35 عامًا على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية

بمناسبة الذكرى ال35 لتوقيع معاهدة السلام الاسرائيلية المصرية، نخصص في موقعنا هذه الصفحة التي تجمع مقالات وتحليلات عديدة تسرد قصة السلام الذي منع سفك الدماء بين الشعبين من جوانب عديدة، نأمل بأن تنال الصفحة اهتمامكم
إسرائيليون يستجمون في سيناء خلال عيد العرائش – سوكوت- 2016 (Johanna Geron/FLASH90)
إسرائيليون يستجمون في سيناء خلال عيد العرائش – سوكوت- 2016 (Johanna Geron/FLASH90)

سيناء.. عودة الفردوس

عادت سواحل شبه جزيرة سيناء إلى جذب السياح من إسرائيل بعد سنوات من تحولها إلى منطقة "سيئة السمعة" من الناحية الأمنية، حافلة بالمخاطر والمسلحين

01 أبريل 2017 | 09:50

شكّل شبه جزيرة سيناء، لا سيّما ساحل البحر الأحمر الجنوبي الشرقي، طوال سنوات عديدة مركز جذب للسيّاح. فمنذُ توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، وعودة شبه الجزيرة إلى السيادة المصريّة، قام المصريون بتطوير المنطقة كموقع سياحيّ مُعدّ لجمهور أوروبي وإسرائيلي، وبُنيت بها قرى استجمام عديدة وفنادق فاخرة تابعة لشبكات فنادق دولية.

دهب, سيناء (Amr.moustafa.shalaby)
دهب, سيناء (Amr.moustafa.shalaby)

والأسباب التي تجذب الإسرائيليين إلى سيناء عديدة: أسعار المبيت المنخفضة، والقُرب من إسرائيل، والأمن النسبي، والخدمات باللغة العبرية. حتى قبل سنوات معدودة، في كل إجازة امتدّ طابور كبير من الإسرائيليين الذين أرادوا عبور الحدود إلى سيناء. وقد كانت بانتظارهم هناك سواحل طبيعية وواسعة، رمل وماء نقيّ، وطاقات مكّنتهم من الهدوء والشعور بشكل أفضل.

إضافة إلى الطبيعة الساحرة، إسرائيليون كثيرون اكتشفوا فيها أفضلية كبيرة لتوفّر الحشيش والماريجوانا، غير الشرعيّين وغير المتوفّرَين كثيرًا في إسرائيل، فيما كانت وافرة، رخيصة، وبجودة عالية في سيناء، دون احتمال كبير للقبض عليهم. أدّى هذا إلى أن يُنظَر إلى كثير من المسافرين إلى سيناء على أنهم “مُخدَّرون” أو “مهملون”، لكنّ هذا لم يمنع عائلات مع أولاد أو سيّاحًا أكبر سنًّا ومستقرين من السفر إلى هناك.

ومن مناطق الاستجمام المفضّلة للإسرائيليين رأس الشيطان، دهب، بير سوار، نويبع، المحاش، طابا، وغيرها. في هذه الشواطئ ثمة فنادق فاخرة إلى جانب “خُشَش”، أكواخ من قشّ مفروشة، أحيانًا غير موصولة بالكهرباء. يمكن لكلّ شخص أن يختار الظروف التي تناسبه، وفقًا لموازنته وطبيعة الإجازة التي يحبّ.

طابا، سيناء (Photo: Amr.moustafa.shalaby)
طابا، سيناء (Photo: Amr.moustafa.shalaby)

كذلك، على طول الكيلومترات الستمئة لشواطئ البحر الأحمر في شبه الجزيرة يقع بعض أجمل مواقع الغطس في العالم، التي تشكّل قبلة يحجّ إليها الغطّاسون من كافّة أرجاء المعمورة. الحيود البحرية، الممتدة على طول شبه الجزيرة، هي في وضع مُمتاز بالنسبة للحيود الموجودة شمال الحدود مع إسرائيل على طول شواطئ إيلات، سواء بسبب قلّة الغطّاسين نسبيًّا، أو بسبب التطوير السياحي القليل نسبةً إلى كمية الشواطئ.

تروي إسرائيلية كانت معتادة على الذهاب إلى سيناء للاستجمام بشكل دائم: “بدأت رواية عشقي لسيناء قبل 13 سنة. كنتُ في الثامنة عشرة حين انبهرت عيناي أول مرة بالشواطئ الذهبية، البحر الفيروزي، و”الخُشَش” الملوّنة. رحّب البدو بنا ترحيبًا حارًّا، كان الطعام ممتازًا، تسلّل الهدوء الساحر سريعًا إلى داخلي، ونسيتُ هموم العالم بأسرة لحظةَ جلستُ على الأرجوحة الشبكية القريبة. وجدتُ إجازة الأحلام، في الظروف المثالية: أقرب ما يمكن إلى الطبيعة والبحر، أقلّ نفقات مالية، والمقابل – أكبر قدر ممكن من السعادة”.

موقع الغطس "Blue Hole"، سيناء (photo: meir, wikipedia)
موقع الغطس “Blue Hole”، سيناء (photo: meir, wikipedia)


“كانت سيناء مكانًا عُذريًّا وآمنًا جدًّا. نبع الإحساس بالأمان عن البدو أيضًا، الذين عبّروا عن مشاعر دافئة تجاه الإسرائيليين حسب أصول الضيافة لديهم، وكذلك لأنّ الوضع بين إسرائيل ومصر كان جيّدًا نسبيًّا. لم تكن هناك تحذيرات، لم تُحّذر وزارة الخارجية من السفر إلى هناك مرارًا، وكان الوضع السياسي لدى الجيران هادئًا. كان الصخب الوحيد الآتي من الجنوب نابعًا عن دويّ الأمواج”.

لكنّ كل ذلك بدأ بالتغيُّر عام 2004. في تشرين الأول، الذي يقضي الكثير من الإسرائيليين إجازة فيه بسبب الأعياد اليهودية، وقع عدد من التفجيرات ضمن ما يُدعى “هجمة الإرهاب على سيناء”. بدأ الهجوم بتفجير في فندق هيلتون طابا، ثم وقع في الليلة نفسِها تفجيران آخران هزّا شاطئ رأس الشيطان الهادئ. أودى التفجيران في مركزَي السياحة الشعبيَّين بحياة 34 شخصًا، بينهم 13 إسرائيليًّا، فيما أصيب 171 آخرون.

شاطي نوبيع، سيناء (photo: Cairocamels, vikipedia)
شاطي نوبيع، سيناء (photo: Cairocamels, vikipedia)

مباشرةً بعد التفجيرات، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تحذيرات من السفر، وطلبت من الإسرائيليين عدم السفر إلى سيناء. وأخبرت المواقع الإخبارية عن “آلاف الإسرائيليين الذين يعودون أدراجهم من سيناء”، كما امتنع سيّاح عديدون من الاقتراب إلى المنطقة. بعد شتاء هادئ نسبيًّا، ينخفض فيه النشاط وعدد السيّاح بشكل طبيعيّ، ورغم آمال القيّمين على المنشآت السياحيّة في المنطقة، لم يكن الصيف القادم “ما كان يومًا ما”.

قُبَيل بدء الصيف، بدأت التقارير في إسرائيل تعرض سواحل بديلة “للمُحبَطين من سيناء”، وبدأ المستجمّون يبحثون عن مكان آخر للاستجمام والهدوء. لكن رغم التجارب، استمرّ كثيرون في الادّعاء أن لا بديل لشواطئ سيناء. “إذا كانت الشواطئ قريبة ورخيصة، في البلاد مثلًا، فإمّا أنها غير جميلة كفاية، أو أنها مكتظّة بالسيّاح، مثل إيلات، ناهيك عن شواطئ اليونان وتركيا. إذا كانت جميلة ومنعزلة كفايةً، مثل تايلاند، فهي بعيدة جدًّا، والوصول إليها باهظ الثمن ومُضنٍ”، يروي أحد سكّان القدس الذي اعتاد على الاستجمام كلّ صيف في سيناء.


“للوصول إلى سيناء، كان كلّ ما علينا فعله أن نستقلّ الحافلة بسعر باخس، أن نجتاز الحدود، فنصل مباشرة إلى الفردوس – قريب، رخيص، والأهمّ جميل وهادئ جدًّا. هذا ناهيك عن محبي الغطس، الذين وجدوا عالمًا مذهلًا تحت المياه بعيدًا بضع ساعات فقط عن البيت”.

وهكذا، رغم المساعي المصرية للحفاظ على أمن السيّاح، قلّت جدًّا السياحة الإسرائيلية في سيناء. فأقفل عدد كبير من مواقع الاستجمام التي كانت تعتمد على السيّاح الإسرائيليين أبوابه، أو بدأ بالاتّكال على السياحة الأوروبية.

ورغم ذلك، ظلّ بعض الإسرائيليين أولياء لفردوسهم الخاصّ دونما خوف، محافظين على علاقات وديّة مع البدو هناك. في الفترة التي كانت التفجيرات الانتحارية تحدث في كل حدب وصوب في إسرائيل، كان الهروب إلى سيناء بالنسبة لبعض الإسرائيليين بمثابة “شاطئ الأمان”، بالمعنيَين، واستمرّت مجموعات صغيرة من السيّاح في السفر إلى هناك سنويًّا.

لكن عام 2011، حدث تغيير كبير مجدّدًا، هذه المرة بشكل متطرّف أكثر، بعد أن اجتازت مصر انقلابًا. تابع الكثير من الإسرائيليين بترقّب ما جرى في ميدان التحرير، استمعوا إلى الأخبار، وقرأوا التحليلات. لكن من عدم اليقين الكبير، كان ثمة استنتاج واضح جدًّا – السفر إلى سيناء أصبح أصعب من ذي قبل.

الخوف والشكّ، اللذان لم تنجح التفجيرات في زرعهما في عدد من الإسرائيليين، امتدّا مع وصول تقارير عن فوضى عارمة في مصر، عدم استقرار في السلطة، مناطق كاملة خارجة عن سلطة القانون، وعناصر إرهابيّة ملأت الفراغ الناتج. أضحت سيناء أرضًا مهجورة، منطقة حدودية يخاف حتى القانون من أن يدخلَها.

برهن انعدام الهدوء الذي شهدته الحدود، والتفجيرات التي خرجت من منطقة سيناء وأنفاق التهريب التي استمرّ يُكشَف النقاب عنها أنّ المخاوف مبرَّرة. اكتمل في سيناء المسار الذي بدأ عام 2004، إذ تحوّلت إلى مكان غير آمن بشكل جليّ بالنسبة للإسرائيليين.

استهداف زورق للجيش المصري قبالة سواح سيناء (Abed Rahim Khatib / Flash90)
استهداف زورق للجيش المصري قبالة سواح سيناء (Abed Rahim Khatib / Flash90)

وازدادت الأوضاع الأمنية سوءا بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية إلى شبه الجزيرة عبر حركات جهادية هناك بايعته، ووقوع مواجهات دامية بين عناصر مسلحة تنتمي إلى تنظيم الدولة وقوات الأمن المصرية. وكان الهجوم الأقسى في الأول من يوليو/ تموز 2015، إذ شن تنظيم “أنصار بيت المقدس” هجمات متزامنة في شمال شبه الجزيرة، أودت بالعشرات من قوات الجيش المصري.

ورغم تحول سيناء في العشر سنوات الأخيرة وأكثر إلى منطقة سيئة السمعة من الناحية الأمنية، وتصدرها قائمة المناطق الخطرة التي تحذر الدول مواطنيها من السفر إليها، إلا أن السياحة فيها لم تمت يوما. فقد واصل إسرائيليون كثيرون السفر إليها، متجاهلين التحذيرات المتعلقة بها من مكتب مكافحة الإرهاب. وحتى أن المعطيات الرسمية للعام المنصرم تدل على أن مئات الآلاف من الإسرائيليين قضوا عطلة فيها.

ويمكن القول، بحذر شديد، إن الأوضاع الأمنية في شبه الجزيرة، لا سيما في المناطق السياحية، شهدت تحسنا كبيرا. ويعود ذلك إلى الحملة الأمنية غير المسبوقة التي شنها الجيش المصري ضد الحركات الإرهابية هناك ومواجهة المسحلين بقوة وردم الأنفاق بين شبه الجزيرة وغزة، وإلى رغبة السكان البدو في إعادة السياحة إلى شواطئ سيناء والتي تعد مصدر رزق لكثيرين.

فهل تعود سيناء لتكون الفردوس الذي فقد في السنوات الماضية؟ نأمل أن يكون الجواب نعم.

اقرأوا المزيد: 1071 كلمة
عرض أقل
رأس الشيطان، سيناء (photo: Shy halatzi)
رأس الشيطان، سيناء (photo: Shy halatzi)

سيناء: الفردوس المفقود

سواحل سيناء السماوية تحوّلت من فقاعة مهدِّئة وساحرة تجذب السيّاح من إسرائيل ومن العالم كله إلى أوكار إرهاب تلقي الذعر في النفوس

كان شبه جزيرة سيناء، لا سيّما ساحل البحر الأحمر الجنوبي الشرقي، طوال سنوات عديدة مركز جذب للسيّاح. فمنذُ توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، وعودة شبه الجزيرة إلى السيادة المصريّة، قام المصريون بتطوير المنطقة كموقع سياحيّ مُعدّ لجمهور أوروبي وإسرائيلي، وبُنيت بها قرى استجمام عديدة وفنادق فاخرة تابعة لشبكات فنادق دولية.

دهب, سيناء (Amr.moustafa.shalaby)
دهب, سيناء (Amr.moustafa.shalaby)

بسبب أسعار المبيت المنخفضة، القُرب من إسرائيل، الأمن النسبي، والخدمات باللغة العبرية، اعتُبرت سيناء مقصدًا سياحيًّا مفضَّلًا للشبّان الإسرائيليين. حتى قبل سنوات معدودة، في كل إجازة امتدّ طابور كبير من الإسرائيليين الذين أرادوا عبور الحدود إلى سيناء. وقد كانت بانتظارهم هناك سواحل طبيعية وواسعة، رمل وماء نقيّ، وطاقات مكّنتهم من الهدوء والشعور بشكل أفضل. ربما ليس حسنًا القول، ولكنّ عددًا غيرَ قليل من الإسرائيليّين رأوا فيها أفضلية كبيرة لتوفّر الحشيش والماريجوانا، غير الشرعيّين وغير المتوفّرَين كثيرًا في إسرائيل، فيما كانت وافرة، رخيصة، وبجودة عالية في سيناء، دون احتمال كبير للقبض عليهم. أدّى هذا إلى أن يُنظَر إلى كثير من المسافرين إلى سيناء على أنهم “مُخدَّرون” أو “مرميّون”، لكنّ هذا لم يمنع عائلات مع أولاد أو سيّاحًا أكبر سنًّا ومستقرين من السفر إلى هناك.

 وكانت مناطق الاستجمام المفضّلة للإسرائيليين رأس الشيطان، دهب، بير سوار، نويبع، المحاش، طابا، وغيرها.  في هذه الشواطئ ثمة فنادق فاخرة إلى جانب “خُشَش”، أكواخ من قشّ مفروشة، أحيانًا غير موصولة بالكهرباء. يمكن لكلّ شخص أن يختار الظروف التي تناسبه، وفقًا لموازنته وطبيعة الإجازة التي يحبّ.

طابا، سيناء (Photo: Amr.moustafa.shalaby)
طابا، سيناء (Photo: Amr.moustafa.shalaby)

كذلك، على طول الكيلومترات الستمئة لشواطئ البحر الأحمر في شبه الجزيرة يقع بعض أجمل مواقع الغطس في العالم، التي تشكّل قبلة يحجّ إليها الغطّاسون من كافّة أرجاء المعمورة. الحيود البحرية، الممتدة على طول شبه الجزيرة، هي في وضع مُمتاز بالنسبة للحيود الموجودة شمال الحدود مع إسرائيل على طول شواطئ إيلات، سواء بسبب قلّة الغطّاسين نسبيًّا، أو بسبب التطوير السياحي القليل نسبةً إلى كمية الشواطئ.

تروي إسرائيلية كانت معتادة على الذهاب إلى سيناء للاستجمام بشكل دائم: “بدأت رواية عشقي لسيناء قبل 13 سنة. كنتُ في الثامنة عشرة حين انبهرت عيناي أول مرة بالشواطئ الذهبية، البحر الفيروزي، و”الخُشَش” الملوّنة. رحّب البدو بنا ترحيبًا حارًّا، كان الطعام ممتازًا، تسلّل الهدوء الساحر سريعًا إلى داخلي، ونسيتُ هموم العالم بأسرة لحظةَ جلستُ على الأرجوحة الشبكية القريبة. وجدتُ إجازة الأحلام، في الظروف المثالية: أقرب ما يمكن إلى الطبيعة والبحر، أقلّ نفقات مالية، والمقابل – أكبر قدر ممكن من السعادة”.

موقع الغطس "Blue Hole"، سيناء (photo: meir, wikipedia)
موقع الغطس “Blue Hole”، سيناء (photo: meir, wikipedia)

“في تلك الأيام، كانت سيناء مكانًا عُذريًّا وآمنًا جدًّا. نبع الإحساس بالأمان عن البدو أيضًا، الذين عبّروا عن مشاعر دافئة تجاه الإسرائيليين حسب أصول الضيافة لديهم، وكذلك لأنّ الوضع بين إسرائيل ومصر كان جيّدًا نسبيًّا. لم تكن هناك تحذيرات، لم تُحّذر وزارة الخارجية من السفر إلى هناك مرارًا، وكان الوضع السياسي لدى الجيران هادئًا. كان الصخب الوحيد الآتي من الجنوب نابعًا عن دويّ الأمواج”.

لكنّ كل ذلك بدأ بالتغيُّر عام 2004. في تشرين الأول، الذي يقضي الكثير من الإسرائيليين إجازة فيه بسبب الأعياد اليهودية، وقع عدد من التفجيرات ضمن ما يُدعى “هجمة الإرهاب على سيناء”. بدأ الهجوم بتفجير في فندق هيلتون طابا، ثم وقع في الليلة نفسِها تفجيران آخران هزّا شاطئ رأس الشيطان الهادئ. أودى التفجيران في مركزَي السياحة الشعبيَّين بحياة 34 شخصًا، بينهم 13 إسرائيليًّا، فيما أصيب 171 آخرون.

شاطي نوبيع، سيناء (photo: Cairocamels, vikipedia)
شاطي نوبيع، سيناء (photo: Cairocamels, vikipedia)

مباشرةً بعد التفجيرات، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تحذيرات من السفر، وطلبت من الإسرائيليين عدم السفر إلى سيناء. وأخبرت المواقع الإخبارية عن “آلاف الإسرائيليين الذين يعودون أدراجهم من سيناء”، كما امتنع سيّاح عديدون من الاقتراب إلى المنطقة. بعد شتاء هادئ نسبيًّا، ينخفض فيه النشاط وعدد السيّاح بشكل طبيعيّ، ورغم آمال القيّمين على المنشآت السياحيّة في المنطقة، لم يكن الصيف القادم “ما كان يومًا ما”.

قُبَيل بدء الصيف، بدأت التقارير في إسرائيل تعرض سواحل بديلة “للمُحبَطين من سيناء”، وبدأ المستجمّون يبحثون عن مكان آخر للاستجمام والهدوء. لكن رغم التجارب، استمرّ كثيرون في الادّعاء أن لا بديل لشواطئ سيناء. “إذا كانت الشواطئ قريبة ورخيصة، في البلاد مثلًا، فإمّا أنها غير جميلة كفاية، أو أنها مكتظّة بالسيّاح، مثل إيلات، ناهيك عن شواطئ اليونان وتركيا. إذا كانت جميلة ومنعزلة كفايةً، مثل تايلاند، فهي بعيدة جدًّا، والوصول إليها باهظ الثمن ومُضنٍ”، يروي أحد سكّان القدس الذي اعتاد على الاستجمام كلّ صيف في سيناء.

“للوصول إلى سيناء، كان كلّ ما علينا فعله أن نستقلّ الحافلة بسعر باخس، أن نجتاز الحدود، فنصل مباشرة إلى الفردوس – قريب، رخيص، والأهمّ جميل وهادئ جدًّا. هذا ناهيك عن محبي الغطس، الذين وجدوا عالمًا مذهلًا تحت المياه بعيدًا بضع ساعات فقط عن البيت”.

وهكذا، رغم المساعي المصرية للحفاظ على أمن السيّاح، قلّت جدًّا السياحة الإسرائيلية في سيناء. فأقفل عدد كبير من مواقع الاستجمام التي كانت تعتمد على السيّاح الإسرائيليين أبوابه، أو بدأ بالاتّكال على السياحة الأوروبية.

ورغم ذلك، ظلّ بعض الإسرائيليين أولياء لفردوسهم الخاصّ دونما خوف، محافظين على علاقات وديّة مع البدو هناك. في الفترة التي كانت التفجيرات الانتحارية تحدث في كل حدب وصوب في إسرائيل، كان الهروب إلى سيناء بالنسبة لبعض الإسرائيليين بمثابة “شاطئ الأمان”، بالمعنيَين، واستمرّت مجموعات صغيرة من السيّاح في السفر إلى هناك سنويًّا.

لكن عام 2011، تغيّر كلّ شيء مجدّدًا، هذه المرة بشكل متطرّف أكثر، بعد أن اجتازت مصر انقلابًا. تابع الكثير من الإسرائيليين بترقّب ما جرى في ميدان التحرير، استمعوا إلى الأخبار، وقرأوا التحليلات. لكن من عدم اليقين الكبير، كان ثمة استنتاج واضح جدًّا – لا يمكن السفر إلى سيناء بعد.

الخوف والشكّ، اللذان لم تنجح التفجيرات في زرعهما في عدد من الإسرائيليين، امتدّا مع وصول تقارير عن فوضى عارمة في مصر، عدم استقرار في السلطة، مناطق كاملة خارجة عن سلطة القانون، وعناصر إرهابيّة ملأت الفراغ الناتج. أضحت سيناء أرضًا مهجورة، منطقة حدودية يخاف حتى القانون من أن يدخلَها.

برهن انعدام الهدوء الذي شهدته الحدود، والتفجيرات التي خرجت من منطقة سيناء وأنفاق التهريب التي استمرّ يُكشَف النقاب عنها أنّ المخاوف مبرَّرة. اكتمل في سيناء المسار الذي بدأ عام 2004، إذ تحوّلت إلى مكان غير آمن بشكل جليّ بالنسبة للإسرائيليين.

دخان متصاعد من سيناء جرّاء الهجمات الإرهابية في 1 يوليو كما شوهد من الجانب الإسرائيلي (Abed Rahim Khatib /Flash90)
دخان متصاعد من سيناء جرّاء الهجمات الإرهابية في 1 يوليو كما شوهد من الجانب الإسرائيلي (Abed Rahim Khatib /Flash90)

وما زالت الأوضاع الأمنية في سيناء في حالة دهور مستمر، وحتى أن الوضع يسير من سيء إلى أسوأ، خاصة بعد أن استطاع تنظيم الدولة الإسلامية الدخول إلى شبه الجزيرة عبر حركات جهادية هناك بايعته. وفي الأول من يوليو/ تموز 2015، شهد شمال سيناء هجمات متزامنة من قبل تنظيم “أنصار بيت المقدس” أودت بالعشرات من قوات الجيش المصري.

لا يبقى لدينا سوى أن نأسف على ذلك، أن نرجو أن تنجح حملة التطهير التي يقوم بها الفريق أوّل السيسي في القضاء على أوكار الإرهاب، وأن نحلم بأن يعود الاستقرار إلى مصر في أسرع وقت ممكن، حتّى نتمكّن من العودة إلى الفردوس الشرق أوسطي، الموجود اليوم في أحلام إسرائيليين عديدين فقط.

TO GO WITH AFP STORY BY MONA SALEM قوات الجيش المصري في سيناء (AFP)
TO GO WITH AFP STORY BY MONA SALEM
قوات الجيش المصري في سيناء (AFP)
اقرأوا المزيد: 995 كلمة
عرض أقل
مناحيم بيغن وأنور السادات في حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)
مناحيم بيغن وأنور السادات في حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)

عندما غنى المصريون أغاني الملحّنة الوطنية الإسرائيلية

زيارة السادات إلى إسرائيل، جهود السلام بين إسرائيل ومصر، وبهجة السلام.. أرشيف دولة إسرائيل يعرض أفلامًا قصيرة لذكرى 36 عامًا منذ صنع السلام مع مصر

14 مارس 2015 | 10:28

تحتفي اليوم إسرائيل بذكرى 36 عامًا على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التي وقّع عليها أنور السادات ومناحم بيجن في 26 آذار عام 1979 في البيت الأبيض. ‎وبمناسبة الذكرى يعرض أرشيف دولة إسرائيل عن مواد تاريخية المتعلقة بالمفاوضات التي سبقت توقيع المعاهدة التي وضعت حدًّا للعداوة طويلة السنوات، والتي أسفرت عن ضحايا كثيرة لدى الدولتين الجارتين.

ومن بين أمور أخرى، ستُنشر مواد تصويرية كثيرة، إلى جانب بروتوكلات طاقم المفاوضات وفقًا لتسجيلها في لحظة الحدث.

وتشتمل الصور المنشورة على مواد من البث التلفزيوني الإسرائيلي والمصري وقت التوقيع على المعاهدة، شهادات مواطنين عابري السبيل حول المعاهدة التاريخية وشهادات البروفيسور أهارون باراك، المستشار القضائي سابقًا لطاقم المفاوضات ولتوثيق زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، مناحم بيجن إلى مصر. يبدو في الفيلم القصير أنه يُرَحّب بمناحيم بيجن باحترام كبير. يخطب بيجن خطابه، ويقف أنور السادات ونائبه حسني مبارك، إلى جانبة.

مرفق جزء من الأفلام القصيرة الشائعة في اليوتيوب:

أصوات السلام:

 

مراسل التلفزيون المصري في بث مشترك استعدادًا للمرحلة النهائية من معاهدة السلام:

رئيس الحكومة، مناحم بيجن في احتفال جائزة نوبل للسلام:

اقرأوا المزيد: 156 كلمة
عرض أقل
الرئيس المصري محمد أنور السادات يلقي خطابًا تاريخيّا في الكنيست (GPO)
الرئيس المصري محمد أنور السادات يلقي خطابًا تاريخيّا في الكنيست (GPO)

خطاب السادات في الكنيست: الخطاب الذي أدهش العالم

بعد 30 عامًا من العداء بين إسرائيل العالم والعربي، قال السادات إنه يعترف بوجود دولة إسرائيل كواقع، ولذلك فهو مستعدّ لعقد تسوية معها

في مثل هذا الوقت قبل 37 عامًا، وقف الرئيس المصري، أنور السادات، على منصة الكنيست، وألقى خطابًا أذهل الرأي العام الإسرائيلي. في الواقع، كانت زيارة الرئيس المصري لإسرائيل بحدّ ذاتها بعد 30 عامًا من العداء بين إسرائيل العالم والعربي هي ما أوقع إسرائيل في صدمة.

في 9 تشرين الثاني 1977، فجّر السادات قنبلة دبلوماسية حين كان يخطب أمام أعضاء مجلس الشعب المصري: ‏‎”‎ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم”. وبالفعل، دُهشت إسرائيل والعالم كلّه من استعداد الرئيس المصري للذهاب إلى إسرائيل. بين الذين أصيبوا بالذهول رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي كان يجلس في القاعة وقت الخطاب، واستصعب تصديق ما سمعته أذناه. لم تتأخر الدعوة الرسمية من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية حينذاك، مناحم بيجن. وفي العشرين من تشرين الثاني، هبطت طائرة الرئيس المصري في إسرائيل.

“قد جئت إليكم اليوم على قَدَمَيْن ثابتَتَيْن، لكي نبني حياة جديدة، لكي نُقِيم السلام”، قال الرئيس المصري حين وقف أمام أعضاء الكنيست. قبل أربع سنوات وشهر واحد من إلقاء خطابه، قاد السادات الهجوم الكبير والمنسَّق بين الجيشَين المصري والسوري ضدّ إسرائيل، هجوم أدّى إلى وفاة آلاف الإسرائيليين، المصريين، والسوريين. وتطرّق السادات إلى حرب 1973 كأحد أسباب زيارته: “قد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع، حاولتم أن تبنُوه على مدى ربع قرن من الزمان. ولكنه تحطم في عام ‏‎1973”. يُفترَض أنّ الإسرائيليين لم يستحسنوا سماع هذه الأقوال، إذ كانوا لا يزالون يعانون من مخلّفات الحرب.

قال السادات إنه يعترف بوجود دولة إسرائيل كواقع، ولذلك فهو مستعدّ لعقد تسوية معها، لكنه لم يعترف بها كـ”دولة يهودية”. فقد قال: “ولقد أعلنت أكثر من مرة، أن إسرائيل أصبحت حقيقة واقعة، اعترف بها العالم، وحملت القوَّتان العُظميان مسؤولية أمنها وحماية وجودها. ولما كنّا نريد السلام، فعلاً وحقًّا، فإننا نرحب بأن تعيشوا بيننا، في أمن وسلام، فعلاً وحقًّا”‏‎.‎

ورغم الاعتراف المؤوّل بإسرائيل، كان ما طلبه الرئيس المصري أمام الإسرائيليين واضحًا لا لبس فيه، جازمًا، وغير قابل للتسوية: “هناك أرض عربية احتلتها، ولا تزال تحتلها، إسرائيل بالقوة المسلحة، ونحن نصرّ على تحقيق الانسحاب الكامل منها، بما فيها القدس العربية”‏‎.‎

لم تحظَ أقوال السادات تلك بإجماع إسرائيلي عام 1977، وهي غير مقبولة على القيادة الإسرائيلية حتى اليوم، حين تصدر عن محمود عباس. مع ذلك، لم يتردد السادات في عرض طلب الانسحاب كـ”أمر بديهي”. “لا رجاء فيه لأحد أو من أحد”، قال السادات حينذاك.

ورغم الطلبات الحادّة، فإنّ الاتّفاق الذي وقّعه السادات مع إسرائيل بعد نحو سنة ونصف، لم يؤدِّ إلى تحقيق جميع المطالب التي طرحها السادات في خطابه في القدس. انسحبت إسرائيل حتى حدود 1967 على الحُدود مع مصر، لكنها واصلت احتلال قطاع غزة، الضفة الغربية، القدس الشرقية، وهضبة الجولان.

اقرأوا المزيد: 412 كلمة
عرض أقل
اغتيال السادات (MAKARAM GAD ALKAREEM / AFP)
اغتيال السادات (MAKARAM GAD ALKAREEM / AFP)

الرعب والأمل: هكذا كانت ردة فعل إسرائيل بعد مقتل السادات

عندما وصل نبأ مقتل الرئيس المصري، اجتاحت إسرائيل قبل 33 سنة تخوفات من حصول انقلاب عسكري في مصر، أو صعود الإسلام المتطرف إلى الحكم، وسادت مشاعر الأمل من وراء حسني مبارك

“كل شيء، الآن، مفتوح للنقاش من جديد، وكل علامات الاستفهام ستعود من جديد لمواضعها السابقة”، هكذا افتتح مقال صحيفة “معاريف” الإسرائيلية بعد يومٍ من مقتل الرئيس المصري، أنور السادات، وهو الرئيس العربي الأول الّذي وقّع اتفاقية سلام مع إسرائيل. وقد اجتاحت الجمهور الإسرائيلي مشاعر الخوف والتوجس بعد وصول نبأ مقتل السادات.

امتزجت مشاعر الذهول والخيبة بعضها مع بعض: “زعيم عربي- كما تبين- لن يستطيع صنع السلام مع إسرائيل دون أن يضع نفسه على المحك. ويمكن للموت أن ينصب له كمينه حتى يخطفه في المكان والزمان الأكثر حساسية”. هكذا كُتب في المقال.

وأكثر من ذلك، فقد شعر الإسرائيليون أنه مع موت السادات، فقد ماتت، كذلك، اتفاقية السلام الأولى التي وقّعت مع دولة عربية. وقد ظهر في كاريكاتير رُسم في صحيفة ” دافار” التي أظهرت مشهدا كئيبا: ظهر السادات في الرسم وكأنه “حمامة السلام”، ملقى على الأرض حين دخل السهم إلى قلبه. في حين أن “اتفاقية السلام” ظهرت في الكاريكاتير على أنها “عصفور صغير” مفقود، وبقي يتيما.

الرئيس المصري أنور السادات (AFP)
الرئيس المصري أنور السادات (AFP)

وكذلك، فإن عناوين نشرات الأخبار قد زرعت الذعر في قلوب القراء: “الشروع بتصفية الجيش المصري”، “الشاذلي يأمر الجيش المصري بالثورة”، “إعلان حالة التأهب القصوى في الأسطول السادس”، “في دمشق، طرابلس وبيروت رقص الناس من الفرحة”، “ريجان: فقدت صديقا عزيزا”، وغيرها. وخلال وقت قصير، اتضح أن مبارك قوي بما فيه الكفاية ليحافظ على اتفاقية السلام بين الدولتين، وتشير التقديرات الحالية إلى أن مسلك السلام الّذي وقّع على يد السادات لن يُغلق.

وهذا ما كُتب في “معاريف”: “كان السادات رجلا قويا جدا، يملك القدرة على قيادة دولته إلى ما لم يكن في الحسبان الوصول إليه. لكن ماذا بالنسبة لخليفته؟ هل هو مهتم بالسلام كما كان السادات من قبله؟ هل سيسير على هذا النهج الصعب والخطير، أو سيستغل الفرصة الأولى للرجوعِ إلى الوراء 33 سنة”؟

وبالفعل، فقد صمدت اتفاقية السلام في الثلاثين سنة التي حكم فيها مبارك أمام كل الاختبارات التاريخية التي وقفت عقبة في طريقه. في سنة 1995،  قد تبين أن إسرائيل، كذلك، ليست محصنة من تنفيذ عمليات قتل سياسية من قِبل أعداء مسيرة السلام، وهذا يظهر عندما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين حياته إلى الموت بسبب المعارضة السياسية للسلام. لكن بالرغم من أعدائه الكثر والظروف غير المثالية، بقيت اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر سارية حتى اليوم.

اقرأوا المزيد: 346 كلمة
عرض أقل
محبة الشعب المصري للقائد عبد الفتاح السيسي (AFP)
محبة الشعب المصري للقائد عبد الفتاح السيسي (AFP)

دعني أضع النقطة على الحرف

ستدخل مصر كما يبدو لعصر جديد في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي ستقام بعد أقل من شهر بقليل وذلك بعد إسقاط رئيسَين، مبارك ومرسي

وفقًا لقرار اللجنة العليا للانتخابات التي حدّدت موعد الانتخابات، يمكننا الافتراض بأنّه في شهر حزيران سيكون في مصر رئيس جديد. يمنح التقييم العام الآن أفضلية كبيرة لاختيار السيسي.

على افتراض أنّ هذا ما سيحدث، نطرح السؤال: كيف ستكون سياسته الخارجية؟ لا حاجة للخوض في السياسة الداخلية لأنّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية هي التي ستملي خطوات الرئيس الجديد.

نظرة سريعة على وضع مصر في المجال الخارجي تشير إلى توتر في علاقة مصر مع عدّة جهات. على سبيل المثال، العلاقة مع الولايات المتحدة التي أوقفت المعونة الاقتصادية لمصر وترفض أيضًا نقل عشرة طائرات أباتشي مهمّة في الحرب على الإرهاب في سيناء.هناك شبه قطع للعلاقات مع تركيا، عدم رضى عمّا يحدث في سوريا، صراع مع قطر لدعمها الإخوان المسلمين وقلق بالغ من الدور السلبي لإيران في الشرق الأوسط. لم أتحدث بعد عن سدّ النهضة وأيضًا عن الإرهاب العالمي الذي استقرّ في شبه جزيرة سيناء، وحماس التي تضعف دعائم الدولة المصرية.

من خلال هذه الصورة للأوضاع نرى عدم الاستقرار في العلاقات مع المناطق المحيطة بمصر. ولمفاجأة الجميع فإنّ العلاقات مع إسرائيل تتميّز بالهدوء والاستقرار الجدير بالذكر. قبل أيام احتفلنا بمرور 35 عامًا على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والتي تمّ توقيعها في آذار عام 1979. حظي هذا الاتفاق لوصف الاتفاق البارد. وهذا صحيح. فهو بارد ليس لأنّ إسرائيل أرادت ذلك وإنّما بسبب السياسة المقصودة للرئيس الأسبق مبارك، لتجنّب أيّ نوع من التطبيع مع إسرائيل.

المشير عبد الفتاح السيسي (الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري)
المشير عبد الفتاح السيسي (الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري)

لم يعد مبارك اليوم في السلطة وبعد قليل سيتمّ انتخاب رئيس جديد. ولذلك من الطبيعي أن نفكّر في احتمال التغيّر في موقف مصر تجاه إسرائيل. هناك قلق لدى الكثيرين في الدولتين من وضع الأمور على الطاولة أو كما يقولون في إسرائيل من الحديث “دغري”، شيء مثل “وضع النقطة على الحرف”. هناك شذوذ في العلاقة التي استمرّت لأكثر من ثلاثة عقود وحان الوقت لتغيير ذلك.

تأسست في إطار معاهدة السلام لجنة تنسيق بين كلا الجيشين والتي تلتقي مرّتين كلّ عام. مرة في مصر ومرة في إسرائيل، في المقرّ الرسمي للسفراء. كان من دواعي سروري استضافة هذه اللجنة في منزلي بالقاهرة ويجب أن أقول إنّها كانت تجربة تبعث الأمل.

اتّسمت هذه الاجتماعات بالانفتاح، الصدق والثقة. من الجانب المصري، كان في رئاسة اللجنة رئيس المخابرات أي السيسي. وهكذا، فيما لو تمّ انتخابه الرئيس القادم لمصر فسيكون شخصًا يعرف نظراءه الإسرائيليين وأهمية الحفاظ على معاهدة السلام.

زيارة جون كيري الى القاهرة ومقابلته مع السيسي (U.S. State Department Flickr)
زيارة جون كيري الى القاهرة ومقابلته مع السيسي (U.S. State Department Flickr)

وعلاوة على ذلك، ففي الدستور الذي أعدّه الرئيس السابق، مرسي، بسرعة هناك بند يشير إلى أنّه ليس بإمكان رئيس الدولة إعلان الحرب دون مشاورة المجلس العسكري الأعلى والحصول على موافقته. كان السيسي وزير الدفاع المصري ورئيس المجلس العسكري الأعلى. وضع هذا البند للوقاية ضدّ الخطوات المتسرّعة التي قد تؤدّي إلى تدهور من الصعب إيقافه. بما أن جميعنا يذكر القرارات المتسرّعة وغير المدروسة التي اتّخذها جمال عبد الناصر ليلة حرب 1967. ونحن نعلم اليوم أنّه كان ممكنًّا تجنّب تلك الحرب.

أقول كلّ هذا لأنّني أؤمن أنّ السيسي بصفته الرئيس القادم لمصر، والذي كما ذكرنا يعلم الأشخاص المعنيّين، سيعمل على تجنّب الوصول إلى تدهور غير ضروري ولا يخدم أيّا من الجانبين.

إنّ اتفاق السلام هو مصلحة مشتركة لكلا الدولتين بنفس الدرجة، بحيث يمكننا أن نقدّر دون المخاطرة بخطأ كبير بأنّ الحفاظ على اتفاق السلام سيستمر حتّى بعد الانتخابات الرئاسية المصرية.

مقابلة السيسي وبوتين (AFP)
مقابلة السيسي وبوتين (AFP)

إنّ التغييرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط في أعقاب الربيع العربيّ وظهور الجماعات المتطرّفة التي تهدّد استقرار المنطقة، تتطلّب منظورًا جديدًا للعلاقات الثنائية بين مصر وإسرائيل. أكتب هذا ليس لأنّني أطلب من إسرائيل أن تتسوّل من أجل التغيير في العلاقة، وإنّما لأنّ وجود رئيس جديد لمصر يلزمنا بدراسة السياسة الخارجية الأفضل لبلاده، في أعقاب هذه التغييرات، وبتحديد المصالح التي تهمّنا.

من وجهة النظر هذه فقط، إذا تم عمل فحص جديد موضوعي وخال من الآراء المسبقة، فسيكون الاستنتاج أنّ مصر وإسرائيل ملزمتان بتغيير العلاقات بينهما للأفضل. عليهما أن تبرزا المصالح المشتركة التي تشكّلت ضد إرادتهما بدلا من تكريس ما يفرّق بينهما.

الإرهاب الجهادي المتفشّي في سيناء موجّه ضدّ إسرائيل ومصر على السواء. الدولتان معنيّتان في سيادة الهدوء التامّ بشبه جزيرة سيناء وإعادة السياحة لهذه المنطقة. العمل ضد الاختراق الإيراني في المنطقة هو مصلحة أخرى. الهيّمنة التركية، إضعاف حماس للبلدين. الرغبة المصرية هي أن يتعافى اقتصادها، وأمل إسرائيل هو أن تكون مصر مستقرّة ومزدهرة.

حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)
حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)

ولذلك أعتقد أن الرئيس المصري الجديد سيضطرّ أن يقف كرجل عسكري، بجرأة أمام شعبه وأن يقول بصراحة إنّ واقع المنطقة يلزمنا على تغيير موقفنا من إسرائيل. ولقد كان هناك رئيس مصري واحد قام بذلك في الماضي غير البعيد وحظي بلقب “بطل الحرب وبطل السلام” وأحدث تغييرًا استراتيجيًّا كبيرًا.

أعود وأشير إلى أن إسرائيل لا تحتاج إلى الركض وراء مصر لأنّ هذا قرار مصري ذاتي. بعد إقرار الدستور الذي حظي بدعم شعبي كبير يمكن التقدير بأن السيسي سيُنتخب بتأييد شعبي جارف كذلك. ومن المرجح أيضًا أنه لو تجرّأ رئيس مصر القادم على أن يقول لشعبه بأن تحسين العلاقات مع إسرائيل هو مصلحة مصرية مهمة، فسيحظى بدعم جارف تمامًا كما كان مع سابقه، السادات.

اقرأوا المزيد: 748 كلمة
عرض أقل
هل سيحدث هذا قريبا؟ سيسي ونتنياهو يتصافحان (صورة فوتوشوب)
هل سيحدث هذا قريبا؟ سيسي ونتنياهو يتصافحان (صورة فوتوشوب)

بعد 35 عامًا: ألم يحن الوقت لإيقاف الاختباء؟

إذا كان النظام الحالي في مصر معنيّا بتكريم ذكرى الرئيس السادات وإظهار قيادة لا تخاف من شرطة الآداب القطرية أو الإيرانية، فإنّ عليه الكفّ عن التصرّف مع إسرائيل باعتبارها "المحبوبة غير الشرعية" والكفّ عن إخفاء التنسيق بين الدولتين

التوضيح الذي نشره الناطق باسم الجيش المصري، بعد التقارير والاستفسارات للحصول على الردّ، والذي بحسبه قد تمّ لقاء بين رجال الجيش المصري ونظرائهم في إسرائيل، هذا التوضيح مرّ تقريبًا دون تطرّق إليه. وبحقّ.

فقط في منظومات حديثة معيّنة في الدوحة، فإنّ اللقاء بين رجال الأمن من دولتين تشتركان بحدود مشتركة (والتي اختار آلاف الإرهابيّين التواجد بها مصادفةً) يعتبر أخبارًا هامة.

في العالم الحقيقي، يعلم الجميع أنّ هناك تعاون أمني وثيق جدّا قائم بين إسرائيل ومصر، وبشكل أساسي في مجال مكافحة الإرهاب، وأنّ العلاقات بين الجيشَين سليمة.

منذ توقيع معاهدة السلام مع مصر، وخصوصًا في عهد الرئيس السابق مبارك، لعبت القاهرة لعبة متعبة من “ساخن – بارد”. نظام مشكوك بشرعيّته، لا يمكنه التحدّث بصراحة وصدق مع المواطنين، وهكذا، فعلى الرغم من انتهاء حالة الحرب بين كلا الدولتين، بقي السلام الحقيقي والعلاقات الطبيعية مجرّد حلم فقط.

فضلًا عن ذلك، فقد تميّز النظام المصري في عهد مبارك بالتحريض ضدّ إسرائيل في وسائل الإعلام، في الأدب والأوساط الأكاديمية، وبدلا من تعزيز وتشجيع ثقافة السلام الإقليمي، والتي كان بإمكانها أن تساهم، على سبيل المثال، في حلّ الصراع مع الفلسطينيين، فضّل التظاهر بعدم وجود أيّ اتّصال بين القاهرة وإسرائيل.

كانت الأمور في عهد الرئيس مرسي أكثر تعقيدًا: فالإخوان المسلمون يعارضون أيّ اتصال مع إسرائيل بل ودعوا على مدى عقود إلى إبادتها، ولكن لم يكن هناك خيار للرئيس السابق مرسي، الذي حظيَ (ليس واضحًا لماذا) بالدعم الأمريكي، إلا في العيش مع إسرائيل بل والعمل كوسيط ناشط بينها وبين حماس كلّما هدّد الصراع العسكري في قطاع غزة بالخروج عن نطاق السيطرة.

يعلم الجميع أنّه قد تمّ توقيع معاهدة سلام بين إسرائيل ومصر قبل 35 عامًا. وسمع الجميع (ومن لم يسمع، مدعوّ لذلك) خطاب الرئيس الراحل السادات في الكنيست، والذي دعا فيه إلى إنهاء إراقة الدماء، وفهم الجميع أنّه من دون تنسيق أمني بين الجيش الإسرائيلي والمصري فسيتحوّل قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء إلى أفغانستان. ورغم ذلك، يستمر الجميع بالاختباء.

إذا كان النظام الحالي في مصر معنيّا بتكريم ذكرى الرئيس السادات وإظهار قيادة لا تخاف من شرطة الآداب القطرية أو الإيرانية، فإنّ عليه الكفّ عن التصرّف مع إسرائيل باعتبارها “المحبوبة غير الشرعية” والكفّ عن إخفاء التنسيق بين الدولتين.

سئم الجميع من الحديث عن التعاون الاقتصادي والسياسي الذي من المفترض أن يؤدّي إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والازدهار الاقتصادي الإقليمي. ولكن مع وجود القليل من التعاون لمنع الإرهاب؛ يجب أن نكون فخورين أو على الأقل أن نتوقّف عن الاختباء.

http://youtu.be/M_5q3W08Pj0

اقرأوا المزيد: 370 كلمة
عرض أقل
مناحم بيجن وانور السادات (GPO)
مناحم بيجن وانور السادات (GPO)

حين شكّك الإسرائيليّون بالسادات

وثائق جديدة من غرف النقاشات يُكشف عنها الآن، بعد 36 عامًا، تكشف عن الهوّة التي فصلت بين الجانبَين في كامب ديفيد

26 مارس 2014 | 11:14

أظهرت بروتوكولات جديدة نشرت اليوم من قبل أرشيف الدولة الإسرائيلي، بمناسبة مرور 36 عامًا على المعاهدة التاريخية بين إسرائيل ومصر، إلى أي مدى كانت الفجوة عميقة بين الإسرائيليين ومصر. تصف الوثائق النقاشات حول الاتفاق بين النخبة الإسرائيلية، بدءًا من كامب ديفيد، والتي وافق خلالها الطرفان على “اتّفاق إطار للسلام”، وصولا إلى الأيام الدراماتيكية في آذار عام 1979، والتي تمّ خلالها صياغة معاهدة السلام التاريخية نهائيًّا.

ومن المثير للاهتمام اليوم، عندما يكون اتفاق السلام هو أمر واقع ومستقرّ تمامًا، كم كان الطرفان قريبين من انفجار المحادثات والعودة إلى حالة الحرب التي استمرّت بين الدولتين على مدى 31 عامًا التي سبقت الاتفاق.

في المحادثات بين الممثّلين وبين الإسرائيليين وبين أنفسهم، ذكر رئيس الحكومة مناحم بيجن ووزير الخارجية موشيه ديان ماضي الرئيس المصري أنور السادات المؤيّد للنازية، مما يشير إلى تخوّفهم من نواياه الحقيقية. اشتكى ديان على أنّه في سنوات الأربعينات من القرن العشرين من أن السادات قد “تحمّس جدًّا لانتصار ألمانيا النازية”، بينما قال بيجن إنّ السادات عرض مهاجمة السفارة البريطانية في القاهرة، ولكن جمال عبد الناصر قد منعه. حينذاك طلب  وزير الدفاع عيزر وايزمان، الذي ذكّر الحضور أنّه تاريخ بعيد، إيقاف النقاش حول الموضوع.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد سخر بيجن إلى حدّ ما من دور الرئيس المصري في حرب نكسة حزيران عام 1967: “كان أداؤه في الحرب سيّئا”، قال بيجن وأضاف أنّ السادات: “جلس لعدّة أيام في المنزل دون أن يقوم بأي عمل. وحين علم بالهزيمة بقي في منزله”.

وممّا أزعج الإسرائيليين أكثر من كلّ شيء هو الطلب المصري بالانسحاب الكامل من جميع الأراضي التي احتلّتها إسرائيل في تلك الحرب، بما في ذلك أراضي الضفة الغربية. كان بيجن، ديان ووايزمان على توافق في الآراء بخصوص أهمية استمرار السيطرة على الضفة الغربية، وكانوا على استعداد لتقديم تنازلات خرافية أمام المصريين أنفسهم، وذلك لعدم تحمّل المخاطر في الشأن الفلسطيني. “الأهم هو الضفة الغربية”، قال وايزمان، وأضاف: “أنا مستعد في سيناء للذهاب شوطًا طويلا أكثر ممّا ظنّنا في أيّ وقت مضى”.

فهم بيجن أيضًا أنّ الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل هو منع إمكانية إقامة دولة فلسطينية، وأشار قائلا: “اقترحت على كارتر إلغاء الحكم العسكري في الأراضي المحتلة، ولكن الجيش سيبقى. نحن لا نريد أن تشترك منظمة التحرير الفلسطينية ولذلك فهذا هو الطريق الوحيد. حسب تعبيره: “لم يقل كارتر كلمة واحدة تعبّر عن الرفض”.

في نهاية المطاف، استطاع الإسرائيليون الحصول على ما يريدون. تمّ توقيع معاهدة السلام مع مصر، وانسحبت إسرائيل حتّى خطّ الحدود الدولي مقابل معاهدة سلام كامل. ومن ناحية أخرى، لم يشمل الاتفاق الطلب المصري بالانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة. بدلا من ذلك، التزمت إسرائيل بمنح “حكم ذاتي” فلسطيني، وهو الطلب الذي نوقش بعد ذلك لسنوات، وجاء إلى حيّز الوجود فقط مع إقامة السلطة الوطنيّة الفلسطينية عام 1994.

اقرأوا المزيد: 419 كلمة
عرض أقل
زيارة رئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر إلى إسرائيل (GPO)
زيارة رئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر إلى إسرائيل (GPO)

الزيارة التي تمخّض عنها السلام، والعلاقات الآخذة بالتدهور

35 عامًا تمامًا مرّت منذ زيارة رئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر إلى إسرائيل، والتي تعهّد فيها أن تقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل للأبد وأقنعها بتوقيع معاهدة السلام مع مصر. لماذا نراه اليوم كارهًا لإسرائيل؟

اليوم وقبل 35 عامًا تمامًا وقف رئيس الولايات المتحدة، جيمي كارتر، على منصة الخطابات في الكنيست الإسرائيلي، وقال: “سبعة رؤساء أمريكيّون آمنوا وأثبتوا أنّ علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل هي أكثر من مجرد “علاقات متميّزة”. لقد كانت ولا تزال علاقة فريدة من نوعها. إنها علاقة لا يمكن تدميرها، لأنّها تستند إلى وعي، أخلاق، دين وإيمان الشعب الأمريكي نفسه”.

لقد جاء خمسة رؤساء أمريكيون بعد كارتر حتى اليوم، وجميعهم كان ملتزمًا تمامًا بالولاء الأمريكي لإسرائيل. ولكن جيمي كارتر نفسه تحديدًا، الرئيس الذي دفع بكامل جهده لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ووصل إلى الإنجاز الأهم (وهنا من سيقول: الإنجاز الوحيد على مدى أربع سنوات من ولايته)، لا يزال محفورًا في الوعي الإسرائيلي باعتباره الرئيس الأقل ودّية لدولة اليهود.

مرورًا بِكان سفر كارتر إلى القدس هو جهده الأخير، المرحلة الأخيرة في الطريق إلى معاهدة السلام التاريخية بين مصر وإسرائيل. في نفس الوقت بدت الزيارة وكأنها مقامرة غير ناجحة وميؤوس منها، نظرًا للفجوات الواسعة بين الإسرائيليين وبين مصر. استمرت زيارة كارتر لإسرائيل ثلاثة أيام، وكانت محفوفة بالأزمات والمناقشات المثيرة بين الوفد الأمريكي برئاسة كارتر وبين القيادة الإسرائيلية، والتي طرحت موقفًا ثابتًا إزاء مطالبات مصر.

في مرحلة ما خلال المناقشات مع الجانب الإسرائيلي، وقف كارتر على رجليه ووبخ رئيس الحكومة الإسرائيلية، مناحم بيجن قائلا: “هل تريد السلام أصلا؟”. في اللحظة الأخيرة تمامًا، حيث كان يبدو أنّ المحادثات ستفشل والرئيس الأمريكي كان متأهّبًا للعودة إلى واشنطن بأيدٍ فارغة، فقط حينذاك تم تحقيق الانفراجة التي مكّنت كارتر من العودة إلى القاهرة والحصول على موافقة السادات على جميع بنود الاتفاق. بعد أسبوعين من ذلك، في 26.3.1979 وقّعت إسرائيل ومصر على معاهدة السلام.

تلك هي نقطة للتفكير: اليوم أيضًا نحن نرى مسؤولا أمريكيَا كبيرَا جدَا يبذل كلّ جهده السياسي لتحقيق انفراجة سياسية في الشرق الأوسط. هل سيتبيّن في النهاية أن رهان جون كيري أيضًا كان صحيحًا؟ وكيف سينظر إليه  التاريخ؟

لم يكن مصير القادة الثلاثة الذين حقّقوا الخطوة التاريخية جيّدًا. تم اغتيال رئيس مصر أنور السادات، أصيب مناحم بيجن بالاكتئاب واستقال من منصبه، في حين أنّ رونالد ريجين هزم كارتر  في انتخابات عام 1980، ولم يحظ للاستمرار بولاية أخرى. ولكن الخسارة في الانتخابات لم تكن الكلمة الأخيرة بالنسبة لكارتر.

منذ انتهاء ولايته كرّس كارتر حياته لتعزيز السلام حول العالم. يعمل “مركز كارتر” برئاسته بشكل كبير في العالم الثالث على حلّ الصراعات، تعزيز حقوق الإنسان، مشاريع للتلقيح ضدّ الأمراض، ومشاريع لزيادة الإنتاج الزراعي. وقد حظي بفضل هذه الأعمال أيضًا على جائزة نوبل للسلام عام 2002.

ولكن في السياق الإسرائيلي – العربي عزّز كارتر موقفه باعتباره مؤيّدًا للجانب العربي، ومنتقدًا حادًّا للجانب الإسرائيلي. ويظهر تأييده ذلك في كتابه الذي نُشر عام 2006: Palestine: Peace Not Apartheid‏، والذي حمّل فيه إسرائيل بشكل كبير المسؤولية عن فشل عملية السلام بينها وبين جيرانها العرب والفلسطينيين. في الاحتياط والذي أغاظ الإسرائيليين بشكل خاصّ هو استخدام كلمة “فصل عنصري” (أبارتهايد).

فضلا عن ذلك، ففي السنوات الأخيرة قام كارتر ببعض الخطوات التي أدّت بالكثيرين إلى الشكّ في حياديّته باعتباره وسيطًا للسلام في الشرق الأوسط. بل وقد كشف صديقه السابق، رجل الشعب اليهودي – الأمريكي آلان ديرشوفيتز، أنّ كارتر قد تلقّى دعمًا كبيرَا من رجال أعمال عرب. قال كارتر في وقت سابق بأنّ الصحفيّين المحترمين لا يمكنهم كتابة تقرير عادل حول الشرق الأوسط، لأنّه يتم تمويلهم بما سمّاه “المال اليهودي”، ولكنه في نفس الوقت لم يمتنع عن قبول ملايين الدولارات من مصادر سعودية ومن الإمارات العربية المتحدة.

خطوة أخرى قد أغضبت الكثيرين في إسرائيل، وهي استعداد كارتر للقاء مسؤولين يدعون بشكل صريح إلى محو إسرائيل من خارطة العالم. عام 2008، التقى مرّتين برئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، ومع الرئيس السوري بشّار الأسد. وكانت المواقف التي أعرب عنها في تلك الزيارات متوافقة تمامًا مع مواقف الأسد: ادّعى كارتر أنّه من غير المعقول تحقيق السلام إنْ لم تنسحب إسرائيل من جميع أراضي الجولان. بعد سنوات ليست كثيرة بدأ الأسد بذبح شعبه بوحشية.

عام 2009 التقى كارتر مع رئيس حكومة حماس المُقالة، إسماعيل هنية، وأعرب أمامه عن أسفه بأنّ “المجتمع الدولي يتجاهل صرخات المواطنين الفلسطينيين ويعاملهم كالحيوانات”. وقد انتقد رئيس الكنيست حينذاك، رؤوفين ريفلين، كارتر وقال له إنّ أنشطته يُشار إليها في إسرائيل بأنّها دعم للإرهاب.

ليس من الواضح، ما الذي أدّى بكارتر إلى أن يقوم بهذا التحوّل من موقف الداعم رقم 1 في العالم لإسرائيل، إلى أحد أشدّ المنتقدين لها. بصفته رئيسًا للولايات المتحدة حرص كارتر على علاقة غير قابلة للكسر بين القوى العظمى الأمريكية وبين حليفتها في الشرق الأوسط. ولكنه بصفته رئيسًا سابقًا فقد صرّح مرّة تلوَ الأخرى بأنّ إسرائيل هي المسؤولة عن غياب السلام في الشرق الأوسط.

هل هو المال السعودي الذي أدّى بكارتر لتغيير رأيه؟ وهل سنصادف في المستقبَل رؤساء أمريكيين آخرين يشوّهون صورة إسرائيل في اللحظة التي يتركون فيها البيت الأبيض؟ وحدها الأيام كفيلة بالإجابة.

اقرأوا المزيد: 727 كلمة
عرض أقل
حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)
حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)

النضال من أجل السلام، ومحاربة الكآبة – حياة بيجن

قبل 22 عامًا، وافت المنية مناحيم بيجن، رئيس الحكومة وقت توقيع اتّفاق السلام التاريخ مع مصر. فهل قاد المسار، أم اقتيد للتوقيع عليه خلافًا لوجهة نظره؟

مرّ 22 عامًا على وفاة مناحيم بيجن، الرجل الذي وقّع باسم دولة إسرائيل على أوّل معاهدة سلام لها مع دولة عربية. كان بيجن تحديدًا، اليمينيّ الصريح – أوّل رئيس حكومة يمينيّ في إسرائيل – أوّل مَن تنازَل عن أراضٍ احتلتها إسرائيل مقابل معاهدة سلام، إذ وقّع عام 1978 على اتّفاق كامب ديفيد، الذي اشتمل على انسحاب إسرائيلي تامّ من سيناء.

اليوم، يبدو أنّ بنيامين نتنياهو، الذي يترأس الحزب الذي أسسه بيجن، يسعى ليكون أكثر شبهًا ببيجن اليمينيّ والقوميّ، لا ببيجن المتنازِل والتسووي – رغم أنّ التاريخ يمكن أن يبرهن عكس ذلك. يُطرَح السؤال: هل بيجن هو الذي قاد إلى معاهدة السلام التاريخية مع مصر، أم إنّ الظروف هي التي دفعته إلى هناك؟

الرئيس الاميريكي جيمي كارتر ومناحم بيجن
الرئيس الاميريكي جيمي كارتر ومناحم بيجن

يتّفق المؤرّخون على كون مناحيم بيجن رجلًا عانى من الكآبة. ومن المعروف اليوم أنه تناول في فتراتٍ معيّنة من حياته أدوية لمعالجة الكآبة. ادّعى العالم النفسي عوفر غروزبرد، الذي وضع سيرة حياة لبيجن ركّزت على نفسيّة القائد، في كتابه أنّ كلّ الحياة العامّة لبيجن تميّزت بحلقات تراوحت بين الهبوط والانعزال وبين لحظات النصر والكبرياء.

وفق غروزبرد، رافقت الكآبة بيجن منذ مقتل والدَيه من قِبل النازيين في أربعينات القرن العشرين. وفي باقي حياته، كان معتادًا أن يستجيب للهزائم والأزمات بالغرق في الكآبة. فهكذا كان ردّ فعله عند تفكيك تنظيم “الإيتسل” السري الذي ترأسه عام 1948، عند هزائمه في الانتخابات للكنيست، حين مرّت المحادثات مع بأزمات، وحينَ تظاهر معارِضون خارج بيته، ودعوه إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة.

مبادرة السادات، مُصادَقة شارون

كان أنور السادات، لا بيجن، المبادِر الفعليّ إلى عملية السلام، حين قرّر بشكل مفاجئ زيارة القدس في تشرين الثاني 1977. حتّى تلك اللحظة، كان بيجن يفضّل التمسّك بمواقفه حول حقّ إسرائيل في الاحتفاظ بكلّ الأراضي التي احتلّتها في حرب الأيام الستة عام 1967. “مَن لا يعترف بحقنا في الوطن كله لا يعترف أيضًا بحقّنا في قسم من أراضيه”، قال بيجن حول حقّ السيطرة على جميع أقسام “البلاد”.

من الظلم القول إنّ شخصية بيجن وموقفه المتصلب لم يلعبا دورًا هامًّا في التوصُّل إلى اتّفاق سلام. فالسادات، الذي أدرك كون بيجن زعيم اليمين في إسرائيل دون منازِع، أدرك أنه هو – وهو وحده – مَن يستطيع إقناع الإسرائيليين بالانسحاب من أراضٍ مقابل اتّفاق سلام حقيقيّ.

لكن دون الوزراء في حكومة بيجن: موشيه ديان وزير الخارجية، عيزر وايزمان وزير الدفاع، وأريئيل شارون وزير الزراعة، كان هناك شكّ في أن يمتلك بيجن الشجاعة التاريخية لاتّخاذ قرار حاسم بالانسحاب التامّ من شبه جزيرة سيناء. كان ديان ووايزمان مَن أدارا معظم المفاوضات مع المصريين. لم يشعر السادات نفسه بودّ كثير تجاه بيجن، الذي كان يبدو له محاميًا شديد التدقيق من أصول أوروبية شرقيّة. مقابل بيجن، كان ديان ووايزمان عسكريَّين عريقَين، ما أثار احترام السادات وإعجابه.

لم تُفارق الكآبة بيجن في تلك الفترة أيضًا. يروي عيزر وايزمان، الذي كان وزير الدفاع في حكومة بيجن الأولى، حول الطريقة التي أدار فيها بيجن المفاوضات مع مصر: “أتى إلى النقاشات بمزاج سيّء. أظهر لامبالاة بما يجري. لم يتدخّل في الجدالات، ولَم يفرض النظام على المُتحاوِرين… كانت عيناه مركّزتَين على مكانٍ ما غير معروف. سادت الشائعات أنّ الأدوية تغلّبت عليه. ثمّ سُرّبت شائعات أكثر حول أنّ بيجن في مزاج سيء جدًّا، وأنه يمكن أن يستقيل”. وفيما سيطرت الكآبة والتشاؤم على بيجن، تحمّل ديان ووايزمان عبء التفاوُض.

عيزر وايزمان وموشيه ديان في كامب ديفيد (AFP)
عيزر وايزمان وموشيه ديان في كامب ديفيد (AFP)

عام 1978، قبل التوقيع على اتّفاق كامب ديفيد الذي حدّد مبدئيًّا انسحاب إسرائيل من سيناء، استصعب بيجن إخلاء المستوطَنات الإسرائيلية في منطقة جنوب وغرب رفح. فقط بعد محادثة هاتفية مع وزير الزراعة أريئيل شارون، الذي اعتُبر حينذاك “أبا المستوطنات”، وافق رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووقّع على الوثيقة. كان بيجن بحاجة لـ”مصادقة” شارون للموافقة على إخلاء المستوطنات من سيناء.

الغياب النهائيّ

أدّى اتّفاق السلام مع مصر إلى تغيير تاريخيّ، لكنّ كآبة بيجن لم تختفِ.أدّى الدمج بين وفاة زوجته عليزة وتورُّط إسرائيل في حرب لبنان الأولى عام 1982، عملية انجرّ إليها بيجن وراء شارون المخادِع الذي كان حينذاك وزير دفاعه، إلى دفع رئيس الحكومة ثمنًا نفسيًّا باهظًا.

التقى رئيس الدولة حينذاك، إسحاق نافون، ببيجن وأصيب بصدمة. “أصبتُ بالذعر حقًّا”، روى نافون انطباعه عن بيجن. وأضاف: “الرجل عاجز عن الأداء، إنه مشوَّش… رئيس الحكومة لا يفعل شيئًا، الوزراء صامتون، والدولة بين يدَيه”. في نهاية المطاف، أدرك بيجن أنه لا يستطيع مواصلة تحمّل مسؤولية رئاسة الحكومة ما دام يعاني من الكآبة. “لا يمكنني بعد”، قال لوزراء حكومته حين علّل لهم استقالتَه عام 1983، ورفض التوسُّع في ذلك.

قضى بيجن السنوات التسع التي مرّت منذ استقالته حتّى وفاته عام 1992 معزولًا في منزله، ومُقلًّا من الحديث مع الناس. لم يفارِق منزله سوى لزيارة قبر زوجته الراحلة، أو لإجراء فحوص طبيّة. اشتاق الشعب إلى الزعيم ذي الكاريزما، وندب غيابَه، لكنّ بيجن كان مصمّمًا على عدم العودة. حتّى اليوم، يذكر الإسرائيليون بيجن كزعيمٍ شُجاع وقويّ، أحرز معاهدة سلام مع مصر، مفضِّلين عدم تذكّر الرجل الذي غرق في سوداوية مفرطة، وهبط دفعة واحدة عن منصة التاريخ.

اقرأوا المزيد: 740 كلمة
عرض أقل