التصدّعات الاجتماعية في إسرائيل كثيرة: تصدّعات سياسية، اجتماعية، ثقافية، واقتصادية. وتُضاف إليها أيضًا تصدّعات دينية وذلك بسبب التنوع السكاني الكبير: اليهود، المسلمون، المسيحيون، والدروز.
أدت عوامل تاريخية وسياسية عديدة إلى هذا التنوع الديني: إقامة دولة إسرائيل بعد صدع تاريخي وصراع استمر سنوات طويلة بين العرب واليهود، والذي عاش بعضهم في إسرائيل في القرن التاسع عشر وقدم آخرون بعد عام 1948 وفي أعقاب الهولوكوست، والهجرات الكبرى من الدول العربية، الاتحاد السوفياتي سابقا، والولايات المتحدة.
ومن الجدير بالذكر أنّ استطلاع Pew، اشتمل على مقابلات مع مواطنين وسكان يعيشون داخل حدود دولة إسرائيل، كما تم تعريفهم في الإحصاء السكاني منذ عام 2008 والذي أجري من قبل دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل. كان يمكن تضمين جميع المواطنين العرب في إسرائيل في العينة. بالإضافة إلى ذلك اشتمل الاستطلاع على مقابلات مع عرب من سكان القدس الشرقية.
المسلمون في إسرائيل (Flash90/Aaed Tayeh)
وهذه هي بعض النتائج الرئيسية للاستطلاع الشامل في قضايا الدين في إسرائيل، والذي أجراه معهد دراسات Pew Research Center من خلال مقابلات مباشرة أجريت بالعبرية، العربية، والروسية على 5,601 إسرائيلي بالغ (18 عاما فما فوق) بين شهرَي تشرين الأول عام 2014 وأيار عام 2015.
الدين في الحياة العامة في إسرائيل
بعد نحو 70 عاما على إقامة دولة إسرائيل، بقي السكان اليهود في البلاد موحّدين تحت فكرة أنّ إسرائيل هي وطن الشعب اليهودي وأرض مأوى ضرورية ضدّ معاداة السامية المنتشرة في أرجاء العالم. ولكن إلى جانب مصادر هذه الوحدة، وجد استطلاع واسع جديد أجري من قبل Pew Research Center (والذي يستند إليه هذا المقال) أنّ هناك أيضًا تصدّعات عميقة في المجتمع الإسرائيلي – ليس فقط بين اليهود الإسرائيليين والأقلية العربية (المسلمة في غالبها) في إسرائيل، وإنما أيضًا في أوساط المجموعات الفرعية بين اليهود في إسرائيل.
على سبيل المثال، وجد الاستطلاع أنّ اليهود العلمانيين في إسرائيل يشعرون جيدا تجاه فكرة زواج أحد أبنائهم في يوم ما من الحاريديين؛ بنسبة أقل من أن يتزوج من المسيحيين.
المسيحيون في إسرائيل (Flash90/Sliman Khader)
بالإضافة إلى ذلك، تنعكس هذه الفروق في المواقف المتضادة بشكل بارز بخصوص أسئلة عديدة في قضايا السياسة العامة، بما في ذلك الزواج، الطلاق، تبديل الدين، التجند للجيش، الفصل بين الجنسين، والمواصلات العامة. وبشكل حاسم، يعرب اليهود الحاريديون والمتديّنون (وكلاهما أرثوذوكسيون) عن رأيهم أنّ على الحكومة الإسرائيلية أن تعزز المعتقدات والقيم الدينية، بينما يؤيد اليهود العلمانيون كثيرا الفصلَ بين الدين والدولة.
إسرائيل: دولة يهودية وديمقراطية؟
يوافق معظم اليهود، من جميع الأطياف الدينية، على المبدأ أن إسرائيل يمكنها أن تكون دولة ديمقراطية ويهودية في الوقت ذاته. ولكنهم يختلفون حول ماذا ينبغي أن يحدث، في الواقع، إذا كان اتخاذ القرارات الديمقراطية يتعارض مع قوانين الشريعة اليهودية. تدعي الأغلبية العظمى من اليهود العلمانيين أنّه يجب إعطاء الأفضلية للمبادئ الديمقراطية أكثر من القوانين الدينية، بينما نسبة كبيرة مماثلة من اليهود الحاريديين يقولون إنّه يجب إعطاء الأفضلية للقوانين الدينية.
بشكل أكثر أساسية، تنقسم هذه المجموعات حول ما هو مبدأ الهوية اليهودية: يقول معظم الحاريديين “أن تكون يهوديا” هو بشكل أساسيّ مسألة دينية، بينما يميل اليهود العلمانيون إلى القول إنّها بشكل أساسيّ مسألة أصول و/أو ثقافة.
يهودي متزمت يصلي أمام حائط المبكى (Flash90/Yonatan Sindel)
ورغم أن معظم الإسرائيليين هم يهود، إلا أن أقلية آخذة بالازدياد (تقدّر اليوم بنحو واحد من بين كل خمسة رجال) تنتمي إلى طوائف أخرى. معظم السكان غير اليهود في إسرائيل، هم من العرب من الناحية العرقية ويُعرّفون من الناحية الدينية كمسلمين، مسيحيين أو دروز.
يُظهر الاستطلاع أن العرب في إسرائيل، بشكل عام، لا يعتقدون أنّ إسرائيل يمكنها أن تكون دولة يهودية وديمقراطية في الوقت ذاته. يعبّر معظم المسلمين، المسيحيين، والدروز عن هذا الموقف. وبشكل حاسم، فإنّ أفراد هذه الطوائف جميعا يقولون إنّه إذا كان هناك تناقض بين القانون اليهودي وبين الديمقراطية، فيجب إعطاء الأفضلية للديمقراطية.
ولكن، ذلك لا يعني أن معظم العرب في إسرائيل هم علمانيون. في الواقع، يؤيد معظم المسلمين والمسيحيين القوانين الدينية الخاصة بهم في مجتمعاتهم. يؤيد نحو 58% من المسلمين تحكيم الشريعة كقانون رسمي بالنسبة للمسلمين في إسرائيل، في حين أنّ 55% من المسيحيين يؤيّدون فرض قوانين الكتاب المقدّس كقانون في البلاد بالنسبة للمسيحيين.
الدين وعملية السلام
أمراءه درزية (Flash90Yossi Aloni)
في السنوات الأخيرة، بدأ العرب في إسرائيل بالتشكيك بدرجة آخذة بالازدياد حول إمكانية إيجاد طريقة للتعايش بسلام بين دولة إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة. عام 2013 فقط، قال نحو ثلاثة أرباع العرب الإسرائيليين (74%) إنّ حلّ السلام الشامل بين كلا الدولتين ممكن. حتى عام 2015، فإنّ 50% فقط قالوا إنّ مثل هذا الحل ليس ممكنا.
ويشكّك العرب الإسرائيليون كثيرا بصدق الحكومة الإسرائيلية في محاولة التوصل إلى اتفاق سلام، بينما يشكّك اليهود بالدرجة ذاتها في صدق القادة الفلسطينيين. ولكن يبدو أنّ انعدام الثقة موجود بوفرة: نحو 40% من اليهود الإسرائيليين يقولون إنّ حكومتهم لا تعمل بصدق لتحقيق السلام، وتقول نسبة مماثلة من العرب الإسرائيليين الأقوال ذاتها بخصوص القادة الفلسطينيين.
الانتماءات السياسية
سياسيا، يميل المتديّنون إلى اليمين ويرى معظم العلمانيين أنفسهم في وسط الطيف السياسي.
المسلمون في إسرائيل (Flash90/Sliman Khader)
بشكل عام، فهناك نسبة من المتدينين الذين يضعون أنفسهم في اليمين السياسي (56%) أكبر مما في الوسط (41%). يعرّف معظم العلمانيين (62%) أنفسهم باعتبارهم يميلون إلى الوسط السياسي. يميل العلمانيون إلى تعريف أنفسهم في الجانب الأيسر من الطيف السياسي – ولكن مع ذلك فإنّ 14% فقط يعرّفون أنفسهم بهذا الشكل.
بالنسبة للعرب، فقد سُجل دعم كبير للقائمة العربية المشتركة، وهي مؤلفة من ثلاثة أحزاب توحدت في إطار القائمة المشتركة، كجزء من المعارضة للحكومة الحالية.
نسبة العرب أكبر من اليهود ممن يقولون إنّ الدين مهم جدا
يحرص العرب في إسرائيل – ولا سيما، المسلمون – على الوصايا الدينية بشكل أكبر من اليهود بشكل عام. يقول ثُلُثا العرب الإسرائيليين إنّ الدين مهم جدا في حياتهم، مقابل 30% من اليهود. يميل كافة الإسرائيليين المسلمين (68%)، المسيحيين (57%)، والدروز (49%) أكثر من اليهود إلى القول إنّ الدين مهمّ جدا لهم شخصيّا. بالإضافة إلى ذلك، فهناك نسبة من العرب أكثر من اليهود ممن ذكروا أنّهم يصلّون كل يوم ويشاركون في طقوس الصلاة أسبوعيا.
يهودي متزمت يصلي أمام حائط المبكى (Flash90/Yonatan Sindel)
يقول معظم المسلمين إنّهم يصلّون كل يوم (61%)، مقابل 34% من المسيحيين، 26% من الدروز و 21% من اليهود. وبينما يقول 25% من الدروز، 27% من اليهود، بالإضافة إلى 38% من المسيحيين إنّهم يشاركون في الطقوس الدينية مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، فإنّ نحو نصف الإسرائيليين المسلمين (49%) ذكروا أنّهم يذهبون إلى المسجد مرة واحدة على الأقل أسبوعيا.
وأظهرت البيانات التي تم جمعها من خلال استطلاع المجتمع الإسرائيلي بخصوص الحرص الديني في أوساط كل مَن هم مِن غير اليهود في إسرائيل – المسلمين، المسيحيين، والدروز معا – أنّ هناك زيادة صافية في نسبية البالغين الذين يقولون إنّهم “متدينون جدا” أو “متدينون”، من 51% عام 2002 إلى 56% عام 2013.
كيف يتغيّر الدين في إسرائيل طوال الوقت؟
وفقا لبيانات الإحصاء السكاني في إسرائيل، فإنّ المشهد الديني في البلاد قد تغيّر تدريجيّا، حيث إنّ نسبة السكان الذين يعرّفون أنفسهم كـ “يهود” تنخفض، وبالمقابل، تزداد نسبة أولئك الذين يعرّفون أنفسهم كـ “مسلمين” أو أنهم لا ينتمون إلى أي من الطوائف الدينية الرئيسية الأربع (اليهود، المسلمين، المسيحيين، والدروز). عام 1949، وجد الإحصاء السكاني الأول في إسرائيل أنّ 86% من السكان هم يهود، 9% مسلمين، 3% مسيحيين، بالإضافة إلى 1% دروز. وحتى عام 2014، فقد تضاعفت نسبة المسلمين في السكان إلى 18% بينما انخفضت نسبة اليهود بـ 11%، ووصلت إلى 75%. وقد انخفضت نسبة المسيحيين من بين سكان إسرائيل أيضا، من 3% إلى 2% بينما ارتفعت نسبة الدروز من 1% إلى 2%.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني