر بـ 13 مليار دولار في السنوات الخمس القادمة”. يمكننا أن نفهم من خطابه أنّه ليست هناك حلول سحرية وأنّ الحلّ الوحيد هو الانتظار بصبر: “على المواطنين التحلّي بالصبر بشأن هذه الأزمة، لا يمكن حلّ هذه الأزمة في يوم وليلة”. إن الخطوة الوحيدة التي تمكّن من اقتراحها على مواطنيه هي إقامة لجنة تقف على الأسباب الحقيقية لانقطاع التيار الكهربائي وتحاول اقتراح الحلول.
تُكثر وسائل الإعلام من الحديث عن الأزمة وهي تحظى باهتمام الجمهور العام. أما معارضو النظام فهم يتّهمونه بالتخلّي عن السكّان وعدم الوفاء بالوعود للناخبين. وهم يؤكّدون على ذلك كلّ يوم بخصوص الأزمة المستمرّة. إنّهم يقتنصون الفرصة لمهاجمته ويقولون إنّه حتى في فترة حكم مبارك كان الوضع أفضل. يقولون إنّه ليس للمواطن العادي أحد ليتوجّه إليه، وإنّه لا يستطيع توجيه شكاوه إلى أي طرف ثالث. وهم يعتقدون أنّ صانعي القرار لا يرغبون في اقتراح حلّ للمشكلة، وبدلا من ذلك فهم يتجاهلون أوضاع المواطنين الصعبة. انشغلت أيضًا وسائل الإعلام المؤيّدة للنظام في الأزمة وهي أيضًا تعلم أنّ الحكومة عاجزة، وأنّها لا تستطيع تقديم حلّ للأزمة الخطيرة التي تصعّب كثيرًا على السكّان في أشهر الصيف الحارّة بل وفي الشتاء.
تساءل الصحفي فهمي هويدي في مقالة كتبها في الصحيفة اليومية “الشروق” تحت عنوان “مواطنون لا رعايا” لماذا لا تقدّم الحكومة في مصر تقريرًا عن الأسباب الحقيقية من وراء انقطاع التيار الكهربائي. وهو لا يقبل الطريقة التي يخبّر فيها المسؤولون صانعي القرار فحسب بخصوص أزمة الكهرباء ويتجاهلون الشعب:
“بعدما تُرك (الشعب المصري) طوال النهار يضرب أخماسًا في أسداس ويتساءل عما إذا كان الانقطاع سببه عمل تخريبي أم إهمال في الصيانة أم قصور في الإمكانيات”.
وهو يقدّم أيضًا انتقادات حول أنّ السلطات لا تبلّغ الجمهور عن كيفية التعامل مع قضايا أخرى تشغل الشعب. لقد خرج ضدّ الاتجاه الذي يتم فيه إعلام المؤسسة الحاكمة فقط بما يحدث في البلاد في حين أنّ الشعب ليس طرفًا في ذلك، ولا تتمّ مشاركته في قضايا كثيرة تتعلّق بمصيره ومستقبل مصر. “من المفارقات أن يحدث ذلك في أعقاب ثورة قام بها الشعب المصري احتجاجًا على تحكم نظام مبارك الذى صادر إرادة الأمة وعمد إلى تزويرها طوال ثلاثين عامًا. وحين رفعت الثورة شعارات العيش والحرية والكرامة الإنسانية، فلم يكن الهدف من وراء ذلك إزاحة سلطة واستبدالها بسلطة أخرى، ولكن الهدف الحقيقي كان رد الاعتبار للشعب بحقوقه التي أهدرت وتطلعاته التي أجهضت.”
وجّه الإعلامي عمرو أديب أيضًا انتقادات حول أزمة الكهرباء وهكذا عبّر في برنامج “القاهرة اليوم” الذي يقدّمه في قناة “اليوم”: “من ينتظر أن يعود التيار الكهربائي لمصر يشبه من ينتظر أن يعود محمد مرسي إلى القصر”. وقد فسّر هو أيضًا للمشاهدين بأنّه لن يكون هناك حلّ لأزمة الكهرباء في الفترة القريبة. بل اقترح على المواطنين قائلا: “البقاء في البلاد وأن نكون قادرين على تحمّل الأوضاع، أو تركها لبلد أخرى فيها ماء وكهرباء”.
https://www.youtube.com/watch?v=iExtogg3F3w
لدى أزمة الكهرباء – المصاحبة لأزمات أخرى تحلّ بمصر – القدرة على جلب المواطنين إلى الشوارع والميادين، للمطالبة بتحقيق الأهداف التي خرجوا من أجلها ضدّ النظام السابق. يجب أن نذكر بأنّه رغم الدعم المالي الكبير الذي تحظى به مصر من دول الخليج، فهي لا تستطيع تحسين مستوى حياة المواطن المصري العادي. يحاول السيسي تجنّب هذه الأزمات من خلال كثرة انشغاله بمكافحة الإرهاب، أو تسليط الضوء على معارضي النظام وعلى رأسهم الإخوان المسلمين في مصر. ولكن يبدو – عاجلا أو آجلا – أنّ السيسي أيضًا سيرى بأنّ مشاكل مصر المشتعلة تتطلّب منه أن يعمل جادًا من أجل تقديم الاستجابة المناسبة قبل أن يجد نفسه هو أيضًا مكان سابقيه في الحكم.
نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع Can Think